فهرس الفصل الثاني

مدرسة أهل البيت

أقام معاوية بن أبي سفيان دولة أموية قوية، عربية أعرابية كما وصفها الجاحظ. بناها على غرار القياصرة والأكاسرة بدماء كبار الصحابة والتابعين، كالإمام الحسن السبط، ابن بنت الرسول الأكرم وريحانته، وحجر بن عدي الكندي وأصحابه الأجلاء، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وغيرهم من كبار المسلمين. وقد عمل ابن هند على توريثها لابنه يزيد ظناً منه أنها ستبقى إلى أبد الآبدين.

ولكن الظلم لها نهاية والظالمين مصيرهم الهلاك المحتوم طال الزمان أم قصر، فبعد مقتل سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ريحانة الرسول الأعظم، بدأت دولة الأمويين بالتصدع ولم ينفعها حزم عبد الملك بن مروان ولا دهاء هشام بن عبد الملك ولا بطش الطاغية الحجاج بن يوسف الذي حصد الكثير من الرؤوس المؤمنة.

وفي عصر هشام بن عبد الملك ظهر تصدع الدولة الأموية وبدأت عندها الدعوة العباسية في إيران. في ذلك الوقت استغل الإمام الباقر (عليه السلام) هذا الظرف المناسب وفتح مدرسة أهل البيت الشهيرة والتي أتم مسيرتها الإمام جعفر الصادق من بعده.

تخرج من هذه المدرسة المباركة المئات من العلماء الأفاضل وكان ذلك مصداقاً لما أخبر به الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) جابر بن عبد الله الأنصاري: يا جابر يوشك أن تلحق بولد من ولد الحسين (عليه السلام) اسمه كاسمي، يبقر العلم بقراً، أي يفجره تفجيراً، فإذا رأيته فأقرأه مني السلام.

نعم، لقد بقر أبو جعفر العلم وفجره في جميع مجالات الحياة من خلال هذه المدرسة العظيمة. فمدرسة أهل البيت هي أول مدرسة فكرية أنشأت في الإسلام، وقد عملت بكل طاقاتها على تقدم حياة المسلمين

وتطويرها، ولم تقتصر علومها على التشريع الإسلامي، وإنما تناولت جميع العلوم والمعارف من الإدارة إلى الاقتصاد إلى الطب والكيمياء إلى الحكمة والفلسفة إلى علم الكلام وإلى العلوم السياسية.

هذه المؤسسة العظيمة قامت بدور هام في تأسيس هذه العلوم وتدوينها بعد أن منع الخليفة الأول والثاني تدوين الحديث الشريف لأن ذلك قد يؤثر في تلاوة القرآن وانشغال الناس بالحديث عن كتاب الله. ولا ريب هو اعتذار مهلهل لا واقع له ولا يدخل في حساب المنطق السليم.

روى السيد حسن الصدر أن الشيعة هم أول من عنوا بالفقه وتدوين بعض مسائله كالصلاة والوضوء وسائر الأبواب. من هؤلاء نذكر علي بن أبي رافع فقد كان من أعلام الشيعة وخيارهم في عصر الإمام علي بن أبي طالب كما كان كاتباً له. ألف كتاباً في فنون الفقه فصل فيه كل الأبواب المتعلقة بالعبادة.

ومؤلف آخر له شأن كبير في هذا الموضوع هو سليم بن قيس الهلالي الكوفي كان من أصحاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وعاش إلى زمن الطاغية الحجاج بن يوسف، وقد أراد هذا الفتك به فلجأ سليم إلى أبان بن عياش فآواه، وحينما حضرته الوفاة أعطاه كتابه المشهور باسمه، وهو أول كتاب ظهر للشيعة رواه أبان بن أبي عياش (1).

ومدرسة أهل البيت لم تقتصر على علم خاص بل اهتمت بجميع العلوم العلمية والفكرية والاجتماعية والأدبية والتاريخية.. وكان المؤسس الأول لها أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم تعهدها من بعده الأئمة الطاهرون من ولده. وقد نمت وازدهرت في عهد حفيده الإمام الباقر (عليه السلام) قام برعايتها خير قيام حتى باتت معروفة على صعيد العالم الإسلامي مما جعل العلماء يلتقون حوله من كل حدب وصوب وينهلون من نمير علومه ومعارفه وحكمه وتفسيراته. وقد روى عنه مجموعة كبيرة من العلماء الثقات علوماً كثيرة من جميع نواحي الاختصاص.

نقل بعض من شاهده في الحج قال: انثال عليه الناس يستفتونه عن المعضلات ويستفتحون أبواب المشكلات فلم يرم حتى أفتاهم من ألف مسألة ثم نهض يريد رحله (2).

قال مالك بن أعين الجهني يمدحه:

إذا طلب الناس علم الـــقرآن           كانــت قريش عليه عيالا

وإن قيل: أين ابن بنت النبي           نلــــت بذاك فروعاً طولا

نجوم تهلل لعــــمد لــــــجين           جبال تورث علماً جبالا (3)

 

(1) تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام.

(2) المناقب ج2 ص275.

(3) الإرشاد ص279.