مكتبة الإمام الباقر (ع)

فهرس الكتاب

 

رابعاً : الانحراف في الميدان الاقتصادي

لقد تصرّف الحكّام بالأموال العامّة وكأنّها ملك شخصي لهم، فكانوا ينفقونها حسب رغباتهم واهوائهم، على ملذاتهم وشهواتهم وكان للجواري والمغنيين نصيب كبير في بيت المال، كما كانوا ينفقون الأموال لشراء الذمم والضمائر، ويمنحونها لمن يشترك في تثبيت سلطانهم أو مدحهم والثناء عليهم، فقد مدح النابغة الشيباني يزيد بن عبد الملك فأمر له بمائة ناقة، وكساه وأجزل صلته[1].

فتنافس الشعراء فيما بينهم للحصول على مزيد من الأموال كما تنافس المغنّون لنيل الهدايا من الحكام أو ولاتهم.

وكان الحكّام يعيشون في أعلى مراتب الترف والبذخ، ويبذّرون أموال المسلمين على لهوهم وشهواتهم، وعلى المقربين لهم، في وقت كان كثير من الناس يعيشون حياة الفقر والجوع والحرمان .

وازداد التمييز الطبقي حينما عُطِّل مبدأ التكافل الاجتماعي، ولم تكترث الدولة بمعاناة الناس وهمومهم ولم تتدخل في الحث على الانفاق.

وقد ضاعف الحكّام من الضرائب، فاضافوا ضرائب جديدة على الصناعات والحرف وخصوصاً في عهد هشام بن عبد الملك، الذي كان ينفق ما تجمّع لديه على الشعراء المادحين له[2].

وقد وصف سليمان بن عبد الملك حالات الترف والمجون التي وصلوا اليها قائلاً: قد أكلنا الطيب، ولبسنا اللين، وركبنا الفاره، ولم يبق لي لذة إلاّ صديق أطرح معه فيما بيني وبينه مؤنة التحفظ[3].

وهكذا انساق الناس ـ وخصوصاً ـ أتباع الاُمويين وراء شهواتهم ورغباتهم، وانشغل الكثير في السعي للحصول على الأموال بأي وجه أمكن. 

 

الفصل الثالث

دور الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) في اصلاح الواقع الفاسد

 على الرغم من انحراف الحكّام وأجهزتهم الادارية والسياسية عن المبادئ الثابتة التي أرسى دعائمها القرآن الكريم والسنّة النبويّة; إلاّ أنّ القاعدة الفكرية والتشريعية للدولة بقيت متبنّاةً من قبل الحاكم وأجهزته في مظاهرها العامة، وعلى ضوء ذلك فإنّ دور الإمام (عليه السلام) كان دوراً اصلاحيّاً لإعادة الحاكم وأجهزته وإعادة الاُمة إلى الاستقامة في العقيدة والشريعة، وجعل الإسلام بمفاهيمه وقيمه هو الحاكم على الأفكار والعواطف والمواقف.

وكان اسلوب الإمام (عليه السلام) الاصلاحي متفاوتاً تبعاً لتفاوت الظروف التي كانت تحيط به، وبالحكم القائم، وبالاُمة المسلمة.

لقد كان الإمام (عليه السلام) مقصد العلماء من كل بلاد العالم الاسلامي. وما زار المدينة أحد إلاّ عرّج على بيته يأخذ من فضائله وعلومه، وكان يقصده كبار رجالات الفقه الاسلامي: كسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبي حنيفة.

وكان دوره (عليه السلام) في الاصلاح  يتركّز على  اتجاهين متزامنين:

الاتجاه الأول : التحرك في أوساط الاُمة وعموم الناس، بما فيهم المسلمون وأصحاب الديانات الاُخرى، فضلاً عن التحرك على الحكّام وأجهزتهم  لإعادتهم الى خطّ الاستقامة أو الحدّ من انحرافاتهم وحصرها في نطاق محدود.

الاتجاه الثاني: بناء الجماعة الصالحة لتقوم بدورها في إصلاح الأوضاع العامة للاُمة وللدولة طبقاً للاُسس والقواعد الثابتة التي أرسى دعائمها أهل البيت (عليهم السلام) بما ينسجم مع القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة.

[1] الاغاني: 7 / 109.

[2] المصدر السابق: 1 / 339.

[3] مروج الذهب: 3 / 76.