مكتبة الإمام الباقر (ع)

فهرس الكتاب

 

خامساً : الاصلاح الاقتصادي

لم يكن الإمام (عليه السلام) على رأس سلطة حتى يستطيع اصلاح الاوضاع الاقتصادية اصلاحاً عملياً وجذريّاً، ولذا اقتصر (عليه السلام) على نشر المفاهيم الاسلامية المرتبطة بالحياة الاقتصادية السليمة متمثّلة في النظام الاقتصادي الاسلامي ، والتي تعصم مراعاتها الانسان والمجتمع من الانحراف الاقتصادي التي من أسبابها: الانسياق وراء اشباع الشهوات اشباعاً مخلاً بالتوازن الاقتصادي ، فحدّد الإمام (عليه السلام) الاهداف المتوخاة من التصرّف بالاموال ، إذ جعل الله المال وسيلة لتحقيق الهدف الذي خلق الانسان من أجله ، وهو الوصول الى عبادة الله تعالى ، وتطبيق منهجه في الحياة، قال(عليه السلام) : « نعم العون الدنيا على طلب الآخرة »[1] .

وأوضح الأهداف المشروعة التي يبتغي طلب المال  من أجلها، فقال(عليه السلام) : «من طلب الرزق في الدنيا استعفافاً عن الناس ، وتوسيعاً على أهله ، وتعطفاً على جاره ; لقي الله عزّوجلّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر »[2].

واستعان (عليه السلام) بالأحاديث الشريفة الواردة في ضرورة المشروعية في التصرفات الاقتصادية ، فروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قال : « العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال »[3].

وأكّد (عليه السلام) على حرمة جملة من التصرفات المالية كالتطفيف في المكيال ، إذ قال (عليه السلام) : « اُ نْزِل في الكيل : ( ويل للمطففين ) ، ولم يجعل الويل لأحد حتى يسميه كافراً . . . »[4].

كما دعا(عليه السلام) الى استصلاح المال وتنمية الثروة بشكل صحيح بقوله(عليه السلام): «من المروءة استصلاح المال»[5].

وقدّم اشباع حاجات المسلمين وسد ثغرات حياتهم على أهم العبادات المستحبّة وهو الحج تطوعاً ، فقال(عليه السلام) : « لأن أحجّ حجة أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة ورقبة ـ حتى انتهى الى سبعين ـ ، ولأن أعول أهل بيت من المسلمين، أشبع جوعتهم وأكسو عورتهم وأكفّ وجوههم عن الناس أحبّ اليّ من أن أحجّ حجة وحجة ـ حتى انتهى الى عشر و عشر وعشر ومثلها حتى انتهى الى سبعين ـ »[6].

ودعا(عليه السلام) الى الترفّع عن الحرص والطمع حيث روى عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: « . . . لن تموت نفس حتّى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بغير حلّه ، فإنّه لا يدرك ما عند الله إلاّ بطاعته »[7].

ووجّه الأنظار الى الآثار السلبية للحرص فقال : « مثل الحريص على الدنيا ، كمثل دودة القزّ ، كلّما ازدادت على نفسها لفّاً ; كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غمّاً»[8].

وأكّد على زوال المال ما دام الانسان مخلوقاً للآخرة ومعرّضاً للفناء فقال : « ملك ينادي كل يوم : ابنَ آدم; لِدْ للموت ، واجمع للفناء ، وابن للخراب »[9].

دور الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) في اصلاح الواقع الفاسد         

أعلام الهداية / الإمام محمّد الباقر ( (عليه السلام) )

وكان (عليه السلام) يحثّ على القناعة لأنها إحدى مقدمات السعادة الروحية ، وقد تجلّى ذلك في سلوكه وقوله (عليه السلام) : « من قنع بما أوتي قرّت عينه »[10].

ودعا الى مراعاة القصد والوسطية وتجنّب الافراط والتفريط في الطرف والإنفاق  في مختلف الظروف واعتبره من المنجيات ، فقال(عليه السلام) : « امّا المنجيات فخوف الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر »[11].

كما حدّد الإمام(عليه السلام) لكل انسان حقّه ، وحذّر من الاعتداء على أموال الآخرين لأنها تؤدي الى الخلل الاقتصادي فضلاً عمّا لها من  تأثيرات سلبية اُخرى على المستقبل الاُخروي للفرد والمجتمع ، نلاحظ ذلك في قوله (عليه السلام) : « من أصاب مالاً من أربع لم يقبل منه أربع : من اصاب مالاً من غلول أو ربا أو خيانة أو سرقة ; لم يقبل منه في زكاة ولا صدقة ولا في حجّ ولا في عمرة »[12].

ومن أجل تحقيق التوازن الاقتصادي ، ورفع المستوى المعاشي لعموم الناس دعا (عليه السلام) الى الالتزام بالانفاق الواجب، فقال : « ان الله تبارك وتعالى قرن الزكاة بالصلاة . . . فمن أقام الصلاة ، ولم يؤت الزكاة ، فكأنه لم يقم الصلاة»[13].

وروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله : « ملعون كل مال لا يزكّى »[14].

وبيّن الآثار السلبية لمنع الزكاة فقال (عليه السلام) : « وجدنا في كتاب عليّ (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا منعت الزكاة منعت الأرض بركاتها »[15].

وحدّد (عليه السلام) حدود البذل بأنه الإيصال الى مرتبة إغناء الفقير لإنقاذه من الفقر وآثاره السلبية ، فقال (عليه السلام): « اذا أعطيته فأغنه »[16].

ولا يتحقق التوازن الاقتصادي ولا التكافل الاجتماعي إلاّ باشتراك جميع الناس في ممارسات مكثّفة لرفع المستوى الاقتصادي لجميع الفقراء والمعوزين ، من خلال القيام بالايثار والانفاق التطوعي مضافاً الى أداء الحقّ الشرعي الواجب، لذا حث (عليه السلام) على الاحسان وأداء اعمال البر والصدقة فقال: « البرّ والصدقة ينفيان الفقر ويزيدان في العمر ، ويدفعان سبعين ميتة سوء »[17].

وحث على معونة الاخوان وقضاء حوائجهم فقال(عليه السلام) : «من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام في حاجته ; ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر »[18].

وروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قال : « داووا مرضاكم بالصدقة . . . وحصنوا أموالكم بالزكاة »[19].

وحدّد الإمام (عليه السلام) موارد الانفاق المنسجمة مع الشريعة الإسلامية ، وأثبت انحراف الاُسلوب الذي قام به الحكّام حيث قاموا بتوزيع الأموال حسب أهوائهم ورغباتهم دون التقيد بالقيود التي وضعها المنهج الاسلامي .

فقد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله : « خمسة لعنتُهم وكلُّ نبيّ مجاب . . .، وذكر منهم: المستأثر بالفيء والمستحل له »[20].

كما حدّد (عليه السلام) موارد اعطاء الصدقات فقال : « ان الصدقة لا تحلّ لمحترف ، ولا لذي مرّة سوي قوي . . .»[21].

وكان (عليه السلام) يقوم بانفاق ما يحصل عليه على الفقراء والمعوزين لتقتدي به الاُمة ، وتعرف انحراف الممارسات المالية التي كان يقوم بها الحكام والمخالفة للاُسس الإسلامية والقواعد الثابتة للانفاق .

[1] الكافي : 5 / 73 .

[2] المصدر السابق : 5 / 78 .

[3] المصدر السابق.

[4]  تفسير نور الثقلين : 5 / 527 .

[5] الخصال : 1/10.

[6]  الكافي : 4 / 2 .

[7] المصدر السابق : 2 / 74 .

[8] المصدر السابق : 2 / 134 .

[9] المصدر السابق : 2 / 131 .

[10] سفينة البحار : 2 / 452 .

[11]  الخصال : 1 / 84 .

[12] أمالي الصدوق : 359 .

[13] الكافي : 3 / 506 .

[14] وسائل الشيعة : 9 / 29 .

[15] الكافي : 3 / 505 .

[16] المصدر السابق : 3 / 548 .

[17] الخصال : 1 / 48 .

[18] المحاسن : 99 .

[19] وسائل الشيعة : 9 / 29 .

[20] الكافي : 2 / 293 .

[21] وسائل الشيعة : 9 / 231 .