32- يا أميري...

يَا أَمِيــــرِي لا تَذَرْنِي هائِمَاً فَاضَ قَولِي فِيكَ يَا مُغتَنَمِي
كَيفَ أَنسى مَن رَضِعْنَا حُبَّهُ
بَلْ مِنَ الأصْلابِ ذُقنَا نَشوَةً
عِندَمَا كُنْتُ بِجَوفٍ طاهِرٍ
يَا عَلِيُّ أَنتَ أَنتَ المُرتَجَى
وَ بِأذْنِي بَلْ بِقَلبِي كبرُوا
رَبِّيَ اللهُ وَ لا غَيرَ سوَاهُ
وَ عَلِيٌّ صِنوُ طه المُصطَفَى
فَانضَوَى قَلبِي وَ فِكرِي وَ دَمِي
وَ بِذَا صارَ عَلِيٌّ مَنهَجِي
وَ سيَبقَى نَبضَةً فِي خَافِقِي
وَ بِفِكرِي فَهوَ نورٌ دَائِمٌ
وَ خِضَابٌ وَ كُرَياتٌ نَمَتْ
سَيِّدِي إِنْ هَبَّ رِيحٌ عَاصفٌ
بِوَصِيِّ المصطَفَى قَلبِي نَمَا
مَا لَنَا نَخشى عَدُوَّاً قَاهِرَاً
فَلَهُمْ ثَارَاتُ حِقدٍ عِندَنَا
لِمَ لا نَخطُو بِصفٍّ وَاحِدٍ
خَصَّه الهَادِي البَشِيرُ المصطَفَى
يَومَ دَكَّ الشركَ في أَحزَابِهِمْ
وَ سمَا الإِيمانُ كُلاً بِعَلِي
هكَذا يَبقَى أَميرِي عَلَمَاً
مَن يُوالِ نهجَهُ يَرقَ العُلَى
لِمَ لا تَصحُونَ مِن غَفلَتِكُمْ
إِنَّه سيفٌ إِذَا هزَّ رَوَى
وَ هوَ بابُ اللهِ منْ مَرَّ بِهِ
فَعَلِيُّ الدُّرُّ دُرٌّ منتقىً

 

 

فَاشتِيَاقِي زَادَ في مُغتــــرَبِي قُلْ فَهَلْ لِي مِنْ لِقَاءِ الأطيَبِ
بِحَنِينٍ مِن لِبانٍ عَذِبِ
لِوَلاءٍ خالِصٍ مُنتَجَبِ
أَسمَعُ النَّجوَى بِقَلبٍ طَيِّبِ
بَلْ وَ يَسِّرْ عُسرَتِي يَا مَطْلَبِي
عِندَ إِقبالِي لِدُنيَا التَّعبِ
وَ أَبُو القَاسمِ مَولايَ النَّبِي
يُبعِدُ الهَمَّ جلاءُ الكرَبِ
لِوَلاءِ الهَاشمِيِّ الطالِبِي
سِرْتُ فِي مَشرِقِها أَو مَغرِبِ
أَثلَجَتْ نَارَاً بِقلبٍ مُلهَبِ
لا يُدَانَى بِظَلامِ السحُبِ
بَلْ وَ ذَابَتْ بِالحَبيبِ الطَّيِّبِ
كُنْتَ أَنْتَ الغَوثَ لِي يَا مَطلَبِي
بِعَلِيِّ الزَّادِ بَل وَ المشرَبِ
وَعَلِيٌّ هزَّهُ بِمَرحَبِ
عَلِمَ القَاصي بِهَا كَالأقرَبِ
بِلِوَاءِ الهَاشمِيِّ الطَّالِبِي
إِنَّه الإِيمَانُ فِي قولِ النَّبِي
وَ هَوَى وِدٌّ بِذُلٍّ خائِبِ
ذُخرِ طه المصطَفَى المُطَّلِبِي
شَامِخَاً فَوقَ سمَاءِ العَرَبِ
وَ المعَادِي فِي سرَابٍ مُتعِبِ
وَ تُبَاهونَ الوَرَى بِالأطيَبِ
بِدِماءِ الشركِ كُلَّ التُرُبِ
أَمِنَ الخوفَ بِيَومٍ مُرعِبِ
وَ سوَاهُ لَمْ يَكُنْ بِالحَسَبِ

 

 















(1)



(
2)






(3)

 

الهوامش:

(1) مرحب: فارس من فرسان خيبر اليهود الأشداء؛ وقف بوجه المسلمين في معركة خيبر، لكن قوته تهاوت تحت قدمي الإمام علي(ع) الذي افتتح النصر في خيبر بقتله…
فعن بريدة الأسلمي قال:
لمّا كان خيبر نزل رسول الله بحضرة أهل خيبر، وأعطى رسول الله اللواء عمرَ بن الخطاب ونهض معه شيء نهض معه من الناس ولقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله يجبِّنه أصحابه ويجبـِّنهم. فقال رسول الله: لأعـطين الـلواء غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فلمَّا كان الغد تصادر لها أبو بكر وعمر فدعا علياً وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء ونهض معه من الناس من نهض. قال: فتلقَّى أهلَ خيبر فإذا مرحب يرتجز ويقول:
قد عَلِمَت خيبرُ أنّي مَرحبُ                شَاكي السـلاح بطلٌ مُجَرَّبُ
أطعنُ أحياناً وحـيناً أضربُ               إذا الليـوثُ أقبَلتْ تَلـَهَّـبُ
فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه عليٌّ على هامته حتى عضَّ السيف منه بنصف رأسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فما تتامَّ آخر الناس مع علي حتى فتح الله لهم وله. (تاريخ دمشق ج42 – ص93،94)

(2) عمرو بن عبد ود: أعتى فرسان المشركين في معركة الخندق والذي صرعه الإمام علي(ع) في موقف من أصعب المواقف التي مرّت على الإسلام، وهذا ما أكد عليه الرسول(ص) حين قال:
(لـَمبارزةُ عَلي بنِ أَبي طالِب لِعَمرو بنِ عبدِ ودّ يَومَ الخَندَقِ أَفضلُ مِنْ أَعمَالِ أُمَّتِي إِلى يَومِ القِيامَة). (تاريخ دمشق ج3-ص34)
و إليك الحادثة كما يرويها عبد الله بن عباس نقلاً عن عمر بن الخطـّاب:
جاء عمرو بن عبد ود فجعل يجول على فرسه حتى جاز الخندق وجعل يقول: (هل من مبارز؟) وسكت أصحاب محمد ثم قال رسول الله: (هل يبارزه أحد؟) ، فقام علي فقال: (أنا يا رسول الله)، فقال رسول الله: (اجلس)، ثم قال رسول الله: (هل يبارزه أحد؟)، فقام علي فقال: (دعني يا رسول الله فإنما أنا بين حُسنَيَين إما أن أقتله فيدخل النار وإما أن يقتلني فأدخل الجنة)، فقال رسول الله: (اخرج يا علي)، فخرج علي فقال له عمرو: (من أنت يا ابن أخي؟), فقال: (أنا علي)، فقال عمرو: (إنّ أباك كان نديماً لأبي، لا أحب قتالك)، فقال علي: (إنّك كنت أقسمْتَ لا يسألك أحد ثلاثاً إلا أعطيتَه فاقبل مني واحدة)، فقال عمرو: (و ما ذلك؟) قال علي: (أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، قال عمرو: (ليس إلى ذلك سبيل)، قال: (فترجع فلا تكون علينا ولا معنا ثلاثاً)، قال: (إني نذرتُ أن أقتل حمزة فسبقني إليه وحشي ثم أني نذرت أن أقتل محمداً)، قال علي: (فانزل)، فنزل فاختلفا في الضربة فضربه عليٌّ فقتله. (تاريخ دمشق ج42- ص77)
و من الأدلة على عظمة موقف أمير المؤمنين(ع) في ذلك اليوم ما خاطبه به الرسول الكريم(ص) حين قال:
(بَرزَ الإيمانُ كُلُّه إلى الشركِ كُلِّه) (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج13- ص285)
فأيُّ عظمة حازها أمير المؤمنين حينما شمل رسول الله الإيمان به وجعلهما شيئاً واحداً لا يتجزَّأ؟! أليس حريٌّاً بكل مسلم أن يقتدي بهذا الإنسان العظيم الذي جسّد الإيمان الكامل وكانت ضربة منه أفضل من عبادة الأمة الإسلامية جمعاء؟!


(3) إشارة إلى قصيدة الناشي الأصغر التي يقول فيها:

بآلِ محمدٍ عُرفَ الصَّــوابُ هُم الكلماتُ والأسماءُ لاحَتْ
وَهُم حججُ الإلهِ على البَرايا
إذا ما أعوزَ الطلاَّبَ عِلمٌ
ولاسِيَّما أبو حسَن ٍعليٌّ
وصارمُهُ كبيعتِه بخمٍّ
عليُّ الدرُّ والذهبُ الُمصفَّى
هوَ البكَّاءُ في المحرابِ ليلاً

 

 

وفي أبياتِهِم نزلَ الكتــــابُ لآدمَ حينَ عَزَّ لَهُ المَتَابُ
بِهِمْ وبِحكمِهِمْ لا يُستَرابُ
و لم يُوجَدْ فعندهم يُصَابُ
لَهُ في الحَربِ مَرتبةٌ تُهابُ
مَعاقِدُها من القَوم ِالرّقابُ
وَبَاقي الناس ِكلهم تُرابُ
هُوَ الضَّحَّاكُ إنْ جَدَّ الضّرابُ
( الغدير ج4 - ص25,26 )
 

والناشي الأصغر: هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن وصيف المعروف بالحلاّء؛ من كبار شعراء الشيعة إلى جانب كونه من كبار متكلميهم وكان من جلساء سيف الدولة الحمداني، وهذه الأبيات خير دليل على شاعريته الفذة.
ومن الجدير بالذكر أن بعض الكتاب والمدَّاحين يروي هذه الأبيات لعمرو بن العاص، وهذا خطأ كبير بيَّنه ودقَّق فيه العلاّمة الكبير الأميني في موسوعته الفريدة (الغدير) في الجزء4 ص28,27.