كتاب اللألي العبقرية في شرح العينيّة الحميريّة لبهاء الدين الاصبهاني من ص 470 ـ 489 ص

( 470 )

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: حذف ما بنى عليه حوض، للاختصار وللوزن ولشدّة الاهتمام بذكر الحوض ووصفه.

الثانية: تنكير «حوض» للتعظيم والدلالة على أنّه ليس من جنس ما يمكن أن يعرف، والأمر كذلك لأنّه ليس من جنس حياض الدنيا.

الثالثة: العدول عن «في» إلى «اللاّم» إن كانت بمعنى «في»; للدلالة على مزيد الاختصاص أو الاستحقاق والتوجيه والوزن.

الرابعة: تقديم الظرف إن كان ما بعده مبتدأ للوزن وتقريب الضمير من مرجعه، والعائد الّذي هو وصلة إلى الوصف من الموصوف وأهميّته، لأنّ الكلام في ذكر ما للعرض والدلالة على الاختصاص من بين الحياض.

الخامسة: حذف المضاف من ما بين صنعاء، للإيجاز والوزن والاحتراز عن


( 471 )
صورة التمثيل المؤذن بانحطاط مرتبة المشبه عن مرتبة المشبه به.

السادسة: حذف المبتدأ إن كان ما خبراً لمبتدأ محذوف لجميع ما ذكر في مبتدأ حوض مع التوجيه.

السّابعة: أبهم أوّلاً أنّ ما هو مثل ما بين صنعاء وأيلة من ذلك الحوض أي امتداد له طوله أو عرضه، ثمّ بيّن أنّه العرض بقوله: «والعرض به أوسع» على طريق الكناية لا التصريح فقد أتى بطريقين في بيان المطلوب بليغين في الغاية.

الثامنة: في إبهام ما بين الموضوعين للتعبير عنه بها دلالة على التفخيم والتعميم وتوجيه لاحتمال «ما» الموصولة والموصوفة.

التاسعة: العدول عن «الواو» في أيلة إلى «إلى» للتبنيه على شرافة صنعاء بالنسبة إلى أيلة، فينبغي أن يبتدى الماسح منها، لما روي في الأخبار من فضل اليمن، وقد روي أنّ الكعبة يمانية والإيمان يماني.

وروى الشيخ الجليل أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي في كتاب «كنز الفوائد» عن الشريف أبي محمد الحسن بن محمد الحسيني، عن علي بن عثمان المعمر الأشبح قال: حدثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ قال: قال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : من أحبّ أهل اليمن فقد أحبّني ومن أبغضهم فقد أبغضني(1). والتنبيه على أنّها أقرب إلى الناظم رحمه اللّه وذلك لأنّه يماني واليمن أقرب إلى ذهنه وإن كان في غيره.

والوجهان جاريان فيما إذا كان إلى ايلة حالاً وكان معادل صنعاء محذوفاً، وحينئذ ففي حذف المعادل مع الإيجاز توجيه.

العاشرة: في التعبير عن عرضه بقوله: «العرض به أوسع» مالا يخفى من

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- كنزالفوائد: 266.


( 472 )
الإيضاح بعد الإبهام للتفخيم .

الحادية عشرة: العدول عن «له» إلى «به» مع أنّه الظاهر، فإنّ عرضه بمعنى عرض له، فإذا فكت الإضافة صار العرض له للمبالغة في الوصف بالسعة، فإنّه إذا قيل: إنّ عرضه أو العرض له أوسع، دلّ على أنّ تمام عرضه أوسع، وأمّا الآن فيدلّ على أنّ فيه أو معه من العرض ما هو أوسع، وفيه دلالة على أنّ تمام عرضه أوسع ممّا حكم عليه بأنّه أوسع.

الثانية عشرة: تقديم الظرف، أعني: فيهم، على الفاعل لتقريب الضمير من مرجعه والوزن، ولأنّه لو أُخّر عنه لتوهّم أنّه من صفاته وأنّ ذلك العلم من جملتهم وليس كذلك.

الثالثة عشرة: تنكير «علَم» للتفخيم والإيضاح بعد الإبهام و التوجيه.

الرابعة عشرة: حذف المضاف إلى الهدى إن كان مضافاً إليه لمقدّر، للوزن والاختصار والتوجيه، وإن لم يكن له مضاف محذوف و أُريد به أهل الهدى مجازاً كان لجميع ما ذكر مع المبالغة المتضمّنة للمبالغة في وصف العلَم.

الخامسة عشرة: تقديم «من ماء» على «مترع»، للوزن والقافية.

السادسة عشرة: تنكير «ماء» للتعظيم والتوجيه والإبهام ثمّ التفسير إن كان «له» صفة له وهو أيضاً للتعظيم.

السابعة عشرة: تقديم «من ماء» على «له» إن كان «له» ظرفاً لـ«مترع» والضمير عائداً على «علَم» للوزن والتوجيه.

الثامنة عشرة: تقديم «له» على «مترع» إن كان متعلّقاً به، للتوجيه والوزن والقافية وإفادة الحصر.

التاسعة عشرة: تقديم «من رحمته» على «كوثر» إن كان فاعلاً لـ«يفيض»، أمّا


( 473 )
إن كان حالاً منه فلزيادة التخصيص لذي الحال والتوجيه والوزن وزيادة الاهتمام بذكر الرحمة، وإن تعلّق بـ «يفيض» فلجميع ذلك عدا الأوّل، ولتقريب العائد إلى المعود عليه إن كان رحمته اسماً ظاهراً قائماً مقام المضمر المكمل.

العشرون: لا يخفى ما في إقامته المظهر مقام المضمر في قوله «من رحمته» إن كان، وكذا في «كوثر» إن كان ،من الدلالة على صفة أو اسم له بأخصر وجه والتوجيه.

الحادية والعشرون: تنكير كوثر إن كان منكراً للتفخيم إمّا تفخيم ذاته، أو من جهة كثرته، أو للتكثير، أو لهما معاً، كما قيل في قوله تعالى :(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْكُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ)(1)، أو لنكارته عنده لأنّه ليس من قبيل مياه الدنيا.

الثانية والعشرون: التعبير عن «بل» بـ«أو» إن كانت بمعناه للتوجيه.

الثالثة والعشرون: تنكير «ياقوت» للتعظيم أو التكثير أو لهما معاً، أو لنكارته عنده لأنّ من المعلوم أنّه ليس من جنس يواقيت الدنيا، وكذا الكلام في لؤلؤ ومسك وأباريق وريح.

الرّابعة والعشرون: إضافة «المرجان » إليه لأنّه لمّا كان المرجان عبارة عن صغار الدرّ، دلّ على أنّ المراد به صغار الدرر التي فيه، وإن كان أكثر بكثير من كبار درر الدنيا، وكذا إن كان المرجان عبارة عن كبار الدرر، فقد دلّ على أنّ المراد كبار الدرر التي فيه لا الكبار من نحو درر الدنيا، وإن كان عبارة عن السند فقد دلّ على أنّه ليس بهذا الماء والصّفاء الذي عليه بسند الدنيا، إذ ليس له كثير ماء ودواء.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- فاطر:4.


( 474 )
وللإضافة وجهان آخران يعمّان جميع الاحتمالات في المرجان:

أحدهما: الدلالة على أنّه ممّا يكون فيه.

والآخر: الدلالة على أنّه جنس مخصوص به ليس في غيره مثله وليس من جنس ما في الدنيا.

الخامسة والعشرون: العدول عن كله ونحوه بقوله :«ما دون الورى» لأنّ المبالغة فيه أكثر وللدلالة على سعة المكان جدّاً.

السادسةوالعشرون: توسيط التأكيد بين «أخضر» و «ناضر» لزيادة الاهتمام به .

السابعة والعشرون: إنّ إضافة «القدحان» إلى ضمير «الحوض»، أو «الكوثر» لمثل ماله أُضيف المرجان إلى ضميره من الدلالة على أنّها ليست من قبيل قدحان الدنيا لا ذاتاً ولا صفة ولا عدداً فإنّها كما عرفت من الأخبار بعدد نجوم السماء أو أكثر.

الثامنة والعشرون: تقديم «عنها» على فاعل يذبّ ، للوزن والقافية وتقريب الضمير من مرجعه، ولطول الفاعل بالصفة.

التاسعة والعشرون: تعريف الرّجل باللام العهدية للدلالة على أنّه معروف عند كلّ أحد المتمم(1).

الثلاثون: وصفه بالأصلع لزيادة التعريف والإيضاح وللمدح، لما عرفت من الخبر ولما أنّه صلوات اللّه عليه قد أُثبت في كتب الأوّلين بأصلع قريش كما يظهر من الأخبار والآثار، ففيه إيماء إلى هذا الفضل أيضاً.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- كذا في الأصل.


( 475 )
الحادية والثلاثون: لا يخفى ما أثره من الإبهام ثمّ التفسير ثمّ ما أثره في التفسير من تفسير جملة يذبّ عنها الرّجل الأصلع ليتكرر ذكر «الذبّ» فيفيد التأكيد.

الثانية والثلاثون: عدم التصريح باسمه صلوات اللّه عليه للتعظيم والدلالة على معلوميّته من غير حاجة إلى الذكر.

الثالثة والثلاثون: نسبة ذبّه صلوات اللّه عليه إلى الأباريق والقدحان للمبالغة فإنّه إذا ذبّ عنها فهو بالطريق الأولى يذبّ عن أصل الحوض والكوثر.

الرابعة والثلاثون: تذكير «ذاك» إن كان اسم فاعل من «ذكا» للإشارة إلى أنّ كلّ فرد من أفراده ذاكي وإن لم ينضم إليه غيره، فإنّه لو قيل : ذاكية لربّما احتمل أن يكون ذكا الرائحة من اجتماع الكل.

الخامسة والثلاثون: التعبير عن هبوب الزعزع بلفظ الماضي، للدلالة على تحقّق وقوعه.

السادسة والثلاثون: لا يذهب عليك ما فعله من إبهام الزعزع ثمّ تفسيره.

السابعة والثلاثون: تقديم النعت الأوّل، أعني «من الجنة» على الثاني أعني «مأمورة» للاهتمام والوزن ولأنّه لو أُخر لتوهّم تعلّقه بالأمر ولطول الثانية، لأنّ المصراع الأخير بمنزلة التأكيد لها.

البيان:

إن أُريد بـ«اللاّم» في «له» معنى «في» كانت استعارة تبعية وكذا إن كانت لشبه الملكية، وإن أُريد بما بين الموضعين مثله كان استعارة النصب يحتمل أن يراد به معناه الحقيقي، وأن يراد رفع الرتبة أو الجعل فيما بأُمورهم تشبيهاً لارتفاع الرتبة


( 476 )
بالارتفاع الوضعي الذي للقائم على القعود، أو لحال القيّم بأُمور الناس من التسلّط عليهم والقدرة على الأفعال بحال القائم، ولحالهم من العجز والضعف عن التصرّف بحال القعود، فيكون على التقديرين استعارة تبعية.

التحقيق:

إنّ «العَلَم» حقيقة العلامة، والمعاني الأُخر كلّها مجازيات، وإطلاقه عليها إطلاق لاسم اللازم على الملزوم فإنّها لزمها عادة أن تكون علامات وإطلاقه على السيّد استعارة، تشبيهاً بالجبل في العظم والاشتهار، أو بالراية، أو الذي يعقد على الرمح في الظهور، أو في اتّباع النّاس له.

إن أُريد بالهدى أهل الهدى كان مجازاً من إطلاق اسم ملابس الشيء على الشيء.

«من» في «من رحمته» إن لم يرد بها معناها الأصلي كانت استعارة، وكذا التي في منها.

إطلاق الرّحمة على النّعمة مجاز، من قبيل إطلاق الهدى على أهله.

إن كان «يهتزّ» مسنداً إلى الحافّات أو كان المراد بـ«المونق» المكان المونق; كان الإسناد مجازياً على أحد الوجهين كما عرفت.

الياقوت والمرجان واللؤلؤ و المسك، استعارات على وجه كما عرفت.

استعمال الحصى في استخراج اللؤلؤ من الصدف، استعارة.

إطلاق الأمر على إرادة اللّه تعالى وقضائه على شيء أن يخلقه، استعارة.

إطلاق الذهاب على الامتثال والرجوع على تركه، استعارتان تشبيهاً للمأمور به، بمكان يمكن فيه الذهاب وعنه الرجوع ولامتثاله بالذّهاب فيه ولتركه بالرجوع عنه.


( 477 )

 

 

[38 ـ 40]

 

إذا دَنََوا منه لِكَيْ يَشْرَبُــوا * قيلَ لَهُمْ تَبّاً لَكُمْ فَارْجِعُوا

دُونَكُمْ فالْتَمِسُــوا مَنْهـلاً * يرويكُمُ أو مَطْعَمـاً يُشبعُ

هذا لمَنْ والى بني أحمدا * و لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمُ يُتْبَعُ

اللّغة:

«إذا» إمّا ظرفية محضة، أو متضمّنة لمعنى الشرط.

«دنا» دنواً و دناوة: قرب كأدنى وحقيقة القرب في المكان، ثمّ استعمل في الزمان وفي الرّتبة.

«من» للتعدية.

«اللام» للتعليل.

«كي» على وجهين: اسم مخفف«كيف» قال:

كي تجنحون إلى سلم وماثئــرت * قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم(1)

وحرف ينتصب بعده المضارع فسيبويه على أنّه النّاصب والخليل والأخفش على أنّ الناصب «أن» مقدّرة.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مغني اللبيب: 1/182، رقم 301، و مجمعالبحرين: 4/87.1.


( 478 )
ثمّ إنّ سيبويه والأكثرين على أنّه قد يكون حرفاً جارّاً للاسم والكوفيّون على أنّه يختص بالفعل فلا يكون جارّاً أبداً، وقيل: إنّه لا يكون إلاّ جارّاً وهو رأي الأخفش، فالذين قالوا: إنّها قد تكون ناصبة وقد تكون جارّة قالوا: إنّه قد تتقدّم «اللاّم» نحو (لِكَيْلا تَأسَوْا)(1) فحينئذ لابدّ من أن تكون ناصبة، بمعنى أن«لا» جارّة بمعنى «لام» التعليل والاسم يدخل عليها «لام» التعليل وما في البيت من هذا القبيل، وقد يكون بعدها«أن» المصدرية الناصبة فلابدّ من أن تكون بمعنى «لام» التعليل.

وكذلك إذا انتصب بعدها الفعل وليس هناك «لام» ولا «أن» وكذلك إذا كان بعدها «ما» الاستفهامية فيقال: «كيمه» بمعنى «لمه» ولا يجرّ الاسم الصريح إلاّهنا وأمّا نحو: «كي لتقضيني، فاللام عندهم زائدة مؤكّدة لـ«كي»، أو بدل منها، كما أنّ «أن» في نحو قولهم: لكنّما أو كيما أن أفعل تأكيد أو بدل، لكون «كي» هنا بمعنى «أن» و إبدال الحرف من الموافق له في المعنى واقع، كما قيل في قوله: «فثمّ إذا أصبحت أصبحت عادياً».(2)

إنّ ثمّ بدل من الفاء، والّذين قالوا إنّها لا تكون إلاّ جارّة يعتذرون في نحو ما في البيت بزيادة اللام. واعتذر الكوفيّون النافون لكونها جارّة عن نحو«كيمه» بأنّها ناصبة لمقدّر، كأنّه قال القائل فعل كذا لكذا، فقال: كيمه؟ أي: كي تفعل ماذا؟ ولا تتصرّف تصرّف «أن» فلا تقع مبتدأ، ولا فاعلاً، ولا مفعولاً، ولا مجروراً إلاّ باللام، ويجوز تأخير معلول مابعدها عنها فتقول: كي أزورك جئتك.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الحديد: 23.
2- شطر بيت نُسب إلى زهير كما جاء في ديوانه: 106 و كامله:

أراني إذا ما بتُّ بتُّ على هوىً * و أنّي إذا أصبحت ُ أصبحتُ غادياً

و قالالإصمعي: ليست لزهير، و قيل: هي لصرمة الأنصاري ولا يشبه كلام زهير.


( 479 )
«الشّرب» : بالحركات الثلاث والضمّ أشهر: تناول كلّ مائع ماءً كان أو غيره. شرب يشرب كعلم يعلم وأشربته أنا.

«اللام»: للتبليغ،وقيل: للتعدية، كما عرفت.

«الفاء» إمّا زائدة على القول بجواز زيادتها كما في قوله:

لا تَجْزعي إن مُنْفِسٌ أَهْلَكْتُهُ * فإذا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذَلِكِ فَاجْزِعِي(1)

أو فصيحة، أي هي بما في حيزها جواب لشرط مقدّر، أي إذا طردتم عن الحوض فارجعوا.

أو للاستئناف على ما قيل من إتيانه لذلك كقوله: «ألم تسأل الربع القواء فينطق».

أو للعطف على مقدّر، أي ارجعوا فارجعوا، كما قيل في قوله: «أنت فانظر لأي ذاك تصير» إنّ التقدير انظر فانظر.

«دونكم» إمّا اسم فعل وهذه الصيغة من اسم الفعل جاء متعدّياً، يقال: دونك زيداً، أي خذه، وجاء لازماً أي تأخّر، والأمران هنا محتملان، أو ظرف متعلّق بـ«التمسوا» المذكور بعده وتكون الفاء زائدة كما في «فعند ذلك فاجزعي» أو متعلّق بـ«التمسوا» مقدّراً، أي(2) دونكم التمسوا فالتمسوا.

«التمس» الشيء طلبه، وأصله طلب الشيء والفحص عنه باللّمس.

«النهل» ـ محرّكة ـ: الشرب الأوّل، نهلت الإبل كفرحت نهلاً ومنهلاً، والمنهل: المورد والموضع الّذي فيه المورد.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيت للنمير بن تولب يجيب فيها امرأته و قد لامته عليالتبذير، . شرح ابن عقيل: الشاهد: 157، التبيان للطوسي:5/174.
2- في المخطوط: «أين» ويحتمل وقوع الخطأ أثناء النسخ. والواضح أنّ المقصود ما أثبتناه لعدم استقامة المعنى بالأُولى.


( 480 )
«روي» كرضي ريّاً، وروي أي شرب ما يكفيه، وكذلك ارتوى وتروّى وهو ريّان وهي رياء، وارويته ورويته،أي جعلته ريّان.

«الطعم» والطعام: تناول الغذاء،طعمه كسمعه، والمطعم اسم مكان له قيل: وقد يستعمل في الشرب، كما في قوله تعالى:(وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّي) .(1)

«الشبع» كعنب ضدّالجوع، شبع خبزاًأو من الخبز كسمن وأشبعته أنا.

«اللام» للاختصاص أو الاستحقاق أو الملكية.

«من» موصولة أو موصوفة.

«تولّى» فلاناً وتوالاه ووالاه، أي اتّخذه وليّاً أي محباً أو قيّماً بأُموره وأولى به من غيره أو أحبّه أو أتبعه.

«غير» اسم لازم الإضافة وربّما حذف ما أُضيف إليه لفظاً وهو منوي إذا تقدمه«لا» أو «ليس» فيقال: عندي درهم لا غير أو ليس غير، بالضم فيهما تشبيهاً له بالغايات، خلافاً للأخفش فإنّه يقول: إنّها ضمة إعراب، وقد يقال: ليس غيراً وليس غيرٌ بالتنوين، وقد يقال: ليس غيرَ ـ بالفتح من غير تنوين ـ بجعله خبر ليس منوياً معه المضاف إليه، وله معاني:

أحدها: أن يكون بمعنى مغاير وحينئذ يكون صفة غالباً، نقول: جاءني رجل غير زيد.

ومنها: أن يكون بمعنى «إلاّ» كقولك: جاءني القوم غير زيد.

ومنها: أن يكون بمعنى «لا» كقوله تعالى:(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَباغ)(2) وقولك: عندي زيد غير عمرو، وعليك بالحركة غير السكون، وأنا زيداً غير

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- البقرة:249.
2- البقرة:173 والأنعام:145 والنحل:115.


( 481 )
ضارب. والمراد هنا هو المعنى الأوّل أو الثاني.

«تبعه» كعلمه تبعاً وتباعة: مشى خلفه واقتدى به في أعماله وامتثل أوامره، وانتهى عن مناهيه، وهذان المعنيان مأخوذان من الأوّل.

الإعراب:

«إذا» إن كانت ظرفية كانت مضافة إلى الجملة بعدها وتعلّقت بـ«قيل»، وإن كانت شرطية ففيها الخلاف الذي عرفته.

ضمير «دنوا» يرجع إلى القوم السابق ذكرهم، وهم الّذين لم يرضوا بالوصي وخالفوا ما أوصاهم به النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، والضمير في «منه» عائد إلى الحوض أو الكوثر.

«لكي يشربوا» متعلّق بـ«دنوا» والشّرب متعلّق مقدّر، أي يشربوا منه.

«تبّاً لكم» إلى آخر البيت الثالث، مرفوع المحل على أنّه قام مقام فاعل القول، وإعراب «تبّاً لكم» قد مضى فيما سبق.

«فارجعوا» إمّا عطف على «ارجعوا» مقدّراً أو مستأنف وله متعلّق مقدّر، أي ارجعوا عنه.

«دونكم» إن كان ظرفاً تعلّق بـ«التمسوا» المذكور أو المقدّر إن كان المذكور عطفاً على المقدّر، وإن كان اسم فعل فإن كان بمعنى خذوا كان له مفعول مقدّر، أي دونكم منهلاً، فحذف بقرينة المذكور أو تنازع «هو» و«التمسوا» في المذكور، وإن كان بمعنى تأخّروا، فلا مفعول له وأصل اسم الفعل هذا ظرف، فأصل«دونك زيداً»: دونك زيد فخذه، ثمّ حذف«فخذه» واستغنى بالباقي، ثمّ لما قام الباقي مقام المحذوف تضمّن معنى خذ فنصب «زيد» و قيل: دونك زيداً،


( 482 )
بمعنى خذه، ثمّ الكاف التي فيه مجرور المحل كما كانت كذلك، وقيل إنّه لا محلّ لها بل إنّما هي حرف خطاب كالتي في جهلك، والكسائي على أنّها في موضع نصب، والفراء على أنّها في موضع رفع.

ثمّ إنّهم اختلفوا في أسماء الأفعال، فالأخفش على أنّه لا محل لها من الإعراب، ونسب ذلك إلى الجمهور وسيبويه والمازني وأبو علي الدينوري على أنّها في موضع نصب فما كان منها منقولاً عن المصادر فعلى المصدرية، وما كان منها منقولاً عن الظروف فعلى الظرفية استصحاباً لحالتها السابقة.

وقيل: إنّها مرفوعة المحال على الابتداء واستغنت بالضمير المستكن فيها عن الخبر كما استغنى نحو: «قائم» في :أقائم الزيدان؟ بالفاعل عن الخبر. ثمّ إنّها عند جماعة معارف; لكونها أعلام جناس. وفصل جماعة فقالوا: إنّ ما لزمه التنوين منها كونها نكرة ولم يدخله التنوين ألبتة كبله معرفة، وما يدخله تارة ولا يدخله أُخرى كمه، نكرة إذا نوّن ومعرفة إذا لم ينوّن.

«فالتمسوا» إمّا مستأنف وهو إذا كان فاؤه الاستئناف وكان «دونكم» اسم فعل، أو كانت الفاء زائدة و«دونكم» ظرفاً متعلّقاً به أو عطف على «التمسوا» مقدّراً، أو على «دونكم» إذا كان بمعنى تأخّروا أو خذوا، فإنّه في قوّة أن يقال: تأخّروا فالتمسوا منهلاً أو خذوا منه منهلاً فالتمسوا منهلاً.

«يرويكم» صفة لـ«منهلاً».

«يشبع» صفة لـ«مطعماً» بمعنى يشبعكم،فحذف المفعول أو نزل منزلة اللازم، أي يحصل الشبع.

جملة البيت الأخير استئناف، كأنّهم قالوا: لم تطردنا عنه، فقيل: لأنّ هذا . الخ.


( 483 )
«هذا» مبتدأ خبره ما بعده.

«غيرهم» إمّا مفعول لـ«يتبع» من غير تفريع، أو مفعوله الذي فرع له الفعل، وهو إذا كان «غير» بمعنى «إلاّ» فانّ الاستثناء، حينئذ يكون مفرغاً ، أي يتبع النّاس أو أحداً أو نحو ذلك إلاّ إيّاهم.

المعنى:

إنّ أُولئك القوم إذا قربوا من الحوض أو الكوثر لأن يشربوا منه قيل لهم: هلاكاً وخسراناً لكم ارجعوا عن هذا المنهل، اطلبوا عندكم مورداً يرويكم أو مطعماً يشبعكم أو يحصل به الشبع، أو تأخّروا فاطلبوا أو خذوا منهلاً آخر فاطلبوا أو اطلبوا فاطلبوا، أي اطلبوا مرّة بعد أُخرى.

وفي قوله «مطعماً يشبع»: إشارة إلى أنّ الحوض أو الكوثر كما يروي يشبع أيضاً، والأمر كذلك كما عرفت من الأخبار، ثمّ يعلّل لهم ذلك ويجاب عن سؤالهم عن علة ذلك; بأنّ المنهل ـ أي الحوض أو الكوثر ـ ملك من أحبّ أو اتّبع بني أحمد المصطفى ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ من الأئمّة الهداة صلوات اللّه عليهم و لم يكن يتبع من غايرهم، أو لم يكن يتبع أحداً إلاّإيّاهم. وهذا الحصر إضافي بالنسبة إلى من ضادّهم.

أو يقال: إنّ اتّباع أتباعهم داخل في اتّباعهم وموافقهم أو مخصوص لهم أو حقّهم، وموالاة بنيه يستلزم موالاة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و لذا اكتفى بذلك عن الإفصاح به، وقد عرفت من الأخبار ما يفصح بهذا المضمون و به أخبار لا تحصى كثرة من طرق الخاصة والعامّة مذكورة في مواضعها.


( 484 )

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: بُني القول للمجهول تعظيماً للقائل ولعدم تعيّنه، فإنّه كما يكون أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يجوز أن يكون الملائكة والمؤمنين أيضاً، ولأنّه لو نسبه إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لتوهّم ربطه بما تقدّم من حديث الذبّ وليس كذلك، بل إنّما يتعلّق بما سبق من قوله«لا هم عليه يردوا حوضه» والأبيات العشرة معترضة في البين، لبيان الحوض وصفاته.

الثانية : تقديم «دونكم» على «فالتمسوا» إن كان متعلّقاً به، أو على «التمسوا» المقدّر إن تعلّق به الحصر بالإضافة إلى الحوض، أو الكوثر والتوجيه.

الثالثة: تقديم «غيرهم» على «يتبع» للوزن والقافية وتقريب الضمير من مرجعه ولشرافتهم المقتضية لتقديمهم وهذا على تقدير أن يكون «غير» بمعنى «إلاّ».

 


( 485 )

 

 

[41]

 

فالفوز للشّاربِ من حوضِهِ * وَالويــلُ والذلّ لِمَنْ يُمْنَــعُ

اللغة:

«الفاء» للعطف ويفيد الترتيب في الكلام لا في الوجود، فإنّه متفرّع على ما تقدم وبمنزلة الفذلكة والنتيجة له أو فصيحه بمعنى أنّك إذا عرفت أنّ الناس يفترقون فرقتين شاربة وممنوعة فاعلم كذا.

«الألف واللام» إمّا للحقيقة أو الاستغراق ولا يتفاوتان في المعنى هنا، فإنّه إذا اختصّت حقيقة الفوز به اختصّت جميع أفراده به، إذ لو وجد في غيره لوجدت في ضمنه الحقيقة، وكذا ما في الويل والذلّ إلاّأن يكون الويل اسماً لموضع في جهنّم كما ستعرف، فحينئذ لا تكون الألف واللاّم فيه إلاّلمجرّد التزيين.

«الفوز» النجاة والظفر بالخير. وقال الراغب: هو الظفر بالخير مع حصول السلامة(1). يقال: فاز به، أي ظفر، و: فاز منه، أي نجا.

«اللام» للاختصاص أو الاستحقاق أو شبه الملكيّة.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الراغب الاصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن في غريب القرآن: 387«فوز».


( 486 )
«الألف واللاّم» الداخلان على اسم الفاعل أو اسم المفعول عند الجمهور: اسم موصول، وعند الزمخشري: منقوصة من «الذي» وأخواته، وعند المازني: حرف تعريف كما في نحو: الرّجل.

«من» إمّا للتبعيض أو الابتداء.

«الويل» كلمة يستعملها كلّ واقع في هلكة، وأصله العذاب والهلاك. وقال الأصمعي: هو التقبيح، وقيل: هو الهوان والخزي. وفي الفائق: وأمّا ويل فَشتمٌ ودعاء بالهلكة. وعن الفرّاء: إنّ الوَيْل كلمة شتم ودعاء سوء; وقد استعملتها العرب استعمال «قاتله اللّه» في موضع الاستعجاب، ثمّ استعظموها وكنّوا عنها بـ «ويح» و«ويب» و «ويس»، كما كنّوا عن «قاتله اللّه»بقولهم «قانعه اللّه» و«كانعه اللّه»، وكما كنّوا عن جوعاً له بجُوساً له وجوداً.(1) انتهى كلام الفائق.

وفي النهاية للجزري: «الويل»: الحُزن والهلاك والمشقّة من العذاب.(2)

وعن ابن عباس أنّه شدّة العذاب، وهو المروي عن الإمام الهمام الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليهما في «تفسيره» ، وقال الشيخ الجليل الصدوق أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم رحمه اللّه في «تفسيره»: وأمّا الويل فبلغنا واللّه أعلم أنّها بئر في جهنّم.(3) وعن أبي سعيد الخدري عن النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال: الويل واد في جهنّم يهوى فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره، والصعود حبل من نار

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- جار اللّه الزمخشري: الفائق في غريب الحديث: 4/85ـ 86 وجاء في هامشه: جُوعاً له وجوساً: إتباع. والجود: الجوع.
2- الجزري(ابن الاثير): النهاية:5/236.
3- تفسيرالقمي:2/410 والرواية عن أبي الجارود عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ و في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري ـ عليه السَّلام ـ : 303ح 145 حول معنى «الويل» جاء بهذا النص: أسوأ بقاع الجحيم.


( 487 )
يتصعّد فيه أربعين خريفاً ثمّ يهوى فيه كذلك أبداً.(1)

وعن سعيد بن المسيّب:«ويل» وادفي جهنّم لو سيّرت فيه جبال الدّنيا لانماعت من شدّة حرّها.

قال الراغب: ومن قال: ويل وادفي جهنّم فإنّه لم يُرِدْ أنّ ويلاً في اللّغة هو موضوعٌ لهذا، وإنّما أراد من قال اللّه تعالى فيه ذلك فقد استحقّ مقرّاً من النار وثبت ذلك له.(2)

«الذلّ» ـ بالضم ـ: ضدّ العزّ يقال: رجل ذليل بيّن الذل والذلالة ـ بالضم ـ والذلة ـ بالكسر ـ والمذلّة والذلّ ـ بالكسرـ :اللين ضدّ الصعوبة، ومنه يقال: دابّة ذلول بيِّن الذلّ، وقولهم: بعض الذل أبقى للأهل والمال.

وفي القاموس: والذلّـ بالضم والكسر ـ : ضدّ الصّعوبة.(3)

وقال الراغب: الذّلّ يعني ـ بالضمّـ : ما كان عن قهر، يقال: ذَلَّ يَذِلُّ ذُلاّ. والذِّلُّ يعني ـ بالكسر ـ : ما كان بعدَتَصَعُّب وشِماس مِنْ غير قَهْر، يقال: ذَلَّ يَذِلُّ ذُلاًّ ـ قال: ـ وقوله تعالى:(وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)(4) أي كُنْ كالمقهور لهما، وقُرئ :«جَناحَ الذِّلّ» ، والمعنى لِنْ وانقَد لَهما(5)، هذه اللام كالأُولى في المعنى.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- تفسير ابن كثير:4/471، و تفسير نورالثقلين:1/93.
2- الراغب: المفردات: ص 535: «ويل».
3- الفيروز آبادي: القاموس المحيط:3/379:«ذلّ».
4- الإسراء:24.
5- الراغب: المفردات: ص 180: «ذل».


( 488 )

الإعراب:

«الفوز» مبتدأ، ما بعده خبره «من حوضه» متعلّق بالشارب.

«الألف واللام» إن كان اسم موصول فاسم الفاعل صلته، و هو اسم بصورة فعل معنىً، وإنّما عدل به عن الصورة الفعلية إلى الاسميّة استكراهاً لدخول ما يشبه «الألف واللاّم» اللتين هما حرف تعريف على الفعل.

«الويل والذلّ» مبتدأن متعاطفان خبرهما لمن يمنع، فالضمير المستقرّ فيه ضمير مثنى ليمنع متعلّق مقدّر، أي يمنع منه، أي من الحوض أو من الشرب منه.

المعنى:

الظفر بالخير أو النجاة، أو الأمران مخصوص بالذي يشرب من حوض النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أو حقّ له أو ملك له والهلاك والعذاب أو شدة العذاب أو الخزي والهوان أو القبيح أو ذلك المكان من جهنّم مخصوص بالذي يمنع منه، أو حقّ له أو ملك له وكذا الهوان.

المعاني:

فيه مسائل:

الأُولى: أفرد الشارب تنصيصاً على أنّ الفوز ثابت و لكلّ واحد من الشاربين.

الثانية: عبّر عن الشرب بالاسم،وعن المنع بالفعل دلالة على أنّ الشارب يكفيه الشرب مرّة واحدة، لما عرفت من أنّ من شرب منه شربة لم يضمأ بعدها أبداً،


( 489 )
وأنّه يكفي في الفوز حصول مسمّى الشرب، وعلى أنّ الممنوعين يمنعون مرّة بعد أُخرى، فإنّ المضارع يدلّ على الاستمرار التجددي كما في قوله:

أوَ كُلَّما وَرَدت عُكاظَ قَبيلةٌ * بَعَثُوا إليَّ عَريفَهُمْ يَتَوَسَّمُ(1)

الثالثة: في حذف متعلّق المنع مع الاختصار، دلالة على أنّ من يمنع من الحوض فهو ممنوع من كلّ خير.

 

البيان:

ليس فيه التجوّز إلاّفي اللامين إن أُريد بهما شبه التملك.

 

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- لطريف بن مالك العنبري، وقيل طريف بن عمرو; ذكره ابن منظور في «السان العرب»:9/236: «عرف». و السمعاني: الأنساب:1/47، و ساقية ابنالحاجب:3/128، و في الصحاح: 4/1402 نسبه إلى طريف بن عمرو الغنوي.