39- أمير الساجدين (*)

يَا مَنْ تَذَوَّقْتَ العِبــادَةَ وَ التُّقَى اليَومَ كَانَ مَعَ الصَّحَائِفِ مُلتَقَى
قَلَمِي لِعِلمكَ يَا إِمَامِي قَد انْتَقَى
لِمَ لا وَ أَنْتَ لِعِلمِ طه مَنْ سَقَى
وَ سَكَبْتَ مِنْ ثَغْرِ الرَّسولِ المُنْتَقَى
فَصَحِيفَةُ السَّجَّادِ كَنزٌ قَدْ بَقَى
وَ صَحِيفَةٌ كَانَتْ صلاتٍ مَوثِقَا
فِي مُجْمَلِ الأوقاتِ كَانَتْ مُلتَقَى
دَعَواتُ أَيَّامٍ كَحِصنٍ قَد وَقَى
بِخُشوعِ قَلبٍ فِي دُموع ٍمُغْرَقَا
قولاً أَمانَاً فِي مُناجاةِ التُّقَى
يَسْعَى إِلَى الرَّحمنِ تَسبِيحٌ رَقَى
قَد قَالَ حَقَّاً بَلْ مَقالاً شيِّقَا
ارْجِعْ لِهَمَّامٍ ستَعرِفُ لاحِقا
يَبدُو لَكَ السَّجَّادُ وَجهَاً مُشرِقَا
كَانَ الفَرَزْدَقُ مِنْهُ شعرِي مُنْتَقَى
هذا ابْنُ فَاطمَةٍ بِهَا يَحلُو اللِّقا
العِلمُ وَ الأخلاقُ فِيهِ تَوَافقا
كَانَ التَّعَبدُ خَطهُ المُتَألِّقا
حَتَّى لأعدَاءٍ غَدَا مُتَشوِّقَا
لكِنَّ حَظاً لَنْ يَكونَ موَفَّقا
إِذْ أَنَّ ثأرَ اللهِ كَانَ المَفرِقَا
قتلُ الحسينِ غدَا قرَارَاً أَحمَقا
هَذا يُؤَكدُ بِالغفيلةِ مرتقى
تِلكَ الصلاةُ غَدَتْ بِنَهْج ٍمَوثِقَا
صلتْ بِهَا بِنتُ الوَصِيِّ تَعَلُّقَا
إِذْ كَالوَصيِّ خليقةً وَ تخلقا
قَدْ أَصبَحَتْ في الشامِ بَدرَاً مُشرِقَا
مِنْ دَارِها المَيمونِ أَبعثُ مُبرِقَا
يَا رَابِعَ الخلفاءِ أُرفقُ زَنبقَا

 

 

وَوُصِفْتَ زَينَ العَابِدِينَ السَّاجِدِينْ يَصبُوْ إِلَيهِ حُسنُ ذَوقِ الذَّائِقِينْ
كَي يَنقُلَ العِلمَ البَدِيعَ المُستَبِينْ
كُلَّ الضَّمَائِرِ وَ القُلوبِ بِكُلِّ حِينْ
عِلمَاً يَقِينَاً فِي ضَمِيرِ المُؤْمِنِينْ
ذُخرَاً لِكُلِّ العَارِفينَ المُتَّقِينْ
بَينَ العِبادِ وَ رَبِّ كُلِّ العَالَمِينْ
بَينَ الإِلهِ وَ قَلبِ كُلِّ الطالِبِينْ
مَنْ يَستَجِيرُ بِهِ دُعاءُ الذَّاكِرِينْ
حبَّاً لِرَبٍّ كانَ دَمعُ الخَاشعِينْ
كَانَ الدُّعاءُ بها أَمانَ التائِبِينْ
فَجَزَاهُ رَبِّي نَولَ كُلِّ الخالِدِينْ
خَفَقَ الفُؤَادُ إِلَيهِ عِندَ العارِفِينْ
فِي كَعبَةِ الإِسلامِ حُكمَ المُنصِفِينْ
قَولاً وَ فِعلاً فِي ضمِيرِ العَاشِقِينْ
شِعرَاً نَقِيَّاً هَزَّ طَبلَ السامِعِينْ
وَ بِجَدِّهِ خَتَمَ الإِلهُ المُرسلِينْ
عَفوَاً وَ لِلغَيظِ إِمَامُ الكَاظمِينْ
وَ بِذَا تَلَقبَ زَينَ كُلِّ العابدِينْ
تَعلِيمهمْ تِلكَ النوافِلَ بِاليَقينْ
حَتَّى يَنَالُوا أَجْرَ تِلكَ الرُّكْعَتينْ
بينَ الضلالِ وَ بَينَ حَقٍّ مُستَبِينْ
لا لَنْ يَنَالُوْا البِرَّ يَومَاً خَاسرِينْ
صلوْا بِهَا بَينَ صلاةِ المَغرِبَينْ
فَكَمَا صلاةُ اللَّيلِ عِندَ المُتَّقِينْ
في لَيلِ عَاشورَاءَ فَخرُ المُسلِمِينْ
بَلْ مَنْ حَمَتْهُ مِنَ البُغَاةِ الظَّالمِينْ
الكَعبَةَ ، التَّقوَى ، عَرِينَ الثائِرِينْ
وِدَّاً سلاماً لأمِيرِ الساجِدِينْ
عَذْبَ الأرِيجِ مِنْ رِيَاضِ الغُوطَتَينْ

 


(1)














(2)









(3)
 

الهوامش:

(*) أمير الساجدين: هو رابع أئمّة أهل البيت الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين، ولد سنة 38هـ واستشهد سنة 95هـ؛ شهد كربلاء ولم يقدر على القتال من شدة المرض فحُمل مع السبايا إلى الكوفة حيث أراد واليها عبيد الله بن زياد أن يقتله فحمته السيدة زينب(ع) إذ ألقت بنفسها عليه وطلبت أن تقتل معه فتُرك رجاءَ أن يموت من شدة مرضه. وبعد رجوعه إلى المدينة المنورة تولى الإمام زين العابدين(ع) مهمة تنظيم المجتمع الإسلامي بعد الشرخ الذي أحدثه القتل الهمجي للإمام الحسين من الذين يدّعون تمثيل الإسلام، فاتجه إلى:
- تنظيم علاقة الفرد المسلم بربه بتوضيح المنهجية اللازمة لصياغة هذه العلاقة عن طريق أدعية متعدّدة تستوفي مجالات بعيدة المدى؛ وهذه الأدعية تؤلف (الصحيفة السجادية) المتداولة بين أيدي الناس لحدِّ الآن...
- تنظيم علاقة المسلمين بين بعضهم البعض عن طريق وضع دستور يحدد الحقوق التي ينبغي على كلِّ مسلم أن يؤديها إلى غيره فسدّ الفراغ الناتج عن غياب الشرائع الخاصّة التي تنظم الدولة الإسلامية المترامية الأطراف بعد المستجدات الاجتماعية التي رافقت الفتوحات؛ وهذه التشريعات هي الكتاب المعروف بـ (رسالة الحقوق)...

(1) إشارة إلى القصيدة التي مدح بها الفرزدق (همام بن غالب بن صعصعة) الإمام زين العابدين(ع)؛ وهذه القصيدة لها قصة نوردها لأخذ العبرة:
حج هشام بن عبد الملك في خلافة الوليد أخيه ومعه رؤساء أهل الشام فجهد أن يستلم الحجر فلم يقدر من ازدحام الناس فنُصِبَ له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس، وأقبل علي بن الحسين وهو أحسن الناس وجهاً وأنظفهم ثوباً وأطيبهم رائحة فطاف بالبيت فلما بلغ الحجر الأسود تنحى الناس كلهم وأخلوا له الحجر ليستلمه هيبةً وإجلالاً له فغاظ ذلك هشاماً وبلغ منه... فقال رجل لهشام: من هذا أصلح الله الأمير؟
قال: لا أعرفه. وكان به عارفا ولكنه خاف أن يرغب فيه أهل الشام ويسمعوا منه... فقال الفرزدق ـ وكان لذلك كله حاضراً ـ :أنا أعرفه فسلني يا شامي. قال: ومن هو؟ قال:

هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأتَه هذا ابنُ خير عبادِ اللهِ كلهمَ
إذا رَأته قريشٌ قالَ قائلها
يكادٌ يمسكه عرفان راحتِه
فليس قولـُك من هذا بضائِره
أيُّ الخلائق ِلَيسَتْ في رقابِهم
مَن يعـرفِ اللهَ يعرفْ أوَّلية ذا
 

 

وَالبَيـــتُ يَعرفُهُ وَالحِلُّ والحَرَمُ هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العَلمُ
إلى مَكارم ِهذَا ينتَهي الكرمُ
رُكنُ الحطيم ِإذَا مَا جَاءَ يَستلمُ
العُرْبُ تَعرفُ مَنْ أنكرْتَ وَالعَجَمُ
لأولِيَّةِ هذَا أو لَهُ نِعَمُ
فَالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالهُ الأمَـمُ
 

فحبسه هشام فقال الفرزدق:

أيحبِسُـني بينَ المَدينةِ وَالتي        إلَيهَا قُلوبُ النَّاس ِيَهوي مُنِيبُهَا
يُقَلبُ رأسَاً لَم يَكُنْ رَأسَ سَيِّد        وَعَينَاً لَهُ حَــولاءَ بَادٍ عُيوبُهَا

فبعث إليه هشام فأخرجه، ووجّه إليه علي بن الحسين(ع) عشرة آلاف درهم وقال: اعذر يا أبا فراس فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به .فردّها وقال: ما قلت ما كان إلا لله وما كنت لأرزأ ( أي لآخذ) عليه شيئاً. فقال لـه علي(ع): قد رأى الله مكانك فشكرك ولكنّا أهل بيت إذا أنفذنا شيئا ما نرجع فيه. فأقسم عليه فقبلها. (الأغاني ج15- ص 317،316).

(2) لقد مارس الإمام زين العابدين(ع) مهمته الإرشادية حتى مع يزيد قاتل أبيه فعلـَّمه صلاة الغفيلة؛ وهذه الحادثة أشار إليها السيد محمد الشيرازي في الجزء17 (ص48) من موسوعته الفقهية.

(3) إشارة إلى تأكيد السيدة زينب(ع) على صلاة الليل عندما أقامت هذه الصلاة في أصعب موقف مرَّ عليها ليلةَ الحادي عشر من محرم، راجع الهامش2 في الصحفة77 تجد القصة.