مكتبة الإمام الحسن

فهرس الكتاب

 

 

التعليقات

التعليقة رقم: 1

زوجات الحسن (عليه السلام)

لقد تحدث المؤرخون عن زوجات الحسن (عليه السلام) وأكثروا ومال أكثرهم إلى المبالغة في تعدادهن مبالغة لا تعتمد على أساس معقول، فقال بعضهم أنهن يتراوحن بين الستين والسبعين، وقال البعض الآخر بأنه تزوج بأكثر من مائتين وخمسين امرأة وأن أباه كان يتضجر من ذلك، ووقف بعضهم منه موقفاً يتسم بالاعتدال والتجرد فقال بأن تعدد الزوجات كان شائعاً ومألوفاً بين المسلمين ولم يكن أكثر زواجاً من غيره، وقلّ من مات من أعيان المسلمين عن أقل من أربع زوجات، أما رواية السبعين والتسعين وغيرها من الروايات التي تصفه بأنه مطلاق وأن والده كان يقول: لا تزوجوا ولدي الحسن فإنه مطلاق فلا مصدر لها إلا المدائني وأمثاله من الكذبة كما يبدو من أسانيدها.

والمدائني والواقدي وغيرهما من المؤرخين القدامى قد كتبوا التاريخ في ظل الحكومات التي كانت تناهض أهل البيت وتعمل بكل ما لديها من الوسائل على تشويه واقعهم وانتقامهم، ولم يكن حكام الدولة العباسية بأقل سوءاً وتعصباً من أسلافهم الأمويين، فقد شاركوهم في وضع الأحاديث التي تسيء إلى العلويين، وكانوا يحقدون على الحسنيين ن بصورة خاصة لأن أكثر الثائرين على الظلم كانوا من أولاد الحسن وأحفاده.

ولما قبض المنصور على عبد الله بن الحسن أحد الحسنيين الثائرين على الظلم والجور خطب في حشدٍ كبير من الناس ونال من علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن الإمام الحسن (عليه السلام) وجميع الطالبين، وكما ممّا قاله: (إن ولد أبي طالب تركناهم والذي لا إله غيره والخلافة ولم تتعرض لهم لا بقليل ولا كثير فقام فيها علي بن أبي طالب فما أفلح وحكم الحكمين فاختلفت عليه الأمة وافترقت الكلمة، ثم وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه، وقام من بعده الحسن بن علي (عليه السلام) فوالله ما كان برجل، لقد عرضت عليه الأموال فقبلها ودس إليه معاوية أني جاعلك ولي عهدي فخلعه وانسلخ له ممّا كان فيه وسلمه إليه، وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غداً أخرى، فلم يزل كذلك حتى مات على فراشه.

وفي المجلد الأول من صبح الأعشى أن المنصور كتب إلى النفس الزكية الحسني كتاباً جاء فيه: (وأفضى أمر جدك إلى الحسن فباعها لمعاوية بخرق ودراهم ولحق بالحجاز واسلم شيعته بيد معاوية فدفع الأمر إلى غير أهله وأخذ مالاً من غير حلّة فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموه وأخذتم ثمنه إلى غير ذلك ممّا كان العباسيون يلصقونه بالحسن (عليه السلام) رداً على الانتفاضات الشعبية التي قادوها رداً على جورهم وطغيانهم. وكما ذكرنا فرواية السبعين رواها المدائني كما جاء في شرح النهج ورواية التسعين رواها الشبلنجي في نور الأبصار، ورواية المائتين وخمسين والثلاثمائة رواها المجلسي عن قوت القلوب لأبي طالب المالكي المتوفى سنة 380هـ.

وجاء في الكتاب المذكور كما يروي القرشي عنه في المجلد الثاني من كتابه الحسن بن علي أن الحسن تزوج مائتين وخمسين امرأة وقيل ثلاثمائة وأن عليّاً كان يتضجر من ذلك حياء من أهلهن إذا طلقهن، وكان يقول: (إن حسناً مطلاق فلا تزوجوه، فقال له رجل من همدان: والله يا أمير المؤمنين لننكحنه ما شاء فمن أحب أمسك ومن كره فارق فسر بذلك أمير المؤمنين وأنشأ يقول:

لو كنت بواباً على باب جنة         لقلت لهمدان ادخلوا بسلام)

ومضى في قوت القلوب يقول: وهذا أحد ما كان الحسن يشبه فيه جده رسول الله، وهو يشبهه في الخلق، وقد قال له جده: أشبهت خلقي وخُلقي، وقال: حسن مني وحسين من علي، واضاف إلى ذلك أن الحسن كان ربما عقد على أربع وطلق أربعاً.

وعلى ما يبدو أن الذين ألصقوا بالحسن كثرة الزواج والطلاق هؤلاء الثلاثة المدائني والشبلنجي وأبو طالب المكي في قوت القلوب، وعنهم أخذ المؤرخون والكتاب من السنة والشيعة والمستشرقون، أما علي بن عبد الله البصري المعروف بالمدائني والمعاصر للعباسيين فهو من المتهمين بالكذب في الحديث.

وجاء في ميزان الاعتدال للذهبي أن مسلماً في صحيحه قد امتنع عن الرواية عنه، وأن ابن عدي قد ضعفه، وقال له الأصمعي: والله لتتركن الإسلام وراء ظهرك، وكان من خاصة أبي إسحاق الموصلي، وقد تبعه لثرائه، ويروي عن عوانة بن الحكم المتوفى سنة 158 هـ والمعروف بولائه لعثمان والأمويين.

ونص ابن حجر في لسان الميزان أن عوانة كان يضع الأخبار لبني أمية، وجاء في معجم الأدباء انه كان مولى لسمرة بن حبيب الأموي، أما صاحب لسان الميزان فقد قال: أنه كان مولى لعبد الرحمن بن سمرة ابن حبيب الأموي، هذا بالإضافة إلى أن أكثر رواياته من المراسيل، كل ذلك ممّا يبعث على الاطمئنان بأن رواية السبعين التي لم يروها غير المدائني من موضوعاته لمصلحة أعداء العلويين.

أما رواية التسعين فقد أرسلها الشبلنجي في كتابه نور الأبصار ولم ينسبها لأحد، والشبلنجي في كتابه المذكور لم يتحر الصحيح في مورياته وأخباره كما يبدو ذلك للمتشبع فيه، والمرسل إذا لم يكن مدعوماً بشاهد من الخارج أو الداخل للاستدلال، في حين أن الشواهد والقرائن ترجح بأنه من صنع الحاقدين على أهل البيت.

وأما رواية المكي في قوت القلوب فهي أقرب إلى الأساطير من غيرها لأنها لم ترد على لسان أحد من الرواة وأبو طالب المكي كان مصاباً بالهستيريا، كما نص على ذلك معاصروه وحينما وفد على بغداد وجد البغداديون في حديثه هذياناً (ليس على المخلوق اضر من الخالق). ويبيح استماع الغناء ولما عاتبه عبد الصمد بن علي أنشد:

فيا ليل كم فيك من متعة         ويا صبح ليتك لم تقرب

ومن شذوذه كما جاء في البداية والنهاية لابن كثير، والكنى والألقاب للقمي: (أنه أوصى أحد أصحابه إن غفر الله له إن ينثر على جنازته لوزاً وسكراً وجعل العلامة على ذلك أن يقبض على يد صديقه ساعة الاحتضار، فقبض على يده في تلك الساعة ونفذ صديقه ما أوصاه به).

وقد روى في البحار كما جاء في كتاب القرشي انه لما توفي الحسن (عليه السلام) خرجت جمهرة من النساء حافيات حاسرات وهن يقلن: نحن زوجات الحسن، على أن بعض المغفلين من الشيعة قد تقبلوا هذه المرويات ظناً منهم أن ذلك فضيلة للحسن ودليل على ثقة الناس به، كما يظهر ذلك من الشيخ راضي آل ياسين في كتابه صلح الحسن، وقد أشار في كتابه المذكور إلى انه كان يحلل المطلقات ثلاثاً لأزواجهن، ولا يثق الأزواج بغيره في هذه المهمة، فأساء إلى الإمام الحسن وإلى أهل البيت (عليهم السلام) من حيث لا يقصد، وفي الوقت ذاته أتاح لبعض الجهلة من الشيعة والحاقدين من غيرهم أن يتناولوه بالنقد والتجريح وأن يلصقوا به ما لا يرضاه لنفسه كرام الناس فضلاً عن سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله وأشبه الناس به خلقاً وخلقاً كما أجمع على ذلك الرواة والمحدثون.

على أن المدائني نفسه الذي ادعى أنه تزوج بسبعين، قد أحصى له عشر نساء لا غير وعدهن بأسمائهن كما جاء في المجلد الرابع من شرح وزواجه من عشر نساء ليس بغريب في ذلك العصر لأن الزواج كان مألوفاً ومتعارفاً بين الصحابة والتابعين، وقد مات كل من الزبير وعبد الرحمن بن عوف وطلحة عن أربع زوجات عدا مطلقاتهم كما نص على ذلك أكثر المؤرخين(1).

 

التعليقة رقم: 2

مذكرة المصريين لعثمان

رأى الوفد المصري أن يرفع مذكرة لعثمان يدعوه فيها إلى التوبة والاستقامة في سياسته وسلوكه وهذا نصها:

(أما بعد: فاعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالله، الله، ثم الله الله، فإنك على الدنيا فاستقم معها آخرة، ولا تنسى نصيبك من الآخرة، فلا تسوغ لك الدنيا، واعلم إنا لله ولله نغضب، وفي الله نرضى، وإنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة مصرحة، أو ضلالة مجلحة(2) مبلجة فهذه مقالتنا لك، وقضيتنا إليك والله عذيرنا منك والسلام..)(3).

واضطرب عثمان، وقرأ الرسالة بإمعان وقد أحاط به الثوار فبادر إليه المغيرة وطلب منه الإذن بالكلام معهم فأذن له ولما قرب منهم صاحوا به:

(يا أعور وراءك)

وصاحوا به ثانياً: (يا فاجر وراءك)

وصاحوا به ثالثاً: (يا فاسق وراءك).

ورجع المغيرة خائباً مهاناً قد أخفق في سفارته، ودعا عثمان عمرو بن العاص وطلب منه أن يكلم القوم، فمضى إليهم وسلم عليهم فلم يردوا عليه السلام لعلمهم بفسقه وفجوره، وقالوا له:

(ارجع يا عدو الله)

(ارجع يا بن النابغة، لست عندنا بأمين ولا مأمون).

ورجع خائباً في وفادته، لم يستحب له القوم، وقابلوه بمزيد من التوهين والاستخفاف.(4)

 

التعليقة رقم: 3

حول معاوية بن أبي سفيان

لم يستعمل عثمان معاوية على الشام والياً وإنما استعمله عمر وأقره عثمان عليها ولكنه زاد في نفوذه وبسط في سلطانه، ومهد له الطريق في نقل الخلافة الإسلامية إليه يقول طه حسين:

(وليس من شك في أن عثمان هو الذي مهد لمعاوية ما أتيح له من نقل الخلافة ذات يوم إلى آل أبي سفيان، ومثبتها في بني أمية فعثمان هو الذي وسع على معاوية في الولاية فضم إليه فلسطين وحمص وأنشأ له وحدة شامية بعيدة الأرجاء، وجمع له قيادة الأجناد الأربعة، فكانت جيوشه أقوى جيوش المسلمين، ثم مدّ له في الولاية أثناء خلافته كلها كما فعل عمر، وأطلق يده في أمور الشام أكثر مما أطلقها عمر. فلما كانت الفتنة نظر معاوية فإذا هو أبعد الأمراء بالولاية عهداً، وأقواهم جنداً، وأملكهم لقلب الرعيّة)(5)، إن عثمان هو الذي مد في سلطان معاوية، وزاد في سعة ولايته، وبسط له النفوذ حتى كان من أقوى الولاة، وأعظمهم نفوذاً، وأصبح قطره من أهم الأقطار الإسلامية وأمنعها، وأكثرها هدوءاً واستقراراً.

وقد علق السيد مير علي الهندي على ولاة عثمان بقوله: (كان هؤلاء هم رجال الخليفة المفضلين، وقد تعلقوا بالولايات كالعقبان الجائعة، فجعلوا ينهشونها، ويكدسون الثروات منها بوسائل الإرهاق التي لا ترحم)(6).

 

التعليقة رقم: 4

حول الخوارج

نشأت هذه الفرقة بصفّين عندما طلب معاوية التحكيم من علي (عليه السلام) وهي خديعة استعملها معاوية بن أبي سفيان ودلّه عليها عمرو بن العاص عندما أحسّ بالهزيمة ولمس الضعف في جيشه وعرف تفوق عليّ بحقه وأن الحق مع عليّ (عليه السلام) وقد انضم لجيشه رجال مخلصون قد رسخ الإيمان في قلوبهم أراد معاوية أن يوقع الشك ويُحدث الفرقة في صفوف جيش علي وقد وقع ما أراد معاوية فقد نفرت طائفة لم يتركز الإيمان في قلوبهم ومرقوا من الدين فأصبحت شعار هذه الطائفة الخوارج.

والخوراج، يسمون الشراة والحرورية، والمحكمة، ويجمعهم إكفار عثمان وعلى كل من أتى كبيرة وأصول فرقهم خمس: الأزارقة، والأباضية، والصفرية، والبيهسية، والنجدات. ثم تشعبوا. وأنشأ مذهبهم عند التحكيم عبد الله بن الكوا وعبد الدين وهب، ومن مصنفيهم أبو عبيد، وأبو الضياء وغيرهما(7).

وذكر للخوارج فرق كثيرة قاربت العشرين فرقة على حسب اختلافهم في الآراء واهم فرقهم المشهورة:

الأزارقة:

وهم أتباع نافع بن الأزرق وكان من أكبر فقهائهم وقد كفّر جميع المسلمين وقال إنه لا يحل لأحد من أصحابه أن يجيب أحداً من غيرهم إذا دعاهم إلى الصلاة ولا أن يأكلوا من ذبائحهم ولا أن يتزوجوا منهم ولا يتوارث الخارجي وغيره وهم مثل كفّار العرب وعبدة الأوثان لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ودارهم دار حرب ويحلّ قتل أطفالهم ونسائهم ولا تحل التقية واستحل الغدر بمن خالفه وكان أصحاب نافع من أقوى فرق الخوارج وأكثرهم عدداً خرجوا من البصرة معه فتغلبوا على الأهواز وما وراءها من بلدان فارس وكرمان وقتلوا عمّال تلك النواحي واشتدت شوكتهم ووقعت حروب بينهم وبين الدولة الأموية بما لا يسع المجال لذكرها.

النجدات:

وهم أتباع نجدة بن عامر الحنفي وهم الذين خالفوا نافعاً وانفردوا بتعاليم منها أن المخطئ بعد أن يجتهد معذور وإن الدين أمران معرفة الله ومعرفة رسوله ومن أداه اجتهاده إلى استحلال حرام أو تحريم حلال فهو معذور.

الأباضية في المغرب وسلطنة عمان:

وهم أتباع عبد الله بن أباض التميمي الذي خرج أيام مروان الحمار آخر ملوك بني أمية ولا يزال أتباعه إلى اليوم في المغرب العربي دولة الملك الحسن الثاني وهم فرق البقية من جميع فرق الخوارج الكثيرة التي انقرضت ولم تبق منهم باقية إلا الأباضية وهم على عقيدتهم في تكفير جميع المسلمين ويعتذرون عنهم بأنهم يذهبون إلى تكفيرهم لا على سبيل الشرك بل يرون أنهم كفاراً ولا يحل من غنائمهم في الحرب إلا الخيل والسلاح ولا يزال الأباضيون يؤلفون جماعات عديدة في أفريقيا الشمالية ويوجد فريق آخر بزنجبار بأفريقية الشرقية أما الوطن الأصلي للأباضيين الذين يهاجرون إلى أفريقيا الشرقية فهو بلاد عمان.

اليزيدية:

وهم أتباع يزيد بن أنسية الخارجي وادّعوا أن الله سبحانه وتعالى يبعث رسولاً من العجم ينزل عليه كتاباً ينسخ الشريعة المحمدية.

الميمونية:

أتباع ميمون العجردي وأظهروا عقائد المجوس فكانوا يبيحون نكاح بنات الأولاد وبنات الأخوة وبنات أولاد الأخوات. وتقسم الأباضية ذاتها إلى ثلاثة شعب هي الحفصية والحارثية واليزيدية.

الصفرية:

وهم أتباع زياد بن الأصفر ومن زعماء الصُفرية أبو هلال مرادس الذي خرج أيام يزيد بن معاوية بناحية البصرة على عبيد الله بن زياد ومنهم عمران ابن حطان وقد انتخبه الخوارج اماماً لهم وهو القائل بمدح عبد الرحمن بن ملجم المرادي اللعين.

يا ضربة مـــن منيب ما أراد بها          إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره يـــــوماً فــــــاحسبه         أوفــــى البـــرية عند الله ميزانا

وأجابه جماعة منهم عبد القادر البغدادي المتوفى 429هـ:

يا ضربة من كفور ما استفاد بها          إلا الجــــــزاء بما يصليه نيرانا

إني لألعنه دنـــــــياً وألــــعن من          يرجــو له أبــــداً عفواً وعفرانا

ذاك الشقيّ لأشقى الـــناس كلهم          أخفــــهم عند رب الناس ميزانا

وعمران بن حطان قد خرّج حديثه البخاري ووثقه وهذا من مزايا صحيحة وامتيازه.

العجاردة:

وهم أتباع عبد الكريم بن عجرد وكانت العجاردة مفترقة عشرة فرق ثم افترقوا فرقاً كثيرة هذا جملة القول في أهم الفرق الخوارج وقد بلغت عشرين فرقة وكل فرقة تخالف الأخرى في تعليمها وآرائها إلا أنهم اتفقوا على النظريتين الأولى تكفير علي وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين الثانية اعترفوا بصحة خلافة الشيخين والخوارج مع عظم إجرامهم لا يوصفون بما وصف به الشيعة كتاب المرتزقة من أمثال احمد ايمن والشيخ زهو وأبو زهرة والخطيب محب الدين صاحب الخطوط العريضة ويتجرأون على الشيعة بالعبارات القبيحة والألفاظ المستهجنة لأن جرمهم أنهم الشيعة يوالون عليّاً وأولاده صلوات الله عليهم جميعاً.

وبدون شك أن حركة الخوارج من أكبر العوامل التي هددت المسلمين بأخطار كثيرة وقد اتخذوا تكفير جميع فرق المسلمين والمالكي والحنبلي والشافعي وغيرهم(8).

والخوارج وابتدعوا مذهباً جديداً في الإسلام، واصطنعوا لمذهبهم أصولاً وفروعاً وقالوا: ليس منّا إلا من يعتقد بالدرجة الأولى بأن كلاً من عثمان وعليّ ومعاوية، وكذلك من رضي بالتحكيم، جميعهم كفار على السواء، ونحن أيضاً بدورنا كفرنا، ولكننا تبنا، وكل من لا يتوب، لا نعتبره مسلماً أبداً وقالوا أيضاً: إن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مسألة مطلقة، لا تقيد بأي شرط فيجب القيام ضد الإمام الجائر، ايّاً كان، وفي كل الظروف ولو حصل اليقين بعدم جدوى هذا القيام! وهذه الفتوى صبغتهم بصبغة بالغة الصنف والخشونة. ووضعوا أصلاً آخر لمذهبهم، يحكي عن جهالتهم وضيق نظرهم فقالوا: إن العمل جزء من الإيمان، وليس لدينا إيماناً منفك عن العمل. فالإنسان لا يصبح مسلماً بتلفظ الشهادتين، بل ينبغي أن يضم إلى ذلك أداء فريضة الصلاة والصيام، والعبادات المفروضة كافة، وكذلك أن لا يشرب الخمر، ولا يلعب القمار ولا يزني، ولا يكذب، وأن يتجنب الكبائر جميعها، لكي يصح إطلاق اسم المسلم عليه، وإذا كذب المسلم كذبة واحدة، خرج أصلاً من الإسلام، وأصبح كافراً نجساً، وإذا اغتاب، أو شرب الخمر، ولو لمرة واحدة، وهكذا، فمرتكب الكبيرة عندهم خارج عن دين الإسلام.

واصطنعوا أيضاً سلسلة من الأصول الأخرى، التي يستفاد من مجموعها أنهم اعتبروا أنفسهم المسلمين الوحيدين على وجه الأرض، وأخرجوا بقية الطوائف بذلك عن حظيرة الإسلام.

وتمردوا واستخدموا أساليب بالغة الخطورة من الغلظة والخشونة ولأنهم لم يكونوا يعتبرون الآخرين من المسلمين، فقد قرروا أن لا يزوجوهم ولا يتزوجوا منهم، وحرموا أيضاً ذبائحهم.

والأكثر من ذلك، أنهم أهدروا دمهم، وجوزوا قتل أطفالهم ونسائهم، وارتكبوا سلسلة من أعمال السلب والنهب، والقتل، ضد المسلمين، وأصبحت أوضاعهم بذلك بالغة الغرابة حقاً.

وكمثال واحد على أعمالهم الإجرامية: إنه كان أحد أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله) يمرّ بمنطقتهم، بصحبة زوجته الحامل، فاعترضوا طريقه، وطلبوا منه أن يتبرأ من علي (عليه السلام)، فلم يفعل، فما كان منهم إلا أن قتلوه ابشع قتلة، وبقروا بطن زوجته بالرماح، لأنه بزعمهم كافر، مهدور الدم(9).

وبقدر ما كانوا يستبيحون حرمات الآخرين، كانوا يتشددون فوق الحد، في المحافظة على حرمات أتباعهم، فمثلاً أن جماعة منهم يمرون ببستان نخيل، يتعلق بأحد الموالين لهم، فمد واحد منهم يده واقتطف حبة من التمر، وضعها في فمه، فما كان منهم إلا أن انهالوا عليه، يهددونه، ويتوعدونه، ويغلظون له القول: لأنه بنظرهم تعدى على مال أخيه المسلم(10).

مميزات الخوارج:

كان للخوارج عدة مميزات:

واحدة منها: هي الشجاعة الفائقة، وروح الفداء العظيمة التي كانوا يتحلون بها، ويرجع السبب في ذلك إلى أن تصرفاتهم كانت تصدر عن عقيدة راسخة، ولهم قصص عجيبة مذكورة في التاريخ تبين مدى اقدامهم وتضحياتهم في الحرب.

والميزة الأخرى: أنهم متنسكون يجتهدون كثيراً في العبادة، وهذا ما أوقع سائر المسلمين في الشك والشبهة، حيالهم، ولذلك لم يكن أحد غير علي (عليه السلام) يمتلك الجرأة على قتلهم.

والميزة الثالثة: هي الجهل الزائد، والحماقة العجيبة التي كانت تسيطر عليهم، وتجعل أفكارهم جامدة متحجرة، ولا يتنازلون عن قناعاتهم الباطلة، أمام الدليل والبرهان.

والميزة الرابعة: وهي الدور الذي مثلوه، ويمثله اليوم أشباهم وهم مع الأسف كثيرون في عالمنا الإسلامي(11).

 

التعليقة رقم: 5

حول قول الإمام علي (عليه السلام) لجماعته بعد رفع المصاحف

قال (عليه السلام): (فإني إنما أقاتلهم ليدينوا لحكم الكتاب، فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم، ونسوا عهده، ونبذوا كتابه. فقال له مسعر بن فدكي التميمي، وزيد بن حصين الطائي، في عصابة من القراء، الذين صاروا خوارج بعد ذلك: يا علي أجب إلى كتاب الله عز وجل، إذ دعيت إليه، وإلا دفعناك برمتك إلى القوم، أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفان)(12).

(فقان زيد بن حصين الطائي، وكان من أصحاب البرانس المجتهدين)(13).

 

التعليقة رقم: 6

حول استشهاد الإمام علي (عليه السلام)

كان عبد الرحمن بن ملجم، أحد أولئك التسعة نفر، القديسين الزهاد والذين نجوا من القتل في معركة النهروان حيث اجتمع هؤلاء وذهبوا في يوم من الأيام إلى مكة وأبرموا بينهم عهداً، عند الكعبة المشرفة بأن يغتالوا كُلاً من علي (عليه السلام) ومعاوية وعمر بن العاص، لأن هؤلاء الثلاثة ـ بزعمهم ـ هم سبب كل تلك الفتن التي عصفت بالعالم الإسلامي، وبقتلهم وإزالتهم من الساحة، سوف تستتب أمور المسلمين، وانتخبوا من بينهم ابن ملجم، لاغتيال علي (عليه السلام) وكان قرارهم أن يكون التنفيذ ليلة التاسع عشر من شهر رمضان(14).

يقول ابن أبي الحديد، في شرح سبب هذا التوقيت بالذات: (ولما كانت ليلة الجمعة التاسعة عشرة من شهر رمضان، ليلة شريفة، يرجى أن تكون ليلة القدر، عينوها لفعل ما يفتقدونه قربة إلى الله، فليعجب المتعجب من العقائد، كيف تسري في القلوب، وتغلب على العقول، حتى يرتكب الناس عظائم الأمور وأهوال الخطوب لأجلها!)(15).

وجاء ابن ملجم إلى الكوفة، وظل مدة طويلة هناك ينتظر الليلة الموعودة، وفي هذه الأثناء تعرف على فتاة تدعى (قطام)، وكانت خارجية مثله، فعشقها، ووله بها، وربما كان يريد إلى حد ما أن يجول في ذهنه من أفكار جهنمية، فذهب إليها، وعرض عليها الزواج، فوافقت، ولكن مهرها ثقيل جداً!

فقال لها اطلبي ما تشائين. فقالت: عندي أربعة شروط:

الأول: ثلاثة آلاف درهم. قال: حسناً. قالت: والثاني: عبد. قال حسناً. قالت: والثالث: قينة. قال: حسناً. قالت: وأما الشرط الرابع: فهو رأس علي بن أبي طالب!!

هنا اضطرب ابن ملجم، فقد كان يعتقد انه بهذا الزواج إنما يبعد نفسه عن التفكير في قتل علي (عليه السلام)، فقال: وما يشفيك؟ قالت: ثلاثة آلاف وعبد، وقينة، وقتل علي بن أبي طالب. قال: هو مهر لك، فأما قتل علي فلا أراك ذكرته لي، وأنت تريدينني! قالت: بلى، التمس غرّته، فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي، ويهنئك العيش معي، وإن قتلت، فما عند الله خير من الدنيا وزينتها، وزينة أهلها. قال: فوالله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل ما سألت(16).

فظل عبد الرحمن أياماً يفكر في أبعاد هذا الأمر، وبعد تنفيذه لجريمته العظمى أنشد ابن أبي مياس المرادي في قتل علي (عليه السلام):

لهـــم أر مهراً ساقه ذو سماحة         كمهر قط،،ام من فصيح وأعجم

ثلاثة آلاف وعـــــبد وقــــــــينة            وضـــرب علي بالحسام المسمّم

فلا مهر أغلى من عليّ وإن غلا          ولا قتل دون قتل ابن ملجم(17)

وعندما كان علي (عليه السلام) على فراش الموت، كان ينظر إلى تيارين من الأحداث يخلفهما وراءه:

أحدهما: تيار معاوية الذي كان على رأس القاسطين، والمنافقين.

والآخر: تيار القديسين المزيفين، وهم الخوارج المارقون.

وهذان التياران يضاد أحدهما الآخر. فكيف يتصرف أصحاب علي (عليه السلام) من بعده؟

يقول علي (عليه السلام) في وصيته: (لا تقاتلوا الخوارج من بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه)(18)، يريد أن يقول: صحيح أن الخوارج قتلوني، ولكن لا تقتلوهم أنتم من بعدي، لأن قتلهم بعد ذلك، لن يكون لصالح الحق والحقيقة وإنما سيكون لصالح معاوية وجماعته.

فتخطر معاوية خطر من نوع آخر، لأن هؤلاء أرادوا الحق، ولكنهم بحمقهم وجهلهم، لم يصلوا إليه، ولكن معاوية منذ البداية، كان يريد الباطل على علم، وقد وصل إلى هدفه.

وهكذا نرى علياً (عليه السلام)، لم يكن يحمل في قلبه حقداً شخصياً، على أي أحد، وعندما كان يتكلم، فإن كلامه كان موزوناً، وموضوعياً، يهدف من ورائه المصلحة العامة، دون أن يكون للعواطف أي أثر فيه.

وعندما أسروا (ابن ملجم)، وأحضروه إلى أمير المؤمنين، وهو على فراش الموت، تحدث معه الإمام بصوت خافت، من أثر الضربة، فقال له بعتاب: (أي عدو الله! ألم أحسن إليك؟

قال: بلى.

قال: فما حملك على هذا؟

قال: شحذته أربعين صباحاً، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه.

فقال علي: لا أراك إلا مقتولاً به، ولا أراك إلا من شر خلق الله)(19).

وغادر علي (عليه السلام)، هذه الدنيا، بعد منتصف ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، وكان ذلك في مدينة الكوفة العظيمة، وكان أهل الكوفة جميعهم، ما عدا تلك الشرذمة الباقية من خوارج (النهروان)، يريدون أن يشاركوا في تشييع جنازة أمير المؤمنين (عليه السلام).

ولكن ما إن فاضت روحه الشريفة، حتى قام أبناؤه: الحسن والحسين، ومحمد بن الحنفية، وأبو الفضل العباس، ونفر من خواص الشيعة ربما كانوا لا يتجاوزون الستة أشخاص، بغسله وتكفينه سراً، ودفنوه ليلاً في مكان يبدو أنه (عليه السلام)، كان قد عينه لهم سابقاً، وهو مدفنه الشريف الحالي نفسه، والذي تذكر الروايات أن عدداً من الأنبياء العظام، أيضاً مدفونون في تلك البقعة نفسها.

ثم أخفوا مكان القبر، ولم يطلعوا أحداً من الناس عليه.

وفي الصباح فقط علم الناس أن أمير المؤمنين (عليه السلام)، دفن ليلة البارحة ولكن أين؟ لا يدرون. وحتى إن بعض المؤرخين كتبوا: أن الإمام الحسن (عليه السلام) أرسل جنازة وهمية إلى المدينة، لكي يظن الناس أنّ جثمان علي (عليه السلام) قد تم نقله، ودفن هناك.

وهذا التمويه كان يقصد منه أن لا يقوم، من تبقّى من الخوارج، بالتجاسر على نبش قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإخراج الجثمان الشريف، وطالما كان للخوارج وجود، ونفوذ، بين المسلمين.

لم يكن أحد غير أولاد علي (عليه السلام)، وأولاد الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، يعلم بمكان دفنه (عليه السلام).

وظل الحال كذلك إلى أن انقرض الخوارج بعد مائة عام تقريباً، وبعد أن انقضى عهد بني أمية، وجاء عهد بني العباس، وزال من يُخشى انتهاكه لحرمة القبر الشريف، وعندها قام الإمام الصادق (عليه السلام) لأول مرة بإظهار محل قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)(20).

يقول صفوان الذي نُشاهد اسمه في سند رواة (دعاء علقمة) الذي يقرأ بعد (زيارة عاشوراء): (كنت عند الإمام الصادق (عليه السلام) في الكوفة، فجاء بنا إلى بقعة، وقال: هنا قبر علي (عليه السلام) وأمرنا أن ننصب عريشاً على القبر، ومن ذلك الوقت أصبح قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) معروفاً للناس)(21).

 

1 - راجع كتاب (سيرة الأئمة الإثني عشر) الجزء الأول، ص617.

2 - مجلحة: مشتق من جلح على الشيء اقدم عليه.

3 - تاريخ الطبري، ج5، ص111، 112، الأنساب ج5، ص64، 65.

4 - حياة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، باقر القرشي، الجزء الأول، ص382، 383.

5 - الفتنة الكبرى، طه حسين، ج1، ص120.

6 - روح الإسلام، ص90.

7 - المنية والأمل في شرح الملل والنحل لأحمد بن المرتضى السماني: ص26.

8 - عقائد الإمامية الإثني عشرية، إبراهيم الموسوي الزنجاني الحنفي، ج3، ص197، 198.

9 - هو عبد الله بن خباب وكانت زوجته وهي حامل، معه (راجع تفاصيل القصة في تاريخ الطبري: ج5، ص82. علي بن أبي طالب، عبد الكريم الخطيب، ص533.

10 - تاريخ الطبري: ج5، ص82.

11 - من حياة الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، الشهيد مطهري، ص36.

12 - الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج3، ص216.

13 - راجع وقعة صفين لنصر بن المنقري: ص99، تاريخ الطبري: ج5، ص49.

14 - تعاهد ثلاثة من الخوارج، أو كلف ثلاثة منهم بقتل علي (عليه السلام) ومعاوية، وعمرو بن العاص، وتواعدوا واتفقوا على أن لا ينكص رجل منهم عن صاحبه، الذي يتوجه إليه، حتى يقتله، أو يقتل دونه، وهم عبد الرحمن بن ملجم، وكان من (تجيب)، وكان عدادهم في مراد، فنسب إليهم، وحجاج بن عبد الله الصريمي، ولقبه (البرك) وزادويه مولى بني العنبر... واتعدوا أن يكون ذلك ليلة سبع عشرة من شهر رمضان، وقيل ليلة إحدى وعشرين (راجع المسعودي: ج3، ص164، الكامل لابن الأثير: ج3، ص289، الطبري: ج5، ص144).

15 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج6، 116.

16 - تاريخ الطبري: ج5، ص144.

17 - المصدر السابق: ج5، ص150.

18 - العجم المفهرس: ص26.

19 - الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج3، ص390.

20 - قال ابن الأثير في تاريخه (الكامل): (ولما قتل علي (عليه السلام)، دفن عند مسجد الجماعة، وقيل في القصر، وقيل غير ذلك. والأصح أن قبره هو الموضع الذي يزار، ويتبرك به). (الكامل: ج3، ص396). وقال الطبري وابن سعد: ودفن عند مسجد الجماعة في قصر الإمارة، (الطبري: ج5، ص152، طبقات ابن سعد: ج6، ص12. أقول: قصة مدفنه (عليه السلام) في الغري في منطقة النجف القريبة في الكوفة، مشهورة جداً، ولا حاجة بنا إلى تخريفات كثير من المؤرخين الذين كانوا في القديم أتباعاً للسلطات الظالمة. (راجع علي من المهد إلى اللحد للسيد كاظم القزويني: ص599). وروى المجلسي في (البحار) قال: (عن الحسن بن علي الحلال عن جده قال: قلت للحسين بن علي (عليه السلام): أين دفنتم أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ قال: خرجنا به ليلاً من منزله، حتى مررنا به على منزل الأشعث، حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب (الغري) قلت: وهذه الرواية هي الحق، وعليها العمل، وقد نقلنا فيما تقدم إنّ أبناء الناس أعرف بقبور آبائهم من غيرهم من الأجانب، وهذا القبر الذي بالغري، هو الذي كان بنو عليّ يزورونه قديماً وحديثاً ويقولون: هذا قبر أبينا، لا يشك أحد في ذلك من الشيعة، ولا من غيرهم أعني بني عليّ من ظهر الحسن والحسين، وغيرهما من سلالته، المتقدمين منهم. والمتأخرين ما زاروا ولا وقفوا إلا على هذا القبر بعينه). البحارك ج42، ص338).

21 - راجع البحار: ج42، ص339.