فهرس الكتاب

مكتبة الإمام الحسن (ع)

 

ب - زعماء الشيعة المرعون..

(1 - عبد اللّه بن هاشم المرقال):

كان كبير قريش في البصرة، ورأس الشيعة فيها.

[352]

وكان أبوه هاشم - المرقال - بن عتبة بن أبي وقاص، القائد الجريء المقدام الذي لقي منه معاوية في صفين الرعب المميت، وهو يومئذ على ميسرة علي عليه السلام.

كتب معاوية الى عامله زياد: «اما بعد، فانظر عبد اللّه بن هاشم بن عتبة، فشدَّ يده على عنقه، ثم ابعث به اليّ».

فطرقه زياد في منزله ليلاً، وحمله مقيداً مغلولاً الى دمشق. فأدخل على معاوية، وعنده عمرو بن العاص، فقال معاوية لعمرو: «هل تعرف هذا ؟» قال: «هذا الذي يقول أبوه يوم صفين...» وقرأ رجزه وكان يحفظه ثم قال متمثلاً:

«وقد ينبت المرعى على دمن الثرى***وتبقى حزازات النفوس كما هيا»

واستمر قائلاً: «دونك يا أمير المؤمنين الضب المضب، فاشخب أوداجه على أثباجه، ولا ترده الى العراق، فانه لا يصبر على النفاق، وهم أهل غدر وشقاق وحزب ابليس ليوم هيجانه، وانه له هوى سيوديه، ورأياً سيطغيه، وبطانة ستقويه، وجزاء سيئة مثلها».

وكان مثل هذا المحضر ومثل هذا التحامل على العراق وأهله هو شنشنة عمرو بن العاص المعروفة عنه، ولا نعرف أحداً وصف أهل العراق هذا الوصف العدو قبله.

أمّا ابن المرقال فلم يكن الرعديد الذي يغلق التهويل عليه قريحته، وهو الشبل الذي تنميه الاسود الضراغم - فقال، وتوجه بكلامه الى ابن العاص: «يا عمرو ! ان اقتل، فرجل أسلمه قومه، وادركه يومه. أفلا كان هذا منك اذ تحيد عن القتال، ونحن ندعوك الى النزال، وانت تلوذ بشمال النطاف(1)، وعقائق الرصاف(2)، كالأمة السوداء، والنعجة

______________________________

(1) أي بأشام الجانبين من الماء القليل.

(2) العقائق: سهام الاعتذار. كانوا يرمون بها نحو السماء - والرصاف: الحجارة المرصوف بعضها على بعض في مسيل الماء، فكأنه يقول له: انك تلوذ في أرض صلبة عند ماء قليل ترمي بسهام الاعتذار.

[353]

القوداء، لا تدفع يد لامس ؟».

فقال عمرو: «أما واللّه لقد وقعت في لهاذم شدقم(1) للأقران ذي لبد، ولا أحسبك منفلتاً من مخالب أمير المؤمنين».

فقال عبد اللّه: «أما واللّه يا ابن العاص انك لبطر في الرخاء، جبان عند اللقاء، غشوم اذا وليت، هياب اذا لقيت، تهدر كما يهدر العود المنكوس المقيد بين مجرى الشوك، لا يستعجل في المدة، ولا يرتجى في الشدة. أفلا كان هذا منك، اذ غمرك أقوام لم يعنفوا صغاراً، ولم يمرقوا كباراً، لهم أيد شداد، والسنة حداد، يدعمون العوج، ويذهبون الحرج، يكثرون القليل، ويشفون الغليل، ويعزون الذليل» ؟.

فقال عمرو: «أما واللّه لقد رأيت أباك يومئذ تخقق(3) أحشاؤه، وتبق أمعاؤه، وتضطرب اصلاؤه(3) كما انطبق عليه ضمد».

فقال عبد اللّه: «يا عمرو ! انا قد بلوناك ومقالتك فوجدنا لسانك كذوباً غادراً، خلوت بأقوام لا يعرفونك، وجند لا يساومونك، ولو رمت المنطق في غير أهل الشام لجحظ(4) عليك عقلك، ولتلجلج لسانك، ولاضطرب فخذاك اضطراب القعود الذي اثقله حمله».

فقال معاوية: «ايها عنكما». وأمر باطلاق عبد اللّه لنسيبه. فلم يزل عمرو بن العاص يلومه على اطلاقه ويقول:

«أمــــرتك أمراً عازماً فعصيتني***وكان من التوفيق قتل ابن هاشم

أليــــــس أبوه يا معـــــاوية الذي***أعـــــان علياً يوم حز الغلاصم ؟

فلــــم ينثن حـتى جرت من دمائنا***بصفيـــن أمثال البحور الخضارم

وهـــذا ابنه والمرء يشبه شيخه***ويوشـــك ان تقرع به سن نادم»

* * *

______________________________

(1) أي واسع الشدقين.

(2) تشقق.

(3) اوساط الظهر.

(4) جحظ اليه عمله نظر في عمله فرأى سوى ما صنع، وجحط اليه عقله أي نظر الى رأيه فرأى سوء ما ارتأى.