مدخل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على النبي المُؤيَّد والسيد المُمَجَّد والصراط المُسدَّد المصطفى محمد وآله الأطهار الأبرار وأصحابه المُنتجبين الأخيار وبعد ...

من الناحية العلمية لا بد من معرفة أن قلباً بأجوافٍ وعروقٍ تَعبَّأ بحب خالص وذكر دائم وشوق غامر لمن خصَّهم العلي القدير بالطهر والتطهير في قوله تعالى :
[ إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطهِيرَا ](1)، وهؤلاء هم الصراط المستقيم الذي يتقرب العبد من ربه بهم في أي صلاة يرفعها له فريضة كانت أم نافلة عندما يقرأ فاتحة الكتاب ... [ اهدنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيْمَ ، صِرَاطَ الَّذِيْنَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ… ] ...
سيُخْلَقُ من هذا القلب لسان ينطق بالطهارة ولا يخرج منه إلا القول المطهر…
سيُخْلَقُ منه فكر لا تشوبه شائبة ولا يفكر إلا بمشاريع وأعمال نقية سرت بطريق نظيف طاهر…
سيُخْلَقُ منه نظر لا يرى إلا الجميل ولا يرى من الأعمال إلا أجملها …
و بالتالي سيرفع إلى الله تعالى كفاً طاهراً لو دعا به لأجيب دُعاه بشكل مضمون مِن مَن هو أقرب من حبل الوريد…[ ادعُوْنِيْ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ](2)
و من هنا نحفِّز كل مرضانا على تعبئة وشحن قلوبهم بمن خصهم العلي القدير بالطهارة والتطهير … لأنهم الطريق النافذ إلى مالك يوم الدين الذي نزَّل [من القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِيْن](3)
و النفحات الولائية نموذج من التودد لهذا البيت المحمدي المقدس، كلها دعاء وعلاقة وطيدة ونظرة تعمقت في أركان هذا البيت الطاهر فغاصت في كل ركن من أركانه وأنتجت تسعاً وأربعين نفحة خرجت من القلب ووُضِعَت على الورق لتكون قريبة من قرائها الكرام …
و هي أشعار كتبتها بشوق وحب طاهر وولاء نقي لسيدتي ومولاتي وشفيعتي جادت بها قريحتي فانطلقت أول مرة عام 1995 بمناسبة مرور عقدين على تشرفي بجوارها الطيب …

… هي الأقدار التي شرفتني بقرارها أن أمكث هذه الفترة الطويلة من العمر بجوار بطلة الطف في أرض تقدّست لحملها جسد السيدة الطاهرة حفيدة المصطفى محمد(ص). وهذا المكوث الطويل جعلني أدمن على أن لا أفارق هذا المقام الشريف والرحاب الطاهر، ووفاءً لبعض من حقها وتفضلها وتكرمها عليَّ كتبت شعراً وسطَّرت نثراً لأعبر من خلالهما عن عميق ولائي وتوددي لسيدة البيت المحمدي الصغرى حفيدة المصطفى محمد(ص) ممتثلاً لأمر العلي القدير في قوله تعالى :
[ قل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى] (4)
و استجابة لقول رسول الله محمد(ص) :(إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّـكتم به لن تضلوا بعدي؛ أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرّقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما) (5)
و لكي أقدم لها من خلال ريشتي وقلمي عظيم الشكر وبالغ الامتنان لاستضافتها لي ولأسرتي الصغيرة ولإيوائها لنا، فقد أحسنت الوفادة وأكرمت بالضيافة ...
نعم ... إنها سيدة الشام عقيلة بني هاشم، شريكة الحسين (ع) في نهضة هزت عروش الظالمين، وبقيت خالدة إلى الأبد، وبقي صوت السيدة زينب(ع) بعد استشهاد أخيها الإمام الحسين(ع) وآل بيته الأطهار وأصحابه الأبرار، بقي صوتها من يوم الطف إلى يوم انتقالها لجوار ربها صوتاً مدوِّياً في كل ضمير حي يستنهض همم الرجال حتى يومنا هذا، وسيبقى صوتها إلى قيام يوم الدين يثأر لنبي الرحمة ورسول الإنسانية الذي انتُهِكَتْ حرمته بقتل سبطه وحبيبه وولده الإمام الحسين(ع) بسيف الردة عن الإسلام وقرار الجهالة والحقد الأعمى الذي أنساهم قول النبي(ص): (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط) (6).

هكذا هو صوت السيدة زينب المدوي إلى يوم الدين والذي يطلب منا جميعاً كمسلمين أن نميز بين الحق والباطل، ولا نخلط الأوراق كما نرغب ونريد...

من ذاك كلِّه كان لي الشرف الكبير أن أكتب في آل بيت محمد نفحاتٍ ولائيةً من رحاب قدوة الثائرين بطلة الفداء صاحبة الصرح الشامخ في ربوع دمشق والجامعة الإسلامية الكبيرة التي تؤمها الألوف المؤلَّفة من بقاع الدنيا تبرُّكاً وتودُّداً وتضرعاً بسيدةٍ خصها المولى عز وجل بصبر تميزت به فقد كانت سيدة الصبر ومليكته وأصبحت مقصد الباحثين الذين يدرسونها من قرب، يدرسون شخصية هزَّت الدنيا بصدق لسانها وبلاغتها وعلمها وفقهها وعبادتها فكانت هي عابدة آل علي(ع)، وكانت العالمة والفهْمة، وكانت الجامعة الأولى لتعليم القرآن وأصول الدين والفقه الإسلامي للنساء في الكوفة أيام خلافة أبيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع).
فسلام على نبعة المبعوث بالرسالة ومنقذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة نبي الرحمة سيدنا محمد (ص)...
سلام على ابنة قائد البررة وقامع الفجرة وقاتل الكفرة، من أخلص لله تعالى بقلبه ولسانه ونصر الحق بسيفه وسنانه، قدوة الصدِّيقين وإمام المتقين، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)...
سلام على من أرهبت الطغاة بصلابتها وأدهشت العقول برباطة جأشها ومثلت عَلِيَّاً بشجاعتها والزهراء بعظمتها وبلاغتها ...
سلام على اللبوة الطالبية والمعجزة المحمدية والذخيرة الحيدرية والوديعة الفاطمية ...
سلام على المواسية لأخيها الإمام الحسين(ع) في مهمته وشريكته في نهضته فناصرته في جهاده والتي لم تضعف أبداً بعد استشهاده ...
سلام على من فخر بها الإمام زين العابدين بشهادته (أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة) (7)...
سلام على من تجرَّعت غصص الآلام والمآسي وما لا تقوى على احتمالها الجبال الرواسي، فأصبحت قبلة للبلايا وكعبة للرزايا ...
سلام على قلب زينب الصبور ولسانها الشكور ...

و مثلما تعلمت من مسيرة السيدة زينب(ع) الصبر وكل مزية حسنة تعلمت منها الوفاء لأهل الوفاء ؛ للصوت المُدَوِّي في كل أرجاء المعمورة رغم أنه يسمَّى (رجل الصمت) والذي يجاهر بإعلاء كلمة الحق مهما كلَّفته، ودحض الباطل والتزييف مهما كان نوعه، وإظهار نهج آل بيت محمد (عليهم الصلاة والسلام) مهما تعدَّد المناوئون والمبغضون ...
للقلب الذي عُبِّئَ بحب وعشق بيت طهره الله وأذهب عنه الرجس، فأصبح قلباً طاهراً أعطى لساناً طاهراً وفكراً طاهراً نتج عنه قلم نظيف طاهر ما خلت كتاباته العرفانية نثراً وشعراً من نشر لفكر أهل البيت(ع) وعقيدتهم وشعائرهم ...
و الذي اكتشف فِيَّ نبع شعر ولائي خالص لمحمد وآل محمد (عليهم الصلاة والسلام) فنمَّى الألفاظ ونقّح الكتابات وشجَّع الموهبة، وواصل واستمرَّ بالتشجيع رغم أنها البداية ورغم أني لست أديباً ولا شاعراً إنما مجرد طبيب لم يتلقَّ دراسة أكاديمية أدبية أو شعرية قد جادت قريحته بنفحات ولائية صادقة خالصة ...
للموالي لمحمد وآل محمد (عليهم الصلاة والسلام)، أستاذ البلاغة والأدب، مرشد الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية، العلامة الجليل العارف بالله الأستاذ الدكتور أسعد علي وفّقه الله لخير الدنيا والآخرة وأمدَّه بطول العمر مقروناً بالصحة وكمال العافية، وأيّده المولى عز وجل في الاستمرار بإعلاء صوت الحق وإظهاره متجلَّياً بصوت محمد وآل بيته الأبرار (عليهم الصلاة والسلام) وعقيدتهم وترسيخ فكرهم في كل أرجاء المعمورة .
لقد شرَّفني بتقديم نفحاتي الولائيَّة بمقدمة تأملية ما قرأت أحلى ولا أجمل، مقدمة ذات سبع عشرة نجمة نثرية تبعتها مثلها أبيات شعرية فامتزجت وكَوَّنَت موسوعة ينهل منها القارئ علوماً وآداباً ونصائح تؤدي به إلى الصراط السوي صراط الذين أنعم الله عليهم ...
...هؤلاء هم الباقون والمباركون منذ الأزل ...
فله الشكر كلّ الشكر والتقدير وخالص الاحترام ...

... كما وأقدم جزيل شكري وتقديري للمفكر الإسلامي الكبير والعلامة الجليل سماحة الدكتور الشيخ حسن الصفار (دامت إفاضاته) على رأيه في النفحات الولائية ... لِمَ لا وهو صاحب القلم الحر الذي تجاوزت كتاباته عشرات المؤلفات في فكر أهل بيت محمد(ع) وعقيدتهم ...لِمَ لا وهو صاحب الصوت الجليّ الذي سمعه الناس محدِّثاً ومُحاضراً وخطيباً أعطى جُلَّ وقته في إيصال الفكر المحمدي والنهج العلوي لكل أرجاء المعمورة حتّى باتت محاضراته تنتشر وتُسمَع ويصغي إليها القريب والبعيد وغيّرت موازين كثيرة يعرفها الناس ... فهو محدث جدير ومناقش قدير تمكّن من توضيح حقيقة نهج أهل بيت محمد أمام الرأي الآخر؛ فاستمع له الآخرون بإصغاء يثير الانتباه وتجاوبوا معه باحترام كبير... ولأجل هذا كله حاز على شهادة الدكتوراه من جامعة الإبداع للاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية خارج الوطن العربي... ورأيه في النفحات لم يكن إلا من باب اهتمامه بهذا النهج وكل السائرين به وتشجيعه المستمر لكلّ من يخطو على هذا الصراط المستقيم... فشكري الجزيل لشخصه الكريم ورأيه القويم وفّقه الله لخير الدنيا و الآخرة ...

لقد أحببت أن تكون هذه الصفحات التي كتبتها مدخلاً للنفحات الولائية ولمقدمتها التأملية التي ندعو قراءنا الكرام لقراءتها وقراءة ما تلاها من رأي في النفحات الولائية بتدبر وتفكر تامَّين...

... [وقُلِ اعْمَلُوْا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ ورَسُوْلُهُ والمُؤْمِنُوْن].

د. عصام عباس

ـــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
ـــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الأحزاب، الآية 33

(2) سورة غافر، الآية 60

(3) سورة الإسراء، الآية 82

(4) سورة الشورى، الآية 23

(5) سنن الترمذي ، ج5 ص329

(6) مسند أحمد بن حنبل ج4-ص172، سنن الترمذي ج5–ص324، سنن ابن ماجة ج1-ص51

(7) الاحتجاج ج2-ص305