2
- ظروفهما من اعدائهما
وكان عدو الحسن هو معاوية، وعدو الحسين هو يزيد بن معاوية. وللفرق بين معاوية ويزيد ما طفح به التاريخ، من قصة البلادة السافرة في «الابن». والنظرة البعيدة العمق التي زعم الناس لها الدهاء في «الاب».
وما كان لعداوة هذين العدوين ظرفها المرتجل مع الحسن والحسين، ولكنها الخصومة التاريخية التي أكل عليها الدهر وشرب بين بني هاشم وبني أمية.
ولم تكن الاموية يوماً من الايام كفواً للهاشمية(1). وانما كانت عدوتها التي تخافها على سلطانها، وتناوئها - دون هوادة -. وكان هذا هو سر ذكرها بازائها في أفواه الناس وعلى أسلات اقلام المؤرخين. والا فأين سورة الهوى من مثُل الكمال ؟ واين انساب الخنا من المطهرين في الكتاب ؟. وأين شهوة الغلب، وحب الاثرة، والوان الفجور، من شتيت المزايا في ملكات العقل، وسمو الاخلاق، وطهارة العنصر، وآفاق العلوم التي تعاونت على تغذية الفكر الانساني في مختلف مناحي الثقافات العالية، فأضافت الى ذخائره ثروة لا تطاول ؟. أولئك هم بنو هاشم الطالعون بالنور.
واين هؤلاء من أولئك ؟.
ولم يكن من الاحتمال البعيد ما قدره الحسن بن علي احتمالاً قريباً، - فيما لو اشتبك مع عدوه التاريخي معاوية بن أبي سفيان بن حرب في
______________________________
(1) قال أمير المؤمنين عليه السلام فيما كتبه الى معاوية جواباً: «ولم يمنعنا قديم عزنا ولا عادي طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وانكحنا فعل الاكفاء، ولستم هناك، وأنى يكون ذلك كذلك ومنا النبي ومنكم المكذب، ومنا أسد اللّه ومنكم أسد الاحلاف، ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنا سيدة نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب، الى كثير مما لنا وعليكم».
[373]
حرب يائسة مثل هذه الحرب - أن تجر الحرب بذيولها أكبر كارثة على الاسلام، وأن تبيد بمكائدها آخر نسمة تنبض بفكرة التشيع لاهل البيت عليهم السلام. ولمعاوية قابلياته الممتازة لتنفيذ هذه الخطة وتصفية الحساب الطويل في التاريخ، وهو هو في عدائه الصريح لعلي ولاولاده ولشيعتهم.
وفيما مرَّ من الكلام على هذا الموضوع كفاية عن الاعادة.
أما الحسين فقد كفي مثل هذا الاحتمال حين كان خصمه الغلام المترف الذي لا يحسن قيادة المشاكل، ولا تعبئة التيارات، ولا حياكة الخطط، ثم هو لا يعنيه من الامر الا ان يكون الملك ذا الخزائن، حتى ولو واجهه الاخطل الشاعر بقوله - على رواية البيهقي -:
«ودينك حقاً كدين الحمار***بل أنت اكفر من هرمز»
وكفى الحسين هذا الاحتمال، بما ضمنه سيف الارهاب الذي طارد الشيعة تحت كل حجر ومدر في الكوفة وما اليها، والذي حفظ في غيابات السجون والمهاجر وكهوف الجبال سيلاً من السادة الذين كانوا يحملون مبادئ أهل البيت، وكانوا يؤتمنون على ايصال هذه المبادئ الى الاجيال بعدهم.
فرأى ان يمضي في تصميمه مطمئناً على خطته وعلى أهدافه وعلى مستقبلهما من أعدائه.
أما الحسن فلم يكن له أن يطمئن على مخلفاته المعنوية طمأنينة اخيه وفي أعدائه معاوية وثالوثه المخيف وخططهم الناصبة الحقود التي لا حد لفظاعتها في العداوة والحقد.
* * *
وأخيراً فقد أفاد الحسين من غلطات معاوية في غاراته على بلاد اللّه الآمنة المطمئنة، وفي موقفه من شروط صلح الحسن، وفي قتله الحسن بالسم، وفي بيعته لابنه يزيد وفي أشياء كثيرة أخرى، بما زاد حركته في
[374]
وجه الاموية قوة ومعنوية وانطباقاً صريحاً على وجهة النظر الاسلامي في الرأي العام.
وأفاد - الى ذلك - من مزالق الشاب المأخوذ بالقرود والخمور «خليفة معاوية»، فكانت كلها عوامل تتصرف معه في تنفيذ أهدافه.
وكانت ظروفه من أعدائه وظروفه من أصدقائه تتفقان معاً على تأييد حركته، وانجاز مهمته، والاخذ به الى النصر المجنح الذي فاز به في اللّه وفي التاريخ.
أما الحسن فقد أعيته - كما بينا سابقاً - طروفه من أصدقائه فحالت بينه وبين الشهادة، وظروفه من أعدائه فحالت بينه وبين مناجزتهم الحرب التي كان معناها الحكم على مبادئه «بالاعدام».
لذلك رأى لزاماً ان يطوّر طريقة جهاده، وان يفتتح ميدانه من طريق الصلح.
وما كانت الالغام التي وضعها الحسن في الشروط التي أخذها على معاوية الا وسائله الدقيقة التي حكمت على معاوية وحزبه بالفشل الذريع في التاريخ.
ومن الصعب حقاً أن نميز - بعد هذا - أي الاخوين عليهما السلام كان أكبر أثراً في جهاده، وأشد نفوذاً الى أهدافه، وأبعد امعاناً في النكاية بأعدائه.
ولم يبق مخفياً أن تاريخ نكبات أمية بعد عملية الحسن في الصلح
كان متصلاً بالحسن، مرهوناً بخططه، خاضعاً لتوجيهه. وأن حادثاً واحداً من أحداث تلك
النكبات لم يكن ليقع كما وقع، لولا هذه العملية الناجحة التي كان من طبيعة ظروفها
أن تستأثر بالنجاح، وكان من طبيعة خصومها أن يكونوا أعواناً على نجاحها من حيث
يشعرون أو لا يشعرون. |