مكتبة الإمام الهادي

فهرس الكتاب

 

 

المنتصر بالله (247 ـ 248 هـ )

هو محمّد بن المتوكل بن المعتصم ابن الرشيد، اُمه اُم ولد رومية اسمها حبشيّة. بُويع له بعد قتل أبيه في شوال سنة (247 هـ ) وخلع أخويه المعتزّ والمؤيد من ولاية العهد وقالوا عنه: انّه أظهر العدل والانصاف في الرعيّة فمالت إليه القلوب مع شدّة هيبتهم له، وكان كريماً حليماً وممّا نقل عنه قوله: لذّة العفو أعذب من لذّة التشفّي وأقبح أفعال المقتدر الانتقام. ولكنّه لم يمتّع بالخلافة إلاّ أشهراً معدودة دون ستة أشهر.

وقال الثعالبي: ومن العجائب أن أعرق الأكاسرة في الملك ـ وهو شيرويه ـ قتل أباه فلم يعش بعده إلاّ ستة أشهر. وأعرق الخلفاء في الخلافة ـ وهو المنتصر ـ قتل أباه فلم يمتع بعده سوى ستة أشهر[1]

 

المنتصر والعلويين

وكان المنتصر ليّناً مع العلويين المظلومين في عهد أبيه . فعطف عليهم ووجّه بمال فرّقه عليهم وكان يؤثر مخالفة ابيه في جميع احواله ومضادة مذهبه طعناً عليه ونصرة لفعله . [2]

وكان محسناً لآل أبي طالب حيث رفع عنهم ما كانوا فيه من الخوف والمحنة بمنعهم من زيارة قبر الحسين (عليه السلام) ورد على آل الحسين فدكاً .

فقال يزيد المهلبي في ذلك :

ولقد بررت الطالبية بعدما***ذموا زماناً بعدها وزمانا

ورددت ألفة هاشم فرأيتهم***بعد العداوة بينهم إخوانا[3]

يقول أبو الفرج عنه : وكان المنتصر يظهر الميل إلى اهل البيت(عليهم السلام) ويخالف اباه في افعاله فلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس أو مكروه[4].

ولما ولي المنتصر صار يسب الاتراك ويقول : هؤلاء قتلة الخلفاء فعملوا عليه وهموا به فعجزوا عنه لأنه كان مهيباً شجاعاً فطناً متحرزاً فتحيلوا إلى أن دسّوا إلى طبيبه ابن طيفور ثلاثين الف دينار في مرضه فأشار بفصده ثم فصده بريشة مسمومة فمات[5].

 

المستعين (248 ـ 252 هـ )

هو أحمد بن المعتصم بن الرشيد فهو أخو المتوكّل، ولد سنة (221 هـ ) واُمه اُم ولد اسمها مخارق، اختاره القوّاد بعد موت المنتصر، ثم تنكّر له الأتراك لمّا نفى باغر التركي الذي فتك بالمتوكل، وقتل وصيفاً وبُغى. ولهذا خافهم وانحدر من سامراء الى بغداد، فأرسلوا إليه يعتذرون ويخضعون له ويسألونه الرجوع فامتنع، فقصدوا الحبس وأخرجوا المعتز وبايعوه وخلعوا المستعين، ثم جهّز جيشاً كثيفاً لمحاربة المستعين واستعد أهل بغداد للقتال مع المستعين.

 

الثورات في عصره

لم يدم حكم المستعين سوى أربع سنوات وأشهر، وقد تميّزت فترة حكمه بالاضطرابات التي تعود الى قوّة الأتراك وضعفه أمامهم، كما تعود الى الظلم والإجحاف بالاُمة الى جانب تنازع العباسيين على السلطة، وإليك فهرساً بما وقع في أيام حكم من وثبات وثورات:

1 ـ وثبة في الاردن بقيادة رجل من لخم .

2 ـ وثب في حمص اهلها بعاملهم كيدر الاشروسني .

3 ـ وثبة الجند في سامراء وضربة لاوتاش التركي وهو احد القادة .

4 ـ وثبة المعرة بقيادة القصيص وهو يوسف بن ابراهيم التَّنوخي .

5 ـ وثبة الجند بفارس بعاملهم الحسين بن خالد .

6 ـ وثبة اسماعيل بن يوسف الجعفري الطالبي في المدينة .

فوقعت بينهما وقعات ودام القتال أشهراً وغلت الأسعار وعظم البلاء وانحل أمر المستعين فسعوا في الصلح على خلعه وقام في ذلك اسماعيل القاضي وغيره بشروط مؤكدة ، فخلع المستعين نفسه في أول سنة اثنتين وخمسين ومائتين وأشهد عليه القضاة وغيرهم فاُحدِر إلى واسط فأقام بها تسعة اشهر محبوساً موكلاً به أمينٌ ثم رُدّ إلى سامراء.

وأرسل المعتز إلى احمد بن طولون ان يذهب إلى المستعين فيقتله فقال : والله لا اقتل أولاد الخلفاء ، فندب له سعيد الحاجب فذبحه في ثالث شوال من السنة وله احدى وثلاثون سنة[6].

 

المعتز (252 ـ 255 هـ )

هو محمد بن المتوكل، ولد سنة (232 هـ )، بويع له وعمره تسع عشرة سنة، ولم يل الخلافة قبله أحد أصغر منه، وهو أول خليفة أحدث الركوب بحلية الذهب، فقد كان الخلفاء قبله يركبون بالحلية الخفيفة من الفضّة.

كان المعتز مستضعفاً من قبل الأتراك واُلعوبة بأيديهم. وأول سنة تولى فيها السلطة مات اشناس الذي كان الواثق قد استخلفه على السلطة وخلف خمسمائة الف دينار ، فأخذها المعتز وخلع خلعة الملك على محمد بن عبد الله ابن طاهر ، وقلده سيفين ، ثم عزله وخلع خلعة الملك على أخيه وتوجّه بتاج من ذهب وقلنسوة مجوهرة ، ووشاحين مجوهرين وقلده سيفين ، ثم عزله من عامه ونفاه إلى واسط ، وخلع على بغا الشرابي وألبسه تاج الملك فخرج على المعتز بعد سنة فقتل وجيء إليه برأسه .

وفي رجب من هذه السنة خلع المعتز أخاه المؤيد من العهد وضربه وقيده فمات بعد أيام ، فخشى المعتز ان يتحدث عنه انه قتله او احتال عليه ، فأحضر القضاة حتى شاهدوه وليس به اثر ، وكان المعتز مستضعفاً مع الأتراك ، فاتفق ان جماعة من كبارهم أتوه وقالوا :

يا أمير المؤمنين اعطنا ارزاقنا لنقتل صالح بن وصيف ، وكان المعتز يخاف منهم فطلب من اُمه (قبيحة) مالاً لينفقه فيهم ، فأبت عليه وشحّت نفسها ، ولم يكن بقي في بيوت المال شيء بينما كانت اُمه تملك الأموال العظيمة، حيث انفقت على صالح بن وصيف مالاً عظيماً بعد قتله ، ولهذا اجتمع الأتراك على خلعه ، ووافقهم صالح بن وصيف ، ومحمد بن بُغا ، فلبسوا السلاح وجاءوا إلى دار الخلافة فبعثوا إلى المعتز أن اخرج إلينا ، فبعث يقول : قد شربت الدواء وأنا ضعيف ، فهجم عليه جماعة وجرّوا برجله وضربوه بالدبابيس ، وأقاموه في الشمس في يوم صائف ، وهم يلطمون وجهه ويقولون : اخلع نفسك ، ثم احضروا القاضي بن أبي الشوارب والشهود وخلعوه ، ثم احضروا من بغداد إلى دار الخلافة ـ وهي يومئذ سامراء  ـ محمد ابن الواثق ، وكان المعتز قد أبعده إلى بغداد فسلّم المعتز إليه الخلافة وبايعه[7].

ومات المعتزّ بعد خلعه من الخلافة بطريقة غريبة; بعد خمس ليال من خلعه ، حيث أدخلوه الحمّام ، فلما اغتسل عطش فمنعوه الماء ، ثم اخرج فسقوه ماء بثلج فشربه وسقط ميتاً ، وذلك في شهر شعبان المعظم سنة خمس وخمسين ومائتين .

 

اضطهاد الشيعة:

لقد ذكر المؤرخون موقف المعتز المعادي لآل محمد(صلى الله عليه وآله) واضطهادهم واضطهاد شيعتهم ومن نماذج سيرته أنه أعمل السيف في العلويين وآخرين حتّى ماتوا في سجونه، وممّن قتل في عهده:

1 ـ جعفر بن محمد الحسيني وقد قتل في وقعة حدثت بالري بينه وبين احمد بن عيسى عامل محمد بن طاهر[8] .

2 ـ ابراهيم بن محمد العلوي فقد قتله طاهر بن عبد الله في وقعة كانت بينه وبين الكوكبي بقزوين[9]، وغير هؤلاء كثير ممن أعمل ولاة العباسيين فيهم السيف والقتل .

أما من مات في الحبس فكثير أيضاً ، منهم: عيسى بن اسماعيل الحضرمي واحمد بن محمد الحسيني [10] .

[1] تاريخ الخلفاء: 356 ـ 358 .

[2] مقاتل الطالبيين : 396 ونحوه في تاريخ الخلفاء: 417.

[3] تاريخ الخلفاء : 417، 418 .

[4] مقاتل الطالبيين : 419 .

[5] تاريخ الخلفاء : 419 .

[6] تاريخ الخلفاء للسيوطي : 358 ـ 359 .

[7] تاريخ الخلفاء للسيوطي : 359 ـ 360 .

[8] مقاتل الطالبيين : 434 .

[9] المصدر السابق : 433 .

[10] مقاتل الطالبيين : 434 .