معارف |
يكلّلون بالتيجان(1): يأتي علماء شيعتنا القوّامون لضعفاء محبينا وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم على رأس كلّ واحد منهم تاج بهاء، قد انبثّت تلك الأنوار في عرصات القيامة، ودورها مسيرة ثلاثمأة ألف سنة فشعاع تيجانهم ينبثّ فيها كلّها فلا يبقى هناك يتيم قد كفّلوه، ومن ظلمة الجهل أنقذوه، ومن حيرة التيه أخرجوه، إلا تعلّق بشعبة من أنوارهم فرفعتهم إلى العلوّ حتّى يحاذى بهم فوق الجنان، ثمّ تنزلهم على منازلهم المعدّة في جوار أساتيذهم ومعلّميهم، وبحضرة أئمّتهم الذين كانوا يدعون إليهم، ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلاّ عميت عيناه، وصمّت اذناه، واخرس لسانه، ويحوّل عليه أشدّ من لهب النيران، فيحملهم حتّى يدفعهم إلى الزبانية فيدعوهم إلى سواء الجحيم. وقال أبو محمّد الحسن العسكري (عليه السلام): وإنّ من محبّي محمّد وعلي مساكين مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقراء، وهم الذين سكنت جوارحهم، وضعفت قواهم عن مقاتلة أعداء الله الذين يعيّرونهم بدينهم، ويسفّهون أحلامهم، ألا فمن قوّاهم بفقهه وعلمه حتّى أزال مسكنتهم ثمّ سلّطهم على الأعداء الظاهرين النواصب، وعلى الأعداء الباطنين ابليس ومردته، حتّى يهزموهم عن دين الله، ويذودوهم عن أولياء آل ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حوّل الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم فأعجزهم عن إضلالهم، قضى الله تعالى بذلك قضاء حقّاً على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). أفحم صاحبهم(2): إجتمع قوم من الموالين والمحبّين لآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحضرة الحسن بن عليّ (عليه السلام) وقالوا: يابن رسول الله إنّ لنا جاراً من النصّاب يؤذينا ويحتجّ علينا في تفضيل الأوّل والثاني والثالث على أميرالمؤمنين (عليه السلام)، ويورد علينا حججاً لا ندري كيف الجواب عنها والخروج منها. فقال الحسن (عليه السلام): أنا أبعث إليكم من يفحمه عنكم ويصغّر شأنه لديكم، فدعا برجل من تلامذته وقال: مرّ بهؤلاء إذا كانوا مجتمعين يتكلّمون فتسمّع إليهم فيستدعون منك الكلام فتكلّم، وافحم صاحبهم واكسر عزّته وفلّ حدّه، ولا تبق له باقية. فذهب الرجل وحضر الموضع، وحضروا، وكلّم الرجل فأفحمه، وصيّره لا يدري في السماء هو أو في الأرض. (قالوا): فوقع علينا من الفرح والسرور ما لا يعلمه إلاّ الله تعالى، وعلى الرجل والمتعصّبين له من الحزن والغمّ مثل ما لحقنا من السرور، فلمّا رجعنا إلى الإمام، قال لنا: إنّ الذي في السماوات من الفرح والطرب بكسر هذاالعدوّ لله كان أكثر ممّا كان بحضرتكم، والذي كان بحضرة إبليس وعتاة مردته - من الشياطين - من الحزن والغمّ أشدّ ممّا كان بحضرتهم، ولقد صلّى على هذا (العبد) الكاسر له ملائكة السماء والحجب والكرسي، وقابلها الله بالإجابة فأكرم إيابه وعظّم ثوابه، ولقد لعنت تلك الأملاك عدوّالله المكسور وقابلها الله بالإجابة فشدّد حسابه وأطال عذابه. نتكلّم بإذنه(3): قال أبوالقاسم الهروي خرج توقيع من أبي محمّد (عليه السلام) إلى بعض بني أسباط قال: كتبت إلى الإمام اخبره من اختلاف الموالي وأسأله بإظهار دليل، فكتب إليّ: إنّما خاطب الله العاقل، وليس أحد يأتي بآية أو يظهر دليلاً أكثر ممّا جاء به خاتم النبيين وسيّد المرسلين (عليه السلام) فقالوا: كاهن وساحر وكذّاب! وهدى من اهتدى، غير أنّ الأدلّة يسكن إليها كثير من الناس، وذلك أنّ الله يأذن لنا فنتكلم، ويمنع فنصمت، ولو أحبّ الله أن لا يظهر حقّنا ما بعث الله النبيين مبشّرين ومنذرين، يصدعون بالحقّ في حال الضعف والقوّة، وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ حكمه، والناس على طبقات مختلفين شتّى: فالمستبصر على سبيل نجاة متمسّك بالحقّ، فيتعلّق بفرع أصيل، غير شاكّ ولا مرتاب، ولا يجد عنه ملجاً. وطبقة لم تأخذ الحقّ من أهله، فهم كراكب البحر بموج عند موجه ويسكن عند سكونه. وطبقة استحوذ عليهم الشيطان، شأنهم الردّ على أهل الحقّ، ودفع الحقّ بالباطل حسداً من عند أنفسهم، فدع من ذهب يميناً وشمالاً، كالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها بأدون السعي، ذكرت ما اختلف فيه مواليّ، فإذا كانت الوصيّة والكبر فلا ريب، ومن جلس بمجالس الحكم فهو أولى بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت. وإيّاك والإذاعة وطلب الرئاسة، فإنّهما تدعوان إلى الهلكة، ذكرت شخوصك إلى فارس فاشخص (عافاك الله) خار الله لك، وتدخل مصر إن شاء الله آمناً واقرأ من تثق به من مواليّ السلام، ومرهم بتقوى الله العظيم، وأداء الأمانة، وأعلمهم أنّ المذيع علينا سرّنا حرب لنا. قال: فلمّا قرأت: (وتدخل مصر) لم أعرف له معنى، وقدمت بغداد وعزيمتي الرخوج إلى فارس فلم يتهيّأ لي الخروج إلى فارس وخرجت إلى مصر (فعرفت أنّ إلإمام عرف أنّي لا أخرج إلى فارس). لا يحتمله من حلاوته(4): كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام): روي لنا عن آبائكم (عليهم السلام) أنّ حديثكم صعب مستصعب لا يحتمله ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. قال: فجاء الجواب: إنّما معناه أنّ الملك لا يحتمله في جوفه حتّى يخرجه إلى ملك مثله، ولا يحتمله نبيّ حتّى يخرجه إلى نبيّ مثله، ولا يحتمله مؤمن حتّى يخرجه إلىمؤمن مثله، إنّما معناه أن لا يحتمله في قلبه من حلاوة ما هو في صدره حتّى يخرجه إلى غيره. فاتحة الكتاب(5): ان الله عزّوجلّ قد فضّل محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بفاتحة الكتاب على جميع النبيين ما أعطاها أحداً قبله إلاّ ما أعطى سليمان بن داود (عليه السلام) من بسم الله الرحمن الرحيم فرآها اشرف من جميع ممالكه التي اعطيها. فقال: يا رب ما أشرفها من كلمات إنّها لآثر عندي من جميع ممالكي التي وهبتها لي. قال الله تعالى: يا سليمان، وكيف لا يكون كذلك وما من عبد لا امة سمّاني بها إلاّ اوجبت له من الثواب الف ضعف ما اوجب لمن تصدق بالف ضعف ممالك، يا سليمان هذه سبع، ما اهبه إلاّ لمحمد سيد المرسلين، تمام فاتحة الكتاب إلى آخرها.
|
1 - تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) 345 و 346، ح 226 و 227: وقال الحسن بن عليّ (عليه السلام):.. 2 - تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) 352، ح 239:.. 3 - الخرائج والجرائح 449 إلى 451، ح 34:.. 4 - معاني الأخبار: 188 أبي (رحمه الله) قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبدالله، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن بعض أهل المدائن، قال:.. 5 - تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) 593 - 594 ضمن ح 353:.. |