مكتبة الإمام العسكري (ع)

فهرس الكتاب

 

 

أخلاق

التواضع للإخوان(1):

اعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدّهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأناً، ومن تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند الله من الصدّيقين ومن شيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حقّاً.

ولقد ورد على أميرالمؤمنين (عليه السلام) أخوان له مؤمنان: أب وإبن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين أيديهما، ثمّ أمر بطعام فأحضر، فأكلا منه، ثمّ جاء قنبر بطست وإبريق خشب ومنديل لييبس، وجاء ليصبّ على يد الرجل ماءاً، فوثب أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخذ الإبريق ليصبّ على يد الرجل فتمرّغ الرجل في التراب وقال: يا أميرالمؤمنين الله يراني وأنت تصبّ على يدى؟

قال: اقعد واغسل يدك، فإنّ الله عزّ وجلّ يراك، وأخوك الذي لا يتميّز منك ولا يتفضّل عليك يخدمك، يريد بذلك في خدمه في الجنّة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا، وعلى حسب ذلك في ممالكه فيها، فقعد.

فقال له عليّ (عليه السلام): أقسمت عليك بعظيم حقّي الذي عرفته وبجلته، وتواضعك لله بأن ندبني لما شرّفك به من خدمتي لك لما غسلت مطمئناً كما كنت تغسل لوكان الصابّ عليك قنبراً، ففعل الرجل.

فلمّا فرغ ناول الإبريق محمّد بن الحنفيّة وقال: يا بنيّ لوكان هذا الإبن حضرني دون أبيه لصببت على يده، ولكنّ الله عز وجل يأبى أن يسوّى بين إبن وابيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صبّ الأب على الأب فليصب الإبن على الإبن، فصبّ محمّد بن الحنفيّة على الابن.

ثمّ قال الحسن العسكري (عليه السلام): فمن اتبع عليّاً (عليه السلام) على ذلك فهو الشيعي حقّاً.

تفقد وتصدّق(2):

عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال: ضاق بنا الأمر قال لي أبي: امض بنا حتّى نصير إلى هذا الرجل يعني ابا محمّد عليه السلام فأنّه قد وصف عنه سماحة. فقلت: تعرفه قال: ما أعرفه ولا رايته قطّ قال: فقصدناه، فقال لي أبي وهو في طريقه: ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمس مائة درهم: مائتا درهم للكسوة ومائتا درهم للدقيق، ومائة درهم للنفقة وقلت في نفسي: ليته أمرلي بثلاث مائة درهم: مائة أشتري بها حماراً ومائة للنفقة، ومائة للكسوة، فأخرج إلى الجبل. فلمّا وافينا الباب خرج الينا غلامه، فقال: يدخل عليّ بن إبراهيم ومحمّد ابنه فلمّا دخلنا عليه وسلّمنا قال لأبي:

يا عليّ ما خلّفك عنّا إلى هذا الوقت؟

فقال: يا سيّدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال، فلّما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرّة وقال: هذه خمس مائة درهم مائتان للكسوة، ومائتان للدقّيق، ومائة للنفقة، وأعطاني صرّة وقال: هذه ثلاث مائة درهم اجعل مائة في ثمن حمار ومائة للكسوة، ومائة للنفقة، ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سوار.

قال: فصار إلى سوار وتزوّج بامرأة منها فدخله اليوم الفا دينار.

بذل وارشاد(3):

عن اسحاق بن محمّد النخعي قال: حدثني اسماعيل بن محمّد بن عليّ بن اسماعيل بن عليّ بن عبدالله بن العباس قال: قعدت لأبي محمّد (عليه السلام) على ظهر الطريق فلمّا مرّبي شكوت إليه الحاجة، وحلفت أنّه ليس عندي درهم فما فوقه، ولا غداء ولا عشاء. قال فقال:

تحلف بالله كاذباً وقد دفنت مائتي دينار؟ وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطية يا غلام أعطه ما معك فأعطاني غلامه مائة دينار.

ثمّ أقبل عليّ فقال لي: انّك تحرم الدنّانير ألتي دفنتها أحوج ما تكون اليها، وصدق (عليه السلام) وذلك أنني انفقت ما وصلني به واضطررت ضرورة شديدة إلى شيء أنفقه، وانغلقت عليّ أبواب الرزق فنبشت عن الدنانير الّتي كنت دفنتها فلم أجدها فنظرت فإذا إبن لي قد عرف موضعها فأخذها، وهرب، فما قدرت منها على شيء.

معاتبة ومناصحة(4):

أبوهاشم الجعفري عن داود بن الأسود... قال: دعاني سيّدي أبو محمد عليه السلام فدفع إليّ خشبة كأنها رجل باب مدورّة طويلة ملء الكفّ فقال:

صربهذه الخشبة إلى العمريّ، فمضيت فلمّا صرت في بعض الطريق عرض لي سقّاء معه بغل، فزاحمني البغل على الطريق، فناداني السقّاء ضحّ على البغل (أي افتح له الطريق) فرفعت الخشبة الّتي كانت معي فضربت بها البغل، فانشفّت فنظرت إلى كسرها فإذا فيها كتب فبادرت سريعا فرددت الخشبة إلى كمي فجعل السقّاء يناديني ويشتمني ويشتم صاحبي.

فلمّا دنوت من الدار راجعاً استقبلني عيسى الخادم عند الباب.

فقال: يقول لك مولاي أعزّه الله: لم ضربت البغل وكسرت رجل الباب؟

فقلت له: يا سيّدي لم أعلم ما في رجل الباب.

فقال: ولم احتجت أن تعمل عملاً تحتاج أن تعتذر منه ايّاك بعدها أن تعود إلى مثلها، وإذا سمعت لنا شاتماً فامض لسبيلك الّتي امرت بها وايّاك أن تجاوب من يشتمنا أو تعرفه من أنت.

فاننا ببلد سوء، ومصر سوء،وامض في طريقك فإنّ أخبارك واحوالك ترد الينا فاعلم ذلك.

هاك يا أحمد(5):

محمّد بن يحيى عن أحمد بن اسحاق قال: دخلت على أبي محمّد (عليه السلام) فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطّه فأعرفه إذا ورد. فقال:

نعم، ثمّ قال: يا أحمد انّ الخطّ سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ إلى القلم الدّقيق فلا تشكّنّ، ثمّ دعا بالدواة، فكتب وجعل يستمدّ إلى مجرى الدواة.

فقلت في نفسي وهو يكتب: أستوهبه القلم الّذي كتب به، فلمّا فرغ من الكتابة أقبل يحدثني - وهو يمسح القلم بمنديل الدواء - ساعة ثمّ قال:

هاك يا أحمد فناولنيه.

فقلت: جعلت فداك انّي مغتم لشيء يصيبني في نفسي، وقد أردت أن أسأل أباك فلم يقض لي ذلك.

فقال: وما هو يا أحمد؟

فقلت: يا سيّدي روي لنا عن آبائك أنّ نوم الأنبياء على أقفيتهم ونوم المؤمنين على أيمانهم، ونوم النافقين على شمائلهم ونوم الشاطين على وجوههم.

فقال (عليه السلام): كذلك هو.

فقلت: يا سيّدي أجهد أن أنام على يميني فما يمكنني ولا يأخذني النوم عليها.

فسكت ساعة ثمّ قال: يا أحمد ادن منّي فدنوت منه.

فقال: أدخل يدك تحت ثيابك، فأدخلتها فأخرج يده من تحت ثيابه، وأدخلها تحت ثيابي فمسح بيده اليمنى على جانبي الأيسر وبيده اليسرى على جانبي الأيمن ثلاث مرّات.

فقال أحمد: فما أقدر أن أنام على يسارى منذ فعل ذلك بي (عليه السلام) وما يأخذني نوم عليها أصلاً.

اسقه ماءً(6):

أبو العباس بن القاسم قال: عطشت عند أبي محمّد عليه السلام ولم تطب نفسي أن يفوتني حديثه، وصبرت على العطش، وهو يتحدّث فقطع الكلام، وقال:

يا غلام اسق أبا العبّاس ماء.

لا تجزع(7):

عن سيف بن اللّيث قال: خلفّت ابناً عليلاً بمصر عند خروجي منها، وابناً لي آخر أسنّ منه، هو كان وصيّي وقيّمي على عيالي وفي ضياعي، فكتبت إلى أبي محمّد عليه السلام وسألته الدّعاء لابني العليل، فكتب اليّ:

قد عوفي الصغير ومات الكبير الّذي هو وصيّك وقيّمك، فأحمد الله ولا تجزع فيحبط أجرك.

فورد عليّ الكتاب بالخبر أنّ ابني الصغير عوفي من علّته، ومات ابني الكبير يوم ورد عليّ جواب أبي محمّد (عليه السلام).

عطاء بلا سؤال(8):

حدث أبويوسف الشاعر القصير شاعر المتوكّل قال: ولد لي غلام وكنت مضيّقاً فكتبت رقاعاً إلى جماعة أسترفدهم، فرجعت بالخيبة قال قلت: أجيء فأطوف حول الدار (أي دار أبي محمّد عليه السلام) طوفة وصرت إلى الباب فخرج أبو حمزة ومعه صرّة سوداء فيها اربع مائة درهم فقال: يقول لك سيّدي:

أنفق هذه على المولود، بارك الله لك فيه.

الإخلاص ودوره(9):

لو جعلت الدنيا كلها لقمة واحدة لقمتها من يعبد الله مخلصاً [خالصاً خ ل] لرأيت أني مقصّر في حقه، ولو منعت الكافر منها حتّى يموت جوعاً وعطشاً ثمّ أذقته شربة من الماء لرأيت أني قد أسرفت.

بلا افراط ولا تفريط(10):

انّ للسخاء مقداراً فإن زاد عليه فهو سرف، وللحزم مقداراً فإن زاد عليه فهو جبن، وللاقتصاد مقداراً فإن زاد عليه فهو بخل، وللشجاعة مقداراً فإن زاد عليه فهو تهوّر.

وقال (عليه السلام): كفاك أدباً، تجنبك ما تكره من غيرك.

وقال (عليه السلام): من كان الورع سجيّته والأفضال حليته، انتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه، وتحصّن بالذكر الجميل من وصول نقص إليه.

اتق الوجوه(11):

من لم يتق وجوه الناس لم يتقل الله.

احسن ظنّك(12):

عن المعمر السنبسي قال: سمعت من مولاي ابي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) يقول: احسن ظنّك ولو بحجر، يطرح الله فيه سره، فتتناول نصيبك منه.

فقلت: يابن رسول الله ولو بحجر؟

فقال: الا تنظرون الى الحجر الاسود.

اجر التواضع(13):

من رضى بدون الشرف من المجلس لم يزل الله وملائكته يصلّون عليه حتى يقوم.

سمة المتواضع(14):

من التواضع السلام على كل من تمرّ به، والجلوس دون شرف المجلس.

لا تمازح(15):

لا تمار فيذهب بهاؤك، ولا تمازح فيجترأ عليك، وقال (عليه السلام): من الجهل الضحك من غير عجب.

لا تعجل بحوائجك(16):

ارفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك فان لكل يوم رزقاً جديداً، واعلم ان الالحاح في المطالب يسلب البهاء، ويورث التعب والعناء فاصبر حتى يفتح الله لك باباً يسهل الدخول فيه، فما اقرب الصنع من الملهوف والأمن من الهارب المخوف، فربما كانت الغير نوعاً من ادب الله والحظوظ مراتب، فلا تعجل على ثمرة لم تدرك، فإنما تنالها في اوانها.

واعلم ان المدبر لك اعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه فثق بخيرته في جميع امورك يصلح حالك، ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط.

واعلم ان للحياء مقداراً فإن زاد عليه فهو سرف، وان للحزم مقداراً فان زاد عليه فهو تهوّر، واحذر كل ذكي زكي ساكن الطرف، ولو عقل اهل الدنيا خربت.

بين الافراط والتفريط(17):

إن للسخاء مقداراً فإن زاد عليه فهو سرف، وللحزم مقداراً فإن زاد عليه فهو جبن، وللاقتصاد مقداراً فإن زاد عليه فهو بخل، وللشجاعة مقداراً فإن زاد عليه فهو تهوّر، كفاك ادباً تجنبك ما تكره من غيرك احذر كل ذكي ساكن الطرف، ولو عقل اهل الدنيا خربت، خير اخوانك من نسى ذنبك اليه، اضعف الاعداء كيداً من اظهر عداوته، حسن الصورة جمال ظاهر، وحسن العقل جمال باطن، من انس بالله استوحش من الناس، من لم يتق وجوه الناس لم يتق الله، جعلت الخبائث في بيت وجعل مفتاحه الكذب، إذا نشطت القلوب فاودعوها وإذا نفرت فودّعوها، اللحاق بمن ترجوا خير من المقام مع من لا تأمن شرّه، من أكثر المنام رأى الاحلام.

اكرام واعتذار(18):

عن أبي هاشم الجعفري قال: شكوت إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) الحاجة فحكّ بسوطه الأرض فأخرج منها سبيكة فيها نحو خمس مائة دينار. فقال:

خذها يا أباهاشم وأعذرنا.

 

1 - الاحتجاج 2/267-268: بالإسناد إلى أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) أنّه قال:

2 - إرشاد المفيد 341 وأصول الكافي 1/506 ح 3 وكشف الغمة 3/283-284: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد عن محمد بن يعقوب عن عليّ بن محمد بن إبراهيم المعروف بابن الكردي.

3 - إرشاد المفيد 343 وأصول الكافي 1/509 – 510 ح 14 والخرائج والجرائح 1/427 ح 6 وإعلام الورى 370 ب 10 الفصل 3 وكشف الغمة 3/288: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد،...

4 - مناقب ابن شهر آشوب 4/427-428.

5 - أصول الكافي 1/513 – 514 ح 27.

6 - مناقب ابن شهر آشوب 4/439.

7 - كشف الغمة 3/304 ومناقب ابن شهر آشوب 4/433 وأصول الكافي 1/511 ضمن ح 18.

8 - كشف الغمة 3/306 – 307.

9 - عدة الداعي 219، ب 4: عن العسكري (عليه السلام) قال.

10 - بحار الأنوار 69/407، ح 115: عن الدرة الباهرة: قال أبو محمّد العسكري (عليه السلام).

11 - بحار الأنوار 71/336 ح 22 عن الدرة الباهرة: قال أبو محمد العسكري (عليه السلام).

12 - عوالي اللئالي 1/24-25 الفصل 3 ح 7: حدثني المولى العالم الواعظ وجيه الدين عبد الله بن المولى علاء الدين (بن) فتح الله بن عبد الملك القمي، عن جده عبد الملك، عن احمد بن فهد عن جلال الدين عبد الله بن شرفشاه الحسيني، عن علي بن محمد القاشي جلال الدين بن دار الصخر، عن نجم الدين أبي القاسم بن سعيد، عن محمد بن الجهم.

13 - تحف العقول 486: عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) قال.

14 - تحف العقول 487: أبو محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) قال.

15 - تحف العقول 486-487: عن أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) قال.

16 - عدة الداعي 124 – 125 ب 3: عن أبي محمد العسكري (عليه السلام).

17 - بحار الأنوار 78/377: عن الدرة الباهرة قال أبو محمد العسكري (عليه السلام).

18 - إرشاد المفيد 342 ومناقب ابن شهر آشوب 4/431 وأصول الكافي 1/507 ح 5: روى أبو أحمد بن راشد.