فهرس الكتاب

مكتبة الإمام الحسين

 

آية الله الميرزا النائيني (قدس سره)

 

واليوم قد تمثلت أمام عينيك رسالتي هذه تطالع فيها الفتوى المفصّلة التي جاد و أجاد بها بقية السلف من العلماء الأعلام شيخنا العلاّم آية الله في الأنام (الميرزا محمد حسين الغروي النائيني) أدام الله فضله… وبما أن إفتاءه سلّمه الله موجّه إلى المؤمنين عامة وأهل (البصرة) خاصة لأنهم المستفتون فأنا أنشره بنصه فيما يلي. قال دام ظلّه:

فتوى الإمام النائيني (قدّس سرّه):

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى البصرة وما والاها:

بعد السلام على إخواننا الأماجد العظام؟ أهالي القطر البصري ورحمة الله وبركاته.

قد تواردت علينا في الكرادة الشرقية (ببغداد) برقياتكم وكتبكم المتضمّنة للسؤال عن حكم المواكب العزائية وما يتعلق بها، وإذ رجعنا بحمد الله سبحانه إلى النجف الأشرف سالمين، فها نحن نحرر الجواب عن تلك السؤالات ببيان مسائل:

(الأولى): خروج المواكب في عشرة عاشوراء ونحوها إلى الطرق والشوارع مما لا شبهة في جوازه و رجحانه وكونه من أظهر مصاديق ما يقام به عزاء المظلوم وايسر الوسائل لتبليغ الدعوة الحسينية إلى كل قريب وبعيد، لكن اللازم تنزيه هذا الشعار العظيم عما لا يليق بعبادة مثله من غناء أو استعمال آلات اللهو أو التدافع في التقدّم أو التأخّر بين أهل محلّتين ونحو ذلك، ولو اتفق شيء من ذلك فذلك الحرام الواقع في البين هو الحرام ولا تسري حرمته إلى الموكب العزائي ويكون كالنظر إلى الأجنبية حال الصلاة في عدم بطلانها به.

(الثانية): لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي على الخدود والصدور حدّ الاحمرار والاسوداد، بل يقوى جواز الضرب بالسلاسل أيضاً على الأكتاف والظهور إلى الحد المذكور، بل وإن أدّى كل من اللطم والضرب إلى خروج دم يسير على الأقوى، وأما إخراج الدم من الناصية بالسيوف والقامات فالأقوى جواز ما كان ضرره مأموناً وكان من مجرّد إخراج الدم من الناصية بلا صدمة على عظمها ولا يتعقب عادة بخروج ما يضر خروجه من الدم ونحو ذلك كما يعرفه المتدربون العارفون بكيفية الضرب ـ ولو كان عند الضرب مأموناً ضرره بحسب العادة ولكن اتفق خروج الدم قدر ما يضر خروجه لم يكن ذلك موجباً لحرمته، ويكون كمن توضأ أو اغتسل أو صام آمناً من ضرره ثم تبين تضرّره منه، لكن الأولى بل الأحوط أن لا يقتحمه غير العارفين المتدربين ولا سيما الشبان الذين لا يبالون بما يوردونه على أنفسهم لعظم المصيبة وامتلاء قلوبهم من المحبّة الحسينية… ثبّتهم الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

(الثالثة): الظاهر عدم الإشكال في جواز التشبهات والتمثيلات التي جرت عادة الشيعة الإمامية باتخاذها لإقامة العزاء والبكاء والإبكاء منذ قرون وان تضمّنت لبس الرجال ملابس النساء على الأقوى، فإنّا وإن كنّا مستشكلين سابقاً في جوازه وقيّدنا جواز التشبيه في الفتوى الصادرة عنا قبل أربع سنوات بخلوّه عن ذلك لكنا راجعنا المسألة ثانياً، واتضح عندنا أنّ المحرم من تشبيه الرجل بالمرأة هو ما كان خروجاً عن زي الرجال رأساً وأخذاً بزي النساء دون ما إذا تلبس بملابسها مقداراً من الزمان بلا تبديل لزيّه كما هو الحال في هذه التشبيهات، وقد استدركنا ذلك أخيراً في حواشينا على (العروة الوثقى) نعم يلزم تنزيهها عن المحرمات الشرعية وإن كانت على فرض وقوعها لا تسري حرمتها إلى التشبيه كما تقدم.

(الرابعة): الدمّام المستعمل في هذه المواكب مما لم يتحقق لنا إلى الآن حقيقته، فإن كان مورد استعماله هو إقامة العزاء وعند طلب الاجتماع وتنبيه الركب على الركوب وفي الهوسات العربية ولا يستعمل فيما يطلب فيه اللهو والسرور - كما هو المعروف عندنا في النجف الأشرف ـ فالظاهر جوازه والله العالم. انتهى بنصه حرفياً.

أما ما يقع في كربلاء أيام (شريف العلماء) أستاذ العلامة الأنصاري، ثم في أيام (الفاضل الأردكاني) والشيخ (زين العابدين المازندراني)، وفي الكاظمية أيام العلامة الأورع أبي ذر زمانه (الشيخ محمد حسن آل يس) بل حتى أيام (السيد محسن الأعرجي الكاظمي) وفي الحلّة منذ عهد العلامة ـ الذي قلّ أن يأتي له الدهر بنظير ـ (السيد مهدي القزويني) إلى الآن فإني أطيل بذكره لأنه يوجب الخروج عن وضع الرسالة، والتمثيل وإن لم يقع في الحلّة حتى الآن على ما أظن، لكن المواكب اللاطمة في الطرقات ليلاً ونهاراً، مع دوام المقاتلة والمضاربة بين أهل المحلات المتنافرة فيها مما ليس لأحد إنكارها ولم يكن السيد مهدي المذكور ولا أحد من أبنائه المحترمين منكراً لعمل ومحرّماً خروج موكب حتى اليوم على أنّ أهل البلدة ومن حولها أطوع لهم من الظل لذي الظل.

أترى (السيد مهدي القزويني) المذكور أوكل الإنكار إلى سميه البصري فقام يفتي ويحكم وهو وكلّ أحدٍ يعلم أنّ تعرض غير أهل الفتوى للإفتاء فسق ومعصية موبقة.

إن دام هذا ولم تحدث له غير          لم يبك ميت ولم يفرح بمولود