فهرس الكتاب

مكتبة الإمام الحسن (ع)

 

السبب في قتله

أنه كان يرد على المغيرة وزياد حين يشتمان علياً عليه السلام، ويقول: «أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل، ومن تزكون أولى بالذم، وكان

[330]

اذا جهر بكلمته هذه، وافقه أكثر من ثلثي الناس، وقالوا: «صدق واللّه حجر وبر».

أما المغيرة بن شعبة فقد قدر المعنويات التي تعزز حجراً كصحابي فاضل، وكرأس من رجالات علي في الكوفة، وكأمير عربي يرث تاج الكنديين من أقرباء الجدود، وسمع بأذنيه تأييد الناس دعوته غير آبهين بالقوة، ولا خائفين نقمة السلطان، فرأى أن يتمهل في أمره وأن يعتذر الى ذوي مشورته الذين كانوا يحرضونه على التنكيل به. ثم قال لهم: «اني قد قتلته». قالوا: «وكيف ذلك؟» قال: «انه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيهاً بما ترونه، فيأخذه عند اول وهلة فيقتله شر قتلة». وكان المغيرة في موقفه من حجر المنافق الحكيم، وكذلك كان فيما أجاب به صعصعة بن صوحان يوم فتنة المستورد بن علفة الخارجي سنة 43 قال له: «واياك أن يبلغني عنك أنك تظهر شيئاً من فضل علي علانية، فانك لست بذاكر من فضل علي شيئاً أجهله، بل أنا أعلم بذلك !!. ولكن هذا السلطان - يعني معاوية - قد ظهر، وقد أخذنا باظهار عيبه للناس، فنحن ندع كثيراً مما أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد من ذكره بداً، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية(1)».

وولي ابن سمية الكوفة بعد هلاك المغيرة سنة 50 أو 51، فرأى أن يخدم أمويته «المزعومة» بقتل حجر بن عدي ليريحها من أكبر المشاغبين عليها. ولكنه جهل أن دم حجر سيظل يشاغب على تاريخ أمية ما عرف الناس هذين الاسمين.

وأطال الوالي الجديد خطبته يوم الجمعة حتى ضاق وقت الصلاة - ولصلاة الجمعة وقتها المحدود - فقال حجر - وكان لا يفارق جمعتهم وجماعتهم -: «الصلاة !» فمضى زياد في خطبته. فقال ثانياً: «الصلاة !» فمضى في خطبته. وخشي حجر فوت الفريضة فضرب بيده الى كف من

______________________________

(1) الطبري (ج 6 ص 108).

[331]

الحصا، وثار الى الصلاة وثار الناس معه.

وما كان أبو عبد الرحمن بمكانته الاجتماعية وبروحه العابدة الزاهدة بالذي يترخص في دينه أو يلجأ الى مجاملة المترخصين، وكان يظن ان في هؤلاء بقية من الحسن قد تنفعها الذكرى وقد يجدي معها الانكار، فأنكر انتصافاً للحق المهضوم، وجاهد لدينه ولامامه ولصلاته بلسانه، كما كان يجاهد بسيفه في فتوح الاسلام.

وجاءت قائمة جرائمه - في عرف بني أمية - أنه يرد السب عن علي عليه السلام، وأنه يريد الصلاة لوقتها، ولا شيء غير ذلك !.

ودعا زياد «حواشيه الطيعة» الذين كانوا يبادلونه الذمم بالنعم أمثال عمر بن سعد [قاتل الحسين عليه السلام]، والمنذر بن الزبير، وشمر بن ذي الجوشن العامري، واسماعيل واسحق ابني طلحة بن عبد اللّه، وخالد بن عرفطة، وشبث بن ربعي، وحجار بن أبجر، وعمرو بن الحجاج، وزجر بن قيس.. و«درازن» أخرى من هذه النماذج التي طلقت المروءة ثلاثاً، وكانوا سبعين رجلاً، عدهم الطبري في تاريخه واحداً واحداً [ج 6 ص 150 - 151]، وماز من بينهم أبا بردة بن أبي موسى الاشعري لانه كان أضعفهم عنده او لانه كان أقواهم عند معاوية، وقال له اكتب: -

«بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى الاشعري للّه رب العالمين !!، أشهد ان حجر بن عدي خلع الطاعة، وفارق الجماعة !! ولعن الخليفة، ودعا الى الحرب، وجمع اليه الجموع يدعوهم الى نكث البيعة، وكفر باللّه عزّ وجل كفرة صلعاء !!..».

وقال للسبعين: «على مثل هذه الشهادة فاشهدوا. أما واللّه لاجهدن على قطع خيط هذا الخائن الاحمق !!». فشهد على هذه الصحيفة الخائنة الحمقاء سبعون من اشراف الكوفة و«ابناء البيوتات» !!.. وكتب الى معاوية في حجر وكثر عليه فكتب اليه معاوية: «شده في الحديد واحمله اليّ».

[332]

ولنتذكر هنا سوابق هذه الحفنة من أبناء بيوتات الكوفة في قضية الحسن بن علي عليهما السلام أيام خلافته، وهل كان الفارون من الزحف في مسكن، والمتألبون على الشر في المدائن، والمكاتبون معاوية على الغدر بالامام وتسليمه اياه الا هؤلاء ؟. فمن هو اذاً الذي خلع الطاعة وفارق الجماعة ونكث البيعة أحجر بن عدي أم هم ؟

ثم لنتذكر مواقف هؤلاء أنفسهم في فاجعة الحسين عليه السلام بكربلاء، وكانوا يومئذ سيوف الجبابرة الامويين الذين تحملوا مسؤوليات تلك الاحداث المؤلمة التي لا حد لفظاعتها في تاريخ العرب والاسلام.