فهرس الكتاب

مكتبة الإمام الحسن (ع)

 

معاوية وزعماء الشيعة

وكان موقف معاوية من زعماء الشيعة بعد صلحه مع الحسن موقف المنتقم الحاقد الذي لا تأخذه بهم رأفة ولا ذمة ولا «عهد»، وكان لخوفه من الدعاوة الفعالة التي يحملها هؤلاء السادة من زعماء الشيعة أثره فيما توفر عليه من القصد الى ايذائهم واقصائهم وقتلهم والتنكيل بهم. ولسنا الآن بسبيل استقصاء ما عمله معاوية تجاه هؤلاء الشيعة، ولا استقصاء ما كان ينويه بهم من خطط بعيدة الاهداف. ولكننا - لندل على مدى وفاء هذا الاموي بشروطه وأيمانه - سنورد في هذا الفصل بعض أعماله تجاههم وبعض نواياه بهم. وفي قليل من هذه الامثلة كفاية عن الكثير آثرنا تركه أو خفي علينا علمه.

وقد خسر تاريخ هؤلاء الشيعة انصاف المؤرخين بعد ذلك، ولعب التعصب الذميم دوره المهم في طمس معالم هذا التاريخ أحفل ما يكون بالقضايا البارزة التي كان من حقها أن تأخذ مكانها من عبرة الاجيال. وكان للسلطات الحاكمة عملها في توجيه ما يكتب للتاريخ أو يملى للحديث، حتى فيما يتناول أئمة الشيعة فضلاً عن زعمائهم أو سوادهم.

«روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا.. قال: ان اكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقرباً اليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم !.

«وقال المدائني عن عصر معاوية: وظهر حديث كثير موضوع،

[326]

وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان اعظم الناس في ذلك بليةً القراء المراؤون، والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقرّبوا مجلسهم، ويصيبوا به الاموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الاخبار والاحاديث الى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها، وهم يظنون انها حق، ولو علموا انها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها(1)».

وقال ابن أبي الحديد: «وذكر شيخنا أبو جعفر الاسكافي.. أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة. ومن التابعين عروة بن الزبير(2)».

اقول: وشيء قليل من حيدة في النظر ودقة في الاستنتاج يكفينا للقناعة بألوان التصرفات الكيفية الواسعة النطاق التي نكب بها كل من حديث الاسلام وتاريخ أحداثه معاً. حتى لقد يعز على المتتبع في ماجريات الحوادث الاسلامية الاولى ان لا يجد قضية من مهمات القضايا الاسلامية يومئذ سلمت في تناسقها التاريخي من الاصطدام بالمفارقات البعيدة التي تغمرها بالشك، ثم لا تزال تأخذ بها بين التيارات المتعاكسة ذات اليمين وذات الشمال.

ولا حاجة بنا بعد ذلك الى جمع الشهادات والتصريحات على شيوع الوضع(3) وكثرة الوضاعين، لان خير شهود كل شيء ما كان منه مباشرة.

وكانت قضية الحسن بن علي عليهما السلام بملابساتها وذيولها احدى

______________________________

(1) و(2) ابن أبي الحديد (ج 3 ص 16) و(ج 1 ص 358).

(3) وللعلامة الاميني النجفي في «كتاب الغدير» (ج 5 من ص 185 الى 329) بحثه القيم عن الوضاعين الكذابين جمع فيه ستمائة وعشرين كذاباً وضاعاً ممن سلكهم القوم في رواة الحديث والتاريخ. فليراجع.

[327]

هاتيك القضايا التي لعبت الاهواء في التحدث عنها وضعاً ورفعاً وجمعاً وتفريقاً، وفقدت تحت تأثير هذا التلاعب المؤسف الذي لم يكن كله مقصوداً، كما لم يكن كله غير مقصود، روعة واقعها الاول. وكان من طبيعة هذا الوضع أن تختلف عليه الافهام، ويكثر حوله النقض والابرام. وما هي الا كنموذج واحد من قضايا كثيرة في تاريخ الاسلام ظلمها التاريخ وجللها بالظلام.

وانهم ليعرفون، وهم يؤرخون الحسن، مكانة الحسن في التاريخ ويعلمون أنهم انما يكتبون عن «أحد الاحدين» في العالم الاسلامي كله.

فكيف بهم اذا جاوزوا فيما يؤرخون مثل هذه النقطة المركزة، الى نقاط لا تبلغ في موضوعها خطورة امام ؟.

لذلك يجب أن لا نطمع في موضوع [معاوية وزعماء الشيعة] بالحصول على الحقائق الكافية التي تملأ نهم البحث، ولا بالوقوف على الاحصاءات الصحيحة التي تسدّ نطاق الموضوع، بما يتناسب وحديث المدائني، وتفاصيل سليم بن قيس.

ذلك لأن كل شيء من هذا القبيل، وكل شيء من تاريخ الشيعة الصحيح، قد طغت عليه التصرفات المعارضة، وأكلته الاكاذيب المأجورة على طول التاريخ.

وليس لنا الآن، الا أن نعود فنتسقط الاخبار من هنا ومن هنالك لنعرض شيئاً له صورته التاريخية التي نعتقد أنها - على فظاعتها - قليل من كثير، وبعض من كل.

واليك الآن القائمة المحزونة التي تحمل أسماء هؤلاء بما فيهم من صحابة وتابعين، ولندرس على ضوء هذه القائمة جواب معاوية على الشرط الخامس من شروط معاهدة الصلح. ثم لنتدرج مع فقرات هذا الشرط فيما نأتي عليه من فصول.