كتاب اللألي العبقرية في شرح العينيّة الحميريّة لبهاء الدين الاصبهاني من ص 59 ـ 86 ص

( 59 )

فصل

(العينيّة)

وقد عنيت بقولي: «القصيدة العينيّة» معانيَ ليست مُبيّنة ولا غيبيّة:

أحدها: أنّها على قافية العين.

وثانيها: أنّها لشرفها ممّا ينبغي أن تحمل على العين، لا على الرأس أو اليدين، أو تضمّ على الصدر بالساعدين أو الزندين، بل ينبغي أن تُكتب بالأجفان على بياض العين من الإنسان، لا على القراطيس من الأنقاس(1) بالقصبات والقضبان، ولا على ألواح اليواقيت بأقلام الزمرّد من العِقيان(2).

وثالثها: أنّها في شأن ما هو فرض العين على الأعيان، ليس فيه مجال للكفاية أو التخيير كما لا تُغتفَر فيه غفلة أو نسيان، وهو ولاية أمير الإنس والجان، قاسم النيران والجنان، عليه الصلاة والسلام الأتَمّان الأكملان، ما طلع النجم و العَيُّوق والدَّبَران(3)، وما ناخت الفواخت والقَماري على رؤوس الأغصان.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- النِّقْسُ: ـ بالكسر ـ الذي يكتب به. و: المِداد، والجمع أنْقاسٌ وأنقُس. (لسان العرب: «نقس)».
2- العِقْيان: الذهب الخالص. وفي خطبة للإمام عليّ ـ عليه السَّلام ـ (رقم 192): «ولو أراد اللّه سبحانه لأنبيائه أن يفتح لهم كنوزَ الذَّهبانِ، ومعادن العِقْيان». وانظر (لسان العرب: «عقا)».
3- العَيُّوق» و«الدَّبَران»: من الكواكب.


( 60 )
ورابعها: أنّها من منش آت عين الأعيان(1)، عليه الرحمة من اللّه والرضوان.

وخامسها: أنّها في شأن عين أعيان الثقلين(2); وعين ما وصّى به النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ من أحد الثقلين; أو العين التي بها يهتدي الخلق إلى الصراط المستقيم، ويُفصلون بين سبل الجنة وطرائق الجحيم; أو العين التي منها تنبع الحِكَمُ والأحكام، ومنها يَرتوي الواردون من النفوس والأحلام.

وسادسها: أنّها فيما في الظهور بمنزلة المشهود بالأنظار، فلا يفتقر فيه إلى تدقيق النظر وإجالة الأفكار، وهو الولاية المعهودة لأُولي الأبصار، والخلافة التي لا شكّ فيها عند أهل الاعتبار.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- السيد الحميري.
2- الإمام عليّ ـ عليه السَّلام ـ .


( 61 )

فصل

في ذكر شطر من أحوال الناظم رحمه اللّه

اسمه:إسماعيل. وكنيته: أبو هاشم، على ما قاله سيّدنا الأجل الشريف المرتضى علم الهدى سلام اللّه عليه، في آخر شرح بائيّته التي مطلعها:

هلاّ وَقَفتَ على المكانِ المُعشبِ * بين الطّوَيْلِعِ فَاللّوى مِنْ كُبكُبِ(1)

وكذا في كتاب «بشارة المصطفى لشيعة المرتضى» للشيخ الجليل أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري رحمه اللّه .(2)

وفي كتاب «الرجال» لشيخ الطائفة المحقّة ورئيسها أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضوان اللّه عليه: أنّ كنيته أبو عامر.(3)

وأمّا «السيد» فهو ممّا لقّبوه به للتعظيم، قيل: إنّ أوّل من لقّبه به: حمّال كان

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الشريف المرتضى: شرح القصيدة الذهبية(للسيد الحميري): ص 1. يقول الشريف المرتضى قدَّس سرَّه في مقدّمته بعد الحمد والصلاة على النبي وآله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : سأل السيد الوالد ـ أطال اللّه بقاءهـ تفسير قصيدة أبي هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الملقّب بـ«السيد» ـرضي اللّه عنهـ البائية... وإيضاح معانيها ومشكل ألفاظها، وأنا أُجيب إلى ذلك.
و كُبكُب: جبل مطلّ على عرفات.
2- بشارة المصطفى: 278.
3- رجال الطوسي: ص 148 رقم 108، في أصحاب الصادق ـ عليه السَّلام ـ .


( 62 )
يسأل عن حمل بعيره فيقول: ميمات السيّد.(1)

وفي بعض الأخبار أنّه ممّا سمّته به أُمّه، فقد قال الشيخ الصدوق أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتابه «الرجال»: وروي أنّ أبا عبداللّهعليه السَّلام(2) لقي السيد ابن محمد الحميري فقال: سمّتك أُمّك سيّداً ووُفّقت في ذلك وأنت سيّد الشعراء، ثمّ أنشد السيد في ذلك:

ولَقَدْعَجبتُ لِقائل لي مَرَّةً * عَلاّمة فهم منَ الفُهماءِ(3)

سَمّاك قَومُكَ سَيّداً صَدقُوا به * أنتَ الموفَّقُ سيِّدُ الشُّعراءِ

ما أنتَ حينَ تخصُّ آل محمّد * بِالمدحِ منكَ وشاعر بسواءِ

مَدحَ الملوكَ ذَوُو الغنا لِعَطائِهم * والمدحُ مِنْكَ لَهُم لغيرِ عَطاءِ

فَأَبْشِرْ فإنّكَ فائزٌ في حُبِّهِم * لَوْ قَدْ وَردتَ عليهم بِجَزاءِ

ما تعدلُ الدُّنيا جَميعاً كُلّها * مِنْ حَوضِ أحمد شربةً منماءِ(4)

وكان السيّد نظّاماً للوقائع كثير الشعر مُجيده، حتى روي أنّه وُجد حمّال وهو

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- يأتي نص الحديث في ص 63 عن كشف الغمة.
2- الإمام جعفر الصادق ـ عليه السَّلام ـ .
3- في المصدر: «الفقهاء».
4- رجال الكشي: 2/569ـ 574 رقم 505.


( 63 )
يمشي بحمل ثقيل، فقيل: ما معك؟ فقال: ميمات السيّد.(1)

وعن الأصمعي أنّه قال: لولا أنّه يسبّ الصحابة في شعره ما قدّمتُ عليه أحداً في طبقته.

وقد كان في بادئ الأمر كيسانياً(2) فرجع إلى الحقّ بهداية الإمام الهمام أبي عبد اللّه الصادق ـ عليه السَّلام ـ .

وممّا قاله وهو كيسانيّ:

ألا إنّ الأئمّة من قُريش * وُلاة الأمر أربعة سَواءُ

عليٌّ والثلاثة من بَنيهِ * هُمُ أسْباطُنا والأوصياءُ

فسبطٌ سِبطُ إيمان وبِرّ * وسبطٌ غيّبته كربلاءُ

وسِبطٌ(3) لا يذوقُ الموتَ حتّى * يَقودُ الجيش يَقدمه اللِّواءُ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- علي بن عيسي الإربلي: كشف الغمّة: :1/548.
2- الكيسانيّة: يدّعي أصحاب المقالات أنّ عدة من الشيعة التفّوا حول محمد ابن الحنفيّة و كان اسمه «كيسان» ـ بادعاء بعضالكيسانيّة ـ و اتّخذوه قائداً (في حياة الإمام زين العابدين ـ عليه السَّلام ـ).
والشيعة تعتقد بأنّه مذهب مختلق في حينه من جانب الأعداء ملصق بشيعة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ لتشويههم آنذاك أولاً و تحطيم سمعة الثائر المختار بن أبي عبيدة ثانياً.(انظر بحوث في الملل و النحل للعلاّمة السبحاني: 7/27 ـ 44.
3- يعني بالسبط الذي لا يذوق الموت محمد ابن الحنفية.


( 64 )
تَغَيَّبَ لا يُرى عنّا زماناً * برَضوى عنده عسلٌ وماءُ(1)

و قد رأيت أخطب خطباء خوارزم أبا المؤيّد موفق بن أحمد المكي في كتاب «مقتل الحسين صلوات اللّه عليه»(2) نسب هذه الأبيات إلى كثير بن عبدالرحمن.

وقوله:

يا شعب رَضوى ما لِمَن بكَ لا يُرى * وبنا إليه من الصبابة أولَق

حتى متى وإلى متى وكم المدى * يا ابن الوصيّ وأنت حيٌّ تُرزق

إنّي لآملُ أن أراكَ وإنّني * مِنْ أن أموت ولا أراك لأفرقُ

وقوله:

ألا حىِّ المقيم بشعبِ رَضْوى * واهدِ لَهُ بمنزله السَّلاما

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- محمد بن بابويه(الصدوق): كمال الدين وإتمام النعمة:32. وفي «الأغاني» لأبي الفرج الاصفهاني (7/ 245) وذكر رواية السيد: أنّه حضر يوماً وقد ناظره محمد بن عليّ بن النعمان فغلبه محمد في دفع ابن الحنفيّة عن الإمامة; فقال السيد ـ و ذكر الأبيات ـ.
2- الخوارزمي: مقتل الحسين ـ عليه السَّلام ـ : 2/ 129.


( 65 )
وقُل يا ابنَ الوصيّ فدتكَ نفسي * أطلتَ بذلك الجبلِ المقاما

أضِر(1) بمعشر والوكَ مِنّا * وَسَمّوكَ الخليفة والإماما

فما ذاقَ ابنُ خولَة طَعمَ مَوت * ولا وارت له أرض عظاما

وقوله:

أياشعب رَضوى ما لمن بك لا يُرى * فحتّى متى يخفى وأنت قريبُ

فلو غاب عنّا عُمر نُوح لأيقَنَتْ * مِنّا النفوس بأنّه سَيَؤوبُ(2)

قال الشيخ الصدوق ثقة الإسلام والمسلمين أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رحمهمُ اللّه في كتاب «كمال الدين وإتمام النعمة»: حدّثنا عبد الواحد بن محمد العطاررحمه اللّه قال: حدّثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، قال: حدّثنا حمدان بن سليمان، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- أضرّ بي فلان، أي دنا منّي دنوّاً شديداً، وكلّ ما دنا دنوّاً مضيّقاً فقد أضرّ، وأضرّالسيل من الحائط: دنا منه(لسان العرب :«ضرر)».
2- الصدوق: كمال الدين: 32و33.


( 66 )
حيّان السرّاج(1) قال: سمعت السيد ابن محمد الحميري يقول: كنت أقول بالغلوّ وأعتقد غيبة محمد بن علي ابن الحنفية، قد ظللت في ذلك زماناً فمنّ اللّه عليّ بالصادق جعفر بن محمد عليمها السَّلام وأنقذني به من النّار وهداني إلى سواء الصراط، فسألته بعد ما صحّ عندي بالدلائل الّتي شاهدتها منه أنّه حجّة اللّه عليّوعلى جميع أهل زمانه وأنّه الإمام الّذي فرض اللّه طاعته وأوجب الاقتداء به، فقلت له: يا ابن رسول اللّه قد روي لنا أخبار عن آبائكعليهم السَّلام في الغيبة وصحّة كونها فأخبرني بمن تقع؟

قال ـ عليه السَّلام ـ : إنّ الغيبة ستقع بالسّادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و آخرهم القائم بالحقّ بقيّة اللّه في الأرض وصاحب الزّمان، واللّه لو بقي في غيبته ما بقي نوح في الأرض في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

قال السيّد: فلمّا سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليمها السَّلام تبت إلى اللّه تعالى ذكره على يديه، وقلت قصيدتي التي أوّلها:

فلمّا رأيتُ الناسَ بالدِّين قَد غووا * تجعفرتُ باسم اللّهِ واللّه أكبرُ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- حيّان السرّاج: من الكيسانية القائلين بأنّ محمد بن الحنفية إمام وهو حيّ لم يمت، وقد ذكر الكشي في ذلك عدّة روايات. (السيد الخوئي قدَّس سرَّه : معجم رجال الحديث:6/308 رقم 4120).


( 67 )
تجعفرتُ بسم اللّه و اللّه أكبر * وأيقَنْتُ أنّ اللّه يعفو ويَغفرُ

ودِنْتُ بدين غيرَ ما كنتُ دائناً * بهِ ونَهاني واحدُ الناسِ جعفرُ

فقلتُ فهبني قد تهوَّدتُ بُرهَةً * وإلاّفديني دينُ مَنْ يتنصَّرُ

فإنّي إلى الرحمن من ذاك تائبٌ * وإنّي قد أسلمتُ و اللّهُ أكبرُ

فلستُ بغال ما حييتُ، وراجعٌ * إلى ما عليهِ كنت أُخفي وأُضمرُ

ولا قائل حيّ برضوى محمد * وإن عابَ جُهّالُ مَقالي وأكثرُوا

ولكنّه ممّن مَضى لسبيلهِ * على أفضلِ الحالاتِ يَقْفِي ويخبرُ

مع الطيِّبينَ الطاهرين الأُولى لَهُمْ * مِنَ المُصْطَفى فرعٌ زكيٌّ وعنصرُ


( 68 )
إلى آخر القصيدة وهي طويلة، وقلت بعد ذلك قصيدة أُخرى:

أيا راكباً نحو المدينة جَسرةً * عذافرة يطوى بها كلّ سَبسَبِ(1)

إذا ما هَداك اللّه عاينتَ جعفراً * فقُل لِوليّ اللّه وابن المُهَذَّبِ

ألا يا أمين اللّهِ وابن أمينه * أتوبُ إلى الرحمنِ ثمّ تأوّبي

إليك من الأمر الذي كنت مطنباً * أُحارب فيه جاهداً كلَّ معربِ

وما كان قولي في ابن خولة مطنباً * معاندة منّي لنسل المطيّبِ

ولكن روينا عن وصيِّ محمّد * وما كان فيما قال بالمتكذِّبِ

إنّ وليّ اللّه يُفقدُ لا يُرى * سنين كفعلِ الخائف المترقِّبِ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الجَسْرُ: ـ بالفتح ـ: العظيم من الإبل وغيرها، والأُنثى جَسْرَة. العَذافِرة: الناقة العظيمة. والناقة الشديدة. الأمينة الوثيقة الظهيرة. وجَمَل عُذافر وعَذَوْفَر: صلب عظيم شديد. السبسب: المفازة، والأرض المستوية البعيدة (لسان العرب: «جسر»، «عذفر» و«سبسب)».


( 69 )
فيقسم أموال الفقيد كأنّما * تغيّبه بين الصفيح المنصّبِ

فيمكت(1) حيناً ثمّ يشرق شخصه * مضيئاً بنور العدل إشراق كوكبِ

يسير بنصر اللّه من بيت ربّه * على سؤدد منه وأمر مسبّبِ

يسير إلى أعدائه بلوائه * فيقتلهم قتلاً كحران مغضبِ

فلمّا روى أنّ ابن خولة غائب * صرفنا إليه قولنا لم نكذبِ

وقلنا هو المهدي و القائم الذي * يعيش بجدوى عدله كلُّ مجدبِ

فإن قلت: لا، فالحقُّ قولك والّذي * أمرتَ فحتمٌ غير ما متعقّبِ

وأُشهد ربّي أنّ قولك حجّة * على النّاس طُرّاً من مطيع ومُذنبِ

بأنّولي اللّه والقائم الّذي * تطلع نفسي نحوه بتطرّبِ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- مَكت بالمكان: أقام، كَمَكَد.(لسان العرب:«مكت)».


( 70 )
له غيبة لا بدّ أن سيغيبها * فصلّى عليه اللّه من متغيّبِ

فيمكث حيناً ثم يظهر عينه * فيملأ عدلاً كلّ مشرق ومغربِ

بذاك أدين اللّه سرّاً وجهرةً * ولستُ وإن عوتبتُ فيه بمعتّبِ(1)

وفي المناقب للشيخ الجليل رشيد الدين محمد بن علي بن شهر اشوب رحمه اللّه : داود الرقي: بلغ السيد الحميري أنّه ذُكر عند الصادق ـ عليه السَّلام ـ فقال: السيد كافر، فأتاه وقال: يا سيّدي أنا كافر مع شدّة حبّي لكم ومعاداتي الناس فيكم؟! قال: وما ينفعك ذاك وأنت كافر بحجّة الدهر والزمان، ثمّ أخذ بيده وأدخله بيتاً فإذا في البيت قبر، فصلّى ركعتين ثمّ ضرب بيده على القبر فصار القبر قطعاً، فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته فقال له الصادق ـ عليه السَّلام ـ : من أنت؟ قال: أنا محمد بن علي المسمى بابن الحنفية، فقال: فمن أنا؟ فقال جعفر بن محمدحجّة الدهر والزمان. فخرج السيد يقول: (تجعفرت باسم اللّه فيمن تجعفرا).(2)

ثمّ قال رحمه اللّه(3): وفي اخبار السيد أنّه ناظر معه مؤمن الطاق في ابن الحنفية فغلبه عليه، فقال:

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الصدوق: كمال الدين: ص 33ـ 35.
2- ابن شهر اشوب: مناقب آل أبي طالب: 4/245.
3- أي صاحب الكتاب.


( 71 )
تركتُ ابن خولةَ لا عَن قلى * وإنّي لَكَالْكَلِفِ الوامِقِ(1)

وَإنّي لَهُ حافظٌ في المغيبِ * أدينُ بما دانَ في الصادقِ

هوَ الحبرُ حبرُ بني هاشم * ونورٌ مِنَ المَلكِ الرّازِقِ

بِه يُنعِشُ اللّهُ جَمعَ العِبادِ * ويُجري البَلاغَةَ في النّاطِقِ

أتاني بُرهانهُ مُعْلَناً * فَدُنتُ ولَمْ أكُ كالمائِقِ

فَمَنْ صدَّ بعد بَيانِ الهُدى * إلى حَبْتَر وَأبَى حامِقِ

فقال الطاقي:أحسنت; الآن أتيت رشدك، وبلغت أشدّك، وتبوّأت من الخير موضعاً ومن الجنّة مقعداً. وأنشأ السيد يقول:

تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر

ـ إلى قوله: ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ

1- الكلَف: الوُلوع بالشيء مع شغل قلب ومَشقّة.
و وَمِقَ: أحبَّ، والوِماق: محبة لغير رِيبة.(لسان العرب: «كلف»، «ومق)».


( 72 )
ولَستُ بغال ما حَيِيتُ وراجع * إلى ما عَليهِ كُنتُ أُخفي وأُظمرُ(1)

وقد رويناه فيما مرّ: «وأضمر».

وحكى أيضاً في القصيدة الأُخرى التي صدرها:

(أيا راكباً نَحوَ المَدينةِ جَسْرَةً)

بعض أبياتها، بمخالفة ما في الألفاظ والترتيب.

ـ ثم قال: ـ

و أنشد فيه:

امدح أبا عبد الإله * فتى البريّة في احتمالِهِ

سِبطُ النَّبيّ محمَّد * حَبلٌ تَفرَّعَ مِنْ حِبالِهِ

تغْشَى العُيونُ النّاظِراتُ * إذا سَمَوْنَ إلى جَلالِهِ

عَذْبُ المَوارِدِ بَحْرُهُ * يَروي الخَلائِقَ مِنْ سجالِهِ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- نص البيت من المصدر، وفي الأصل:
«و لست مغال ما حييت» البيت إلاّ ان عجزه وأظهر. وهو غير مستقيم .


( 73 )
بَحرٌ أطلَّ عَلَى البُحورِ * يَمُدُّهُنَّ نَدَى بلالِهِ

سَقَتِ العِبادَ يَمينَُهُ * وسَقَى البلادَ نَدى شمالِهِ

يَحكي السَّحابَ يَمينُهُ * وَالودق يَخْرجُ مِنْ خلالِهِ

الأرضُ مِيراثٌ لَهُ * والناسُ طُرّاً في عِيالِهِ

يا حُجَّةَ اللّهِ الجَليلِ * وَعَيْنِهِ وزَعيمَ آلِهِ

وابن الوَصيّ المُصطفى * وشَبيهَ أحمدَ في كَمالِهِ

أنتَ ابنُ بِنتِ مُحمَّد * حَذْوَاً خُلقتَ على مِثالِهِ

فَضِياءُ نُورِكَ نُورُهُ * وظِلالُ رُوحِكَ من ظِلالِهِ

فيكَ الخَلاصُ مِنَ الرَّدَى * وبِكَ الهداية مِن ضَلالهِ


( 74 )
أَثني ولستُ بِبالغ * عُشْرَ الفَريدة من خِصالِهِ(1)

وقال الشيخ أبو عمرو الكشي في كتاب «الرجال»: وحدّثني نصر بن الصباح قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد اللّه بن بكير، عن محمد بن النعمان قال: دخلت على السيّد ابن محمد وهو لما به قد اسودّ وجهه وازرقّت عيناه وعطش كبده، وهو يومئذ يقول بمحمد ابن الحنفية وهو من حشمه، وكان ممّن يشرب المسكر، فجئت وكان قد قدم أبو عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ الى الكوفة لأنّه كان انصرف من عند أبي جعفر المنصور، فدخلت على أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ فقلت: جعلت فداك إنّي فارقت السيّد ابن محمد الحميري لما قد اسودّ وجهه وازرقّت عيناه وعطش كبده وسُلب الكلام ،فإنّه كان يشرب المسكر.

فقال أبو عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : أسرجوا له، فركب ومضى ومضيت ومعه حتى دخلنا على السيّد وإنّ جماعة محدقون به، فقعد أبو عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ عند رأسه وقال: يا سيّد! ففتح عينه ينظر إلى أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ ولا يمكنه الكلام(2)، وإنّا لنتبيّن فيه أنّه يريد الكلام ولا يمكنه.

فرأينا أبا عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ حرَّك شفتيه فنظر السيّد(3) فقال أبو عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : قل بالحقّ يكشف اللّه ما بك ويرحمك ويدخلك جنّته التي وعد أولياءه، فقال في ذلك:

(تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر). فلم يبرح أبو عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ حتى قعد السيّد

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ابن شهر اشوب: مناقب آل أبي طالب:4/246ـ 247.
2- «وقد اسودّ وجهه، فجعل يبكي وعينه إلى أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ ولا يمكنه الكلام»: (رجال الكشي).
3- «فنطق السيد فقال: جعلني اللّه فداك أبأوليائك يفعل هذا!» بدل: «فنظر السيد»:(رجال الكشي).


( 75 )
على استه.(1)

وفي كتاب «كشف الغمة في معرفة الأئمّة» للشيخ الإمام علي بن عيسى الإربلي رحمه اللّه : روى الحسين بن عون قال: دخلت على السيّد ابن محمد الحميري عايداً في علّته التي مات فيها فوجدته يساق به، ووجدت عنده جماعة من جيرانه، وكانوا عثمانية، وكان السيّد جميل الوجه رحب الجبهة عريض مابين السالفين، فبدَت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد، ثمّ لم تزل تنمو وتزيد حتى طبّقت وجهه بسوادها، فاغتمّ لذلك من حضره من الشيعة، وظهر من الناصبة سرور و شماتة، فلم يلبث بذلك إلاّ قليلاً حتّى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء، فلم تزل تزيد أيضاً و تنمى حتى اسفر (2) وجهه وأشرق وأفتر السيد ضاحكاً وقال:

كذب الزاعمون أنّ علياً * لم ينج محبّه من هنات

فقد وربّي دخلت جنّة عدن * وعفا لي الإله عن سيّئاتي

فأبشروا اليوم أولياء عليّ * وتولّوا عليّاً حتى الممات

ثمّ من بعده تولّوا بنيه * واحداً بعد واحد بالصفات

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكشي: الرجال: ص 572ـ 573.
2- «اسفرّ» : المصدر.


( 76 )
ثمّ أتبع قوله هذا: أشهد أنْ لا إله إلاّ اللّه حقّاً حقّاً، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه حقّاً حقّاً، أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً حقّاً، أشهد أنْ لاإله إلاّ اللّه،ثمأغمض عينيه بنفسه فكأنّما كانت روحة ذبالة طفئت أو حصاة سقطت.(1)

وفي كتاب «الرجال» للكشي: حدثني أبو سعيد محمد بن رشيد الهروي قال: حدّثني السيّد وسمّاه، وذكر أنّه خيّر قال: سألته عن الخبر الّذي يروى أنّ السيّد اسودّوجهه عند موته؟ فقال ذلك الشعر الذي يروى له في ذلك قال: حدثني أبو الحسين المروزي قال: روي أنّ السيد ابن محمد الشاعر اسودّ وجهه عند الموت فقال: هكذا يفعل بأوليائكم ياأمير المؤمنين؟!قال: فابيضّوجهه كأنّه القمر ليلة البدر فأنشأ يقول:

أحبّ الّذي من مات من أهل ودّه * تلقّاه بالبشرى لدى الموت يضحك

ومن مات يَهوى غيره من عدوّه * فليس له إلاّ إلى النار مسلك

أبا حسن تفديك نفسي وأُسرتي * ومالي وما أصبحت في الأرض أملك

أبا حسن إنيّ بفضلك عارف * (وإنّي بحبل من هواك لممسك

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- عليّ بن عيسي الإربلي: كشف الغمة:1/548ـ 549.


( 77 )
وأنت وصي المصطفى وابن عمّه)(1) * وإنّا نعادي مبغضيك ونترك

ولاح لحاني في عليّ وحزبه * فقلت لحاك اللّه إنّك أعفك(2)

مواليك ناج مؤمن بين الهدى * وقاليك معروف الضلالة مشرك(3)

ومن أشعاره ما رواه الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري في كتاب«بشارة المصطفى لشيعة المرتضى» قال: أخبرني الشيخ أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي رحمه اللّه عن أبيه أبي جعفر الطوسي قال: أخبرنا الشيخ أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان قال: أخبرني عبد اللّه بن محمد بن عمران المرزباني قال: أخبرني محمد بن يحيى قال: حدّثنا جبلة بن محمد بن جبلة الكوفي قال:حدّثني أبي قال: اجتمع عندنا السيد ابن محمد الحميري وجعفر بن عفان الطائي فقال له السيّد: ويحك أتقول في آل محمّد ـ عليهم السَّلام ـ :

ما بال بيتكم يخرب سقفه * و ثيابكم من أرذل الأثواب

فقال جعفر: فما أنكرت من ذلك؟! قال له السيد: إذا لم تحسن المدح فاسكت، أيوصف آل محمد ـ عليهم السَّلام ـ بمثل هذا؟! ولكنّي أعذرك، هذا طبعك وعلمك ومنتهاك وقد قلت ما أمحو عنهم عار مدحك:

إنّ عليّ بن أبي طالب * على التُّقى والبرّ مَجبولُ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ما بين القوسين من المصدر.
2- البيتين الأخيرين تقديم و تأخير عمّا في المصدر.
3- الكشي: الرجال: 2/570ـ 571.


( 78 )
وإنّه كانَ(1) الإمام الّذي * لَهُ على الأُمة تَفضيلُ

يقول بالحقّ ويفتي به * ولا تلهيه الأباطيلُ

كان إذا الحرب مرتها القنا * وأحجمت عنها البهاليل

يَمشي إلى القرن وفي كفّه * أبيض ماضي الحدّمصقُول

مشي العَفرني(2) بين أشباله * أبرزه للقنص الغيلُ

ذاك الذي سلّم في ليلة * عليه ميكال و جبريلُ

ميكال في ألف وجبريل في * ألف ويتلوهم سرافيلُ

ليلة بدرمَدداً اُنزِلوا * كأنّهم طير أبابيلُ

فسلّموا لمّا أتوا نحوه(3) * وذاك إعظامٌ وتبجيلُ

هكذا يقال فيهم يا جعفر وشعرك يقال مثله لأهل الخصاصة والضعف.

فقبّل جعفر رأسه وقال: أنت واللّه الرأس يا أبا هاشم ونحن الأذناب.(4)

حكى أبو عمر الزاهد(5) في كتاب «الياقوتة» أنّ بعض الشيعة أنشد أبا

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- «ذاك»: المصدر.
2- العَفَرني والعِفرِّين: الأسد، سمّي بذلك لشدّته.(اللسان: «عفر)».
3- «حذوه»: المصدر.
4- أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري: بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: 53 و 54.(المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، ط2. و ذكره الشيخ الطوسي في الامالي 198.(دار الثقافة قم ـ 1414هـ).
5- هو أبوعمر الزاهد محمد بن عبد الواحد المطرّز الباوردي (261 ـ 345هـ) المعروف بـ «غلام ثعلب» (السيد بحر العلوم: الفوائد الرجاليّة: 3/8 ـ 9).


( 79 )
مخالد هذه الأبيات فقال له أبو مخالد: يا هذا إنّ الشاعر لم يمدح صاحبك وإنّما هجاه في موضعين:

أحدهما: أنّ عليّاً مجبول على البرّوالتُّقى، ومن جُبل على أمرلم يُمدح عليه لأنّه لم يكسبه بسعيه.

وثانيهما :أنّه ادّعى أنّه أُيِّد في حروبه بالملائكة ولا فضيلة له حينئذفي الظفر لأنّ حيّة النميري لو أُيِّد بهؤلاء لقهر الأعداء.(1)

ولا يخفى على كلّ كبير وصغير أنّ ما ذكره من الإيرادين من السّخافة بمكان، و أنّهما ممّا تستهجنه الأذهان وتمجّه الآذان.

أمّا الأوّل فمن وجوه:

الأوّل: إنّ من المعلوم عند أُولي الفهوم أنّ أمثال هذه العبارات شائعة في المبالغة على المواظبة على الأمر حتى كأنّه مجبول عليه، كما قال تعالى: (خُلِقَ الإِنْسانُ مِنْ عَجَل)(2) وقد اشتهر أنّ العادة كالطّبيعة الثابتة(3) ، فالمجبوليّة هنا ليست على حقيقتها كما فهمه هذا المورد الأحمق، بل إنّما هي نهاية في المبالغة في الوصف بالمواظبة والاعتياد.

والثاني: إنّ من المشهور المسطور أنّ المدح لا يجب أن يكون على ما يكون بالسعي والاختيار، إنّما ذلك الحمد على ما هو المشهور، فأيّ وجه لما قاله من أنّهعليه السَّلام إذا كان مجبولاً عليهما لم يستحقّ المدح عليهما؟!

والثالث: إنّ غاية ما ألزمه هذا الأحمق أن لا يكون الوصف بذلك ممّا يسمى مدحاً، وهو إنّما نصر السيّد لو صرّح بكونه مدحاً أو أشار إليه وليس وإن قال إنّه

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- لم يتوفرالمصدر بأيدينا.
2- الأنبياء:37.
3- في الأصل: «الثانية» وهو تصحيف.


( 80 )
لا يمكن الوصف بأمثاله، لم يستحق الجواب (1).

وأمّا الثاني فمن وجهين:

الأوّل: إنّ السيّد سلام اللّه عليه لم يتعرّض لتأييد الملائكة له ـ عليه السَّلام ـ لا تصريحاً ولا تلويحاً وإنّما أفاد أنّهم سلّموا عليه إجلالاً له وتبجيلاً.

والثاني: أنّا لو سلّمنا أنّه تعرّض لذلك فمنع، انّه لا فضيلة له في ذلك، بمنزلة منع أن يكون تأييد الملائكة والنّصر بالرعب وغير ذلك من جنود اللّه، من فضائل رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، مع أنّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ افتخر بذلك في غير موطن، نعم لوكان في مقام مدحه ـ عليه السَّلام ـ بأنّه هزم الكفار وظفر عليهم لكان للإيراد توجيه، ولا شبهة في أنّه لا نصّ عليه ولا إشارة إليه في الشعر، مع أنّه على ذلك أيضاً ظاهر الاندفاع، فإنّ المدح بأنّه هزم الكفّار وظفر عليهم بتأييد الملائكة ممّا تقبله الطباع، بل هو أولى بالمدح من الظفر شدة بأسه وقوّة شجاعته(فَإِنَّها لا تَعمَى الأَبصارُ ولكنْ تَعْمى القُلوبُ التي في الصُّدُورِ) (2) . ثمّ من العجب العجيب أنّ هذا المغفّل الجهول لم يقتصر على إبطال المدح بل ادّعى أنّه هجاه بهذين الوصفين!! أترى أحداً من المجانين يفوه بمثل هذا؟!

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- هنا عبارة غير مقروءة.
2- الحج:46.


( 81 )

فصل

في ذكر ما يتعلّق بالقصيدة

التي نحن بصدد شرحها

روى الشيخ أبو عمرو الكشي في كتاب «الرجال» قال:

حدّثني نصر بن الصباح، قال: حدثنا إسحاق بن محمد البصري، قال: حدّثني علي بن إسماعيل، قال: أخبرني فضيل الرسّان(1)، قال: دخلت على أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ بعد ما قتل زيد بن علي رحمة اللّه عليه فأُدخلت بيتاً جوف بيت، فقال لي: يا فضيل قتل عمّي زيد؟

قلت: نعم جعلت فداك.

قال: رحمه اللّه أما إنّه كان مؤمناً، وكان عارفاً، وكان عالماً، وكان صادقاً، أما إنّه لو ظفر لوفى، أما إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها.

قلت: يا سيّدي ألا أنشدك شعراً؟

قال: أمهل، ثم أمر بستور فسدلت وبأبواب ففتحت، ثمّ قال: أنشد،

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- هو الفضيل بن الزبير الرسان: من أصحاب الباقر ـ عليه السَّلام ـ كما في رجال الشيخ (برقم2) ومن أصحاب الصادق ـ عليه السَّلام ـ أيضاً (برقم22)


( 82 )
فأنشدته:

لأُمِّ عَمرو باللِّوى مَرْبَعُ * طامِسَةٌ أَعْلامُهُ بَلقَعُ

لَمّا وقفت(1) العيسُ في رَسْمِهِ * والعينُ مِنْ عِرفانِهِ تَدمَعُ

ذَكرت مَنْ قد كُنتُ ألْهُو(2) بهِ * فَبِتُّ والقلبُ شَج مُوجَعُ

عجبتُ مِنْ قَوم أَتَوا أحمداً * بِخطبة ليس لَها مدفَعُ

قالوا لَهُ لو شِئتَ أَخْبَرتَنا * إلى مَن الغايةُ والمفزعُ

(إذاتُوفِّيت وفارقتنا)(3) * ومنهم في المُلكِ مَن يَطمَعُ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- كذا في الأصل والمصدر وتنقيح المقال للمامقاني، وفي إحدى نسخ التنقيح«وقفن» . انظر رجال المامقاني:1/143.
2- «أهوى»: المصدر وتنقيح المقال.
3- ما بين القوسين من المصدر.


( 83 )
(و)(1) قــالَ لَو أخبرتُكُمْ مَفْزَعــاً * ماذا عَسيتم فيهِ أن تَصنَعُوا

صَنيعُ أهلِ العِجل إذ فارقوا * هارون فالترك له أوْدَعُ

فالناسُ يومَ البعث راياتُهُم * خَمسٌ فمنهاهالكٌ أربعُ

قائدها العِجل وفِرعَونُها * وسامِريُّ الأُمّة المفظعُ

ومُخدعٌ من دينهِ مارِقٌ * أخدع عبد لُكَعٌ أوْكَعُ(2)

ورايةٌ قائدُها،وجهُهُ * كأنّه الشمسُ إذا تَطلَعُ(3)

قال:فسمعت نحيباً من وراء الستر وقال: من قال هذا الشعر؟

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- ما بين القوسين من المصدر.
2- الأوكع: اللئيم.
3- هذه الأبيات ليست هي المختارة بالتحديد للشارح في هذا الكتاب، وفيهاأيضاً بعض الاختلاف مع المشروح.


( 84 )
قلت: السيد ابن محمد الحميري.

فقال: رحمه اللّه.

قلت: إنّي رأيته يشرب النبيذ!

فقال: رحمه اللّه. قلت: إنّي رأيته يشرب النبيذ الرستاق!

قال: تعني الخمر؟ قلت: نعم.

قال:رحمه اللّه، وما ذلك على اللّه أن يغفر لمحبّ عليّ.(1)

وفي «الأغاني»: قال عباد بن صُهَيب(2):

كنت عند جعفر بن محمد، فأتاه نعي السيد، فدعا له وترحَّم عليه، فقال له رجل: يابن رسول اللّه (تدعو له)(3) وهو يشرب الخمر ويؤمن بالرجعة! فقال: حدَّثني أبي عن جدّي أنّ مُحِبِّي آل محمد لا يموتون إلاّتائبين وقد تاب، ورفع مُصَلّى كانت تحته، فأخرج كتاباً من السيد يُعرِّفه فيه أنّه قد تاب ويسأله الدعاء له.(4)

وروى بعض أصحابنا بسنده عن سهل بن ذبيان قال: دخلت على الإمام عليّ بن موسى الرضا ـ عليه السَّلام ـ في بعض الأيّام قبل أن يدخل عليه أحد من الناس فقال لي: مرحباً بك يا ابن ذبيان ، الساعة أراد رسولي أن يأتيك لتحضر عندنا فقلت: لماذا يا ابن رسول اللّه؟

ــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكشي: الرجال: 2/569ـ 570.
2- عبّاد بن صهيب أبوبكر التميمي الكليني (الكليبي) اليربوعي: بصري، ثقة روى عن أبي عبد اللّه (الصادق ـ عليه السَّلام ـ ). (معجم رجال الحديث: 9/214 رقم 6136).
3- ما بين القوسين من المصدر.
4- أبو الفرج علي بن الحسين الاصبهاني: الأغاني: 7/277.


( 85 )
فقال: لمنام رأيته البارحة، وقد أزعجني وأرَّقني. فقلت: خيراً يكون إن شاء اللّه تعالى؟

فقال: يا ابن ذبيان، رأيت كأنّي نُصِب لي سُلَّم فيه مائة مرقاة، فصعدت إلى أعلاه.

فقلت: يا مولاي أُهنّئك بطول العمر، ربّما تعيش مائة سنة، لكلّ مرقاة سنة، فقال لي ـ عليه السَّلام ـ : ما شاء اللّه كان.

ثمّ قال: يا ابن ذبيان، فلمّا صعدت إلى أعلى السلّم رأيت كأنّي دخلت قبّة خضراء يُرى ظاهرها من باطنها، ورأيت جدِّي رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ جالساً فيها وإلى يمينه وشماله غلامان حسنان يُشرق النور من وجههما،ورأيت امرأة بهيّة الخلقة، ورأيت بين يديه شخصاً بهيّ الخلقة جالساً عنده، ورأيت رجلاً واقفاً بين يديه وهو يقرأ هذه القصيدة :(لأُمِّ عَمرو بِاللِّوى مَربَعُ).

فلمّا رآني النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال لي: مرحباً بك يا ولدي يا عليّ بن موسى الرضا سلِّم على أبيك عليّ، فسلّمت عليه.

ثم قال لي: سلّم علي أُمِّك فاطمة الزهراء، فسلّمت عليها.

ثمّ قال لي: وسلّم على أبويك الحسن والحسين، فسلّمت عليهما.

ثمّ قال لي: وسلّم على شاعرنا و مادحنا في دار الدنيا السيد إسماعيل الحميري، فسلمت عليه; وجلست فالتفت النبيُّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إلى السيد إسماعيل وقال: أعد إليّ ما كنّا فيه من إنشاد القصيدة، فأنشد يقول:

لأُمِّ عَمرو باللِّوى مَرْبَعُ * طامِسةٌ أعلامُــهُ بَلْقَـعُ

فبكى النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، فلمّا بلغ إلى قوله: و وجهٌ كالشمسِ إذْتَطْلَع


( 86 )
بكى النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وفاطمة ـ عليها السَّلام ـ معه و من معه، ولمّا بلغ إلى قوله:

قالُوا لَه لو شِئتَ أعلمْتَنا * إلى مَن الغايــة والمفزَعُ

رفع النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يديه وقال: إلهي أنت الشاهد عليّ وعليهم أنّي أعلمتهم أنّ الغاية والمفزع عليّ بن أبي طالب(1)، وأشار بيده إليه، وهو جالس بين يديه صلوات اللّه عليه.

قال عليّ بن موسي الرضا عليمها السَّلام : فلمّا فرغ السيد إسماعيل الحميري من إنشاد القصيدة التفت النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إليَّ وقال لي: يا علي بن موسى احفظ هذه القصيدة ومُر شيعتنا بحفظها، وأعلمهم أنّ من حفظها وأدمن قراءتها ضمنت له الجنّة على اللّه تعالى.

قال الرضا ـ عليه السَّلام ـ : ولم يزل يكرّرها عليّ حتّى حفظتها منه.(2)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1-
«إن كان دين محمد فيه الهدى * حقّـاً فحبّـك بابـه والمـدخــل»

البيت من حاشية المخطوطة، وفيه فوق «فحبّك»: «يا علي».
2- ذكر الحديث في البحار: 47/328 دون ذكر مصدر له، قائلاً:«أقول: وجدت في بعض تأليفات أصحابنا أنّه روى باسناده ـ ثمّ ذكر الحديث ـ» . وجاء في هامش البحار ما يلي:«نقل القاضي نور اللّه في مجالسه:2/508 عن رجال الكشي حديث سهل بن ذبيان وقصّة المنام ولم نقف عليه في المطبوع من رجال الكشّي، كما أنّ أبا علي في رجاله ص 59 والمامقاني في رجاله:1/143 نقلاً عن العيون لشيخنا الصدوق قصة المنام، وذكر شيخنا الأميني في الغدير2/223 خلو نسخ العيون المخطوطة والمطبوعة من ذلك. ونقل عن جماعة ذكر المنام في مؤلّفاتهم فراجع».