النص عليه بالخلافة |
من نعم الله تبارك وتعالى على خلقه تمييزهم من سائر الخلق الآخرين بميزات خاصة يترتب عليها مسؤوليات كبيرة تجاه أنفسهم وتجاه مجتمعهم. وأهل البيت (عليهم السلام) تميزوا عن غيرهم من الناس: بالعلم والأخلاق والتقى والورع. إلى جانب هذا كله خصهم جدهم الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بنص خاص مفاده تنصيبهم أئمة للأمة الإسلامية فكانوا كما أراد (صلّى الله عليه وآله) سدنة الدين وأعلاماً للنجاة ونجوم هداية لكل ضال عن الطريق الصحيح المرسوم من رب العالمين. وقد تواترت النصوص الدالة على الأئمة (عليهم السلام) حتى أن لبعض الأعلام كتباً مستقلة فيها، مضافاً لما تفرق منها في بطون مراجع ومصادر الحديث والسير والتراجم. وكان الأئمة بدورهم (عليهم السلام) ينص المتقدم منهم على المتأخر، ويشير السابق على اللاحق قبل انتقاله إلى الدار الآخرة قطعاً للمعاذير وإقامة الحجة. والنصوص الدالة على إمامة محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قسمان: أحدهما: المروية من النبي نفسه (صلّى الله عليه وآله) في جملة الاثني عشر وهي كثيرة مثل ما روي أن الله تعلى أنزل إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) كتاباً مختوماً باثني عشر خاتماً وأمره أن يدفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ويأمره أن يفض الخاتم الأول فيه فيعمل بما تحته، ثم يدفعه عند حضور وفاته إلى الحسن (عليه السلام) ويأمره بفض الخاتم الثاني، ويعمل بما تحته، ثم يدفعه عند حضور وفاته إلى الحسين فيفض الخاتم الثالث ويعمل بما تحته، ثم يدفعه عند حضور وفاته إلى الحسين فيفض الخاتم الثالث ويعمل بما تحته، ثم يدفعه عند وفاته إلى ابنه علي بن الحسين ويأمره بمثل ذلك ثم يدفعه إلى ابنه محمد بن علي ويأمره بمثل ذلك ثم يدفعه إلى ولده حتى ينتهي إلى آخر الأئمة (عليهم السلام)(1). أما فيما يعود على إمامة الإمام الباقر (عليه السلام) من قبل أبيه الإمام زين العابدين (عليه السلام) فأحاديث كثيرة منها: قال جابر ابن يزيد الجعفي: (حدثني وصي الأوصياء، ووارث علم الأنبياء، محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام)(2). روى البياض قال: (دخل جابر إلى زين العابدين (عليه السلام) فرأى عنده غلاماً فقال له: اقبل فأقبل، فقال له: أدبر فأدبر، فقال جابر: شمائل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ثم قال لزين العابدين من هذا؟ قال: ابني ووصي وخليفتي من بعدي، اسمه محمد الباقر فقام جابر وقبل رأسه ورجليه وأبلغه سلام جده وأبيه (صلّى الله عليه وآله))(3). وقال الزهري: دخلت على علي بن الحسين في مرضه الذي توفي فيه… فقلت: يا ابن رسول الله إن كان لابد لنا منه فإلى من نختلف بعدك؟ قال (عليه السلام): يا أبا عبد الله إلى ابني هذا ـ وأشار إلى ابنه محمد ـ إنه وصي ووارثي، وعيبة علمي، معدن الحلم، باقر العلم قال (عليه السلام): سوف يختلف إليه ملأ من شيعتي، ويبقر العلم عليهم بقراً (4). قال جابر بن عبد الله الأنصاري: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنك ستبقى حتى ترى رجلاً من ولدي، أشبه الناس بي، اسمه على اسمي، إذا رأيته لم يخف عليك، فاقرأه مني السلام (5) وقال (صلّى الله عليه وآله) لجابر: يا جابر يوشك أن تلحق بولد من ولد الحسين (عليه السلام) اسمه كاسمي، يبقر العلم بقرأ، أي يفجره تفجيراً، فإذا رأيته فاقرأه مني السلام. قال جابر (رضي الله عنه): فأخر الله مدتي، حتى رأيت الباقر، فقرأته السلام عن جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(6). وروى الخزّاز بإسناده عن أبي خالد الكابلي قال: (دخلت على علي بن الحسين (عليه السلام) وهو جالس في محرابه فجلست حتى انثنى وأقبل علي بوجهه يمسح يده على لحيته، فقلت: يا مولاي أخبرني كم يكون الأئمة بعدك؟ قال: ثمانية قلت: وكيف ذلك؟ قال: لأن الأئمة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اثنا عشر عدد الأسباط، ثلاثة من الماضين، وأنا الرابع وثمان من ولدي أئمة أبرار، من أحبنا وعمل بأمرنا كان معنا في السنام الأعلى، ومن أبغضنا وردنا أورد واحداً منا كافر بالله وبآياته)(7). جاء الإمام الباقر الدنيا فملأها بعلمه وحديثه وتفسيراته حتى قال جابر الجعفي حدثني أبو جعفر سبعين ألف حديث. وقال محمد بن مسلم سألته عن ثلاثين ألف حديث.
|
(1) أعلام الورى للفضل بن الحسن الطبرسي ص266 النص على الأئمة. (2) الإرشاد ص281. (3) الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي البياضي ج2 ص161 ـ 162. (4) كفاية الأثر وإثبات الوصية ص142. (5) تاريخ اليعقوبي ج3 ص63. (6) سبائك الذهب ص72. (7) كفاية الأثر لعلي بن محمد الخزاز القمي الرازي ص236. |