سياسيات |
السياسة(1) سأله شخص عن رأيه في السياسة؛ فقال (عليه السلام): هي أن ترعى حقوق الله، وحقوق الأحياء، وحقوق الأموات، فأمّا حقوق الله فأداء ما طلب، والاجتناب عما نهى، وأمّا حقوق الأحياء فهي ان تقوم بواجبك نحو اخوانك، ولا تتأخّر عن خدمة أمتك، وان تخلص لوليّ الأمر ما أخلص لأمّته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه اذا ما خلا عن الطريق السويّ، واما حقوق الأموات فهي ان تذكر خيراتهم وتتغاضى عن مساوئهم فانّ لهم ربّا يحاسبهم. ما يجب على الملك(2) وقال له معاوية: ما يجب لنا في سلطاننا؟ الإمام: ما قال سليمان بن داود! معاوية:- وما قال سليمان؟ الإمام:- إنه قال لبعض أصحابه: أتدري ما يجب على الملك في ملكه، وما لا يضرّه اذا أدّى الذي عليه منه، اذا خاف الله في السرّ والعلانية، وعدل في الغضب والرّضا، وقصد في الفقر والغنى، ولم يأخذ الأموال غصباً، ولم يأكلها إسرافاً وتبذيراً، ولم يضرّه ما تمتّع به من دنياه اذا كان من خلّته. استنصار(3) بعد الحمد والثناء: ايّها الناس، إنّا جئنا ندعوكم إلى الله، وإلى كتابه، وسنة رسوله، والى أفقه من تفقّه من المسلمين، واعدل من تعدلون، وافضل من تفضلون وأوفى من تبايعون، من لم يعبه القرآن، ولم تجهله السّنّة، ولم تقعد به السابقة، إلى من قرّبه الله تعالى ورسوله قرابتين: قرابة الدين وقرابة الرحم. إلى من سبق الناس إلى كلّ مأثرة. إلى من كفى الله به رسوله والناس متخاذلون، فقرّب منه وهم متباعدون، وصلّى معه وهم مشركون، قاتل معه وهم منهزمون، وبارز معه وهم مجمعون، وصدّقه وهم يكذبون، كلّ ذلك من منّ الله على عليّ. إلى من لم تردّ له ولا تكافاً له سابقة، ثم والله ما دعا إلى نفسه، ولقد تداكّ الناس عليه، تداك الابل الهيم عند ورودها، فبايعوه طائعين، ونكث منهم ناكثون، بلا حدثٍ احدث، ولا خلاف اتاه، حسداً له وبغياً عليه. ايها الناس! إنه قد كان من مسير امير المؤمنين ما قد بلغكم، وقد أتيناكم مستنفرين، لأنكم جبهة الانصار، ورؤس العرب.. وهو يسألكم النصر، ويدعوكم إلى الحقّ ويأمركم بالمسير اليه، لتؤازروه و تنصروه، على قومٍ نكثوا راية بيعته، وقتلوا اهل الصلاح من أصحابه، ومثلوا بعماله وانتهبوا بيت ماله.. فاشخصوا اليه - رحمكم الله - فأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، واحضروا بما يحضر به الصالحون. وايم الله، لولم يصره احد منكم، لرجوت أن يكون في من اقبل معه من المهاجرين والانصار كفاية.. فأجيبوا دعوة اميركم، وسيروا إلى اخوانكم، سيوجد لهذا الامر من ينفر اليه، ووالله لأن يليه اولو النّهى، امثل في العاجل والآجل، وخير في العافية فاعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم. انّ امير المؤمنين يقول: (قد خرجت مخرجي هذا ظالماً او مظلوماً فاذكر الله رجلا رعى حقّ الله الا نفر، فان كنت مظلوماً اعانني، وان كنت ظالماً اخذ مني.. والله إنّ طلحة والزبير، لأوّل من بايعني، وأوّل من غدر. فهل استأثرت او بدّلت حكماً؟). فعليكم - عباد الله - بتقوى الله - وطاعته، والجدّ والصبر، والاستعانة بالله، والخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين. عصمنا الله واياكم، بما عصم به اولياءه وأهل طاعته، والهمنا وإياكم بتقواه، وأعاننا وإياكم على جهاد أعدائه، وأستغفر الله لي ولكم. قد بلغنا مقالة ابن الزبير في أبي وقوله فيه: إنه قتل عثمان، وانتم يا معشر المهاجرين والأنصار وغيرهم من المسلمين، علمتم بقول الزبير في عثمان، وما كان اسمه عنده، وما كان يتجنّى عليه، وأنّ طلحة يومذاك ركّز رايته على بيت ماله وهو حيّ، فأنّى لهم أن يرموا أبي بقتله وينطقوا بذمّه، ولو شئنا القول فيهم لقلنا. وأما قوله: إن علياً ابتزّ الناس أمرهم، فان اعظم حجة لأبيه زعم أنه بايعه بيده ولم يبايعه بقلبه فقد أقرّ بالبيعة وادّعى الوليجة، فليأت على ما ادعاه ببرهانٍ وأنّى له ذلك؟ وأمّا تعجّبه من تورّد أهل الكوفة على أهل البصرة، فما عجبه من أهل حقٍّ تورّدوا على أهل باطل. أمّا أنصار عثمان فليس لنا معهم حرب ولا قتال. غضبنا الله ولكم(4) ان مما عظّم الله عليكم من حقّه، واسبغ عليكم من نعمه، ما لا يحصى ذكره، ولا يؤدّى شكره، ولا يبلغه قول ولا صفة. ونحن إنما غضبنا لله ولكم، فإنّه منّ علينا بما هو اهله، أن تشكر فيه آلاؤه وبلاؤه ونعماؤه، قولا يصعد إلى الله فيه الرضا، وتنتشر فيه عارفة الصدق يصدق الله فيه قولنا، ونستوجب فيه المزيد من ربّنا، قولا يزيد ولا يبيد، فانه لم يجتمع قوم قطّ على امرٍ واحدٍ الا اشتدّ امرهم، واستحكمت عقدتهم، فاحتشدوا في قتال عدوّكم وجنوده ولا تخاذلوا، فانّ الخذلان يقطع نياط القلوب، وان الإقدام على الأسنة، نخوة وعصمة، لانه لم يمتنع قوم قطّ، الا رفع الله عنهم العلة، وكفاهم حوائج الذلة، وهداهم إلى معالم الملة. والصلح تأخذ منه ما رضيت به والحرب يكفيك من انفاسها جرع رفض وتوبيخ(5) كلا!. والله لا يكون ذلك. لكأني انظر اليك مقتولاً في يومك أو غدك! أما إن الشيطان قد زيّن لك وخدعك، حتى أخرجك مخلقاً بالخلوف، ترى سناء أهل الشام موقفك. وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلاً. حكما بالهوى(6) ايّها الناس! قد اكثرتم في هذين الرجلين، وانما بعثا ليحكما بالكتاب على الهوى فحكما بالهوى على الكتاب، ومن كان هكذا لم يسمّ حكماً، ولكنه محكوم عليه، وقد اخطأ عبد الله بن قيس اذ جعلها لعبد الله بن عمر، فأخطأ في ثلاث خصال، واحدةٍ أنّه خالف (يعني أبا موسى) أباه (يعني عمر) اذ لم يرضه لها، ولا جعله من أهل الشّورى، وأخرى أنه لم يستأمر الرجل في نفسه، ولا علم ما عنده من ردٍّ أو قبول(7) وثالثها: أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار، الذين يعقدون الإمارة، ويحكمون بها على الناس. وأما الحكومة فقد حكّم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سعد بن معاذ في بني قريضة، فحكم بما يرضى الله به ولا شكّ ولو خالف لم يرضه رسول الله. شرط البيعة(8) الحمد لله على ما قضى من أمرٍ، وخصّ من فضلٍ، وعمّ من أمر وجلّل من عافيةٍ، حمداً يتمّ به علينا نعمه، ونستوجب به رضوانه، إنّ الدنيا دار بلاءٍ وفتنةٍ وكلّ ما فيها إلى زوال، وقد نبّأنا الله عنها كي ما نعتبر فقدّم الينا بالوعيد، كيلا يكون لنا حجة بعد الإنذار، فازهدوا فيما يغني وارغبوا فيما يبقى، وخافوا الله في السرّ والعلانية إنّ علياً (عليه السلام) في المحيا والممات والمبعث عاش بقدرٍ ومات بأجل، وإني أبايعكم على أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت. استفتاء عامّ(9) معشر الناس: عفت الديار، ومحيت الآثار، وقلّ الاصطبار، فلا قرار على همزات الشياطين وحكم الخائنين، الساعة والله صحّت البراهين، وفصّلت الآيات وبانت المشكلات، ولقد كنا نتوقّع تمام هذه الآية تأويلها، قال الله عز وجلّ: (وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً، وسيجزي الله الشّاكرين). فلقد مات والله جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقتل أبي (عليه السلام)، وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس، ونعق ناعق الفتنة، وخالفتم السّنّة، فيالها من فتنةٍ صمّاء عمياء لا يسمع لداعيها، ولا يجاب مناديها، ولا يخالف واليها، ظهرت كلمة النفاق وسيّرت رايات أهل الشّقاق. وتكالبت جيوش أهل المراق، من الشام والعراق، هلمّوا رحمكم الله إلى الإفتتاح، والنور الوضّاح، والعلم الجحجاح والنّور الذي لا يطفى، والحقّ الذي لا يخفى. ايّها الناس تيقّظوا من رقدة الغفلة، ومن تكاثف الظّلمة، فو الذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، وتردّى بالعظمة، لئن قام اليّ منكم عصبة بقلوبٍ صافيةٍ، ونيّاتٍ مخلصةٍ، لا يكون فيها شوب نفاق، ولا نيّة افتراق، لأجاهدنّ بالسيف قدماً ولأضيقنّ من السيوف جوانبها، ومن الرّماح أطرافها، ومن الخيل سنابكها، فتكلّموا رحمكم الله. فكأنما ألجموا بلجام الصّمت. اعلان الحرب(10) أما بعد: فإنّ الله كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: (إصبروا إن الله مع الصّابرين). فلستم أيّها الناس نائلين ما تحبّون، الا بالصبر على ما تكرهون. بلغني أن معاوية بلغه أنّا كنّا أزمعنا على المسير اليه فتحرّك، لذلك اخرجوا رحمكم الله، إلى معسكركم - بالنخيلة - حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون. التعبئة الفكرية(11) الحمد لله كلّما حمده حامد، واشهد أن لا إله إلا الله كلّما شهد له شاهد، وأشهد ان محمداً عبده ورسوله: أرسله بالحق، وأتمنه على الوحي صلى الله عليه وآله وسلم، أمّا بعد: فوالله اني لأرجو أن اكون قد أصبحت بحمد الله ومنّه، وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملاً على مسلمٍ ضغينة، ولا مريداً له سوءاً ولا غائلةً، ألا وإنّ ما تكرهون في الجماعة، خير لكم مما تحبّون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردّوا عليّ رأيي، غفر الله لي ولكم، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرّضا. تعاليم حربية(12) يا ابن عمّ: إني باعث معك اثني عشر ألفاً من فرسان العرب وقرّاء مصر.. فسر بهم والن جانبك وابسط وجهك، وافرش لهم جناحك، وأدنهم من مجلسك، وسر بهم على شطّ الفرات، حتى تقطع بهم الفرات، ثم تصير بمسكن، ثم امض حتّى تستقبل معاوية، فان انت لقيته فاحبسه حتى نأتيك، فإني في اثرك وشيكا، وليكن خبرك عندي كلّ يوم، وشاور هذين - يعني قيس بن سعيد وسعيد بن قيس - فاذا لقيت معاوية فلا تقاتلنّه حتى يقاتلك، وان فعل فقاتله، فان أصبت فقيس على الناس، وإن اصيب قيس، فسعيد بن قيسٍ على النّاس. عبيد الدنيا(13) هذا الكنديّ توجّه إلى معاوية، وغدر بي وبكم، وقد اخبرتكم مرةً بعد مرة: أنّه لا وفاء لكم، انتم عبيد الدنيا. وأنا موجّه رجلاً آخر مكانه وإني أعلم: أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه (حكم) ولا يراقب الله فيّ ولا فيكم. تخلّف الجيش(14) غررتموني كما غررتم من كان من قبلي، مع أيّ إمامٍ تقاتلون بعدي مع الكافر الظالم الذي لا يؤمن بالله ولا برسوله قطّ ولا أظهر الإسلام هو وبنو أمية إلا فرقاً من السيف؟ ولو لم يبق لبني أمية إلا عجوز درداء لبغت دين الله عوجاً. وهكذا قال رسول الله. ابناؤكم على ابواب أبنائهم(15) ويلكم! والله إنّ معاوية لا يفي لأحدٍ منكم بما ضمنه في قتلي، وإني أظنّ ان وضعت يدي في يده فأسلمه، لم يتركني أدين لدين جدّي، وأني اقدر أن اعبد الله عزّ وجلّ وحدي، ولكنّي كأني انظر إلى ابنائكم، واقفين على أبواب ابنائهم، يستسقونهم ويستطعمونهم، بما جعل الله لهم، فلا يسقون ولا يطعمون، فبعداً وسحقاً لما كسبته أيديهم، فسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون!. استفتاء عام(16) أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة، ولكن كنّا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلامة بالعدواة، والصبر بالجزع، وكنتم في مسيركم إلى صفّين ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، وكنّا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا، ثم أصبحتم تصدّون قتلين، قتيلاً بصفّين تبكون عليه، وقتيلاً بالنّهروان تطلبون بثأره فأما الباكي فخاذل، وأما الطالب فثائر، وإنّ معاوية قد دعا إلى أمرٍ ليس فيه عزّ ولا نصفة فإن أردتم الحياة قبلناه منه وأغضينا على القذى وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله، وحاكمناه إلى الله (بظبات السيوف)(17). فنادى القوم بأجمعهم: بل التقية والحياة. معاوية خير لي(18) أرى والله أنّ معاوية خير لي من هؤلاء، يزعمون: أنهم لي شيعة(19) ابتغوا قتلي، وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي، والله لأن آخذ من معاوية عهداً احقن به دمي، وآمن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني اليه سلماً فوالله لأن اسالمه وأنا عزيز، خير من أن يقتلني وأنا اسيره، أو يمنّ عليّ فيكون سبةً على بني هاشم إلى آخر الدّهر، ومعاوية لا يزال يمنّ بها وعقبه على الحيّ منا والميت(20). وما أصنع يا أخا جهينة؟ إني والله أعلم بأمرٍ قد أدى به إلا عن ثقاته: إنّ اميرالمؤمنين قال لي ذات يومٍ وقد رآني فرحاً: (يا حسن اتفرح؟ كيف بك اذا رأيت أباك قتيلاً؟ أم كيف بك اذا ولي هذا الأمر بنو أمية، وأميرها الرحب البلعوم، الواسع الأعفاج. يأكل ولا يشبع يموت وليس له في السماء ناصر، ولا في الارض عاذر، ثم يستولي على غربها وشرقها، تدين له العباد، ويطول ملكه، يسنّن بسنن البدع والضّلال ويميت الحقّ وسنّة رسول الله، يقسّم المال في أهل ولايته، ويمنعه من هو أحقّ به، ويذلّ في ملكه المؤمن، ويقوّي في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين انصاره دولاً، ويتخذ عباد الله خولاً، ويدرس في سلطانه الحقّ، ويظهر الباطل، ويلعن الصالحين، ويقتل من ناوأه على الحقّ، ويدين من والاه على الباطل، فكذلك حتى يبعث الله رجلاً في آخر الزمان، وكلب من الدهر، وجهل من الناس يؤيّده الله بملائكته، ويعصم انصاره وينصره بآياته، ويظهره على الارض، حتى يدينوا له طوعاً وكرهاً، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها حتى لا يبقى كافر إلا آمن، وطالح إلا صلح، وتصطلح في ملكه السباع، وتخرج الارض نبتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز، يملك ما بين الخافقين اربعين عاماً، فطوبى لمن أدرك ايّامه وسمع كلامه). قرار المصير(21) أيّها الذاكر علياً، انا الحسن وابي عليّ، وانت معاوية وابوك صخر، وأمّي فاطمة، وامّك هند، وجدّي رسول الله وجدّك عتبة بن ربيعة، وجدتي خديجة وجدّتك فتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً، وألأمنا حسباً وشرفاً، قديماً وحديثاً، واقدمنا كفراً ونفاقاً(22). (ثم صعد الإمام المنبر فقال)(23) الحمد لله كلّما حمده حامد، واشهد ان لا إله إلا الله كلّما شهد له شاهد، وأشهد ان محمداً عبده و رسوله، أرسله بالهدى، وأتمنه على الوحي، صلّى الله عليه وآله وسلّم. أمّا بعد، فوالله إني لأرجو أن أكون قد اصبحت بحمد الله ومنّه وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملاً على مسلمٍ ضغينةً، ولا مريداً له سوءاً، ولا غائلةً الا وإنّ ما تكرهون في الجماعة، خير لكم مما تحبّون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمرى، ولا تردّوا عليّ رأيي، غفر الله لي ولكم، وارشدني وايّاكم لما فيه المحبة والرّضا(24) ايها الناس! إنّ اكيس الكيس التّقى، وأحمق الحمق الفجور، والله لو طلبتم مابين جابلق وجابرس رجلاً جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين، وقد علمتم أنّ الله هداكم بجدّي محمدٍ، فانقذكم به من الضّلالة، ورفعكم به من الجهالة، واعزّكم به بعد الذلة، وكثّركم به بعد القلّة، [و] إنّ معاوية نازعني حقاً هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمّة، وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، فرايت أن أسالم معاوية، وأضع الحرب بيني وبينه وقد بايعته، وقد رأيت أنّ حقن الدماء خير من سفكها، ولم أرد بذلك الا صلاحكم وبقاءكم وإن أدر لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين(25). ايّها الناس! إنّ الله هداكم بأوّلنا واحقن دماءكم بآخرنا، وإنّ لهذا الأمر مدةً والدنيا دول. قال عزّ وجلّ لنبيّه محمدٍ صلى الله عليه وآله: (قل إن أدر أقريب أم بعيد ما توعدون، إنّه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدر لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين)(26). .. وإن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا، ولم أرنفسي لها أهلاً، فكذب معاوية، نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله عزّ وجلّ على لسان نبيّه، ولم نزل - أهل البيت - مظلومين منذ قبض الله نبيّه، فالله بيننا وبين من ظلمنا، وتوثّب على رقابنا، وحمل الناس علينا، ومنعنا سهمنا من الفيء، ومنع أمّنا ما جعل لها رسول الله. وأقسم بالله لو أنّ الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله، لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها، ولما طمعت فيها - يا معاوية -.. فلما خرجت من معدنها، تنازعتها قريش بينها، فطمع فيها الطّلقاء وابناء الطّلقاء أنت وأصحابك، وقد قال رسول الله: (ماولّت امة امرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه، إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً، حتّى يرجعوا إلى ما تركوا.) فقد ترك بنو اسرائيل هارون وهم يعلمون انّه خليفة موسى فيهم، واتّبعوا السامريّ، وتركت هذه الامة أبي وبايعوا غيره، وقد سمعوا رسول الله يقول له: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوّة). وقد رأوا رسول الله نصّب أبي يوم غدير خم، وأمرهم أن يبلّغ أمره الشاهد الغائب. وهرب رسول الله من قومه وهو يدعوهم إلى الله، حتّى دخل الغار، ولو أنّه وجد اعواناً لما هرب وقد كفّ أبي يده حين ناشدهم، واستغاث فلم يغث فجعل الله هارون في سعةٍ حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، وجعل الله النبيّ في سعة حين دخل الغار ولم يجد اعواناً، وكذلك أبي وأنا في سعةٍ من الله، حين خذلتنا هذه الأمة. وانما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضاً(27). فوالذي بعث محمداً بالحقّ، لا ينتقص من حقّنا - أهل البيت - أحد الا نقصه الله من علمه، ولا تكون علينا دولة الا وتكون لنا العاقبة ولتعلمنّ نبأه بعد حين(28). اعذار(29) الحمد لله المستحمد بالآلاء وتتابع النّعماء، وصارف الشدائد والبلاء عن الفهماء وغير الفهماء، المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه، وعلوّه عن لحوق الأوهام ببقائه، المرتفع عن كنه تظنيات المخلوقين، من أن تحيط بمكنون غيبه روايات عقول الرائين، وأشهد أن لا اله إلاّ الله وحده في ربوبيّته، ووجوده ووحدانيته، صمداً لا شريك له، فرداً لا ظهير له معه، واشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، اصطفهاه وانتجبه وارتضاه وبعثه داعياً إلى الحقّ، سراجاً منيراً، وللعباد مما يخلفون نذيراً، ولما يأملون بشيراً، فنصح للأمّة، وصدع بالرسالة، وأبان لهم درجات العمالة، شهادة عليها أموت وأحشر، وبها في الآجلة اقرب واحبر، واقول معشر الخلائق فاسمعوا ولكم افئدة واسماع فعوا، إنّا أهل بيتٍ اكرمنا الله بالإسلام، واختارنا واصطفانا واجتبانا فأذهب عنا الرجس وطهّرنا تطهيراً، والرجس هوالشكّ، فلا نشكّ في الله الحقّ ودينه ابداً، وطهّرنا تطهيراً، والرجس هو الشكّ، فلا نشكّ في الله الحقّ ودينه ابداً، وطهّرنا من كلّ افنٍ وعيبةٍ مخلصين إلى آدم نعمةً منه، لم يفترق الناس قطّ فرقتين الا جعلنا الله في خيرهما، فأدت الامور، وافضت الدهور، إلى أن بعث الله محمداً للنبوّة واختاره للرسالة، وانزل عليه كتابه، ثم أمره بالدّعاء إلى الله تعالى، فكان أبي اولّ من استجاب لله ولرسوله، وأول من آمن وصدّق الله ورسوله، وقد قال الله تعالى في كتابه المنزل على نبيّه المرسل (أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه ويتلوه شاهد منه) وأبي الذي يتلوه وهو شاهد منه، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أمره أن يسير إلى مكّة والموسم ببراءة (سر بها يا عليّ فإني أمرت ان لا أسير بها إلا انا أو رجل مني وأنت هو). فعليّ من رسول الله ورسول الله منه، وقال له نبيّ الله حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالب، ومولاه زيد بن حارثة في ابنةِ حمزة (اما أنت يا عليّ فمني وأنا منك، وانت وليّ كلّ مؤمنٍ من بعدي) فصدّق أبي رسول الله سابقاً ووقاه بنفسه، ثمّ لم يزل رسول الله في كلّ موطنٍ يقدمه ولكلّ شديدةٍ يرسله، ثقةً منه به وطمأنينةً اليه، لعلمه بنصيحته لله ورسوله، وأنّه اقرب المقرّبين من الله ورسوله، وقد قال الله عزّ وجلّ: (والسّابقون السّابقون أولئك المقرّبون) فكان أبي سابق السابقين إلى الله عزّ وجلّ، والى رسوله، وأقرب الأقربين وقد قال الله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، أولئك أعظم درجةً..) فأبي كان اوّلهم إسلاماً وايماناً واوّلهم إلى الله ورسوله هجرةً ولحوقاً وأوّلهم على وجده ووسعه نفقةً قال سبحانه: (والّذين جاؤوا من بعدهم، يقولون: ربّنا اغفرلنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للّذين آمنوا، ربّنا إنّك رؤوف رحيم) فالناس من جميع الأمم يستغفرون له بسبقه إيّاهم إلى الإيمان بنبيّه، وذلك أنّه لم يسبقه إلى الايمان به أحد، وقد قال الله تعالى: (والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان) فهو سابق جميع السابقين فكما انّ الله عزّ وجلّ فضّل السابقين على المتخلفين والمتأخّرين، فكذلك فضّل سابق السابقين، وقد قال الله عزّ وجلّ: (أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام، كمن آمن بالله واليوم الآخر، وجاهد في سبيل الله) فهو المجاهد في سبيل الله حقاً وفيه نزلت هذه الآية، وكان ممن استجاب لرسول الله، عمّه حمزة، وجعفر بن عمّه، فقتلا شهيدين رضي الله عنهما، في قتلى كثيرةٍ معهما من اصحاب رسول الله، فجعل الله تعالى حمزة سيّد الشهداء من بينهم، وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم، وذلك لمكانهما من رسول الله، ومنزلتهما وقرابتهما منه، وصلّى رسول الله على حمزة سبعين صلاة، من بين الشهداء الذين استشهدوا معه، وكذلك جعل الله تعالى لنساء النبيّ المحسنة منهنّ أجرين، وللمسيئة منهنّ وزرين ضعفين، لمكانهن من رسول الله، وجعل الصلاة في مسجد رسول الله بألف صلاةٍ في سائر المساجد، إلا المسجد الحرام: مسجد خليله ابراهيم بمكّة، وذلك لمكان رسول الله من ربّه، وفرض الله عزّ وجلّ الصلاة على نبيّه على كافّة المؤمنين، فقالوا يا رسول الله كيف الصلاة عليك، فقال قولوا: اللّهم صلّ على محمّدٍ وآل محمد) فحقّ علىكلّ مسلمٍ أن يصلّي علينا مع الصلاة على النبيّ، فريضةً واجبةً وأحلّ الله تعالى خمس الغنيمة لرسول الله، واوجبها له في كتابه، وأوجب لنا من ذلك ما أوجب له، وحرّم عليه الصدقة وحرّمها علينا معه، فأدخلنا - وله الحمد - فيما ادخل فيه نبيّه، واخرجنا ونزّهنا مما اخرجه منه ونزّهه عنه، كرامةً اكرمنا الله عزّ وجلّ بها، وفضيلةً فضّلنا بها على سائر العباد، فقال الله تعالى لمحمدٍ حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجّوه: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فأخرج رسول الله من الانفس معه أبي، ومن البنين أنا وأخي، ومن النساء امي فاطمة، من الناس جميعاً فنحن أهله، ولحمه، ودمه، ونفسه، ونحن منه وهو منّا، وقد قال الله تعالى (إنّما يريد الله ليذهب عنّكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله أنا وأخي وأمّي وأبي، فجلّلنا ونفسه في كساءٍ لأمّ سلمة خيبري، وذلك في حجرتها وفي يومها، فقال: (اللهمّ هؤلاء اهل بيتي، وهؤلاء اهلي وعترتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً فقالت امّ سلمة: أأدخل معهم يا رسول الله؟ فقال لها رسول الله: يرحمك الله انت على خيرٍ والى خيرٍ وما أرضاني عنك، ولكنها خاصة لي ولهم. ثم مكث رسول الله بعد ذلك بقيّة عمره، حتى قبضه الله، يأتينا في كلّ يومٍ عند طلوع الفجر فيقول: الصلاة يرحمكم الله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وأمر رسول الله بسدّ الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا، فكلموه في ذلك فقال: (أما اني لم أسدّ أبوابكم، ولم افتح باب عليٍّ من تلقاء نفسي، ولكنّي اتبع ما يوحي إليّ، وانّ الله أمر بسدّها وفتح بابه) فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول الله ويولد فيه الاولاد، غير رسول الله، وابي علي بن أبي طالب، تكرمةً من الله تعالى، وفضلاً اختصّنا به على جميع الناس، وهذا باب أبي قرين باب رسول الله في مسجده، ومنزلنا من منازل رسول الله، وذلك أنّ الله أمر نبيّه ان يبني مسجده فبنى فيه عشرة ابياتٍ تسعةً لبنيه وأزواجه وعاشرها وهو متوسّطها لأبي، وها هو بسبيلٍ مقيم، والبيت هو المسجد المطهّر، وهو الذي قال الله تعالى: (أهل البيت) فنحن أهل البيت، ونحن الذين أذهب الله عنا الرجس، وطهرنا تهطيرا، ايّها الناس اني لو قمت حولاً فحولاً اذكر الذي أعطانا الله عزّ وجلّ، وخصّنا به من الفضل في كتابه، وعلى لسان نبيّه، لم احصه، وأنا ابن النذير والبشير، والسراج المنير الذي جعله الله رحمةً للعالمين، وأبي عليّ وليّ المؤمنين، وشبيه هارون، وانّ معاوية بن صخر زعم، أني رأيته للخلافة اهلاً، ولم أرنفسي لها أهلاً، فكذب معاوية، وأيم الله، لأنا أولى الناس بالناس في كتاب الله، وعلى لسان رسول الله غير أنّا لم نزل أهل البيت مخيفين، مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول الله، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقّنا، ونزا على رقابنا، وحمّل الناس على اكتافنا، ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفيء والغنائم، ومنع أمّنا فاطمة إرثها من أبيها، إنّا لا نسمي احداً، ولكن أقسم بالله قسماً تالياً لوأنّ الناس سمعوا قول الله ورسوله لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، ولما اختلف في هذه الأمّة سيفان، ولأكلوها خضراء خضرةً إلى يوم القيامة، واذاً ما طمعت فيها يا معاوية، ولكنّها لما أخرجت سالفاً من معدنها، وزحزحت عن قواعدها، تنازعتها قريش بينها، وترامتها كترامي الكرة، حتى طمعت أنت فيها يا معاوية وأصحابك من بعدك، وقد قال رسول الله: (ماولّت امة أمرها رجلاً قطّ، وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً، حتى يرجعوا إلى ما تركوا) وقد تركت بنو اسرائيل، وكانوا أصحاب موسى، هارون أخاه وخليفته ووزيره وعكفوا على العجل، وأطاعوا فيه سامريّهم، وهم يعلمون: أنه خليفة موسى، وقد سمعت هذه الأمة رسول الله يقول ذلك لأبي: (انه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي) وقد رأوا رسول الله حين نصّبه لهم بغدير خم؛ وسمعوه نادى له بالولاية، ثم أمرهم ان يبلّغ الشاهد منهم الغائب، وقد خرج رسول الله حذراً من قومه إلى الغار لما أجمعوا على أن يمكروا به وهو يدعوهم، لما لم يجد عليهم أعواناً، ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم، وقد كفّ أبي يده، وناشدهم واستغاث أصحابه فلم يغث، ولم ينصر، ولو وجد عليهم اعواناً ما أجابهم، وقد جعل في سعةٍ كما جعل النبيّ في سعةٍ، وقد خذلتني الأمة، وبايعتك، وقد جعل هارون في سعة حين استضعفه قومه وعادوه، كذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة، وبايعت غيرنا، ولم نجد عليهم اعواناً وانما هي السنن والامثال، يتبع بعضها بعضاً. ايّها الناس انكم لو التمستم بين المشرق والمغرب، رجلاً جدّه رسول الله، وأبوه وصيّ رسول الله، لم تجدوا غيري وغير أخي، فاتّقوا الله ولا تضلّوا بعد البيان، وكيف بكم، وإني قد بايعت هذا - وأشار بيده إلى معاوية - (وإن أدري لعلّه فتنة لكم، ومتاع إلى حينٍ) ايّها الناس إنّه لا يعاب أحد بترك حقّه، وإنّما يعاب أن يأخذ ما ليس له، وكلّ صوابٍ نافع، وكلّ خطأٍ ضارّ لأهله وقد كانت القضية ففهّمناها سليمان، فنفعت سليمان، ولم تضرّ داود، فأما القرابة فقد نفعت المشرك، وهي والله للمؤمن أنفع. ايّها الناس اسمعوا وعوا، واتّقوا الله وراجعوا، وهيهات منكم الرجعة إلى الحقّ، وقد صارعكم النكوص، وخامركم الطغيان والجحود انلزمكموها وانتم لها كارهون. والسلام على من اتّبع الهدى. فقال معاوية: والله ما نزل الحسن حتى أظلمت عليّ الارض وهممت أن ابطش به، ثم علمت: ان الاغضاء اقرب إلى العافية. عند الله احتسب(30) الحمد لله الذي توحّد في ملكه، وتفرّد في ربوبيّته، يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء، والحمد لله الذي أكرم بنا مؤمنكم، واخرج من الشّرك أولكم، وحقن دماء آخركم، فبلاؤنا عندكم قديماً وحديثاً أحسن البلاء، ان شكرتم او كفرتم، ايّها الناس! إن ربّ عليٍّ كان أعلم بعليٍّ حين قبضه إليه، ولقد اختصّه بفضلٍ لم تعهدوا بمثله، ولم تجدوا مثل سابقته، فهيهات هيات، طال ما قلبتم له الامور، حتى أعلاه الله عليكم، وهو صاحبكم، وعدوّكم في بدرٍ وأخواتها، جرّعكم رنقاً، وسقاكم علقاً، وأذلّ رقابكم، وأشرقكم بريقكم، فلستم بملومين على بغضه. وايم الله لا ترى امة محمدٍ خصباً، ما كانت سادتهم وقادتهم في بني أمية، ولقد وجّه الله اليكم فتنةً، لكن لن تصدّوا عنها حتى تهلكوا، لطاعتكم طواغيتكم، وانضوائكم إلى شياطينكم، فعند الله احتسب ما مضى وما ينتظر من سوء رغبتكم، وحيف حكمكم، يا أهل الكوفة لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله صائب على اعداء الله، نكال على فجّار قريش، لم يزل آخذا بحناجرها، جاثماً على انفاسها، ليس بالملومة في امر الله، ولا بالسروقة لمال الله، ولا بالفروقة في حرب أعداء الله، أعطى الكتاب خواتمه وعزائمه، دعاه فأجابه، وقاده فاتّبعه، لا تأخذه في الله لومة لائمٍ فصلوات الله عليه ورحمته. حسبي منكم(31) خالفتم أبي حتى حكم وهو كاره، ثم دعاكم إلى قتال أهل الشام بعد التحكيم فأبيتم، حتى صار إلى كرامة الله ثمّ بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، وقد أتاني أنّ أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية وبايعوه، فحسبي منكم لا تغروني من ديني ونفسي. يا أهل العراق: انما سخي عنكم بنفسي ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي. تركت حقي لصلاح الأمة(32) أيّها الناس! إنّكم لو طلبتم ما بين جابلقا وجابلسا رجلاً جدّه رسول الله، ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين، وقد علمتم: أنّ الله تعالى هداكم بجدّي رسول الله صلى الله عليه وآله، فأنقذكم به من الضّلالة، ورفعكم به من الجهالة، واعزّكم به بعد الذّلة، وكثّركم به بعد القلّة، وإن معاوية نازعني حقاً هو لي، فتركته لصلاح الأمة، وحقن دمائها، وقد بايعتموني على أن تسالموا من سلمت، وقد رأيت أن أسالمه وان يكون ما صنعت حجةً على من كان يتمنّى هذا الأمر، وإن ادر لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين. كفوا أيديكم(33) أمّا بعد، فانّكم شيعتنا وأهل مودّتنا، ومن نعرفه بالنصيحة والصحبة والاستقامة لنا، وقد فهمت ما ذكرتم ولو كنت بالحزم في أمر الدنيا، وللدنيا أعمل وانصب، ما كان معاوية بأبأس منّي بأساً، واشدّ شكيمةً، ولكان رأيي غير ما رأيتم، ولكنّي اشهد الله وايّاكم أني لم أرد بما رأيتم، الا حقن دمائكم واصلاح ذات بينكم، فاتّقوا الله، وارضوا بقضاء الله وسلّموا الأمر لله والزموا بيوتكم، وكفّوا أيديكم، حتّى يستريح برّ، أو يستراح من فاجرٍ مع أنّ أبي كان يحدثني: أن معاوية سيلي الأمر، فوالله لو سرنا اليه بالجبال والشجر، ما شككت انّه سيظهر، إنّ الله لا معقب لحكمه، ولا رادّ لقضائه. وامّا قولك: يا مذلّ المؤمنين فوالله لأن تذلّوا وتعافوا، أحبّ اليّ من أن تعزّوا وتقتلوا(34) فإن ردّ الله علينا حقّنا في عافيةٍ قبلنا وسألنا الله العون على أمره، وإن صرفه عنّا رضينا، وسألنا الله أن يبارك في صرفه عنّا فليكن كلّ رجلٍ منكم حلساً من أحلاس بيته، مادام معاوية حيّاً، فان يهلك ونحن وانتم احياء، سألنا الله العزيمة على رشدنا، والمعونة على أمرنا، وان لا يكلنا إلى أنفسنا (فانّ الله مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون). سيوفهم علينا(35) والله اني ما سلّمت الأمر إلاّ لأني لم أجد انصاراً، ولو وجدت انصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتّى يحكم الله بيني وبينه، ولكن عرفت اهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً، إنّهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قولٍ ولا فعل إنّهم لمختلفون ويقولون لنا أنّ قلوبهم معنا وأنّ سيوفهم لمشهورة علينا. على الملك(36) دخل ابن الفضل سفين بن الليل على الإمام الحسن وقال: السّلام عليك يا مذلّ المؤمنين! فقال له الأمام:.. لا تقل ذاك يا أبا عمر! لست بمذلّ المؤمنين، ولكنّي كرهت ان أقتلكم على الملك. ولكني أردت صلاحكم(37) يا مسيّب، إني لو أردت - بما فعلت - الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء، ولا أثبت عند الحرب مني، ولكنّي أردت صلاحكم، وكفّ بعضكم عن بعضٍ. لا تعنفني(38) ويحك ايها الخارجيّ، لا تعنّفني فإنّ الذي أحوجني إلى ما فعلت قتلكم أبي، وطعنكم اياي، وانتهابكم متاعي، وانّكم لما سرتم إلى صفّين كان دينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم. ويحك أيّها الخارجيّ!!! إني رأيت اهل الكوفة قوماً لا يوثق بهم، وما اعتزّ بهم الا من ذلّ، وليس أحد منهم يوافق رأي الآخر، ولقد لقي أبي منهم اموراً صعبةً، وشدائد مرةً، وهي أسرع البلاد خراباً، وأهلها هم الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً. تباطؤ اصحابي(39) لست مذلاً للمؤمنين، ولكنّي معزّهم ما أردت بمصالحتي الا أن أدفع عنكم القتل، عند ما رأيت تباطؤ أصحابي ونكولهم عن القتال. علمت ما ينفعني(40) ألا إن أمر الله واقع اذلاله رافع وان كره الناس، اني ما أحببت ان ألي من أمر أمة محمدٍ مثقال حبةٍ من خردلٍ يهراق فيه محجمة من دم قد علمت ما ينفعني مما يضرّني فالحقوا بطبننكم [بمطننكم]. سمعت كلامك(41) يا حجر! قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كلّ انسانٍ يحبّ ما تحبّ، ولا رأيه كرأيك، وإني لم أفعل إلا ابقاء عليكم والله تعالى كلّ يوم في شأن. كرهوا الحرب(42) يا عديّ، اني رأيت هوى معظم الناس في الصّلح، وكرهوا الحرب فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون، فرأيت دفع هذه الحروب إلى يومٍ ما فان الله كلّ يومٍ هو في شأنٍ. خشيت أن يجتثّ المسلمون(43) إني خشيت أن يجتثّ المسلمون عن وجه الأرض، فأردت ان يكون للدين ناع. أردت حقن الدماء(44) انتم شيعتنا وأهل مودتنا فلو كنت بالحزم في امر الدنيا أعمل ولسطانها أركض وانصب، ما كان معاوية بأبأس مني بأساً ولا أشدّ شكيمةً ولا أمضى عزيمةً، ولكني أرى غير ما رأيتم، وما أردت بما فعلت إلا حقن الدماء فارضوا بقضاء الله، وسلّموا لأمره، والزموا بيوتكم وأمسكوا. لا تؤنبني(45) لا تؤنّبني رحمك الله، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أري بني امية على منبره فساءه ذلك، فنزلت: (إنا اعطيناك الكوثر) يا محمد - يعني نهراً في الجنة - ونزلت (إنا انزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهرٍ) يملكها بعدك بنو أمية يا محمد. هو خير(46) ويحكم ماتدرون ما عملت؟ والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت، الا تعلمون: أني إمامكم، ومفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة، بنصٍّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّ؟ قالوا: بلى. قال: أما علمتم أنّ الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار، وقتل الغلام، كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمةً وصواباً؟ أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلّي خلفه روح الله عيسى بن مريم؟ فانّ الله عزّ وجلّ يخفي ولادته ويغيب شخصه، لئلا يكون لأحدٍ في عنقه بيعة، اذا خرج ذاك التاسع من ولد أخي: الحسين بن سيدة النساء يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته، في صورة شابٍّ دون الأربعين سنة، ذلك ليعلم انّ الله على كلّ شيءٍ قدير. جماجم العرب(47) كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله، ثمّ أثيرها ثانياً من أهل الحجاز. لا تعذلوني(48) لا تعذلوني فإنّ فيها مصلحةً، ولقد رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في منامه، أنّه يخطب بنو أمية واحد بعد واحدٍ فحزن، فأتاه جبرئيل بقوله: (إنا اعطيناك الكوثر) و(إنّا انزلناه في ليلة القدر). أنا إمام قمت او قعدت(49) يا أبا سعيدٍ! ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه وإماماً عليهم بعد أبي؟ قال: بلى قال: ألست الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي ولأخي (الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا)؟ قال بلى! قال: فأنا إذن إمام لو قمت وأنا إمام اذا قعدت. يا أبا سعيدٍ علّة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة، وبني أشجع، ولأهل مكّة، حين انصرف من الحديبية، اولئك كفار بالتنزيل، ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل، يا أبا سعيد! اذا كنت إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفّه رأيي فيما أتيته من مهادنةٍ أو محاربةٍ، وان كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبساً، ألا ترى الخضر لما خرق السفينة، وقتل الغلام واقام الجدار، سخط موسى فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه، حتى أخبره فرضي، هكذا أنا سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما اتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض احد إلا قتل. إنّ الله بالغ أمره(50) يا سفيان! إنا أهل بيت إذ علمنا الحق تمسكنا به، وإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا تذهب الأيام والليالي حتى يجتمع أمر هذه الأمة، على رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه، ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر ولا في الأرض ناصر، وإنه لمعاوية، وإني عرفت أن الله بالغ أمره.
|
1 - مجلة العرفان الجزء الثالث المجلد الاربعون ص 254 نقلاً عن المجلد التاسع من التذكرة المعلوفية. 2 - تاريخ اليعقوبي، ج 2 - ص 202. 3 - ناسخ التواريخ: لما خرج امير المؤمنين إلى البصرة لحرب الجمل، أوفد إلى الكوفة وفداً برئاسة الإمام الحسن فخطب اهل الكوفة بهذه الخطبة. لاستنفارهم إلى الحرب. وفي كتاب الجمل ص 158 - 159: لما ورد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى البصرة قام عبد الله ابن الزبير فخطب في جموع البصريين، وحرضهم على القتال فقال: (أيها الناس، ان علي بن أبي طالب قتل الخليفة عثمان، ثم جهز الجيوش اليكم ليستولي عليكم، ويأخذ مدينتكم، فكونوا رجالاً تطلبون بثأر خليفتكم، واحفظوا حريمكم، وقاتلوا عن نسائكم وذراريكم، واحسابكم وانسابكم، أترضون لأهل الكوفة أن يردوا بلادكم، اغضبوا فقد غوضبتم، وقاتلوا فقد قوتلتم، ألا وان علياً لا يرى معه في هذا الامر أحداً سواه، والله لئن ظفر بكم ليهلكن دينكم ودنياكم..) وبلغ الإمام اميرالمؤمنين خطاب ابن الزبير فأمر الإمام الحسن بالرد عليه فقام الحسن خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:.. وقد كانت هذه الخطبة مجزأة، فجمعناها من عدة مصادر، منها البحار وناسخ التواريخ، ونسقناها حسب تسلسل مضامينها. 4 - خطب بها لتأليب جماهير العراق، على حرب معاوية في (صفين) جمعناها بهذه الصورة، من ناسخ التواريخ، والبحار. 5 - استنكر بعض المنافقين شدة امير المؤمنين في الله فعمدوا إلى الإمام الحسن (عليه السلام) وأغروه بمبايعته، لشق وحدة شيعة أمير المؤمنين، فرفض الإمام الحسن عرضهم، بانه خروج على إمام زمانه، ولما ألح عليه عبد الله بن عمر صاح به:.. 6 - لما فشل التحكيم، سرت الفوضى في الناس فامر الإمام امير المؤمنين نجله الإمام الحسن بان يخطب في الناس فيلقي ضوءاً على الواقع الذي غشيه غبار الجهل حتى توارى عن العيون فقال له: قم يا بني، فقل في هذين الرجلين عبد الله بن قيس، وعمرو بن العاص، فقام الإمام الحسن (عليه السلام) حتى اذا اعتلى المنبر قال:.. 7 - هذه الجملة وردت في رواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج 1 - ص 44. 8 - التوحيد ص 385 - 386: محمد بن الصدوق، عن محمد بن ابراهيم بن أحمد بن يونس الليثي قال حدثنا احمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم قال أخبرني الحرث بن أبي أسامة قراءة عن المدايني عن عوانة بن الحكم وعبد الله بن العباس بن سهل الساعدي وابي بكر الخراساني مولى بني هاشم عن الحرث بن حصيرة عن عبد الرحمن بن جندب عن ابيه وغيره: أن الناس أتوا الحسن بن علي (عليه السلام) بعد وفاة علي (عليه السلام) ليبايعوه، فقال:.. 9 - لما قتل امير المؤمنين (عليه السلام)، وبايع الناس نجله الإمام الحسن، خطب الإمام في أهل الكوفة، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال:.. 10 - شرح ابن ابي الحديد، ج 4 / ص / 13: لما علم معاوية ان الإمام مزمع على المسير إلى الشام، كتب إلى جميع ولاته رسالة نصها مايلي: (من عبد الله معاوية امير المؤمنين، إلى فلان بن فلان، ومن قبله من المسلمين سلام عليكم فاني احمد اليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فالحمد لله الذي كفا كم مؤونة عدوكم وقتلة خليفتكم ان الله بلطفه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلاً من عباده، فاغتاله فقتله، فترك أصحابه متفرقين مختلفين، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم، يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم، فأقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي هذا، بجهدكم وجندكم، وحسن عدتكم، فقد أصبتم بحمد الله الثأر، وبلغتم الأمل، وأهلك الله أهل البغي والعدوان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته). ولما وصلت هذه الرسالة إلى عماله وولاته، قاموا بتحريض الناس وحثهم على الخروج والاستعداد، وفي أقرب وقت، التحقت به قوى هائلة منظمة، من حيث الكراع والسلاح، والعدد والعدة، وخرج معاوية متوجهاً إلى العراق، ولما وصل إلى جسر (منبج) بلغ الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك، فأمر حجر بن عدي: أن يأمر العمال والناس بالاستعداد للمسير، ونادى المنادي: الصلاة جامعة، فأقبل الناس يثوبون ويجتمعون، وقال الحسن: إذا رضيت جماعة الناس فاعلمني، فجاءه سعيد بن قيس الهمداني، وأعلمه بالاجتماع فخرج (عليه السلام) وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:.. 11 - أعيان الشيعة ص 35: السيد محسن الامين العاملي: عند ما اجتمع اهل الكوفة لحرب معاوية أراد الإمام الحسن (عليه السلام) ان يستبرىء ضمائرهم، فأمر أن ينادى بالصلاة جامعة، فاجتمعوا وصعد المنبر فخطبهم فقال:.. 12 - الاصبهاني: ص 23 لما أراد الإمام الحسن (عليه السلام) الزحف على جيش الشام، استقدم عبيد الله بن عباس، فعقد له لواء على اثني عشر الفاً، ثم قال له:.. 13 - ووجه الإمام جيشاً إلى الشام بقيادة رجل من (الكندة) يدعى (الحكم) ولما ورد (الحكم) إلى الانبار، أرسل اليه معاوية بالاموال والوعود، فاغراه بالهروب اليه، وهرب (الحكم) فالتحق بمعاوية ولما بلغ نبأه الإمام، قام خطيباً فيمن بقي من الجيش فقال:.. 14 - وكان قادة جيش الإمام يتسللون من الجيش، مغترين بأموال معاوية ووعوده، وكان زعماء أهل الكوفة يراسلون معاوية بتسليم الإمام مكتوفاً اليه متى شاء. ثم يأتون إلى الإمام فيظهرون له الطاعة والولاء، ويقولون له: أنت خليفة أبيك ووصيه ونحن السامعون المطيعون لك فمرنا بأمرك. فقال لهم الإمام: (كذبتم والله ما وفيتم لمن كان خيراً مني فكيف تفون لي، وكيف اطمئن اليكم و(لا) أتق بكم، ان كنتم صادقين فموعدنا ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافوا إلى هناك). وخرج إلى المدائن فتخلف عنه اكثر الجيش فضاق بهم الإمام، وألقى فيهم خطاباً جاء فيه:.. 15 - وكان معاوية يكثر من الوعود، لاغراء أصحاب الإمام بخيانته وقتله فكانوا ينخدعون بها، ويتحيرون اليه. ولما رأى الإمام تفرق أصحابه باغراءات معاوية صاح بهم:.. 16 - ناسخ التواريخ: ولما رأى الإمالم تمزق اتجاهات جيشه، وتسلل قادته إلى معاوية اراد استقصاء آراء الجيش، لتركيز الموقف على ضوئه، فوقف خطيباً في جيشه، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال:.. الإمام الحسن - م (6). 17 - هذه الجملة وردت في بعض الروايات. 18 - وبعد ما أصيب الإمام في فخذه وتآمر عليه جمع من أهل الكوفة للقبض عليه و تسليمه إلى معاوية؛ دخل عليه (زيد بن وهب الجهني) فقال له: (يا ابن رسول الله لقد اضطرب الناس وتحيروا في امرهم؛ فماذا تقدر لهم) فاجابه الإمام: 19 - لقد اندس في صفوف الشيعة أيام الإمام الحسن (عليه السلام) الخوارج، والانتهازيون؛ وأنصار معاوية؛ لتمزيق صفوف الشيعة؛ فكشفهم الإمام بهذا الكلام؛ حيث أعلن انهم ليسوا من الشيعة، وان تستروا باسم التشيع وزعموا: انهم شيعة. 20 - فقال (زيد بن وهب الجهني): (وهل تترك شيعتك كاغنام غاب عنها رعاتها؟) فقال الإمام: 21 - بعدما ابرمت اتفاقية الصلح، بين الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية، واجتمعا في (النخيلة) - وقيل في الكوفة - نودي في الناس: (الصلاة جامعة) فاجتمع الناس للاستماع إلى الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية، فسبق معاوية إلى المنبر، لالقاء خطاب الصلح، وخطب خطاباً طويلاً، لم يرو التاريخ منه الا فقراته البارزة فروى: اليعقوبي: انه قال: (اما بعد ذلكم، فانه لم تختلف امة بعد نبيها، إلا غلب باطلها حقها) وانتبه لما وقع فيه، فقال: (إلا ما كان من هذه الأمة، فان حقها غلب باطلها). وروى المدائني: انه استطرد قائلاً: (والله اني ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا) ثم ارتج عليه فتوقف ثانية اذ علم انه خسر الموقف، وفكر قليلاً، ثم استدرك قائلاً: (انكم لتفعلون ذلك، وانما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد اعطاني الله ذلك، وانتم له كارهون). (الا ان كل دم اصيب في هذه الفتنة مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين، ولا يصلح الناس الا ثلاث: اخراج العطاء عند محله، واقفال الجنود لوقتها، وغزو العدو في داره، فان لم تغزوهم غزوكم). وروى ابوالفرج الاصفهاني، عن حبيب بن أبي ثابت مسنداً: انه ذكر في هذه الخطبة علياً فنال منه، ثم نال من الحسن، فانفجر الحسن راداً عليه:.. 22 - فارتفعت الأصوات من جميع جنبات الحفل، هاتفة: آمين آمين، وما جرى على يراع مؤرخ، ولا قرع سمع انسان، الا وسجل على حسابه: آمين فآمين آمين. 23 - قال في كشف الغمة: (ولما نزل من المنبر، صعد الإمام الحسن) واختلف الرواة والمؤرخون في نص خطاب الإمام، فأوردنا جميع النصوص المنقولة كما رووها، ولعلها - بأجمعها - صحيحة، وقد قطعوها فاختلف!.. 24 - الارشاد للمفيد، ص / 169 طبع ايران. 25 - كشف الغمة (ص/170). 26 - المسعودي (هامش ابن الاثير، ج 6/ص 61/ 62) وابن كثير (ج8/ص/18) والطبري (ج6/ص/93). 27 - البحار (ج 10/ص/ 114) الطبعة القديمة. 28 - المسعودي (هامش ابن الاثير ج 6/ ص 61/ 62). 29 - جلاء العيون، ج 1/ ص 349 / 354: روى الشيخ في الامالي باسناد معتبر عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: لما اجمع الحسن بن علي (عليه السلام) على صلح معاوية خرج حتى لقاه فلما اجتمعا قام معاوية خطيباً فصعد المنبر وأمر الحسن أن يقوم أسفل منه بدرجة ثم تكلم معاوية فقال ايها الناس هذا الحسن بن علي وابن فاطمة رآنا للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها أهلا وقد أتانا ليبايع طوعاً ثم قال قم يا حسن فقام الحسن فخطب فقال: 30 - ورد معاوية الكوفة، فأصر على الإمام أن يصعد المنبر، وكان يظن: أن الإمام يمدحه، فصعد الإمام المنبر وقال:.. 31 - ولما علم الناس ان الإمام صالح معاوية أكثروا من اللغط فقال لهم الإمام:.. 32 - وأرسل الإمام إلى معاوية وثيقة صلح التي أثقلها بشروط باهظة، فوافق معاوية على جميعها، ولما انتهى خبر موافقته إلى الإمام، توجه إلى أصحابه فقال: 33 - الإمامة والسياسة،ج 1/ص 71. وكان سليمان بن صرد بالمدائن حينما سمع نبأ الصلح، فسعى إلى المدينة حتى اذا انتهى إلى الإمام اندفع قائلا:- (السلام عليك، يا مذل المؤمنين). فرد عليه الإمام:- (عليك السلام، اجلس). فلما جلس قال:- (ان تعجبنا لا ينقضي من بيعتك معاوية، ومعك مائة الف مقاتل من أهل العراق وكلهم يأخذ العطاء، مع مثلهم من ابنائهم ومواليهم، سوى شيعتك من اهل البصرة واهل الحجاز، ثم لم تأخذ لنفسك ثقة في العهد، ولا حظاً من القضية، فلو كنت اذ فعلت ما فعلت، واعطاك ما اعطاك بينك وبينه من العهد والميثاق كنت كتبت عليه بذلك كتاباً، وأشهدت عليه شهوداً من اهل المشرق والمغرب. ان هذا الامرلك من بعده، كان الأمر علينا أيسر، ولكنه أعطاك هذا فرضيت به من قوله، ثم قال وزعم على رؤوس الناس ما قد سمعت: اني كنت شرطت لقوم شروطاً ووعدتهم عدات، ومنيتهم أماني، ارادة اطفاء نار الحرب، ومداراة لهذه الفتنة واذ جمع الله لنا كلمتنا والفتنا، فان كل ما هناك تحت قدمي هاتين، والله ما عنى بذلك الا نقض ما بينك وبينه، فأعد للحرب خدعة، وأذن لي أشخص إلى الكوفة، فأخرج عامله منها، وأظهر فيها خلعه، وأنبذ اليه على سواء ان الله لا يهدي كيد - الخائنين). وصادف حديث سليمان هوى في نفوس من حضر، فهتفوا بالتأييد قائلين: (ابعث سليمان بن صرد، وابعثنا معه، ثم الحقنا اذا علمت أنا قد أشخصنا عامله وأظهرنا خلعه). ولما كانت المصلحة العامة للمسلمين لا تساعد على خلع معاوية ونقض المعاهدة توجه إليهم الإمام بقوله:.. 34 - لان الشيعة اذا عزوا وقتلوا عن آخرهم، يطمس الإسلام كله، واذا ذلوا وبقوا، يستطيعون رفع رايته عندما يتاح لهم ذلك، وبقاء الإسلام ببقائهم أذلاء أفضل من قتلهم أعزاء في سبيل الإسلام وقتل الإسلام بقتلهم، اذ لا يبقى بعدهم من يحمله في عقله وقلبه. 35 - احتجاج الطبرسي، ص 149 ورآه احد اصحابه فندد به قائلا: (يا ابن رسول الله أذللت رقابنا بتسليمك الأمر إلى هذا الطاغية) فاجابه الإمام:.. 36 - تاريخ دمشق لابن عساكر ج 12 - ص 544، عن ابن الغريف قال: 37 - تاريخ ابن عساكر، ج 2 - ص 225 وأتاه المسيب بن نجبة فقال له: (ما ينقضي تعجبي منك!!! بايعت معاوية ومعك أربعون الفاً، ولم تأخذ لنفسك وثيقة، وعهداً ظاهراً، أعطاك أمراً فيما بينك وبينه. ثم قال: ما قد سمعت، والله ما أراد بها غيرك). فقال له الإمام: (ما ترى؟) فقال المسيب: (أرى ان ترجع إلى ما كنت عليه، فقد كان نقض ما بينك وبينه). فانبرى اليه الإمام قائلا:.. 38 - تذكرة الخواص (ص 207) وجاءه سفيان بن ابي ليلي الخارجي فقال له: (السلام عليك يا مذل المؤمنين) فصاح به الإمام:.. 39 - الدينوري ص 203: وسلم عليه بعض اصحابه بالتسليمة الذليلة، فأجابه الإمام:.. 40 - تاريخ دمشق لابن عساكر ج/12 ص/536: أخبرنا ابوالقاسم السمرقندي عن محمد ابن ابي عثمان وابي طاهر القضاري حدثنا ابي قال: حدثنا اسماعيل بن الحسن حدثنا الحسين بن اسماعيل حدثنا زياد بن ايوب حدثنا ابن ابي عيينة حدثنا صدقة بن المثنى عن جده رياح بن الحرث قال: كنت عند منبر الحسن بن علي وهو يخطب الناس بالمدائن فقال:.. 41 - مناقب ابن شهر اشوب، ج 2- ص 169، لما بايع الإمام معاوية اقبل اليه حجر بن عدي فقال له: (أما والله لوددت انك مت في ذلك اليوم ومتنا معك، ولم نرهذا اليوم. فان رجعنا راغمين بما كرهنا ورجعوا مسرورين بما أحبوا) فأجابه الإمام بقوله:.. 42 - وجاء عدي بن حاتم إلى الإمام فقال له: (ياابن رسول الله، لوددت اني مت قبل ما رأيت، اخرجتنا من العدل إلى الجور، فتركنا الحق الذي كنا عليه، ودخلنا في الباطل الذي كنا هنرب منه, اعطينا الدنية من أنفسنا، وقبلنا الخسيس التي لم تلق بنا) فرد عليه الإمام قائلاً:.. 43 - البحار: محمد باقر المجلسي: ووفد عليه مالك بن ضمرة فاعنف له القول. فقال له الإمام: 44 - وأتاه قوم من شيعته فحرضوه على السماح لهم بالزحف على الشام، متذرعين نقض الصلح بان معاوية لم يطبق شروطه، فقال لهم الإمام الحسن (عليه السلام):.. 45 - روى ابو عيسى الترمذي في جامعه: حدثنا محمود بن غيلان حدثنا ابو داود الطيالسي حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال: سودت وجوه المؤمنين - أو يا مسود وجوه المؤمنين - فقال له الإمام:.. 46 - ولامه قوم على الصلح، حتى ضاق صدره (عليه السلام) فصاح بهم:.. 47 - قال نفير الحضرمي في المدينة للإمام الحسن: (ان الناس يزعمون: انك تريد الخلافة) فقال الإمام:.. 48 - ووفد إليه جمع من شيعته، فقالوا له: (يا مذل المؤمنين، ويا مسود الوجوه) فأجابهم:.. 49 - وبعد ما اضطر الإمام إلى الصلح مع معاوية، ظهر أناس نددوا بالصلح بعد ما أجبروا الإمام عليه. فجاءه (أبو سعيد العقيصا) وقال له: (لم داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت: ان الحق لك دونه، وان معاوية ضال باغ؟) فقال الإمام:.. 50 - وقدم إليه سفيان بن أبي ليلي فقال له: (السلام عليك يا مذل المؤمنين) فقال الإمام: (وعليك السلام يا سفيان) انزل، فنزل فقال له الإمام: (ماذا قلت؟) قال سفيان: قلت: (السلام عليك يا مذل المؤمنين) فقال الإمام: (ولماذا؟) فقال سفيان: (أنت والله بأبي وأمي أذللت رقابنا حتى أعطيت هذا الطاغية البيعة وسلمت الأمر إلى اللعين ابن أكلة الأكباد ومعك مائة ألف، كلهم يموت دونك، وقد جمع الله عليك امر الناس) فقال الإمام:.. |