فهرس الكتاب

مكتبة الإمام الحسين

 

تمثيل النساء

 

اندفع صاحب المقالة بكلّه وبجميع ماله من حماسة على تشبيه عقائل النبوة بثلّة من النساء المومسات والمتبرجات وأبرق وأرعد على فاعل ذلك في مقالته من صفحة 4 إلى 8 يرى كل قارئ أنّ التشبيه الذي تفعله الجعفرية هو هذا القسم من التشبيه الشائن.

غفرانك اللهم غفرانك من هذا التهويل ودفع الحق بالأباطيل.

إنّ هذا التشبيه لم يقع في البصرة على طوال السنين إلاّ منذ أربعة أعوام شهده غير واحد من الصلحاء وأجلب على منعه فمنعه من له قوة المنع من ساحته وهذا الرجل يرى بكلامه كل أحد أن ذلك التشبيه المستهجن هو من الرسوم العادية حتّى في عامه هذا وإلاّ فما هو معنى المنع عن شيء مضى وما عاد له نظير أبداً لا في البصرة ولا في غيرها؟!

إن تشبيه النساء لا يستحسن حتى لو كانت الشبيهات من ذوات العفة والنجابة لأن إشهار النساء بنفسه وسوقهن أمام ركاب القوم سبياً مجلوباً - كما فعله آل أُميّة - من الأمور المستقبحة وهذا لا يكون تمثيله على الأغلب إلاّ مستقبحاً. لكن الميرزا أبو القاسم القمي(1) والشيخ مرتضى الأنصاري (قدّس سرّهما) وناهيك بهما علماً وورعاً جوّزا تشبيه الرجال بالنساء مدعيين أنّ المحرّم هو أن يتأنّث الرجل ويعدّ نفسه امرأة. أما التشبيه من دون ذلك - كما هو واقع في بعض الأحيان لغرض مخصوص - فليس بمحرّم وهو خارج عن منصرف الأخبار.

ولقد سأل بعض المتطرفين فيما يتعلق بالحسين (عليه السلام) من فضلاء أهل العلم عن تشبيه النساء فقال: انه ليس بإشهار للنساء حتى يكون قبيحاً وظهور المرأة المتسترة للرجل من دون نظر من كل منهما للآخر ليس بمحرّم، نعم هو موجب للالتفات إلى قبح ما ارتكبه بنو أُميّة من سبي عقائل الرسالة ولا قبح فيه، وإن كان فهو على الأمويين لا على الممثلين، ولوا أنّه مما تأباه الغيرة والحمية لم أمنع منه.

وعلى كل حال فالتشبيه المتداول في بلدان الشيعة هو تمثيل فاجعة الحسين (عليه السلام) بما صدر فيها من أقوال وأفعال عدا تشبيه النساء وهتكهن وهو محل العناية في الكلام لا هذا التشبيه المستهجن.

ثم إنه في أثناء الإرعاد على تشبيه النساء ذكر أمرين قد يشتبه على الناظر في كلامه مراده لإدماجه أحدها في الصفحة 6 فانه قال مخاطباً لعامل الشبيه ما ملخصه: (لم لم تسأل من تركن في دينك إليه عن هذه الهيئات السخيفة الموجبة للسخرية بالشريعة؟ فليت شعري هل ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله) ولو خبر ضعيف في شرعيتها حتى تصول به على المتشرعين)؟

فان كان يريد الإنكار على تشبيه النساء لأنه ذكره في أثناء إنكار ذلك فهو، وإلاّ فإنّ طلب الخبر الضعيف لولا الجهل بأصول الفن لا وجه له، لأن التحريم هو المحتاج إلى الدليل لا الجواز ومع غض النظر عن ذلك، فإن في الأخبار العامّة كفاية كأخبار الإبكاء والتحزين وإحياء أمر الحسين (عليه السلام) وذكر مصيبة، فإنّ ذكرها لا يلزم أن يكون لسانيّاً كما أنّ إحياء أمره كذلك، هذا مضافاً إلى ما أسلفناه من قيام العلة التي أوجبت شرعية المآتم فيه بوجه أتم.

وأمّا الخبر الخاص بالتمثيل إن كان يريد به نحو أن يقول القاتل (مثّلوا مصيبة الحسين (عليه السلام) فمن الجهل طلبه(2)، وإن كان يكتفي بما كان متضمناً لوقوع التمثيل فهو كثير وقد نطق القرآن المجيد بتمثيل غير المسيح به وإلقاء شبهه عليه، فان هذا ليس إراءة وتخييلاً نحو الإراءة الطيفية، بل هو حقيقة واقعية لابسة ثوب خيال، وقد ورد في الأخبار تمثيل الملائكة لعليّ (عليه السلام) شخصياً(3) مرئياً من لدن إدراكه إلى حين وفاته وانه يوم ضرب بالسيف على رأسه في الدنيا وقع سيف على رأس التمثال فشجّه وسقط في محراب عبادته فبكت عليه الملائكة ولعنت قاتله.

 

1 - في جامع الشتات: ج 2 ص 750، ص 787.

2 - الجدير بالذكر أن هناك حديثاً خاصاً يستفاد منه محبوبية التمثيل الحسيني ومطلوبيته، وذلك ما رواه الشيخ الكليني في كتاب (الروضة من الكافي) إن الكميت دخل على الإمام الصادق (عليه السلام) وانشده في مصيبة جدّه الحسين (عليه السلام) فبينما الإمام يبكي إذ خرجت جارية من عند الحرم وعلى يديها طفل رضيع، فوضعته في حجر الإمام الصادق فاشتدّ بكاء الإمام وعلا نحيبه وجرت دموعه على لحيته الكريمة وصدره الشريف.

لقد أراد حرم الإمام الصادق (عليه السلام) أن يذكّروا الإمام برضيع جدّه الحسين (عليه السلام) ولم يستنكر الإمام ذلك عليهم، فسكوته علامة رضاه، بل هو نوع من التقرير، وتقرير المعصوم حجة.

3 - عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مررت ليلة اسري بي إلى السماء، وإذا بملك جالس على منبر من نور والملائكة تحدق به، فقلت: يا جبرائيل! من هذا الملك؟ فقال: ادن منه وسلّم عليه. فدنوت منه وسلّمت عليه فإذا بأخي وابن عمّي علي بن أبي طالب (عليه السلام). فقلت: يا جبرائيل! سبقني علي بن أبي طالب إلى السماء الرابعة؟ فقال: لا يا محمّد، ولكن الملائكة شكت حبّها لعليّ، فخلق الله هذا الملك من نور على صورة علي بن أبي طالب فالملائكة تزوره في كلّ ليلة جمعة ويوم جمعة سبعين ألف مرة يسبّحون الله تعالى ويقدّسونه ويهدون ثوابه لمحب علي (عليه السلام). (إرشاد القلوب) للديلمي ص 233 نقلاً عن كفاية الطالب للكنجي الشافعي.