فهرس الكتاب

مكتبة الإمام الحسن (ع)

 

6 - أوفى بن حصن

أحد فرائس الظلم الاموي. طلبه زياد فأبى مواجهته، واستعرض زياد الناس فمر به فقال: «من هذا ؟» فقيل له: «أوفى بن حصن»، فقال زياد: «أتتك بخائن رجلاه»، وقال له: «ما رأيك في عثمان ؟» قال: «ختن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على ابنتيه» قال: «فما تقول في معاوية ؟» قال: «جواد حليم».

وكان أوفى لبقاً في لغته وأسلوبه فلم يجد عليه زياد ملزماً.

وعاد عليه فقال له: «فما تقول فيّ ؟» قال: «بلغني أنك قلت بالبصرة: واللّه لآخذن البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر»، قال: «قد قلت ذاك(2)» قال: «خبطتها خبط عشواء !».

أقول: وكان من لباقة هذا الرجل الحصيف أنه تدرج في أجوبته لزياد - كما ترى - الى طريقة حكيمة من الوعظ حاول بها تنبيهه الى أخطائه. ولا تنس أنه كان يقف من عدوه ساعتئذ بين النطع والسيف،

______________________________

(2) روى خطبته أكثر المؤرخين، وروينا هذا الفصل منها في هوامش الفصل الحادي عشر.

[350]

ومن ذمته بين الحق والباطل. وهذا هو ما يزيدنا اعجاباً بهؤلاء الابطال من تلامذة علي عليه السلام، ولكن شيئاً من وعظه لم يجده نفعاً سوى أن يقول زياد فيه: «ليس النفاخ بشر الزمرة» ثم أمر به فقتل(1)».

ولا ادري، ولا أظن زياداً نفسه يدري، بأي جريرة أخذ ابن حصن فأشاط بدمه و«كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله» - كما في الحديث - ؟.

والرجل في أجوبته كلها كما رأيت لم يفضح سراً، ولم يهتك أمراً. ولكن الذي ناقض الكتاب صريحاً فأخذ البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر خلافاً لقوله تعالى: «ولا تزر وازرة وزر أخرى» لحري بأن لا يفهم لغة الحديث ولا لغة الكتاب.

واعتصم بغلوائه فاذا الناس من حوله في أشد محن الدنيا: جماعات تساق الى السجون، وزرافات تطارد أينما تكون، ومئات تعرض عليه كل يوم لتسمل عيونهم، أو لتقطع أطرافهم، أو ليؤمر بهم فتحطم ضلوعهم(2). وبين الكوفة والشام فرائس أخرى ترزح بالاصفاد. وما في الكوفة الا الارهاب المميت، وما في الشام لهؤلاء الا الموت المرهوب.

وخشعت الكوفة التي كانت تفور - في أمسها القريب - بالمؤامرات والمعارضات خشوع الجناح الكسير، بما وسعها من مظالم الحكام الامويين. وكان المتآمرون بالامس هم المتآمرين بالجور اليوم، وكانوا هم الحاكمين بأمرههم فيما يسنون أو فيما ينفذون، فما بالها لا ترتجف فرقاً ؟ وما بال أهلها لا يلوذون بالفرار هرباً ؟..

______________________________

(1) يراجع ابن الاثير (ج 3 ص 183)، والطبري (ج 6 ص 130 - 132).

(2) جيء الى زياد بعمير بن يزيد (من أصحاب حجر بن عدي) وقد أعطي الامان على دمه وماله، فأمر به زياد فأوقر بالحديد، ثم أخذته الرجال ترفعه حين اذا بلغ سورها - أعلى القامة - ألقوه فوقع على الارض ثم رفعوه ففعلوا به ذلك مراراً ! الطبري (ج 6 ص 147).

[351]

وخفي على معاوية وعلى ابن أبيه ورجال مدرسته أن الامعان بالعنف من أكبر الاسباب التي تغذي المثل الاعلى الذي يحاربه الحاكم العنيف، وان العنف لن يستطيع ان يقتل الفكرة التي كتب لها الخلود، ولكنها ستظل نواة الشجرة التي ستبسق مع التاريخ.

وهذا حييت مئات الملايين - بعد ذلك - وهي تشارك الكوفة في فكرتها، وتحمل لمعاوية ورجاله وترها الذي لا تخلقه الايام.