مكتبة الإمام الحسن

فهرس الكتاب

 

 

متفرقات

ما خفي عليك شيء(1)

قال حذيقة بن اليمان: بينما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله في جماعةٍ من أصحابه، إذ اقبل اليه الحسن، فأخذ النبيّ في مدحه، فما قطع رسول الله صلّى الله عليه وآله كلامه، حتّى اقبل إلينا أعرابيّ يجرّ هراوةً له، فلما نظر رسول الله صلّى الله عليه وآله اليه قال:

(قد جاءكم رجل يكلمكم بكلامٍ غليظ، تقشعرّ منه جلودكم، وإنّه يسألكم من أمور، إنّ لكلامه جفوة).

فجاء الأعرابيّ فلم يسلّم وقال: أيّكم محمّد؟.

قلنا: ما تريد؟.

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: (مهلاً).

فقال: يا محمّد لقد كنت أبغضك ولم أرك، والآن فقد ازددت لك بغضاً.

فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وآله، وغضبنا لذلك، وأردنا بالأعرابيّ إرادة، فأومأ إلينا رسول الله أن: (اسكتوا).

فقال الأعرابيّ: يا محمّد: إنّك تزعم: أنك نبيّ، وأنّك قد كذبت على الأنبياء، وما معك من برهانك شيء.

قال له: (وما يدريك؟).

قال: فخبّرني ببرهانك.

قال: (إن أحببت أخبرك عضو من أعضائي، فيكون ذلك أو كد لبرهاني).

قال: أو يتكلّم العضو؟

قال: (نعم، يا حسن قم!).

فازدرى الأعرابيّ نفسه(2) وقال: هو ما يأتي، ويقيم صبيّاً ليكلّمني.

قال: (إنك ستجده عالماً بما تريد).

فابتدره الحسن (عليه السلام) وقال: مهلاً يا أعرابيّ.

مــــــا غبيّاً ســـألت وابن غبيّ           بل فقيهاً إذن وأنـــــت الجهول

فـــإن تــك قد جهلت فإن عندي           شفاء الجــهل ما سأل السّؤول

وبــــحراً لا تــــقسمه الــدّوالي           تراثــــاً كـــــان أورثه الرسول

لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك، وخادعت نفسك، غير أنك لا تبرح حتّى تؤمن إن شاء الله.

فتبسّم الأعرابيّ وقال: هيه(3)!

فقال له الحسن (عليه السلام): نعم، اجتمعتم في نادي قومك، وتذاكرتم ما جرى بينكم، على جهلٍ وخرقٍ منكم، فزعمتم: أنّ محمداً صنبور(4) والعرب قاطبةً تبغضه، ولا طالب له بثأره، وزعمت: انّك قاتله، وكان في قومك مؤنته، فحملت نفسك على ذلك، وقد أخذت قناتك بيدك تؤمّه تريد قتله، فعسر عليك مسلكك، وعمي عليك بصرك وأبيت إلاّ ذلك، فأتيتنا خوفاً من أن يشتهر، وإنّك إنما جئت بخيرٍ يراد بك.

أنبئك عن سفرك: خرجت في ليلةٍ ضحياء، إذ عصفت ريح شديدة، اشتدّ منها ظلماؤها وأطلّت سماؤها، وأعصر سحابها، فبقيت محرنجماً كالأشقر، إن تقدّم نحر، وان تأخّر عقر(5) لا تسمع لواطيءٍ حسّاً ولا لنافخ نارٍ جرساً، تراكمت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها، فلا تهتدي بنجمٍ طالع، ولا بعلمٍ لامع، تقطع محجّة، وتهبط لجّة، في ديمومةٍ قفر، بعيدة القعر، محجفةٍ بالسّفر، اذا علوت مصعداً ازددت بعداً، الريح تخطفك، والشوك تخبطك، في ريحٍ عاصف، وبرقٍ خاطف، قد أوحشتك آكامها، وقطعتك سلامها، فأبصرت فإذا أنت عندنا فقرّت عينك، وظهر دينك، وذهب انينك).

قال: من أين قلت ياغلام هذا؟ كأنك كشفت عن سويداء(6) قلبي، ولقد كنت كأنّك شاهدتني، وما خفي عليك شيء من أمري، وكأنّه علم الغيب. [فـ] قال له: ما الإسلام؟

فقال الحسن (عليه السلام): الله أكبر، اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله.

فأسلم وحسن إسلامه، وعلّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله شيئاً من القرآن. فقال:

يا رسول الله: أرجع إلى قومي فأعرّفهم ذلك؟ فأذن له، فانصرف ورجع ومعه جماعة من قومه، فدخلوا في الإسلام. فكان الناس إذا نظروا إلى الحسن (عليه السلام) قالوا:-

لقد أعطي مالم يعط أحد من النّاس.

الخضر يسأل(7)

أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعه الحسن بن عليّ (عليه السلام)، وهو متّكىء على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام فجلس، إذ اقبل رجل حسن الهيئة واللبّاس، فسلّم على أمير المؤمنين فردّ (عليه السلام) فجلس، ثم قال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهنّ، علمت: أن القوم ركبوا من أمرك ما أقضى عليهم: إنّهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم، وإن تكن الأخرى علمت: أنّك وهم شرع سواء.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (سلني عمّا بدا لك) قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى عن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟ فالتفت أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحسن بن عليّ (عليه السلام) فقال: يا أبا محمّدٍ أجبه، فقال الحسن (عليه السلام):

أمّا ما سألت عنه من أمر الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ فإنّ روحه معلقة بالرّيح، والرّيح معلّقة بالهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة، فإذا أذن الله عزّ وجلّ بردّ تلك الروح على صاحبها، جذبت الروح الريح وجذبت الريح الهواء فأسكنت الروح في بدن صاحبها وإذا لم يأذن الله بردّ تلك الروح على صاحبها، جذب الهواء الريح، وجذبت الريح الروح فلم تردّ على صاحبها إلى وقت ما يبعث.

وأمّا ما سألت عنه من أمر الذّكر والنّسيان؟ فإنّ قلب الرجل في حقّ، وعلى الحقّ طبق، فان هو صلّى على النّبي صلاةً تامّة، انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحقّ، فذكر الرجل ما كان نسي.

وأمّا ما ذكرت من أمر الرجل يشبه ولده أعمامه وأخواله، فإنّ الرجل إذا أتى أهله بقلبٍ ساكن وعروق هادئة، وبدنٍ غير مضطرب، استكنّت تلك النّطفة، في تلك الرّحم، فخرج الولد يشبه أباه وأمّه، وإن هو أتاها بقلبٍ غير ساكن، وعروقٍ غير هادئة، وبدنٍ مضطرب، اضطربت تلك النطفة في جوف تلك الرّحم، فوقعت على عرقٍ من العروق، فإن وقعت على عرقٍ من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت على عرقٍ من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.

فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلاّ الله، ولم أزل أشهد بذلك، واشهد أنّ محمّداً رسول الله ولم أزل اشهد بذلك، وأشهد أنّك وصيّ رسول الله والقايم بحجته بعده - وأشار إلى امير المؤمنين (عليه السلام) - ولم أزل اشهد بذلك، واشهد أنك وصيّه والقايم بحجته - واشار إلى الحسن - وأشهد أنّ الحسين وصيّ ابيه والقائم بحجّته بعدك، واشهد على عليّ بن الحسين: انه القايم بأمر الحسين بعده، واشهد على محمّد بن علي: أنه القايم بأمر عليّ بن الحسين، واشهد على جعفر بن محمّد: أنه القايم بأمر محمّد بن عليّ، واشهد علىموسى بن جعفر: أنه القايم بأمر جعفر بن محمد، وأشهد على علي بن موسى أنه القائم بأمر موسى بن جعفر، واشهد على محمد بن عليّ: أنه القايم بأمر عليّ بن موسى، واشهد على عليّ ابن محمّد: أنه القائم بأمر محمّد بن علي، واشهد على الحسن بن علي: انه القايم بأمر عليّ بن محمدّ واشهد على رجلٍ من ولد الحسين لا يكنّى ولا يسمّى، حتى يظهر أمره، فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً، والسلام عليك يا امير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

ثم قام فمضى فقال امير المؤمنين للحسن: يا أبا محمد، اتبعه فانظر أين يقصد، فخرج الحسن بن عليّ (عليه السلام) فقال: ماكان إلا أن وضع رجله خارج المسجد، فما دريت اين اخذ من ارض الله عزّ وجلّ، فرجعت إلى امير المؤمنين (عليه السلام) فأعلمته. فقال: يا ابا محمدٍ أتعرفه؟ قلت: الله ورسوله وامير المؤمنين أعلم، فقال: هو الخضر (عليه السلام).

ألغاز وحلول(8)

بعث معاوية رجلاً متنكّراً يسأل امير المؤمنين (عليه السلام) عن مسائل سأله عنها ملك الرّوم، فلمّا دخل الكوفة وخاطب امير المؤمنين (عليه السلام) أنكره، فقرّره فاعترف له بالحال، فقال امير المؤمنين (عليه السلام): قاتل الله ابن آكلة الأكباد، ما اضلّه وأضلّ من معه! قاتله الله! لقد أعتق جاريةً ما أحسن أن يتزوّجها، حكم الله بيني وبين هذه الأمّة، قطعوا رحمي وصغّروا عظيم منزلي واضاعوا أيّامي.

عليّ بالحسن والحسين ومحمّد، فدعوا، فقال (عليه السلام): يا أخا أهل الشام هذان ابنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهذا ابني فاسأل أيّهم احببت، فقال الشاميّ: أسأل هذا، يعني الحسن (عليه السلام) ثمّ قال:

كم بين الحقّ والباطل؟ وكم بين السماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وعن هذا المحو الذي في القمر، وعن قوس قزح، وعن هذه المجرّة، وعن اول شيءٍ انتضح على وجه الارض، وعن اوّل شيءٍ اهتزّ عليها، وعن العين التي تأوي اليها ارواح المؤمنين والمشركين، وعن المؤنث وعن عشرة أشياء بعضها اشدّ من بعض.

فقال الحسن (عليه السلام): يا أخا أهل الشام: بين الحقّ والباطل اربع أصابع، ما رأيت بعينك فهو الحقّ، وقد تسمع بأذنيك باطلاً كثيراً.

وبين السماء والأرض، دعوة المظلوم، ومدّ البصر، فمن قال غير هذا فكذّبه.

وبين المشرق والمغرب، يوم مطرد للشمس، تنظر إلى الشمس حين تطلع، وتنظر إليها حين تغرب، من قال غير هذا فكذّبه.

وامّا هذه المجرّة، فهي اشراج السماء، مهبط الماء المنهمر على نوح (عليه السلام).

وامّا قوس قزح: فلا تقل: قزح، فإن قزح شيطان، ولكنّها قوس الله، وامان من الفرق.

وامّا المحو الذي في القمر، فإنّ ضوء القمر كان مثل ضوء الشمس فمحاه الله. وقال في كتابه: (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهارٍ مبصرة).

واما اول شيء، انتضح على وجه الأرض، فهو وادي دلس.

وأمّا أوّل شيءٍ اهتزّ على وجه الأرض، فهو النّخلة.

وأمّا العين التي تأوي إليها ارواح المؤمنين، فهي عين يقال لها: سلمى. وأمّا العين التي تأوي إليها أرواح الكافرين، فهيّ عين يقال لها: برهوت.

وأمّا المؤنّث، فإنسان لا يدري أمرأةً هو أو رجل، فينتظر به الحلم، فإن كانت امرأةً بانت ثدياها، وان كان رجلاً خرجت لحيته، وإلا قيل له يبول على الحائط، فان أصاب الحائط بوله فهو رجل، وإن نكص كما ينكص بول البعير فهو امرأة.

وأمّا عشرة أشياء بعضها اشدّ من بعض، فاشدّ شيءٍ خلق الله الحجر، وأشدّ من الحجر الحديد، وأشدّ من الحديد النّار، وأشدّ من النار الماء، واشدّ من الماء السّحاب، وأشدّ من السحاب الرّيح، واشدّ من الريح الملك، وأشدّ من الملك ملك الموت، واشدّ من ملك الموت الموت، واشدّ من الموت أمر الله.

قال الشامي: أشهد أنك ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وان عليّاً وصيّ محمد، ثمّ كتب هذا الجواب ومضى به إلى معاوية، وانفذه معاوية إلى ابن الأصفر فلما اتاه قال: اشهد انّ هذا ليس من عند معاوية، ولا هو إلاّ من معدن النبوّة.

سجن المؤمن وجنة الكافر(9)

كان الإمام الحسن (عليه السلام) يسير في بعض طرق يثرب، وقد لبس حلّةً فاخرة، وركب بغلةً فارهة، وحفّت به خدمه وحاشيته، فرآه أحد أغبياء اليهود، فبادر اليه وقال له:

يابن رسول الله عندي سؤال؟

فقال الحسن: ما هو؟

قال اليهوديّ: إنّ جدّك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول: الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، فأنت المؤمن وأنا الكافر، وما الدنيا إلا جنة لك تتنعّم فيها وتستلذّ بها وأنت مؤمن وما اراها إلا سجناً قد أهلكني حرّها وأجهدني فقرها.

فقال الحسن: لو نظرت إلى ما أعدّ الله لي وللمؤمنين في الدار الآخرة، ممّا لاعين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لعلمت: أني قبل انتقالي اليها وأنا في هذه الحالة سجين، ولو نظرت إلى ما أعدّ الله لك ولكلّ كافرٍ في دار الآخرة، من سعير نار جهنّم، ونكال العذاب الأليم المقيم، لرأيت قبل مصيرك اليه أنّك في جنّةٍ واسعةٍ ونعمةٍ جامعة.

ثم تركه الإمام واليهوديّ يتميّز من الغيظ والحقد.

لعلك شبّهت

أيها الشيخ أظنّك غريباً، ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استر شدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وان كنت عرياناً كسوناك، وان كنّت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كانت لك حاجة قضيناها لك؛ فلو حرّكت رجلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً.

فان قبلت الميسور(10)

يا هذا حقّ سؤلك يعظم لديّ، ومعرفتي بما يجب لك يكبر لديّ، ويدي تعجز عن نيلك بما انت اهله والكثير في ذات الله عزّ وجلّ قليل، وما في ملكي وفاء لشكرك، فإن قبلت الميسور، ورفعت عنّي مؤنة الاحتفال والاهتمام بما أتكلّفه من واجبك، فعلت(11).

وانا سائل(12)

قيل له: لأيّ شيء لا نراك تردّ سائلاً؟ فأجاب:

إنّي لله سائل، وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلا، وأردّ سائلاً، وإنّ الله عوّذني عادة أن يفيض نعمه، عليّ، وعوّدته أن أفيض نعمه على النّاس، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة، أنشأ يقول:

إذا مــــا أتــاني سائل قلت: مرحباً           بمن فضــــله فــــرض عـليّ معجّل

ومن فضله فــــضل على كلّ فاضلٍ           وأفضل أيّام الفــــتى حـــــين يسأل

تمام المروّة(13)

سأل رجل الحسن بن عليٍّ شيئاً، فأعطاه خمسين ألف درهم، وأعطى الجمّال طيلسانه كراه، وقال: تمام المروّه، إعطاء الأجرة لحمل الصّدقة.

التهنئة بالولد(14)

رزق الإمام غلاماً فأتته قريش تهنّئه فقالوا: يهنيك الفارس، فقال (عليه السلام): أيّ شيء هذا القول؟ ولعله يكون راجلا، فقال له جابر: كيف تقول يابن رسول الله؟ فقال (عليه السلام): إذا ولد لأحدكم غلام فأتيتموه فقولوا له: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ الله به اشدّه، ورزقك برّه.

تحيّة المستحمّ(15)

خرج الحسن بن عليّ (عليه السلام) من الحمّام، فقال له رجل: طاب استحمامك. فقال: يا لكع! وما تصنع بالاست هاهنا؟ قال: فطاب حمّامك قال: إذا طاب الحمّام فما راحة البدن؟ قال: فطاب حميمك. قال: ويحك: أما علمت أنّ الحميم: العرق؟ قال: فكيف أقول؟ قال: قل: طاب ما طهر منك، وطهر ماطاب منك.

سقيت السم مراراً(16)

لمّا سقي الإمام السُّمّ، جاءه أخوه الحسين، فقال له الإمام:

لقد سقيت السُّمّ مراراً، ما سقيت مثل هذه المرّة، لقد قطعت قطعة، من كبدي، فجعلت، أقلّبها بعودٍ معي.

وفي رواية عبد الله البخاري أنه قال:

يا أخي! انّي مفارقك ولا حق بربّي، وقد سقيت السّمّ ورميت بكبدي في الطّست، وانني لعارف بمن سقاني، ومن أين دهيت، وأنا أخاصمه إلى الله عزّ وجلّ، فقال له الحسن: ومن سقا كه؟

قال: ما تريد به؟ أتريد أن تقتله، ان يكن هو هو، فالله أشدّ نقمةً منك، وان لم يكن هو فما أحبّ أن يؤخذ بي بريء.

ما وفى(17)

لقد حاقت شربته، وبلغ أمنيّته، والله ما وفى بما وعد، ولا صدق فيما قال.

أول يوم من الآخرة

أجدني في أوّل يومٍ من أيام الآخرة، وآخر يومٍ من أيام الدّنيا، واعلم أني لا أسبق أجلي، وأني وارد على أبي وجدّي، وعلى كرهٍ منّي لفراقك، وفراق اخوتك، وفراق الأحبّة، وأستغفر الله من مقالتي هذه بل على محبةٍ منّي للقاء رسول الله، وأمير المؤمنين، وأمّي فاطمة، وحمزة وجعفر، وفي الله عزّ وجل خلف من كلّ هالك، وعزاء من كلّ مصيبة، ودرك من كلّ مافات، رأيت يا أخي كبدي في الطّست، ولقد عرفت من دهاني، ومن اين ابتليت فما أنت صانع به يا أخي؟ قال الحسين: أقتله والله! قال: فلا أخبرك ابداً حتى نلقى رسول الله(18).

لا يوم كيومك(19)

إنّ الذي يأتي إليّ بسمٍّ يدبّر إليّ فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون الف رجل، يدّعون: أنهم من أمة جدّنا، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وأخذ ثقلك، فعندها تحلّ ببني أميّة اللّعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيءٍ حتّى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار.

 

1 - البحار - ج 43 - ص 333: حدث أبو يعقوب يوسف بن الجراح، عن رجاله، عن حذيفة بن اليمان:..

2 - أي احتقره الاعرابي لصغر سنه (عليه السلام).

3 - هيه: كلمة تقال لشيء يطرد وهي ايضاً كلمة استزادة.

4 - قال الجزري فيه: أن قريشاً كانوا يقولون ان محمداً صنبور: أي ابتر لا عقب له.

5 - من كلام لقيط بن زرارة يوم جبلة وكان على فرس أشقر، يقول: ان جريت على طبعك فتقدمت إلى العدو قتلوك وان اسرعت فتأخرت منهزماً أتوك من ورائك فعقروك، فاثبت والزم الوقار. راجع مجمع الامثال ج 2- ص 140.

6 - سويد: بتصغير الترخيم، اصله اسيود تصغير اسود.

7 - علل الشرائع: محمد بن علي الصدوق عن أبيه عن سعيد بن عبدالله عن أحمد بن محمد، عن أبي خالد البرقي، عن أبي هاشم: داود بن القاسم الجعفري عن ابي جعفر الثاني (عليه السلام)، انه قال:..

8 - تحف العقول.

9 - الفصول المهمة لابن الصباغ ص 161.

10 - سأل رجل الإمام في حاجة، فقال له الإمام:..

11 - ثم أعطاه ثلاثمائة الف درهم وعشرين ديناراً.

12 - نور الابصار ص 111.

13 - إرشاد القلوب ص 143: الحسن بن محمد الديلمي:..

14 - (أ) تحف العقول

(ب) مكارم الأخلاق: الحسن بن الفضل الطبرسي.

15 - مكارم الأخلاق: الحسن بن الفضل الطبرسي:..

16 - مناقب ابن شهر اشوب ج 3 - ص 202.

17 - روى المسعودي: ان الحسن (عليه السلام) قال عند موته - في شأن جعدة ومعاوية:..

18 - ولما سقى الإمام الحسن السم عاده الإمام الحسين فسأله: (كيف تجدك يا أخي؟) فقال الإمام الحسن:..

19 - لما سم الإمام الحسن جاءه الإمام الحسين، فلما رأى ما به بكى، فقال له الإمام الحسن: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال له الحسين: أبكي على ما أراك فيه، فقال له الحسن:..