كتاب اللألي العبقرية في شرح العينيّة الحميريّة لبهاء الدين الاصبهاني من ص 210 ـ 235 ص

( 210 )


[8]

عجبتُ مِن قوم أتَوا أحمدا * بخطبــة ليس لهَا موضِـعُ

اللّغة:

«العجب» بالفتح وبفتحتين، والتعجّب : انفعال للنّفس من إدراك الأشياء النادرة الخفيّة الأسباب، أو كيفيّة تابعة لذلك الانفعال، وفي القاموس أنّه إنكار ما يرد عليك.

ثمّ لمّا كان المتعجّب منه ممّا يعظم في نفس المتعجّب ورد في الخبر: عجب ربّك من قوم يساقون إلى الجنة في السلاسل(1)، أي عظم عنده، وفيه أيضاً: عجب ربّك من شاب ليست له صبوة.(2)

«من» للابتداء، أي ابتداء عجبي، ونشأ من قوم.

«القوم»، اختلف فيه أهل اللغة فقيل: هو الجماعة من الرجال والنساء أو منهما.

و قيل: بل هو الجماعة من الرجال خاصّة، و هو المتصوّر، لقوله تعالى: (لا يَسْخَرْقَومٌ مِنْ قَوْم ...وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساء) (3) و لقوله:

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث: 3/183.
2- ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث: 3/183.
3- الحجرات:11، والآية: (...لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوم عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساء...).


( 211 )
وَ ما أَدْرِي وَ سَوْفَ إِخالُ أدري * أقومٌ آلُ حِصْن أَمْ نِساءُ(1)

وهو في الأصل مصدر ،وصف به ثمّ غلب على الرجال لقيامهم بأمور النساء، كما قال سبحانه: (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساء) .(2)

«أتيته» إتياً وإتياناً وإتيانة وإتياً، كعنى ـبضمّ العين أو كسرهاـ : جئته بسهولة، و منه: تأتّى له الأمر، إذا تسهّل وتهيّأ له، وأتيت الماء تأتيه وتأتياً: إذا سهّلت طريقه.

وواتيته مواتاة إذا وافقته، ثمّ اتّسع فاستعمل في مطلق المجيئ ، وجاء أتوته أتوه بمعناه، قال الرّاجز:

يا قَوْمِ ما لي و أباذُؤَيبِ * كُنْتُ إذا أتوته مِنْ غَيْبِ

يَشَمُّ عطفي و يَبَزُّ ثوبي * كَأَنَّني أَرَبْتُهُ بُريْبِ (3)

«الواو» هنا ضمير جمع المذكر العاقل، وذهب المازني إلى أنّها علامة الجمع كما «التاء» علامة التأنيث، وإنّ الضمير مستكن كاستكنانه في: زيد قام، وهند قامت، وكما يقوله الجمهور في نحو: قاما أخواك، وقاموا أخويك، و قمن الهندات.

ومن النّحاة من قال: إنّ بعض العرب يقول في الجمع: الزيدون قام ـ بضمّ الميم ـ فيكتفى به عن «الواو» ، و التزموا في الكتابة أن يريدوا بعد «واو»الجمع المتطرّفة في الفعل: «ألفاً»، فرقاً بينها و بين «واو» يكون لام الفعل،وبينها و بين واو

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت من قصيدة للشاعر زهير بن ربيعة، الملقّب بأبي سلمى، مطلعها:

عفا من آل فاطمة الجواءُ * فَيَمْنٌ فالقوادِمُ فالحِساءُ

(شرح ديوان زهير: ص 97، و ديوانه: ص7).
2- النساء:34.
3- ذكره الخليل في كتاب العين:8/145، و في هامشه نسب البيتان لـ «خالد بن زهير الهذلي» كما في لسان العرب أيضاً:1/442، و ذكره ابن جرير الطبري في جامع البيان: 12/83.


( 212 )
العطف في نحو: إن عبروا ضربتهم، بخلاف ما إذا لم تكن متطرفة ولذا كتبوا نحو: ضربوهم، بلا ألف إذا كان هم مفعولاً، وبالألف إذا كان تأكيداً.

وأمّا واو الجمع اللاحقة للأسماء نحو: شاربو الماء، فالأكثرون لا يكتبون بعدها «ألفاً»لقلّة استعمالها بالنسبة إلى المتّصلة بالفعل، فلم يبال بالالتباس بها.

ومنهم من لا يكتب الألف في اسم ولا فعل.

«أحمد» من أعلام النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ التي نصّ عليها في القرآن المجيد(1)، وهو منقول من «أفعل» الذي هو اسم تفضيل من الفعل المجهول، أي أكثر محموديّة لكثرة خصاله الحميدة، أو المعلوم أي أكثر حمداً للّه سبحانه، أو بمعنى اكسب للحمد، لكثرة خصاله المحمودة كما يقال في قولهم: العود أحمد(2)، أنّه بمعنى اكسب للحمد.

و«الألف» التي بعده لإشباع الفتحة.

«الباء» إمّا للتعدية، أو المصاحبة، أو السببية.

«الخطبة» ـ بالضم وبالكسر ـ من الخطب والمخاطبة والتخاطب بمعنى المراجعة في الكلام، إلاّأنّ المضمومة اختصّت بالكلام المتضمّن وعظاً وإبلاغاً، والمكسورة بما تضمّن طلب نكاح امرأة وأصلها الحالة التي عليها الخاطب حين يخطب، كالحلة والعقدة. ويقال من المضمومة: خاطب وخطيب، ومن المكسورة: خاطب لا غير، وقد اتّسع فيهما فاستعملت المضمومة في كلّ كلام كما ورد في الخبر:

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- في الآية الشريفة، من سورة الصف:6 (وَ إذْ قالَ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إسرائِيلَ إنّي رسُولُ اللّهِ إلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَينَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُول يَأتي مِنْ بَعْدىِ اسْمُهُ أَحْمَد...).
2- في الدرّ المنثور للسيوطي: 5/15 في حديث... فأتاهم أبوبكر فقال: هل لكم في العود، فإنّ العود أحمد. و ذكره الشوكاني في: فتح القدير: 4/216.


( 213 )
أنّ أعرابياً جاء النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فقال: يا رسولاللّه علّمني عملاً يدخلني الجنّة، قالصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم:لئن كنت أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة(1).

والأكثر استعمالها في الكلام الطويل، لأنّ الخطب في الأغلب طوال واستعملت المكسورة في طلب كلّ شيء، يقال: فلان يخطب عمل كذا أي يطلبه.

«ليس» عند الجمهور: فعل ناقص أصله «لَيِسَ» كَهَيِبَ فَخفّف، كما قيل: علم في علم، وصيّد في صيّد، ولا يجوز أن يكون مضموم الياء في الأصل، فإنّ الأجوف اليائي لم يجئ مضموم العين; ولا أن يكون مفتوحها لأنّ الفتحة لا تسكن فلا يقال في ضرب ضرب، وإنّما لم يقلب ياؤه ألفاً مع تحرّكها وانفتاح ما قبلها للدلالة على مفارقته لأخواته، لعدم تصرفه.

وعن أبي علي في أحد قوليه: إنّه حرف(2)، بدليل أنّه لو كان فعلاً لكانت الياء منه متحرّكة في الأصل، ولو كانت كذلك لعادت إلى حركتها عند اتّصال الضمير به كما يقال: صيدت. أو حذفت مع كسر الفاء كـ «هبت»، قال: وأمّا اتصال الضمير به فلتشبّهه بالفعل لكونه على ثلاثة أحرف، وكونه بمعنى «ما كان»، و كونه رافعاً ناصباً.

والجمهور استدلّوا على فعليّته باتّصال الضمائر، وأجابوا عن دليل أبي علي بأنّ ذلك لمفارقته أخواته في عدم التصرّف.

وعن الكوفيين والبغداديّين أنّه قد يكون حرف عطف يقال: ضربت عبد اللّه ليس زيداً، وقال عبد اللّه ليس زيد، و مررتُ بعبد اللّه ليس بزيد، ولا يجوّزون نحو: إنّ زيداً ليس عمراً قائم، لأنّهم يقدّرون العامل بعد المعطوف فيصير التقدير:

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- تفسير القرطبي: 8/183، الطبرسي: تفسير مجمع البيان: 10/365.
2- شرح ابن عقيل:1/262، و «أبو علي» هو «الفارسي».


( 214 )
إنّ زيداً ليس عمراً ان قائم، وأن لا يعمل فيما قبلها. وأجازوا، نحو: ظننت زيداً ليس عمراً قائماً، فإنّ «ظنّ» يعمل فيما قبله.

وأمّا غيرهم فإن وقع مثل هذه الأمثلة قدّروا لـ«ليس» اسماً أو خبراً. وأوّل بعضهم كلام الكوفيين بمثل ذلك وجعل قولهم: إنّه حرف، بمعنى أنّه جرى مجرى الحرف.

ومن المعربين من ذهب إلى أنّه في باب الاستثناء حرف بمعنى «إلاّ».

ثمّ إنّ معنى «ليس» عند سيبويه النفي مطلقاً، تقول في الماضي: ليس خلق اللّه مثله، وقال عزّ قائلاً: (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ)(1) في المستقبل ومنهم من جوّز المستقبل فقط.

وعند الجمهور أنّه للنفي في الحال. وذهب أبو علي إلى أنّه إن لم يقيّد بزمان فهو لنفي الحال وإلاّ فيجب القيد، واختاره أبوحيان ونجم الأئمة رضي اللّه عنه.

وادّعى الأندلسي أنّه لا نزاع بين القبيلين فإنّ الأوّلين إنّما يعممونه بحسب القيود والآخرين يخصّصونه بالحال إذا لم يكن قيد، فهم متّفقون على أنّه مع عدم القيد يحمل على الحال ومع القيد يكون بحسبه.

«اللام» للاستحقاق.

«الموضع» ـ بكسر الضاد ـ : اسم مكان أو زمان من وضعه يضعه بفتح الضاد فيهما، وضعاً وموضعاً بكسر الضّاد وموضوعاً أي حطه، وقد يفتح ضاد الموضع: اسم مكان وزمان ومصدر، أو الأكثر على كسر مفعل مصدراً، أو اسم مكان أو زمان من المثال الواوي.

وإن كان مضارعه على يفعل بالفتح قال سيبويه: إنّما قال الأكثرون

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- هود:8.


( 215 )
«موجل» بالكسر، لأنّهم ربّما غيّروه في توجل و يوجل فقالوا :ييجل ويأجل، فلمّا أعلوه بالقلب شبّهوه بواو «يوعد» المعلّ بالحذف، فكما قالوا هناك: موعد ـبالكسرـ، قالوا هيهنا : موجل(1).

والمراد به هنا إمّا الزّمان أو المكان حقيقة أو الأمر الداعي إلى المتكلّم فإنّ الأمر الدّاعي قد يشبه عند أهل المعاني بالزمان فيسمّى الحال، وقد يشبّه بالمكان فيسمّى بالمقام.

الأعراب:

المراد بالتعجّب من القوم التعجب من حالهم وصنيعهم إمّا تقديراً أو عناية من مجرّد لفظ القوم، أو من وصفهم بما بعدهم على أن يكون المقصود بالإثبات هو القيد، كما يكون المقصود بالنفي في الأكثر القيد فكأنّه قال: عجبت من قوم كذا، من حيث إنّهم كذا ما بعد قوم، من قوله «أتوا» إلى ما سيأتي من قوله تبّاً لما كان به أزمعوا; صفة لهم.

و«الباء» في «بخطبة» إن كانت للتعدية فمدخولها مفعول «أتوا».

وإن كانت للسببيّة كانت متعلّقة به.

وإن كانت للمصاحبة كان الظرف مستقراً حالاً مع عامله المقدّر عن فاعله، وما بعد خطبة صفة لها.

والبيت مستأنف إمّا خبر، أو إنشاء للتعجّب.

المعنى : حصل لي العجب، أي الكيفيّة المخصوصة أو الانفعال المخصوص من صنيع، أو حال قوم جاءوا إلى النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بكلام أو بطلب ليس له

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- شرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين الاسترابادي:1/170. دارالكتب العلمية، بيروت 1395هـ.


( 216 )
موضع، أوجاءُوه بسبب كلام أو طلب، أو مصحوبين بكلام أو طلب، أو عجبت من قوم فعلوا كذا من جهة أنّهم فعلوا كذا لكون هذا الصنيع منهم أمراً نادراً خفي السّبب، أو أنكرتُ منهم هذا الصّنيع، أو عظم عندي لغرابته جدّاً وإنّما لم يكن له موضع لأنّه كان معلوماً من حال النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و من الآيات النازلة في شأنه و من الأقاويل النبويّة في حقّه: أنّه الخليفة بعده، وإن كان المراد بالموضع الداعي فالمراد نفي الداعي: الحق، فإنّ الداعي إلى هذا السؤال إنّما كان رجاء أن ينصّ على أحد منهم أو يفوّض الأمر إليهم .

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: الإتيان بالجملة الفعلية للإيجاز و للدلالة على التجدّد، ولكونها أقرب إلى الإنشاء من الاسمية، وذلك لتقاربهما من جهة أنّ مضمونها متجدّد حادث بعد أن لم يكن، كما في مضمون الإنشاء، وللتصريح بالزمان المقصود مع الاختصار.

الثانية: تنكير قوم لتحقيرهم بإيهام أنّهم لحقارتهم لا يعرفون ولا يعهدون، وللدلالة على نكارتهم، لنكارة صنيعهم كأنّهم لمّا صنعوا ما نُكر و لا يعرف، فكأنّهم ينكرون ولا يعرفون، وليتعيّن وصفهم بالنكرة، إذ لو عرفهم، لوصفهم بالموصول وصلته; والأصل في الصلة أن تكون معلومة للمخاطب; والأصل في الصفة أن تكون مجهولة له، ولذا قيل: إنّ الأوصاف بعد العلم بها صلات، والصلات قبل العلم بها صفات، فأراد أن يدلّ على أنّ هذا الفعل الشنيع الغريب العجيب ليس ممّا يعرفه المخاطب فإنّه من الغرابة بحيث ينكره العقلاء، فنكر القوم ليقع صفته نكرة فيفيد هذه الفائدة.


( 217 )
الثالثة: في الإتيان بلفظ «أتوا» الدالّ على المجيئ بسهولة، دلالة على أنّهم إنّما طلبوا النصّ على الخليفة بأنفسهم من غير إجبار ولا إكراه، وعلى أنّهم كانوا يتمكّنون من استفسار المطالب الدينية بسهولة، وأنّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لم يكن يمنعهم عن ذلك بوجه فيكون أدخل في ذمهم، فإنّهم إمّا أن استفسروا واستعلموا الوصي واستيقنوه ثمّ أنكروه، أو لم يبالغوا في استعلامه.

وعلى كلّ تقدير فهم المفرطون الغاصبون.

الرابعة: التصريح باسم النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ للتبرّك والاستلذاذ. والتصريح باسم المختصّ به لئلاّ يبقى اشتباه وتردد فإنّه مقام التسجيل عليهم بعصيانهم الرسولصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم، ولتعظيم عصيانهم فإنّهم عصوا مثل أحمد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كما يقال: أمير المؤمنين يأمرك بكذا، وللكناية باسمه الشريف على أنّه أحمد الخلائق خصالاً وفعالاً، فلم يكن من شأنه أن يبهم عليهم أمر الخليفة، أو ينصّ عليه لهم بما يبقى لهم فيه شكّ وارتياب، أو ينصّ على من لم يؤمن بالنص عليه من اللّه سبحانه ويتبع في ذلك هواه، أو تكلم به على لسانهم تنبيهاً على أنّهم لم يكونوا مؤمنين بنبوّته ليدعوه بالنبي أو الرسول و إن دعوه بهما لم يكن ذلك على وفق اعتقادهم بل اللائق بحالهم أن يدعوه باسمه.

الخامسة: إنّما عبّر عن مقالهم بالخطبة. أمّا إن كانت بضم الخاء فللدلالة على أنّهم طوّلوا الكلام وبالغوا في ذلك، أو أنّهم قالوا ذلك في صورة الوعظ، وفيه دلالة على سوء أدبهم مع نبيّ اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، وإن كانت بكسر الخاء فلدّلالة على غاية رغبتهم في التنصيص كرغبة الخاطب فيمن يخطبها لنفسه.

السّادسة: تقديم الظرف، أعني: خبر ليس على اسمه للقافية، وتقريب الضمير من مرجعه وزيادة تخصيص الاسم.


( 218 )

البيان:

في التعبير عن مقالتهم بالخطبة، استعارة مصرّحة، ثمّّ إن كانت الباء للتعدية أو المصاحبة كانت فيه استعارة أُخرى مكينة، فإنّه شبّه مقالهم بجسم ينتقل ويحوّل ويؤتى به أو بشيء يستصحب. أو يكون إيقاع الإتيان عليها مجازياً تنزيلاً للدّاعي إلى الإتيان منزلة مفعوله وإقامته لملابسة الداعي به مقام ملابسة المفعول به. أو يكون أتوا استعارة تبعيّة تشبيهاً لإلقاء هذا الكلام بالإتيان به. أو تكون «الباء» استعارة تبعيّة تنزيلاً لملابسة غاية الفعل والداعي إليه ، منزلة ملابسة ما يصحب الفاعل وتشبيهاً لها بها.

وإن أراد بالموضع الأمر الداعي إلى الكلام كان فيه أيضاً استعارة مصرّحة تشبيهاً للملابسة التي بين الداعي والكلام بالملابسة التي بين الظرف و مظروفه في الملازمة بينهما عند البلغاء ومساواة كلّ منهما للآخر، بحيث لا تفصل عنه عندهم، فإنّ البليغ من الكلام ما كان على وفق مقتضى المقام من غير زيادة ولا نقصان ثمّ بيّن خطبتهم، فقال:


( 219 )


[9]

قالوا له لو شئت أعلمتنا * إلى مَنْ الغايــةُ والمَفزعُ

اللّغة:

قالَ يَقُولُ قَولاً وقَوْلَةً وَمَقالاً وَمَقالَةً وقِيلاً وَقالاً: تكلّم بمفردأو مركّب تامّ أو ناقص، أو تكلّم بكلام تامّ. أو القول في الخير، والقال والقيل والقالة في الشر، والقيل والقال اسمان لا مصدران، أو فعلان أُجريا مجرى الأسماء. وفي الخبر: نُهي عن قيل وقال و كثرة السؤال وإضاعة المال.

يروى بالكسر والتنوين و بالفتح، قال الزمخشري في «الفائق»: بناؤهما على كونهما فعلين محكيّين متضمّنين للضمير، والإعراب على إجرائهما مجرى الأسماء خِلْوَين من الضمير ـقالـ: ومنه قولهم: إنّما الدنيا قال وقيل. وإدخال حرف التعريف عليهما لذلك في قولهم: ما يعرف القال من القيل ـقالـ: وعن بعضهم: القال الابتداء، والقيل الجواب، ـقالـ ونحوه قولهم: أعيَيتني من شُبّ إلى دُبّ، و من شُبّ إلى دُبّ(1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الفائق في غريب الحديث: 3/231.


( 220 )
وفي حرف ابن مسعود: «ذلك عيسى ابن مريمَ قال الحقّ الذي فيه يَمْتَرون»(1) وأصل قال: قول بفتح العين لا بكسرها، بدليل يقول، ولا بضمّها لتعدّيه.

قال ابن جنّي: إنّ معنى قاول أنّى وُجدت وكيف وقعت مِن تقدّم بعض حروفها على بعض، و تأخّره عنه إنّما هو للخفوف والحركة، و جهات تراكيبها الست مستعملة كلّها لم يهمل شيء منها وهي قاول، قال، وقل ول ق ل ق، ول و ق.

الأصل الأوّل «قاول» و هو القول، وذلك أنّ الفم واللسان يخفان له ويقلقلان ويمذلان به، وهو بضد السكوت الذي هو داعي إلى السكون، ألا ترى أنّ الابتداء لمّا كان أخذاً في القول لم يكن الحرف المبدوء به إلاّ متحرّكاً، ولمّا كان الانتهاء أخذاً في السّكوت لم يكن الحرف الموقوف عليه إلاّساكناً. ثمّ ذكر باقي الأُصول على التفصيل.

«اللام» في «له» لام التبليغ، وهي الداخلة على اسم السامع، لقول، أو ما في معناه و قيل: إنّها للتعدية.

«لو» حرف ثنائي الوضع له وجوه:

منها: أن يكون من حروف التعليق، ويقال: من حروف الشرط. و يراد أنّه يدلّ على الشرط التقديري، أي الثاني فيها مرتبط بالأوّل على تقدير وجودهما وإليه أشار سيبويه حيث قال: إنّها لما كان سيقع لوقوع غيره، والمشهود أنّها تدلّ على عدم الجزاء لعدم الشرط، وذهب الحاجبي إلى أنّها لعدم الشرط لعدم الجزاء، والحقّ مجيئها للآخَرين.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- في قراءة الآية 34 من سورة مريم.


( 221 )
فالأوّل كقولك: لو جئتني لأكرمتك.

والثاني: كقوله تعالى: (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاّ اللّه لَفَسَدَتا)(1) فإنّه مسوق للاستدلال على نفي تعدّد الإله.

والسرّ في ذلك أنّها تدل على علّيّة الشرط على تقدير وجوده للجزاء، وكما يصحّ الاستدلال على عدم المعلول بعدم العلّة يصحّ العكس إذا كانت العلّة منحصرة فيه حقيقة أو ادّعاه.

وقد تؤتى بها فيما الجزاء مستمرّ الوجود على تقديري وجود الشرط وعدمه، وذلك في كلّ ما يكون نقيض الجزاء أليق بالشرط، ونقيض الشرط أوفق بالجزاء، كقولك: لو أهنتني لأكرمتك.

ومنه قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّما فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرة أَقْلام)(2) الآية.

وقول النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فيما روي عنه في بنت أبي سلمة: أنّها لو لم تكن ربيبتي في حجري (3) ما حلّت لي، إنّها لابنة أخي من الرضاعة(4).

وقول عمر: نعم العبد صهيب لو لم يخف اللّه لم يعصه(5).

ومن ذلك ذهب بعض النُّحاة إلى أنّها إنّما تدل على امتناع الشرط ولا دلالة لها على امتناع الجزاء، بل إن كان مساوياً للشرط في العموم لزم انتفاؤه; للزوم انتفاء المسبب من انتفاء سببه المساوي نحو: لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجوداً، وإن كان أعمّ لم يلزم; لعدم استلزام انتفاء السبب الخاص انتفاء المسبّب

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأنبياء:22.
2- لقمان:27.
3- من المصدر.
4- الإمام الشافعي: المسند: ص 434 و فيه أيضاً (بنت أُمّ سلمة)، و كتاب الأُم:5/152.
5- محمد بن عبد الله الزركشي: البرهان في علوم القرآن: 365، دار إحياء الكتب العربية ـ1377هـ القاهرة، و لسان العرب: 9/190.


( 222 )
العام نحو: لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجوداً.

وقسم ما بعد «لو» إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما اقتضى العقل أو الشرع انحصار مسببية الثاني في سببيّة الأوّل نحو: ولو شِئنا لرفعناه بهما، ونحو: لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجوداً، وهذا يلزم فيه من امتناع الأوّل امتناع الثاني.

والثاني: ما يوجب العقل أو الشّرع عدم الانحصار المذكور نحو: لو نام لا ينقض وضؤوه، ونحو: لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجوداً، وهذا لا يلزم فيه من امتناع الأوّل امتناع الثاني.

والثالث: ما يجوّز العقل فيه كلاً من الانحصار وعدمه، نحو: لو جاءني لأكرمته، وهذا يدلّ على امتناع الثاني دلالة قطعيّة، ولكن المتبادر منه في العرف والاستعمال ذلك، و عندي ليس هذا التحقيق والتقسيم بشيء، فإنّه لا شبهة لمن له أدنى استقراء وتتبّع أنّ المتبادر في جميع هذه الأقسام انتفاء كلّ من الشرط والجزاء ولا يعانده عدم انحصار سبب الجزاء في الشرط، فإنّ المتكلّم حين يقول: لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجوداً، فرض أنّه ليس شيء من أسباب الضوء موجوداً ولا مفروض الوجود إلاّطلوع الشمس، فإذا انتفى انتفى الضوء البتة، وكذا إذا قال: لو نام انتقض وضوؤه، فرض انتفاء جميع نواقض الوضوء حقيقة وفرضاً إلاّالنوم، فانحصار السبب في جميع الأقسام لازم بادّعاء المتكلّم وإن لم يكن منحصراً في الحقيقة.

و من الغريب ما ذهب إليه الشلوبين(1)، و تبعه عليه ابن هشام

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ترجمه ابن قايماز في سِير أعلام النُّبلاء:23/207 قائلاً: الأُستاذ العلام، إمام النحو أبو علي عمر بن محمد بن عمر الأزدي الاشبيلي الاندلسي النحوي الملقّب بـ «الشلوبين».
و ذكره الشيخ عباس القمي في: الكُنى والألقاب: 2/368 و ذكر وفاته في إشبيلة سنة 645هـ.


( 223 )
الخضراوي(1) من أنّها لا تدلّ على امتناع شيء من الشرط والجزاء، قال ابن هشام المتأخّر: وهذا الذي قالاه كإنكار الضروريات إذ فهم الامتناع منها كالبديهي، فإنّ كلّ من سمع لو فعل، فهم عدم وقوع الفعل، من غير تردّد، ولهذا يصحّ في كلّ موضع استعملت فيه أن تعقبه بحرف الاستدراك داخلاً على فعل الشّرط منفياً لفظاً أو معنى، تقول: (لو جاءني أكرمته لكنّه لم يجئ).

و منه قوله:

ولَوْ أنّما أسْعَى لأدْنَى مَعِيشَة * كفاني ولم أُطْلُبْ قليلٌ(2) مِنَ المالِ

و لَكِنَّما أسْعَى لِمَجْد مُؤَثَّلِ * وقَدْ يُدْرِكُ المَجْدَ المُؤَثَّلَ أَمثالي(3)

وقوله:

فَلَوْ كانَ حَمْدٌ يُخْلِدُ النّاسُ لَمْ يَمُتْ * ولكنَّ حَمْدَ النّاسِ لَيْسَ بِمُخْلِدِ(4)

ومنه قوله تعالى: (وَلَوْ شِئْنا لآتَيْنا كُلّ نَفس هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَولُ مِنّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ) (5) أي ولكن لم أشأ ذلك فحقّ القول منّي ، وقوله تعالى: (وَ لَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ)(6) أي فلم يريكموهم

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- هو محمد بن يحيى المعروف بـ «ابن هشام» الخضراوي (المتوفّى سنة 646هـ)، و له «الاقتراح في تلخيص الإيضاح» في النحو، و كتاب «غرر الصباح في شرح أبيات الإيضاح» انظر كشف الظنون للخليفة الحاجبي: 1/213 و إيضاح المكنون، لإسماعيل باشا البغدادي عن ذكر كتابيه.
2- إنّما رفع «قليل» لأنّه لم يجعل القليل مطلوباً، و إنّما المطلوب، عنده «المُلْكُ» و جعل القليل كافياً، و لو لم يُرد ذلك و نصبَ فَسَد المعنى. (كتاب سيبويه: 1/79).
3- ديوان امرئ القيس:139، في قصيدتهالتي مطلعها (ألا عِمْ صباحاً أيّها الطللُ البالي) يتغزّل و يصف مغامراته و صيده و سعيه إلى المجد.
4- البيت من قصيدة لزهير بن أبي سُلمى، يمدح بها هَرَم بن سنان. انظر شرح ديوانه: ص130.
5- السجدة:13.
6- الأنفال: 43.


( 224 )
كذلك. وقول الخماسي:

لَو ْ كُنْتُ مِنْ مازِن لَمْ تَسْتَبِحْ إبِلي * بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْل بن شَيْبَانا(1)

ثمّ قال:

لكنَّ قَوْمي وإن كانُوا ذَوِي عَدَد * لَيْسُوا مِنَ الشرِّ في شيَء وإن ْهَانا(2)

إذ المعنى: لكنني لست من مازن(3). بل من قوم ليسوا في شيء من الشر، و إن هان و إن كانوا ذوي عدد فهذه المواضع ونحوها بمنزلة قوله تعالى: (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُوَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا)(4) (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ)(5) (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللّهَ رَمى)(6). (7)

وفي تعليله صحّة الاستدراك داخلاً على فعل الشرط منفياً بفهم عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيتان لرجل من بَلْعَنْبر اسمه قُريط بن أنيف، هكذا ذكره البياوي في شرحه، يُعيّر قومه بتخاذلهم عن نصره، و قد أغارت عليه بنو شيبان و استباحت إبله . شرح شواهد المغني:1/68 الشاهد 17.
2- البيتان لرجل من بَلْعَنْبر اسمه قُريط بن أنيف، هكذا ذكره البياوي في شرحه، يُعيّر قومه بتخاذلهم عن نصره، و قد أغارت عليه بنو شيبان و استباحت إبله . شرح شواهد المغني:1/68 الشاهد 17.
3- مازن بطن من بني تميم، و خصهم بالذكر لأنه أبلغ فيما أراد من انحطاط قومه بني العنبر حيث تثاقلوا عن نصرته و استنقاذ ماله، إذ هم أقرب نسباً بهم و جواراً، من أجل أن الحسد و البغضاء أسرع إلى الأقرباء منه إلى البُعداء و كذلك الجيران.
و استباح الشيء : وجده أو جعله مباحاً و استأصله. و كل ذلك صحيح هاهنا.
و قال التبريزي في شرح الحماسة: الاستباحة، قيل: هي الإباحة، و قيل: الإباحة التي بين الشيء و بين طالبه، والاستباحة: اتخاذ الشيء مباحاً، و الأصل في الإباحة، إظهار الشيء للناظر ليتناوله متى شاء، و منه: باح بسرّه.
ونسبوا اللقيطة نسبهم إلى أُمّهم، و هنا أراد أنها نبذت فلقطت، فليس لها أصل يعرف. (منه).
4- البقرة:102.
5- الأنفال:17.
6- الأنفال:17.
7- مغني اللبيب:1/256 ـ 257.


( 225 )
الشرط ،غرابة ،فإنّه على عدم فهمه أدلّ منه على فهمه، فإنّ الأصل في الكلام التأسيس وعلى العدم يكون تأسيساً وعلى الفهم تأكيداً.

ثمّ إنّ من المعلوم أنّ هذا الاستدراك جار في أن تقول: إن كانت الشمس طالعة كان النهار موجوداً، لكن الشمس ليست طالعة، بل الأولى أن تقول: ولهذا لا يصحّ الاستدراك داخلاً على فعل الشّرط كما يجوز ذلك في «إن» فإنّه يدل على أنّ الشرط لا يحتمل الثبوت كما يحتمله مع «ان» فيكون الاستدراك بذلك مناقضاً له، ثمّ جعلها بمنزلة نحو: (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) وما بعده أغرب، لأنّها كلّها استثناء للإثبات من النفي، و المطلوب استثناء النفي من النفي، وإن قال إنّالإثبات فيها بمعنى نفي المنفى سابقاً، حتى إنّ قوله :(لكِنَّ الشَّياطينَ كَفَرُوا)بمعنى : لكن ما كفر سليمان، وكذا ما بعده كان عليه منع ظاهر.

نعم نسلّم الاستلزام فيما بعده لا فيه، لأنّ كفر الشياطين لا ينافي كفر سليمان، و ما الداعي إلى جعل هذه الجمل بذلك المعنى مع أنّ عليه يلزم أن تكون تأكيدات والتأسيس راجح.

فإن أجاب عن الاعتراض الأوّل: بأنّ هذا الاستدراك يدلّ على أنّ المتكلّم يعلم انتفاء الشرط، فلا يكون لو كان.

وأمّا الاستدراك بعد «ان» فليس على وفق وضعها وحقيقتها فإنّها موضوعة لما يكون المتكلّم شاكّاً في وقوعه ولا وقوعه، ولا يصحّ استدراكه للإيجاب ولا للنفي، فإن وقع شيء من ذلك لم تكن «ان» على حقيقتها.

قلنا: غاية ذلك أن لا تكون «لو» مختصّة بمقام الشكّ، وأن يكون إذا تعقبها الاستدراك كانت فيما يمنع الشرط، ولا يلزم اختصاصها بذلك لجواز أن تكون مشتركة بين المقامين.

وغاية ما يقال في الجواب: أنّه إنّما ذكره تأييداً وتنبيهاً على البديهي ومثله في


( 226 )
مثله كاف.

ثمّ إنّ الجمهور على أنّها لا يليها إلاّماض لفظاً و معنًى، أو معنى فقط، وأنّه إن وليّها مضارع قلبتها إلى الماضي، على عكس«ان»، كقوله تعالى: (لَوْ نَشاءُأَصَبْناهُمْ)(1).

وزعم قوم أنّ استعمالها في المضي هو الغالب و أنّها قد تستعمل للشرط في المستقبل بمعنى «ان» كقوله:

وَ لَوْ تَلتَقي أَصْداؤنا بَعْدَ مَوْتِنا * وَ مِنْ دُونِ رَمْسَيْنا مِنَ الأرْضِ سَبْسَبُ

لَظلَّ صَدَى صَوْتِي و إنْ كُنْتُ رِمَّة ً * لِصَوْتِ صَدَى لَيلَى يَهَشُّ وَ يَطْرَبُ(2)

وقوله :

وَ لَوْ أنَّ لَيلى الأَخْيَلِيّةَ سَلَّمَتْ * عَليَّ وَ دُونِي جَنْدَلٌ وَ صَفائِحُ

لَسَلَّمْتُ تَسْلِيمَ البَشاشَةِ أَوْزَقا * إلَيها صَدىً مِنْ جانِبِالقَبْرِ صائِحُ(3)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأعراف:100.
2- البيتان من قصيدة لأبي صخر الهُذَلي، و هما آخرها. و نسبهما العيني في الكبرى لقيس بن الملوّح المجنون، و ليس كذلك. (شرح شواهد المغني: 2/643، الشاهد 403).
3- البيتان لتوبة بن الحُميّر ـ بضمّ الحاء المهملة، و فتح الميم و تشديد الياء المثناة. شرح شواهد المغني: 2/644، الشاهد: 404.
و «الجندل» : بفتح الجيم وسكون النون: الحجارة.
والصفائح: الحجارة العراض تكون على القبور، وهي جمع صحيفة.
; وزق: بالزاي والقاف: الصدى،وقد ذكر معناه في الحاشية.
والأصداء: جمع صدى، وهو الذي يجيئك بمثل صوتك في الجبال وغيرها، صمّ صداه
وأصم اللّه صداه، أي أهلكه لأنّ الرجل إذا مات لم يسمع الصدى منه شيئاً فيجيبه.
والرمس: تراب القبور.
وسبسب: بمهملتين مفتوحتين وموحدتين أوّلهما ساكن: المفازة.
والرِّمّة ـ بكسر الراء وتشديد الميم ـ : العظام البالية، والجمع: رمم ورمام، رمّ العظم يرم إذا بلى. وهشّ من الهشاشة وهو الارتياح والخفة للشيء(منه).


( 227 )
وقوله تعالى: (وليَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ)(1) فهنا تناول الماضي بالمستقبل.

ومن أوجه «لو» أن تكون للتمنّي نحو: لو يأتني فيحدّثني، قيل: و منه قوله تعالى: (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً)(2) ولذا نصب جوابها.

واختلف في لو هذه فقيل: إنّها قسم برأسها لا جواب لها، إلاّ أنّه قد يؤتى لها بجواب منصوب كما يؤتى لليت.

وقيل: إنّها «لو الشرطية» اشتربت معنى التمني، بدليل أنّه جمع لها بين جوابين: منصوب بعد الفاء، و آخر باللام في قوله:

فَلَوْ نُبِشَالمَقابِرُ عَنْ كُلَيْب * فَيُخْبَرَ بِالذّنائِبِ أَيُّ زِيرِ

بِيَوْمِالشَّعْثَمِينَ لَقَرَّ عَيْناً * وَ كَيْفَ لِقاءُ مَنْ تَحْتَ القُبُورِ(3)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- النساء: 9.
2- الشعراء: 102.
3- البيتان من قصيدة لـ «مهلهل» يرثي بها أخاه كليبا، و أولّها:

إلَيلتُنا بذي حُسم أنيري * إذا أنتِ انقضيت فلا تحوري

انظر «شرح شواهدالمغني»:2/654، الشاهد 412 عن «شعراءالجاهلية»:168 ـ 170.


( 228 )
و قيل: إنّها «لو» المصدرية أغنت عن فعل التمنّي، ومن أوجهها أن يكون للعرض نحو: لو تنزل

عندنا فتصيب خيراً.

«المشيئة»: الإرادة وقد شئت الشيء أشاؤه، و يقال: كلّ شيء بمشيئة اللّه ـ بكسر الشين ـ كشيعة، أي بإرادته.

وعن الأصمعي: شيأت الرجل على الأمر: حملته عليه.

قال الراغب: والمشيئة عند أكثر المتكلّمين كالإرادة سواء، و عند بعضهم أنّ المشيئة في الأصل إيجاد الشيء وإصابته، وإن كان قد يستعمل في التعارف موضع الإرادة فالمشيئة من اللّه تعالى هي الإيجاد، و من الناس الإصابة، قال: والمشيئة من اللّه تقضي وجود الشيء، ولذلك قيل: «ما شاء اللّه كان و مالم يشأ لم يكن» والإرادة منه لاتقتضي وجود المراد لا محالة، ألا ترى أنّه قال: (يُرِيدُاللّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر)(1) و قال: (وَمَا اللّهُ يُريدُ ظُلْماً لِلْعِباد)(2). ومعلوم أنّه قد يحصل العسر والتظالم فيما بين الناس، قالوا: و من الفرق بينهما أنّ إرادة الإنسان قد تحصل من غير أن تتقدّمها إرادة اللّه، ،فإنّ الإنسان قد يريد أن لا يموت و يأبى اللّه ذلك، و مشيئته لا تكون إلاّبعد مشيئته،لقوله تعالى: (وَما تَشاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ)(3).

وروي أنّه لمّا نزل قوله: (لِمَنْ شاءَمِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيم)(4)، قال الكفّار: الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم، فأنزل اللّه تعالى: (وَما تَشاءُونَ إِلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ) .

وقال بعضهم: لولا أنّ الأُمور كلّها موقوفة على مشيئة اللّه وأنّ أفعالنا معلّقة

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:185.
2- غافر:31.
3- الإنسان:30، والتكوير: 29.
4- التكوير:28.


( 229 )
بها وموقوفة عليها لما أجمع الناس على تعليق الاستثناء به في جميع أفعالنا نحو: (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ صابِراً) (1) وقال: (سَتَجِدُني إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرينَ)(2) (يَأْتِيكُمْ بهِ اللّهُ إِنْ شاءَ)(3)(ادخُلوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّه)(4) (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاّ ما شاءَ اللّهُ)(5)(وَما يَكُون لَنا أَنْ نَعُود فِيها إِلاّأَنْ يَشاءَاللّهُ)(6)(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْء إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً * إِلاّأَنْ يَشاءَ اللّه)(7). انتهت مقالة الراغب بألفاظها(8).

ويؤيّد ما نقله عن البعض، أخبار شتّى.

منها: ما رواه الشيخ الصدوق ثقة الإسلام والمسلمين أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني رضوان اللّه عليه في كتاب «الكافي» عن عدّة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أُذينة، عن محمد بن مسلم(9) . ورواه الشيخ الصّدوق أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (رض) في كتاب «التوحيد» عن أبيه، عن سعد ابن عبد اللّه الأشعري، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أُذينة، عن محمد بن مسلم عن الإمام الصادق جعفر بن محمد صلوات اللّه عليهما قال: المشيئة محدثة(10).

و منها: ما رواه ابن بابويه في كتابه المذكور عن محمد بن الحسن بن أحمد بن

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكهف: 69.
2- الصافات: 102.
3- هود:33.
4- يوسف: 99.
5- الأعراف: 188.
6- الأعراف: 89.
7- الكهف: 23 ـ 24.
8- مفرداتالراغب: 271 ـ 272.
9- الكافي: 1/110، ح7.
10- الصدوق: التوحيد: 147 ح 18.


( 230 )
الوليد،عن محمد بن الحسن الصفّار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: قال الرضا ـ عليه السَّلام ـ : المشيئة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ اللّه تعالى لم يزل مريداً شائياً، فليس بموحّد(1).

ويدلّ على مغايرة المشيئة للإرادة ثقة الإسلام الكليني المتقدّم ذكره، في «الكافي» عن عدّة من أصحابه، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، و محمد ابن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد، جميعاً عن فضالة بن أيّوب، عن محمد بن عمارة، عن حريز بن عبد اللّه و عبد اللّه ابن مسكان، عن الصادق أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ أنّه قال: «لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلاّ بهذه الخصال السبعة بمشيئة وإرادة وقدر وقضاء وإذن وكتابوأجل، فمن زعم أنّه يقدر على نقص واحدة فقد كفر».(2)

وروى مثل ذلك بطريق آخر إلاّ أنّ فيه بعد السبع: فمن زعم غير هذا فقد كذب على اللّه، أو ردّ على اللّه.(3)

وممّا هو ظاهر في كون المشيئة هي الإيجاد : ما رواه ثقة الإسلام في «الكافي» عن علي بن محمد بن عبد اللّه، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه، عن محمد ابن سليمان الدّيلمي، عن علي بن إبراهيم الهاشمي، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليمها السَّلام يقول: لا يكون شيء إلاّما شاء اللّه وأراد و قدّر و قضى.

قلت: ما معنى «شاء»؟ قال: ابتداء الفعل.

قلت: ما معنى «قدّر»؟ قال: تقدير الشيء من طوله وعرضه.

قلت: ما معنى «قضى»؟ قال: إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مردّله(4).

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الصدوق: التوحيد: 338 ح5 (باب 55 المشيئة والإرادة).
2- الكافي: 1/149 عنه بحارالأنوار: 5/121.
3- الكافي: 1/149، ح2 باختلاف.
4- الكافي: 1/150، ح1. باب المشيئة و الإرادة.


( 231 )
الاعلام من اللّه: إيجاد العلم في نفس و من غيره التسبّب لوجود العلم في نفس.

والعلم إدراك الشيء إدراكاً جازماً على ما هو عليه في الخارج، هذا هو اللائق بهذه الكتب من تفسيره.

«نا»: ضمير متّصل موضوع للمتكلّم إذا شرك غيره معه في الفعل مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً.

«إلى»: للانتهاء. «من»: اسم استفهام.

«الألف و اللاّم» في كلّ من الغاية والمفزع; للعهد عوضاً عن المضاف إليه، أي غايتنا أو غاية الرئاسة ومفزعنا.

«الغاية» : مدى الشيء، والجمع «غاي» كساعة و ساع.

والغاية: الرّاية، يقال: غييت غاية وأغييت، أي نصبتها.

«المفزع» :مصدر ميمي بمعنى «الملجأ» و بمعنى: الالتجاء.

الإعراب:

جملة البيت إمّا استئناف بياني، أي جواب لسؤال مقدّر، كأنّه قيل: كيف أتوا بخطبته ، أو: ما تلك الخطبة؟

أو عطف بيان لجملة«أتوا أحمد بخطبة».

«لو » إن كانت شرطية فجوابها «أعلمتنا»، ومفعول شئت محذوف مدلول عليه بالجواب، أي«لو شئت إعلامنا» وحذف مفعول المشيئة الواقعة فعلاً للشرط كثير مطّرد، لدلالة الجواب عليه كقوله تعالى: (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعين)(1) إلاّ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- النحل:9.


( 232 )
أن يكون مفعولاً غريباً يستبعد وقوعها عليه فإنّه يذكر غالباً كقوله:

وَ لَوْ شِئْتُ أنْ أبكي دَماً لَبَكيْتُهُ عَليهِ وَ لكِنْ ساحةُ الصَّبرِ أوْسَعُ (1)

وإن كانت «لو» للتمنّي أو العرض كان «أعلمتنا» مفعول «شئت» بتقدير «أن» المصدرية أو تأويله بالمصدر، من غير تقدير«ان» كما في قولهم: تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه»(2)، و نحو: (سَواءٌ عَلَيْهِمْ ءَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(3) ونحو: يعجبني قام زيدٌ، كما صوّره هشام و ثعلب، و نحو:(ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأوا الآيات لَيَسْجُنَنَّهُ)(4) على ما يقول الفرّاء وجماعة.

وإن كانت «لو» للعرض كان «شئت» بمعنى المضارع.

«أعلمتنا» يلغى عن العمل في مفعوليه الثاني والثالث، و قد أُقيم مقامهما الجملة الاسمية التي بعده.

«إلى من » خبر للغاية، وهو متعلّق إمّا بالكون المطلق و هو على رأي من لا يجوّز تقدير الكون الخاص كأبي حيّان، أو بالانتهاء أي منتهيان أو ينتهيان، كما يقدر في قوله تعالى: (الحُرُّ بِالحُرّ )(5) مقتول، و في قوله تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت لـ «أبي يعقوب إسحاق بن حسان الخُزيمي بن قوهي» من شعراء الدولة العباسية. (الانساب للسمعاني: 254).
و قبله :
ملكت دموعالعين حين رددتها * إلى ناظري والعين كالقلب تدمع

تفسير كنزالدقائق لـ «الميرزا محمدالمشهدي»:1/163 نقلاً عن هامش الكشّاف:1/87.
2- «المُعيدي» رجل من كنانة صغيرالجثّة عظيم الهيبة، قال له النعمان: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. فذهب مثلاً (كتابالعين:2/62) و جاء في الصحاح:2/506 : قال الكسائي: وفي المثل... وهو تصغير «معدي» منسوب إلى معد، و إنما خففتالدال استثقالاً للجمع بينالشدتين مع ياءالتصغير.
3- البقرة:6.
4- يوسف: 35.
5- البقرة:178.


( 233 )

بِالنَّفْسِ)(1) الآية; مقتولة ومفقودة ومجذوع ومصلوبة ومقلوعة، و في قوله تعالى: (الشَّمْسُوَالْقَمَرُ بِحُسْبان)(2) يجريان.

فعلى الأوّل يكون الظرف مستقرّاً دون الثاني، إذ لا يجب حذف العامل إذا لم يكن كوناً مطلقاً، ولا ينتقل الضمير منه إلى الظرف.

المعنى:

الظاهر أنّ «لو» إن كانت للشرط فبمعنى «ان» يعني أنّهم قالوا لأحمد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : إن شئت أن تعلمنا أنّ مدانا أو مدى الرئاسة والتجاؤنا في الدين والدُّنيا منتهيان إلى أيّ شخص أعلمتنا ذلك.

ويجوز أن يكون بمعناها الحقيقي، أي لو كنت تشاء فيما مضى من الزّمان أن تعلّمنا ذلك أعلمتنا، فيكون سؤالاً عن علّة أنّه لم يشأ أن يعلمهم أو عتاباً منهم له على عدم إعلامهم، فكأنّهم قالوا : هلاّ أعلمتنا، أو قالوا: إنّا نتمنّى منك أن تشاء أن تعلّمنا ذلك، أو قالوا: شِئْ أن تعلّمنا ذلك.

ويحتمل أن يريد بالغاية: الراية، فإنّ الراية إنّما تكون للرئيس فهي علامة الرئاسة فيجوز أن يتجوّز بها عنها.

وحينئذ فإمّا المراد بالألف واللام فيها الجنس.

أو المراد رايتنا أي الراية التي نحن تحتها.

أو المراد رايتك أو راية الإسلام.

ويجوز أن لا يكون تجوّز بها عن الرئاسة، بل أراد بها حقيقتها وحيئنذ فالأولى أن يكون «الألف و اللام» فيها عوضاً عن المضاف إليه، أي راية الرئاسة، و إن لم يكن كذلك فالمراد ذلك المعنى.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- المائدة:45.
2- الرحمن:5.


( 234 )

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: في إيضاح الخطبة بعد إبهامها، تعظيم لها وزيادة تعجيب من شأنها، وتأكيد لوقوعها.

الثانية: في التصريح بالقول أيضاً نوع من الإيضاح بعد الإبهام فإنّ الإتيان بالخطبة يعمّ القول والكتابة والإشارة.

الثالثة: التصريح بقوله له لأنّه لم يكن ما قبله صريحاً في أنّ تلك الخطبة معه أو منه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .

الرابعة: في التعبير بـ«لو» إن كان المراد بها «ان» إشارة إلى أنّهم خالفوا وصيته ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وادّعوا أنّه لم يوص إلى أحد بعينه وإنّه لم يعلمهم ذلك، وأنّهم لما كانوا حين السؤال أظمروا الإنكار في أنفسهم فكأنّهم حين السؤال رأوا الاعلام ممتنعاً، أو إشارة إلى غاية استحقارهم أنفسهم حتى أنّهم كانوا يستبعدون وقوع هذا الإعلام بالنسبة إليهم، لأنّهم لا يليقون به، أو إشارة إلى أنّ هذا الإعلام لعسره في الغاية ولذا كان يحجم عنه النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حتى أتته العزيمة من ربّه وجاءه الوعيد والتهديد كما ستعلم مفصّلاً إن شاء اللّه تعالى; ممّا يليق بأن يحرم بامتناعه، أو إلى أنّهم استبعدوا ذلك لأنّهم كانوا يطمعون في ذلك لأنفسهم وكانوا بمعزل عنه، وأيضاً كانوا شديدي الرغبة والطماعية فيه، ومن كان شديد الرغبة في أمر يستبعد ذلك الأمر لنفسه، وربما كان بعد حصوله له ينفيه ويستبعده، لأنّه عظيم لديه جدّاً فيستبعد وقوعه بنفسه أو بالنظر إليه بتخييل أنّه لا يليق به وقد أضمروا في أنفسهم الإنكار إن نصّ على غيرهم ، وحينئذ كان الإعلام وجوده كعدمه، فكأنّ الإعلام كان ممتنعاً عندهم سواء وصّى إليهم أو إلى غيرهم لكن كلاً باعتبار، هذا كلّه مع ما في التعبير بـ«لو» من التوجيه كما عرفت.


( 235 )
الخامسة: في العدول عن نحو«أعلمتنا»إلى هذه الجملة الشرطية تأدب، وعدول عن صورة الأمر إلى التفويض إلى مشيئته واختياره كما يقول العبد: إن أراد المولى فعل بي كذا و كذا.

وإن كانت «لو» للتمنّي أو العرض كان توسيط المشيئة لبعد أصل المطلوب عن حرف التمنّي أو العرض تأدباً وتفويضاً إلى المشيئة.

السّادسة: في الإتيان بالمشيئة، الإعلام بصيغة الماضي إن لم يكن المراد بـ «لو» معناها الحقيقي، لموافقة لفظه «لو»، وللدلالة على غاية حرصهم على الوقوع، حتى كأنّه قد وقع تنزيلاً للحضور الذهني منزلة الوقوع الخارجي و تفألاً.

أو للتحريض على فعله بتخييل أنّ المخاطب قد استجاب لهم وأسعف بمطلوبهم.

أو للمبالغة في إظهار امتناعه بإظهار أنّ الزمان اللاّئق به هو الماضي وقد انتفى فيه.

السابعة: إبهام الغاية والمفزغ للوزن والقافية والتعميم فيهما.

البيان:

«لو» استعارة تبعيّة إن كانت بمعنى «ان» فإنّه شبّه العلاقة التي بين شرطها وجزائها بالعلاقة بين الأمرين المنتفيين المقدّرين; لأحد الوجوه التي علمتها.

وإن كان المراد بالغاية الراية وكان المراد بها الرئاسة كان مجازاً مرسلاً تسمية للشيء باسم علامته وتنزيلاً للدال على الشيء منزلته.

وإن كان المراد بها المدى كان إثباتها لأنفسهم أو للرئاسة استعارة كاستعارة اليد الشمال تشبيهاً لهم، أو لها بما يكون له مدى وغاية.

ثمّ جملة «قولهم» إمّا إخبار أرادوا به الإنشاء، أو إنشاء أرادوا به إنشاءً آخر، وهو إذا كانت «لو» للتمنّي فإنّه إنشاء تمنّي، و المراد إنشاء الطلب.