خامساً: اهتمامات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الفكرية والعلمية نلاحظ اهتماماً علميّاً متشعّب الجوانب من خلال النصوص الواصلة إلينا عن الإمام العسكري ، فهو يهتم بالقرآن الكريم وهو سند الشريعة ومصدرها الأساسي كما انه يهتم بحفظ السنة النبوية وسنّة أهل البيت وتأريخهم ، ويهتم أيضاً بنقده وتعريفه للشخصيات التي يتوجّه إليها الناس لأخذ العلوم والأحكام منهم أو مراجعتهم لغرض الارتباط بالإمام (عليه السلام) أو توكيلهم لايصال الحقوق الشرعية اليه ، فهو يعرّف وكلاءه ويوليهم ثقة ويلعن من ينحرف منهم ويحذّر شيعته ومواليه من الغفلة عن رصد أحوالهم في حال استقامتهم أو انحرافهم . ونجد من الإمام اهتماماً بليغاً بالفقه والأحكام الشرعية كما نجد اهتمامه بالدعاء والطب والعقيدة والمعرفة بشكل عام .
1 ـ عن أبي منصور الطبرسي مسنداً قال : حدثنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) ، قال : حدثني أبي عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال : أشد من يتم اليتيم الذي انقطع من اُمّه وأبيه يتم يتيم انقطع عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه ، ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا ، وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرّفيق الأعلى[1]. 2 ـ وعنه (عليه السلام) قال : قال جعفر بن محمّد الصادق(عليهما السلام) : علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته ، يمنعوهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته والنواصب . ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم[2]. 3 ـ وعنه (عليه السلام) بالاسناد المتقدم قال : قال موسى بن جعفر : فقيه واحد ينقذ يتيماً من أيتامنا المنقطعين عنا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه أشد على إبليس من ألف عابد ، لأن العابد همّه ذات نفسه فقط وهذا همه مع ذات نفسه ذوات عباد الله وامائه لينقذهم من يد إبليس ومردته ، فلذلك هو أفضل عند الله من ألف عابد وألف ألف عابدة[3]. 4 ـ وعنه (عليه السلام) قال : قال علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) : يقال للعابد يوم القيامة : «نعم الرجل كنت همتك ذات نفسك وكفيت مؤنتك فادخل الجنة» ، ألا ان الفقيه من أفاض على الناس خيره وأنقذهم من أعدائهم ووفر عليهم نعم جنان الله تعالى وحصل لهم رضوان الله تعالى . ويقال للفقيه : ياأيها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبيهم ومواليهم قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك ، فيقف فيدخل الجنة معه فئاماً وفئاماً وفئاماً ـ حتى قال عشراً ـ وهم الذين أخذوا عنه علومه وأخذوا عمن أخذ عنه وعمن أخذ عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة ، فانظروا كم صرف ما بين المنزلتين[4]. 5 ـ بهذا الاسناد ، عنه (عليه السلام) قال : قال محمد بن علي الجواد (عليهما السلام) : من تكفل بأيتام آل محمّد المنقطعين عن إمامهم المتحيرين في جهلهم الأسارى في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين برد وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربهم ودلائل أئمتهم ، ليحفظوا عهد الله على العباد بأفضل الموانع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء ، وفضلهم على العباد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء[5]. 6 ـ بهذا الاسناد عنه (عليه السلام) قال : قال علي بن محمّد (عليهما السلام) لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلاّ إرتدّ عن دين الله ، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها ، اولئك هم الأفضلون عند الله عزوجل[6].
1 ـ التوحيد في نصوص الإمام العسكري (عليه السلام) 1 ـ روى الكليني ، مسنداً عن يعقوب بن إسحاق قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله : كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟ فوقّع (عليه السلام) : ياأبا يوسف جلَّ سيّدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يُرى . قال : وسألته : هل رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربّه ؟ فوقّع (عليه السلام) : إنَّ الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبَّ[7]. 2 ـ وروى عن سهل ، قال : كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) سنة خمس وخمسين ومائتين : قد اختلف ياسيّدي أصحابنا في التوحيد ، منهم من يقول : هو جسم ومنهم من يقول : هو صورةٌ ، فإن رأيت ياسيّدي أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطوّلاً على عبدك . فوقّع بخطّه (عليه السلام) : سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول ، الله واحد أحدٌ ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، خالقٌ وليس بمخلوق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك وليس بجسم ، ويصوّر ما يشاء وليس بصورة جلَّ ثناؤه وتقدست أسماؤه أن يكون له شبه ، هو لا غيره ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . [8]
2 ـ أهل البيت (عليهم السلام) والإمامة عند الإمام العسكري (عليه السلام) لقد أشاد الإمام (عليه السلام) بفضل أهل البيت الذين هم مصدر الوعي ، والإيمان في دنيا الإسلام ، حيث قال (عليه السلام) : «قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة ، والولاية ، ونوّرنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة ، فنحن ليوث الوغى ، وغيوث الندى ، وفينا السيف والقلم في العاجل ، ولواء الحمد والعلم في الآجل ، وأسباطنا خلفاء الدين ، وحلفاء اليقين ، ومصابيح الأمم ، ومفاتيح الكرم فالكريم لبس حلة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء ، وروح القدس في جنان الصاقورة[9]ذاق من حدائقنا الباكورة[10] وشيعتنا الفئة الناجية ، والفرقة الزاكية ، صاروا لنا ردءً وصوناً ، وعلى الظلمة إلباً.. وسينفجر لهم ينابيع الحيوان ، بعد لظى النيران ، لتمام الرواية ، والغواشي من السنين . .»[11]. 2 ـ قال أحمد بن إسحاق : دخلت على مولانا أبي محمّد الحسن بن عليٍّ العسكريِّ (عليهما السلام) فقال : ياأحمد ما كان حالكم فيما كان فيه النّاس من الشكِّ والارتياب ؟ فقلت له : ياسيّدي لمّا ورد الكتاب لم يبق منّا رجل ولا إمرأة ولا غلام بلغ الفهم إلاّ قال بالحقِّ ، فقال : احمد الله على ذلك ياأحمد أما علمتم أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة وأنا ذلك الحجّة ـ أو قال : أنا الحجّة ـ . [12] 3 ـ قال أحمد بن إسحاق : خرج عن أبي محمّد (عليه السلام) إلى بعض رجاله في عرض كلام له : ما مني أحدٌ من آبائي (عليهم السلام) بما منيت به من شكِّ هذه العصابة فيَّ ، فإن كان هذا الأمر أمراً اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ثمَّ ينقطع فللشكِّ موضعٌ ، وإن كان متّصلاً ما اتّصلت اُمور الله عزَّوجلَّ فما معنى هذا الشكِّ ؟![13]
الإمام المهدي (عليه السلام)في تراث الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) روي عن الحسن بن ظريف انه قال : اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب فيهما الى أبي محمد (عليه السلام) فكتبت أسأله عن القائم (عليه السلام) إذا قام بما يقضي وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحمّى الرّبع فأغفلت خبر الحمّى . فجاء الجواب : «سألت عن القائم فإذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود (عليه السلام) لا يسأل البيّنة ، وكنت أردت أن تسأل لحمّى الربع فأنسيت ، فاكتب ورقة وعلّقه على المحموم فإنّه يبرأ بإذن الله إن شاء الله: ( يانار كونى برداً وسلاماً على إبراهيم ) . قال : فعلّقنا عليه ما ذكر أبو محمد (عليه السلام) فأفاق[14]. وبشر الإمام العسكري (عليه السلام) ، خواص شيعته بولادة الحجة المنتظر الإمام المهدي(عليه السلام) ; ضمن مكاتباته إليهم ، أو حينما كانوا يحضرون عنده . وقد مرّت علينا مجموعة من هذه النصوص في الفصل الثاني من الباب الرابع عند بحث عن متطلبات الجماعة الصالحة في عصر الإمام العسكري(عليه السلام)[15] . |
|