مكتبة الإمام العسكري (ع)

فهرس الكتاب

 

 

ولائيات

المؤمن يصدّقنا(1):

كنت عند أبي محمّد (عليه السلام) فسأله محمّد بن صالح الأرمني عن قول الله: (وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا)(2) قال أبو محمّد (عليه السلام):

ثبتت المعرفة ونسوا ذلك الموقف وسيذكرونه، ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه.

قال أبو هاشم: فجعلت أتعجّب في نفسي من عظيم ما أعطى الله وليّه وجزيل ما حمّله، فأقبل أبو محمّد عليّ فقال: الأمر أعجب ممّا عجبت منه يا أبا هاشم وأعظم! ما ظنّك بقوم من عرفهم عرف الله، ومن أنكرهم أنكر الله، فلا مؤمن إلاّ وهو بهم مصدّق وبمعرفتهم موقن.

بساط الأنبياء(3):

عليّ بن عاصم الكوفي قال: دخلت على أبي محمّد العسكري (عليه السلام) فقال لي:

يا عليّ بن عاصم انظر إلى ما تحت قدميك فإنّك على بساط قد جلس عليه كثير من النبيّين والمرسلين والأئمّة الراشدين.

قال: فقلت في نفسي: ليتني أرى هذا البساط، فعلم ما في ضميري.

فقال: ادن منّي، فدنوت منه، فمسح يده الشريفة على وجهي فصرت بصيراً.

قال: فرأيت في البساط أقداماً وصوراً.

فقال: هذا أثر قدم آدم (عليه السلام) وموضع جلوسه، وهذا أثر هابيل، وهذا أثر شيث، وهذا أثر نوح، وهذا أثر قيدار، وهذا أثر مهلائيل، وهذا أثر دياد، وهذا أثر اخنوخ، وهذا أثر أدريس، وهذا أثر توشلح، وهذا أثر سام، وهذا أثر أفرخشد، وهذا أثر هود، وهذا أثر صالح، وهذا أثر لقمان، وهذا أثر إبراهيم، وهذا أثر لوط، وهذا أثر إسماعيل، وهذا أثر إلياس، وهذا أثر إسحاق، وهذا أثر يعقوب، وهذا أثر يوسف، وهذا أثر شعيب، وهذا أثر موسى، وهذا أثر يوشع بن نون، وهذا أثر طالوت، وهذا أثر داود، وهذا أثر سليمان، وهذا أثر الخضر، وهذا أثر دانيال، وهذا أثر اليسع، وهذا أثر ذي القرنين إسكندر، وهذا أثر سابور بن أرشير، وهذا أثر لؤي، وهذا أثر كلاب، وهذا أثر قصي، وهذا أثر عدنان، وهذا أثر عبد مناف، وهذا أثر عبدالمطلب، وهذا أثر عبدالله، وهذا أثر سيّدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا أثر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا أثر الأوصياء من بعده إلى المهديّ (عليهم السلام)، لأنّه قد وطيء وجلس عليه.

ثمّ قال: انظر إلى الآثار، واعلم أنّها آثار دين الله، وأنّ الشاكّ فيهم كالشاكّ في الله، ومن جحد فيهم كمن جحد الله.

ثمّ قال: إخفض طرفك يا عليّ، فرجعت محجوباً كما كنت.

بنو إسرائيل والبحر(4):

قوله عزّوجل: (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون)(5) قال: الإمام (عليه السلام):

قال الله تعالى: واذكروا إذ جعلنا ماء البحر فرقاً ينقطع بعضه من بعض فأنجيناكم هناك وأغرقنا فرعون وقومه وأنتم تنظرون إليهم وهم يغرقون، وذلك أنّ موسى (عليه السلام) لمّا انتهى إلى البحر أوحى الله عزوجلّ إليه: قل لبني إسرائيل: جدّدوا توحيدي وأمروا بقلوبكم ذكر محمّد سيّد عبيدي وإمائي، وأعيدوا على أنفسكم الولاية لعليّ أخي محمّد وآله الطيبين، وقولوا: اللّهمّ بجاههم جوّزنا على متن هذا الماء، فإنّ الماء يتحوّل لكم أرضاً.

فقال لهم موسى ذلك، فقالوا: أتورد علينا ما نكره، وهل فررنا من [آل] فرعون إلاّ من خوف الموت؟ وأنت تقتحم بنا هذا الماء الغمر بهذه الكلمات، وما يدرينا ما يحدث من هذه علينا؟

فقال لموسى (عليه السلام) كالب بن يوحنّا – وهو على دابّة له وكان ذلك الخليج أربعة فراسخ -: يا نبيّ الله أمرك الله بهذا أن نقوله وندخل الماء؟

فقال: نعم.

قال: وأنت تأمرني به؟

قال: بلى.

فوقف وجدّد على نفسه من توحيد الله ونبوّة محمّد وولاية علي بن أبي طالب والطيّبين من آلهما ما أمره به ثمّ قال: اللّهمّ بجاههم جوّزني على متن هذا الماء، ثمّ أقحم فرسه فركض على متن الماء وإذا الماء من تحته كأرض ليّنة حتّى بلغ آخر الخليج، ثمّ عاد راكضاً، ثمّ قال لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل أطيعوا موسى فما هذا الدعاء إلاّ مفتاح أبواب الجنان، ومغاليق أبواب النيران، ومستنزل الأرزاق، وجالب على عباد الله وإمائه رضى [الرحمن] المهيمن الخلاّق، فأبوا وقالوا: [نحن] لا نسير إلاّ على الأرض، فأوحى الله الى موسى: (أن اضرب بعصاك البحر)(6). وقل: اللّهمّ بجاه محمّد وآله الطيّبين لمّا فلقته، ففعل فانفلق وظهرت الأرض إلى آخر الخليج.

فقال موسى (عليه السلام): أدخلوها.

قالوا: الأرض وحلة نخاف أن نرسب فيها.

فقال الله عزّ وجلّ: يا موسى قل: اللّهمّ بجاه محمّد وآله الطيّبين جفّفها، فقالها فأرسل الله عليها ريح الصبا فجفّت، وقال موسى: ادخلوها.

فقالوا: يا نبيّ الله نحن إثناعشر قبيلة بنوا إثنا عشر أباً، وإن دخلنا رام كلّ فريق منّا تقدّم صاحبه، فلا نأمن وقوع الشرّ بيننا، فلو كان لكلّ فريق منّا طريق على حدّة لأمنّا ما نخافه، فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم إثنتي عشرة ضربة في إثنى عشر موضعاً إلىجانب ذلك الموضع، ويقول: اللّهمّ بجاه محمّد وآله الطيّبين بيّن الأرض لنا وأمط الماء عنّا، فصار فيه تمام اثنى عشر طريقاً، وجفّ قرار الأرض بريح الصبا، فقال: ادخلوها.

فقالوا: كلّ فريق منّا يدخل سكّة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين، فقال الله عزوجلّ: فاضرب كلّ طود من الماء بين هذه السكك، فضرب وقال: اللّهمّ بجاه محمّد وآله الطيّبين لمّا جعلت في هذا الماء طيقاناً واسعة يرى بعضهم بعضاً [منها]، فحدثت طيقان واسعة يرى بعضهم بعضاً [منها]، ثمّ دخلوها، فلمّا بلغوا آخرها جاء فرعون وقومه فدخل بعضهم فلمّا دخل آخرهم وهمّ أوّلهم بالخروج، أمر الله تعالى البحر فانطبق عليهم فغرقوا وأصحاب موسى ينظرون إليهم فذلك قوله عزوجلّ: (وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) اليهم، قال الله عزوجلّ لبني إسرائيل في عهد محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): فإذا كان الله تعالى فعل هذا كلّه بأسلافكم لكرامة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعاء موسى دعاء تقرّب بهم [إلى الله] أفلا تعقلون أنّ عليكم الإيمان بمحمّد وآله إذ [قد] شاهدتموه الآن؟

بنو إسرائيل في التيه(7):

قوله عزّوجل: (وظلّلنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى كلوا من طيّبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)(8) قال الإمام (عليه السلام):

قال الله عزوجلّ: واذكروا يا بني إسرائيل إذ (ضلّلنا عليكم الغمام) لمّا كنتم في التيّه تقيكم حرّ الشمس وبرد القمر (وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى) المنّ: الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه، والسلوى: السماني طير، أطيب طير لحماً يسترسل لهم فيصطادونه، قال الله عزوجلّ [لهم]: (كلوا من طيّبات ما رزقناكم) واشكروا نعمتي وعظّموا من عظمته، ووقّروا من وقّرته ممّن أخذت عليكم العهود والمواثيق [لهم] محمّد وآله الطيّبين.

قال الله عزوجلّ: (وما ظلمونا) لمّا بدّلوا وقالوا غير ما أمروا [به] ولم يفوا بما عليه عوهدوا لأنّ كفر الكافر لا يقدح في سلطاننا، وممالكنا، كما أنّ إيمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا، (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) يضرّون بها بكفرهم وتبديلهم، ثمّ [قال (عليه السلام)] قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ,سلم): عباد الله عليكم باعتقاد ولايتنا أهل البيت و[أن] لا تفرّقوا بيننا وانظروا كيف وسّع الله عليكم حيث أوضح لكم الحجّة ليسهل عليكم معرفة الحقّ، ثمّ وسع لكم في التقيّة لتسلموا من شرور الخلق، ثمّ إن بدّلتم وغيّرتم عرض عليكم التوبة وقبلها منكم، فكونوا لنعماء الله شاكرين.

ثمّ قال الله عزّ وجلّ: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) إلى قوله تعالى: (ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون)(9) قال الإمام (عليه السلام): قال الله عزوجلّ: واذكروا يا بني إسرائيل (إذقلنا) لأسلافكم (ادخلوا هذه القرية) - وهي: (أريحا) من بلاد الشام، وذلك حين خرجوا من التيه - (فكلوا منها) من القرية (حيث شئتم رغداً) واسعاً بلا تعب [ولا نصب] وادخلوا الباب) باب القرية (سجّدا) مثّل الله تعالى على الباب مثال محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ (عليه السلام) وأمرهم أن يسجدوا تعظيماً لذلك المثال، وأن يجدّدوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما، وليذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما، (وقولوا حطّة) أي: قولوا: إنّ سجودنا لله تعظيماً لمثال محمّد وعليّ، واعتقادنا لولايتهما حطّة لذنوبنا ومحو لسيّئاتنا.

قال الله تعالى: (نغفرلكم) [أي] بهذا الفعل (خطاياكم) السالفة، ونزيل عنكم آثامكم الماضية (وسنزيد المحسنين) من كان منكم لم يقارف الذنوب التي قارفها من خالف الولاية، [وثبت على ما أعطى الله من نفسه من عهد الولاية] فإنّا نزيدهم بهذا الفعل زيادة درجات ومثوبات، وذلك قوله عزوجلّ: (وسنزيد المحسنين).

قوله عزوجلّ: (فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم) أي: أنّهم لم يسجدوا كما أمروا، ولا قالوا ما أمروا، ولكن دخلوها [من] مستقبليها بأستاههم وقالوا: هطا سمقانا - أي: حنطة حمراء نتقوّتها - أحبّ إلينا من هذا الفعل وهذا القول.

قال الله عزوجلّ: (فأنزلنا على الذين ظلموا) غيّروا وبدّلوا ما قيل لهم ولم ينقادوا لولاية محمّد وعليّ وآلهما الطيّبين (رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون)(10) يخرجون عن أمر الله وطاعته.

قال: والرجز الذي أصابهم أنّه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائة وعشرون ألفاً، وهم من علم الله تعالى منهم أنّهم لا يؤمنون ولا يتوبون ولم ينزل هذا الرجز على من علم أنّه يتوب أو يخرج من صلبه ذريّة طيّبة توحّد الله وتؤمن بمحمّد وتعرف الولاية لعليّ وصيّه وأخيه.

ثمّ قال الله تعالى: (وإذا استسقى موسى لقومه)(11) قال: واذكروا يا بني إسرائيل إذ استسقى موسى لقومه طلب لهم السقي لمّا لحقهم العطش في التيه، وضجّوا بالبكاء إلى موسى وقالوا: أهلكنا العطش.

فقال موسى: (اللّهمّ بحقّ محمّد سيّد الأنبياء، بحقّ عليّ سيّد الأوصياء، وبحقّ فاطمة سيّدة النساء، وبحقّ الحسن سيّد الأولياء، وبحقّ الحسين سيّد الشهداء، وبحقّ عترتهم وخلفائهم سادة الأزكياء لمّا سقيت عبادك هؤلاء).

فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى (إضرب بعصاك الحجر) فضربه بها (فأنفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كلّ اناس) كلّ قبيلة من بني أب من أولاد يعقوب (مشربهم) فلا يزاحم الآخرين في مشربهم.

قال الله تعالى: (كلوا واشربوا من رزق الله) الذي آتاكموه (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) ولا تسعوا فيها وأنتم مفسدون عاصون.. ثمّ قال الله عزوجلّ: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) واذكروا إذ قال أسلافكم: لن نصبر على طعام واحد: المنّ والسلوى، ولا بدّلنا من خلط معه (فادع لنا ربّك: يخرج لنا ممّا تنبت الأرض من بقلها وقثّائها وفومها وعدسها وبصلها).

قال موسى: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) يريد: أتستدعون الأدنى ليكون بدلاً لكم من الأفضل، ثمّ قال: (اهبطوا مصراً) [من الأمصار] من هذه التيه (فإنّ لكم ما سألتم) في المصر.

ثمّ قال الله عزوجلّ: (وضربت عليهم الذلّة) أي: الجزية أخزوا بها عند ربّهم وعند مؤمني عباده (والمسكنة) هي الفقر والذلّة (وباءوا بغضب من الله) احتملوا الغضب واللعنة من الله (ذلك بأنّهم كانوا) بذلك الذي لحقهم من الذلّة والمسكنة واحتملوا من غضب الله ذلك بأنّهم كانوا (يكفرون بآيات الله) قبل أن تضرب عليهم هذه الذلّة والمسكنة (ويقتلون النبيين بغير الحقّ) وكانوا يقتلونهم بغير حقّ بلا جرم كان منهم إليهم ولا إلى غيرهم (ذلك بما عصوا) ذلك الخذلان الذي استولى عليهم حتّى فعلوا الآثام التي من أجلها ضربت عليهم الذلّة والمسكنة وباءوا بغضب من الله [بما عصوا] (وكانوا يعتدون) [أي] يتجاوزون أمرالله إلى أمر إبليس.

بنو إسرائيل والتوراة(12):

قوله عزوجلّ: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوّة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين)(13) قال الإمام (عليه السلام):

قال الله عزوجلّ: واذكروا إذ فعلنا ذلك بأسلافكم لمّا أبوا قبول ما جائهم به موسى (عليه السلام) من دين الله وأحكامه، ومن الأمر بتفضيل محمّد وعليّ صلوات الله عليهما وخلفائهما على سائر الخلق (خذوا ما آتيناكم) قلنا لهم: خذوا ما آتيناكم من هذه الفرائض (بقوّة) قد جعلناها لكم، ومكّناكم بها، وأزحنا عللكم في تركيبها فيكم (واسمعوا) ما يقال لكم وما تؤمرون به (قالوا سمعنا) قولك (وعصينا) أمرك، أي: أنّهم عصوا بعده، وأضمروا في الحال أيضاً العصيان (أشربوا في قلوبهم العجل) أمروا بشرب العجل الذي كان قد ذرأت سحالته في الماء الذي أمروا بشربه ليتبيّن لهم من عبده ممّن لم يعبده (بكفرهم) لأجل كفرهم امروا بذلك (قل) يا محمّد: (بئسما يأمركم به إيمانكم) بموسى كفركم بمحمّد وعليّ وأولياء الله من أهلهما (إن كنتم مؤمنين) بتوراة موسى، ولكن معاذ الله لا يأمركم إيمانكم بالتوراة الكفر بمحمّد وعليّ (عليهما السلام).

قال الإمام (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ الله تعالى ذكر بني إسرائيل في عصر محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أحوال آبائهم الذين كانوا في أيّام موسى (عليه السلام) كيف أخذ عليهم العهد والميثاق لمحمّد وعليّ وآلهما الطيّبين المنتجبين للخلافة على الخلائق ولأصحابهما وشيعتهما وسائر أمّة محمّد عليه الصلاة والسلام.

فقال: (وإذ أخذنا ميثاقكم) اذكروا إذ أخذنا ميثاق آبائكم (ورفعنا فوقكم الطور) الجبل لمّا أبوا قبول ما أريد منهم والإعتراف به (خذوا ما آيتناكم) أعطيناكم (بقوّة) يعني: بالقوّة التي أعطيناكم تصلح لكم لذلك (واسمعوا) أي: أطيعوا فيه (قالوا سمعنا) بآذاننا و(عصينا) بقلوبنا، فأمّا في الظاهر فأعطوا كلّهم الطاعة داخرين صاغرين.

ثمّ قال: (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) عرضوا لشرب العجل الذي عبدوه حتّى وصل ما شربوا من ذلك إلى قلوبهم، وقال: إنّ بني إسرائيل لمّا رجع إليهم موسى – وقد عبدوا العجل – تلقّوه بالرجوع عن ذلك.

فقال لهم موسى: من الذي عبده منكم حتّى أنفّذ فيه حكم الله؟ خافوا من حكم الله الذي ينفذّه فيهم فجحدوا أن يكونوا عبدوه، وجعل كلّ واحد منهم يقول: أنا لم أعبده وإنّما عبده غيري، ووشى بعضهم ببعض فكذلك ما حكى الله عن موسى من قوله للسامريّ: (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنّه ثمّ لننسفنّه في اليمّ نسفاً)(14) فأمره الله فبرده بالمبارد وأخذ سحالته فذرأها في البحر العذب، ثمّ قال لهم: اشربوا منه، فشربوا فكلّ من كان عبده اسودّت شفتاه وأنفه ممّن كان أبيض اللون، ومن كان منهم أسود اللون ابيضّت شفتاه وأنفه فعند ذلك انفذ فيهم حكم الله.

ثمّ قال الله تعالى للموجودين من بني إسرائيل في عصر محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) على لسانه: (قل) يا محمّد لهؤلاء المكذّبين بك بعد سماعهم ما أخذ على أوائلهم لك ولأخيك عليّ ولآلكما ولشيعتكما (بئسما يأمركم به إيمانكم) أن تكفروا بمحمّد وتستخفّوا بحقّ عليّ وآله وشيعته (إن كنتم مؤمنين) كما تزعمون بموسى (عليه السلام) والتوراة.

قال (عليه السلام): وذلك أنّ موسى (عليه السلام) كان وعد بني إسرائيل أنّه يأتيهم بكتاب من عند الله يشتمل على أوامره ونواهيه وحدوده وفرائضه بعد أن ينجّيهم الله تعالى من فرعون وقومه، فلمّا نجّاهم الله وصاروا بقرب الشام جائهم بالكتاب من عند الله كما وعدهم، وكان فيه: إنّي لا أتقبّل عملاً ممّن لا يعظّم محمّداً وعليّاً وآلهما الطيّبين ولم يكرّم أصحابهما وشيعتهما ومحبيهما حقّ تكريمهم، يا عبادي ألا فاشهدوا بأنّ محمّداً خير خليقتي وأفضل بريّتي، وأنّ علياً أخوه وصفيّه ووارث علمه وخليفته في أمّته وخير من يخلفه بعده، وأنّ آل محمّد أفضل صحابة المرسلين وأمة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل آل النبيين وأصحاب محمّد خير الأمم أجمعين.

فقال بنو إسرائيل: لا نقبل هذا يا موسى، هذا عظيم ثقيل علينا بل نقبل من هذه الشرائع ما يخفف علينا، وإذا قبلناها قلنا: إنّ نبيّنا أفضل نبيّ، وآله أفضل آل، وصحابته أفضل صحابة، ونحن أمّته أفضل من أمّة محمّد، ولسنا نعترف بالفضل لقوم لا نراهم ولا نعرفهم، فأمر الله تعالى جبرئيل فقطع بجناح من أجنحته من جبل من جبال فلسطين على قدر معسكر موسى (عليه السلام) وكان طوله في عرضه فرسخاً في فرسخ، ثمّ جاء به فوقفه على رؤوسهم، وقال: إمّا أن تقبلوا ما أتاكم به موسى وإمّا وضعت عليكم الجبل فطحطحتكم تحته، فلحقهم من الجزع والهلع ما يلحق أمثالهم ممّن قوبل بهذه المقابلة، فقالوا: يا موسى كيف نصنع؟

قال موسى: اسجدوا لله على جباهكم ثمّ عفّروا خدودكم اليمنى ثمّ اليسرى في التراب، وقولوا: يا ربّنا سمعنا وأطعنا وقبلنا واعترفنا وسلّمنا ورضينا.

قال: ففعلوا هذا الذي قال لهم موسى قولاً وفعلاً غير أنّ كثيراً منهم خالف قلبه ظاهر أفعاله وقال بقلبه: سمعنا وعصينا مخالفاً لما قاله بلسانه، وعفّروا خدودهم اليمنى بالتراب، وليس قصدهم التذلّل لله تعالى والندم على ما كان منهم من الخلاف، ولكنّهم فعلوا ذلك ينظرون هل يقع عليهم الجبل أم لا، ثمّ عفّروا خدودهم اليسرى ينظرون كذلك، ولم يفعلوا ذلك كما أمروا.

فقال جبرئيل لموسى (عليه السلام): أمّا أنّ أكثرهم لله تعالى عاصون ولكنّ الله تعالى أمرني أن أزيل عنهم هذا الجبل عند ظاهر اعترافهم في الدنيا فإنّ الله تعالى إنّما يطالبهم في الدنيا بظواهرهم لحقن دمائهم، وإبقاء الذمّة لهم، وإنّما أمرهم إلى الله في الآخرة يعذّبهم على عقودهم وضمائرهم، فنظر القوم إلى الجبل وقد صار قطعتين: قطعة منه صارت لؤلؤة بيضاء فجعلت تصعد وترقى حتّى خرقت السماوات وهم ينظرون إليها إلى أن صارت إلى حيث لا تلحقها أبصارهم، وقطعة صارت ناراً ووقعت على الأرض بحضرتهم فخرقتها ودخلتها وغابت عن عيونهم.

فقالوا: ما هذان المفترقان من الجبل؟ فرق صعد لؤلؤاً وفرق انحطّ ناراً؟

قال لهم موسى: أمّا القطعة التي صعدت في الهواء فإنّها وصلت إلى السماء فخرقتها إلى أن لحقت بالجنّة فأضعفت أضعافاً كثيرة لا يعلم عددها إلاّ الله، وأمر الله أن يبنى منها للمؤمنين بما في هذا الكتاب قصور ودور ومنازل ومساكن مشتملة على أنواع النعم التي وعد بها المتّقين من عباده، من الأشجار والبساتين والثمار والحور الحسان والمخلّدين من الولدان كالّلآلي المنثورة، وسائر نعيم الجنّة وخيراتها، وأمّا القطعة التي انحطّت إلى الأرض فخرقتها ثمّ التي تليها إلى أن لحقت بجهنّم فاضعفت أضعافاً كثيرة، وأمر الله تعالى أن يبنى منها للكافرين بما في هذا الكتاب قصور ودور ومساكن ومنازل مشتملة على أنواع العذاب التي وعدها للكافرين من عباده، من بحار نيرانها وحياض غسلينها وغسّاقها وأودية قيحها ودمائها وصديدها وزبانيّتها بمرزباتها وأشجار زقّومها وضريعها وحيّاتها وعقاربها وأفاعيها وقيودها وأغلالها وسلاسلها وأنكالها وسائر أنواع البلايا والعذاب المعدّ فيها.

ثمّ قال محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبني إسرائيل: أفلا تخافون عقاب ربّكم في جحدكم لهذه الفضائل التي اختصّ بها محمّداً وعلياً وآلهما الطيّبين؟

بنو إسرائيل والبقرة(15):

قوله عزوجلّ: (وإذ قال موسى لقومه إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) إلى قوله: (لعلّكم تعقلون)(16) قال الإمام (عليه السلام):

قال الله عزوجلّ ليهود المدينة: واذكروا (إذ قال موسى لقومه إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) تضربون ببعضها هذا المقتول بين أظهركم ليقوم حيّاً سويّاً بإذن الله تعالى ويخبركم بقاتله، وذلك حين القي القتيل بين أظهرهم، فألزم موسى)عليه السلام( أهل القبيلة بأمر الله تعالى أن يحلف خمسون من أماثلهم بالله القويّ الشديد إله موسى وبني إسرائيل، مفضّل محمّد وآله الطيّبين على البرايا أجمعين إنّا ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً، فإن حلفوا بذلك غرّموا دية المقتول وإن نكلوا نصّوا على القاتل أو أقرّ القاتل فيقاد منه، فإن لم يفعلوا حبسوا في محبس ضنك إلى أن يحلفوا أو يقرّوا أو يشهدوا على القاتل فقالوا: يا نبيّ الله أمّا وقت أيماننا أموالنا و[لا] أموالنا أيماننا؟ قال: لا، هكذا حكم الله.

وكان السبب أنّ إمرأة حسناء ذات جمال وخلق كامل وفضل بارع ونسب شريف وستر ثخين كثر خطّابها، وكان لها بنو أعمام ثلاثة فرضيت بأفضلهم علماً وأثخنهم ستراً، وأرادت التزويج به، فاشتدّ حسد ابني عمّه الآخرين له [غيضاً]، وغبطاه عليها لا يثارها إيّاه، فعمدا إلى ابن عمّهما المرضي فأخذاه إلى دعوتهما ثمّ قتلاه وحملاه إلى محلّة تشتمل على أكثر قبيلة في بني إسرائيل فألقياه بين أظهرهم ليلاً، فلّما أصبحوا وجدوا القتيل هناك فعرف حاله، فجاء ابنا عمّه القاتلان له فمزّقا [ثيابهما] على أنفسهما، وحثيا التراب على رؤوسهما، واستعديا عليهم، فأحضرهم موسى (عليه السلام) وسألهم فأنكروا أن يكونوا قتلوه أو علموا قاتله.

فقال: فحكم الله عزوجلّ على من فعل هذه الحادثة ما عرفتموه، فالتزموه فقالوا: يا موسى أيّ نفع في أيماننا [لنا] إذا لم تدرء عنّا الغرامة الثقيلة؟ أم أيّ نفع في غرامتنا لنا إذا لم تدرء عنّا الأيمان؟

فقال موسى (عليه السلام): كلّ النفع في طاعة الله تعالى والايتمار لأمره والإنتهاء عمّا نهى عنه.

فقالوا: يا نبيّ الله غرم ثقيل ولا جناية لنا، وإيمان غليظة ولا حقّ في رقابنا، [لو] أنّ الله عزوجلّ عرّفنا قاتله بعينه وكفانا مؤونته فادع لنا ربّك أن يبيّن لنا هذا القاتل لينزل به ما يستحقّه من العقاب وينكشف أمره لذوي الألباب.

فقال موسى (عليه السلام): إنّ الله عزوجلّ قد بيّن ما أحكم به في هذا، فليس لي أن أقترح عليه غير ما حكم ولا أعترض عليه فيما أمر، ألا ترون أنّه لمّا حرّم العمل في يوم السبت وحرّم لحم الجمل لم يكن لنا أن نقترح عليه أن يغيّر ما حكم به علينا من ذلك، بل علينا أن نسلّم له حكمه ونلتزم ما ألزمناه، وهمّ بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثتهم، فأوحى الله عزوجلّ إليه: يا موسى أجبهم إلى ما اقترحوا وسلني أن أبيّن لهم القاتل ليقتل ويسلم غيره من التهمة والغرامة، فإنّي إنّما أريد بإجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار أمّتك، دينه الصلاة على محمّد وآله الطيّبين، والتفضيل لمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ بعده على سائر البرايا، أغنيه في الدنيا في هذه القضيّة ليكون بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمّد وآله.

فقال موسى: يا ربّ بيّن لنا قاتله.

فأوحى الله تعالى إليه: قل لبني إسرائيل أنّ الله يبيّن لكم ذلك بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوا ببعضها المقتول فيحيى فتسلّمون لربّ العالمين ذلك، وإلاّ فكفّوا عن المسألة والتزموا ظاهر حكمي، فذلك ما حكى الله عزوجلّ: (وإذ قال موسى لقومه إنّ الله يأمركم) أي: سيأمركم (أن تذبحوا بقرة) إن أردتم الوقوف على القاتل وتضربوا المقتول ببعضها ليحيى ويخبر بالقاتل.

(قالوا): يا موسى (أتتّخذنا هزواً [و] سخريّة؟ تزعم أنّ الله يأمرنا أن نذبح بقرة ونأخذ قطعة من ميّت ونضرب بها ميّتاً فيحيى أحد الميّتين بملاقاة بعض الميّت الآخر [له]؟ فكيف يكون هذا؟

(قال) موسى: (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) أنسب إلى الله عزوجلّ مالم يقل لي، وأن أكون من الجاهلين، أعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت، دافعاً لقول الله تعالى وأمره.

ثمّ قال موسى (عليه السلام): أوليس ماء الرجل نطفة ميّتة وماء المرأة كذلك، ميّتان يلتقيان فيحدث الله تعالى من إلتقاء الميّتين بشراً حيّاً سويّا؟ أوليس بذوركم التي تزرعونها في أرضكم تتفسّخ وتتعفّن وهي ميّتة، ثمّ يخرج الله منها هذه السنابل الحسنة البهيجة وهذه الأشجار الباسقة المؤنقة؟ فلمّا بهرهم موسى (عليه السلام) قالوا له: يا موسى (ادع لنا ربّك يبيّن لنا ماهي) [أي] ما صفتها لنقف عليها، فسأل موسى ربّه عزوجلّ فقال: (إنّها بقرة لافارض) كبيرة (ولا بكر) صغيرة [لم تغبط] (عوان) وسط (بين ذلك) بين الفارض والبكر (فافعلوا ما تؤمرون) إذا أمرتم به (قالوا - يا موسى - ادع لنا ربّك يبيّن لنا مالونها) أي: لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها، قال [موسى] - عن الله تعالى بعد السؤال والجواب -: (إنّها بقرة صفراء فاقع) حسن الصفرة ليس بناقص تضرب إلى البياض، ولا بمشبع تضرب إلى السواد (لونها) هكذا فاقع (تسرّ) البقرة (الناظرين) إليها لبهجتها وحسنها وبريقها (قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ماهي) ما صفتها [يزيد في صفتها].

قال - عن الله تعالى-: (إنّه يقول إنّها بقرة لا ذلول تثير الأرض) لم تذلل لإثارة الأرض ولم ترض بها (ولا تسقي الحرث) ولا هي ممّا تجرّ الدلاء ولا تدير النواعير، قد أعفيت من ذلك أجمع (مسلّمة) من العيوب كلّها لا عيب فيها (لا شية فيها) لا لون فيها من غيرها.

فلمّا سمعوا هذه الصفات قالوا: يا موسى [أ] فقد أمرنا ربّنا بذبح بقرة هذه صفتها؟

قال: بلى، ولم يقل موسى في الإبتداء: (إنّ الله قد أمركم) لأنّه لو قال: إنّ الله أمركم لكانوا إذاً قالوا: ادع لنا ربّك يبيّن لنا ماهي وما لونها [وما هي] كان لا يحتاج أن يسأله – ذلك - عزوجلّ ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول: أمركم ببقرة فأيّ شيء وقع عليه اسم بقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها.

قال: فلمّا استقرّ الأمر عليهم طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها إلاّ عند شابّ من بني اسرائيل أراه الله عزوجلّ في منامه محمّداً وعليّاً وطيّبي ذرّيتهما، فقالا له: إنّك كنت لنا [وليّا] محبّاً ومفضّلاً، ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا، فإذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلاّ بأمر أمّك، فإنّ الله عزوجلّ يلقّنها ما يغنيك به وعقبك، ففرح الغلام، وجاءه القوم يطلبون بقرته فقالوا: بكم تبع بقرتك هذه؟

قال: بدينارين والخيار لأمي

قالوا: قد رضينا [بدينار]، فسألها فقالت: بل بأربعة، فأخبرهم فقالوا: نعطيك دينارين، فأخبر أمّه فقالت: بثمانية، فما زالوا يطلبون على النصف ممّا تقول أمّه ويرجع إلى أمّه فتضعف الثمن حتّى بلغ ثمنها ملء مسك ثور أكبر ما يكون ملؤه دنانير، فأوجب لهم البيع، ثمّ ذبحوها فأخذوا قطعة وهي عجز الذنب الذي منه خلق ابن آدم وعليه يركب إذا أعيد خلقاً جديداً فضربوه بها وقالوا: اللّهمّ بجاه محمّد وآله الطيّبين الطاهرين لمّا أحييت هذا الميّت وأنطقته ليخبرنا عن قاتله، فقام سالماً سويّاً وقال: [يا نبيّ الله] قتلني هذان ابنا عمّي، حسداني على ابنة عمّي فقتلاني وألقياني في محلّة هؤلاء ليأخذا ديتي [منهم]، فأخذ موسى (عليه السلام) الرجلين فقتلهما، وكان قبل أن يقوم الميّت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحيى.

فقالوا: يا نبيّ الله أين ما وعدتنا عن الله عزوجلّ؟

فقال موسى (عليه السلام): [قد] صدقت وذلك إلى الله عزوجلّ، فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى إنّي لا أخلف وعدي ولكن ليقدّموا للفتى ثمن بقرته ملء مسكها دنانير ثمّ أحيي هذا، فجمعوا أموالهم ووسّع الله جلد الثور حتّى وزن ما ملىء به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار.

فقال بعض بني إسرائيل لموسى (عليه السلام) - وذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة -: لا ندري أيّهما أعجب: إحياء الله هذا وإنطاقه بما نطق أو إغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم؟

فأوحى الله إليه: يا موسى قل لبني إسرائيل من أحبّ منكم أن أطيب في الدنيا عيشه وأعظّم في جنّاتي محلّه وأجعل لمحمّد وآله الطيبين فيها منادمته ليفعل كما فعل هذا الفتى، إنّه كان قد سمع من موسى بن عمران ذكر محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ وآلهما الطيبين وكان عليهم مصلّياً ولهم علىجميع الخلائق من الجنّ والإنس والملائكة مفضّلاً، فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم ليتنعّم بالطيّبات، ويتكرّم بالهبات والصلات ويتحبّب بمعروفه إلى ذوي المودّات، ويكبت بنفقاته ذوي العداوات.

قال الفتى: يانبيّ الله كيف أحفظ هذه الأموال؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها، وحسد من يحسدني لأجلها؟

قال: قل عليها من الصلاة على محمّد وآله الطيّبين ما كنت تقوله قبل أن تنالها، فإنّ الذي رزقكها بذلك القول مع صحّة الإعتقاد يحفظها عليك أيضاً بهذا القول مع صحّة الإعتقاد، فقالها الفتى فما رامها حاسد [له] ليفسدها أو لصّ ليسرقها أو غاصب ليغصبها إلاّ دفعه الله عزوجل عنها بلطيفة من لطائفه حتّى يمتنع من ظلمه اختياراً أو منعه منه بآفة أو داهية حتّى يكفّه عنه فكيفّ اضطراراً.

[قال (عليه السلام)]: فلمّا قال موسى للفتى ذلك وصار الله عزوجلّ له - لمقالته - حافظاً قال هذا المنشور: (اللّهمّ إنّي أسألك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمّد وآله الطيّبين والتوسّل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتّعاً بابنة عمّي وتجزي عنّي أعدائي وحسّادي وترزقني فيها [خيراً] كثيراً طيّباً).

فأوحى الله إليه: يا موسى إنّه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستّين سنة، وقد وهبت له لمسألته وتوسّله بمحمّد وآله الطيّبين سبعين سنة تمام مائة وثلاثين سنة، صحيحة حواسّه، ثابت فيها جنانه، قويّة فيها شهواته، يتمتّع بحلال هذه الدنيا، ويعيش ولا يفارقها ولا تفارقه، فإذا حان حينه [حان حينها] وماتا جميعاً [معاً] فصار إلى جناني، فكانا فيها زوجين ناعمين، ولو سألني - يا موسى - هذا الشقيّ القاتل بمثل ما توسّل به هذا الفتى على صحّة اعتقاده أن أعصمه من الحسد وأقنعه بما رزقته - وذلك هو الملك العظيم - لفعلت، ولو سألني بذلك مع التوبة من صنعه أن لا أفضحه لما فضحته، ولصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل، ولأغنيت هذا الفتى من غير [هذا الوجه بقدر] هذا المال أوجده، ولو سألني بعد ما افتضح وتاب إليّ وتوسّل بمثل وسيلة هذا الفتى أن أنسي الناس فعله - بعد ما ألطف لأوليائه فيعفونه عن القصاص - لفعلت، وكان لا يعبّره بفعله أحد، ولا يذكره فيهم ذاكر، ولكن ذلك فضل أوتيه من أشاء وأنا ذوالفضل العظيم، وأعدل بالمنع على من أشاء وأنا العزيز الحكيم.

فلمّا ذبحوها قال الله تعالى: (فذبحوها وما كادوا يفعلون) وأرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة، ولكن اللّجاج حملهم على ذلك واتّهامهم لموسى (عليه السلام) حداهم عليه [قال] فضجّوا إلى موسى (عليه السلام) وقالوا: افتقرت القبيلة ودفعت إلى التكفّف، وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا، فادع الله لنا بسعة الرزق.

فقال موسى (عليه السلام): ويحكم ما أعمى قلوبكم؟ أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما أورثه الله تعالى من الغنى؟ أو ما سمعتم دعاء [الفتى] المقتول المنشور وما أثمر له من العمر الطويل والسعادة والتنعّم والتمتّع بحواسّه وسائر بدنه وعقله؟ لم لا تدعون الله تعالى بمثل دعائهما وتتوسّلون إلى الله بمثل توسّلهما ليسدّ فاقتكم، ويجبر كسركم ويسدّ خلّتكم؟

فقالوا: (اللّهمّ إليك التجانا، وعلى فضلك اعتمدنا، فأزل فقرنا وسدّ خلّتنا بجاه محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطيّبين من آلهم).

فأوحى الله إليه: يا موسى قل لهم ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان ويكشفوا في موضع كذا - لموضع عينه - وجه أرضها قليلاً ثمّ يستخرجوا ما هناك، فإنّه عشرة آلاف ألف دينار، ليردّوا على كلّ من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع لتعود أحوالهم، إلى ما كانت [عليه] ثمّ ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل وهو خمسة آلاف ألف دينار على قدر ما دفع كلّ واحد منهم في هذه المحنة، ليتضاعف أموالهم جزاء على توسّلهم بمحمّد وآله الطيّبين، واعتقادهم لتفضيلهم، فذلك ما قال الله عزوجلّ: (وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها) اختلفتم فيها وتدارأتم ألقى بعضكم الذنب في قتل المقتول على بعض، ودرأه عن نفسه وذويه (والله مخرج) مظهر (ما كنتم تكتمون) ما كان من خبر القاتل وما كنتم تكتمون من إرادة تكذيب موسى باقتراحكم عليه ما قدّرتم أنّ ربّه لا يجيبه إليه.

(فقلنا اضربوه ببعضها) ببعض البقرة (كذلك يحيي الله الموتى) في الدنيا والآخرة كما أحيى الميّت بملاقاة ميّت آخر له، أمّا في الدنيا فيلاقي ماء الرجل ماء المرأة فيحيي الله الذي كان في الأصلاب والأرحام حيّاً، وأمّا في الآخرة فإنّ الله تعالى ينزل بين نفختي الصور – بعد ما ينفخ النفخة الاولى من دوين السماء الدنيا – من البحر المسجور الذي قال الله [فيه]: (والبحر المسجور)(17) وهي منّي كمنيّ الرجال، فيمطر ذلك على الأرض فيلقي الماء المنيّ مع الأموات البالية فينبتون من الأرض ويحيون.

ثمّ قال الله عزّ وجلّ: (ويريكم آياته) سائر آياته سوى هذه الدلالات على توحيده ونبوّة موسى (عليه السلام) نبيّه وفضل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) على الخلائق سيّد عبيده وإمائه، وتبيينه فضله وفضل آله الطيّبين على سائر خلق الله أجمعين (لعلّكم تعقلون) [تعتبرون و] تتفكّرون أنّ الذي يفعل هذه العجائب لا يأمر الخلق إلاّ بالحكمة، ولا يختار محمّداً وآله إلاّ لأنّهم أفضل ذوي الألباب.

أبشر يا أبا اليقظان(18):

أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً وقد غصّ مجلسه بأهله.

فقال: أيّكم اليوم نفع بجاهه أخاه المؤمن؟

فقال عليّ (عليه السلام): أنا.

قال: صنعت ماذا؟

قال: مررت بعمّار بن ياسر وقد لازمه بعض اليهود في ثلاثين درهماً كانت له عليه.

فقال عمّار: يا أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذا يلازمني ولا يريد إلاّ أذاي وإذلالي لمحبّتي لكم أهل البيت، فخلّصني منه بجاهك.

فأردت أن أكلّم له اليهوديّ، فقال: يا أخا رسول الله إنّك أجلّ في قلبي وعيني من أن أبذلك لهذا الكافر، ولكن اشفع لي إلى من لا يردّك عن طلبه، فلو أردت جميع جوانب العالم أن يصيّرها كأطراف السفرة [لفعل] فاسأله أن يعينني على أداء دينه، ويغنيني عن الإستدانة.

فقلت: اللّهمّ افعل ذلك به، ثمّ قلت له: اضرب بيدك إلى ما بين يديك من شيء (حجر أو مدر) فإنّ الله يقلّبه لك ذهباً إبريزاً.

فضرب يده فتناول حجراً فيه أمنان فتحوّل في يده ذهباً، ثمّ أقبل على اليهوديّ فقال: وكم دينك؟

قال: ثلاثون درهماً.

فقال: كم قيمتها من الذهب؟

قال: ثلاثة دنانير.

فقال عمّار: اللّهم بجاه من بجاهه قلّبت هذا الحجر ذهباً، ليّن لي هذا الذهب لأفصل قدر حقّه، فألانه الله عزوجل له ففصل له ثلاثة مثاقيل وأعطاه.

ثمّ جعل ينظر إليه وقال: اللّهمّ إنّي سمعتك تقول: (كلاّ إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)(19) ولا أريد غنا يطغيني، اللّهمّ فأعد هذا الذهب حجراً بجاه من [بجاهه] جعلته ذهباً بعد أن كان حجرا، فعاد حجراً فرماه من يده وقال: حسبي من الدنيا والآخرة موالاتي لك يا أخا رسول الله.

[فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)]: فتعجّبت ملائكة السماوات والأرض من فعله، وعجّت إلى الله تعالى بالثناء عليه، فصلوات الله من فوق عرشه تتوالى عليه.

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): فأبشر يا أبا اليقظان فإنّك أخو عليّ في ديانته ومن أفاضل أهل ولايته ومن المقتولين في محبّته، تقتلك الفئة الباغية، وآخر زادك من الدنيا ضياح من لبن، وتلحق روحك بأرواح محمّد وآله الفاضلين، فأنت من خيار شيعتي.

مع عمّار وحذيفة(20):

إنّ المسلمين لمّا أصابهم يوم أحد من المحن ما أصابهم لقى قوم من اليهود – بعده بأيّام - عمّار بن ياسر و حذيفة بن اليمان فقالوا لهما: ألم تريا ما أصابكم يوم أحد؟ إنّما يحرب كأحد طلاّب ملك الدنيا حربه سجالاً، فتارة له وتارة عليه، فارجعوا عن دينه.

فأمّا حذيفة فقال: لعنكم الله لا أقاعدكم ولا أسمع كلامكم، أخاف على نفسي وديني، وأفرّ بهما منكم، وقام عنهم يسعى.

وأمّا عمّار بن ياسر فلم يقم عنهم ولكن قال لهم: معاشر اليهود إنّ محمّداً وعد أصحابه الظفر يوم بدر إن صبروا، فصبروا وظفروا، ووعدهم الظفر يوم أحد أيضاً إن صبروا ففشلوا وخالفوا فلذلك أصابهم ما أصابهم ولو أنّهم أطاعوا وصبروا ولم يخالفوا، لما غلبوا.

فقالت له اليهود: يا عمّار وإذا أطعت أنت غلب محمّد سادات قريش مع دقّة ساقيك؟

فقال: نعم، والله الذي لا إله إلاّ هو باعثه بالحقّ نبيّاً لقد وعدني محمّد من الفضل والحكمة ما عرّفنيه من نبوّته، وفهّمنيه من فضل أخيه ووصيّه وصفيّه وخير من يخلفه بعده والتسليم لذريّته الطيّبين المنتجبين وأمرني بالدعاء بهم عند شدائدي ومهماتي وحاجاتي.

ووعدني انّه لا يأمرني بشيء فاعتقدت فيه طاعته الا بلغته، حتى لو أمرني بحطّ السماء إلى الأرض أو رفع الأرضين إلى السماوات لقوّى عليه ربّي بدني بساقيّ هاتين الدقيقتين.

فقالت اليهود: كلاّ والله يا عمّار، محمّد أقلّ عند الله من ذلك وأنت أوضع عند الله وعند محمّد من ذلك، لا ولا حجراً فيها أربعون منّا.

فقام عمّار عنهم وقال: لقد أبلغتكم حجّة ربّي ونصحت لكم ولكنّكم للنصيحة كارهون، فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال له رسول الله: يا عمّار قد وصل إليّ خبركما: أمّا حذيفة فإنّه فرّ بدينه من الشيطان وأوليائه، فهو من عباد الله الصالحين.

وأمّا أنت يا عمّار فإنّك [قد] ناضلت عن دين الله، ونصحت لمحمّد رسول الله، فأنت من المجاهدين في سبيل الله، الفاضلين.

فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمّار يتحادثان إذ حضرت اليهود الذين كانوا كلّموه فقالوا: يا محمّد هاه صاحبك يزعم انّك إن أمرته برفع الأرض إلى السماء أوحطّ السماء إلى الأرض فاعتقد طاعتك وعزم على الإئتمار لك، لأعانه الله عليه، ونحن نقتصر منك ومنه على ما هو دون ذلك، إن كنت نبيّاً فقد قنعنا أن يحمل عمّار - مع دقّة ساقيه - هذا الحجر، وكان الحجر مطروحاً بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بظاهر المدينة يجتمع عليه مائتا رجل ليحرّكوه فلا يمكنهم.

فقالوا له: يا محمّد إن رام احتماله لم يحرّكه، ولو حمل في ذلك على نفسه لانكسرت ساقاه وتهدّم جسمه.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تحتقروا ساقيه، فإنّهما أثقل في ميزان حسناته من ثور وثبير وحراء وأبي قبيس، بل من الأرض كلّها وما عليها، وإنّ الله قد خفّف بالصلاة على محمّد وآله الطيّبين ما هو أثقل من هذه الصخرة، خفّف العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن كان لا يطيقه معهم العدد الكثير والجمّ الغفير.

ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عمّار إعتقد طاعتي وقل: اللّهمّ بجاه محمّد وآله الطيّبين قوّني ليسهّل الله لك ما آمرك به كما سهّل على كالب بن يوحنّا عبور البحر على متن الماء وهو على فرسه يركض عليه لسؤاله الله تعالى بجاهنا أهل البيت.

فقالها عمّار واعتقدها، فحمل الصخرة فوق رأسه وقال: بأبي أنت وامّي يا رسول الله والذي بعثك بالحقّ نبيّاً لهي أخفّ في يدي من خلالة أمسكها بها.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حلّق بها في الهواء فستبلغ بها قلّة ذلك الجبل - وأشار إلى جبل بعيد على قدر فرسخ - فرمى بها عمّار وتحلّقت في الهواء حتّى انحطّت على ذروة ذلك الجبل.

ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لليهود: أو رأيتم؟

قالوا: بلى.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عمّار قم إلى ذروة الجبل فستجد هناك صخرة أضعاف ما كانت، فاحتملها وأعدها إلى حضرتي.

فخطا عمّار خطوة فطويت له الأرض ووضع قدمه في الخطوة الثانية على ذروة الجبل وتناول الصخرة المتضاعفة وعاد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخطوة الثالثة.

ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمّار: إضرب بها الأرض ضربة شديدة، فتهاربت اليهود وخافوا، فضرب بها عمّار على الأرض، فتفتّت حتّى صارت كالهباء المنثور وتلاشت.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): آمنوا أيّها اليهود فقد شاهدتم آيات الله، فآمن بعضهم، وغلب الشقاء على بعضهم.

ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أتدرون معاشر المسلمين ما مثل هذه الصخرة؟

فقالوا: لا يا رسول الله.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): والذي بعثني بالحقّ نبياً إنّ رجلاً من شيعتنا تكون له ذنوب وخطايا أعظم من جبال الأرض و[من] الأرض كلّها والسماء بأضعاف كثيرة، فما هو إلاّ أن يتوب ويجدّد على نفسه ولايتنا أهل البيت إلاّ كان قد ضرب بذنوبه الأرض أشدّ من ضرب عمّار هذه الصخرة بالأرض، وإنّ رجلاً يكون له طاعات كالسماوات والأرضين والجبال والبحار، فما هو إلاّ أن يكفر بولايتنا أهل البيت حتّى يكون ضرب بها الأرض أشدّ من ضرب عمار لهذه الصخرة بالأرض وتتلاشى وتتفتّت كتفتّت هذه الصخرة، فيرد الآخرة ولا يجد حسنة، وذنوبه أضعاف الجبال والأرض والسماء فيشدّد حسابه ويدوم عذابه.

قال: فلمّا رأى عمّار بنفسه تلك القوّة التي جلد بها على الأرض تلك الصخرة فتفتّت، أخذته أريحيّة وقال: أفتأذن لي يا رسول الله أن أجادل هؤلاء اليهود فأقتلهم أجمعين بما أعطيته من هذه القوّة؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عمّار إنّ الله يقول: (فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي الله بأمره)(21) بعذابه ويأتي بفتح مكّة وسائر ما وعد.

سلمان رمز الصمود(22):

إنّ سلمان الفارسيّ - رضي الله عنه - مرّ بقوم من اليهود فسألوه أن يجلس إليهم ويحدّثهم بما سمع من محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) في يومه هذا، فجلس إليهم لحرصه على إسلامهم، فقال: سمعت محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنّ الله عزوجلّ يقول: يا عبادي أو ليس من له إليكم حوائج كبار لا تجودون بها إلاّ أن يتحمّل عليكم بأحبّ الخلق إليكم تقضونها كرامة لشفيعهم؟ ألا فاعلموا أنّ أكرم الخلق عليّ وأفضلهم لديّ، محمّد وأخوه عليّ ومن بعده من الأئمة الذين هم الوسائل إليّ، ألا فليدعني من همّ بحاجة يريد نفعها أو دهته داهية يريد كفّ ضررها بمحمّد وآله الأفضلين الطيبين الطاهرين اقضها له أحسن ممّا يقضيها من تستشفعون إليه بأعزّ الخلق عليه.

فقالوا لسلمان وهم [يسخرون و] يستهزؤن به: يا أبا عبد الله فما بالك لا تقترح على الله وتتوسّل بهم أن يجعلك أغنى أهل المدينة؟

فقال سلمان: قد دعوت الله عزوجلّ بهم وسألته ما هو أجلّ وأفضل وأنفع من ملك الدنيا بأسرها، سألته بهم صلّى الله عليهم أن يهب لي لساناً لتحميده وثنائه ذاكراً، وقلباً لآلائه شاكراً، وعلى الدواهي الداهية لي صابراً، وهو عزوجلّ قد أجابني إلى ملتمسي من ذلك، وهو أفضل من ملك الدنيا بحذا فيرها، وما تشتمل عليه من خيراتها مائة ألف ألف مرّة.

قال (عليه السلام): فجعلوا يهزؤون به ويقولون: يا سلمان لقد ادّعيت مرتبة عظيمة شريفة نحتاج أن نمتحن صدقك من كذبك فيها، وها نحن أوّلاً قائمون إليك بسياط فضاربوك بها، فسأل ربّك أن يكفّ أيدينا عنك، فجعل سلمان يقول: اللّهمّ اجعلني على البلاء صابراً، وجعلوا يضربونه بسياطهم حتّى أعيوا وملّوا، وجعل سلمان لا يزيد على قوله: اللّهمّ اجعلني على البلاء صابراً.

فلمّا ملّوا وأعيوا قالوا له: يا سلمان ما ظنّنا أنّ روحاً تثبت في مقرّها مع مثل هذا العذاب الوارد عليك، فما بالك لا تسأل ربّك أن يكفّنا عنك؟

فقال: لأنّ سؤالي ذلك ربّي خلاف الصبر، بل سلّمت لإمهال الله تعالى لكم، وسألته الصبر.

فلمّا استراحوا قاموا إليه بعد بسياطهم فقالوا: لا نزال نضربك بسياطنا حتّى تزهق روحك، أو تكفر بمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال: ما كنت لأفعل ذلك، فإنّ الله قد أنزل على محمّد: (الذين يؤمنون بالغيب)(23) وإنّ احتمالي لمكارهكم - لأدخل في جملة من مدحه الله تعالى بذلك - سهل عليّ يسير، فجعلوا يضربونه بسياطهم حتّى ملّوا ثمّ قعدواوقالوا: يا سلمان لوكان لك عند ربّك قدر لإيمانك بمحمّد لاستجاب [الله] دعاءك وكفّنا عنك.

فقال سلمان: ما أجهلكم كيف يكون مستجيباً دعائي إذا فعل بي خلاف ما أريد منه، أنا أردت منه الصبر فقد استجاب لي وصبّرني، ولم أسأله كفّكم عنّي فيمنعني حتّى يكون ضدّ دعائي كما تظنّون.

فقاموا إليه ثالثة بسياطهم فجعلوا يضربونه وسلمان لا يزيد على قوله: اللّهمّ صبّرني على البلاء في حبّ صفيّك وخليلك محمّد، فقالوا له: يا سلمان ويحك أوليس محمّد قد رخّص لك أن تقول كلمة الكفر به بما تعتقد ضدّه للتقيّة من أعدائك؟ فما بالك لا تقول ما يفرّج عنك للتقيّة؟

فقال سلمان: إنّ الله تعالى قد رخّص لي في ذلك ولم يفرضه عليّ، بل أجاز لي أن لا أعطيكم ما تريدون وأحتمل مكارهكم، واجعله أفضل المنزلتين، وأنا لاأختار غيره، ثمّ قاموا إليه بسياطهم وضربوه ضرباً كثيراً وسيّلوا دماءه وقالوا له – وهم ساخرون-: لا تسأل الله كفّنا عنك، ولا تظهر لنا ما نريد منك لنكفّ به عنك، فادع علينا بالهلاك إن كنت من الصادقين في دعواك أنّ الله تعالى لا يردّ دعاءك بمحمّد وآله الطيبين الطاهرين.

فقال سلمان: إنّي لأكره أن أدعو الله بهلاككم مخافة أن يكون فيكم من قد علم الله أنّه سيؤمن بعد فأكون قد سألت الله تعالى اقتطاعه عن الإيمان.

فقالوا: قل اللّهمّ أهلك من كان في معلومك أنّه يبقى إلى الموت على تمرّده، فإنّك لا تصادف بهذا الدعاء ما خفته.

قال: فانفرج له حائط البيت الذي هو فيه مع القوم، وشاهد رسول الله ()صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول: يا سلمان أدع عليهم بالهلاك، فليس فيهم أحد يرشد، كما دعا نوح (عليه السلام) على قومه لمّا عرف أنّه لن يؤمن من قومه إلاّ من قد آمن.

فقال سلمان: كيف تريدون أن أدعو عليكم بالهلاك؟

فقالوا: تدعو الله بأن يقلب سوط كلّ واحد منّا أفعي تعطف رأسها، ثمّ تمشّش(24) عظام سائر بدنه.

فدعا الله بذلك فما من سياطهم سوط إلاّ قلبه الله تعالى عليهم افعي لها رأسان، تتناول برأس [منها] رأسه وبرأس آخر يمينه التي كان فيها سوطه، ثمّ رضّضتهم ومشّشتهم وبلعتهم والتقمتهم.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في مجلسه: معاشر المؤمنين إنّ الله تعالى قد نصر أخاكم سلمان ساعتكم هذه على عشرين من مردة اليهود والمنافقين، قلّب سياطهم أفاعي، رضّضتهم ومشّشتهم وهشّمت عظامهم والتقمتهم، فقوموا بنا ننظر إلى تلك الأفاعي المبعوثة لنصرة سلمان.

فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه إلى تلك الدار، وقد اجتمع إليها جيرانها من اليهود والمنافقين لمّا سمعوا ضجيج القوم بالتقام الأفاعي لهم، وإذاهم خائفون منها نافرون من قربها.

فلمّا جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرجت كلّها [من] البيت إلى شارع المدينة، وكان شارعاً ضيّقاً، فوسّعه الله تعالى وجعله عشرة أضعافه، ثمّ نادت الأفاعي: السلام عليك يا محمّد يا سيّد الأولين والآخرين، السلام عليك يا عليّ يا سيّد الوصيين، السلام على ذرّيتك الطيبين الطاهرين الذين جعلوا على الخلق قوّامين، سياط هؤلاء المنافقين اللذين قلبنا الله تعالى أفاعي بدعاء هذا المؤمن (سلمان).

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الحمد لله الذي جعل من امّتي من يضاهي بدعائه - عند كفّه وعند انبساطه - نوحاً نبيّه، ثمّ نادت الأفاعي: يا رسول الله قد اشتدّ غضبنا على هؤلاء الكافرين، وأحكامك وأحكام وصيّك علينا جايزة في ممالك ربّ العالمين، ونحن نسألك أن تسأل الله تعالى أن يجعلنا من أفاعي جهنّم التي نكون فيها لهؤلاء معذّبين، كما كنّا لهم في هذه الدنيا ملتقمين.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قد أجبتكم إلى ذلك، فالحقوا بالطبق الأسفل من جهنّم بعد أن تقذفوا ما في أجوافكم من أجزاء أجسام هؤلاء الكافرين ليكون أتمّ لخزيهم وأبقى للعار عليهم إذا كانوا بين أظهرهم مدفونين، يعتبر بهم المؤمنون المارّون بقبورهم، يقولون: هؤلاء الملعونون المخزّيون بدعاء وليّ محمّد، سلمان الخير من المؤمنين، فقذفت الأفاعي ما في بطونها من أجزء أبدانهم، فجاء أهلوهم فدفنوهم وأسلم كثير من الكافرين، وأخلص كثير من المنافقين، وغلب الشقاء على كثير من الكافرين والمنافقين، فقالوا: هذا سحر مبين.

ثمّ اقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على سلمان فقال: يا أبا عبدالله أنت من خواصّ إخواننا المؤمنين، ومن أحباب قلوب ملائكة الله المقرّبين، إنّك في ملكوت السماوات والحجب والكرسيّ والعرش وما دون ذلك إلى الثرى أشهر في فضلك عندهم من الشمس الطالعة في يوم لاغيم فيه ولا قتر ولا غبار في الجوّ، أنت من أفاضل الممدوحين بقوله: (الذين يؤمنون بالغيب)(25).

أبو ذر في الصلاة(26):

حدّثني أبي عن أبيه (عليه السلام): أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من خيار أصحابه عنده أبوذر الغفاريّ، فجاءه ذات يوم فقال: يا رسول الله إنّ لي غنيمات قدر ستّين شاة، أكره أن أبدو فيها وأفارق حضرتك وخدمتك، وأكره أن أكلها إلى راع فيظلمها ويسيء رعايتها فكيف أصنع؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أبد فيها فبدا فيها، فلمّا كان في اليوم السابع جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أباذر، فقال: لبيك يا رسول الله.

قال: ما فعلت غنيماتك؟

فقال: يا رسول الله إنّ لها قصّة عجيبة.

فقال: وماهي؟

قال: يا رسول الله بينا أنا في صلاتي إذ عدا الذئب على غنمي، فقلت: يا ربّ صلاتي، يا ربّ غنمي، فآثرت صلاتي على غنمي فأخطر الشيطان ببالي: يا أباذر إين أنت إن عدت الذئاب على غنمك وأنت تصلّي فأهلكنها كلّها وما يبقى لك في الدنيا ما تتعيّش به؟

فقلت للشيطان: يبقى لي توحيد الله تعالى والإيمان بمحمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وموالاة أخيه سيّد الخلق بعده عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وموالاة الأئمّة الهادين الطاهرين من ولده، ومعاداة أعدائهم، وكلّ مافات من الدنيا بعد ذلك جلل.

فأقبلت على صلاتي، فجاء ذئب فأخذ حملاً وذهب به وأنا أحسّ به، إذا أقبل على الذئب أسد فقطّعه نصفين، واستنقذ الحمل وردّه إلى القطيع، ثمّ ناداني: يا أباذر أقبل على صلاتك فإنّ الله تعالى قد وكّلني بغنمك إلى أن تصلّي، فأقبلت على صلاتي وقد غشيني من التعجّب ما لا يعلمه إلاّ الله تعالى حتّى فرغت منها، فجاءني الأسد وقال لي: إمض إلى محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره أنّ الله تعالى قد أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك، ووكّل أسداً بغنمه يحفظها فتعجّب من كان حول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): صدقت يا أباذر، ولقد آمنت به أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام).

فقال بعض المنافقين: هذا بمواطاة بين محمّد وأبي ذر، يريد أن يخدعنا بغروره، واتّفق منهم عشرون رجلاً وقالوا: نذهب إلى غنمه وننظر إليها وننظر إليه إذا صلّى هل يأتي الأسد ويحفظ غنمه فيتبيّن بذلك كذبه.

فذهبوا ونظروا وإذا أبوذر قائم يصلّي، والأسد يطوف حول غنمه ويرعاها، ويردّ الى القطيع ما شذّ عنه منها، حتى إذا فرغ من صلاته ناداه الأسد: هاك قطيعك مسلّماً وافر العدد سالماً، ثمّ ناداهم الأسد: يا معاشر المنافقين أنكرتم لوليّ محمّد وعليّ وآله الطيبين والمتوسّل إلى الله تعالى بهم أن يسخّرني [الله] ربّي لحفظ غنمه، والذي أكرم محمّداً وآله الطيبين الطاهرين لقد جعلني الله طوع يديّ أبي ذر حتّى لو أمرني بافتراسكم وهلاككم لأهلكتكم، والذي لا يحلف بأعظم منه لو سأل الله بمحمّد وآله الطيبين (عليهم السلام) أن يحوّل البحار دهن زنبق وبان، والجبال مسكاً وعنبراً وكافوراً، وقضبان الأشجار قضب الزمرّد والزبرجد لما منعه الله تعالى ذلك.

فلمّا جاء أبوذرّ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أباذر إنّك أحسنت طاعة الله فسخّر الله لك من يطيعك في كفّ العوادي عنك، فأنت من أفاضل من مدحه الله عزوجلّ بأنّه يقيم الصلاة.

الوالدان من لسان المعصومين(27):

قال الله عزوجلّ: (وبالوالدين إحساناً)(28) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أفضل والديكم وأحقّهما لشكركم محمّد وعليّ.

وقال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أنا وعليّ أبوا هذه الأمّة، ولحقّنا عليهم أعظم من حقّ أبوي ولادتهم فإنّا ننقذهم - إن طاعونا - من النار إلى دار القرار ونلحقهم من العبوديّة بخيار الأحرار.

وقالت فاطمة (عليها السلام): أبوا هذه الأمّة محمّد وعليّ، يقيمان أودهم(29) وينقذانهم من العذاب الدائم إن أطاعوهما ويبيحانهم النعيم الدائم إن وافقوهما.

وقال الحسن بن عليّ (عليه السلام): محمّد وعليّ أبوا هذه الأمّة فطوبى لمن كان بحقّهما عارفاً، ولهما في كلّ أحواله مطيعاً، يجعله الله من أفضل سكّان جنانه ويسعده بكراماته ورضوانه.

وقال الحسين بن عليّ (عليه السلام): من عرف حقّ أبويه الأفضلين محمّد وعليّ (عليهم السلام) وأطاعهما حقّ الطاعة قيل له: تبحبح في أيّ الجنان شئت.

وقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): إن كان الأبوان إنّما عظم حقّهما على أولادهما لإحسانهما إليهم فإحسان محمّد وعليّ (عليهما السلام) إلي هذه الأمّة أجلّ وأعظم، فهما بأن يكونا أبوين أحقّ.

وقال محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام): من أراد أن يعرف [يعلم، خ ل] كيف قدره عند الله فلينظر كيف قدر أبويه الأفضل عنده: محمّد وعليّ.

وقال جعفر بن محمّد (عليه السلام): من رعى حقّ أبويه الأفضلين محمّد وعليّ (عليهما السلام) لم يضرّه ما أضاع من حقّ أبوي نفسه وسائر عباد الله فإنّهما يرضيانهم بسعيهما.

وقال موسى بن جعفر (عليه السلام): لعظم [يعظم خ ل] ثواب الصلاة على قدر تعظيم المصلّي أبويه الأفضلين: محمّد وعليّ (عليهما السلام).

وقال علي بن موسى الرضا (عليه السلام): أما يكره أحدكم أن ينفى عن أبيه وأمّه اللذين ولداه؟

قالوا: بلى والله.

قال: فليجتهد أن لا ينفى عن أبيه وامّه اللذين هما أبواه الأفضل من أبوي نفسه.

وقال محمّد بن عليّ [بن موسى] (عليهم السلام) حين قال رجل بحضرته: إنّي لأحبّ محمّداً وعليّاً حتّى لو قطّعت إرباً إرباً، أو قرضت لم أزل عنه.

وقال محمّد بن عليّ (عليه السلام): لا جرم إنّ محمّداً وعليّاً يعطيانك من أنفسهما ما تعطيهما [أنت] من نفسك إنّهما ليستدعيان لك في يوم فصل القضاء ما لا يفي ما بذلته لهما بجزء من مائة ألف ألف جزء من ذلك.

وقال علي بن محمّد (عليه السلام): من لم يكن والدا دينه محمّد وعليّ (عليهما السلام) أكرم عليه من والدي نسبه، فليس من الله في حلّ ولا حرام ولا كثير ولا قليل.

وقال الحسن بن عليّ (عليه السلام):

من آثر طاعة أبوي دينه: محمّد وعليّ (عليهما السلام) على طاعة أبوي نسبه، قال الله عزوجلّ له: لاؤثرنّك كما آثرتني ولأشرفنّك بحضرة أبوي دينك كما شرّفت نفسك بإيثار حبّهما على حبّ أبوي نسبك.

القربى من لسان المعصومين(30):

وأمّا قوله عزوجلّ: (وذي القربى)(31) فهم من قراباتك من أبيك وأمّك قيل لك: اعرف حقّم كما أخذ العهد به على بني إسرائيل وأخذ عليكم معاشر أمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمعرفة حقّ قرابات محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين هم الأئمّة بعده ومن يليهم بعد من خيار أهل دينهم.

قال الإمام (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من رعى حق قرابات أبويه أعطي في الجنّة ألف درجة بعد ما بين كلّ درجتين حضر الفرس الجواد المحضير [المضمر خ ل] مائة سنة إحدى الدرجات من فضّة والأخرى من ذهب والأخرى من مسك والأخرى من عنبر والأخرى من كافور فتلك الدرجات من هذه الأصناف، ومن رعى حقّ قربى محمّد وعليّ (عليهما السلام) أوتي من فضائل الدرجات وزيادة المثوبات علي قدر زيادة فضل محمّد وعليّ (عليهما السلام) على أبوي نفسه.

وقالت فاطمة (عليها السلام) لبعض النساء: أرضى أبوي دينك محمّداً وعليّاً بسخط أبوي نسبك، ولا ترضى أبوي نسبك بسخط أبوي دينك، فإنّ أبوي نسبك إن سخطا أرضاهما محمّد وعليّ (عليهما السلام) بثواب جزاء من ألف ألف جزء من ساعة من طاعاتهما، وإنّ أبوي دينك [محمّداً وعليّاً] إن سخطا لم يقدر أبوا نسبك أن يرضياهما، لأنّ ثواب طاعات أهل الدنيا كلّهم لا يفي بسخطهما.

وقال الحسن بن عليّ (عليهما السلام): عليك بالإحسان إلى قرابات أبوي دينك: محمّد وعليّ وإن أضعت قرابات أبوي نسبك، وإيّاك وإضاعة قرابات أبوي دينك بتلافي قرابات أبوي نسبك، فإنّ شكر هؤلاء إلى ابوي دينك: محمّد وعليّ (عليهما السلام) أثمر لك من شكر هؤلاء إلى أبوي نسبك، إنّ قرابات أبوي دينك إذا شكروك عندهما - بأقلّ قليل نظرهما لك - يحطّ عنك ذنوبك، ولو كانت ملأما بين الثرى إلى العرش وإنّ قرابات أبوي نسبك إن شكروك عندهما، وقد ضيّعت قرابات أبوي دينك لم يغنيا عنك فتيلاً.

وقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): حقّ قرابات أبوي ديننا: محمّد وعليّ وأوليائهما أحقّ من قرابات أبوي نسبنا‘ إنّ أبوي ديننا يرضيان عنّا أبوي نسبنا وأبوي نسبنا لا يقدران أن يرضيا عنّا أبوي ديننا محمّد وعليّ (عليه السلام).

وقال محمّد بن عليّ (عليه السلام): من كان أبوا دينه: محمّد وعليّ (عليهما السلام) آثر لديه، وقرباتهما أكرم [عليه] من أبوي نسبه وقراباتهما قال الله عزوجلّ [له]: فضّلت الأفضل، لأجعلنّك الأفضل، وآثرت الأولى بالإيثار، لأجعلنّك بدار قراري ومنادمة أوليائي أولى.

وقال جعفر بن محمّد (عليه السلام): من ضاق عن قضاء حقّ قرابة أبوي دينه وأبو نسبه وقدح كلّ واحد منهما في الآخر فقدّم قرابة أبوي دينه على قرابة أبوي نسبه، قال الله عزوجلّ يوم القيامة: كما قدّم قرابة أبوي دينه فقدّموه إلى جناني، فيزداد فوق ما كان أعدّ له من الدرجات ألف ألف ضعفها.

وقال موسى بن جعفر (عليه السلام): وقد قيل له: إنّ فلاناً كان له ألف درهم عرضت عليه بضاعتان يشتريهما [يشتهيهما خ ل] لا تتّسع بضاعته لهما فقال: أيّهما أربح لي؟

فقيل له: هذا يفضل ربحه على هذا بألف ضعف.

قال (عليه السلام): أليس يلزمه في عقله أن يؤثر الأفضل؟

قالوا: بلى.

قال: فهكذا إيثار قرابة أبوي دينه [دينك خ ل] محمّد وعليّ (عليهما السلام) أفضل ثواباً بأكثر من ذلك، لأنّ فضله على قدر فضل محمّد وعليّ على أبوي نسبه.

وقيل للرضا (عليه السلام): ألا نخبرك بالخاسر المتخلّف؟

قال: من هو؟

قالوا: فلان باع دنانيره بدراهم أخذها فردّ ماله من عشرة آلاف دينار إلى عشرة آلاف درهم.

قال (عليه السلام): بدرة(32) باعها بألف درهم، ألم يكن أعظم تخلّفاً وحسرة؟

قالوا: بلى.

قال: ألا أنبّئكم بأعظم من هذا تخلّفاً وحسرة؟

قالوا: بلى.

قال: أرأيتم لوكان له ألف جبل من ذهب باعها بألف حبّة من زيف، ألم يكن أعظم تخلّفاً وأعظم من هذا حسرة؟

قالوا: بلى.

قل: أفلا انبّئكم بمن هو أشدّ من هذا تخلّفاً، وأعظم من هذا حسرة؟

قالوا: بلى.

قال: من آثر في البرّ والمعروف قرابة أبوي نسبه على قرابة أبوي دينه محمّد وعليّ (عليهما السلام)، لأنّ فضل قرابات محمّد وعليّ أبوي دينه على قرابات أبوي نسبه أفضل من فضل ألف جبل من ذهب على ألف حبّة زائف.

وقال محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام): من اختار قرابات أبوي دينه: محمّد وعليّ على قرابات أبوي نسبه اختاره الله تعالى على رؤوس الأشهاد يوم التناد وشهّره بخلع كراماته، وشرّفه بها على العباد إلاّ من ساواه في فضائله أو فضله.

وقال عليّ بن محمّد (عليه السلام): إنّ من إعظام جلال الله إيثار قرابة أبوي دينك: محمّد وعليّ (عليهما السلام) على قرابة أبوي نسبك، وإنّ من التهاون بجلال الله إيثار قرابة أبوي نسبك على قرابة أبوي دينك محمّد وعليّ (عليهما السلام).

وقال الحسن بن عليّ (عليه السلام):

إنّ رجلاً جاع عياله، فخرج يبغي لهم ما يأكلون، فكسب درهماً فاشترى به خبزاً وإداماً، فمرّ برجل وامرئة من قرابات محمّد وعليّ (عليهما السلام) فوجدهما جائعين، فقال: هؤلاء أحقّ من قراباتي، فأعطاهما إيّاه ولم يدر بماذا يحتجّ في منزله، فجعل يمشي رويداً يتفكّر فيما يعتّل [يتعذّر] به عندهم ويقول لهم ما فعل بالدرهم إذ لم يجئهم بشيء.

فبينا هو متحيّر في طريقه إذا بفيج يطلبه، فدلّ عليه فأوصل إليه كتاباً من مصر، وخمسمائة دينار في صرّة وقال: هذه بقيّة [مالك] حملته إليك من مال ابن عمّك، مات بمصر وخلّف مائة ألف دينار على تجّار مكّة والمدينة، وعقاراً كثيراً ومالاً بمصر بأضعاف ذلك.

فأخذ الخمسمائة دينار ووسّع على عياله، ونام ليلته، فرأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّاً (عليه السلام) فقالا له: كيف ترى إغنائنا لك لمّا آثرت قرابتنا على قرابتك؟

ثمّ لم يبق بالمدينة ولا بمكّة ممّن عليه شيء من المائة ألف دينار إلاّ أتاه محمّد وعليّ في منامه وقالا له: إمّا بكرت بالغداة على فلان بحقّه من ميراث ابن عمّه وإلاّ بكّرنا عليك بهلاكك واصطلامك وإزالة نعمك وإبانتك من حشمك، فأصبحوا كلّهم وحملوا إلى الرجل ما عليهم حتّى حصل عنده مائة ألف دينار، وما ترك أحد بمصر ممّن له عنده مال إلاّ وأتاه محمّد وعليّ (عليهما السلام) في منامه وأمراه أمر تهدّد بتعجيل مال الرجل أسرع ما يقدر عليه.

وأتى محمّد وعليّ (عليهما السلام) هذا المؤثر لقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في منامه فقالا له: كيف رأيت صنع الله لك؟ قد أمرنا من في مصر أن يعجّل إليك مالك، أفنأمر حاكمها بأن يبيع عقارك وأملاكك ويسفتج إليك بأثمانها لتشتري بدلها من المدينة؟

قال: بلى.

فأتى محمّد وعليّ (عليهما السلام) حاكم مصر في منامه فأمراه أن يبيع عقاره، والسفتجة بثمنه إليه، فحمل إليه من تلك الأثمان ثلاثمائة ألف دينار، فصار أغنى من بالمدينة.

ثمّ أتاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا عبدالله هذا جزاؤك في الدنيا على إيثار قرابتي على قرابتك، ولأعطينّك في الآخرة بدل كلّ حبّة من هذا المال في الجنّة ألف قصر أصغرها أكبر من الدنيا مغرز إبرة منها خير من الدنيا وما فيها.

اذكروا النعمة(33):

قال الله عزوجلّ: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم)(34) أن بعثت موسى وهارون إلى أسلافكم بالنبوّة، فهديناهم إلى نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووصيّه عليّ، وإمامة عترته الطيبين، وأخذنا عليكم بذلك العهود والمواثيق التي إن وفيتم بها كنتم ملوكاً في جنانه، مستحقّين لكراماته ورضوانه (وأنّي فضّلتكم على العالمين)(35) هناك: أي فعلته باسلافكم [فـ] فضّلتهم ديناً ودنياً.

أمّا تفضيلهم في الدين فلقبولهم نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وولاية عليّ (عليه السلام) وآلهما الطيبين.

وأمّا تفضيلهم في الدنيا فبأن ظلّلت عليهم الغمام، وأنزلت عليهم المنّ والسلوى، وسقيتهم من حجر ماءاً عذباً وفلقت لهم البحر فأنجيتهم وأغرقت أعدائهم فرعون وقومه، وفضلتهم بذلك على عالمي زمانهم الذين خالفوا طرائقهم وحادّوا عن سبيلهم.

ثمّ قال الله عزوجلّ لهم: فإذا كنت قد فعلت هذا بأسلافكم في ذلك الزمان لقبولهم ولاية محمّد وآله، فبالحرى أن أزيدكم فضلاً في هذا الزمان إذا أنتم وفيتم بما آخذ من العهد والميثاق عليكم.

الشكر على الولاية(36):

(يا أيّها الذين آمنوا كلوا من طيّبات ما رزقناكم واشكروالله إن كنتم إيّاه تعبدون، إنّما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إنّ الله غفور رحيم)(37). قال الإمام (عليه السلام):

قال الله عزوجلّ: (يا أيّها الذين آمنوا) بتوحيد الله ونبوّة محمّد)صلى الله عليه وآله وسلم( رسول الله وبإمامة عليّ وليّ الله (كلوا من طيّبات ما رزقناكم واشكروا الله) على ما رزقكم منها بالمقام على ولاية محمّد وعليّ ليقيكم الله تعالى بذلك شرور الشياطين المتمرّدة على ربّها عزوجلّ فإنّكم كلّما جدّدتم على أنفسكم ولاية محمّد وعليّ (عليهما السلام) تجدّد على مردة الشياطين لعائن الله، وأعاذكم الله من نفخاتهم ونفثاتهم.

فلمّا قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قيل: يا رسول الله وما نفخاتهم؟

قال: هي ما ينفخون به عند الغضب في الإنسان الذي يحملونه على هلاكه في دينه ودنياه وقد ينفخون في غير حال الغضب بما يهلكون به، أتدرون ما أشدّ ما ينفخون به؟ هو ما ينفخون بأن يوهموه أنّ أحداً من هذه الامّة فاضل علينا أو عدل لنا أهل البيت، كلاّ – والله – بل جعل الله تعالى محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ آل محمّد فوق جميع هذه الأمّة، كما جعل الله تعالى السماء فوق الأرض وكما زاد نور الشمس والقمر على السهى(38).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وأمّا نفثاته فأن يرى أحدكم أنّ شيئاً بعد القرآن أشفى له من ذكرنا أهل البيت ومن الصلاة علينا، فإنّ الله عزوجلّ جعل ذكرنا أهل البيت شفاءً للصدور، وجعل الصلوات علينا ماحية للأوزار والذنوب ومطهّرة من العيوب ومضاعفة للحسنات.

قال الإمام (عليه السلام): قال الله عزوجلّ: (إن كنتم إيّاه تعبدون) أي: إن كنتم إياّه تعبدون فاشكروا نعمة الله بطاعة من أمركم بطاعته من محمّد وعليّ وخلفائهم الطيبين.

ثمّ قال عزوجلّ: (إنّما حرّم عليكم الميتة) التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن الله فيها (والدم ولحم الخنزير) أن تأكلوه (وما أهلّ به لغير الله) ما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح وهي التي يتقرّب بها الكفّار بأسامي أندادهم التي اتّخذوها من دون الله.

ثمّ قال عزوجلّ: (فمن اضطرّ) إلى شيء من هذه المحرّمات (غير باغ) وهو غير باغ - عند الضرورة - على إمام هدى (ولا عاد) ولا معتد قوّال بالباطل في نبوّة من ليس بنبيّ وإمامة من ليس بإمام (فلا إثم عليه) في تناول هذه الأشياء (إنّ الله غفور رحيم) ستّار لعيوبكم أيّها المؤمنون، رحيم بكم حين أباح لكم في الضرورة ما حرّمه في الرخاء.

قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عباد الله اتّقوا المحرّمات كلّها واعلموا أنّ غيبتكم لأخيكم المؤمن من شيعة آل محمّد أعظم في التحريم من الميتة.

قال الله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)(39).

وإنّ الدم أخفّ عليكم - في التحريم أكله - من أن يشي أحدكم بأخيه المؤمن من شيعة [آل] محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى سلطان جائر فإنّه حينئذ قد أهلك نفسه وأخاه المؤمن والسلطان الذي وشى به إليه.

وإنّ لحم الخنزير أخفّ تحريماً من تعظيمكم من صغّره الله وتسميتكم بأسمائنا أهل البيت، وتلقّبكم بألقابنا من سمّاه الله بأسماء الفاسقين ولقّبه بألقاب الفاجرين.

وإنّ ما أهلّ به لغير الله أخفّ تحريماً عليكم من أن تعقدوا نكاحاً أو صلاة جماعة بأسماء أعدائنا الغاصبين لحقوقنا إذا لم يكن عليكم منهم تقيّة.

قال الله عزوجلّ: (فمن اضطرّ) إلى شيء من هذه المحرّمات (غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)..

وكذلك من اضطر إلى الوقيعة في بعض المؤمنين ليدفع عنه أو عن نفسه بذلك الهلاك من الكافرين الناصبين، ومن وشى به أخوه المؤمن أو وشى بجماعة من المسلمين ليهلكهم فانتصر لنفسه ووشى به وحده بما يعرفه من عيوبه التي لا يكذب فيها، ومن عظّم مهانا في حكم الله أو أوهم الإزراء على عظيم في دين الله للتقيّة عليه وعلى نفسه، ومن سمّاه بالأسماء الشريفة خوفاً على نفسه ومن تقبّل أحكامهم تقيّة فلا إثم عليه في ذلك، لأنّ الله تعالى وسّع لهم في التقيّة.

فضائل أهل البيت (عليهم السلام)(40):

قوله عزوجلّ (إنّ الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلاّ النار ولا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم* أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار * ذلك بأنّ الله نزّل الكتاب بالحقّ وانّ الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد)(41). قال الإمام (عليه السلام):

قال الله عزوجلّ في صفة الكاتمين لفضلنا أهل البيت: (إنّ الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب) المشتمل على ذكر فضل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) على جميع النبيين وفضل عليّ (عليه السلام) على جميع الوصيّين (ويشترون به) بالكتمان (ثمناً قليلاً) يكتمونه ليأخذوا عليه عرضاً من الدنيا يسيراً وينالوا به في الدنيا عند جهّال عباد الله رياسة.

قال الله تعالى: (اولئك ما يأكلون في بطونهم) يوم القيامة (إلاّ النار) بدلاً من إصابتهم اليسير من الدنيا لكتمانهم الحقّ (ولا يكلّمهم الله يوم القيامة) بكلام خير، بل يكلّمهم بأن يلعنهم ويخزيهم ويقول: بئس العباد أنتم غيّرتم ترتيبي وأخّرتم من قدّمته وقدّمتم من أخرته وواليتم من عاديته وعاديتم من واليته.

(ولا يزكّيهم) من ذنوبهم، لأنّ الذنوب إنّما تذوب وتضمحلّ إذا قرن بها موالاة محمّد وعليّ وآلهما الطيبين (عليهم السلام) فامّا يقرن بها الزوال عن موالاة محمّد وآله فتلك ذنوب تتضاعف وأجرام تتزايد وعقوباتها تتعاظم (ولهم عذاب أليم) موجع في النار.

(اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) أخذوا الضلالة عوضاً عن الهدى والردى في دار البوار بدلاً من السعادة في دار القرار ومحلّ الأبرار (والعذاب بالمغفرة) اشتروا العذاب الذي استحقّوه بموالاتهم لأعداء الله بدلاً من المغفرة التي كانت تكون لهم لو والوا أولياء الله (فما اصبرهم على النّار) ما أجرأهم على عمل يوجب عليهم عذاب النّار.

(ذلك) يعني: ذلك العذاب الذي وجب على هؤلاء بآثامهم وأجرامهم لمخالفتهم لإمامهم وزوالهم عن موالاة سيّد خلق الله بعد محمّد نبيّه أخيه وصفيّه (بأنّ الله نزّل الكتاب الحقّ) نزّل الكتاب الذي توعّد فيه من خالف المحقّين وجانب الصادقين وشرع في طاعة الفاسقين، نزل الكتاب بالحقّ أنّ ما يوعدون به يصيبهم ولا يخطئهم (وإنّ الذين اختلفوا في الكتاب) فلم يؤمنوا به، قال بعضهم: إنّه سحر وبعضهم: إنّه شعر، وبعضهم: إنّه كهانة (لفي شقاق بعيد) مخالفة بعيدة عن الحقّ كأنّ الحقّ في شقّ وهم في شقّ غيره يخالفه.

قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): هذا أحوال من كتم فضائلنا وجحد حقوقنا وسمّى [تسمّى خ ل] بأسمائنا ولقّب [تلقّب خ ل] بألقابنا وأعان ظالمنا على غصب حقوقنا ومالأ علينا أعداءنا، والتقيّة عليكم لا تزعجه والمخافة على نفسه وماله وحاله لا تبعثه، فاتّقوا الله معاشر شيعتنا لا تستعملوا الهوينا ولا تقيّة عليكم، ولا تستعملوا المهاجرة والتقيّة تمنعكم وسأحدّثكم في ذلك بما يردعكم ويعظكم.

دخل على أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلان من أصحابه فوطىء أحدهما على حيّة فلدغته ووقع على الآخر في طريقه من حائط عقرب فلسعته وسقطا جميعاً فكأنّهما لما بهما يتضرّعان ويبكيان، فقيل لأميرالمؤمنين (عليه السلام)، فقال: دعوهما فإنّه لم يحن حينهما، ولم تتمّ محنتهما، فحملا إلى منزليهما فبقيا عليلين أليمين في عذاب شديد شهرين.

ثمّ إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بعث إليهما فحملا إليه والناس يقولون: سيموتان على أيدي الحاملين لهما، فقال لهما: كيف حالكما؟

قالا: نحن بألم عظيم وفي عذاب شديد.

قال لهما: استغفر الله من [كلّ] ذنب أدّاكما إلى هذا وتعوّذا بالله ممّا يحبط أجركما ويعظّم وزركما.

قالا: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟

فقال عليّ (عليه السلام): ما اصيب واحد منكما إلاّ بذنبه، أمّا أنت يا فلان – وأقبل على أحدهما – فتذكر يوم غمز على سلمان الفارسيّ ـ رحمه الله - فلان وطعن عليه لموالاته لنا فلم يمنعك من الردّ والإستخفاف به خوف على نفسك ولا على أهلك ولا على ولدك ومالك أكثر من أنّك استحييته، فلذلك أصابك.

فإن أردت أن يزيل الله ما بك فاعتقد أن لا ترى مزرئاً(42) على وليّ لنا تقدر على نصرته بظهر الغيب إلاّ نصرته، إلاّ أن تخاف على نفسك أو أهلك أو ولدك أو مالك.

وقال للآخر: فأنت أفتدري لما أصابك ما أصابك؟

قال: لا.

قال: أما تذكر حيث أقبل قنبر خادمي وأنت بحضرة فلان العاتي فقمت إجلالاً له لإجلالك لي؟

فقال لك: أو تقوم لهذا بحضرتي؟

فقلت له: وما بالي لا أقوم وملائكة الله تضع له أجنحتها في طريقه، فعليها يمشي، فلمّا قلت هذا له، قام إلى قنبر وضربه وشتمه وآذاه وتهدّده وتهدّدني وألزمني الأغضاء على قذى، فلهذا سقطت عليك هذه الحيّة.

فإن أردت أن يعافيك الله تعالى من هذا فاعتقد أن لا تفعل بنا ولا بأحد من موالينا بحضرة أعدائنا ما يخاف علينا وعليهم منه.

أما إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مع تفضيله لي لم يكن يقوم لي عن مجلسه إذا حضرته كما كان يفعله ببعض من لا يعشر معشار جزء من مائة ألف جزء من إيجابه لي لأنّه علم أنّ ذلك يحمل بعض أعداء الله على ما يغمّه ويغمّني ويغمّ المؤمنين، وقد كان يقوم لقوم لا يخاف على نفسه ولا عليهم مثل ما خافه عليّ لو فعل ذلك بي.

جبرئيل يستأذن(43):

أمّا تأييد الله عزوجلّ لعيسى (عليه السلام) بروح القدس، فإنّ جبرئيل هو الذي لمّا حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو قد اشتمل بعباءته القطوانيّة على نفسه وعلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم محبّ لمن أحبّهم ومبغض لمن أبغضهم، فكن لمن حاربهم حرباً ولمن سالمهم سلماً ولمن أحبّهم محبّاً ولمن أبغضهم مبغضاً.

فقال الله عزوجلّ قد أجبتك إلى ذلك يا محمّد.

فرفعت أمّ سملة جانب العباءة لتدخل، فجذبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: لست هناك وإن كنت في خير وإلى خير.

وجاء جبرئيل متدبّراً وقال: يا رسول الله اجعلني منكم!

قال: أنت منّا.

قال: أفأرفع العباءة وأدخل معكم؟

قال: بلى.

فدخل في العباءة، وأدخل معكم؟

قال: بلى.

فدخل في العباءة، ثمّ خرج وصعد إلى السماء إلى الملكوت الأعلى وقد تضاعف حسنه وبهاؤه.

فقالت الملائكة: قد رجعت بجمال خلاف ما ذهبت به من عندنا.

قال: وكيف لا أكون كذلك وقد شرّفت بأن جعلت من آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته؟

قالت الملائكة: في ملكوت السماوات والحجب والكرسيّ والعرش: حقّ لك هذا الشرف أن تكون كما قلت، وكان عليّ (عليه السلام) معه جبرئيل عن يمينه في الحروب وميكائيل عن يساره واسرافيل خلفه وملك الموت أمامه.

معيار الولاية(44):

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبدالله أحبب في الله وأبغض في الله ووال في الله وعاد في الله فإنّه لا تنال ولاية الله إلاّ بذلك، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتّى يكون كذلك، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادّون وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً.

فقال له: وكيف لي أن أعلم أنّي قد واليت وعاديت في الله عزوجلّ ومن وليّ الله عزوجلّ حتّى أواليه؟ ومن عدوّه حتّى أعاديه؟

فأشار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عليّ (عليه السلام) فقال: أترى هذا؟

فقال: بلى.

قال: وليّ هذا وليّ الله فواله. وعدوّ هذا عدوّ الله فعاده ووال وليّ هذا ولو أنّه قاتل أبيك وولدك، وعاد عدوّ هذا ولو أنّه ابوك وولدك.

المرء مع من أحب(45):

قام ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: بأبي أنت وامّي يا رسول الله متى قيام الساعة؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ماذا أعددت لها إذ تسأل عنها؟

فقال ثوبان: يا رسول الله ما أعددت لها كثير عمل إلاّ أنّي أحبّ الله ورسوله.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وإلى ماذا بلغ حبّك لرسول الله؟

قال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً إنّ في قلبي من محبّتك ما لو قطّعت بالسيوف ونشرت بالمناشير وقرّضت بالمقاريض وأحرقت بالنيران وطحنت بأرحاء الحجارة كان أحبّ إليّ وأسهل عليّ من أن أجد لك في قلبي غشّاً أو دغلاً أو بغضاً أو لأحد من أهل بيتك وأصحابك.

وأحبّ الخلق إليّ بعدك أحبّهم لك، وأبغضهم إليّ من لا يحبّك ويبغضك ويبغض أحداً ممّن تحبّه، يا رسول الله هذا ما عندي من حبّك وحبّ من يحبّك وبغض من يبغضك أو يبغض أحداً ممّن تحبّه فإن قبل هذا منّي فقد سعدت، وإن أريد منّي عمل غيره فما أعلم لي علماً أعتمده وأعتدّ به غير هذا، وأحبّكم جميعاً أنت وأصحابك وإن كنت لا أطيقهم في أعمالهم.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أبشر فإنّ المرء يحشر يوم القيامة مع من أحبّ، ياثوبان لو أنّ عليك من الذنوب ملأ ما بين الثرى إلى العرش لا نحسرت وزالت عنك بهذه الموالاة أسرع من انحدار الظلّ عن الصخرة الملساء المستوية إذا طلعت عليها الشمس ومن انحسار الشمس إذا غابت عنها الشمس.

الجنان تستبشر(46):

قال عليّ بن الحسين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

من أدمن محبتنا أهل البيت فتح الله عزّوجلّ له من الجنة ثمانية أبوابها، وأباحه جميعها يدخل ممّا شاء منها، وكل أبواب الجنان تناديه: يا وليّ الله ألم تدخلني؟ ألم تخصّني من بينها؟

اجمعوا مسائكم(47):

عن جعفر بن الشريف الجرجاني قال: حججت سنة فدخلت على أبي محمّد (عليه السلام) بسرّ من رأى وقد كان أصحابنا حمّلوا معي شيئاً من المال، فأردت أن أسأله إلى من أدفعه فقال - قبل أن أقول له ذلك -:

ادفع ما معك إلى المبارك خادمي.

قال: ففعلت وخرجت وقلت: انّ شيعتك بجرجان يقرؤن عليك السلام.

قال: أولست منصرفاً بعد فراغك من الحجّ؟

قلت: بلى.

قال: فانّك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة وسبعين يوماً وتدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال يمضين من شهر ربيع الآخر في أوّل النهار فأعلمهم أنّي أوافيهم في ذلك اليوم آخر النهار فامض راشداً فإنّ الله سيسلّمك يسلّم ما معك، فتقدّم على أهلك وولدك، ويولد لولدك الشريف ابن فسمّه الصلت بن الشريف بن جعفر بن الشريف وسيبلغ الله به ويكون من أوليائنا.

فقلت: يابن رسول الله انّ إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني وهو من شيعتك كثير المعروف إلى أوليائك يخرج اليهم في السنة من ماله أكثر من مائة ألف درهم، وهو أحد المتقلّبين في نعم الله بجرجان.

فقال: شكّر الله لأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل صنيعه إلى شيعتنا، وغفر له ذنوبه، ورزقه ذكراً سوّياً قائلاً بالحقّ فقل له:

يقول لك الحسن بن عليّ: سمّ ابنك أحمد.

فانصرفت من عنده وحججت وسلّمني الله حتّى وافيت جرجان في يوم الجمعة في أول النهار من شهر ربيع الآخر على ما ذكره (عليه السلام) وجاءني أصحابنا يهنّؤني فأعلمتهم أنّ الإمام (عليه السلام) وعدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم فتأهبّوا لما تحتاجون إليه، وأعدّوا مسائلكم وحوائجكم كلّها.

فلمّا صلّوا الظهر والعصر اجتمعوا كلّهم في داري، فوالله ما شعرنا إلاّ وقد وافانا أبو محمّد (عليه السلام) فدخل الينا ونحن مجتمعون فسلّم هو أولاً علينا، فاستقبلناه وقبلّنا يده.

ثمّ قال: أنّي كنت وعدت جعفر بن الشريف أن أوافيكم في آخر هذا اليوم، فصلّيت الظهر والعصر بسرّ من رأى، وصرت إليكم لأجدد بكم عهداً وها أنا قد جئتكم الآن فاجمعوا مسائلكم وحوائجكم كلّها.

فأول من انتدب لمسائلته النضر بن جابر قال: يابن رسول الله انّ ابني جابراً أصيب ببصره منذا أشهر فادع الله له أن يردّ عليه عينيه.

قال: فهاته، فمسح بيده على عينيه فعاد بصيراً ثمّ تقدّم رجل فرجل يسألونه حوائجهم وأجابهم إلى كلّ ما سألوه حتّى قضى حوائج الجميع، ودعا لهم بخير، فانصرف من يومه ذلك.

أهل البيت (عليهم السلام) الملجأ والمفزع(48):

روي عن عليّ بن الحسن بن سابور قال: قحط الناس بسرّ من رأى في زمن الحسن الأخير(عليه السلام) فأمر المعتمد بن المتوكّل، الحاجب وأهل المملكة أن يخرجوا إلى الإستسقاء. فخرجوا ثلاثة أيّام متوالية إلى المصلّى يستسقون ويدعون فما سقوا. فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء، ومعه النصارى والرهبان وكان فيهم راهب فلمّا مدّيده هطلت السمّاء بالمطر وخرج في اليوم الثاني، فهطلت السماء بالمطر، فشكّ أكثر الناس، وتعجبّوا وصبوا إلى النصرانيّة، فأنفذ الخليفة إلى الحسن (عليه السلام) - وكان محبوساً- فاستخرجه من حبسه. وقال: الحق امّة جدّك فقد هلكت. فقال له:

انّي خارج في الغد ومزيل الشكّ ان شاء الله تعالى فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرّهبان معه وخرج الحسن (عليه السلام) في نفر من أصحابه، فلمّا بصر بالرّاهب - وقد مدّيده - أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ مابين إصبعيه ففعل وأخذ من بين سبابته والوسطى عظماً أسود، فأخذه الحسن (عليه السلام) بيده ثمّ قال له: استسق الآن، فاستسقى وكانت السّماء متغيمة فتقشعت وطلعت الشمس بيضاء.

فقال الخليفة: ما هذا العظم يا أبا محمّد؟

فقال (عليه السلام): هذا رجل مرّ بقبر نبيّ من انبياء الله فوقع في يده هذا العظم، وما كشف عن عظم نبيّ إلاّ وهطلت السمّاء بالمطر.

التوسل بأهل البيت (عليهم السلام)(49):

روي أن رجلاً من موالي أبي محمّد العسكري (عليه السلام) دخل عليه يوماً وكان حكّاك الفصوص، فقال: يابن رسول الله انّ الخليفة دفع إليّ فيروزجا كأكبر ما يكون وأحسن ما يكون، وقال: انقش عليه كذا وكذا، فلمّا وضعت عليه الحديد صار نصفين وفيه هلاكى، فادع الله لي. فقال:

لا خوف عليك ان شاء الله.

قال: فخرجت إلى بيتي، فلمّا كان من الغد دعاني الخليفة وقال لي:

انّ حظيتين اختصمتا في ذلك الفصّ، ولم ترضيا إلاّ أن تجعل ذلك نصفين بينهما فاجعله، فانصرفت وأخذت ذلك وقد صار قطعتين فأخذتهما ورجعت بهما إلى دار الخلافة فرضيتا بذلك، وأحسن الخليفة إليّ بسبب ذلك فحمدت الله تعالى.

المشورة مع أهل البيت (عليهم السلام)(50):

عن أبي عليّ المطهّري قال: أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن (عليه السلام) من القادسيّة (وهي بلدة قرب الكوفة) يعلمه انصراف الناس عن المضيّ إلى الحجّ وأنّه يخاف العطش ان مضى فكتب (عليه السلام) إليه:

امضوا فلا خوف عليكم ان شاء الله فمضى من بقى سالمين ولم يجدوا عطشاً.

المسألة من أهل البيت (عليهم السلام)(51):

سفيان بن محمد الصيفي قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله عن الوليجة وهو قول الله عز ّوجلّ: (ولم يتّخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة)(52) قلت في نفسي: لا في الكتاب من ترى المؤمن هاهنا؟ فرجع الجواب:

الوليجة التي تقام دون ولي الأمر، وحدثتك نفسك عن المؤمنين، من هم في هذا الموضع؟ فهم الأئمة الّذين يؤمنون على الله فيجيز أمانهم.

الإستشفاع بأهل البيت (عليهم السلام)(53):

عمر بن مسلم قال: قدم علينا بسرّ من رأى رجل من أهل مصر يقال له: سيف بن اللّيث يتظلّم إلى المهتديّ في ضيعة له غصبها شفيع الخادم وأخرجه منها فأشرنا إليه أن يكتب إلى أبي محمّد (عليه السلام) يسأله تسهيل أمرها فكتب إليه أبو محمّد (عليه السلام):

لا بأس عليك ضيعتك تردّ عليك فلا تتقدّم إلى السلطان وأت الوكيل الّذي في يده الضيّعة وخوّفه بالسلطان الأعظم الله ربّ العالمين.

فلقيه فقال له الوكيل الّذي في يده الضيعة: قد كتب إليّ عند خروجك أن أطلبك وأن أردّ الضيعة عليك فردّها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب وشهادة الشهود، ولم يحتج أن يتقدّم إلى المهتدي فصارت الضيعة له.

المؤمن دون غيره(54):

عن أبي سهل البلخي قال: كتب رجل إلى أبي محمّد (عليه السلام)، يسأله الدّعاء لوالديه وكانت الامّ غالية، والأب مؤمناً، فوقّع: رحم الله والدك.

وكتب آخر يسأل الدعاء لوالديه وكانت الأمّ مؤمنة، والأب ثنوّياً فوقع: رحم الله والدتك، والتاء منقوطة بنقطتين من فوق.

من أحبنا كان معنا(55):

عن محمد بن الحسن بن ميمون قال: كتبت إليه أشكو الفقر ثمّ قلت في نفسي: أليس قد قال أبو عبدالله: الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا، والقتل معنا خير من الحياة مع عدونا. فرجع الجواب:

انّ الله عزّوجلّ محص أولياءنا إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر، وقد يعفو عن كثير منهم، كما حدّثتك نفسك: الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا، والقتل معنا خير من الحياة مع عدوّنا ونحن كهف لمن التجأ إلينا.

ونور لمن استبصر بنا وعصمة لمن اعتصم بنا، من أحبّنا كان معنا في السنام الأعلى، ومن انحرف عنّا فالى النار.

ختم الحصاة(56):

عن أبي هاشم قال: كنت عند أبي محمّد (عليه السلام) فاستؤذن لرجل من أهل اليمن فأذن له فإذا هو رجل جميل طويل جسيم، فسلّم عليه بالولاية فرد عليه بالقبول وأمره بالجلوس، فجلس إلى جنبي. فقلت في نفسي: ليت شعري من هذا؟ فقال أبو محمّد (عليه السلام):

هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة الّتي طبع آبائي عليها، ثمّ قال:

هاتها فأخرج حصاة، وفي جانب منها موضع أملس، فأخذها وأخرج خاتمه فطبع فيها فانطبع.

وكأنّي أقرء الخاتم السّاعة (الحسن بن عليّ).

أثر إبراهيم وموسى(57):

روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن عليّ بن عاصم الكوفيّ الأعمي قال: دخلت على سيّدي الحسن العسكري فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام وقال:

مرحباً بك يابن عاصم اجلس هنيئاً لك يابن عاصم أتدري ما تحت قدميك؟

فقلت: يا مولاي انّي أرى تحت قدمي هذا البساط كرّم الله وجه صاحبه.

فقال لي: يابن عاصم اعلم أنّك على بساط جلس عليه كثير من النبيّين والمرسلين.

فقلت: يا سيّدي ليتني كنت لا أفارقك ما دمت في دار الدّنيا ثمّ قلت في نفسي: ليتني كنت أرى هذا البساط، فعلم الامام (عليه السلام) ما في ضميري.

فقال: ادن منّي فدنوت منه فمسح يده على وجهي فصرت بصيراً بإذن الله.

ثمّ قال: هذا قدم أبينا آدم، وهذا أثر هابيل، وهذا أثر شيث، وهذا أثر إدريس، وهذا أثر هود، وهذا أثر صالح، وهذا أثر لقمان، وهذا أثر إبراهيم، وهذا أثر لوط، وهذا أثر شعيب، وهذا أثر موسى، وهذا أثر داوود وهذا أثر سليمان وهذا أثر الخفر وهذا أثر دانيال وهذا أثر ذي القرنين، وهذا أثر عدنان، وهذا أثر عبد المطّلب، وهذا أثر عبدالله، وهذا أثر عبد مناف، وهذا أثر جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا أثر جدّي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

قال عليّ بن عاصم: فأهويت على الأقدام كلّها فقبّلتها، وقبّلت يد الإمام)عليه السلام( وقلت له:

انّي عاجز عن نصرتكم بيدي، وليس أملك غير موالاتكم، والبراءة من أعدائكم، واللّعن لهم في خلواتي، فيكف حالي يا سيّدي؟

فقال (عليه السلام): حدثني أبي عن جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

من ضعف على نصرتنا أهل البيت ولعن في خلواته أعدائنا بلّغ الله صوته إلى جميع الملائكة، فكلّما لعن أحدكم أعدائنا صاعدته الملائكة ولعنوا من لا يلعنهم، فإذا بلغ صوته إلى الملائكة استغفروا له وأثنوا عليه، وقالوا:

اللّهم صلّ على روح عبدك هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده ولو قدر على أكثر من ذلك لفعل، فإذا النداء من قبل الله تعالى يقول: يا ملائكتي انّي قد أحببت دعاءكم في عبدي هذا، وسمعت نداءكم وصلّيت على روحه مع أرواح الأبرار، وجعلته من المصطفين الأخبار.

إلى أهل قم(58):

كتب أبو محمّد (عليه السلام) إلى أهل قم وآبة:

انّ الله تعالى بجوده ورأفته قد منّ على عباده بنبّيه محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بشيراً ونذيراً، ووفقّكم لقبول دينه وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين رحمة الله عليهم وأصلابكم الباقين تولّي كفايتهم وعمّرهم طويلاً في طاعته، حبّ العترة الهادية، فمضى من مضى على وتيرة الصّواب، ومنهاج الصّدق، وسبيل الرشاد.

فوردوا موارد الفائزين، واجتنبوا ثمرات ماقدّموا، ووجدوا غبّ(59) ما أسلفوا.

ومنها: فلم تزل نيتّنا مستحكمة، ونفوسنا إلى طيب آرائكم ساكنة والقرابة الواشجة بيننا وبينكم قويّة.

وصيّة أوصى بها أسلافنا وأسلافكم، وعهد عهد إلى شبّاننا ومشايخكم، فلم يزل على جملة كاملة من الإعتقاد، لما جعلنا الله عليه من الحال القريبة، والرّحم الماسّة.

يقول العالم سلام الله عليه: إذ يقول: المؤمن أخو المؤمن لأمّه وأبيه.

إلى ابن بابويه(60):

ممّا كتب أبو محمّد (عليه السلام) إلى أبي الحسن عليّ بن الحسين بن بابويه القّمي اعتصمت بحبل الله:

بسم الله الرّحمن الرّحيم والحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، والجنّة للموحّدين والنار للملحدين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين، ولا إله إلاّ الله أحسن الخالقين، والصّلاة على خير خلقه محمّد وعترته الطاهرين.

منها: عليك بالصبر وانتظار الفرج، فإنّ النّبي صلى الله عليه وآله قال:

أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج، ولا تزال شيعتنا في حزن حتّى يظهر ولدي الّذي بشّر به النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن علي وأمر جميع شيعتي بالصبر فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، والسّلام عليك وعلى جميع شيعتنا، ورحمة الله وبركاته صلى الله على محمّد وآله.

إلى اسحاق بن إسماعيل(61):

حكى بعض الثقات بنيسابور أنّه خرج لاسحاق بن إسماعيل من أبي محمّد (عليه السلام) توقيع:

يا اسحاق بن اسماعيل سترنا الله وإيّاك بستره، وتولاّك في جميع أمورك بصنعه قد فهمت كتابك يرحمك الله، ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرقّ على موالينا، ونسّر بتتابع احسان الله إليهم وفضله لديهم ونعتدّ بكل نعمة ينعمها الله عزّ وجلّ عليهم.

فأتّم الله عليكم بالحقّ ومن كان مثلك ممّن قد رحمه الله وبصره بصيرتك، ونزع عن الباطل، ولم يعم في طغيانه نعمه، فإنّ تمام النعمة.

دخولك الجنّة، وليس من نعمة وان جلّ أمرها وعظم خطرها إلاّ والحمد لله تقدّست أسماؤه عليها مؤدي شكرها.

وأنا أقول: الحمد لله مثل ما حمد الله به حامد إلى أبد الأبد بما منّ عليك من نعمة ونجّاك من الهلكة وسهّل سبيلك على العقبة وأيم الله انّها لعقبة كؤد شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، طويل عذابها، قديم في الزّبر الاولى ذكرها.

ولقد كانت منكم أمور في أيّام الماضي إلى أن مضى لسبيله صلى الله على روحه وفي أيّامي هذه كنتم بها غير محمودي الشأن ولا مسدّدي التوفيق.

واعلم يقيناً يا إسحاق أنّ من خرج من هذه الحياة أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً.

إنّها يا ابن إسماعيل ليس تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب الّتي من الصدور وذلك قول الله عزوجل في محكم كتابه عن الظالم: (رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا).

قال الله عزّوجلّ: (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)(62) وأيّ آية يا إسحاق أعظم من حجّة الله عزّوجلّ على خلقه وأمينه في بلاده، وشاهده على عباده، من بعد ما سلف من آبائه الأولين من النبيّين وآبائه الآخرين من الوصيّين، عليهم أجمعين رحمة الله وبركاته.

فأين يتاه بكم؟ وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم؟

عن الحقّ تصدفون وبالباطل تؤمنون؟ وبنعمة الله تكفرون أو تكذبون؟ فمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلاّ خزي في الحياة الدنيا الفانية، وطول عذاب الآخرة الباقية، وذلك والله الخزي العظيم.

انّ الله بفضله ومنّه لمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه اليكم، بل رحمة منه لا اله إلاّ هوعليكم، ليميز الخبيث من الطيّب وليبتلي ما في صدوركم، وليمحص ما في قلوبكم ولتتسابقوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته.

ففرض عليكم الحجّ والعمرة وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم والولاية، وكفا بهم لكم باباً ليفتحوا أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله، ولولا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) والأوصياء من بعده لكنتم حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضاً من الفرائض وهل يدخل قرية إلاّ من بابها؟

فلمّا منّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الله عزّوجلّ لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)

(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)(63) وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها إليهم.

ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم، ومأكلكم ومشربكم ويعرفّكم بذلك النماء والبركة والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب قال الله عزّوجلّ (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى)(64) واعلموا أنّ من يبخل فانّما يبخل على نفسه، وأنّ الله هو الغنى وأنتم الفقراء إليه، لا اله إلاّ هو.

ولقد طالت المخاطبة فيما بيننا وبينكم فيما هو لكم وعليكم، ولولا ما يجب من تمام النعمة من الله عزّوجلّ عليكم، لما أريتكم لي خطاً ولا سمعتم منّي حرفاً من بعد الماضي.

أنتم في غفلة عمّا إليه معادكم، ومن بعد الثاني رسولي وما ناله منكم حين أكرمه الله بمصيره اليكم، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبده وفقه الله لمرضاته وأعانه على طاعته.

وكتابي الّذي حمله محمّد بن موسى النيسابوري والله المستعان على كلّ حال، وانّي أراكم تفرطون في جنب الله فتكونون من الخاسرين.

فبعداً وسحقاً لمن رغب عن طاعة الله، ولم يقبل مواعظ أوليائه وقد أمركم الله جلّ وعلا بطاعته لا إله إلاّ هو، وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبطاعة أولي الأمر (عليهم السلام) فرحم الله ضعفكم وقلّة صبركم عمّا أمامكم فما أغرّ الإنسان برّبه الكريم.

واستجاب الله دعائي فيكم، وأصلح أموركم على يدي، فقد قال الله جلّ جلاله (يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم)(65) وقال جلّ جلاله:

(وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)(66) وقال الله جلّ جلاله (كنتم خير أمّة أُخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر)(67) فما أحب أن يدعوا الله جلّ جلاله بي ولا بمن هو في أيّامي إلاّ حسب رقّتي عليكم، وما انطوى لكم عليه من حبّ بلوغ الأمل في الدّارين جميعاً والكينونة معنا في الدّنيا والآخرة.

فقد – يا إسحاق! يرحمك الله ويرحم من هو وراءك – بيّنت لك بياناً وفسّرت لك تفسيراً، وفعلت بكم فعل من لم يفهم هذا الأمر قطّ ولم يدخل فيه طرفة عين، ولو فهمت الصمّ الصلاب ما في هذا الكتاب لتصدّعت قلقاً خوفاً من خشية الله ورجوعاً إلى طاعة الله عزّوجلّ.

فاعملوا من بعد ما شئتم فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثمّ تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئّكم بما كنتم تعملون والعاقبة للمتّقين والحمد الله كثيراً ربّ العالمين.

وأنت رسولي يا اسحاق إلى إبراهيم بن عبده وفّقه الله أن يعمل بما ورد عليه في كتابي مع محمّد بن موسى النيسابوري إن شاء الله.

ويقرء إبراهيم بن عبده كتابي هذا ومن خلّفه ببلده حتّى لا يتسائلون وبطاعة الله يعتصمون، والشيطان بالله عن أنفسهم يجتنبون ولا يطيعون وعلى إبراهيم بن عبده سلام الله ورحمته وعليك يا اسحاق، وعلى جميع موالي السلام كثيراً سدّدكم الله جميعاً بتوفيقه.

وكلّ من قرء كتابنا هذا من مواليّ من أهل بلدك، ومن هو بناحيتكم ونزع عمّا هو عليه من الإنحراف عن الحقّ فليؤدّ حقوقنا إلى إبراهيم بن عبده، وليحمل ذلك إبراهيم بن عبده إلى الرّازي رضي الله عنه أو إلى من يسمّى له الرازي فإنّ ذلك عن أمري ورأيي ان شاء الله.

ويا إسحاق اقرء كتابي على البلالي (رضي الله عنه) فإنّه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه، وأقرءه على المحموديّ عافاه الله، فما أحمدنا له لطاعته، فإذا وردت بغداد فاقرءه على الدّهقان وكيلنا وثقتنا، والّذي يقبض من موالينا، وكلّ من أمكنك من موالينا فأقرئهم هذا الكتاب.

وينسخه من أراد منهم نسخة إن شاء الله تعالى، ولا يكتم أمر هذا عمّن يشاهده من موالينا، وقد وقّعنا في كتابك بالوصول والدّعاء لك ولمن شئت، وقد أجبنا سعيداً عن مسألته والحمد الله فما بعد الحقّ إلاّ الضلال، فلا تخرجنّ من البلدة حتّى تلقي العمريّ رضي الله عنه برضاي عنه، وتسلّم عليه، وتعرفه ويعرفك، فإنّه الطاهر الأمين العفيف القريب منّا والينا.

فكلّ ما يحمل إلينا من شيء من النّواحي فإليه بصير آخر أمره ليوصل ذلك إلينا، والحمد لله كثيراً.

سترنا الله وايّاكم يا اسحاق بستره وتولاّك في جميع أمورك بصنعه والسلام عليك وعلى جميع مواليّ ورحمة الله وبركاته، وصلّى الله على سيّدنا محمّد النّبي وآله وسلّم تسليماً كثيراً.

على أعتاب الولادة(68):

حدّثتني حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قالت: بعث إليّ أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فقال:

يا عمه اجعلي إفطارك هذه اللّيلة عندنا فانّها ليلة النّصف من شعبان فإنّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه اللّيلة الحجّة وهو حجّته في أرضه.

قالت: فقلت له: ومن امّه؟

قال لي: نرجس.

قلت له: جعلني الله فداك ما بها أثر؟

فقال: هو ما أقول لك.

قالت: فجئت فلمّا سلّمت وجلست جاءت تنزع خفيّ وقالت لي: يا سيّدتي وسيّدة أهلي كيف أمسيت؟

فقلت: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي.

قالت: فأنكرت قولي وقالت: ماهذا يا عمّة؟

قالت: فقلت لها: يا بنيّة انّ الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة.

قالت: فخجلت واستحيت فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت فلمّا أن كان في جوف اللّيل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ثمّ جلست معقّبة ثمّ اضطجعت ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة ثمّ قامت فصلّت ونامت.

قالت حكيمة: وخرجت أتفقّد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان وهي نائمة فدخلني الشكوك فصاح بي أبو محمد (عليه السلام) من المجلس.

فقال: لا تعجلي يا عمّة فإنّ الأمر قد قرب.

قالت: فجلست وقرأت الم السجدة ويس فبينما أنا كذلك إذا انتبهت فزعة فوثبت إليها.

فقلت: اسم الله عليك ثمّ قلت لها: اتحسّين شيئاً؟

قالت: نعم يا عمّة.

فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك.

قالت: فأخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحسّ سيّدي)عليه السلام( فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به (عليه السلام) ساجداً يتلقّى الأرض بمساجده فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف متنظف فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) هلمّي إليّ ابني يا عمّة فجئت به إليه.. فأدلى لسانه في فيه وأمرّ يده علىعينيه وسمعه ومفاصله ثمّ قال: تكلّم يا بنّي:

فقال: أشهد أن لا اله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد انّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ صلّى على أمير المؤمنين (عليه السلام) وعلى الأئمة إلى أن وقف على أبيه ثمّ أحجم.

ثمّ قال أبو محمّد (عليه السلام): يا عمّة اذهبي به إلى أمّه ليسلّم عليها وائتني به، فذهبت به فسلّم عليها ورددته فوضعته في المجلس:

ثمّ قال: يا عمّة إذا كان يوم السابع فأتينا.

قالت حكمية: فلمّا أصبحت جئت لأسلّم على أبي محمّد (عليه السلام) فكشفت الستر لأتفقّد سيّدي (عليه السلام) فلم أره.

فقلت: جعلت فداك ما فعل سيّدي؟

فقال: يا عمّة استودعناه الّذي استودعته أم موسى، موسى (عليه السلام).

قالت حكمية: فلمّا كان في اليوم السابع جئت فسلّمت وجلست.

فقال: هلمي إليّ ابني، فجئت بسيّدي (عليه السلام) فأدلى لسانه في فيه كأنّه يغذيه إلناً أو عسلاً. ثمّ قال: تكلّم يا بنيّ.

فقال: أشهد أن لا اله إلاّ الله وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حتّى وقف على أبيه (عليه السلام) ثمّ تلا هذه الآية (بسم الله الرحمن الرحيم ونريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين ونمكّن لهم في الأرض نري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون)(69).

قال موسى: فسألت عقبة الخادم عن هذا.

فقال: صدقت حكيمة.

أخبار خاصة(70):

قال حدثنا أحمد بن الحسن بن اسحاق القمّي، قال: لما ولد الخلف الصالح (عليه السلام) ورد من مولانا أبي محمّد الحسن بن عليّ، (عليه السلام) إلى جدّي أحمد بن اسحاق كتاب فإذا فيه مكتوب بخطّ يده (عليه السلام) الّذي كان ترد به التوقيعات عليه وفيه:

ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً فانّا لم نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والولي لولايته أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام.

ستحملين ولداً(71):

أخبرني بعض أصحابنا أنّه لمّا حملت جارية أبي محمّد (عليه السلام) قال:

ستحملين ذكراً واسمه محمّد وهو القائم من بعدي.

الولادة المباركة(72):

عن احمد بن محمد بن عياش قال: خرج الى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمد (عليه السلام) فيما حدثني به عليّ بن جبير بن مالك:

أن مولانا الحسين (عليه السلام) ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصمه.

آل محمد مفاتيح الخير(73):

قوله عزّ وجلّ: (ولما جائهم كتاب من عند الله مصدّق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلمّا جائهم ماعرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين)(74). قال الإمام (عليه السلام):

ذم الله تعالى اليهود فقال: (ولما جائهم) يعني: هؤلاء اليهود – الذين تقدم ذكرهم – وإخوانهم من اليهود جاءهم (كتاب من عند الله) القرآن (مصدّق) ذلك الكتاب (لما معهم) من التوراة التي بيّن فيها أنّ محمداً الأميّ من ولد اسماعيل المؤيد بخير خلق الله بعده علي ولي الله، (وكانوا) يعني: هؤلاء اليهود (من قبل) ظهور محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة (يستفتحون) يسألون الله الفتح والظفر (على الذين كفروا) من أعدائهم والمناوئين لهم، فكان الله يفتح لهم وينصرهم قال الله عزّوجلّ: (فلما جائهم) جاء هؤلاء اليهود (ما عرفوا) من نعت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفته (كفروا به) وجحدوا نبوّته حسداً وبغياً عليه قال الله عزّوجلّ: (فلعنة الله على الكافرين).

النعمة المحسودة(75):

قوله تعالى: (ودّكثير من أهل الكتاب لو يردّوكم من بعد ايمانكم كفّاراً)(76). بما يوردونه عليكم من الشبه (حسداً من عند أنفسهم) لكم بأن أكرمكم بمحمد وعلي وآلهما الطيبين الطاهرين (من بعد ما تبيّن لهم الحق) بالمعجزات الدالات على صدق محمد وفضل علي وآلهما الطيبين من بعده (فاعفوا واصفحوا) عن جهلهم، وقابلوهم بحجج الله وادفعوا بها أباطيلهم (حتّى يأتي الله بأمره) فيهم.

من بركات محمد وآله(عليهم السلام)(77):

قال الله عزّوجلّ: (وإذ نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبنائكم ويستحيون نسائكم وفي ذلكم بلاء من ربّكم عظيم)(78) قال الإمام (عليه السلام):

قال الله تعالى: واذكروا يا بني اسرائيل (إذ نجيناكم) أنجينا أسلافكم (من آل فرعون) وهم الذين كانوا يدنون إليه بقرابته وبدينه ومذهبه (يسومونكم) كانوا يعذبونكم (سوء العذاب) شدة العذاب كانوا يحملونه عليكم.

قال: وكان من عذابهم الشديد انه كان فرعون يكلّفهم عمل البناء والطين ويخاف أن يهربوا عن العمل، فأمر بتقييدهم، فكانوا ينقلون ذلك الطين على السلاليم الى السطوح، فربما سقط الواحد منهم فمات أو زمن(79) ولا يحفلون بهم إلى أن أوحى الله عزّوجلّ الى موسى (عليه السلام): قل لهم لا يبتدؤن عملاً إلاّ بالصلاة على محمد وآله الطيبين ليخفّ عليهم، فكانوا يفعلون ذلك، فيخفّ عليهم، وأمركل من سقط وزمن ممن نسى الصلاة على محمد وآله الطيبين ان يقولها على نفسه ان امكنه - أي: الصلاة على محمد وآله - أو يقال عليه ان لم يمكنه، فإنه يقوم ولا يضره ذلك ففعلوها فسلموا.

(يذبّحون ابنائكم) وذلك لما قيل لفرعون: انه يولد في بني اسرائيل مولود يكون على يده هلاكك، وزوال ملكك، فأمر بذبح ابنائهم فكانت الواحدة منهن تصانع القوابل عن نفسها - لئلاينم عليها - ويتم حملها، ثم تلقى ولدها في صحراء أو غار جبل أو مكان غامض وتقول عليه عشر مرات: الصلاة على محمد وآله، فيقيّض الله له ملكاً يربّيه ويدرّ من إصبع له لبناً يمصّه ومن إصبع طعاماً ليّناً يتغذاه الى ان نيشأ بنو اسرائيل، وكان من سلم منهم ونشأ أكثر ممن قتل.

(ويستحيون نساءكم) يبقونهن ويتخذونهن إماء، فضجوا إلى موسى (عليه السلام) وقالوا: يفترشون بناتنا واخواتنا، فأمر الله تلك البنات كلما رابهنّ ريب من ذلك صليّن على محمّد وآله الطيبين، فكان الله يردّ عنهن اولئك الرجال اما بشغل أو مرض أو زمانة أو لطف من ألطافه، فلم يفترش منهنّ امرأة، بل دفع الله عزّ وجلّ ذلك عنهنّ بصلاتهن على محمد وآله الطيبين.

ثم قال الله عزّوجلّ: (وفي ذلكم) أي في الإنجاء الذي انجاكم منهم ربكم: (بلاء) نعمة (من ربكم عظيم) كبير.

قال الله عزّوجلّ يا بني اسرائيل اذكروا إذ كان البلاء يصرف عن اسلافكم ويخفّ بالصلاة على محمد وآله الطيبين، أفما تعلمون انكم اذا شاهدتموه وآمنتم به كانت النعمة عليكم أعظم وأفضل، وفضل الله عليكم أكثر وأجزل؟.

أهل البيت (عليهم السلام) واشياعهم(80):

قد صعد ناذري الحقائق باقدام النبوّة والولاية، ونوّرنا السبع الطرائق بإعلام الفتوة، فنحن ليوث الوغى، وغيوث الندى، وفينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والعلم في الأجل، واسباطنا خلفاء الدين وحلفاء اليقين، ومصابيح الأمم، ومفاتيح الكرم، فالكليم البس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء، وروح القدس في جنان الصاقورة(81) ذاق من حدائقنا الباكورة وشيعتنا الفئة الناجية والفرقة الزاكية، صاروا لنا ردءاً وصوناً وعلى الظلمة إلباً وعوناً، وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران لتمام الطواوية والطواسين من السنين.

علامات المؤمن(82):

علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

1 - كشف الغمّة: ج 2 ص 419 و 420، عن أبي هاشم الجعفري، قال:

2 - سورة الأعراف: الآية 172.

3 - مشارق أنوار اليقين / 100، الفصل 13.

4 - تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)/ 245 إلى 247، ح 121.

5 - سورة البقرة: الآية 50.

6 - سورة الشعراء: الآية 63.

7 - تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)/257 – 263، ح 126 – 129.

8 - سورة البقرة: الآية 57.

9 - سورة البقرة: الآية 58 – 62.

10 - سورة البقرة: الآية 59.

11 - سورة البقرة: الآية 60.

12 - تفسير الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) / 424 إلى 429، ح 290 و 291.

13 - سورة البقرة: الآية 93.

14 - سورة طه: الآية 97.

15 - تفسير الإمام الحسن العسكري/273 إلى 283، ح 140.

16 - سورة البقرة: الآية 67 – 73.

17 - سورة الطور: الآية 6.

18 - تفسير الإمام الحسن العسكريّ 84 – 86، ضمن ح 44: قال الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ (عليه السلام).

19 - سورة العلق: الآية 6 و 7.

20 - تفسير الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) 515 – 519، ح 316: قال الإمام الحسن بن عليّ أبو القائم (عليه السلام).

21 - سورة البقرة: الآية 109.

22 - تفسير الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) 68 – 72، ح 35: قال أبو محمّد العسكريّ (عليه السلام).

23 - سورة البقرة: الآية 3.

24 - مشش وتمشش العظم: مصّه واستخرج منه المخ.

25 - سورة البقرة: الآية 3.

26 - تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) 73 – 75، ح 37: قال الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام).

27 - تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) 329 – 333، ح 189 – 201.

28 - سورة البقرة: الآية 83.

29 - الأود: العوج.

30 - تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) 333 – 338، ح 202 – 212.

31 - سورة البقرة: الآية 83.

32 - البدرة: عشرة آلاف درهم.

33 - تفسير الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) 240-241، ح 118: قال الإمام (عليه السلام).

34 - سورة البقرة: الآية 47.

35 - سورة البقرة: الآية 47.

36 - تفسير الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) 584-586، ح 348 – 350.

37 - سورة البقرة: الآيتان 172 و 173.

38 - السهى والسها: كوكب خفي من بنات نعش الصغرى.

39 - سورة الحجرات: الآية 12.

40 - تفسير الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) 587 – 591، ح 352.

41 - سورة البقرة: الآيتان 174 – 176.

42 - أي: معيباً.

43 - تفسير الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) 376، ح 261.

44 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1/291، ب 28، ح 41: حدّثنا محمّد بن القاسم المعروف بأبي الحسن المفسّر الجرجاني – رضي الله عنه – قال: حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار عن أبويهما عن أبي محمّد العسكريّ عن آبائه (عليه السلام) قال.

45 - تفسير الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) 370 – 371، ح 259، قال الإمام (عليه السلام).

46 - تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) 583 ضمن ح 345: قال الإمام العسكري (عليه السلام).

47 - الخرائج والجرائح 1/424 – 426 ح 4 و كشف الغمة 3/308 – 310 روى أحمد بن محمد.

48 - الخرائج والجرائح 1/ 441-442 ح 23 ومناقب ابن شهر آشوب 4/425 وكشف الغمة 3/ 311 – 312.

49 - الخرائج والجرائح 1/ 740 ح 55.

50 - إرشاد المفيد 342 وأصول الكافي 1/507 – 508 ح 6 ومناقب ابن شهر آشوب 4/ 431: أخبرني أبو القاسم عن محمّد بن يعقوب عن عليّ بن محمّد، عن أبي عبد الله بن صالح، عن أبيه،...

51 - مناقب ابن شهر آشوب 4/432.

52 - سورة التوبة: الآية 16.

53 - مناقب ابن شهر آشوب 4/432 - 433 وأصول الكافي 1/511 ح 18.

54 - كشف الغمة 3/306.

55 - كشف الغمة 3/300 – 301 ومناقب ابن شهر آشوب 4/435 ورجال الكشي 2/814 صدر ح 1018.

56 - إعلام الورى 371 ب 10 الفصل 3 وكشف الغمة 3/314 وغيبة الشيخ الطوسي 132: أحمد بن محمد بن عيّاش قال: حدثني أبو علي أحمد بن محمد بن يحيى العطار، وأبو جعفر محمد بن احمد بن مصقلة القميان قالا: حدثنا سعد بن عبد الله بن أبي خلف قال حدثنا داود بن القاسم الجعفري،...

57 - بحار الأنوار 50/316 - 317.

58 - مناقب ابن شهر آشوب 4/425.

59 - الغبّ – بالكسر -: العاقبة.

60 - مناقب ابن شهر آشوب 4/ 425-426.

61 - رجال الكشي 2/844 – 848 ح 1088.

62 - سورة طه: الآيتان 125 و 126.

63 - سورة المائدة: الآية 3.

64 - سورة الشورى: الآية 23.

65 - سورة الإسراء: الآية 71.

66 - سورة البقرة: الآية 143.

67 - سورة آل عمران: الآية 110.

68 - كمال الدين 2/424 – 426 ب 42 ح 1 حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا الحسين بن رزق الله قال: حدثني موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال:

69 - سورة القصص: الآية 5-6.

70 - كمال الدين 2/433-434 ب 42 ح 16 حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسين عبد الله بن مهران،...

71 - كفاية الاثر 289 – 290 وكمال الدين 2/408 ح 4 أخبرنا محمد بن عبد الله الشيباني قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال حدثني علاّن الرازيّ قال:

72 - بحار الأنوار 97/79 ح 45 عن مجالس الشيخ: عن الحسين بن إسماعيل.

73 - تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) 393 ح 268.

74 - سورة البقرة: الآية 89.

75 - تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) 515 ح 315: قال الإمام الحسن بن علي أبو القائم (عليه السلام).

76 - سورة البقرة: الآية 109.

77 - تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) 242 – 244 ح 120 والبحار 13/47.

78 - سورة البقرة: الآية 49.

79 - زمن أي: اصابته الزمانة وهي العامة.

80 - بحار الأنوار 78/378: عن الدرة الباهرة: قال بعض الثقات، وجدت بخطه (عليه السلام) مكتوباً على ظهر كتاب.

81 - الصاقورة: السماء الثالثة، والباكورة: أول ما يدرك من الفاكهة وأول كل شيء.

82 - التهذيب 6/52 ب 16 ح 37: روي عن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) انه قال: