2- البيت لضابئ بن الحارثالبُرْجُمي . انظركتاب سيبويه:1/75.
( 460 )

ويحتمل أن يكون العطر معطوفاً على ما تقدّم، والرّيحان وحده مبتدأ وحينئذ فواوه يحتمل الوجهين المقولين في واو «والعطر».

«أنواعه» تأكيد إمّا للرّيحان وحده، أو لكلّ منه و من العطر بمعنى أنواع كلّ منهما، وذلك لكونه بمعنى كلّه، أو مبتدأ و خبره«ذاك».

ثمّ إن كان الرّيحان أو هو مع العطر مبتدأ كانت هذه الجملة خبراً للمبتدأ الأوّل وإلاّفهي جملة مستأنفة أو حالية وتذكير «ذاك» على بنائه على «أنواعه» باعتبار تأويله بكلّه أو المذكور أوكلّ نوع منه.

«الواو» إن كانت للعطف فإمّا أن يكون مابعدها معطوفة على «ذاك» سواء جعلت جملة خبرية أو إنشائية، فإنّها إن كانت إنشائية جاز عطف الخبريّة عليها كما جاز نحو«لا وأيّدك اللّه» فإنّه وإن كان بين الجملتين كمال الانقطاع، إلاّأنّه لو لم يعطف لتوهّم خلاف المقصود وهو اتّصال «لا» في المثال و«ذاك» هنا بما بعده، فجاز العطف لدفع التوهّم.

أو معطوفة على «فيه أباريق» أو على جملة العطر مع خبره، أو الريحان مع خبره، أو «أنواعه» مع خبره على الاحتمالات التي عرفتها، وإن كانت الواو للحال كانت حالاً عن ضمير فيه وحينئذ، فإن كانت «ذاك» جملة كانت معترضة بين الحال وذي الحال، وكذا إن كانت «أنواعه ذاك» جملة أو كانت حالاً عن العطر والريحان أو عن الريحان وحده إن كانا مبتدأين، أو كان الرّيحان وحده مبتدأ، أو عن ضمير «فيه» المقدّر في هذه الجملة، أو عن «ذاك» إن كان مبتدأ أو عن المبتدأ المقدّر له، أو عن ضميره الّذي في «ذكرته» المقدّر وحينئذ فالحال مقدّرة.

الضّمير في «به» عائد على الحوض أو الكوثر.

«ريح» خبر مبتدأ محذوف أي هي ريح، أو عطف بيان لزعزع.

«من الجنّة» ظرف مستقرّ صفة لريح أو لزعزع إن كان ريح عطف بيان لها.
( 461 )

«مأمورة» صفة أُخرى، فإن كانت من الأمر بمعنى طلب الفعل، قدّر لها متعلّق، أي مأمورة بالهبوب.

«ذاهبة» صفة أُخرى.

«ليس لها مرجع» إمّا صفة أُخرى لها أو صفة لذاهبة.
المعنى:

معنى البيت الأوّل: أنّ ذلك الحوض حوض له من المقدار أو المسافة أو المساحة ونحو ذلك ما بين صنعاء وأيلة من ذلك، أو ما هي المواضع التي من صنعاء إلى أيلة، أو ما من صنعاء إلى أيلة، أو ما بين صنعاء وأيله وأيلة مبتدأ من صنعاء منتهياً إلى أيلة، أو له من المقدار ونحو ذلك مثل ما بين صنعاء! إلخ.

أو فيه من المقدار ما بين أو مثل ما بين والعرض الذي فيه أو معه، أي عرضه أوسع من ذلك، أي ممّا بين صنعاء وأيلة.

فالحاصل أنّه حوض له من العرض مثل ما بين صنعاء وأيلة وزيادة على ذلك، أو معناه أنّ ذلك حوض للنبيّ
ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ومن صفته أنّه(1) أو و هو مثل ما بين كذا و كذا وأوسع.

لا يقال إنّ الحكم بالمماثلة ينافي الحكم بأنّه أوسع.

لأنّا نقول: إنّما يلزم ذلك لو كان المثل وحده خبراً و «أوسع» خبراً آخر وليس كذلك، بل مجموع المعطوف والمعطوف عليه خبر، فكأنّه قيل: إنّه مجموع المثل والزيادة، كما في نحو قولك: هو ذراع ونصف.

ومعنى البيت الثاني: أنّه يقام في أُولئك القوم أو في الخلائق من هو علم للهدى أي يهتدى به، أو حبل الهدى أي حبل من الهدى، كأنّه مجسّم عظيم منه أو
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- كذا.
( 462 )
يعرف به الهدى كما يعرف ما يوضع على الحبل من النّار ونحوها، أو حبل أهل الهدى أي عظيمهم، أو راية الهدى أي علامة يعرف بها الهدى، فإنّ الراية علامة العسكر أو راية أهل الهدى، أي أهل الهدى كلّهم أتباعه، فإنّ العسكر تحت الرايات.

وكذا المعنى إن أُريد بالعلم ما يعقد على الرمح، أو سيّد أهل الهدى، أو ينصب فيهم لأجل الهدى علم، والحال أنّ الحوض مترع من ماء له أي من مائه، أو مترع من ماء لأجل ذلك العلم فإنّه لا يشرب من مائه إلاّ هو و شيعته، أو مترع من ماء هو ملك لذلك العلم أو مخصوص به أو حقّه.

ومعنى البيت الثالث: أنّ الحوض يسيل فيه ناشئاً من رحمة اللّه تعالى أو لرحمته كوثر، أي النّهر المعروف حال كونه، أي الكوثر أو الحوض أبيض كالفضّة بل أخلص بياضاً و أشدّ، أو أشك في أنّه كالفضّة أو أنصع، أو أنّ الرائي يتحيّر بين أن يقول إنّه كالفضّة، وأن يقول إنّه أنصع.

أو مسمّى بالكوثر موصوف بأنّه أبيض، أو ماء كثير أبيض وهو أي الكوثر أو الحوض أبيض، أو أنّه يسيل على رحمة اللّه أي الحوض كوثر حال كونه أبيض أو موصوف بأنّه أبيض أو هو أي الكوثر أو الحوض أبيض، أو حال كون رحمة اللّه أي الحوض أبيض أو أبيض أو يفيض كوثر حال كونه من جملة رحمة اللّه.

أو يفيض الحوض أي يسيل من جوانبه من رحمة اللّه تعالى، أي ناشئاً منها أو لرحمة، أو حال كونه من جملة رحمته، وهو أي الحوض كوثر أي ذلك النّهر حال كونه أبيض أو مسمّى بالكوثر موصوف بأنّه أبيض، أو ماء كثير أبيض أو هو كثير وهو أبيض.

ومعنى البيت الرّابع: أنّ صغار حجارات الكوثر أو الحوض ياقوت، وصغار من الدّر وكبار منه لم يستخرجها أصبع من الأصداف، بل إنّما خلقها اللّه تعالى
( 463 )
وأبدعها فيه كذلك بلا أصداف، أو كبار من الدرّ وصغار منه، أو حمر منه وبيض أو بسند ولؤلؤ.

ومعنى البيت الخامس والسّادس: مسيله مسك وأطرافه كذلك حال كونها تتحرك من الغضارة مبتدئاً منها أو فيها أو عليها أو عندها نبات، أو مكان، معجب موقع للخلق في الخصب، أي خصيب أخضر كلّه غضّ حسن أو شديد الخضرة وشديد الصفرة، أو خالص اللّون أصفر، بل أشدّ صفرة، أو أخلص صفرة، أو أشدّ من أن يقال له إنّه أصفر فاقع، أي أنّه من الخلوص أو الشدّة بحيث لا يشبه الصفر من الأشياء، بل ربّما يتوهّم أنّه من جنس آخر، ومعنى «أو»: «بل» أو «الشكّ» أو «التحيير» كما في السابقة.

يعني أنّ النبات هناك على قسمين: أخضر ناضر، وأصفر فاقع.والمراد به الزعفران كما مرّ فيما رويناه من حديث الكوثر، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى فيما سنرويه، أو المعنى: وأطرافه يهتزّ منها مونق. الخ. أو وأطرافه حال كونها يهتزّ منها مونق، أو حال كونها يهتزّ منها مونق مربع، أو حال كونها يهتزّ منها مونق مربع أخضر، أو حال كونها يهتزّ منها مونق إلخ.ومنها فاقع الخ.

ومعنى الأبيات الأربعة الباقية: في الكوثر أو الحوض أباريق وأقداح يدفع عنها الناس الرّجل الأصلع المعهود، أو الكامل من الرجال الأصلح، والنّاس المدفوعون هم الّذين خالفوه ولم يتّبعوه، ثمّ بين ذلك الرجل الأصلع فقال: يدفع عنها علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه دفعاً كدفعك إبلاً جربى تدخل في الماء عن الماء لئلاّ يسري جربها إلى سائر الإبل.

وفيه الطيبة والريحان جميع أنواعه أو أنواعهما ذاك كذلك، أو كما ذكر، أو الأمر ذاك أو الحوض أو الكوثر ذاك، الذي وصفته لك أو أحفظ ذاك.
( 464 )

ويهب عليه أو فيه، أو والحال أنّه قد هبّت فيه أو عليه محرّكة لما يمرّعليه من شدّتها ريح ناشئة من الجنّة مأمورة بالهبوب، أو كثيرة ذاهبة في الهبوب ليس لها رجوع أو زمان رجوع أو مكانه، أي لا ترجع عمّا أُمرت به ولا تعصي اللّه تعالى.

أوإشارة إلى سعة المكان فإنّه إذا ضاق المكان الّذي تهبّ فيه الرّيح رجعت إذا وصلت إلى منتهاها، إلاّ إذا سكنت، فكأنّه قال: إنّه لا منتهى لذلك المكان فإنّها مع أنّها ذاهبة لا يعرض لها سكون، لا ترجع.

أو إشارة إلى سرعتها، أو إشارة إلى دوامها لكنّي لا يحضرني الآن ما تدلّ الأخبار على دوام الرّيح وإنّما يحضرني ممّا يدلّ على هبوبها خبر واحد ستعرفه عن قريب، وإنّما يدلّ على أنّها تهب زماناً دون زمان.

أو والعطر والرّيحان أنواعه أو أنواعهما ذاكية فيه أو بقربه أو عنده، أو والحال أنّ العطر إلى آخره. أو فيه العطر والحال أنّ الريحان، أو والريحان أنواعه ذاكية، أو وفيه العطر والريحان.

ثم ابتدأ فقال: أنواعه أو أنواعهما ذاكية، أو والحال أنّ أنواعه أو أنواعهما ذاكية. ولنذكر هنا بعض ما حضرنا ممّا رأيناه في كتب أصحابنا رضوان اللّه عليهم من أخبار الحوض والكوثر تصديقاً لمقال النّاظم سلام اللّه عليه، فنقول:

روى الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويهرحمهمُ اللّه في «أماليه» ، بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه
ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : أنا سيّد الأنبياء والمرسلين وأفضل منالملائكة المقرّبين، وأوصيائي سادة أوصياء النبيّين والمرسلين، وذرّيتي أفضل ذرّيات النبيّين والمرسلين، وأصحابي الّذين سلكوا منهاجي أفضل من أصحاب النبيّين والمرسلين، وابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين، والطاهرات من أزواجي أُمّهات المؤمنين، وأُمّتي خير أُمّة أُخرجت للناس، وأنا أكثر النبيّين تبعاً يوم القيامة ولي حوض عرضه مابين بصرى وصنعاء، فيه
( 465 )
من الأباريق عدد نجوم السماء، وخليفتي على الحوض يومئذ خليفتي في الدّنيا.

فقيل: ومن ذاك يا رسول اللّه؟ قال: إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومولاهم بعدي عليّ بن أبي طالب، يسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه كما يذود أحدكم الغريبة من الإبل عن الماء.
(1)

وروى الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطّوسي رضوان اللّه عليهما في «أماليه»، باسناده عن الأصبغ بن نباته، عن أبي أيّوب الأنصاري : أنّ رسول اللّه
ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ سئل عن الحوض.

فقال: أمّا إذ سألتموني عنه فسأخبركم: إنّ الحوض أكرمني اللّه به، وفضلني على كلّ من كان قبلي من الأنبياء وهو ما بين أيلة وصنعاء، فيه من الآنية عدد نجوم السماء، يسيل فيه خليجان من الماء، ماؤه أشدّبياضاً من اللبن وأحلى من العسل، حصاه الزمرّد والياقوت، بطحاؤه مسك إذفر، شرط مشروط من ربي لا يرده أحد من أُمّتي إّلا النقية قلوبهم، الصحيحة نيّاتهم، المسلمون للوصي من بعدي، الّذين يعطون ما عليهم في يسر ويأخذون ما عليهم في عسر، يذود عنه يوم القيامة من ليس من شيعته كما يذود الرّجل البعير الأجرب من إبله ،من شرب منه لم يظمأ أبداً.
(2)

وروى أيضاً فيه بسند عن أبي الورد قال: سمعت أبا جعفر محمد بن عليّ الباقر عليمها السَّلام يقول: إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الناس في صعيد واحد من الأوّلين والآخرين عراة حفاة، فيوقفون على طريق المحشر حتى يعرقوا عرقاً شديداً وتشتدّ أنفاسهم فيمكثون بذلك ما شاء اللّه، وذلك قوله:
(فَلا تَسْمَعُ إلاّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- أمالي الصدوق: 373 ـ 374، ح471، المجلس التاسعالأربعون.
2- أمالي الطوسي: 228، ح50.
( 466 )
هَمْساً)(1). ثمّ قال: ثمّ ينادي مناد من تلقاء العرش: أين النبيّ الأُمّي؟ قال: فيقول الناس: قد أسمعت كُلاًّ فسمّ باسمه، فقال: فينادي أين نبيّ الرحمة محمّد ابن عبد اللّه؟ قال: فيقوم رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فيتقدّم أمام النّاس كلّهم حتى ينتهي إلى حوض طوله مابين أيلة وصنعاء فيقف عليه، ثمّ ينادي بصاحبكم فيقوم أمام النّاس فيقف معه، ثمّ يؤذن للنّاس فيمرّون.

قال أبو جعفر
ـ عليه السَّلام ـ : فبين وارد يومئذ وبين مصروف، فإذا رأى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ من يصرف عنه من محبّينا أهل البيت بكى و قال: يا ربّ شيعة علي يا ربّ شيعة علي، قال: فيبعث اللّه إليه ملكاً فيقول له: ما يبكيك يا محمّد؟ قال: فيقول: وكيف لا أبكي لأُناس من شيعة أخي علي بن أبي طالب أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النّار ومُنعوا من ورود حوضي، قال: فيقول اللّه عزّوجلّ يا محمّد قد وهبتهم لك وصفحت لك عن ذنوبهم وألحقتهم بك وبمن كانوا يتولّون من ذرّيتك، وجعلتهم في زمرتك وأوردتهم حوضك وقبلت شفاعتك فيهم وأكرمتك بذلك.

ثمّ قال أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين
ـ عليهم السَّلام ـ : فكم من باك يومئذ وباكية ينادون :يا محمداه! إذا رأوا ذلك قال: فلا يبقى أحد يومئذ كان يتولاّنا ويحبّنا إلاّ كان في حزبنا ومعنا وورد حوضنا.(2)

وروى مثل ذلك فرات بن إبراهيم الكوفي في «تفسيره» عن جعفر بن محمد الفزاري عن أبي جعفر صلوات اللّه عليه.
(3)

وروى الشيخ الصّدوق أبو القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه في كتاب «كامل الزيارات» بإسناده عن مسمع كردين، عن أبي عبد اللّه
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- طه: 108.
2- أمالي الطوسي: 67.
3- تفسير فرات: 258، ح354.
( 467 )
جعفر بن محمّد الصادق صلوات اللّه عليه قال: إنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال في قلبه حتى يرد علينا الحوض، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتى أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، ولم يستق بعدها أبداً وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل، أحلى من العسل، وألين من الزبد، وأصفى من الدّمع، وأذكى من العنبر، يخرج من تسنيم ويمرّ بأنهار الجنان يجري على رضراض الدرّوالياقوت، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام، قدحانه من الذّهب والفضّة وألوان الجوهر يفوح في وجه الشارب منه كلّ فائحة حتى يقول الشارب منه: ياليتني تُركتُ هاهنا لا أبغي بهذا بدلاً ولا عنه تحويلاً.

أما أنّك يا كردين ممّن تروى منه ، وما من عين بكت لنا إلاّنعمت بالنظر إلى الكوثر وسقيت منه من أحبّنا، و إنّ الشّارب منه ليعطى من اللذّة والطعم والشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا، وإنّ على الكوثر أمير المؤمنين وفي يده عصا من عوسج يحطّم بها أعداءنا فيقول الرجل منهم: إنّي أشهد الشهادتين، فيقول: انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك، فيقول: تبرّأ منّي إمامي الذي تذكره، فيقول ارجع وراءك فقل للّذي كنت تتولاّه وتقدّمه على الخلق فاسأله إذا كان عندك خير الخلق أن يشفع لك فإنّ خير الخلق حقيق أن لا يردّإذا شفع، فيقول: إنّي أهلك عطشاً، فيقول: زادك اللّه ظمأ وزادك اللّه عطشاً.

قلت: جعلت فداك وكيف يقدر على الدنو من الحوض ولم يقدر عليه غيره؟

قال:ورع عن أشياء قبيحة وكفّ عن شتمنا إذا ذُكرنا وترك أشياء اجترأ
( 468 )
عليها غيره، وليس ذلك لحبّنا ولا لهوى منه لنا ولكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته وتديّنه ولما قد شغَل به نفسه عن ذكر الناس، فأمّا قلبه; فمنافقٌ ودينه النصب وأتباعه أهل النّصب وولاية الماضين وتقديمه لهما على كلّ واحد.
(1)

أقول: والظاهر من هذا الخبر أيضاً اتّحاد الحوض والكوثر كما لا يخفى.

وفي« الاحتجاج» للطبرسي عن ابن عباس قال: قال النبيّ
ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : إنّ اللّه عزّوجلّ أعطاني نهراً في السماء مجراه تحت العرش، و عليه ألف ألف قصر، لبنة من ذهب ولبنة من فضّة، حشيشها الزعفران، و رضراضها(2) الدرّ والياقوت، وأرضها المسك الأبيض، فذلك خير لي ولأُمّتي وذلك قوله تعالى: (إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثَر)(3).(4)

وروى عن ابن عباس في قوله تعالى:
(إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثر) قال: نهر في الجنّة عمقه في الأرض سبعون ألف فرسخ، ماؤه أشدّبياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، شاطئاه من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت، خصّ اللّه به نبيّه وأهل بيته ـ عليهم السَّلام ـ دون الأنبياء.(5)

وعن حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه الصادق صلوات اللّه عليه قال: إنّ رسول اللّه
ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ صلّى الغداة ثمّ التفت إلى عليّ ـ عليه السَّلام ـ فقال: يا عليّ ما هذا النور الذي أراه قد غشيك؟

قال: يا رسول اللّه أصابتني جنابة في هذه الليلة فأخذت بطن الوادي ولم أصب الماء فلمّا وليت ناداني منادي:يا أمير المؤمنين! فالتفتُّ فإذا إبريق مملوء من ماء فاغتسلت.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- كاملالزيارات: 205 ح1، باب 23.
2- الرضراض: ما دقّ منالحصى.
3- الكوثر:1.
4- الاحتجاج: 56.
5- بحار: 8/25 ح23، عن بشارة المصطفى.
( 469 )

فقال رسول اللّه
ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : يا علي أمّا المنادي فجبرئيل، والماء من نهر يقال له: «الكوثر» عليه اثنا عشر ألف شجرة كلّ شجرة لها ثلاثمائة و ستون غصناً، فإذا أراد أهل الجنّة الطرب هبّت ريح، فما من شجرة ولا غصن إلاّوهو أحلى صوتاً من الآخر، ولو أنّ اللّه تبارك و تعالى كتب على أهل الجنّة أن لا يموتوا لماتوا فرحاً من شدّة حلاوة تلك الأصوات، وهذا النّهر في جنّة عدن وهو لي ولك ولفاطمة والحسن والحسين، وليس لأحد فيه شيء.(1)

أقول: فهذه الريح هي الّتي أشار إليها الناظم رحمه اللّه .

وفي المناقب للشيخ الإمام رشيد الدّين أبي جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني رحمه اللّه ، عن أنس قال: دخلت على رسول اللّه
ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فقال: قد أُعطيت الكوثر، فقلت: يا رسول اللّه وما الكوثر؟ قال: نهر في الجنّة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب لا يشرب أحدٌ منه فيظمأ ولا يتوضأ أحد منه فيشعث، لا يشربه إنسان أخفر ذمتي ولا قتل أهل بيتي، النبي يذود عليّ عنه يوم القيامة من ليس من شيعته، ومن شرب منه لم يظمأ أبداً.(2)

فلنكتف بهذا القدر فإنّ ذكر الجميع لا يفي به المقام.

بقي الكلام في التقديرات المختلفة الواقعة في الأخبار على تقدير الحكم بصحّة الجميع. وللجمع بينها وجوه:

منها: أنّ هذه التقديرات كلّها راجعة إلى معنى واحد هو المبالغة في السعة كما أنّ «السبعين» مبالغة في الكثرة، في نحو قوله تعالى:
(إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) .(3)

ومنها: انّه يجوز أن يختلف عروضه باختلاف الأمكنة كما يشاهد في أنهار الدّنيا وحياضها فيكون عرضه في بعض المواضع كذا وفي بعضها كذا.

ومنها: أنّه يجوز أن يكون المراد بالعرض في بعضها أقصر الامتدادات المفروزة وفي بعض آخر امتداد آخر أكبر من ذلك وهكذا.

ومنها: أنّ لكلّ من المؤمنين فيه نصيباً مفروضاً فيجوز أن يكون المراد عرض ما لكلّ منهم وهو يختلف باختلاف مراتبهم في الفضل.

ومنها: أنّه يجوز أن يكون المراد بالعرض الجانب، ويكون له جوانب شتى متفاوتة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- شرفالدينالحسيني: تأويلالآيات: 2/858، ح4، و رواهالخوارزمي مع أدنى تغيير.
2- مناقب آل أبي طالب: 2/12.
3- التوبة:80.