![]()
عليُّ
الأكبر: وأوَّلُ
مَن تقدَّمَ عليُّ بن الحسينِ الأكبرُ
وعمرُهُ سبعٌ وعشرون سَنةً، ولما عَزَمَ
عليُّ الأكبرُ على القتالِ، وأقبلَ
مسْتأذناً من أبيه، نظَرَ إليه الحسينُ (عليه
السلام)نَظَرَ آيس منْه، وأرخَى عينيهِ
بالدموعِ، ورفَعَ شيبتَه نحو السماءِ وقال: «اللهمَّ
اشهدْ على هؤلاءِ، فقد بَرَزَ إليهم أشبُه
الناسِ خَلقاً وخُلُقاً ومنطِقاً برسولِك
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكُنَّا إذا
اشتقْنَا إلى رؤيةِ نبيِّك نظرْنَا إليه،
اللهمَّ فامنعْهُم بركاتِ الأرضِ،
وفرِّقْهم تفريقاً، ومزِّقْهُم تمزيقاً،
واجعلْهُم طرائقَ قِدَداً، ولا تُرضِ
الولاةَ عنْهُم أبَداً، فإنّهم دعَوْنَا
لينصرونا، فعدَوْا علينا يقاتلونَنَا». وصاحَ
بِعُمرَ بنِ سعد: «مالك يابنَ سعد، قطَعَ
اللهُ رَحِمَك، كما قطعتَ رَحمِي ولم تحفظ
قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) وسلَّطَ عليك من يذبحُك بعدي على فراشك»([1]). ثم
تلا قولَه تعالى: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى
آدَمَ وَ نُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ أنا
عليُّ بنُ الحسينِ بنِ عليْ***نحنُ وبيتِ
اللهِ أوْلى بالنَّبيْ تاللهِ
لا يحكُمُ فينا ابنُ الدَّعي***أطعنُكُم
بالرمحِ حتّى يَنثني أضربُكم
بالسيفِ أحمي عن أبي***ضربَ غلام هاشمي عَلَوي ولَمْ
يزلْ يحملُ على الميمنةِ ويعيدُها على
الميسرةِ، ويغوصُ في الأوساط فلم يقابِلْه
جحفلٌ إلاّ ردَّهُ، ولا بَرزَ إليهِ شجاعٌ
إلاّ قَتلَه، فقتلَ منهُم مقتلةً عظيمةً،
حتى ضجَّ الناسُ من كثرةِ مَنْ قُتلَ مِنهُم،
ولمّا اشتدَّ بهِ العطشُ، رجعَ إلى أبيه فبكى
الحسينُ (عليه السلام)وقال: «واغوثاه! مِن أين
آتي لكَ بالماءِ، قاتلْ قليلاً، فما أسرَعَ
ما تلقى جدَّكَ رسولَ الله (صلى الله عليه
وآله وسلم)، فيَسقيكَ بكَأسِه، الأوفى شربةً
لا تظمأُ بعدَها أبداً». فرَجعَ
عليُّ الأكبرُ إلى الميدانِ وجَعلَ يُقاتِلُ
أعظمَ القتالِ، فأكثرَ القَتْلى في صفوفِ
الأعداءِ. فقالَ مُرّةُ بنُ منقِذِ العبدي:
عليَّ آثامُ العربِ أن لم أُثكِلْ بهِ أباه،
فطعنَهُ بالرمحِ في ظهرهِ، وضربَهُ بالسيفِ
على رأسه ففَلقَ هامتَهُ، وضربه الناسُ
بأسيافِهم، فاعتنقَ فرسَهُ، فاحتَملَه
الفرسُ إلى معسكرِ الأعداءِ، فقطّعوهُ
بسيوفِهم إربْاً إربْاً، فنادى رافعاً صوتَه:
أبتاه عليك منِّي السلام، هذا جدِّي رسولُ
الله قد سَقَاني بكَأْسِه الأَوفى شربةً لا
أظمأُ بعدَها أبداً([3])،
وهو يقول لك: العجل، العجل، فإنّ لكَ كأساً
مذخورةً، فجعلَ الحسينُ(عليه السلام)يَتنفس
الصعداءَ، وصاحَ بأعْلى صوتِه: واولدَاه،
فتصارختِ النساءُ، فسكَّتهُنَّ الحسينُ(عليه
السلام)، وقال: إنَّ البكاءَ أمامكنَّ،
وحَملَ على القومِ وأمَرَ
فتيانَه أن يحملُوهُ إلى الخيمةِ، فجاؤوا به
إلى الفسطاط الذي يقاتلون أمامه، فخرجت زينب
مسرعة وهي تنادي يا حبيباه ويا ابن اخياه
ونكبت عليه. فجاءَها الحسينُ (عليه السلام)وأَخذَ
بيدِها فردَّها إلى الفسطاطِ. [1]
. بحار الأنوار: 45 / 42 ; اللهوف: 48 . [2]
. سورة آل عمران: 33 ـ 44 . [3]
. اللهوف: 49 ; مقاتل الطالبين: 116 ; دموع
الأبرار. [4]
. بحار الأنوار: 45 / 43 ; مقاتل الطالبيين: 115 .
|