مكتبة الإمام الهادي

فهرس الكتاب

 

 

متفرقات

لزمتك الحجّة(1)

قال موسى بن محمد الرضا: لقيت يحيى بن أكثم في دار العامة، فسألني عن مسائل، فجئت إلى أخي علي بن محمد (عليه السّلام) فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصّرني طاعته، فقلت له: جعلت فداك إنّ ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها. فضحك (عليه السّلام) ثمّ قال: فهل أفتيته؟ قلت: ﻻ، لم أعرفها. قال: وما هي؟ قلت: كتب يسألني عن قول الله: (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك)(2) نبيّ الله كان محتاجاً إلى علم آصف؟ وعن قوله تعالى: (ورفع أبويه على العرش وخرّوا له سجّداً)(3) سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء؟ وعن قوله: (فإن كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب)(4) من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقد شكّ، وإن كان المخاطب غيره فعلى من إذاً أنزل الكتاب؟ وعن قوله تعالى: (ولو أنّما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله)(5) ما هذه الأبحر؟ وأين هي؟ وعن قوله تعالى: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين)(6) فاشتهت نفس آدم أكل البرّ فأكل وأطعم فكيف عوقب؟ وعن قوله: (أو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً)(7) يزوج الله عباده الذكران وقد عاقب قوماً فعلوا ذلك؟! وعن شهادة المرأة جازت وحدها، وقد قال الله: (واشهدوا ذوي عدل منكم)(8). وعن الخنثى وقول عليّ (عليه السّلام): (يورث من المبال) فمن ينظر إذا بال إليه مع أنّه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال، أو عسى أن يكون رجلاً وقد نظرت إليه النساء وهذا ما لا يحلّ؟ وشهادة الجار إلى نفسه ﻻ تقبل. وعن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها، فلمّا بصر بصاحبها خلّى سبيلها فدخلت بين الغنم، كيف تذبح، وهل يجوز أكلها أم ﻻ؟ وعن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار، وإنّما يجهر في صلاة الليل؟ وعن قول عليّ (عليه السّلام) لابن جرموز: (بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار) فلم يقتله وهو إمام؟ وأخبرني عن علي (عليه السّلام): لم قتل أهل صفين وأمر بذلك مقبلين ومدبرين، وأجاز على الجرحى، وكان حكمه يوم الجمل أنّه لم يقتل مولّياً، ولم يجز على جريح، ولم يأمر بذلك، وقال: (من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن) لمن فعل ذلك؟ فإن كان الحكم الأوّل صواباً فالثاني خطأ. وأخبرني عن رجل أقرّ باللواط على نفسه أيحدّ أم يدرأ عنه الحدّ؟ قال (عليه السّلام): أكتب إليه. قلت: وما أكتب؟ قال (عليه السّلام): اكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، وأنت فألهمك الله الرشد أتاني كتابك فامتحنتنا به من تعنّتك لتجد إلى الطعن سبيلاً إن قصّرنا فيها، والله يكافئك على نيّتك، وقد شرحنا مسائلك فأصغ إليها سمعك، وذلّل لها فهمك، واشغل بها قلبك، فقد لزمتك الحجّة، والسلام.

سألت عن قول الله جلّ وعزّ: (قال الذي عنده علم من الكتاب) فهو آصف بن برخيا، ولم يعجز سليمان (عليه السّلام) عن معرفة ما عرف آصف، لكنّه صلوات الله عليه أحبّ أن يعرف أمّته من الجنّ والإنس أنّه الحجّة من بعده، وذلك من علم سليمان (عليه السّلام) أودعه عند آصف بأمر الله ففهّمه ذلك لئلا يختلف عليه في إمامته ودلالته، كما فهّم سليمان في حياة داود (عليه السّلام) لتعرف نبوّته وإمامته من بعده لتأكّد الحجّة على الخلق.

وأمّا سجود يعقوب (عليه السّلام) وولده فكان طاعة لله ومحبّة ليوسف (عليه السّلام)، كما أنّ السجود من الملائكة لآدم (عليه السّلام) لم يكن لآدم (عليه السّلام)، وإنّما كان ذلك طاعة لله ومحبّة منهم لآدم (عليه السّلام)، فسجود يعقوب (عليه السّلام) وولده ويوسف (عليه السّلام) معهم كان شكراً لله باجتماع شملهم، ألم تره يقول في شكره ذلك الوقت: (ربّ قد آتيتني من الملك وعلّمتني من تأويل الأحاديث)(9) إلى آخر الآية.

وأمّا قوله: (فإن كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب) فإنّ المخاطب به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يكن في شكّ ممّا أنزل إليه، ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث الله نبيّاً من الملائكة إذ لم يفرّق بين نبيّه وبيننا في الاستغناء عن المآكل والمشارب والمشي في الأسواق؟ فأوحى الله إلى نبيّه: (فاسأل الذين يقرءون الكتاب) بمحضر الجهلة هل بعث الله رسولاً قبلك إلاّ وهو يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ولك بهم أسوة، وإنّما قال: (فإن كنت في شكّ) ولم يكن شكّ، ولكن للنصفة، كما قال تعالى: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)(10) ولو قال: (عليكم) لم يجيبوا إلى المباهلة، وقد علم الله أنّ نبيّه يؤدّي عنه رسالاته وما هو من الكاذبين، فكذلك عرف النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه صادق فيما يقول، ولكن أحبّ أن ينصف من نفسه.

وأمّا قوله: (ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) فهو كذلك، لو أنّ أشجار الدنيا أقلام والبحر يمدّه سبعة أبحر وانفجرت الأرض عيوناً لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله، وهي: عين الكبريت، وعين النمر، وعين [ال] برهوت، وعين طبريّة، وحمّة ماسبذان، وحمّة أفريقية تدعى لسنان، وعين بحرون، ونحن كلمات الله التي ﻻ تنفد ولا تدرك فضائلنا.

وأمّا الجنّة فإنّ فيها من المآكل والمشارب والملاهي ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، وأباح الله ذلك كلّه لآدم (عليه السّلام)، والشجرة التي نهى الله عنها آدم (عليه السّلام) وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد، عهد إليهما أن ﻻ ينظر إلى من فضّل الله على خلائقه بعين الحسد، فنسى ونظر بعين الحسد ولم نجد له عزماً.

وأمّا قوله: (أو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً) أي: يولد له ذكور، ويولد له أناث، يقال لكلّ اثنين مقرنين: زوجان، كلّ واحد منها زوج، ومعاذ الله أن يكون عنى الجليل ما لبّست به على نفسك، تطلب الرخص لارتكاب المآثم، (ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهاناً)(11) إن لم يتب.

وأمّا شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة جازت شهادتها مع الرضى، فإن لم يكن رضى فلا أقلّ من امرأتين، تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة، لأنّ الرجل ﻻ يمكنه أن يقوم مقامها، فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها.

وأمّا قول عليّ (عليه السّلام) في الخنثى فهي كما قال: ينظر قوم عدول يأخذ كلّ واحد منهم مرآة وتقوم الخنثى خلفهم عريانة وينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه.

وأمّا الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها وأحرقها، وإن لم يعرفها قسّم الغنم نصفين وساهم بينهما فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر، ثمّ يفرّق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتّى تبقى شاتان فيقرع بينهما فأيّتهما وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم.

وأمّا صلاة الفجر فالجهر فيها بالقراءة، لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يغلّس بها، فقراءتها من الليل.

وأمّا قول علي (عليه السّلام): (بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار) فهو لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان ممّن خرج يوم النهروان فلم يقتله أمير المؤمنين (عليه السّلام) بالبصرة لأنّه علم أنّه يقتل في فتنة النهروان.

وأمّا قولك: إنّ علياً (عليه السّلام) قتل أهل صفين مقبلين ومدبرين، وأجاز على جريحهم وإنّه يوم الجمل لم يتبع مولّياً ولم يجز على جريح، ومن ألقى سلاحه آمنه، ومن دخل داره آمنه، فإنّ أهل الجمل قتل إمامهم، ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها، وإنّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين، رضوا بالكفّ عنهم، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكفّ عن أذاهم، إذ لم يطلبوا عليه أعواناً، وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدّة، وإمام يجمع لهم السلاح والدروع والرماح والسيوف، ويسني لهم العطاء، ويهيّئ لهم الأنزال، ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم ويداوي جريحهم، ويحمل راجلهم، ويكسو حاسرهم، ويردّهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم، فلم يساو بين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم في قتال أهل التوحيد لكنّه شرح ذلك لهم فمن رغب عرض على السيف أو يتوب من ذلك.

وأمّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم تقم عليه بيّنة، وإنّما تطوّع بالإقرار من نفسه، وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمنّ عن الله، أما سمعت قوله الله: (هذا عطاؤنا)(12)، قد أنبأناك بجميع ما سألتنا عنه، فاعلم ذلك.

المؤمن والجذام(13)

إنّ أكل البطّيخ يورث الجذام.

فقيل له: أليس قد أمن المؤمن إذا أتى عليه أربعون سنة من الجنون والجذام والبرص؟

قال (عليه السّلام): نعم، ولكن إذا خالف المؤمن ما أمر به ممّن آمنه لم يأمن أن تصيبه عقوبة الخلاف.

ما يكون إلاّ خيراً(14)

عن كافور الخادم بهذا الحديث قال: كان في الموضع مجاور الإمام من أهل الصنائع صنوف من الناس وكان الموضع كالقرية وكان يونس النقّاش يغشى سيّدنا الإمام (عليه السّلام) ويخدمه. فجاءه يوماً يرعد فقال له: يا سيّدي أوصيك بأهلي خيراً، قال:

وما الخبر؟

قال: عزمت على الرّحيل، قال: ولم يا يونس؟ وهو متبسّم، قال:

قال: موسى بن بغا وجّه إليّ بفصّ ليس له قيمة أقبلت انقّشه فكسرته باثنين وموعده غداً وهو موسى بن بغا إمّا ألف سوط أو القتل.

قال: امض إلى منزلك إلى غد، فما يكون إلاّ خيراً، فلمّا كان من الغد وافى بكرة يرعد.

فقال: قد جاء الرسول يلتمس الفصّ قال: امض إليه فما ترى إلاّ خيراً.

قال: وما أقول له يا سيّدي؟

قال: فتبسّم وقال: امض إليه واسمع ما يخبرك به، فلن يكون إلاّ خيراً.

قال: فمضى وعاد يضحك قال، قال لي يا سيّدي: الجواري اختصمن فيمكنك أن تجعله فصّين حتّى نغنيك؟

فقال: سيّدنا الإمام (عليه السّلام): اللّهم لك الحمد إذ جعلتنا ممّن يحمدك حقّاً، فأيش قلت له؟

قال: قلت: أمهلني حتّى أتأمّل أمره كيف أعمله؟ فقال: أصبت.

ستخرب سامرّاء(15)

يا أبا موسى أخرجت إلى سرّ من رأى كرهاً ولو أخرجت عنها خرجت كرهاً.

قال قلت: ولم يا سيّدي؟

قال: لطيب هوائها، وعذوبة مائها، وقلّة دائها.

ثمّ قال: تخرب سرّ من رأى حتّى يكون فيها خان وبقّال للمارّة وعلامة تدارك خرابها تدارك العمارة في مشهدي من بعدي.

سترى ما تحب(16)

روي أنّ هبة الله بن أبي منصور الموصلي قال: كان بديار ربيعة (قرية قرب موصل) كاتب نصرانيّ وكان من أهل كفر توثا يسمّى يوسف بن يعقوب وكان بينه وبين والدي صداقة، قال: فوافانا فنزل عند والدي فقال له والدي: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: قد دعيت إلى حضرة المتوكّل ولا أدري ما يراد منّي إلاّ أنّي اشتريت نفسي من الله بمائة دينار، وقد حملتها لعليّ بن محمد ابن الرضا (عليه السّلام) معي فقال له والدي: قد وفّقت في هذا. قال: وخرج إلى حضرة المتوكّل وانصرف إلينا بعد أيّام قلائل فرحاً مستبشراً، فقال له والدي: حديثك قال: صرت إلى سرّ من رأى وما دخلتها قطّ فنزلت في دار وقلت أحب أن أوصل المائة إلى ابن الرّضا (عليه السّلام) قبل مصيري إلى باب المتوكّل وقبل أن يعرف أحد قدومي قال: فعرفت أنّ المتوكّل قد منعه من الرّكوب وأنّه ملازم لداره. فقلت: كيف أصنع رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضّا؟ ﻻ آمن أن يغدر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره. قال: ففكّرت ساعة في ذلك فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج في البلد فلا أمنعه من حيث يذهب لعليّ أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحداً. قال: فجعلت الدّنانير في ورقة وجعلتها في كمّي وركبت فكان الحمار يخترق الشوارع والأسواق يمرّ حيث يشاء إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدّار، فقيل: هذه دار عليّ بن محمّد ابن الرضّا (عليه السّلام)! فقلت: الله أكبر دلالة والله مقنعة. قال: وإذا خادم أسود قد خرج من الدار فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم. قال: انزل فنزلت فأقعدني في الدّهليز ودخل فقلت في نفسي وهذه دلالة أخرى من أين عرف هذا الخادم اسمي واسم أبي وليس في هذا البلد من يعرفني ولا دخلته قطّ. قال: فخرج الخادم فقال: المائة دينار الّتي في كمّك في الورقة هاتها! فناولته إيّاها فقلت: وهذه ثالثة، ثمّ رجع إليّ فقال: ادخل فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده. فقال:

يا يوسف أما آن لك أن تسلم؟

فقلت: يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى.

فقال: هيهات أما إنّك ﻻ تسلم ولكن سيسلم ولدك فلان، وهو من شيعتنا، يا يوسف إنّ أقواماً يزعمون أنّ ولايتنا ﻻ تنفع أمثالك، كذبوا والله أنها لتنفع أمثالك امض فيما وافيت له فإنّك سترى ما تحبّ وسيولد لك ولد مبارك.

قال: فمضيت إلى باب المتوكّل فقلت كلّ ما أردت فانصرفت.

قال: هبة الله: فلقيت ابنه بعد موت أبيه وهو مسلم حسن التشيّع فأخبرني أنّ أباه مات على النصرانيّة، وأنّه أسلم بعد موت والده، وكان يقول: أنا بشارة مولاي (عليه السّلام).

مات الواثق(17)

عن الخيراني الأسباطي، قال: قدمت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد (عليهما السلام) بالمدينة، فقال لي:

ما خبر الواثق عندك؟

قلت: جعلت فداك خلّفته في عافية، أنا من أقرب الناس عهداً به، عهدي به منذ عشرة أيّام.

فقال: إنّ الناس يقولون: إنّه مات فعلمت أنّه يعني نفسه، ثمّ قال: ما فعل جعفر؟ قلت: تركته أسوأ الناس حالاّ في السجن.

قال: فقال: أما إنّه صاحب الأمر ثمّ قال: ما فعل ابن الزيّات؟

قلت: الناس معه والأمر أمره.

فقال: أما أنّه شؤم عليه. ثمّ سكت وقال لي: لابدّ أن تجري مقادير الله وأحكامه، يا خيران مات الواثق، وقعد المتوكّل جعفر وقتل ابن الزيّات.

قلت: متى جعلت فداك؟

فقال: بعد خروجك بستّة أيّام.

قلبك أشدّ سواداً(18)

حدثني أبو الحسن محمّد بن إسماعيل بن أحمد القهقليّ الكاتب بسرّ من رأى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة قال: حدثني أبي قال: كنت بسرّ من رأى أسير في درب الحصا فرأيت يزداد الطبيب النصرانيّ تلميذ بختيشوع وهو منصرف من دار موسى بن بغا فسايرني وأفضي الحديث إلى أن قال لي: أترى هذا الجدار؟ تدري من صاحبه؟ قلت: ومن صاحبه؟ قال: هذا الفتى العلويّ الحجازيّ - يعني: عليّ بن محمّد بن الرضا (عليه السّلام) - وكنّا نسير في فناء داره. قلت ليزداد: نعم فما شأنه؟ قال: إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو. قلت: فكيف ذلك؟ قال: أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها، أبداً ولا غيرك من الناس ولكن لي الله عليك كفيل وراع أن ﻻ تحدّث به أحداً فإنيّ رجل طبيب، ولي معيشة أرعاها عند السلّطان، وبلغني أنّ الخليفة استقدمه من الحجاز فرقاً منه لئلا ينصرف إليه وجوه الناس فيخرج هذا الأمر عنهم يعني: بني العباس. قلت: لك عليّ ذلك فحدثني به، وليس عليك بأس إنّما أنت رجل نصراني، لا يتّهمك أحد فيما تحدّث به عن هؤلاء القوم. قال: نعم أعلمك. إنيّ لقيته منذ أيّام وهو على فرس أدهم، وعليه ثياب سود، وعمامة سوداء، وهو أسود اللّون، فلمّا بصرت به وقفت إعظاماً له وقلت في نفسي - ﻻ وحقّ المسيح ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس - قلت في نفسي ثياب سوداء، ودابّة سوداء، ورجل أسود سواد في سواد فلما بلغ إليّ نظر إليّ وأحدّ النظر وقال:

قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد.

قال أبي رحمه الله: فقلت له: أجل فلا تحدث به أحداً، فما صنعت وما قلت له؟

قال: أسقطت في يدي فلم أحر جواباً.

قلت له: فما ابيضّ قلبك لما شاهدت؟

قال: الله أعلم.

قال أبي: فلمّا اعتلّ يزداد بعث إليّ فحضرت عنده.

فقال: إنّ قلبي قد ابيضّ بعد سواد فأنا أشهد أن ﻻ إله إلاّ الله وحده ﻻ شريك له، وأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنّ عليّ بن محمّد حجّة الله على خلقه، وناموسه الأعظم، ثمّ مات في مرضه ذلك وحضرت الصّلاة عليه، رحمه الله.

سمّه محمّداً(19)

أيوب بن نوح قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السّلام) أنّ لي حملاً فادع الله أن يرزقني ابناً فكتب إليّ:

إذا ولد لك فسمّه محمّداً، قال: فولد لي ابن فسميّته محمّداً.

ابنة خير(20)

أيوب بن نوح قال كان ليحيى بن زكريا حمل فكتب إليه: أنّ لي حملاً فادع الله أن يرزقني ابناً فكتب إليه:

ربّ ابنة خير من ابن، فولدت له ابنة.

ستكفى أمره(21)

أيوب بن نوح قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السّلام): قد تعرّض لي جعفر بن عبد الواحد القاضي - وكان يؤذيني بالكوفة - أشكو إليه ما ينالني منه من الأذى، فكتب إليّ:

تكفى أمره إلى شهرين، فعزل عن الكوفة في شهرين واسترحت منه.

بعد ثلاثة أيام(22)

حدثني أبو الحسين سعيد بن سهيل البصريّ وكان يلقّب بالملاح قال: وكان يقول بالوقف جعفر بن القاسم الهاشمي البصريّ وكنت معه بسرّ من رأى إذ رآه أبو الحسن (عليه السّلام) في بعض الطرق، فقال له:

إلى كم هذه النومة؟

أما آن لك أن تنتبه منها؟

فقال لي جعفر: سمعت ما قال لي عليّ بن محمّد؟ قد والله وقع في قلبي شيء.

فلما كان بعد أيام حدث لبعض أولاد الخليفة وليمة فدعانا فيها ودعا أبا الحسن معنا، فدخلنا فلما رأوه أنصتوا إجلالاً له، وجعل شاب في المجلس ﻻ يوقّره، وجعل يلغط ويضحك، فأقبل عليه فقال له: يا هذا أتضحك ملء فيك وتذهل عن ذكر الله وأنت بعد ثلاثة أيام من أهل القبور؟

قال: فقلنا هذا دليل حتى ننظر ما يكون.

قال: فأمسك الفتى وكفّ عما هو عليه، وطعمنا وخرجنا، فلما كان بعد يوم اعتلّ الفتى ومات في اليوم الثالث من أول النهار، ودفن في آخره.

رزق غير مقسوم(23)

حدثّني سعيد قال: اجتمعنا في وليمة لبعض أهل سرّ من رأى وأبو الحسن (عليه السّلام) معنا فجعل رجل يعبث ويمزح، ولا يرى له جلاله فأقبل على جعفر فقال:

أما إنّه ﻻ يأكل من هذا الطعام، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغّص عليه عيشه.

قال: فقدّمت المائدة.

قال جعفر: ليس بعد هذا خبر، قد بطل قوله، فوالله لقد غسل الرّجل يده وأهوى إلى الطعام فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي وقال له:

الحق أمّك فقد وقعت من فوق البيت، وهي بالموت.

قال جعفر: فقلت والله ﻻ وقفت بعد هذا وقطعت عليه.

أيّام المتوكّل(24)

روي أنّ رجلاً من أهل المدائن كتب إليه يسأله عمّا بقي من ملك المتوكّل؟ فكتب (عليه السّلام):

بسم الله الرّحمن الرحيم قال: (تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلاّ قليلاً ممّا تأكلون * ثمّ يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدّمتم لهنّ إلاّ قليلاً ممّا تحصنون * ثمّ يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون)(25) فقتل في أوّل الخامس عشر.

غداً يدفن(26)

عن أحمد بن يحيى الأودي قال: دخلت مسجد الجامع لأصلّى الظهر. فلمّا صليّته رأيت حرب بن الحسن الطحّان وجماعة من أصحابنا جلوساً فملت إليهم فسلّمت عليهم وجلست، وكان فيهم الحسن بن سماعة فذكروا أمر الحسن بن عليّ (عليهما السلام) وما جرى عليه ثمّ من بعد زيد بن عليّ وما جرى عليه ومعنا رجل غريب ﻻ نعرفه فقال: يا قوم عندنا رجل علويّ بسرّ من رأى من أهل المدينة يعرف بابن الرضا كنّا جلوساً معه على باب داره وهو جارنا نجلس إليه في كلّ عشيّة نتحدّث معه، إذ مرّ بنا قائد من دار السلطان، ومعه جمع كثير من القواد والرجّالة. فلمّا رآه علي بن محمّد وثب إليه وسلّم عليه وأكرمه فلمّا أن مضى قال لنا:

هو فرح بما هو فيه وغداً يدفن قبل الصلاة... فكان كما قال.

فإنّي في منزلي وقد صلّيت الفجر إذ سمعت غلبة فقمت إلى الباب فإذا خلق كثير من الجند وغيرهم، وهم يقولون مات فلان القائد البارحة سكر وعبر من موضع إلى موضع فوق واندقّت عنقه.

فقلت: أشهد أن ﻻ إله إلاّ الله وخرجت أحضره وإذا الرجل كان كما قال أبو الحسن ميّت فما برحت حتّى دفنته ورجعت.

موعدهم الصبح(27)

عن عليّ بن يقطين بن موسى الأهوازي قال: كنت رجلاً أذهب مذاهب المعتزلة، وكان يبلغني من أمر أبي الحسن عليّ بن محمّد ما ﻻ أقبله، فدعتني الحال إلى دخولي بسرّ من رأى للقاء السلطان فدخلتها، فلمّا كان يوم وعد السلطان الناس أن يركبوا إلى الميدان. فلمّا كان من غد ركب الناس في غلائل القصب، بأيديهم المراوح وركب أبو الحسن (عليه السّلام) في زيّ الشتاء وعليه لبّاد وبرنس، وعلى سرجه تجفاف طويل وقد عقد ذنب دابّته، والناس يتعجّبون من ذلك وهو يقول:

ألا (إنّ موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب)(28).

فلمّا توسطّوا الصحراء، وجازوا بين الحائطين، ارتفعت سحابة وأرخت السماء عزاليها، وخاضت الدّواب إلى ركبها في الطين ولوّثتهم أذنابها، فرجعوا في أقبح زيّ، ورجع أبو الحسن (عليه السّلام) في أحسن زيّ، ولم يصبه شيء ممّا أصابهم.

فقلت: إن كان الله عزّ وجلّ أطلعه على هذا السرّ فهو حجّة.

ثمّ إنّه لجأ إلى بعض السقايف، فلمّا قرب نحى البرنس، وجعله على قربوس سرجه مرّات(29) ثمّ التفت إليّ وقال:

إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال، وإن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام، فصدّقته وقلت بفضله ولزمته.

 

1 - تحف العقول 476 - 481.

2 - سورة النمل: الآية 40.

3 - سورة يوسف: الآية 100.

4 - سورة يونس: الآية 94.

5 - سورة لقمان: الآية 27.

6 - سورة الزخرف: الآية 71.

7 - سورة الشورى: الآية 50.

8 - سورة الطلاق: الآية 2.

9 - سورة يوسف: الآية 101.

10 - سورة آل عمران: الآية 61.

11 - سورة الفرقان: الآية 68-69.

12 - سورة ص: الآية 39.

13 - تحف العقول 483: عن أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) أنّه قال يوماً.

14 - بحار الأنوار: ج 50 ص 125 ب 3 ح 2: الفحّام قال: حدثني المنصوري، عن عم أبيه وحدثني عمي.

15 - أمالي الطوسي 1/287 ج 10 ح 82 ومناقب ابن شهر آشوب 4/467: أخبرنا ابن الشيخ الطوسي عن والده عن أبي محمّد الفحام عن المنصوري، عن عمّ أبيه قال: قال يوماً الإمام عليّ بن محمّد (عليه السّلام).

16 - الخرائج والجرائح 1/396-398 باب 11 ح 3.

17 - إعلام الورى 358 ب 9 الفصل 3. وأصول الكافي 1/498 ح 1. والإرشاد 329: محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوشاء.

18 - بحار الأنوار 50/161 - 162 ح 50: عن كتاب النجوم قال: روينا بإسنادنا إلى محمّد بن جرير الطبري بإسناده قال:..

19 - كشف الغمة 2/385.

20 - كشف الغمة 2/385، والخرائج والجرائح 1/398 صدر ح 4.

21 - كشف الغمة 2/385، والخرائج والجرائح 1/399 ذيل ح 4.

22 - إعلام الورى 364 ب 9 الفصل 3 قال الحسن بن محمّد بن جمهور العمى قال.

23 - إعلام الورى 364 ب 9 الفصل 3.

24 - عيون المعجزات 132 - 133.

25 - سورة يوسف 47- 49.

26 - بحار الأنوار 50/186 - 187 عن رجال النجاشي: جعفر بن محمّد المؤدب، عن أحمد بن محمّد.

27 - بحار الأنوار 50/187 - 188 ح 65 عن كتاب عتيق الغروي: أبو الفتح غازي بن محمّد الطرائفي، عن عليّ بن عبد الله الميمونيّ عن محمّد بن عليّ بن معمر.

28 - سورة هود: الآية 81.

29 - كأنه يريد بالبرنس قلنسوته فقط، وكان قد نوى في ضميره أنه (عليه السّلام) إن أخذ قلنسوة برنسه من رأسه، وجعله على قربوس سرجه ثلاث مرات! فهو الحجة، ثمّ إنّه يسأله عن عرق الجنب أيصلي فيه أم ﻻ؟