ملاحق |
ملحق1 نص الفتوى الجريئة التي أصدرها المرجع الديني العملاق آية الله الشيخ محمد حسين النائيني حول جواز واستحباب الشعائر الحسينية، والتي أعلن كبار مراجع الطائفة تأييدهم لها بسم الله الرحمن الرحيم 1- خروج المواكب العزائية في عشرة عاشوراء ونحوها إلى الطرق والشوارع مما لا شبهة في جوازه ورجحانه، وكونه من أظهر مصاديق ما يقام في عزاء المظلوم، وأيسر الوسائل لتبليغ الدعوة الحسينية إلى كل قريب وبعيد. لكن اللازم تنزيه هذا الشعار العظيم عما لا يليق بعبادة مثله، من غناء، أو استعمال آلات اللهو، والتدافع في التقدم والتأخر بين أهل محلّتين، ونحو ذلك. ولو اتفق شيء من ذلك، فذلك الحرام الواقع في البين هو المحرّم، ولا تسري حرمته إلى الموكب العزائي، ويكون كالنظر إلى الأجنبية حال الصلاة، في عدم بطلانها. 2- لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي على الخدود والصدور إلى حدّ الاحمرار والاسوداد، بل يقوى جواز الضرب بالسلاسل أيضاً على الأكتاف والظهور إلى الحدّ المذكور، بل وإن تأدّى كل من اللطم والضرب إلى خروج دم يسير على الأقوى. وأما إخراج الدم من الناصية بالسيوف والقامات، فالأقوى جواز ما كان ضرره مأموناً(1)، وكان من مجرّد إخراج الدم من الناصية بلا صدمة على عظمها، ولا يتعقب عادة بخروج ما يضر خروجه من الدم(2) ونحو ذلك. كما يعرفه المتدربون العارفون بكيفية الضرب، ولو كان عند الضرب مأموناً ضرره بحسب العادة، ولكن اتفق خروج قدر ما يضر خروجه، لم يكن ذلك موجباً لحرمته، ويكون كمن توضأ أو اغتسل أو صام أمناً من ضرره، ثم تبيّن ضرره منه. لكن الأولى، بل الأحوط، أن لا يقتحمه غير العارفين المتدربين، ولاسيما الشبان الذين لا يبالون بما يوردون على أنفسهم، لعظم المصيبة، وامتلاء قلوبهم من المحبة الحسينية، ثبّتهم الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. 3- الظاهر عدم الإشكال في جواز التشبيهات والتمثيلات التي جرت عادة الشيعة الإمامية باتخاذها لإقامة العزاء والبكاء والإبكاء منذ قرون، وإن تضمنت لبس الرجال ملابس النساء على الأقوى... 4- الدمام المستعمل في هذه المواكب مما لم يتحقق لنا - إلى الآن - حقيقته، فإن كان مورد استعماله هو إقامة العزاء وعند طلب الاجتماع، وتنبيه الراكب على الركوب، وفي الهوسات العربية ونحو ذلك، ولا يستعمل في ما يطلب فيه اللهو والسرور، كما هو المعروف عندنا في النجف الأشرف، فالظاهر جوازه. والله العالم(3).
ملحق 2 هل في مراسيم عاشوراء عمل حرام شرعاً؟ بقلم: الشيخ عبد الوهاب الكاشي(4) أكثر ما يثير الاستغراب والتساؤل في مظاهر عاشوراء عند الشيعة هو ما يقوم به بعضهم من مظاهر عزائية قاسية تتصف بالعنف أحياناً، مثل اللطم على الصدور العارية، والضرب على الظهور والأكتاف المجردة بالسلاسل الحديدية الجارحة، وإدماء الرؤوس بالسيوف وغير ذلك. مما يثير الاستغراب لدى البعض، بل يثير الاستهجان والانتقاد لدى البعض الآخر، ويتساءلون: لماذا يفعل هؤلاء هكذا بأنفسهم؟ ولماذا لا يمنعهم العلماء ورجال الدين؟ وهل إن هذه الأعمال جائزة شرعاً وصحيحة بحسب العرف العقلائي؟ والجواب على هذا السؤال هو: أن تلك الأعمال من حيث الأصل مباحة شرعاً إذا كان القيام بها لهدف مشروع وغرض عقلائي، ولم يترتب عليها ضرر كبير أو خطر على حياة الإنسان. هذا ما يقوله العلماء ومراجع التقليد العليا في كل زمان ومكان. هذا من حيث الأصل. وأما قيام الشيعة بها في عاشوراء فهو أولاً لأغراض عقلائية مشروعة وبدافع الحب والولاء الشديد للحسين (عليه السلام)، فهم بتلك الأعمال يعبرون عن تأسّيهم بالحسين (عليه السلام) ومواساتهم له في تحمّل ألم الجراح وجريان الدماء. وفي نفس الوقت يمثلون بها دور العمل الفدائي في سبيل قضية الحسين (عليه السلام) التي استشهد دفاعاً عنها. ويظهرون استعدادهم للتضحية من أجلها بكل غال وعزيز. بالإضافة إلى أنها - أي: تلك الأعمال - عندهم كتظاهره كبرى ضد أعداء الحسين (عليه السلام) الذين يخطّئون الحسين (عليه السلام) في قيامه ضد الدولة الأموية ويبرّرون إقدام يزيد على قتل الحسين (عليه السلام)، وهؤلاء موجودون بيننا وفي عصرنا بكثرة. ومن جهة أخرى هي كتأييد عملي ودعم شعبي لثورته المقدسة، بالتالي هي استنكار صارخ للظلم والعدوان، وتأييد التحرير والإصلاح في كل زمان ومكان. كيف لا ومظاهر القسوة والعنف في أعمال الاحتجاج أمر متداول في عصرنا هذا. فكم نسمع عن أشخاص أحرقوا أنفسهم حتى الموت وأضربوا عن الطعام حتى أشرفوا على الموت، كل ذلك احتجاجاً على ظلم أو اعتداء، فلم يسخر منهم شباب العصر، بل يعتبرونهم بذلك أبطالاً مناضلين، ولكن إذا قام شيعة أهل البيت بما هو أقل من ذلك وأبسط، اتّهموا بالسّخف والرجعية والوحشية، لماذا؟ أضف إلى ذلك أن قيامهم بتلك الأعمال هو بمثابة تدريب وتمرين على خلق الروح النضالية الفعّالة والمعنوية العسكرية الراقية لا تتحقّقان لدي شباب الأمة بمجرد بعض التمارين الخالية الجوفاء والتمثيليات الفارغة التي لا تخلق سوى جيشاً انهزامياً فراراً غير كرار، يصدق عليهم قول الشاعر العربي القديم: وفي الغزوات ما جرّبت نفسي ولكن في الهزيمة كالغزال ويصدق عليهم قوله تعالى: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنّهم خشبٌ مسنّدة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو..). أجل! إن الاستهانة بالموت تحتاج إلى تهيّؤ، وتدريب جدّي وتمارين شاقة خشنة، وإلاّ فالواقع ما قاله البطل الثائر زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام): (ما كره قوم حرّ السيف إلاّ ذلّوا). والخلاصة هي أن هذه دوافع الشيعة وأهدافهم لدى قيامهم بتلك الأعمال في عاشوراء، وهي - كما تراها - دوافع مشروعة وأهداف عقلائية نافعة. هذا مع العلم بأنهم لا يرون فيها ضرراً، ولا يحسون فيها خطراً على صحتهم ولا على حياتهم حسب ما يؤكدونه هم أنفسهم القائمون بتلك الأعمال، وحسب ما يشاهد بالوجدان. بل الثابت منهم وعنهم عكس ذلك، أي: أنهم قد يستفيدون من بعضها فوائد صحية. نعم قد تقع بعض الأخطاء من قبل بعض القائمين بتلك الأعمال أو بعض المشرفين عليها، فتؤدي عفواً إلى بعض الأضرار البسيطة، وذلك نادراً، والنادر الشاذ لا يقاس عليه. أما إذا أيقن أحد بحصول ضرر بالغ على نفسه من تلك الأعمال، فلا يجوز له خاصة أن يقوم بها حتماً. هذه خلاصة وجهة نظر الشيعة ورأي علمائهم الكبار، والمطابقة لفتاوى مراجعهم العليا في النجف الأشرف وغيرها، منذ خمسين عاماً أو أكثر حتى اليوم. وتلك الفتاوى مجموعة ومدوّنة مع ذكر تواريخها وبنصوصها التفصيلية في ضمن بعض الكتب المؤلفة حول موضوع الشعائر الحسينية، أو في كراسات خاصة مطبوعة يمكنك الإطلاع عليها إذا شئت. ولا أعلم مرجعاً دينياً من مراجع التقليد عند الشيعة سئل عن حكم هذه الأعمال العزائية في عاشوراء إلاّ وأجاب بالجواز والمشروعية. هذا مع العلم بأن هذه الأعمال كانت تجري ويقوم بها الشيعة أيام عاشوراء منذ قديم الزمان وتحت سمع وبصر كبار العلماء السابقين أرباب الكلمة النافذة واليد المبسوطة، أمثال الشيخ المفيد والكليني والصدوق والسيد المرتضى والسيد الرضي والشيخ الطوسي والسيد مهدي بحر العلوم الكبير والشيخ جعفر الكبير والشيخ الأنصاري وهكذا إلى عصرنا هذا أمثال الميرزا النائيني والسيد أبو الحسن والشيخ كاشف الغطاء والسيد الحكيم وغيرهم. فكانوا يؤيّدون تلك الأعمال ويدعمونها مادياً ومعنوياً. وفي هذا دلالة كافية على جواز تلك الأعمال ومحبوبيتها شرعاً. وفيه أيضاً قناعة كافية لمن يطلب الحق ومعرفة الواقع بدون تعنّت وتصلّب واستبداد في الرأي. أما الناقدون والمعارضون لتلك الأعمال العزائية فليس عندهم سند منطقي ولا قاعدة عامة عقلائية يصح الاستدلال بها في معارضتهم لها، فإنهم يقولون - مثلاً - أن القيام بهذه الأعمال توجب السخرية والاستهزاء بهم من قبل الأجانب. ونقول في الجواب: أن السخرية والاستهزاء والاشمئزاز من قبل بعض الناس على عمل ما، لا يثبت فساد ذلك العمل، ولا يقتضي تركه لمجرد ذلك، ولا توجد قاعدة عقلائية تقول أن كل عمل أثار السخرية من قبل شخص أو أشخاص فذلك العمل باطل فاسد يجب تركه لا شيء سوى استهزاء بعض الأشخاص البعيدين عن معرفته وحقيقته. ولا يوجد عاقل في العالم يؤمن بأن محض السخرية ومجرد الاستهزاء بشيء ما سبب كاف وعلة تامة لفساد ذلك الشيء. إذ لو كان الأمر هكذا لوجب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بدأ الدعوة أن يترك الرسالة والدعوة إلى الإسلام لماذا؟ لأن قريش صارت تستهزئ به وتسخر من دعوته وتشمئز منه لذلك. أو لوجب أن يترك الصلاة على الأقل، لأنها كانت أكثر ما في الإسلام إثارة لسخرية المشركين واستهزائهم منه بها، فهل ترك الصلاة؟ طبعاً كلا. بل أقول: لو كان مجرد استهزاء البعض على القيام بعمل ما يبرّر تركه لكان يلزمنا نحن المصلين في هذا العصر أن نترك الصلاة لأنها أصبحت موضع سخرية واستهزاء من قبل أكثر الشباب والمتمدنين من أهل زماننا هذا، فهل يصح تركها لذلك خوف أن يقال لنا رجعيين؟ وها هو الحجاب للمرأة أصبح عيباً وعاراً ومدعاة للسخرية والاتهام بالرجعية، فهل صار حراماً وخلعه واجباً أو جائزاً شرعاً لذلك؟ وهاهي أكثرية النساء في البلاد الإسلامية قد خلعن حجابهنّ وبرزن سافرات، فهل أحسنّ بهذا صنعاً؟ وأعوذ فأكرر القول بأن مجرد الاستهزاء ومحض سخرية تصدر من أناس على أفعال وأعمال أناس آخرين لا يبرر الحكم على تلك الأعمال بالفساد والسوء حتى يثبت فساد تلك الأعمال من حيث العوامل والنتائج. فإذا كان العمل صحيح العوامل والأسباب وصحيح النتائج والثمرات بشكل عام، فحينئذ الاستهزاء به كهواء في شبك (وأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض). وأنني إذ أقول هذا لا أستبعد أن يكون أكثر هؤلاء المنتقدين للشعائر الحسينية قد وقعوا تحت تأثير الدعاية الأموية من حيث يشعرون أو لا يشعرون أو لا يشعرون. تلك الدعاية التي نشطت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة في كثير من البلدان الشيعية، وبقصد القضاء نهائياً على كل أثر من ذكر ثورة الحسين (عليه السلام) علماً منهم بأن هذه الذكرى هي الوسيلة الوحيدة الباقية للدعوة الصادقة المخلصة إلى الحق ومكافحة الباطل. من إحياء ذكرى الحسين فقط ترتفع أصوات المعارضة الصحيحة ضد الظلم والظالمين. من هذه الذكرى تنطلق الأضواء الكاشفة فتسلّط على كل زوايا المجتمع ومنعطفات طريق السعادة الاجتماعية لتلفت أنظار الناس إلى ما أمامها من أخطار وعقبات، فيتجنبونها ويواصلون سيرهم بسلام آمنين. أيها القاري الكريم! إن ساحة كربلاء يوم العاشر من المحرّم سنة 61 هجرية كانت أشبه بمسرح تمثيل، في جانب منه قام الحسين (عليه السلام) وأصحابه بتمثيل أروع دور لمثالية الإنسان، وأسمى ما يمكن أن يرتفع إليه بروحه وخلقه وأريحيته، بحيث لا يبقي في الوجود ما هو أشرف منه وأفضل سوى خالقه العظيم. في الطرف الآخر قام أعداء الحسين (عليه السلام) بتمثيل أدنى وأسفل درك من الحضيض يمكن أن يتدنى إليه ويهوى فيه هذا البشر من اللؤم والخبث والقوة والأنانية، بحيث يتندّى منه جبين الوحش ولا يبقى في الوجود ما هو شر منه ولا أسوأ مطلقاً. ولا تزال حوادث تلك المعركة هي المعالم الواضحة والحد الفاصل والسمات الظاهرة بين الحق والباطل وهي المقياس الدقيق لمعرفة الخير من الشر إلى أبد الآبدين. أجل! إن معركة كربلاء لم تنتهي بنهاية يوم العاشر من المحرم، بل هي لا تزال قائمة بصورها المختلفة وأحجامها العديدة وفصولها المتغيرة في كل زمان ومكان وما دام في الحياة خير وشر وحق وباطل. وما أحسن تصوير الشاعر لهذا المعنى في معركة كربلاء حيث قال: كأن كل مكان كربلاء لدى عيني وكل زمان يوم عاشوراء فالحسين (عليه السلام) من وجهة نظر الشيعة وكل الخبراء في العالم إنما هو رمز الخير والعدل والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية. والأمويون هم رمز الرذيلة والجور والاستبداد والظلم الاجتماعي. وكل الأعمال العزائية التي يقوم بها الشيعة أيام عاشوراء إنما يعبرون بها عن دعمهم وتأييدهم للخير والعدل والحق، واستنكارهم وكرههم للظلم والباطل. وهذا دليل على وعيهم الاجتماعي ونضجهم السياسي الكامل حسب ما يؤكده الباحثون وحسب ما هو واضح من ثوراتهم التحريرية عبر تاريخهم الطويل والمليء بالتضحيات.
ملحق 3 الصمود إزاء التشكيكات بقلم يوسف رمضان(5) منذ بداية هذا القرن، كانت القوى المعادية للإسلام تحاول بين فترة وأخرى اختبار ميزان قوة المسلمين الشيعة من خلال بالونات اختبار متعددة، وكان منها إثارة الشكوك حول أمور لها علاقة مباشرة بالعقائد الدينية وشن حرب نفسية عليها. فإن كانت تواجه الرد القولي والعملي إزاء تلك التشكيكات، كانت تتراجع لفترة مؤقتة، وإن كانت تجد تقبّلاً لتلك التشكيكات، كانت تطرح المزيد منها حول أمور أخرى ذات صلة بالمعتقدات، وتحاول التهريج عليها. الشعائر الحسينية كانت في صدر قائمة الأمور المستهدفة، هذه القوى كانت تسعى إلى جعل الشعائر في عزلة، وحصر ممارستها على عدد قليل ومن ثم القضاء عليها كلياً. وكان التطبير أول ما يطرح ضده الشبهات في منظومة الشعائر الحسينية، إن إثارة البسطاء من الناس من خلال التهييج العاطفي أمر سهر للغاية، هذا في السابق. أما اليوم فالحرب على ممارسة التطبير يأتي في نفس الإطار، لكن مع تغييرات في الأساليب وكيفية طرح التشكيكات، اقتضاها تطور الزمن. منذ سنين ونحن نرى ونسمع تجدد إثارة الشبهات حول الشعائر عموماً وحول التطبير خصوصاً، وشن حرب نفسية ضد ممارستها ولاسيما التطبير بهدف زعزعة استقامة المؤمنين من المطبرين وغيرهم، وذلك من خلال بعض الصحف والأشرطة. لكنّ أنصار الإمام الحسين وقفوا المرة أيضاً في وجه هذه الإثارات والتشكيكات وقفة رجل واحد، فلم تزدهم التهريجات إلاّ ترابطاً وتماسكاً وتفاهماً واندفاعاً نحو ممارسة هذه الشعائر التطبير بالخصوص، وصمد المشاركون في عمليات التطبير صموداً مستحسناً، ولم تؤثر فيهم الحملات النفسية التي كانت تستهدف تحطيم معنوياتهم، وقد أثبت التاريخ أنه كلما أججت النيران ضد التطبير، ولجأ البعض إلى العمل ضده، كلما ازداد الاندفاع نحوه وزاد لهيبه في القلوب. كما أن علماء الدين والدعاة المخلصين ساهموا في استنارة الرأي العام حول هذا العمل، ودفع الشبهات المطروحة حوله. مجموع هذه الردود أدّت إلى اندحار الأعداء مرة أخرى. لكنهم لجؤوا هذه المرة إلى سب وشتم المؤمنين المطبرين، والتجاسر على الفقهاء ومراجع الدين الذين حكموا باستحباب التطبير، واتهموا هذا العمل بتهم ظالمة. ولم يترك المؤمنون التطبير سنةً ما تأثراً بالشبهات، بل كانت هذه الإثارات تؤدي إلى ارتفاع بارومتر التطبير في مختلف بلدان العالم. ولم تكن مواجهة الأخطار تؤثر سلبياً عليه، بل كانت تزيد المؤمنين حماساً وشوقاً واندفاعاً نحو ممارسة هذا العمل المقدس. والسبب الوحيد الذي كان يوجب ترك التطبير هو حظر السلطة السياسية لذلك بعد إلغاء حرية ممارسة هذا العمل، واستخدام القوة في منعه، وذلك لأهداف سياسية بحتة لا تمت إلى الدين بصلة، مثلاً في عام 1975 ظهر أحد علماء البلاط في التلفزيون العراقي، وقال إن التطبير يعني إسراف الدماء، وذلك في حين أن مقاتلينا في سيناء والجولان والضفة بحاجة إلى هذه الدماء، والإسراف حرام شرعاً. كما أن التطبير عمل يثير الرعب في نفوس النساء والأطفال الذين يشاهدونه، وتخويف الآخرين بدون سبب حرام شرعاً. وليس هناك دليل شرعي واحد على جواز هذا الفعل، كما أنّ أحداً من الأئمة لم يفعل ذلك. فهذا العمل بدعة أدخلها الجهلة الحمقى المغفّلون إلى مدننا. بعد هذا الخطاب بأقل من أسبوع أبلغت سلطات الأمن العراقية جميع الهيئات الحسينية في المدن العراقية التي كان يمارس فيها التطبير، قرار حظر رسمي للتطبير، وعقوبة سجن لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر لمن يقدم عليه. ولا أقصد مما ذكرته منع طرح الأسئلة وإقامة النقاشات حول الشعائر عموماً والتطبير خصوصاً، فالسؤال مفتاح فهم الحقيقة، لكن ينبغي التخلّق بأخلاق السؤال والنقاش عند طرح الأسئلة، وأقصد أن يكون الهدف هو الاستفهام لا العناد والجدل، وأن لا يشتمل على إساءة أدب إلى أي من مراجع الدين وإلى الذين يمارسون التطبير واتهامهم بتهم ظالمة، وأن لا يراد فرض رأي شاذ على بقية العلماء ومقلديهم. وأما ما أثير من شبهات حول التطبير فهي عموماً لا تستند إلى أُسس علمية وحقائق تاريخية ودينية، بل ناتجة عن عدم معرفة قواعد الأحكام الشرعية وبعض الأمور الأخرى... نأمل أن يقوم شبابنا الأعزاء بقراءة هذا الكتاب وتحصين أنفسهم أمام شبهات الأعداء، وأخيراً مباشرة التطبير في كل عاشوراء، فإن فيه ثواباً عظيماً، كما أنّ ارتفاع عدد المطبّرين سيكون بمثابة زيادة حجم الحصانة حول العقائد الدينية. ونسأل الله أن يوفقنا لذلك، إنه مجيب.
|
1- مقصوده من الضرر هو الانجرار إلى الموت، أو الإصابة بمرض ذي ألم شديد دائم لا يتحمّل عادةً، أو استئصال (فساد) عضو من أعضاء الجسم. كما يظهر ذلك من ثنايا تقريرات دروس الشيخ النائيني في الأصول والفقه. م 2- الدم الذي يلحق خروجه الضرر هو خروج مقدار كثير منه بحيث يؤدي إلى الموت أو الإصابة بمرض ذي ألم شديد لا يتحمّل عادة، أو قطع (فساد) عضو من أعضاء الجسم، أو الموت. م 3- طبعت هذه الفتوى مرات عديدة بشكل مستقل وغير مستقل في العراق وبعض دول الخليج، وقد نقلت هذه الفتوى من كتاب (فتاوى العلماء الأعلام في تشجيع الشعائر الحسينية)/3-7. م 4- الشيخ عبد الوهاب الكاشي خطيب مفوّه يعيش في لبنان. وقد اقتبس هذا المقال من كتابه القيم (مأساة الحسين بين السائل والمجيب) / 145 - 150. 5- الأستاذ يوسف رمضان باحث إسلامي له كتابات عديدة، وقد اقتبس هذا المقال من كتابه (التطبير بين الحقائق والأوهام) ص 6 - 8. |