ومنها : إظهار صعوبة في الغاية حتى كأنّه يُسلّي نفسه; بأنّ الزمان اللائق به إنّما هو الماضي وقد مضى فلا حاجة إليه بعد.
ومنها: أنّ جزاء هذا الشرط لمّا كان غاية في الكراهة وأراد المتكلّم توطين النفس عليه، أبرزه في صورة الواقع لتتسرّع في التهيّؤ له، أو ليسلّي نفسه بأنّه كأنّه قد وقع وانقضى، نظير ما عرفته في قوله: إِذا توفيت .
ومنها: الإشارة إلى أنّ معرفته من الظهور والوضوح ليس ممّا يفتقر إلى تفكّر وتدبّر، لما عرفت أنّ المعرفة هو إدراك الشيء، بتفكّر.
ومنها: التنبّه على أنّ العلم به ليس ممّا يحصل لهم بعد أن لم يكن، أو بعد أن غفلوا ونسوا، فإنّه تكرّرت عليه النصوص الواضحة التي لا تبقي لسامعها شكّاً إن
ومنها: أنّك قد عرفت أنّه قيل: إنّ المعرفة تخصّ البسيط، أي العلم التصوّري وهذه المعرفة تتضمّن العلم بالمركّب، أي العلم التصديقي، وهو المقصود، فإنّ تصوّر المفزع من حيث هو لا جدوى فيهم، وإنّما يجديهم العلم فإنّ فلاناً مفزع.
1- ق:37.
( 281 )

ومنها: التوجيه، لا يقال: إنّ التوجيه حاصل على تقدير التعبير بالتعريف أيضاً، فإنّه كما جاء الإعلام بمعنى التعريف جاء العكس; لأنّا نقول: وإن كان الأمر كذلك إلاّأنّه لما لم يكن له في اللفظ إلاّمفعول واحد لم يكن داع إلى حمل التعريف على الإعلام، بل كان حمله على معناه الحقيقي متعيّناً.

الرابعة: في حذف أحد مفعولي الإعلام إن لم يكن بمعنى التعريف; وجوه:

منها: الإيجاز.

ومنها: التوجيه في الإعلام وفي المفزع; من جهتين:

إحداهما احتماله المصدريّة والمكانية، وأُخراهما احتماله كونه أوّل المفعولين أو ثانيهما.

ومنها: أنّ المقصود بالذات إنّما هو هذا المفعول.

ومنها: تعظيم المحذوف.

ومنها: المبالغة في إبهامه.

ومنها: المبالغة في تعميمه زيادة في تقرّبهم، حتى أنّه إن أوصى إلى أيّ رجل فرض، فهم بصدد مخالفته ومفارقته.

الخامسة: تنكير «مفزعاً».

أمّا إن كان مفعولاً ثانياً، فلأنّه الأصل لأنّه مخبر به وفي الأصل خبر المبتدأ، وخصوصاً إذا قدّر المفعول الأوّل منكراً فإنّه يصحّ أن يكون المخبر عنه نكرة والمخبر به معرفة.

وأمّا إن كان مفعولاً أوّل، فللتعظيم والإبهام، ويشمل التقديرين رعاية الوزن.

السادسة: زيادة قوله: «كنتم».
( 282 )

أمّا إن كان المراد به المعنى الأصلي، فللمبالغة في إفادة المعنى كما عرفت سابقاً خصوصاً والجزاء لفظ «عسى»وهو قد يجرّد عن إفادة المضيّ، وهذا الجزاء ان يبالغ في مضيّه، للدلالة على أنّ هذا التوقع بالنسبة إليهم لم يكن ممّا حدث الآن أو سيحدث، بل كان النبي
ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أبداً متوقّعاً منهم ذلك، وأيضاً لأنّ «عسى» إنشاء للترجّي فهو بنفسه لا يصلح جزاء إلاّبتأويل، فأتى بـ «كنتم» توصّلاً إلى جعله جزاء أو دلالة على أنّه لا يراد به المعنى الإنشائي; لوقوعه خبراً لـ «كان»، فإنّه لا يقع خبراً له إلاّبتأويله بالمعنى الخبري، فكأنّه قيل: «كنتم مقولاً في شأنكم كذا» أو «متوقّعاً منكم كذا».

وأمّا إن كان المراد به معنى صرتم، فالإتيان به للتوصّل المذكور، والتعبير بهذا اللفظ للتوجيه والمبالغة في إفادة المضي، فإنّ المتبادر من هذا اللفظ هو المضي، وإن كان
(1) بمعنى «صار
»حكمه حكمه، وكذا الحكم إذا كان تامّاً بمعنى «وجد» ثمّ في الإتيان بـ «كنتم» على كلّ: التوجيه.

السابعة: في تقديم الظرف أعني «فيه» على متعلّقه إن تعلّق بـ «تصنعوا»; وجوه:

منها: رعاية الوزن والقافية.

ومنها: التوجيه.

ومنها: تقريب الضمير من مرجعه لا سيّما إذا لم يكن مرجعه هو المذكور، لأنّه أحوج إلى التقريب.

الثامنة: في التعبير عن معنى التعليل، أو معنى الباء بـ«في»، مبالغة في العليّة أو الإلصاق كما لا يخفى، وتوجيه من جهتين: إحداهما من جهة لفظة «في» والأُخرى من جهة محل الظرف.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- في الأصل: «و إن كان إذا كان»، و تظهر «إذا كان» زائدة.
( 283 )

التاسعة: في التعبير عن عبدة العِجل بأهل العجل، ما لا يخفى من المبالغة في إصرارهم على عبادته ورسوخها في قلوبهم كما قال جلّ من قائل:
(وأُشْرِبُوا في قُلُوبِهِمُ العِجْلَ)(1).

العاشرة: في إبهام صنيع أهل العجل ثمّ إيضاحه بقوله: «فارقوا» إن كانت «إذ» زائدة، أو للتعليل، أو مجرّد الإبهام إن كانت ظرفية إشارة إلى تعظيمه في الفظاعة والشناعة. الحادية عشرة: العدول عن تركه إلى الترك له، للتوجيه والوزن.

الثانية عشرة: تقديم الظرف، أعني«له» على عامله إن كان متعلّقاً بـ«أودع» للوزن و القافية والتوجيه وتقريب الضمير من مرجعه.

الثالثة عشرة: التعبير عن معنى اسم الفاعل باسم التفضيل إن أُريد بـ«أودع» معنى «وادع» للدلالة على اشتماله على فضل يسعه أي ليس ضعيفاً في السعة بل له فيها قوّة وفضل.

الرابعة عشرة: ترك المفضل عليه للاحتراز عن العبث في الظاهر، لأنّ القرينة جليّة جدّاً وللتوجيه.
البيان:

إن أُريد بـ«لو » معنى «إن» كانت استعارة تبعيّة، وكذا الماضيان اللّذان هما الشرط والجزاء، وإن كان المراد بـ«عسيتم» متوقّعاً منكم، كان مجازاً، ولفظة«في» أيضاً استعارة تبعيّة إن أُريد بها التعليل أو الإلصاق، والأهل استعارة مصرّحة; لأنّهم شبّهوا في اجتماعهم على عبادة العجل و اشتراكهم بما بين أهل بيت واحد من الاجتماع والاشتراك.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة: 93.