المجموعة الثانية (30) الإمام محمد الحسين كاشف الغطاء (قدس سره) نص ما كتبه سماحة آية الله العظمى الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء النجفي (طاب ثراه) في كتابه (الآيات البينات) بسم الله الرحمن الرحيم بعد حمد الله والصلاة على أنبيائه وأوليائه يقول ناشر هذه الطرف وحاشر هذه التحف العبد الفقير إلى ربه (محمد بن المرحوم الشيخ عبد الحسين آل كاشف الغطاء) أن أستاذنا الأعظم حامل أمانة الشرع الشريف وكافل سدانة الدين الحنيف آية الله والحجة وصراطه والمحجة (الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء أدام الله بركات إفاضته وأيام إفادته ـ ما زال منذ ثلاثين عاماً يناضل عن دين الإسلام ويحامي ويذب عنه؛ قد أوقف نفسه سحابة عمره في سد ثغوره، وتشييد سوره، وأعلاء نوره، ودفع كل واردة سوء ترد عليه، وقطع كل يد تمد بالعدوان إليه، وقد اشتهر وانتشر من مؤلفاته في تلك المقاصد والمناحي ما لم تكتحل عين الدهر بمثلها نحو كتاب (الدين والإسلام) (والمراجعات الريحانية) مما بلغت تخوم الأرض وجازت أقاصي المعمور. ولكن في هذه البرهة الأخيرة حيث نهض بأعباء الزعامة الدينية، واستوى على منصة الفتوى والمرجعية، واستغرقت أوقاته الثمينة العناية بمصالح العامة وقضاء حوائج الناس والبحث والتدريس وتوسيع نطاق التأليف في علم الفقه، والتوسع في أدلته كل ذلك مما عاقه عما كان عليه من الدفاع الديني والجهاد الإسلامي وبثّ الهداية والإرشاد لعامة الخلق إلى دين الحق. ولكننا كنا ولا نزال حرصاً على استنارة كنوز معارفه والاستنارة بأنوار علومه وثقة منا بأنه في صناعة النقد والرد وتحقيق الحق وتمزيق الأباطيل لا يباري ولا يجاري وله المزبر الذي لا يشق غباره، ولا يدرك في السباق شاوه؛ الأخذ بأعنّة البراعة في الإنشاء لفظاً ومعنى وعلماً وعملاً مع الإحاطة بأسرار العلوم وغوامض الفنون، وخفايا المعارف وكنوز الشريعة وبواطن الدين وظواهره، لذلك كنا نترصد أي فادحة ترد على الدين وتريد أن تصدع بيضة الإسلام وتقضي على أُمهات عقائد المسلمين حتى إذا عثرنا به انتهزنا فرصة من أوقاته، وفراغاً من ساعاته، فعرضناها عليه، أو قدمناها إليه متعرضين بذلك في قمعها ودفعها لنفحات كلمه، أو رشحات قلمه، ثم نعود إليه ثانياً وثالثاً حتى نجمع من إفاضاته ومحاضراته في ذلك الموضع جملة كافية في إزاحة العلة ودفع تلك المضلّة، من ذلك عندما نشرت الصحف فتوى علماء المدينة لقاضي الوهابية (ابن بليهد) التي تذرع بها إلى هدم قبور أئمة البقيع (سلام الله عليهم). وحينما تلوناها عليه صار يلقى ـ علينا محاضرةً في ردها وتفنيدها في كل أسبوع مرة أو مرتين وكانت تنشر في جريدة النجف ـ شذوذاً ونتفاً. ولما شاعت الشبهة في مواكب؛ عزاء الحسين (سلام الله عليه) ؛ وقامت لها عواصم بلاد الشيعة وقعدت وبالأخص بلاد البصرة تواردت عليه البرقيات مستفتين عن جواز تلك المواكب وعدم جوازها فكتب فيها بقلمه الشريف جملة جوابات قالعة لجراثيم الشبهة وجادعة لخراطيم الضلالة. وكنا ذات يوم سئلناه أن يلقى علينا شيئاً من شأن مذهب (البهائية) المعروفين بالبابية فألقى علينا نبذة وافية في شرح حالهم ومقدار جهلهم وضلالهم. ثم أحببنا أن نضم تلك الشذور النفسية والأعلاق الثمينة التي عقمت أمهات الكتب والمؤلفات الغابرة والحاضرة عن الإتيان بواحدة من مثلها، أحببنا أن نضمها في مجموع يؤلف شتاتها، ويجمع متفرقاتها وبعد أن وفق الله لجمعه، رغبنا في نشره وطبعه نصرة للحقيقة، وخدمة للحق والفضيلة، وإخماداً للنائرة، وقطعاً لدابر الفساد والفتنة، إن شاء الله، وقد أعاننا على نشره بعض أعاظم العلماء في عواصم بلاد الشيعة شكر الله مساعيه، وغرّ أياديه؛ ثم استجزنا شيخنا الأعظم أدام الله أيامه في ذلك فتكرم بالإجازة وكان جملة منها قد طبع منفرداً وقد جمعناها هنا مع ما أضافه إليها ثانياً ويليق أن يرسم هذا المجموع الزاهر (بالآيات البينات، في قمع البدع والضلالات) فاغتنمه علقاً ثميناً، وفرقاناً مبيناً، فرقاناً بين الحق والباطل وتبياناً للهدى من الضلالة ولله الحمد والمنة على ذلك. كتب مد الله ظله في أجوبة الأسئلة الواردة إليه عن فتواه في المواكب الحسينية زادها الله عزاً وكرامة، عدة مقالات وكتب مطولة ومختصرة ومتوسطة، ونحن ننتخب منها ثلاثاً على ذلك النسق، وكان أول استفتاء ورد إليه في النجف من جماعة من ذوي الفضل وهذه صورته: السؤال: ما يقول مولانا حجة الإسلام شيخنا الشيخ محمد حسين مد ظله العالي على رؤوس الأنام في المواكب المشجية التي اعتاد الجعفريون اتخاذها في العاشر من المحرم الحرام تمثيلاً لفاجعة الطف وإعلاماً لما انتهك فيها من حرمة الرسول (صلى الله عليه وآله) في عترته المجاهدين بالتمثيل للشهداء وجهادهم وما جرى عليهم وما جرى على الأطفال من القتل والقسوة وبإعلانهم الحزن لذلك الفادح بأنواعه من ندب ونداء وعويل وبكاء وضرب بالأكف على الصدور وبالسلاسل على الظهور فهل هذه الأعمال مباحة في الشرع الأزهر أم لا أفتونا مأجورين؟ فكتب دامت بركاته ما نصه: بسم الله الرحمن الرحيم قال سبحانه وتعالى (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى)(1) ولا ريب أن تلك المواكب المحزنة وتمثيل هاتيك الفاجعة المشجية من أعظم شعائر الفرقة الجعفرية شيد الله أركانها. ونحن إذا لم نقل باستحبابها ورجحانها لتوفر الأدلة من الأخبار والأحاديث المتظافرة المشعرة بمحبوبية تلك المظاهرات لأهل البيت (عليهم السلام) فلا أقل من القول بالجواز والإباحة، وما يتداول ويستعمل فيها من ضرب الطبول ونحوه غير معلوم اندراجه فيما علم حرمته من آلات اللهو والطرب. نعم لو علم كونها منها فاللازم تنزيه تلك الأعمال الشريفة مما يشينها ويحبط أجرها وفضلها الجسيم، وما احسب التعرض للسؤال عن تلك الأعمال التي استمرت السيرة عليها منذ مئات السنين وذلك بمشاهدة أعاظم العلماء لها وصلحاء أهل الدين مع عدم النكير من واحد منهم لا حديثاً ولا قديماً مع أنها بمرئى منهم ومسمع ما أحسب وضعها في مجال السؤال والتشكيك إلا دسيسة أموية أو نزعة وهابية يريدون أن يتوصلوا بذلك إلى إطفاء ذلك النور الذي أبى الله ألا أن يتمه ولو كره الكافرون. كما أني لا ارتاب في أنه لو تمت لهم هذه الحيلة، ونجحت لا سمح الله هذه الوسيلة، وعطلت تلك المواكب والمراسم في سنتين أو ثلاث سرى الداء واستفحل الخطب وتطرقوا إلى السؤال والتشكيك فيما يقام في بلاد الشيعة من المآتم وجعلوا ذلك باباً إلى إماتة تلك المحافل والمحاشد التي بإحيائها إحياء الدين وبإماتتها إماتة ذكر الأئمة الطاهرين (سلام الله عليهم). ومن له أقل إلمام ووقوف على المجتمعات والجمعيات التي عقدت في هذه الأعصار في مصر ودمشق وغيرهما وما أصبحت تنشره من المقالات والمؤلفات في إحياء ذكر بني أمية وتنزيههم وتبرير أعمالهم وتبرئتهم من قتل الحسن والحسين (عليهم السلام) والتنويه بذكر يزيد وأنه من الخلفاء الراشدين والأئمة المرضيين عرف من أين سرى هذا السم الخبيث، وجاءت تلك البلية التي تريد أن تقضي على حياة الشيعة وتزهق روح الشريعة ولا يروج هذا إلا على السذّج والبسطاء والمغفلين الذين يقتلون الدين باسم الدين من حيث لا يشعرون. فالرجاء والأمل من جميع إخواننا المؤمنين ثبتهم الله بالقول الثابت وأيدهم بروح منه ترك الخوض في مثل هذه الأمور المتسالم عليها خلفاً عن سلف والتي هي من أعظم الوسائل إلى نيل الشفاعة والدخول في سفينة النجاة وأبواب الرحمة، وليصرفوا أوقاتهم الثمينة في الاتفاق والتعاضد والتعاون على البر والتقوى فيما يعود إلى إصلاح شؤون دينهم ودنياهم وجمع كلمتهم على الحق والهدى إن شاء الله تعالى، ولا يخوضوا في ما يوجب اختلاف الأمة وتفرقة الكلمة، والله ولي التوفيق وبه المستعان. برقيات تتالى: ثم تتابعت البرقيات من البصرة وغيرها سائلين منه دام علاه طالبين فتواه في تلك الأعمال فكتب إليهم كتاباً أبسط من الجواب المتقدم، وقد طبع في مطبعة الكاظمية بالبصرة، وانتشر بصورة منشور منفرد في عامة الأطراف، ونحن نذكر ذلك المنشور بحروفه المطبوعة حفظاً به: بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد والمجد والصلاة على أمناء وحيه وأمراء أمره ونهيه صورة ما ورد من النجف الأشرف من الفتوى لجناب المصلح الكبير والعلاّمة الشهير صاحب الكتاب الدين والإسلام، العالم الرباني والزعيم الروحاني كبير مشاهير العصر وعظيم فقهاء المصر حجة الإسلام والمسلمين وعميد الإيمان والمؤمنين زعيم زعماء الحقيقة ورئيس رؤساء المذهب والطريقة وحيد الدهر وكبير نواب الدست الإمامي من العرب ورجل رجال العلم في القرن الرابع عشر الآية الكبرى في العالم الإسلامي الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء دام مجده حين سئل عن عنوان المواكب التي تندب الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) في الشوارع والطرقات وما اشتملت عليه: جواب الإمام كاشف الغطاء: إلى إخواننا وعباد الله الصالحين من السادة الأشراف والأماجد الكرام السيد هاشم البعاج والسيد عبد الباقي البعاج والحاج داود العطية وعبد الواحد العطية والملا جعفر أدام الله حراستهم وتوفيقهم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وتحياته. وردتنا برقيتكم فأزعجتنا غاية الإزعاج وما كنا نظن أن الأمر يبلغ إلى هذه المنزلة، ثم وردنا بعد ذلك كتاب من السيد الأمجد السيد هاشم أدام الله عزه في طيه الرسالة ذات الاسم الخشن الهائل، وكنا كتبنا في جواب السيد الأعز السيد فاخر البعاج حفظه الله ما كنا أن يعود حاسماً لتلك المشاجرة التي هي من أضر الحوادث في الحال الحاضر علينا معشر المؤمنين، ويكفينا عن وقوع الخلاف بيننا تهاجم الأعداء علينا من كل ناحية ومكان (ويلزم علينا اليوم أن تكون حادثة المدينة وهدم قبور أئمة البقيع (سلام الله عليهم) هي الشغل لنا عن كل خلاف الداعية لكل تعاضد بيننا وائتلاف). أما الحكم الشرعي في تلك المظاهرات والمواكب فلا إشكال في أن اللطم على الصدور وضرب السلاسل على الظهور، وخروج الجماعات في الشوارع والطرقات بالمشاعل والأعلام مباحة مشروعة بل راجحة مستحبة وهي وسيلة من الوسائل الحسينية وباب من أبواب سفينة النجاة. وأما الضرب بالطبول والأبواق وأمثالها، مما لا يعد من آلات اللهو والطرب فلا ريب أيضاً في إباحتها ومشروعيتها للإعلام والأشعار وتعظيم الشعائر. التطبير: وأما الضرب بالسيوف أو الخناجر والإدماء فهو كسوابقه مباح بمقتضى أصل الإباحة بل راجح بقصد إعلان الشعار للأحزان الحسينية، نعم إلا أن يعلم بعروض عنوان ثانوي يقتضي حرمة شيء من تلك الأعمال الجليلة مثل كونه موجباً للضرر بتلف النفس أو الوقوع في مرض مزمن أما الألم الذي يزول بسرعة فلا يوجب الحرمة. وكذلك الخروج في الشوارع إذا أوجب الفساد بالمقابلة أو المقاتلة فهو حرام أيضاً، وهذه عوارض وقتية وموارد شخصية لا يمكن ضبطها، وليس على الفقيه إلا بيان الأحكام الكلية، أما الجزئيات فليست من شأن الفقيه ولا من وظيفته، على أن أستلزمها للفساد أحياناً لا يوجب تحريمها أبداً. (أما الشبيه) فلا ريب أن أصل تشبه شخص بآخر مباح جائز. كيف وقد ألقى الله سبحانه شبه نبيه عيسى (عليه السلام) على أبغض خلقه وهو (يهوذا الأسخر يوطى) الذي نمّ على عيسى (عليه السلام) عند اليهود وحرضهم على قتله كما أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم)(2). وكان أمين الوحي جبرائيل (عليه السلام) يتشبه بدحية الكلبي إذا حضر في السدة النبوية والملائكة تشبهت يوم بدر بأمير المؤمنين (صلوات الله عليه). نعم خروج النساء سوافر محرم سواء كان في التشبيه أو غيره، وهذا لا يقتضي حرمة الشبيه بل ينبغي ويلزم التجنب عنه بنفسه ولو أن كل راجح يستلزم محرماً أو يقع فيه محرم تركناه لبطلت سنن الشريعة وقوّضت دعائم الدين، ولكن يلزم على أمناء العلم وحملة الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالموعظة الحسنة والقول اللّين فإنها أنجع وأنفع في تهذيب الأخلاق وإصلاح النفوس. ووصيتي ونصيحتي ورغبتي وطلبتي من كافة إخواننا المؤمنين البصريين خصوصاً ومن في سائر الأقطار عموماً أمران مهمان: (الأول): تنزيه المواكب الحسينية الشريفة من كل ما يشينها ويدلسها ويخرج بها عن عنوان مظاهر الحزن والفجيعة، إذ ليس الغرض من تكرار فاجعة الطف كل سنة بل كل يوم اللهو واللعب بقصة من الأقاصيص وعجيبة من الأعاجيب، بل في ذلك من الحكم السامية والأسرار المقدّسية ما يقصر عنه اللسان ويضيق به البيان، فاللازم تطهير تلك المواكب الشريفة عن كل ما يمس شرفها وكرامتها حتى يترتب عليها آثارها المشروعة وغاياتها الشريفة التي من أجلها وفي سبيلها بذل الحسين (أرواحنا فداه) نفسه وأفلاذ قلبه وأعز أهل بيته وأصحابه حتى جرى عليه من زوابع الفجائع ما لم يجر على بشر، ولا نحسبه يجري على أحد من بعده. (الأمر الثاني) ـ ولعله أهم من الأول ـ: ألا وهو رفض هذه الخلافات والمشاجرات التي لا تعود إلا بالضرر المبيد والضعف المهلك علينا معشر المؤمنين إنما اللازم المحتم علينا سيما في مثل هذه الأعصار أن نكون يداً واحدة أمام العدو الذي لا يزال يجد ويدأب في هدم (بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه)(3). ولعمر الله والحق ـ لئن استمر هذا الحال من تخاذلنا وتضارب بعضنا ببعض وتكالب الأعداء علينا من كل حدب وصوب لنذهبن ذهاب أمس الدابر ولا يبقى لهذه الطائفة أثر ولا عين. فالله الله يا عبادي الله الصالحين في جمع الكلمة ولم الشعث وتدارك الخطر قبل فواته ورتق الفتق قبل اتساعه، ونبذ تلك المشاجرات المفرقة والمؤججة لنيران العداوة المحرقة على غير طائل. كونوا يا عباد الله إخواناً في دين الله رحماء بينكم أشداء على أعدائكم ولا تعكسوا الآية، فإن ذلك أربح وأنجح وأفضل وأجمل في الدنيا والآخرة، والله سبحانه ولي التوفيق لنا ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأرجو أن يكون هذا القدر على اختصاره يغني عن تأليف الرسالة وعسى مع سنوح الفرصة أن يوفق الله سبحانه لذلك إن شاء الله. 17 صفر سنة 45 طبعت بالمطبعة الكاظمية في البصرة وحيث لم تنحسم الشبهة، ولم تبرء العلّة، ولم تمسك ألسنة المعارضين بتلك البينات الشافية لذلك تظاهرت وتظافرت عليه البرقيات من عدة جهات يرقبون إليه في أن يكتب، ما هو أبسط من ذلك فعززهما بثالث لم يبق للشبهة مجالاً ولا للشك موضعاً وكتب بقلمه دامت بركاته ما نصه: بسم الله الرحمن الرحيم (وله المجد والكبرياء) إلى عموم إخواننا المؤمنين من أهالي البصرة ونواحيها ـ وفقهم الله جميعاً للعمل الصالح، والمتجر الرابح، والسعي الناجح إلى سعادة الدارين وفوز النشأتين إن شاء الله ـ بتوسط الأمجدين السيد هاشم البعاج والحاج داود العطية أدام الله لهما السلامة والكرامة. سئلتم (أعزكم الله) في عدة برقيات وردت إلينا منكم ومراسلات تتابعت لدينا عنكم عن المواكب الحسينية ـ زاد الله شرفها ـ وعما يجري فيها من ضرب الرؤوس والصدور بالسلاسل والسيوف والإدماء وقرع الطوس والطبول والشبيه أو الخروج في الشوارع والأزقة بالهيئات المتعارفة والكيفيات المتداولة في أكثر بلاد الشيعة (نصرها الله) سيما في العتبات المقدسة دام شرفها. التشكيكات: ولعمري ما كنت أحسب أن هذا الموضوع يعرض على مطرقة النقد والتشكيك؛ أو يطرح في منطقة السؤال والترديد، كيف وقد مرت عليه الدهور والأحقاب وخضعت له أساطين الملة وأعلام الشريعة في جميع الأعصار والأدوار، وما أنكره منكر ولا اعترضه معترض، وهو بمرأى منهم ومسمع ومنتدى ومجمع؛ وقد كان يجري في القرن الماضي أزمنة السيد بحر العلوم وكاشف الغطاء (قدس الله أسرارهم) من التشبيهات التي كانت تمسى (الدائرة) ما هو أوسع وأشيع، وأكثر وأوفر، مما يجري في هذه العصور وفضلاً عن سكوت أولئك الأساطين كانوا يمدونهم بالمساعدة، ويعضدونهم بالحضور والمشاهدة وفي كشف الغطاء وجامع الشتات للمحقق القمي وغيرهما من أقرانهما ما يشهد بذلك أكبر شهادة. دع عنك هذه الشواهد والمشاهد وانظر إلى المسألة من وجهها العلمي ومن حيث القواعد والأدلة. (أما أولاً): فالأصول الأولية تقضي بإباحة جميع تلك الأعمال وعلى مدّعي الحرمة إقامة الدليل عليها والأصل مع المنكر ـ أي منكر الحرمة ـ ومطالبته بالدليل تضليل. (وأما ثانياً): فكل واحد من تلك الأعمال على الإجمال مما يتخرج لمشروعيته وجه وجيه عند المتظلّع الفقيه من عمومات الأدلة ومحكمات القواعد المعقولة والمنقولة. اللطم واللدم: من ذا يشك ويرتاب في رجحان مواساة أهل البيت الرحمة وسفن النجاة والتأسي بهم في الأفراح والأتراح والضراء والسراء، أو من ذا يشك أن أهل البيت سلام الله عليهم قد لطموا في فاجعة الطف وجوههم، ولدموا صدورهم وقرح البكاء خدودهم وعيونهم، وفي زيارة الناحية المقدسة: (فبرزن من الخدور ناشرات الشعور لاطمات الخدود سافرات الوجوه) ولا تقل أن هذا مخصوص بيوم الطف وما قاربه، فقد روى الصدوق رضوان الله عليه أن دعبل لما أنشد الرضا (عليه السلام) تائيته المشهورة التي فيها: (إذاً للطمت الخدّ فاطم عنده الخ) لطمت النساء وعلا الصراخ من وراء الستر وبكى الرضا (عليه السلام) في إنشاد القصيدة حتى أغمي عليه مرتين.. فإذا جاز للرضا (عليه السلام) أن يتعرض لسبب الإغماء الذي هو أخ الموت، فلماذا لا يجوز لشيعته ضرب الرؤوس والظهور ولدم الصدور وأمثالها مما هو دون الإغماء بكثير؟ خروج المواكب في الطرقات: بزغت شمس هذه الحقيقة المكنونة من عهدٍ يناهز الألف سنة أعني من زمن معز الدولة وركن الدولة حيث أمرا بخروج مواكب العزاء يندبون سيد الشهداء (سلام الله عليه) وبأيديهم المشاعل ليلاً حتى تعود بغداد وطرقاتها ضجة واحدة وذلك في أخريات القرن الرابع على ما ذكره ابن الأثير في كامله في مواضع وكان ذلك العصر الزاهي حافلاً بأكابر علماء مذهب الإمامية كالشيخ المفيد وابن قولويه والسيدين الإمامين المرتضى والرضي نور الله مراقدهم وكان ملوك آل بويه قيد إشارة أولئك الأساطين ورهن أوامرهم ونواهيهم وحسبك ما شاع وأخذ بمجامع الأسماع من أن السيد الرضي ورد لزيارة جده الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء في بعض السنين فرأى جماعة من الأعراب يعدون وهم ينوحون ويلطمون متهافتين للهجوم على الحائر الحسيني ـ أي كما هو المعروف من عزاء طويريج ـ فدخل في زمرتهم وانشأ في ذلك الحال على البديهة قصيدته الغراء المشهورة التي يقول في براعتها: كربلا لا زالت كرباً وبلا ما لقى عندك آل المصطفى ولولا خروج المواكب في الطرقات لبطلت الغاية وفسدت الثمرة وانتفى الغرض المهم من التذكار الحسيني بل ومن الشهادة الحسينية كما يعرفه كل متعمق في الأسرار. وأما ترتب بعض المحرمات عليه من فتنة وفساد ومضاربة ومقاتلة فذلك لا يستوجب حرمة الخروج الراجح فإن حرمة الشيء لا توجب حرمة ما يقع فيه، ومن تغنّى في القرآن لا يقال له: إن قراءة القرآن حرام، بل التغني بالقرآن حرام، فليس الخروج حراماً بل المضاربة والمقاتلة محرمة أينما كانت. ضرب الرؤوس والظهور بالسيوف والسلاسل: لا ريب أن جرح الإنسان نفسه وإخراج دمه بيده ـ في حد ذاته من المباحات الأصلية ولكنه قد يجب تارة وقد يحرم أخرى، وليس وجوبه أو حرمته إلا بالعناوين الثانوية الطارية عليه وبالجهات والاعتبارات فيجب كما لو توقفت الصحة على إخراجه كما في الفصد والحجامة، وقد يحرم كما لو كان موجباً للضرر والخطر من مرض أو موت وقد تعرض له جهة تحسنه ولا توجبه، وناهيك بقصد مواساة سيد أهل الإبا، وخامس أصحاب العبا، وسبعين باسل من صحبه وذويه، حسبك بقصد مواساتهم وإظهار التفجع والتلهف عليهم وتمثيل شبح من حالتهم مجسمة أمام عيون محبيهم، ناهيك بهذه الغايات و المقاصد جهات محسّنة وغايات شريفة ترتقى بتلك الأعمال من أخس مراتب الحطّة إلى أعلى مراتب الكمال. (وإن الأولى بالطف من آل هاشم تأسّوا فسنّوا للكرام التأسيا) أما ترتب الضرر أحياناً بنزف الدم المؤدي إلى الموت أو إلى المرض المقتضى لتحريمه، فذاك كلام لا ينبغي أن يصدر من ذي لب فضلاً عن فقيه أو متفقه. (أما أولاً): فلقد بلغنا من العمر ما يناهز الستين وفي كل سنة تقام نصب أعيننا تلك المحاشد الدموية وما رأينا شخصاً مات بها أو تضرر ولا سمعنا به في الغابرين. (وأما ثانياً): فتلك الأمور على فرض حصولها إنما هي عوارض وقتية، ونوادر شخصية، لا يمكن ضبطها و لا جعلها مناطاً لحكم أو ملاكاً لقاعدة، وليس على الفقيه إلا بيان الأحكام الكليّة،أما الجزئيات فليست من شأن الفقيه ولا من وظيفته. والذي علينا أن نقول: إن كل من يخاف الضرر على نفسه من عمل من الأعمال يحرم عليه ارتكاب ذلك العمل. ولا أحسب أن أحد الضاربين رؤوسهم بالسيوف يخاف من ذلك الضرب على نفسه ويقدم على فعله، ولئن حرّم ذلك العمل عليه فهو لا يستلزم حرمته على غيره. وأما ما ورد في الأخبار وذكره الفقهاء في كتاب الحدود والديات من أقسام الشجاج (كالحارصة) وهي التي تقشر الجلد وفيها بعير (والدامية) وهي التي تأخذ من اللحم يسيراً وفيها بعيران وهلم جرّا إلى (الهاشمية) وفيها عشرة، فمعلوم أن المراد ما لو جناه إنسان على آخر عدواناً، لا ما إذا فعله الإنسان بنفسه، ضرورة أن الإنسان لا يملك على نفسه شيئاً، وهذا مما لا أظنه يخفى على جاهل فضلاً عن فاضل، هذا وأن بالأصل الذي شيدّناه من أن المباح قد تعرض له جهات محسّنة يتضح لك الوجه في جميع تلك الأعمال العزائية في المواكب الحسينية. ضرب الطبول ونفح الأبواق وقرع الطوس: كلها أمور مباحة، فإنك أيها السامع تحس وكل ذي وجدان أنها لا تُحدث لك بسماعها طرباً ولا خفةً ولا نشاطاً، بل وبالعكس توجب هولاً وفزعاً وكمداً وحزناً، فإذا قصد منها الضارب الإعلام والتهويل ونظم المواكب وتعديل الصفوف والمناكب، حسنت بهذا العنوان، ورجحت بذلك الميزان. الشبيه ومواكب التمثيل: مباح في حد ذاته ـ وإن كان بتشبيه الأدنى بالأعلى والسافل بالسامي، والشريف بالعامي وذي الميزة بالعادي، كيف لا وقد ألقى الله تعالى شبه نبيه وروحه عيسى (عليه السلام) على أبغض خلقه إليه (يهوذا الأسخر يوطى) الذي نمّ على عيسى وحثّ اليهود على صلبه. وكان أمين الوحي جبرائيل (عليه السلام) يتشبه بدحية الكلبي إذا حضر عند السدّة النبوية وتشبهت الملائكة بأمير المؤمنين (عليه السلام) يوم بدر. وروى السيد ابن طاووس رضوان الله عليه في كتاب الإقبال في فضل زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) يوم المولود ما نصّه: وفي حديث عن الصادق (عليه السلام) وذكر زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: إنه يسمعك من قريب ويبلغه عنك من بعيد، فإذا أردت ذلك فمثّل بين يديك شبه القبر واكتب عليه اسمه وتكون على غسل ثم قم قائماً وقل أنت متخيّل بقلبك مواجهته (انتهى) إلى كثير من أمثال ذلك مما يضيق المقام عن تعداده كما يضيق المقام عن تعداد الحكم والمصالح والفوائد المترتبة على تلك المواكب التمثيلية، ولعلها أحد أسرار الشهادة ومُفادات الإمام (سلام الله عليه) بنفسه وبأعز الأنفس على وجه الأرض. الدروس السامية: إن تلك الأسرة السامية قد مثّلت للناس مقام استهانة النفس واحتقار هذه الحياة الفانية في جنب تلك الحياة السرمدية والسعادة الأبدية وبذل كل عزيز إزاء العزة والإباء، علّمت الناس البسالة والأقدام، والتفاني في الحفيظة، ومجانبة الخضوع والذلة، وما للنواميس الإلهية وللدين من القداسة والتعظيم الذي تهون عندها تلك الأرواح المقدسة، والأعراض المصونة، علّمت الناس قوّة العزائم التي تهون عندها العظائم وتسهل دونها المصاعب. ولعمر الله الحق أن تعطيل تلك المظاهرات والمواكب لا يلبث رويداً حتى يعود ذريعة إلى سد أبواب المآتم الحسينية، عندها (لا سمح الله) لا يبقى للشيعة أثر ولا عين، ولتذهبن الشيعة ذهاب أمس الدابر، فإن الجامعة الوحيدة والرابطة الوثيقة لها هي المنابر الحسينية؛ والمآثر العلوية. وما تلك الهنابث والوساوس إلا من جراء هاتيك الدسائس ـ نزعة أموية ونزعة وهابية ـ يريدون إحياء ذكر بني أمية؛ وإزهاق الحقيقة المحمدية ـ (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)(4). ويحسن هنا أن نورد لك ما ذكره جدّنا الشيخ الأكبر في كتاب (كشف الغطاء) فإنه قد أحرز جوامع التحقيق، وتكفّل بإيصالك إلى الحقيقة من أقرب طريق. قال (قدس سره) ما نصه: وأما بعض الأعمال الراجعة إلى الشرع ولا دليل عليها بالخصوص فلا تخلوا من أن تدخل في عموم الدليل، ويقصد بالإتيان بها الموافقة من جهته لا من جهة الخصوصية كقول: أشهد أن علياً ولي الله لا بقصد الخصوصية ولا بقصد النصوصية لأنهما معاً تشريع بل بقصد الرجحان الذاتي أو الرجحان الفرضي، لما ورد من استحباب ذكر اسم علي متى ذكر اسم النبي إلى أن قال: وكما يصنع مقام تعزية الحسين (عليه السلام) من دق طبل إعلام، أو ضرب نحاس، وتشابيه صور، ولطم على الخدود والصدور، ليكثر البكاء والعويل، ثم ختم الفصل بقوله: وجميع ما ذكر وما يشابهه إن قصد به الخصوصية كان تشريعاً، وإن لوحظ الرجحانية من جهة العموم فلا بأس فيه ـ انتهى. ولكنك عرفت مما قدمناه أن بعض تلك الأمور قد وردت فيه نصوص بالخصوص مثل اللطم واللدم فضلاً عن البكاء والعويل. فذلكة المقام وخلاصة الفتوى: إن واقعة الطف ـ وما جرى فيها من زوابع الفجائع ـ واقعة خرقت النواميس الطبيعية والغرائز البشرية فضلاً عن الشرائع الإلهية، وما رأت عين الدهر ولا سمعت واعية الأزمان بواقعة مثلها ولا تسمع بمثلها أبداً، وكما أنها أخذت بمجامع الغرابة والتفرّد في بابها فكذلك أحكامها غريبة الشكل، عديمة النظير، بديعة الأسلوب، متفردة في بابها. الجزع والبكاء في المصائب مهما عظمت قبيح مكروه، ولكن صادق أهل البيت (سلام الله عليه وعليهم) يقول في حديث معتبر: البكاء والجزع كله مكروه إلا على الحسين (صلوات الله عليه). شق الجيوب على الفقيد وخمش الوجوه محرم في الأشهر، ولكن صادق أهل البيت (سلام الله عليه) يقول في حديث وثيق: على مثل الحسين فلتشق الجيوب ولتخمش الوجوه ولتلطم الخدود. إيذاء النفس وإدماء الجسد مرغوب عنه مذموم، سيما من الأعاظم وأرباب العزائم، والإمام الحجة (عجل الله فرجه) يقول في زيارة الناحية: فلأندبنك صباحاً ومساءً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً. وقد سبقه إلى ذلك جدّه الإمام زين العابدين (عليه السلام) ففي بعض روايات المجلسي على ما يعلق ببالي من زمن متقادم: إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان أحياناً إذا قدم إليه قدح فيه ماء بكى حتى يملأه دماً. وعلى هذه الوتيرة فاسحب وجرّ سائر الأعمال التي يؤتى بها بقصد الحزن والتوجّع لفاجعة الطف، وأنها لعمر الله باب الرحمة الواسعة وسفينة النجاة من كل هلكة، ومن ذا يقدر على سد باب رحمة الله؛ أو يقطع أعظم الذرائع والوسائل إلى الله. ولكن رغبتي إلى إخواني المؤمنين ووصيتي إليهم ومسألتي منهم أمران: (الأول): تنزيه تلك المواكب المقدّسة من كل ما يشينها ويدنّسها مما يوجب إلقاء الفتنة والفساد من المقابلة والتفاخر وحب الغلبة وتفوّق قبيل على قبيل وأمثال ذلك من الأخلاق الذميمة، فإن تلك الأعمال أعمال إلهية، ولها غايات روحية، فلا تدعوا للشيطان سبيلاً إلى إحباط أجرها ومحو أثرها وغاياتها. (الثاني): وهو أهم وأعظم، ألا وهو المحافظة على اتفاق الكلمة ونبذ الخلاف والتفرّق، ولتكونوا يداً واحدة في حفظ هذه الجامعة المقدسة التي أوشكت أن تنحلّ عراها؛ وتضمحلّ قواها؛ ومن تدبّر في حالة الشيعة الحاضرة يجدها وخيمة العاقبة ذميمة المغبّة، تكاد تقضي على حياتها وتؤدي إلى هلاكها، يعرف ذلك أهله من ذوي التدبر والمعرفة. وهذه حادثة المدينة وفاجعة أئمة البقيع كفى بها ذلاً وهواناً لنا معشر الإمامية، وكان يجب أن يكون هي الشغل الشاغل لنا عن كل خلاف ونزاع؛ وتنابذ وافتراق فالله الله يا عباد الله المؤمنين في جمع الكلمة، ولمّ الشعث، ورتق الفتق، ووحدة العدة والقوة، فإنها أربح وأنجح؛ وأفضل وأجمل في الدنيا والآخرة، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. محاضرة زاهرة وكلمات باهرة: ألقى علينا عمّنا الحجة والآية؛ وعلم الهداية؛ الشيخ السابق الذكر أدام الله ظله العالي؛ ذات يوم محاضرة نفيسة، وجدناها تتعلق أشد العلاقة بالفتوى المتقدمة فأحببنا إلحاقها بها، ونشرها هنا؛ وأن نضم ما صدر من فمه، إلى جنب ما صدر من قلمه، تعميماً للفائدة وخدمة للحقيقة، ونشراً للمعارف الدينية. قال دامت بركاته: إن من أمعن النظر وسير غور الوقائع التاريخية في يده الديانة المقدسة الإسلامية وفلسفة نشوها وارتقائها، وانتشارها واعتلائها، وجد أقوى الأسباب العادية بعد العناية الربانية، هو سيف الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومواقفه المشهورة، ومساعيه المشكورة، بحيث لولا كفاحه وصفاحه لما أخضرّ للإسلام عود، ولما قام له عمود، وكذلك من أعطى التدبر حقه وأمعن النظر في أسباب انتشار مذهب التشيّع، واتساع نطاقه، وارتفاع رواقه، لم يجد له سبباً حقيقياً، وسراً جوهرياً، سوى شهادة الإمام أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) بذلك الشكل الغريب، والوقع الهائل، ولولا شهادته (سلام الله عليه) لكانت الشريعة أموية، ولعادت الملة الحنيفية يزيدية، فحقاً أقول: ـ أن الإسلام علوي، والتشيّع حسيني. أقول وحقاً ما أقول: ـ إن من ليس له حبل ولاءٍ خاص إلى علي (صلوات الله عليه) فليس من الإسلام على شيء، ومن ليس له حبل ولاءٍ خاص بالحسين (سلام الله عليه) فليس من التشيع على شيء. ولعل من هنا تجد أن لكل شيعي علقة خاصة مع الحسين (عليه السلام) ليست له مع غيره من سائر الأئمة (سلام الله عليهم) مع أنه يعتقد بإمامتهم وفرض طاعتهم. نعم، قد كان لنفس النبي (صلى الله عليه وآله) ولذات الأئمة (عليهم السلام) علقة خاصة بالحسين بخصوصه ليست لبعضهم مع بعض، فلقد كانت لهم لهجة خاصة بذكره، يعرفها من أنس بإخبارهم، ووقف على بعض أسرارهم، وهذه ميزة قد امتاز سلام الله عليه بها، ومزية قد تفرّد هو فيها، وكانوا جميعاً يشيرون إلى أن الحسين (عليه السلام) هو مستودع ذلك السر الإلهي الذي يستبين به الدين ويميّز الله به الخبيث من الطيب؛ والحق من الباطل. وما تبين الرشد من الغي، والهدى من الضلال، إلا الحسين (سلام الله عليه)، وإلا فقد ارتبك الأمر بعد النبي على عامة المسلمين واختلط الحابل بالنابل، والحق بالباطل، سيما بعد صلح أخيه الحسن (سلام الله عليه) الذي كان أيضاً بأمر من الله سبحانه، ولكن نهض الحسين (سلام الله عليه) تلك النهضة الباهرة فقشع سحب الأوهام؛ وانتزع النور من الظلام، وأصحر بالهدى لطالبه، وبالحق الضائع لناشده. وهذه إحدى المزايا التي امتاز بها وتفرّد وكان من قبله من الأئمة ومن بعده يشيرون إليها، ويدلّون الناس عليها، وكانت نسبته إليهم في تلك على حد قول القائل: ولست ترى في محكم الذكر سورةً تقوم مقام الحمد والكل قرآن ويتفرّع من هذه المزية مزايا تفوت حدّ العدّ؛ ويحصر عنها لسان الحصر؛ كان من مزاياه التي انفرد بها؛ وامتاز عن غيره فيها: أنه ربما رآه وكلّمه اعدى عدوٍ له ـ فانقلب أكبر محب له ـ. وحسبك بحديث زهير بن القين وكان عثمانياً أبغض شيء إليه أن ينازل الحسين (عليه السلام) في منزل فما اجتمع به وكلمه بضع كلمات حتى طلّق الدنيا وزوجته وفداه بنفسه، ولا تحسب أن هذه من منفردات الشيعة ورواياتهم، فإن في كتب علماء السنة قد يوجد ما هو أعجب من ذلك. هذا مجد الملك بن شمس الخلافة أحد وزراء العلماء في مصر، المتوفى في حدود الستمائة على ما ذكره ابن خلكان في ترجمته، ذكر في كتاب له ألّفه في محاسن المحاضرة وآداب المسامرة فقال: إن عصام بن المصطلق وكان شامياً أموياً قال: دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي (سلام الله عليهما) ومعه غلمانه وحاشيته فاعجبني سمته ورواؤه؛ وحسنه وبهاؤه؛ وأثار الحسد ما كان يخفيه صدري لأبيه من البغض فجئت إليه وقلت له: أنت ابن أبي تراب؟ فقال: نعم. فبالغت في شتمه وشتم أبيه. فنطر إليّ نظرة عاطف رؤوف برقة ورحمة، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم، إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذّكروا فإذا هم مبصرون، وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون)(5). ثم قال لي: خفّض عليك، استغفر الله لي ولك، إنك لو استعنتنا لأعنّاك. ولو استرفدتنا لرفدناك، ولو استرشدتنا لأرشدناك. قال عصام: فندمت على ما قلت وتوسّم مني الندم على ما فرض مني ـ فقال: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين)(6). ثم قال (عليه السلام): ـ أمن أهل الشام أنت؟ قلت: نعم. فقال: شنشنة أعرفها من أخزم، حيّانا الله وإياك انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك تجدنا عند أفضل ظنك إن شاء الله... قال عصام: فضاقت عليّ الأرض بما رُحبت ووددت لو أنها ساخت بي، ثم انسللت من بين يديه لواذاً وما على وجه الأرض أحب إليّ منه ومن أبيه. انتهى ما علق بخاطري من ذلك الكتاب وكم لهذه الواقعة من نظائر لا يسعها المقام ـ ولكن من عرف للحسين (عليه السلام) بعض هاتيك المزايا والخصوصيات لا شك أنه يستقل في عزائه الكثير، ويستحقر الأمر الخطير، ويرى دون ما يستحقه كل تلك الشعائر والمظاهرات، والمواكب والنزعات. نعم وإذا كان الشامي الأموي بنظرة واحدة وكلمات معدودة يعود وما على وجه الأرض أحب إليه من الحسين وأبيه، فما عذر الشيعي في إبداء الوهم والتشكيك في المواكب الحسينية والشؤون العزائية؟ وأما والله لولا استمرار تلك الشعائر، وقيام أعواد هذه المنابر، واستدامة التوجّع والتفجّع، لانطمست أعلام التشيع؛ ولكني أختم كلمتي هذه بالآية الشريفة التي استشهد بها سلام الله عليه حيث قال: (إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون، وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون)(7). نسأله تعالى أن يمن علينا بنفوذ البصيرة، ونزع بذور الأغراض من لوح السريرة، لنرى الحقائق كما هي إن شاء الله والسلام. انتهى ما ألقاه علينا من المحاضرة والخطبة شيخنا الحجة نفعنا الله بإفاداته، ومتعنا بطول بقائه إن شاء الله، والسلام عليكم أيها المؤمنون جميعاً ورحمة الله وبركاته. (31) الإمام الأراكي (دامت بركاته) الترجمة العربية لنص فتوى سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد علي الأراكي (دامت بركاته) بالنسبة للتطبير: بسمه تعالى إذا لم يكن في التطبير ضرر جسمي وروحي فلا إشكال فيه. الخاتم المبارك (32) الإمام الهادي الخراساني (قدس سره) نص ما كتبه سماحة آية الله العظمى فقيه الشيعة السيد ميرزا هادي الخراساني الحائري (طاب ثراه) سنة 1348هـ في رسالة حول جواز التشبيه وضرب القامات والطبول في عزاء سيد الشهداء (عليه السلام). الحمد لله على حسن بلائه في أوليائه وصلواته على أبصر نبلائه وأصبر أحبائه محمد الأمين وآله الميامين. أما بعد فلا يكاد على كافة المؤمنين كان الله لهم حيث كانوا أن مظاهر عاشوراء وسائر ما يعتاده الشيعة الغراء في عزاء سيد الشهداء أرواحنا له الفداء من: محافل البكاء والإبكاء في المعابد القدسية والدور والأندية والمحتفلات الثابتة والسيارة في الأزقة والطرقات ليلاً ونهاراً، بما لها من المشاعل والأسرجة والخيول المسرجة والتشابيه والتماثيل المعهودة، وغيرها من التظاهرات المعتادة من أفضل القربات الإلهية والوسائل المطلوبة إلى الفوز العظيم والمثوبة الخالدة في العاجلة والآجلة. ولا أرى أخف كلم ولا أدق على خلاف شيء من هذه الدعوة الإسلامية والتظاهر الديني إلا نفثة من السموم الأموية ونزعة مروانية شوّشت بعض الآراء الراكدة والأوهام الجامدة. والتشبث بقاعدتي: حرمة اللهو ولا ضرر في المقام من قصور النظر، حيث أن قصد التلهي إنما هو ملاك صدق اللهو في هذه الأمور المعتادة وهو مفقود بالحس والعيان، زيادة على ما يقتضيه الأصل في فعل المسلم، فضلاً عن الغريق في بحر الوداد الحريق بلهيب المصائب، والنظر إلى ما تواتر وثبت بالضرورة من أخبار الحث إلى الزيارة في تلك الأزمنة مع ما كانت عليه من شدة الخوف وأعظم الخطر ونهاية التقية، يهدم أساس هذه التساؤلات. وتحمل المشاق الدنيوية لنيل المثوبات الأخروية ضروري جميع الملبين وإنما تقتصر عنها همم هذا العصر الجديد المقصورة على المواد الطبيعية عن التوجه إلى الأسرار الغيبية، وإلا فالعياذ بالله انجرّ إلى توهم الضرر في البكاء من خشية الله تعالى وفي التعازي وهو إنكار ضروري المذهب والملة الإسلامية، مع أن المؤمن بالله وكمال قدرته يعلم أنه تعالى بيده أزمة الأمور وجري المقادير وأنه تعالى قادر على أن يجعل ذلك سبباً لتقوية البصر وما يتدارك به الضرر، كما هو محسوس في المواد الشايعة في هذه المظاهرات، وقصة النار ودخول الهنود فيها من مسلمين وغيرهم من المتواترات والمحسوسات. الآثار الباقية: وكيف كان فلا ينبغي لمسلم أن ينسى أو يجهل آثار ما تجرعه الإمام المظلوم من المصائب التي تعجز عن تحمل بعضها الجبال الراسيات، وتكاد أن تنفطر بتصورها السباع الشداد، بل يلزم تجديد العهد في كل عام وتعاهد تذكره مر الليالي والأيام لما فيه من إبقاء آثار الإسلام ونشر حقائقه وبث دعوته وسطوع أنواره وإظهاراً لما هو من أعظم المعجزات من جده الأكرم (صلى الله عليه وآله) وتصديق أخباره، فيعلم أنه لم تكن تلك الدعوات النبوية والبعثة الإلهية لأجل الدنيا وطلب الملك وجلب الرياسة حيث رأى وشاهد (صلى الله عليه وآله) وأخبر بأنه لا تنتج هذه الدعوة له ولعترته وأحبته من بعده إلا القتل والأسر والظلم والغدر. وكان يقول: نحن أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وأنهم سيلقون بعدي تشريداً وتطريداً وأنه ما منا إلا مسموم أو مقتول. بل كان (صلى الله عليه وآله) يتذكر مصائب العترة الطاهرة ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً. بل كان يبدل محافل سروره بمآتم الحزن والبكاء والإبكاء والنظر إلى مصارعهم وأخذ التربة من كربلاء وغير ذلك من متواترات الأخبار والآثار، ولكل مسلم في رسول الله أسوة حسنة. فإذا كان لهذه المصائب مثل هذا التأثير قبل وجودها، فكيف تكون آثارها بعد وقوعها فتكون الآية الكريمة (فما بكت عليهم السماء والأرض)(8) بمفهومها الدال على إمكان بكائهما، بل وقوعه في مصائبهم التي لا يشابه أدناها أعظم مصائب الأنبياء والمرسلين السالفين؟ ولذا قال (صلى الله عليه وآله): ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت، حيث أن أذية عترته عين أذيته، ألم تسمع: (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها)؟ وبمقتضى ما وصل إلينا من الأخبار المتواترة أن آثار العترة الطاهرة وأنوار مشاهدهم الباهرة تتزايد يوماً فيوماً وتتعاظم جيلاً بعد جيل وتتظاهر قبيلاً بعد قبيل، ففي كلام زينب الكبرى عن أبيها وجدها (صلى الله عليه وآله) لزين العابدين (عليه السلام): وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً وأمره إلا علواً. وها أنا ذا أذكر لكم واحداًَ من الكثير، فانظروا يا أهل العالم إلى إحدى معجزات الإسلام، فإن هذا خبر سيد الأنام من قبل ألف وثلاثمائة وزيادة من الأعوام، وقد سمعنا وشاهدنا من قديم الدهر آثاره حتى أن في هذه الأيام وقد منع الزائرون عن الوفود إلى قبر هذا المظلوم من إيران وغيرها من البلدان، لكن زادت عوضاً عن ذلك عادة لم تكن متداولة من قبل وهي: وفود المآتم والمواكب والجموع والتشابيه في زيارة الأربعين من جميع بلاد العراق بحيث صار يوم الأربعين عاشوراء ثانية، فلابد وإن يتزايد كل يوم أثر جديد للحزن والعزاء في مصيبة سيد الشهداء ليتحقق ما أخبر به الأئمة الصادقون ويفوز ببركاته المؤمنون وكل ذلك مما تواترت به الأخبار ووردت من طرق جميع فرق الإسلام حتى في صحاح أرباب السنة السنية ومسانيدهم المعتبرة ما لا يحصى. ونذكر حديثاًَ واحداً رواه إمام المذهب الحنبلي أحمد بن حنبل في المناقب عن الربيع بن المنذر عن أبيه قال: كان الحسين بن علي (رضي الله عنه) يقول: من دمعت عيناه فينا بقطرة أعطاه الله تعالى الجنة. وسمعت أنا شخصياً جدي الإمام زين العابدين (عليه السلام) يقول لي بلا واسطة راوٍ وذلك بين اليقظة والمنام ما معناه: أخبروا المؤمنين بمصائبنا حتى يبكوا فتجب لهم الجنة. فقلت له: سيدي قل حتى تجب لي أيضاً الجنة؟ فقال: حتى تجب لك أيضاً الجنة. وكان هذا بين النوم واليقظة ولأمره (عليه السلام) نشرت هذا البلاغ المبين والحمد لله رب العالمين. حرره الجاني هادي الخراساني الكربلائي في 9 صفر 1347 (33) الإمام الحكيم (قدس سره) وقد سأل بعض الإيرانيين سماحة الإمام آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم (قدس سره) سؤالاً باللغة الفارسية، نعربه مع جواب سماحته حرفياً. نص السؤال: باسمه تعالى شأنه في بلاد الهند والباكستان أيام إقامة العزاء على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وباقي الأئمة المعصومين (عليهم السلام) معتاد أن يتجرد الناس ويدمون الصدور ويطبرون ويضربون الظهور بالسلاسل ويدخلون في النار المشتعلة حفاة. وبواسطة هذه الأمور يتم إظهار الدين والشعائر وتقوية الدين وتنمية الإيمان ومحبة الأئمة (عليهم السلام). وإذا لم يفعلوا هذه الأمور تزداد اللادينية ويقل الدين. فمع وجود هذه الأمور هل يشكل شرعاً لدم الصدور والضرب بالسلاسل على الظهور والتطبير والدخول حافياً في النار، أم لا؟ تفضلوا بالجواب: نص الجواب: بسم الله تعالى: لا مانع منها إن لم يكن فيها خوف الضرر، والحفظ فيها عنوان العزاء، ولم تكن موجبة للسخرية وتهييج عداوة الغير. الخاتم المبارك محسن الطباطبائي (34) آية الله الشيرازي وقد وجه سؤال حول وجوب أو جواز إقامة الشعائر الحسينية لآية الله العظمى السيد محمد الشيرازي بسم الله الرحمن الرحيم سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي ماذا تقولون في الشعائر الحسنية هل هي جائزة أو واجبة؟ وإذا أوجبت الضرر أو استهزاء بعض الناس فهل يبقى الجواز أو الرجحان أم لا؟ أفتونا مأجورين. بغداد 5/7/65 عباس هادي نص ما كتبه سماحة آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي بسم الله الرحمن الرحيم الشعائر الحسينية بجميع صورها جائزة وراجحة توجب الأجر والثواب إن شاء الله تعالى، ما عدا ما يسبب قتل النفس أو تلفاً لبعض الأعضاء، فإنهما محرّمان في الشريعة الإسلامية، والضرر القليل الذي لا يؤدي إلى القتل أو التلف لا يوجب تغير الحكم، والاستهزاء لا يسبب رفع اليدين عن الأحكام الشرعية، والله المستعان. محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي (35) الإمام الشاهرودي (قدس سره) وقد وُجه سؤال حول الشعائر الحسينية إلى سماحة الإمام آية الله العظمى السيد محمود الشاهرودي، فأجاب مشكوراً. نص السؤال: بسم الله الرحمن الرحيم حضرة حجة الإسلام والمسلمين آية الله السيد محمود الشاهرودي دام ظله ماذا تقولون في إقامة مراسيم العزاء المعتادة بين شيعة باكستان: من الضرب بالسلاسل، والتطبير ولبس السواد، واقتحام النار المعتاد في أيام عاشوراء الحسين (عليه السلام)، والذي أصبح شعار الشيعة، هل يجوز أم لا؟ تفضلوا بالجواب، أدام الله ظلكم. نص الجواب: بسم الله تعالى شأنه: إن كان الشخص حاذقاً في ضرب السلاسل والتطبير، ومتدرباً بحيث لا يوجب هلاك نفسه ولا شلّ قوة من قواه، ولم يستلزم حراماً آخر فإنه يجوز، وأما لبس السواد فليس حراماً، غاية الأمر أنه قد يكون مكروهاً، وأما اقتحام النار فإنه إن لم يؤدي إلى وهن ولم يستلزم محرّماً، فإنه في حد ذاته لا مانع منه. محمود الحسيني الشاهرودي الخاتم المبارك وقد وجه سؤال عام، عن كافة الشعائر الحسينية، إلى عدد من أصحاب السماحة، والمراجع العظام، وكان نص السؤال كما يلي: سماحة العلامة، حجة الإسلام والمسلمين، آية الله العظمى في العالمين.. دام ظله الوارف. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ما رأي سماحتكم، في الشعائر الحسينية، التي تقام لإحياء ذكريات الإمام الحسين (عليه السلام)، من اللطم على الصدور والضرب بالسلاسل على الظهور، والتطبير، والشبيه، والضرب بالدمام، واقتحام النار، المعتاد في كثير من أقطار آسيا وإفريقيا، وسائر الشعائر الحسينية المقدسة؟ نرجو من سماحتكم، التفضل بفتواكم مفصلاً مشروحاً، وتقبّلوا منا فائق التقدير والإكبار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وقد اتفق العلماء الأعلام في الجواب وفق مدلول واحد هو رجحان كافة الشعائر الحسينية بل لزومها. ونحن نثبت فيما يلي نصوصهم: (36) الإمام الشيرازي (قدس سره) نص ما كتبه سماحة آية الله العظمى الحاج السيد عبد الله الشيرازي (طاب ثراه) بسم الله الرحمن الرحيم لا إشكال في جواز الشعائر الحسينية المذكورة. نعم في خصوص لبس الرجال الألبسة المختصة بالنساء في التشبيه عندي إشكال، أما غيره فجائز حتى التطبير، فإذا لم يعلم بتلف نفسه من جهته وسببه فهو جائز بل راجح، ولا يقل عن القصد المندوب إليه شرعاً في طول السنة مرات، ولابد لأهالي هذه الشعائر المواظبة على أن لا يدخل في بعض منها بعض ما لا يرضاه الشارع. 12 صفر سنة 1384هـ عبد الله بن السيد محمد طاهر الشيرازي الخاتم المبارك (37) الإمام السبزواري (قدس سره) نص ما كتبه سماحة آية الله العظمى الحاج السيد عبد الأعلى السبزواري (طاب ثراه) باسمه تعالى إن من أهم وسائل النجاة وأوثق أسباب التوسل إقامة الشعائر الحسينية وتعظيمها وإدامتها، فإنها من شعائر الله جلّت عظمته. عبد الأعلى الموسوي السبزاوري الخاتم المبارك (38) آية الله التبريزي (قدس سره) نص ما كتبه سماحة آية الله السيد محمد الجواد الطباطبائي التبريزي (طاب ثراه) بسم الله الرحمن الرحيم يظهر من تكرر هذه الأسئلة بين آونة وأخرى أن زمرة من أعداء الإسلام يرون عظم تأثير هذه المواكب والمآتم المشتملة على إظهار الأسى بشتى الأساليب ومختلف الأشكال في حفظ كيان الإسلام فيقعدون في المرصد ويفكرون في القضاء على هذه الدعاية الدينية وإخماد هذه الشعائر الحسينية بخلق إشكالات تافهة واهية لا نصيب لها من الحقيقة، ولا حظ لها من الواقع. وقد سألوا قبلنا من مشايخنا العظام ومراجع المسلمين فأجابوهم بفتاواهم الصريحة بجواز هذه الأمور، وقد طبعت ونشرت مرات عديدة، وأنها من الشعائر التي ينبغي أن تعظم، وأنا أؤيدهم وأوافقهم حتى الاقتحام في النار مع أمن الضرر، ولا يصغى إلى ما يتشدّق به بعض الجهال المقلدة بخلاف ما أطبق عليه المراجع وأساطين الفقه بل يضرب به عرض الجدار. وفقنا الله جميعاً لصالح الأعمال وفاضل السجايا بالنبي وآله. محمد الجواد الطباطبائي التبريزي الخاتم المبارك (39) و: آية الله التبريزي (قدس سره) نص ما كتبه سماحة آية الله العظمى السيد علي الطباطبائي التبريزي (طاب ثراه) باسمه تعالى نعم يجوز ما هو متعارف بين المسلمين، وصار بينهم شعاراً لإظهار الحزن على الحسين (عليه السلام)، ولم يوجد في الأخبار نهي عن الشارع عنه بهذا العنوان، والله العالم. الأحقر السيد علي الطباطبائي التبريزي الخاتم المبارك (40) الإمام الجواهري (قدس سره) نص ما كتبه سماحة الإمام الحجة الشيخ عبد الرسول آل المرحوم صاحب الجواهر (طاب ثراه) بسم الله الرحمن الرحيم، وله الحمد كل ما يصنع من عزاء الحسين (عليه السلام)، وما فيه تهييج العبرة والبكاء بجميع صوره وأنحائه ما لم يكن موجباً لهلاك النفس، راجح شرعاً حتى التشبيه. أليس الحسين (عليه السلام) قد رأى عمته أم هانئ مصرعه ومصرع أهل بيته وخيامهم؟ والأشياء تؤخذ من نظائرها. ونسأل الله أن يؤجر مقيمي العزاء والشعائر، ويجزيهم خير الجزاء. كما ينبغي لهم أن يلتفتوا إلى أهمية الصلاة من فعل الحسين (عليه السلام) ظهيرة عاشوراء حين سأل أعداء الله أن يكفوا عنهم حتى يؤدوا الصلاة وسط المعركة فأدوها والسهام تترى عليهم يميناً وشمالاً حتى سقط أصحابه صرعى، والله سبحانه العالم. يوم 18/صفر/سنة 1384هـ عبد الرسول آل المرحوم الشيخ صاحب جواهر الكلام (قدس سره) الخاتم المبارك (41) آية الله الطبسي (قدس سره) نص ما كتبه سماحة آية الله الحجة الشيخ محمد رضا الطبسي النجفي (طاب ثراه) بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)(9). نعم الظاهر جوازها بل استحبابها بل لزومها لكونها من أسباب البكاء والإبكاء والتباكي، وقد أصبحت من الشعائر المذهبية نظراً إلى أصالة الحل وقوة الدليل المتكفل لبيان المثوبات المترتبة على البكاء والإبكاء عليه (عليه السلام) وضعف القول بالخلافة غايته، لحديث الضرر بسمرة بن جندب الملحد الشقي الذي كان من شرطة ابن زياد في الكوفة، وكان يحرض الناس على قتال الحسين بن علي (عليه السلام)، وكان هذا اللعين في الستة أشهر التي كان في البصرة قتل ثمانية آلاف من رجال الشيعة، والتفصيل يرجع إلى المنشور الذي كتبه شيخنا العلامة الأستاذ آية الله النائيني (أعلى الله مقامه) في جواب أهل البصرة ووافقه ثلة من تلامذته وعدة من أعلام عصره ومعاصريه. وفقنا الله وإياكم لخدمة الدين ونشر آثار سيد المرسلين، والأئمة الطاهرين المعصومين. الأقل محمد الرضا الطبسي النجفي، عفا الله عنه في 17/ربيع المولود/سنة 1384هـ الخاتم المبارك (42) آية الله سيبويه (قدس سره) نص ما كتبه سماحة آية الله الشيخ محمد علي سيبويه الحائري (طاب ثراه) بسم الله الرحمن الرحيم كل ذلك جائز، ومن تعظيم الشعائر ما لم يكن فيه ضرر لنفسه، والله أعلم. حرره الأحقر محمد علي سيبويه الحائري الخاتم المبارك (43) آية الله الفيروزآبادي (قدس سره) نص ما كتبه سماحة آية الله السيد مرتضى الفيروزآبادي (طاب ثراه) وقد أخّرنا هذا الجواب والجواب التالي لطولهما. بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فقد وصلني في السادس عشر من صفر الخير /84 خطكم الشريف، وكان متضمناً للسؤال عن حكم الشعائر الحسينية من اللطم على الصدور والضرب بالسلاسل على الظهور والتطبير والشبيه والضرب على الدمام واقتحام النار المعتاد في كثير من أقطار آسيا وأفريقيا وأردتم الجواب مفصلاً مشروحاً. فنقول: أما اللطم على الخدود والصدور بل وشق الجيوب في مصيبة الحسين (عليه السلام) فقد صرّح به الصادق (عليه السلام) في رواية خالد بن سدير أخي حنان بن سدير المروية في الوسائل في الباب 31 من الإيلاء، قال (عليه السلام) في آخرها: ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليه السلام) وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب. انتهى. ويؤيد الرواية المذكورة ما في الزيارة المعروفة الصادرة من الناحية المقدسة، قال (عليه السلام): فلما رأين النساء جوادك مخزياً، إلى أن قال: برزن من الخدور ناشرات الشعور على الخدود لاطمات، الخ... وفي الجواهر أن ما يحكى من فعل الفاطميات ربما قيل إنه متواتر. انتهى. هذا، ويمكن الاستدلال لجواز اللطم وشق الجيب على الحسين (عليه السلام) بأمرين آخرين: أحدهما: إن اللطم وشق الجيب من مصاديق الجزع، ومن أفراده المتيقنة. والجزع على الميت وإن كان مكروهاً أو حراماً، ولكنه استثني لقتل الحسين (عليه السلام)، كما صرح الصادق أيضاً في حسنة معاوية بن وهب المروية في الوسائل في موضعين منه في الباب/87 من الدفن. وفي باب استحباب البكاء لقتل الحسين (عليه السلام) في أبواب المزار في حديث قال (عليه السلام) في آخره: كل الجزع والبكاء مكروه ما سوى الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام). ثانيهما: إن اللطم على الصدور ونحوه هو مما استقرت عليه سيرة الشيعة في العصور السابقة والأزمنة الماضية، وفيها الأعاظم والأكابر من فقهاء الشيعة المتقدمين والمتأخرين، ولم يسمع، ولن يسمع أن أحداً منهم قد أنكر ذلك ومنع، ولو فرض أن هناك من منع لشبهة حصلت له، أو لاعوجاج في السليقة فهو نادر، والنادر كالمعدوم. وبالجملة، إن من ناقش في عصرنا هذا في جواز اللطم على الحسين (عليه السلام) ورجحانه واستحبابه فهو لا يخلو عن خلل لا محالة أما في عقله أو في دينه أو في نسبه، والله أعلم بحقيقة حاله. ومن جميع ما ذكر إلى هنا يعرف حكم الضرب بالسلاسل على الظهور فإنه من الجزع المستثنى لقتل الحسين (عليه السلام) فلا ريب في جوازه، بل رجحانه. التطبير: وأما التطبير: فإذا لم يكن بحد الضرر أو خوف الضرر فلا بأس به، وفعل زينب بنت علي (عليه السلام) من نطح جبينها بمقدم المحمل حتى جرى الدم، معروف مشهور لا ينكر، مضافاً إلى أن التطبير على الشرط المذكور لا دليل على حرمته، ولو شك، فالأصل حليته، وتوهُّم أن ذلك من الإلقاء في التهلكة المحرم فعله فاسد جداً بعد أن فرض كونه دون حد الضرر، أو خوف الضرر بل لو اقتصر على مجرد الإدماء بمقدار يخضب به الرأس والوجه كالتدهين لا أكثر فلا يبعد رجحانه لما فيه من نحو مواساة وعزاء، ومن ناقش في جوازه حتى بهذا المقدار فهو من أهل الغرض والمرض، فزادهم الله مرضاً. وأما الشبيه: فلا ينبغي الارتياب في جوازه ورجحانه، فإنه مما يذكر بمصائب أهل البيت ويوجب البكاء عليهم والحزن لهم فيكون سبباً للأجر والثواب وعظيم الزلفة، رحم الله من فعل ذلك وجمع الله له خير الدارين. وأما الضرب على الدمام: فالظاهر جوازه، إذ المتعارف منه في عصرنا هذا في المواكب الحسينية ليس على نحو اللهو واللعب كي يحرم. ولعل المتعارف منه في الحروب السابقة هو ما كان من هذا القبيل، وعلى كل حال، هذا النحو المتعارف من ضرب الدمام فعلاً في المواكب الحسينية لا يعدّ من اللهو واللعب، فلا يحرم. وأما الاقتحام في النار: فلا ريب ولا شبهة في جوازه وإباحته لعدم الدليل على حرمته، ففعله لا يكون بدعة لا تشريعاً، والله العالم. 18/صفر الخير/سنة 1384هـ الأحقر مرتضى الحسيني الفيروزآبادي الخاتم المبارك (44) آية الله الفاني (قدس سره) نص ما كتبه سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني الفاني (طاب ثراه) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين. نرى من أعظم القربات إلى المولى جلّ سلطانه، وأقرب الوسائل إلى النبي الأعظم وآله صلوات الله عليه وعليهم، تلك المآتم والشعائر الحسينية، إذ بها يحيا أمر الأئمة (عليهم السلام)، بل بها تقوم قائمة التبشير الديني والتبليغ المذهبي، وإليك فوائد إقامة العزاء على مظلوم الخافقين بجميع ما لها من الأنواع والأنحاء من ذكر مناقبه على المنابر ومصائبه في المجالس وإنشاء المراثي في اضطهاده والبكاء عليه وعلى أولاده وأصحابه وعياله واللطم على الخدود والصدور والضرب بالسلاسل على الظهور وسير المواكب في الطرقات والشوارع بل التطبير والشبيه والضرب بالدمام واقتحام النار، وهي أمور: الأول: تبليغ الرسالة الإلهية ونشر الأحكام الشرعية، إذ المحسوس والمعهود من الطائفة الجعفرية الرغبة الملحّة في الحضور في مجالس عزاء الحسين (عليه السلام) والمتعارف من الخطباء، رحم الله الماضين منهم، وجزى الله الباقين عن الإسلام أحسن الجزاء، أنهم يجعلون المنبر وسيلة للدعاية الحقة وبث المعارف الإلهية ونشر المسائل الشرعية، إلى غير ذلك مما يوجب معرفة الشيعة بعقائدهم وأحكامهم وسائر الشؤون الدينية، والذي يحضر في مأتم للبكاء على الحسين (عليه السلام) لا محيض له عن استماع مطلب ديني، وهذا واضح جداً. الثاني: إن الناظر في أحاديثنا لا يشك في ترغيب الأئمة (عليهم السلام) إلى إحياء أمرهم والتحدث بفضائلهم لا تشهيّاً منهم وأنانية وحاشاهم عن ذلك بل لإفضاء ذلك إلى التمسك بالعقائد الحقة والعمل بشريعتهم، ومن البديهي أن الشعائر الحسينية إحياء لأمر الأئمة (عليهم السلام) ناطقة أم صامتة. الثالث: إن البكاء والإبكاء والتباكي على الحسين (عليه السلام) مما أمر به في الأخبار المستفيضة بل المتواترة، وقد بلغ التحريض عليه إلى أن جعل ثواب البكاء عليه قدر جناح ذباب غفران الذنوب، وإنما الشعائر الحسينية مبكيات بالوجدان. الرابع: لا شك أن توحيد الصفوف واجتماع الأفراد وائتلاف الجماعات يترتب عليه الغرض المقصود من هؤلاء، سياسياً، علمياً، صناعياً، وغير ذلك، ولا جامع بين الشيعة أسهل حصولاً وأوسع نطاقاً وأشد ائتلافاً من المآتم والشعائر الحسينية وبها تقوى شوكة الطائفة الجعفرية وترغم أنوف أعدائهم إذ يرون أنه كلما يحاولون تفريقهم وإلقاء البغضاء بينهم بشتى الوسائل تجمعهم ذكرى الحسين روحي له الفداء، وتؤلفهم تلك المواكب النيرة. الخامس: إن الاستنكار من الظلم سبب لفرار الروح عنه، وذلك إنما يحصل إذا رأى الإنسان صورة الظلم والبشعة نصب العين، والشبيه إنما يمثل آخر حد للظلم البشري، فيه يستنكر الإنسان كل ظلم من كل ظالم، وإن كان هو نفسه. السادس: إن تحليل وقعة الطف قولاً أم عملاً إنما هو بيان للبطولة والشجاعة والمناعة والصبر والجود والعز والانطلاق نحو المبادئ الحقة والفرار عن استعباد الجناة وغير ذلك. فالمتأمل في تلك الفاجعة بشؤونها والناظر في تلك المواكب بمثلها إنما يرى فرساناً كاملين ورجالاً أحراراً معتنقين للوحي السماوي، فترتسم في ذهنه تلك الملكات الفاضلة، ويتبعهم في الأخلاق الحسنة، فيتخلق بأخلاق الله، وذلك هو الفوز العظيم. السابع: الحسين (عليه السلام) إنما استشهد هو وأرحامه وأصحابه وسبي عياله بعدما رأى بأن الظلمة الطغاة يريدون إطفاء نور الدين وتعطيل فرائض رب العالمين، فأقام الدين بقبول الشهادة وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر بهذه التضحية التي بهرت العقول وحيّرت الأفهام. فذكر الحسين (عليه السلام) قولاً أم عملاً إنما هو ذكر للصلاة والصوم والزكاة وغير ذلك من الواجبات الشرعية وذلك يوجب سوق المؤمنين: (أهل المواكب وأرباب العزاء إن كانوا في يقظة ووعي سليم) نحو تلك الواجبات. الثامن: قد وردت في عدّة من الروايات مثوبات كثيرة لصلة الإمام (عليه السلام) وصرف المال لأجله. ومن المحسوس أن ذكر الحسين (عليه السلام) بجميع أنواعه ملزوم للنفقات الكثيرة بل الهائلة، أضف إليه ما يستفيده فقراء الشيعة وذووا الحاجات منهم من قبل تلك الشعائر مما يحتاجون إليه من المال والطعام على النحو المتداول المشهود، وما ذكرنا إنما هو بعض الفوائد المترتبة. شبهات واهية: وهناك شبهات حول الشعائر وحدها (ولو لم تسدّ أفواه المشككين بالبراهين ورأوا مجالاًَ لإلقاء الشبهات لزادوا فيها وتجاوزوا الشعائر إلى إقامة العزاء، بل إلى زيارة المشاهد المشرفة والبكاء عليهم، إذ المعاند لا يقنع بالقليل، وقد ابتلينا نحن الشيعة بخصماء من الخارج والداخل وشاهدنا منهم ما شاهدنا وسمعنا منهم ما سمعنا وإلى الله المشتكى) وهي أمور: الأول: إنه لم تعهد هذه الأمور في زمن المعصومين (عليهم السلام) وهم أهل المصيبة وأولى بالتعزية على الحسين (عليه السلام) ولم يرد في حديث أمر بها منهم، فهذه أمور ابتدعها الشيعة وسمّوها الشعائر المذهبية والمأثور إن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. والجواب واضح جداً، إذ ليس كل جديد بدعة، إذ البدعة المبغوضة عبارة عن تشريع حكم اقتراحي لم يكن في الدين ولا من الدين، والروايات الواردة في ذم البدعة والمبتدع ناظرة إلى التشريع في الدين، بل هي واردة مورد حكم العقل بقبح التشريع من غير المشرع بعنوان أنه شرع إلهي ومستمد من الوحي السماوي، وإلا فأين محل الشبهات الحكمية التي وردت الروايات بالبراءة فيها وحكم العقل بقبح العقاب عليها؟ وبديهي أن الشعائر الحسينية ليست كذلك كيف والإبكاء مأمور به وهو فعل توليدي يحتاج إلى سبب وهو إما قولي كذكر المصائب وإنشاء المراثي، أو عملي كما في عمل الشبيه فللفقيه أن يحكم بجواز تلك الشعائر لما يترتب عليها من الإبكاء الراجح البتة، كما أن التعزية عنوان قصدي، ولابد له من مبرز، ونرى أن مبرزات العزاء في الملل المختلفة، وما تعارف عند الشيعة ليس مما نهى عنه الشرع أو حكم بقبحه العقل. وعلى المشكك أن يفهم المراد من البدعة ثم يطبقها على ما يشاء إن أمكن. الثاني: إن سير المواكب في الشوارع في الوقت الحاضر يوجب استهزاء الأجانب علينا. والجواب: إن كل ملة لها مراسيم مذهبية واجتماعية، وليس ما عند الأجانب بالطف مما عندنا مضافاً إلى أن الدين لا يُهجر ولا يتغير بمسخرة المعاند، بل أليس لنا أن نسخر ممن يرى الدعارة فخراً والغدر هدى والجناية تقدما ثم يتهمنا بالرجعية؟ نعم بعثهم على الاستهزاء بنا تخدير أعصابنا واستغلال وحدتنا المذهبية الكبرى. الثالث: إن تلك النفقات لو صرفت في تعديل النظام الاقتصادي لكان أحسن لو لم نقل بأن صرف المال فيما لا يفيد إسراف بغيض. والجواب: إن خير المال ما يوصل به الإمام (عليه السلام)، وقد ورد في الأخبار مثوبات كثيرة لمن يراعي مصلحة الإمام (عليه السلام) ويصرف المال في شؤونه. وياليت المشكك يرى بأن النظام الاقتصادي إنما يحصل بالاجتناب عن الكسل والبطالة وعن صرف المال في الملذات المخزية. الرابع: إن ضرب السلاسل على الظهور والتطبير والاقتحام في النار إضرار بالنفس وهو حرام، ولا يؤتى المستحب من طريق الحرام. والجواب: أنه لم يدل دليل على أن أمثال تلك الأمور مع عدم الانجرار إلى قتل النفس أو نقص الطرف حرام، فالتطبير مثلاً على النحو المتداول مع الأمن من تلف النفس لا سيما من المحنك المدرب ليس بإضرارٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ دل الدليل على حرمته، وكذا الاقتحام في النار على النحو الذي سمعناه ليس بنفسه سبباً لهلاك النفس فلا يشمله قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم)(10). وقول المعصوم (عليه السلام): المؤمن لا يقتل نفسه. وبالجملة إيراد الجرح على الطرف إطلاقه ليس بحرام، فكيف بضرب السلاسل على الظهور؟ ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السلام) وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب. الخامس: إن الشبيه قبيح لما فيه من التشبّه بأعداء الله وهو منهي عنه والتشبه بأوليائه وهو توهين بهم، وتشبّه الرجل بالمرأة وهو حرام. والجواب: إن التشبيه بأعداء الله لو قلنا بكونه حراماً حتى في المطعم والملبس، فلا ريب في كون المراد منه التشبه الذي به يعد منهم ويندمج في حزبهم ويسلك به في طريقهم ويدخله في طريقتهم، وأما مجرد التلبس بلباس (نسب إليهم جعلاً للعلامة) بداعي التنفير منهم والاستنكار عليهم، فليس من التشبه الحرام، وأما التشبه بأولياء الدين لإظهار مظلوميتهم فليس إلا تقرباً إليهم لا توهيناً بهم، وأما التشبه بالنساء فالمراد منه اتخاذ زيّهن لا مجرد التلبس بلباسهن لغرض آخر غير التجمل بذلك. وبالجملة إطلاق أدلة الإبكاء والعزاء شاملة لكل ما ذكر في السؤال، وعلى فرض الشك أصالة البراءة كافية للحكم بالجواز. وأنا أرى في تلك الشعائر جواباً عن نداء الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء: هل من ناصر ينصرني؟ وفي الختام نشير إلى أن شرط التطبير والاقتحام في النار إنما هو الأمن من هلاك النفس، وهو حاصل غالباً لغالب الناس والحمد لله. ونحن إذ نحبذ تلك الجذبة الإلهية نوصي إخواننا المؤمنين أن يجتنبوا المحارم ولا يخلطوا أعمالهم الصالحة بالمحرمات ولا يتركوا الصلاة وسائر الواجبات اغتراراً بحب الحسين (عليه السلام). 14/صفر الخير/سنة 1384هـ الأحقر علي الحسيني الأصفهاني العلامة الفاني الخاتم المبارك (45) آية الله الروحاني نص ما كتبه سماحة آية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني (دام ظله) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله فاطر الخلق والصلاة على أشرف الخلائق أجمعين وآله الطاهرين، واللعن على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. وبعد فقد كثر التساؤل عن حكم المواكب العزائية والشعائر الحسينية والمظاهرات وما يتعلق بها ـ من ـ خروج الجماعات في الشوارع والطرقات بالمشاعل والأعلام ـ واللطم على الصدور والوجوه والرؤوس ـ وضرب السلاسل على الظهور ـ والضرب بالطبول والأبواق ـ والتطبير والضرب بالسيوف أو الخناجر على الرؤوس ـ والتشبيهات والتمثيلات التي جرت عادة الشيعة باتخاذها لإقامة العزاء. وقبل الجواب على هذا السؤال لابد من تقديم مقدمات: الأولى: إن قيام سيد شباب أهل الجنة ورأس أباة الضيم أبي عبد الله (عليه السلام) وتلك التضحية المقدسة صارت سبباً لإحياء الدين بعد اندراسه وافطاسه، بحيث ما كان من الإسلام شيء باقياً إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، ولذلك قالوا من قديم: أن الإسلام محمدي الحدوث وحسيني البقاء. وعليه فإقامة العزاء له (عليه السلام) وتحليل تلك التضحية المقدسة تكون تربية عملية للمسلمين تعلمهم بأن لا يسكنوا أمام المبتدعين في الدين المعاندين للحق الذين إذ خلا لهم الجو بدلوا أحكام الله تعالى وغيروا سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ وإن لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، ويؤثر في التخلص عن الظلم والتعدي وعن استعباد الظلمة والطغاة وهذا أمر واضح لا يدخله الشك، والتجربة القطعية دلتنا على أنه في كل عصر تركت هذه الوظيفة لزم من ضعف التشيّع والدين ـ وفي أي عصر عملوا بها آل أمر المجتمع إلى الصلاح والعزة ولاحت لهم آيات السعادة. الثانية: أن تلك التضحية كما صارت سبباً لإيقاظ المسلمين وقوة للدين مما دعا رؤساء الدين في تشكيل مجالس العزاء وتحليل تلك الواقعة وتربية المسلمين على ضوئها، وكل أعداء الإسلام قعدوا لهم بالمرصاد وفكروا في القضاء على الإسلام بإخماد تلكم الشعائر، لما رأوا من عظم تأثيرها في حفظ كيان الإسلام والتشيع، فأخذوا يسعون بشتى الطرق والوسائل لتضعيفها ومحوها علق في نفوس المسلمين من السير على هداها ومن أشدها فتكاً هو خلق اشكالات تافهة ومناقشات واهية على هذه المواكب والشعائر الحسينية فأوردوا اشكالات لا نصيب لها من الحقيقة ولاحظ لها من الواقع وليست هي إلا مغالطات أوجبت ضلالة ضعفاء الإيمان والعقيدة. الثالثة: أن قبل قرنين من الزمن تقريباً أنشب الاستعمار الأوروبي مخالبه في إيران وفي كثير من بلاد الشرق الإسلامي، ولكن الاستعمار الأوروبي علم من أول وهلة أن استعمار هذه البلاد لا يتم مادام المسلمون يطبقون أحكام الإسلام وقوانينه ويتبعون إرشاداته وتعاليمه ويسيرون على هدى هذه التضحية وضوئها ـ وبهذا صرح (كلادستون) رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت فخلقوا الأحزاب السياسية وأعطوا بعضها صبغة دينية ليكون تأثيرها في النفوس أشد، واجتهدوا في ترويجها في بلاد المسلمين وكان من المناهج الدستورية والتربوية لبعض تلكم الأحزاب المبارزة مع الشعائر الحسينية التي بها تقوى شوكة الطائفة الجعفرية وترغم أنوف أعدائهم وبها توحّد الصفوف وتتشكل الأفراد وتأتلف الجماعات. إذا تمهدت هذه المقدمات ظهر لك أن إقامة هذه المواكب والشعائر الحسينية بشرط خلوها عن المحرمات الشرعية في هذا الزمان الذي قعد أعداء الإسلام لهم بالمرصاد وهم يفكرون في إخماد هذه الشعائر يكون من الواجبات، فعلى كل مسلم السعي في إقامتها. وأما الجواب عن الأسئلة الموجهة إلينا ففي ضمن مسائل: الأولى: لا شبهة في جواز اللطم على الصدور والوجوه حد الاحمرار والاسوداد، بل وإن أدى إلى خروج الدم. وكذا الضرب بالسلاسل على الأكتاف ورُجحان ذلك كله، فعن صادق أهل البيت (عليهم السلام): (على مثل الحسين فلتشق الجيوب ولتخمش الوجوه ولتلطم الخدود). الثانية: لا إشكال في جواز خروج المواكب في الشوارع والطرقات بالمشاعل والأعلام ورجحانه وهو وسيلة من الوسائل الحسينية وباب من أبواب سفينة النجاة. الثالثة: أن الضرب بالطبول والنفخ في الأبواق وأمثالها، إن كان مورد استعمالها هو إقامة العزاء وعند طلب الاجتماع وتنبيه الراكب على الركوب وفي الهوسات العربية ونحو ذلك فجائز وراجح ومن الوسائل لتبليغ الشعائر الحسينية. التطبير: الرابعة: إن الضرب بالسيوف أو القامات أو الخناجر على الرؤوس وإخراج الدم إن لم يوجب هلاك النفس ولا شلّ قوة من قواها فهو جائز وراجح وهو من الشعائر الدينية الحسينية التي أمرنا بتعظيمها. الخامسة: لا إشكال في جواز التشبيهات التي جرت عادة الشيعة باتخاذها لإقامة العزاء والبكاء والإبكاء منذ قرون وإن تضمنت لبس الرجال ملابس النساء وبالعكس، ورجحانها جميعاً. وعلى ذلك بناء العقلاء في الأمور المهمة التي يبتني عليها المسلك والمرام ـ فإن بنائهم على ارائة التشبيهات لتكلم الأمور إذ في الرؤية أثرٌ ليس في السماع وهذا أمر وجداني يدركه كل أحد. 8/ صفر/1397 محمد صادق الروحاني (46) أيضاً: الإمام السبزواري (قدس سره) الترجمة العربية لنص فتوى سماحة آية الله العظمى السيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري (طاب ثراه): (السؤال): أتحفونا بفتواكم المباركة حول إقامة شتى أنواع العزاء على أبي عبد الله (عليه السلام) من: التعزية، واللطم على الصدور، والضرب بالسلاسل على الظهور، والتطبير على الرؤوس. (الجواب): بسمه تعالى في فرض السؤال، إذا كانت هذه الأمور مطابقة للموازين الشرعية فهي صحيحة وأنتم مأجورون عليها والله العالم. 1/ج2/1409 عبد الأعلى الموسوي السبزواري (47) آية الله الحائري (قدس سره) ترجمة نص ما أفتى به سماحة آية الله الشيخ مرتضى الحائري اليزدي (قدس سره) نجل مؤسس الحوزة العلمية في قم المقدسة، حول الشعائر الحسينية: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين، لا سيما خاتم النبيين، وعلى جميع أمناء الله في أرضه، وأوصياء رسوله، الخلفاء المرضيين المعصومين، سيما خاتمهم حجة ابن الحسن المهدي (عجل الله فرجه الشريف). استفتاني بعض السادة من أهل العلم ورجال الدين الكرام حول الشعائر الحسينية، وطلبوا مني أن أكتب ما يتسنّى لي حول تعازي الإمام الحسين عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الطيبين الصلاة والسلام، وأنا إذ اعترف بعظمة الموضوع من جانب، اعترف بعدم قدرتي على بيانه من جانب آخر، لكن تلبية للطلب أجيب متواضعاً: إن ثواب البكاء في مصيبة الإمام الحسين وسائر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) مما جاءت به الروايات الكثيرة، وقد خصص العلامة المجلسي (طاب ثراه) فصلاً خاصاً وباباً منفرداً في هذا المجال وبهذا العنوان، ذكر فيه ما يقرب من خمسين حديثاً أكثرها بأسانيد معتبرة، وهي تفرض وتؤكد استحباب البكاء عليهم (صلوات الله عليهم أجمعين) وتجعله ضرورياً من ضروريات المذهب الحق مذهب التشيّع. وبديهي أن من لوازم استحباب البكاء، استحباب مقدماته، كما يشعر به خبر هارون المكفوف المعتبر، عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) حيث أمر الشاعر أن ينشده قصيدته الرثائية في الإمام الحسين (عليه السلام)، فأنشأ يقول: ـ أمرر على جدث الحسين وقل لا عظمه الزكية الحديث... 25/محرم الحرام/1402 هجرية مرتضى الحائري (48) الإمام الآملي (قدس سره) ترجمة نص ما أفتى به سماحة آية الله العظمى الشيخ هاشم الآملي (قدس سره) في إقامة الشعائر الحسينية معلقاً به على فتوى أستاذ الفقهاء آية الله الميرزا محمد حسين النائيني (أعلى الله مقامه): بسم الله الرحمن الرحيم ما أفاده شيخنا الأستاذ سماحة آية الله العظمى الآقا ميرزا حسين النائيني (أعلى الله مقامه)، فيما يخص بالشعائر الحسينية من التعازي وتذكر المصائب الواردة على الإمام أبي عبد الله الحسين وأئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، في محله ومورده، ومرضي لله تعالى جلت عظمته. كما لا يخفى على أولي البصائر والمعرفة، أهمية الشعائر الحسينية ودورها في الحفاظ على الإسلام وإحياء المذهب الحق مذهب أهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين)، مما دعا أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلى إقامة الشعائر الحسينية بأنفسهم. علماً بأن إقامة هكذا مجالس غير متوقفة على ما أثر ونُقل، بل العقل هو الذي يحكم بها، لما يراه من الآثار الجليلة المترتبة عليها. وعلى المسلمين ما دام الدهر أن لا ينسوا ثبات الإمام الحسين سيد الشهداء واستقامته وكذلك أصحابه الكرام، وأن يجددّوا ذكرى جهادهم وتضحياتهم، ليحفظوا بذلك الإسلام من النسيان والاندراس. وفق الله تعالى المسلمين جميعاً لإجراء هذا الأمر الخطير بأحسن ما يرام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 8/ ربيع الأول /1401 هجرية الأحقر هاشم الآملي (49) آية الله الآشتياني (قدس سره) ترجمة نص ما أفتى به سماحة آية الله الشيخ محمد باقر الآشتياني (قدس سره) في إقامة الشعائر الحسينية، تعليقاً على ما أفاده أستاذ المحققين سماحة آية الله الميرزا محمد حسين النائيني (قدس الله روحه): بسم الله الرحمن الرحيم (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً)(11). الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين، محمد وعلى أهل بيته الطاهرين، سيما ابن عمه وخليفته علي بن أبي طالب أمير المؤمنين. وبعد: أن ما أفتى به أستاذ الأساتيذ، وشيخ الفقهاء المتأخرين المرحوم آية الله العظمى الميرزا النائيني (رضوان الله تعالى عليه) فيما يرتبط بإقامة مجالس عزاء خامس أهل الكساء سيد الشهداء (عليه وعلى أهل بيته وأنصاره أفضل الصلاة والسلام، وأرواح العالمين لهم الفداء) المؤيدة من قبل كثير من العلماء المراجع، يلزم العمل بها، والجري عليها، فإن مسألة إقامة الشعائر الحسينية كسائر المسائل الشرعية يلزم على غير المجتهد أن يعمل فيها بفتوى المجتهد الجامع للشرائط. الرجاء من الله تعالى أن يتفضل علينا بتوفيقه ورضاه. والسلام على عباد الله الصالحين. 25/ ذي الحجة الحرام /1397 هجرية. محمد باقر الآشتياني (50) آية الله الشاهرودي ترجمة نص ما أفاده سماحة آية الله السيد محمد الحسيني الشاهرودي (مد ظله) في سؤال عن نظره إلى ما أفتى به آية الله النائيني (قدس سره) فيما يرتبط بإقامة الشعائر الحسينية: بسم الله الرحمن الرحيم ما أفتى به سماحة آية الله العظمى أستاذ الفقهاء والمجتهدين المرحوم المحقق النائيني (قدس سره) في غاية المتانة والصحة، كما أنه لا بأس بارتداء الرجال جلباب النساء للتشبيه، على نحو ما كان موسوماً عند القرويين والريفيين في السابق من إقامة التعازي الحسينية. الرجاء من المؤمنين أن يبذلوا أقصى جهودهم في إقامة الشعائر الدينية، وأن يواظبوا فيها على التعاون والتنسيق فيما بينهم، وفقهم الله تعالى وسدّدهم. 1/ شعبان المعظم /1401 هجرية محمد الشاهرودي (51) الإمام العراقي (قدس سره) ترجمة نص ما أفتى به سماحة آية الله الكبرى شيخ الفقهاء وأستاذ المجتهدين الشيخ ضياء الدين العراقي (قدس سره) المتوفى عام 1361 هجرية. بسم الله الرحمن الرحيم لا بأس بخروج مواكب العزاء المحزنة والمشجية في مصيبة سيد الشهداء (عليه آلاف التحية والثناء) في الشوارع والأسواق ليلاً ونهاراً، بحالة الحزن والحداد من كشف الرؤوس، ولطم الصدور وضرب السلاسل، وغيرها من الأمور التي لا تضر بدن الإنسان. كما أنه لا بأس بإخراج الحيوانات للتشبيه (في صورة ذي الجناح وغيره) مما يوجب الحزن ويثير عواطف الناس حسب ما هو متعارف لدى أهالي النجف الأشرف وساير بلاد الشيعة، مع حمل الأعلام السود والعلامات التي تفصح أنها من علائم الحزن والحداد. بل الإقدام على مثل هذه الأمور من أعظم الشعائر الإلهية، ما دام لم يستلزم ما هو محرم شرعي. وفقنا الله جميعاً لإقامة العزاء على الإمام الحسين (عليه السلام). الأحقر ضياء الدين العراقي (52) آية الله الأصفهاني (قدس سره) ترجمة نص فتوى آية الله العظمى شيخ العلماء ومربي الفقهاء الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني (قدس سره) المتوفي عام/ 1361 هجرية. بسم الله الرحمن الرحيم لم يكن لدينا دليل قوي على حرمة ما تداول من المرسوم في المواكب الحسينية، حتى التطبير، ما دام لم يؤدي إلى إتلاف النفس وشبه ذلك، مما هو عليه دأب العارفين بمسائل التطبير. وعليه فالأقوى جواز كل ذلك، بل رجحانه في طريق التعزية على سيد الشهداء (أرواحنا له الفداء). كيف لا يكون كذلك، وقد انحصر السبيل إلى إعلاء كلمة الحق وإبقاء المذهب الشيعي، في الماضي والحاضر، بل وفي المستقبل أيضاً، بإقامة الشعائر الحسينية، حيث لو لم تكن لذهبت دماء الشهداء أدراج الرياح، ولما بقي لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) خبر يذكر عند الناس. وفقنا الله تعالى إلى الطريق المستقيم وثبتنا عليه، أنه ولي التوفيق. الأحقر محمد حسين الأصفهاني (53) أيضاً: الإمام الحائري (قدس سره) ترجمة نص ما أفتى به سماحة آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري (قدس سره) مؤسس الحوزة العلمية في قم المتوفي عام 1355 هجرية. بسم الله الرحمن الرحيم وأما ما سألتموه من إقامة مواكب عزاء أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) وما هو المتداول لدى الشيعة من اللطم على الرؤوس والوجوه والصدور في المجالس العامة والخاصة، وفي الشوارع والطرقات فهو مما لا أظن بأن أحداً ينكر حسنها ورجحانها، ما دام لم تمزج ببعض المحرمات الشرعية من قبيل استعمال آلات اللهو وغير ذلك. وأما التطبير، فهو إن لم يكن مضراً بحال الإنسان فلا بأس فيه ولا شيء عليه، كما أنه لا ينبغي أحد المنع منه والصد عنه، فإن جميع أنواع التعزية لأجل محبة الإمام أبي الشهداء (أرواحنا له الفداء) مشرعة ومستحبة. ما دامت لم تشتمل على ما هو محرّم في الشريعة الإسلامية. الأحقر عبد الكريم الحائري (54) الإمام الميلاني (قدس سره) ترجمة نص ما أفاده سماحة آية الله العظمى السيد محمد هادي الحسيني الميلاني (قدس سره) حول الشعائر الحسينية: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ـ أرجو أن تكونوا في ظل الإمام صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بصحة جيدة وعافية كاملة، موفقين لخدمة الدين والمذهب الحق إن شاء الله. وصلتنا رسالتكم الكريمة وأطلعنا على مضمونها، حيث طلبتم أن أكتب مقالة لمجلة الشهيد العدد الخاص المنتشر في شهر محرم الحرام، لكن نظراً لضيق الوقت وكثرة الاشتغال والمراجعات، اعتذر من ذلك راجياً القبول. ثم أنه أي قلم وبيان يستطيع أن يكتب أو يصف الفضائل والمناقب، والبركات والآثار التي ترتبت على ثورة سيد الشهداء (عليه السلام)، يقول القرآن الكريم: (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي، لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي، ولو جئنا بمثله مدداً)(12). وأهل بيت النبوة والعصمة كلمة الله التامة وآياته الباهرة، والإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السلام)، ثار الله وابن ثأره، وفي كل بُعدٍ من أبعاد حياته (عليه السلام) معجزة تحير العقول، والتي منها: 1- بُعد العبادة والمناجاة لله رب العالمين. 2- بُعد خطبه وكلماته الخالدة. 3- بُعد معرفته بالزمان وما تتطلبه الظروف. 4- بُعد جهاده ودفاعه عن حريم التوحيد والإسلام. 5- بُعد حمله أهل بيته من بنات النبوة والرسالة وتسليمهم للأسر والسبي، لتكميل ثورته الإصلاحية، وفضح أعداء الإسلام والمسلمين، إذ لولا سبي بنات الرسالة وأسرهم لغطّى بني أمية جناياتهم وجرائمهم التي ارتكبوها تجاه آل الرسول (صلى الله عليه وآله) ولما افتضحوا كما افتضحوا عليه اليوم وآنذاك في العالم الإسلامي، وعند الرأي العام. 6- بُعد التبليغ والإرشاد لعباد الله في طول الطريق، في المدينة المنورة ومكة المكرمة والعراق والشام. 7- بُعد تحشيد الأمة الإسلامية ضد الظلم والطغيان، فإن كل ثورة وانتفاضة أعقبت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، ضد الظلم والطغيان، إلى يومنا هذا، كان معلمها الأول هو الإمام أبو عبد الله (عليه السلام). 8- بُعد ترويج الدين والمذهب الحق عبر مظلوميته الكبيرة، حيث سببت إقامة الشعائر الحسينية ومجالس العزاء، وكسب الجماهير وشدّ عواطفها إليه، وهدايتها إلى الدين الإسلامي ومذهب أهل البيت (عليهم السلام). وأبعاد كثيرة أخرى.. فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى مولانا ثامن الحجج علي بن موسى الرضا (عليهم السلام وآلاف التحية والثناء). التمسكم الدعاء، كما إني أدعو لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مشهد المقدسة ذي حجة الحرام/1386 هجرية السيد محمد هادي الحسيني الميلاني (55) الإمام الخوئي (قدس سره) ترجمة نص ما أفتى به سماحة المرجع الكبير آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره) حول الشعائر الحسينية: بسم الله الرحمن الرحيم المنع من الشعائر المذهبية والتي من جملتها إقامة التعازي على الأئمة الهداة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام) بالإضافة إلى أنه لا أساس له، مخالف لما ورد عنهم (عليهم السلام) من تشجيعها والحث عليها. كما أنه لا تنافي بين نشر وتبليغ أهداف الإمام الحسين وسائر الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وبين ذكر مصائبهم، بل ذكر مصائبهم وإظهار الحزن والتأثر عليهم مؤكد لتحقيق أهدافهم، وذلك لما فيه من بيان ظلم الغاصبين لحقوقهم، والبراءة منهم، كما أن فيه الدرس الوافي للتعلم من سلوكهم ومظلوميتهم، والموالاة لهم، صلوات الله عليهم أجمعين. 16/ رجب الحرام / 1399 هجرية الخوئي (56) فتاوى الإمام الخوئي (قدس سره) (من كتاب: مسائل ورود ج1 ص86 و87) مسألة (243): يقام في ذكرى الأربعين من كل عام مواكب العزاء ويصور مشاهد ذلك اليوم من الخيام والخنادق وما شابه، ويصادف أن يقف النساء لمشاهدة الموقف، ومن هنا قال بعض الناس: لما كانت هذه الأعمال تسبب موقف النساء إلى جنب الرجال وما قد يسببه هذا من أمور لا ترضي الله سبحانه فإنه يجب ترك هذا العمل فما تقولون؟ بسمه تعالى: لا يجب ترك العمل المزبور، ولا بأس به في نفسه، بل هو من شعائر المذهب، ولكن اللازم أن يسد طريق الفساد ويمنع منه، والله العالم. مسألة (244): بعض الناس في اليوم العشرين من شهر صفر أو اليوم العاشر من المحرم وفي أثناء المواكب يحملون معهم صوراً مجسمة تمثّل مثلاً: الرضيع وهو مذبوح من الوريد إلى الوريد أو رأس الحسين (عليه السلام) محمولاً على الرمح كل ذلك تصويراً للموقف ومنهم من يتمثل بشخصية شمر بن ذي الجوشن أو حرملة بن كاهل أو عمر بن سعد عليهم اللعنة الدائمة... فماذا تقولون؟ بسمه تعالى: لا بأس بكل ذلك في نفسه إلا إذا استلزم الهتك أو المحرم الآخر فعندئذ لا يجوز والله العالم. مسألة (245): هل يجوز خلع الثياب للعزاء؟ بسمه تعالى: نعم لا بأس فيه والله العالم. مسألة (246): في المواكب الحسينية يدرج (طبل)، فهل هو من آلات اللهو؟ وما رأيكم؟ بسمه تعالى: الطبل المعمول في المواكب ليس من آلات اللهو فلا بأس به في نفسه إذا لم يصاحب حرماً والله العالم. مسألة (247): هل يجوز صنع تماثيل مجسمة كاملة لفرس الحسين (عليه السلام) المعروف بذي الجناح، إذ قد رأينا في بعض بلاد الهند هذه التماثيل وهي موضوعة في مكان محترم في الحسينية يأتيها الناس للتبرك. ما حكم ذلك؟ بسمه تعالى: لا يجوز صنع تماثيل ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان والله العالم.
|
1- سورة الحج: الآية 33 و 32. 2- سورة النساء: الآية 157. 3- سورة النور: الآية 36. 4- سورة التوبة: الآية 32. 5- سورة الأعراف: الآية 202-200. 6- سورة يوسف: الآية 92. 7- سورة الأعراف: الآية 202 و201. 8- سورة الدخان: الآية 29. 9- سورة الحج: الآية 32. 10- سورة النساء: الآية 29. 11- سورة النساء: الآية 95. 12- سورة الكهف: الآية 109. |