مكتبة الإمام العسكري (ع)

فهرس الكتاب

 

 

عقائد

نوم الإمام(1):

كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله عن الإمام هل يحتلم؟ وقلت في نفسي: الإحتلام شيطنة وقد أعاذ الله أولياءه من ذلك، فورد الجواب:

حال الأئمّة في النوم حالهم في اليقظة، لا يغيّر النوم منهم شيئاً وقد أعاذ الله أولياءه من لمّة الشيطان كما حدّثتك نفسك.

آدم والأشباح(2):

قال الحسين بن عليّ (عليه السلام): إنّ الله تعالى لمّا خلق آدم وسّواه وعلّمه أسماء كلّ شيء وعرضهم على الملائكة جعل محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) أشباحاً خمسة في ظهر آدم، وكانت أنوارهم تضيئ في الآفاق من السماوات والحجب والجنان والكرسيّ والعرش، فأمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم تعظيماً له أنّه قد فضّله بأن جعله وعاء لتلك الأشباح التي قد عمّ أنوارها الآفاق.

فسجدوا [لآدم] إلاّ إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت، وقد تواضعت لها الملائكة كلّها واستكبر وترفّع وكان بإبائه ذلك وتكبّره من الكافرين.

قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): حدّثني أبي عن أبيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) [قال]: قال: يا عباد الله إنّ آدم لمّا رأى النور ساطعاً من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره رأى النور ولم يتبيّن الأشباح.

فقال: يا ربّ ما هذه الأنوار؟

قال الله عزّ وجلّ: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح.

فقال آدم: يا ربّ لو بيّنتها لي.

فقال الله تعالى: انظر يا آدم إلى ذروة العرش.

فنظر آدم ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فراى أشباحنا.

فقال: يا ربّ ما هذه الأشباح؟

قال الله تعالى: يا آدم هذه الأشباح أفضل خلائقي وبريّاتي، هذا محمّد وأنا المحمود الحميد في أفعالي، وشقتت له إسماً من إسمي وهذا عليّ وأنا العليّ العظيم، شققت له إسماً من إسمي، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم أوليائي عمّا يعتريهم ويسيئهم، فشقتت لها إسماً من اسمي، وهذان الحسن والحسين وأنا المحسن [و] المجمل، شققت إسميهما من اسمي.

هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريّتي، بهم آخذ وبهم أعطي وبهم اعاقب وبهم أثيب، فتوسّل بهم يا آدم، وإذا دهتك داهية فاجعلهم إليّ شفعاءك، فإنّي آليت على نفسي قسماً حقّاً [أن] لا أخيّب بهم آملاً ولا أردّ بهم سائلاً، فلذلك حين زلّت منه الخطيئة دعا الله عزّ وجل بهم فتاب عليه وغفر له.

شرف الملائكة بالولاية(3):

سأل المنافقون النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا رسول الله أخبرنا عن عليّ (عليه السلام) أهو أفضل أم ملائكة الله المقرّبون؟

فقال رسول الله: وهل شرّفت الملائكة إلاّ بحبّها لمحمّد وعليّ وقبولها لولايتهما وأنّه لا أحد من محبّي عليّ (عليه السلام) قد نظّف قلبه من قذر الغشّ والدغل ونجاسة الذنوب إلاّ كان أطهر وأفضل من الملائكة.

أفضل الطاعات وأعظمها(4):

قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن جبرئيل (عليه السلام) عن الله عزوجلّ قال: قال الله عزوجلّ: يا عبادي اعملوا أفضل الطاعات وأعظمها، لأسامحكم وإن قصّرتم فيما سواها، واتركوا أعظم المعاصي وأقبحها لئلاً اناقشكم في ركوب ما عداها.

إنّ أعظم الطاعات توحيدي وتصديق نبيّي والتسليم لمن نصبه بعده – وهو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) - والأئمّة الطاهرون من نسله (عليه السلام)، وإنّ أعظم المعاصي وأقبحها عندي الكفر بي وبنبيّي ومنابذة وليّ محمّد بعده: عليّ بن أبي طالب وأوليائه بعده.

فإن أردتم أن تكونوا عندي في المنظر الأعلى والشرف الأشرف فلا يكوننّ أحد من عبادي آثر عندكم من محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعده من أخيه عليّ (عليه السلام) وبعدهما من أبنائهما القائمين بأمور عبادي بعدهما، فإنّ من كانت تلك عقيدته جعلته من أشراف ملوك جناني.

واعلموا أنّ أبغض الخلق إليّ من تمثّل بي وادّعى ربوبيّتي وأبغضهم إليّ بعده من تمثّل بمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ونازعه نبوّته وادّعاها وابغضهم اليّ بعده من تمثّل بوصيّ محمّد ونازعه محلّه وشرفه وادّعاهما، وأبغضهم [وأبغض الخلق خ ل] إليّ بعد هؤلاء المدّعين - لما هم به لسخطي متعرّضون - من كان لهم على ذلك من المعاونين وأبغض الخلق إليّ بعد هؤلاء من كان بفعلهم من الراضين، وإن لم يكن لهم من المعاونين وكذلك أحبّ الخلق إليّ القوّامون بحقّي وأفضلهم لديّ وأكرمهم عليّ محمّد سيّد الورى وأكرمهم وأفضلهم بعده أخو المصطفى عليّ المرتضى ثمّ من بعده من القوّامين بالقسط من أئمّة الحقّ وأفضل الناس بعدهم من أعانهم على حقّهم، وأحبّ الخلق إليّ بعدهم من أحبّهم وأبغض أعدائهم وإن لم يمكنه معونتهم.

البيّنات في القرآن(5):

(إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلاّ الذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فاولئك أتوب عليهم وأنا التوّاب الرحيم)(6). قال الإمام (عليه السلام):

قوله عزوجلّ: (إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات) في صفة محمّد وصفة عليّ وحليته، (والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب) قال: والذي أنزلناه من [بعد] الهدى هوما أظهرناه من الآيات على فضلهم ومحلّهم، كالغمامة التي كانت تظلّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أسفاره، والمياه الاجاجة التي كانت تعذب في الآبار والموارد ببصاقة والأشجار التي كانت تتهدّل ثمارها بنزوله تحتها والعاهات التي كانت تزول عمّن يمسح يده عليه أو ينفث بصاقه فيها وكالآيات التي ظهرت على عليّ (عليه السلام) من تسليم الجبال والصخور والأشجار قائلة: يا وليّ الله ويا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والسموم القاتلة التي تناولها من سمّى باسمه عليها ولم يصبه بلاؤها والأفعال العظيمة: من التلال والجبال التي قلعها ورمى بها كالحصاة الصغيرة وكالعاهات التي زالت بدعائه والآفات والبلايا التي حلّت بالأصحّاء بدعائه، وسائرها ممّا خصّه الله تعالى به من فضائله، فهذا من الهدى الذي بيّنه الله للناس في كتابه.

ثمّ قال: (اولئك) أي أولئك الكاتمون لهذه الصفات من محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم( ومن عليّ (عليه السلام) المخفون لها عن طالبيها الذين يلزمهم ابداؤها لهم عند زوال التقيّة (يلعنهم الله) يلعن الكاتمين (ويلعنهم اللاعنون) فيه وجوه:

منها: (يلعنهم اللاعنون) أنّه ليس أحد محقّاً كان أو مبطلاً إلاّ وهو يقول: لعن الله الظالمين الكاتمين للحقّ، أنّ الظالم الكاتم للحقّ ذلك يقول أيضاً: لعن الله الظالمين الكاتمين، فهم على هذا المعنى في لعن كلّ اللاعنين وفي لعن أنفسهم.

ومنها: إنّ الإثنين إذا ضجر بعضهما على بعض وتلاعنا ارتفعت اللعنتان، فاستأذنتا ربّهما في الوقوع لمن بعثتا عليه.

فقال الله عزّ وجل للملائكة: انظروا فإن كان للاعن أهلاً للّعن وليس المقصود به أهلاً فأنزلوهما جميعاً باللاعن وان كان المشار اليه اهلاً وليس اللاعن اهلاً فوجّهوهما إليه، وإن كان جميعاً لها أهلاً فوجّهوا لعن هذا إلى ذلك ووجّهوا لعن ذلك إلى هذا، وإن لم يكن واحد منها لها أهلاً لإيمانهما وأنّ الضجر أحوجهما إلى ذلك فوجّهوا اللعنتين إلى اليهود الكاتمين نعت محمّد وصفته (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكر عليّ (عليه السلام) وحليته وإلى النواصب الكاتمين لفضل عليّ (عليه السلام) والدافعين لفضله.

ثمّ قال الله عزوجلّ: (إلاّ الذين تابوا) من كتمانهم (وأصلحوا) أعمالهم وأصلحوا ما افسدوه بسوء التأويل فجحدوا به فضل الفاضل واستحقاق المحقّ (وبيّنوا) ما ذكره الله تعالى من نعت محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفته ومن ذكر عليّ (عليه السلام) وحليته وما ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (فاولئك أتوب عليهم) أقبل توبتهم (وأنا التوّاب الرحيم).

السلم في القرآن(7):

(يا أيّها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنّه لكم عدوّ مبين، فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيّنات فاعلموا أنّ الله عزيز حيكم)(8). قال الإمام (عليه السلام):

فلمّا ذكر الله تعالى الفريقين: أحدهما (ومن الناس من يعجبك قوله)(9) والثاني (ومن الناس من يشري نفسه)(10) وبيّن حالهما دعا الناس إلى حال من رضى صنيعه فقال: (يا أيّها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة) يعني في السلم والمسالمة إلى دين الإسلام كافّة جماعة إدخلوا فيه [وادخلو] في جميع الإسلام فتقبلوه واعملوا فيه، ولاتكونوا كمن يقبل بعضه ويعمل به ويأبى بعضه ويهجره، قال: ومنه الدخول في قبول ولاية عليّ (عليه السلام) كالدخول في قبول نبوّة [محمّد] رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّه لا يكون مسلماً من قال إنّ محمّداً رسول الله فاعترف به ولم يعترف بأنّ عليّاً وصيّه وخليفته وخير أمّته (ولا تتّبعوا خطوات الشيطان) ما يتخطّى بكم إليه الشيطان من طرق الغيّ والضلال، ويأمركم به من ارتكاب الآثام الموبقات (إنّه لكم عدوّ مبين) إنّ الشيطان لكم عدو مبين بعداوته يريد اقتطاعكم عن عظيم الثواب وإهلاككم بشديد العقاب (فإن زللتم) عن السلم والإسلام الذي تمامه باعتقاد ولاية عليّ (عليه السلام) لا ينفع الإقرار بالنبوّة مع جحد إمامة عليّ (عليه السلام) كما لا ينفع الإقرار بالتوحيد مع جحد النبوّة، إن زللتم (من بعد ما جاءتكم البيّنات) من قول رسول الله وفضيلته، وأتتكم الدلالات الواضحات الباهرات على أنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) الدالّ على إمامة عليّ (عليه السلام) نبيّ صدق ودينه دين حقّ (فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم) عزيز قادر على معاقبة الخالفين لدينه والمكذّبين لنبيّه لا يقدر أحد على صرف انتقامه من مخالفيه وقادر على إثابة الموافقين لدينه والمصدّقين لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يقدر أحد على صرف ثوابه عن مطيعيه، حكيم فيما يفعل من ذلك غير مصرف على من أطاعه وإن أكثر له الخيرات ولا واضع لها في غير موضعها للكرامات [وإن أتّم له الكرامات خ ل] ولا ظالم لمن عصاه وإن شدّد عليه العقوبات.

قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): وبهذه الآية وغيرها احتجّ عليّ (عليه السلام) يوم الشورى على من دافعه عن حقّه وأخّره عن رتبته وإن كان ما ضرّ الدافع إلاّ نفسه فإنّ عليّاً (عليه السلام) كالكعبة التي أمر الله باستقبالها للصلاة، جعله الله ليؤتّم به في أمور الدين والدنيا كما لا ينقص الكعبة ولا يقدح في شيء من شرفها وفضلها إن ولّى عنها الكافرون فكذلك لا يقدح في عليّ (عليه السلام) إن أخّره عن حقّه المقصّرون ودافعه عن واجبه الظالمون.

قال لهم عليّ (عليه السلام) يوم الشورى في بعض مقاله بعد أن أعذر وأنذر وبالغ وأوضح: معاشر الأولياء العقلاء ألم ينه الله تعالى عن أن تجعلوا له أنداداً ممّن لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر ولا يفهم [كما نفهم] أولم يجعلني رسول الله لدينكم ودنياكم قوّاماً؟ أولم يجعل إليّ مفزعكم؟ أولم يقل لكم: عليّ من الحقّ والحقّ معه؟ أولم يقل: أنا مدينة العلم وعليّ بابها؟ أولا تروني غنيّاً عن علومكم وأنتم إلى علمي محتاجون؟ أفأمر الله تعالى العلماء باتّباع من لا يعلم؟ أم [أمر] من لا يعلم باتّباع من يعلم؟

يا أيّها الناس لم تنقضون ترتيب الألباب؟ لم تؤخّرون من قدّمه الكريم الوهّاب؟ أوليس رسول الله أجابني إلى ما ردّ عنه أفضلكم: فاطمة لمّا خطبها، أوليس قد جعلني أحبّ خلق الله إلى الله لما أطعمني معه من الطائر؟ أوليس جعلني أقرب الخلق شبهاً بمحمّد نبيّه؟ أفأقرب الناس به شبها تؤخّرون؟ وأبعد الناس به شبهاً تقدّمون، مالكم لا تتفكّرون ولا تعقلون؟

قال: فما زال يحتجّ بهذا ونحوه عليهم وهم لا يغفلون عمّا دبّروه ولا يرضون إلاّ بما آثروه.

من هذه؟(11):

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لمّا خلق الله آدم وحوّاء تبخترا في الجنّة، فقال آدم لحوّاء: ما خلق الله خلقاً هو أحسن منّا.

فأوحى الله إلى جبرئيل: إئت بعبديّ الفردوس الأعلى، فلمّا دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك الجنّة وعلى رأسها تاج من نور وفي اذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من نور وجهها.

فقال آدم: حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من نور وجهها؟

فقال: هذه فاطمة بنت محمّد نبيّي من ولدك يكون في آخر الزمان.

قال: فما هذا التاج الذي على رأسها؟

قال: بعلها عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

قال: فما القرطان اللذان في اذنيها؟

قال: ولداها الحسن والحسين.

قال آدم: حبيبي [جبرئيل] أخلقوا قبلي؟

قال: هم موجودون في غمض علم الله قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة.

السابق بالخيرات(12):

روي عن أبي هاشم أنّه قال: سألت أبا محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) عن قوله تعالى: (ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله)(13). قال:

كلّهم من آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). الظالم لنفسه: الّذي لا يقّر بالإمام، والمقتصد: العارف بالإمام، والسابق بالخيرات بإذن الله: الإمام، فجعلت افكّر في نفسي عظم ما أعطى الله آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكيت فنظر إليّ وقال:

الأمر أعظم ممّا حدّثت به نفسك، من عظم شأن آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأحمد الله أن جعلك متمسكاً بحبلهم تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كلّ اناس بإمامهم انّك على خير.

نفقة الشتاء(14):

روي عن أبي هاشم انه قال: ركب أبو محمّد (عليه السلام) يوماً إلى الصحراء فركبت معه، فبينما يسير قدّامي، وأنا خلفه، إذ عرض لي فكر في دين كان عليّ قد حان أجله فجعلت افكّر من أيّ وجه قضاؤه، فالتفت إليّ وقال:

الله يقضيه، ثمّ انحنى على قربوس سرجه فخطّ بسوطه خطّه في الأرض فقال:

يا ابا هاشم انزل فخذ واكتم فنزلت وإذا سبيكة ذهب.

قال: فوضعتها في خفّي وسرنا.

فعرض لي الفكر فقلت: ان كان فيها تمام الدّين وإلاّ فانّي ارضى صاحبه بها، ويجب أن ننظر في وجه نفقة الشتاء، وما نحتاج إليه فيه من كسوة وغيرها فالتفت إليّ ثمّ انحنى ثانية فخطّ بسوطه خطة في الأرض مثل الاولى ثمّ قال: انزل وخذ واكتم.

قال: فنزلت فإذا بسبيكة فضة فجعلتها في الخفّ الآخر وسرنا يسيراً ثمّ انصرف إلى منزله وانصرفت إلى منزلي.

فجلست وحسبت ذلك الدّين، وعرفت مبلغه، ثمّ وزنت سبيكة الذّهب فخرج بقسط ذلك الدين مازادت ولا نقصت، ثمّ نظرت فيما نحتاج إليه لشتوتي من كلّ وجه، فعرفت مبلغه الّذي لم يكن بدّ منه على الإقتصاد بلا تقتير ولا اسراف ثمّ وزنت سبيكة الفضّة فخرجت على ما قدّرته مازادت ولا نقصت.

بين الحجة والمحجوج(15):

روي عن أبي حمزة نصير الخادم قال: سمعت أبا محممد (عليه السلام) غير مرّة يكلّم غلمانه وغيرهم بلغاتهم وفيهم روم وترك وصقالبة، فتعجبت من ذلك وقلت: هذا ولد هنا ولم يظهر لأحد حتّى مضى أبوالحسن ولا رآه أحد فكيف هذا؟ احدّث بهذا نفسي فأقبل عليّ فقال:

أنّ الله بيّن حجّته من بين سائر خلقه وأعطاه معرفة كلّ شيء، فهو يعرف اللّغات، والأسباب والحوادث ولو لا ذلك لم يكن بين الحجّة والمحجوج فرق.

عباد الله المكرمون(16):

إدريس بن زياد الكفرتوثائي قال: كنت أقول فيهم قولاً عظيماً (أي: يقول في أهل البيت بالغلو) فخرجت إلى العسكر للقاء أبي محمّد (عليه السلام) فقدمت وعليّ أثر السفر ووعثاؤه، فألقيت نفسي على دكّان حمّام فذهب بي النوم، فما انتبهت إلاّ بمقرعة ابي محمّد (عليه السلام) قد قرعني بها حتّى استيقظت فعرفته صلّى الله عليه فقمت قائماً اقبّل قدميه وهو راكب والغلمان من حوله. فكان أوّل ما تلقّاني به أن قال:

يا إدريس (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)(17).

فقلت: حسبي يامولاي وانّما جئت أسألك عن هذا.

قال: فتركني ومضي.

من علائم الإمام(18):

حدثنا أبوالأديان قال: كنت أخدم الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علّته الّتي توفّي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال:

امضي بها إلى المدائن فانّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل.

قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي فإذا كان ذلك فمن؟

قال: من طالبك بجوابات كتبي، فهو القائم من بعدي.

فقلت: زدني.

فقال: من يصلّى عليّ فهو القائم بعدي.

فقلت: زدني.

فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.

ثمّ منعتني هيبته أن أسأله عمّا في الهميان، وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي (عليه السلام) فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل وإذا أنا بجعفر بن عليّ أخيه بباب الدّار، والشيعة من حوله يعزّونه ويهنّئونه.

فقلت في نفسي: ان يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة فتقدّمت فعزّيت وهنّيت فلم يسألني عن شيء ثمّ خرج عقيد فقال:

يا سيّدي قد كفّن أخوك فقم وصلّ عليه فدخل جعفر بن عليّ والشيعة من حوله يقدمهم السمّان والحسن بن عليّ قتيل المعتصم المعروف بسلمة.

فلمّا صرنا في الدّار إذا نحن بالحسن بن عليّ صلوات الله عليه على نعشه مكفّناً فتقدّم جعفر بن عليّ ليصلّي على أخيه فلمّا همّ بالتكبير خرج صبّي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذبه برداء جعفر بن عليّ وقال:

تأخّر ياعمّ فأنا أحقّ بالصلاة على أبي فتأخّر جعفر، وقد اربدّ وجهه واصفر، فتقدّم الصبي وصلّى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام).

ثمّ قال: يابصريّ هات جوابات الكتب الّتي معك، فدفعتها إليه وقلت في نفسي:

هذه بينّتان بقي الهميان، ثمّ خرجت إلى جعفر بن عليّ وهو يزفر فقال له حاجز الوشّاء:

يا سيّدي من الصبيّ؟ لنقيم الحجّة عليه؟

فقال: والله ما رأيته قطّ ولا أعرفه.

فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن عليّ (عليه السلام) فعرفوا موته.

فقالوا: فمن نعزّي؟ فأشار الناس إلى جعفر بن عليّ فسلّموا عليه وعزّوه وهنؤوه.

وقالوا: انّ معنا كتباً ومالاً، فتقول: ممّن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منّا أن نعلم الغيب.

قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا إليه الكتب والمال.

وقالوا: الّذي وجّه بك لأخذ ذلك هو الإمام.

الأرض لا تخلوا من حجّة(19):

عن أحمد بن [اسحاق بن] مصقلة قال: دخلت على أبي محمّد (عليه السلام) فقال لي:

يا أحمد ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشكّ والإرتياب؟

فقلت: لمّا ورد الكتاب بخبر مولد سيّدنا (أي الامام الثاني عشرعليه السلام) لم يبق منّا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلاّ قال بالحقّ.

قال (عليه السلام): أما علمتهم أنّ الأرض لا تخلوا من حجّة الله؟

ثمّ أمر أبو محمّد (عليه السلام) والدته بالحجّ في سنة تسع وخمسين ومائتين وعرفها ما يناله في سنة ستين، ثمّ سلّم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إلى القائم الصاحب (عليه السلام)، وخرجت امّ أبي محمّد (عليه السلام) إلى مكّة وقبض أبو محمّد (عليه السلام) في شهر ربيع الآخر سنة ستين ومائتين ودفن بسّر من رأي إلى جانب أبيه أبي الحسن صلوات الله عليهما، وكان من مولده إلى وقت مضيّه تسع وعشرون سنة.

هذا صاحبكم(20):

عن أبي غانم الخادم قال: ولد لأبي محمد (عليه السلام) ولد فسمّاه محمداً فعرضه على اصحابه يوم الثالث وقال:

هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم، وهو القائم الّذي تمتد إليه الأعناق بالإنتظار فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً.

لولدي غيبة(21):

عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي قال: سمعت أبا محمد الحسن بن عليّ (عليه السلام) يقول:

كأني بكم وقد أختلفتم بعدي في الخلف منّي أما انّ المقرّ بالأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنكر لولدي كمن أقرّ بجميع أنبياء الله ورسله ثمّ أنكر نبوّة محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمنكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كمن أنكر جميع أنبياء الله لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أولنا والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا أما إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلاّ من عصمه الله عزّوجلّ.

ابني محمّد(22):

حدثني أبو عليّ بن همّام قال: سمعت محمّد بن عثمان العمريّ قدّس الله روحه يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) وأنا عنده عن الخبر الّذي روي عن آبائه (عليه السلام): (أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على خلقه إلى يوم القيامة وأنّ من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهليه).

فقال (عليه السلام):

انّ هذا حقّ كما أنّ النهار حقّ.

فقيل له: يابن رسول الله فمن الحجّة والإمام بعدك؟

فقال: ابني محمّد هو الامام والحجّة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهليّة.

أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذّب فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.

اشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(23):

عن أحمد بن اسحاق بن سعد قال: سمعت ابا محمّد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) يقول:

الحمد لله الّذي لم يخرجني من الدنّيا حتّى أراني الخلف من بعدي أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلقاً وخلقاً يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبة ثمّ يظهره فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.

فيه سنن الأنبياء(24):

عن الحسن بن محمّد بن صالح البزاز قال: سمعت الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) يقول:

انّ ابني هو القائم من بعدي وهو الّذي يجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) بالتعمير والغيبة حتى تقسو القلوب لطول الأمد فلا يثبت على القول به إلاّ من كتب الله عزّوجلّ في قلبه الإيمان وأيده بروح منه.

الناس في الإمامة(25):

كتب اليه بعض شيعته يعرفه اختلاف الشيعة، فكتب (عليه السلام):..

انما خاطب الله العاقل، والناس فيّ على طبقات: المستبصر على سبيل نجاة، متمسّك بالحق، متعلّق بفرع الأصل، غير شاك ولا مرتاب لا يجد عنّي ملجأ، وطبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه، وطبقة استحوذ عليهم الشيطان، شأنهم الردّ على أهل الحق ودفع الحق بالباطل حسداً من عند أنفسهم فدع من ذهب يميناً وشمالاً، فإن الراعي إذا أراد ان يجمع غنمه جمعها بأهون سعي، وإياك والإذاعة وطلب الرئاسة، فإنهما يدعوان الى الهلكة.

 

1 - الخرائج والجرائح 1/446، ح 31: روي عن محمّد بن أحمد بن الأقرع، قال.

2 - تفسير الإمام العسكري 219 – 221، ح 102: قال الإمام (عليه السلام).

3 - الاحتجاج 1/62. وتفسير الإمام العسكري 383: عن أبي محمّد العسكري (عليه السلام) أنّه قال.

4 - تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) 42-43 ضمن ح 19: قال الإمام (عليه السلام).

5 - تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) 570 – 572.

6 - البقرة: 159 – 160.

7 - تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) 626 – 629، ح 366.

8 - البقرة: 208 – 209.

9 - البقرة: 204.

10 - البقرة: 207.

11 - كشف الغمة 1/456: وروى ابن خالويه في كتاب الآل، قال: حدّثني أبو عبد الله الحنبلي، عن محمد بن أحمد بن قضاعة، عن عبدان بن محمّد، عن أبي محمد العسكري، عن آبائه (عليهم السلام) قال.

12 - الخرائج والجرائح 2/687 ح 9، وكشف الغمة 3/ 296 – 297.

13 - الفاطر: 32.

14 - الخرائج والجرائح 1/421 ح 2.

15 - الخرائج والجرائح 1/436 ح 14 وأعلام الورى 475 – 376 ب 10 الفصل 3 وإرشاد المفيد 343 وأصول الكافي 1/ 509 ح 11 وكشف الغمة 3/287 وروضة الواعظين 248 ومناقب ابن شهر آشوب 4/428.

16 - مناقب ابن شهر آشوب 4/428.

17 - الأنبياء: 26 – 27.

18 - كمال الدين 2/475-476 ب 43 ضمن ح 25: قال: أبو الحسن عليّ بن محمّد بن حباب.

19 - عيون المعجزات 138.

20 - كمال الدين 2/431 ب 42 ح 8: حدثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل، قال حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري قال حدثنا محمد بن أحمد العلوى،...

21 - كمال الدين 2/ 409 ب 38 ح 8 وكفاية الأثر 291 – 292: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا سعد بن عبد الله...

22 - كمال الدين 2/409 ب 38 ح 9 وكفاية الأثر 292: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال:

23 - كمال الدين 2/408 – 409 ب 38 ح 7 وكفاية الأثر 290 حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي قال حدثنا جعفر بن محمّد بن مسعود العياشي عن أبيه، عن أحمد بن عليّ بن كلثوم، عن عليّ بن أحمد الرازيّ،...

24 - كمال الدين: ج 2 ص 524 ب 46 ح4، حدثنا محمد بن علي بن بشار القزويني، عن المظفّر بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن جعفر الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي...

25 - تحف العقول 486-487.