الباب الخامس: استعمال آلات اللهو في الشعائر الحسينية |
فالرابع منها(1): استعمال آلات اللهو. وهي في عبارة الرسالة هكذا: (الطبل، والزمر الدمام)(2) والصنوج النحاسية، وغير ذلك الثابت تحريمها في الشرع. ولم يستثن الفقهاء من ذلك إلا طبل الحرب، والدف في العرس بغير صنج)(3). النقد: أين عنوان (آلات اللهو) من الأمور المعنونة الثلاث؟ أين البوق من المزمار؟ وهل يصح على الكاتب الجهل بهما؟ وهل هو لا يعلم أن البوق ليس من آلات اللهو، بخلاف المزمار؟ وما الذي أدخل لفظ (الزمر) في المقام لولا التغليط؟ فإن الزمر - مصدراً - هو التغني لا النفخ. وأين النفخ بالبوق من التغني بالمزمار؟ قس على هذا قول (الصنوج النحاسية). وأسأله: من ذا حرمها قبل هذا العصر؟ وفي أي كتاب وسنة وجد الدليل على حرمتها بالخصوص؟ وهي إن كانت من آلات اللهو، فلا ريب في اشتراكها بينه وبين غيره. وما هو الوجه في تقييدها بالنحاسية؟ وهل هي تحل إذا كانت من حديد أو شبهه؟ ثم عد إلى أعظم هذه وهو الطبل، كيف أخذ الكاتب تحريم مطلقه مسلّماً ليتسنى له القول باستثناء طبل الحرب منه؟ ومن حرّم المستثنى منه بنحو كلي؟ وأي فقيه ذكر ذلك في أي كتاب؟ وهل الاستثناء المزعوم يقضي بحلية طبل الحرب وإن ضرب به ضرباً لهوياً؟ أو إذا كان بالنحو المستعمل في الحرب للتهويل على الأعداء فقط. ثم لأي حكمةٍ ترك الكاتب ذكر طبل القافلة المتفق على جوازه؟ وهو عين الطبل المستعمل في العزاء لا يفارقه في ذات ولا في هيئة ولا في صفة. لأي شيء - لعمري - يعود الضمير في قوله (الثابت تحريمها)؟ هل إلى العنوان - آلات اللهو - الذي لا ريب فيه؟ أم إلى المعنون في كلامه الذي فيه الريب والتخليط؟ إنه لا ينبغي للفقيه أن يتكلم بأي مسألة وهو آخذ منها بطرف من دون تحقيق. ولكن الذي يهون الخطب أن تباشير الزمان تنذر بهبوط الأمر في فقه الشريعة إلى أسفل من هذه الهوة العميقة. وإني وإن عظم عليّ من بعض الجهات أن أحرر في هذا الباب كلمة، إلاّ أن الخلط في الآلات الثلاث من الكتاب والالتباس الواقع قبل اليوم فيها في أذهان كثير من النّسّاك وأكثر السّذّج، أوجبا أن أفتح هذا الباب الذي كنت ولا أزال أحب أن يبقى موصداً إلى الأبد.. الفرق بين طبل العزاء وطبل اللهو: الطبل هو اسم جنس يشمل طبولاً ليس كلها محرماً، بل المحرّم منها هو طبل اللهو، وهو الذي يستعمله المخنّثون من طبل وسطه ضيق، وطرفاه واسعان وهو بوجه واحد - على ما ذكره العلامة(4) والمحقق الثاني(5) وغيرهما -. واسمه الذي يخصه في اللغة (كوبة) - بالضم -، أو (كبر) - بفتحتين -. ولم يقع موضوعاً للحكم بالحرمة في شيء من الأدلة سواهما. وقد فسّر (الكوبة) في (الصحاح)(6) و(المصباح)(7) و(القاموس)(8) بالطبل الصغير المخصّر - بتشديد الخاء -. من التخصّر، وهو دقة الوسط من الإنسان وغيره. وفي غير هذه فسّر بالطبل الصغير. بإسقاط لفظ (المخصّر). ومرادهم بالمخصّر ما نقلناه هنا عن العلامة والمحقق الثاني من كون وسطه ضيقاً. وهذا هو المستعمل اليوم عند أرباب الملاهي. قال الأستاذ الإمام الشيخ محمّد عبده: هو المعروف بالدربكة (دنبركة). والظاهر أن هذه اللفظ حبشية، فإن الزنوج والحبش هم الذين ألقوها في العراق وفي مصر. وعلى كلّ فليس الطبل العزائي - الذي يعبّر عنه بالدمّام - كوبة قطعاً، لأنه غير صغير ولا مخصّر. ولا كبراً، فإن (الكبر) - بوفاق من أهل اللغة -: الطبل بوجه واحد. وهذا ليس إلا طبل اللهو الذي وصفناه، فإن جميع ما عداه بوجهين. وإذا لم يقع النهي في الأدلة إلا عن الكوبات والكبرات - كما يقف عليه المتتبع -، لا عن مطلق الطبل، فما هو الدليل على حرمة الطبل العزائي أيها المهوّلون بلفظ الطبل؟ وليس هو كوبة ولا كباراً. وهل بعد هذا إلاّ أن ينظر في أن الضرب به هل هو لهوي أم لا. فإن مختار المحققين وخاتمتهم شيخنا المحقق الأنصاري، وغيره أن حرمة استعمال حتى آلات اللهو - فضلاً عن المشتركة بينه وبين غيره - ليس من حيث خصوص الآلة، بل من حيث أنه لهوٌ، أي: ضرب على سبيل البطر وشدة الفرح، حسب ما يستفاد من الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار(9) ،(10). فإن ادعى أحدٌ أن الضرب بالطبل العزائي ضرب لهوي واقع على سبيل البطر والفرح وعلى الكيفية التي يستعملها أهل الملاهي، كان محرماً من هذه الجهة، وتشاركه حينئذ في الحرمة من الجهة المذكورة القصاع والطسوس والطشوت، لوحدة الملاك وفرض عدم حرمة استعمال الجميع بعناوينها الخاصة بها من كونها طبلاً أو قصعة أو طاسة أو كوبة. وإن لم يكن ضرباً لهوياً بذلك المعنى، فما هو الدليل على تحريمها؟ هذا ومن البديهي الوجداني أن الطبل المعود استعماله في النجف اليوم في المواكب الحسينية المرسومة فيه أيضاً، مع أنها لم يقصد بها اللهو، هي بنفسها لا لهو بها أصلاً، وإنما يقصد بها انتظام الموكب والإعلان بمسيره ووقوفه ومشايعة صوته لندبة أهل الموكب، فإن انتظامه يختل بخفاء أصوات النادبين كثيراً لولا مشايعته لها. ظني أنه لما كان من المحقّق بالضرورة أن شيئاً من الطبول محرم الاستعمال (وكانت الأسماء الخاصة للمسميات التي هي موضوعات الحكم بالتحريم) مفقودة عند العامة في زماننا وما قبله، ولم يبق لديهم من الأسماء شيء يعرفونه سوى لفظ الطبل الذي هو اسم جنس، توهموا أنه هو المحرم. وربما كان بعضهم يتوهّم أن المراد باللهو المضاف إليه الضرب، مطلق اللعب. ولكن بعد ما عرفت من أن الطبل بنحو كلي لم يقع موضوعاً للحكم بالحرمة في شيء من الأدلة، وبعد ما أشرنا إليه من أن المراد باللهو وبالضرب اللهوي - حسب ما يستفاد من تتبّع كثير من موارد استعماله في الكتاب والسنّة - اللعب على سبيل البطر وشدة الفرح،(11) تعرف أن الطبل المحرّم الاستعمال غير الطبل العزائي إذا كان الضرب به بكيفية غير لهوية. وهاهنا أوقفك على ما أشرت إليه من أن الفقهاء لم يحرموا الطبل بقول مطلق، ويستثنوا منه طبل الحرب - كما يقول الكاتب - بل ذكروا له أفراداً وحكموا بحليّة الجميع إلا واحداً منها، وهو طبل اللهو. قال العلاّمة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلي في كتابه (تذكرة الفقهاء) (في كتاب الوصايا، في باب مسائل الوصية بالأعيان): (مسألة: لفظ (الطبل) يستعمل في طبل الحرب الذي يضرب به للتهويل، وعلى طبل الحجيج والقوافل الذي يضرب به لإعلام النزول والارتحال، وعلى طبل العطارين وهو سفطٌ لهم، وعلى طبل اللهو. وقد فسّر(12) بـ(الكوبة) الذي يضرب بها المخنّثون، وسطها ضيق، وطرفاها واسعان، وهي من آلات الملاهي. ولعل التمثيل بها أولى من التفسير(13). فإن أوصى بطبل حرب، صحت الوصية إجماعاً، لأن فيه منفعة مباحة. وكذا باقي الطبول إلا طبل اللهو، فإن كان للحال يصلح لطبل اللهو والحرب معاً، صحت الوصية أيضاً، لأن المنفعة به قائمة)(14) انتهى موضع الحاجة منه بلفظه. وقال المحقق الثاني علي بن عبد العال الكركي العاملي (في باب الوصية من كتابه (جامع المقاصد) في شرح قول العلامة في القواعد (ولو أوصى بطبل لهو بطل)): لفظة (الطبل) تقع على طبل الحرب، وعلى طبل الحجيج والقوافل، وعلى طبل العطارين، وعلى طبل اللهو. وفسّر بـ(الكوبة) التي يضرب بها المخنّثون، وسطها ضيق، وطرفاها واسعان، وهي من آلات الملاهي. ثم قال: إذا عرفت هذا فاعلم أن الطبل الذي الغرض المقصود منه أمر محلّل الذي ليس المراد منه اللهو، بل التهويل في قلوب الأعادي، يجوز اقتناؤه. ولو أوصي به، صحت الوصية إجماعاً نقله في التذكرة. ولو صلح للهوٍ وغيره، صحّت الوصية أيضاً للمنفعة المحلّلة. ولو لم يصلح إلاّ للهو، فإن أمكن إصلاحه لغيره، مع تغيير يسير، يبقى معه الاسم، صحّت أيضاً، خلافاً لبعض العامة، وإلاّ لم تصح.(15) انتهى موضع الحاجة ملخصاً. وهاتان العبارتان صريحتان في أن المستثنى مما يجوز هو طبل اللهو(16)، لا أنه قد استثنى الفقهاء مما لا يجوز استعماله طبل الحرب فقط، كما يتهجّم به الكاتب. وأنت إذا أحطت خبراً بهذه الطبول، وتيقّنت أنها جميعاً - حتى طبل القافلة - يمكن أن يضرب بها ضرب لهوي كما يستعمله أهل الملاهي، فلماذا جوّزوا استعمالها والوصية بها واقتناءها وبيعها وشراءها؟ أليس لأنها ما أعدّت ولا هيّئت لذلك؟ أليس لكون الضرب العادي بها ليس ملهياً ولا مطرباً، بل هو ضرب إعلام وتنبيه أو تهويل، كما هو الشأن في الطبل المستعمل في العزاء. الطبل العزائي لو كان من الآلات المشتركة بين اللهو وغيره، فلا ريب أن استعماله ليس لأجل اللهو والطرب ولا الضرب به على الكيفية الملهية المطربة، ولهذا عد كاشف الغطاء (قدس سره) في عداد ما كان راجحاً لعنوان ينطبق عليه أكثر ما يقام في العزاء من (دق طبل إعلام، وضرب نحاس، وتشابيه صور).(17) وظاهر هذه العبارة، بل صريحها استحباب اتخاذ هذا الطبل في العزاء، لا جوازه. ولم أقف على مثل هذا من غيره سوى الشيخ الفقيه المتبحّر الشيخ زين العابدين الحائري المازندراني(18) في رسالته (ذخيرة المعاد)،(19) فإنه بعد السؤال عن حكم الطبل والصنج المستعملين في العزاء الحسيني، أجاب - بما ترجمة نصه -: (لا بأس به، بل هو من الأمور المطلوبة المحبوبة). وقد تضمن تاريخ العصر البويهي - الحافل بفطاحل العلماء المتنفذين على السلطان - ضرب الطبول في خمسة أوقات أيام سلطان الدولة بعد أن كانت تضرب في ثلاثة أوقات أيام عضد الدولة، حسب ما يؤثر عن تاريخ ابن الأثير وأبي الفداء. والظاهر أن ذلك الضرب للتنبيه على أوقات الصلاة، وليس من المراسم السلطانية. قد رأينا ورأى كل من صحب القوافل الكبرى في جزيرة العرب طبل القافلة، وهو عين الدمام المتعارف استعماله في المواكب العزائية في النجف، أنهما في الشكل والحجم سواء، وفي كون الضرب عليهما بالآلة لا باليد سواء، وفي كون الضرب بهما منتظماً انتظاماً خاصاً سواء، وفي كون الغرض من ضربهما التنبيه والإعلام سواء، فما هو الفارق إذاً؟ إن طبل اللهو يفارق هذه الطبول في جميع هذه الخواص حتى في كيفية انتظام الضرب عليه، فإنه في طبل اللهو على كيفية خاصة يعرفها أهل الملاهي ولا يجهلها كل أحد، وتلك الكيفية غير حاصلة في ضرب الدمام ولا في ضرب طبل القافلة. أسماء آلات الملاهي المنهي عن استعمالها: في ختام هذا الفصل أستقصي لك أسماء آلات الملاهي التي وقعت في الأدلة موضوعاً للحرمة، لتعرف أن الطبل العزائي ليس أحدها، ولا يشبهها بوجه لا شكلاً، ولا حجماً، ولا هيئةً، لا ضرباً: منها: الدف - بضم الدال، والفتح لغة -، وهذا يكون بإطار يختلف قطره ضيقاً وسعة، وهو يتراوح - على الأغلب - من قطر ذراع باليد تقريباً، وهو المستعمل في الملاهي، إلى قطر ذراعين، وهو المستعمل في حلقات الذكر. ولا ينفك غالباً إطاره عن قطع نحاس - أو شبهه - صغار بقدر أخمص الراحة، تعلّق عليه في جميع دورته، وهي الصنوج، وهذا ما لا يجهله أحد، ولا يجهل كونه ليس الطبل العزائي. والذي تدل عليه عبارة الكاتب أن الفقهاء استثنوه في العرس. ولعلّ مراده البعض منهم، فإنه استثناه في الأملاك والختان، لنبويّ يدل على الترخيص بالضرب به إعلاناً للنكاح.(20). والشيخ أبو جعفر الطوسي في (المبسوط)(21)، وابن إدريس في السرائر)(22) والعلامة في (التذكرة)(23)، وكاشف اللثام(24) وغيرهم حرموه مطلقاً. وهو الوجه، لضعف دليل الجواز سنداً ودلالة(25). ومنها: البَرْبَط - كجعفر - وهو العود، كما في (القاموس)(26)، وقيل هو الكوبة التي عرفت أنها الطبل الصغير المخصّر - كما في مجمع البحرين -. وقال في (المصباح) أنه من ملاهي العجم. وعن ابن السكيت أن العجم تسميه (المزهر) و(العود)(27). وعلى كل حال فليس الطبل العزائي بربطاً. ومنها: الطنبور. قال في (القاموس): أصله (دُنْبه برّه)، شبّه بإلية الحَمْل(28) وهذا التشبيه ينبئ عن كونه العود أو الطبل الصغير. ومقتضى تشكيله(29) في (المنجد)(30) أنه الآلة المعروفة باسم (الربابة). ومنها: المعازف، جمع (معزف). قال في (القاموس): المعازف: الملاهي، كالعود والطنبور(31) وشبهه. وعن (النهاية) الأثيرية: المعازف هي الدفوف وغيرها مما يضرب(32) بها. وعن (مجمع البحرين): المعازف: آلات اللهو، يضرب بها(33). وفي (المصباح): المعازف: آلات يضرب بها. وعن الأزهري: إذا قيل المعزف فهو نوع من الطنابير يتخذه أهل اليمن. قال: وغير الليث يجعل العود معزفاً(34) والظاهر أن المعازف آلات تشبه العود. ومنها: المِزْهَر. وما عثرت على النهي عنه باسمه. وقد سمعت تفسير البربط به. وقيل هو الدف الكبير ينقر به. وفي (القاموس): المزهر - كمنبر -: العود الذي يضرب به(35) وهذا غير بعيد. هذه هي أنواع من الآلات اللهوية قد وقع النهي عن استعمالها(36). وليس الطبل العزائي المستعمل في المواكب الحسينية - فيما رأيته في بلدان العراق - أحدها بلا شبهة، ولا شبيهاً بها، ولا أعرف الدليل على حرمة استعماله إذا كان الضرب به غير لهوي ولا مطرب. ولو أني عثرت على النهي عن الطبل في شيء من الأدلة الشرعية، لكان للنظر في دلالة دليله على العموم الأفرادي والأحوالي وعدمها، مجالٌ. ولكن مع الفحص التام لم أعثر على سوى المرويات في (الجعفريات) عن علي (عليه السلام) أنه قال: طرق طائفة من بني إسرائيل ليلاً عذاب، فأصبحوا وقد فقدوا أربعة: الطبّالين، والمغنيين...(37). وعن (دعائم الإسلام) عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: مرّ بي أبي وأنا غلام وقد وقفت على زمارين وطبالين ولعابين أستمع، فأخذ بيدي وقال: مرّ، لعلك ممن شمت بآدم. فقلت: وكيف ذلك يا أبة؟ فقال: هذا الذي تراه كله من اللهو والغناء إنما صنعه إبليس شماتة بآدم حين أُخرج من الجنة)(38). وهذان الخبران مع ضعفهما عن إثبات الحرمة - خصوصاً الأخير منهما - لا عموم فيهما، بل الظاهر - ولو بقرينة الاقتران بالمغنين والزمّارين واللعابين - أن المراد بالطبالين مستعملي طبل اللهو، أو ما يكون الضرب به ملهياً: ويؤيّد هذا الظهور أن المتعارف عند الطبّالين والزمّارين هو استعمال الكوبات والكبرات، لا غيرها. هذا مع أن قوله - في ذيل الخبر الأخير - (هذا الذي تراه كله من اللهو والغناء إنما صنعه إبليس) ظاهر في إرادة الضرب اللهوي، لا مطلقاً كما يومئ إلى ذلك خبر سماعة المتقدم على ما يراه شيخنا المرتضى. ومن الغرائب أن جمعاً من المتفقّهة راموا إقامة الأدلة على حرمة استعمال الآلات الثلاث، فرموا أهزع كنانتهم وأفرغوها بالاستدلال بقول أبي عبد الله (عليه السلام)-: (من أنعم الله عليه بنعمة، فجاء عند تلك النعمة بمزمار، فقد كفرها)(39) وبقوله (عليه السلام): وقد سئل عن السفلة، فقال: (من يشرب الخمر ويضرب بالطنبور)(40) وبقول السجّاد (عليه السلام)-: (لا يقدس الله أمّة فيها بربط يقعقع)(41). وأنت - مما أسلفناه وما يأتي - تعرف أن البوق ليس بمزمار، وأن البربط هو العود ذو الأوتار، وأن الطنبور ليس بطبل، بل هو آلة شبه العود تدعى الآن (ربابة). وأما قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لنوف: (إياك أن تكون.. صاحب كوبة وهي الطبل)(42) فهو نهي عن الكوبة، وهي طبل قطعاً، ولكن ليس كل طبل كوبة، ويؤيّد هذا، بل يدل عليه ذيل هذا الحديث، وهو (أن نبي الله (صلى الله عليه وآله) خرج ذات ليلة، فنظر إلى السماء فقال: إنها الساعة التي لا تردّ فيها دعوة إلا دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر، أو شرطي أو صاحب عرطبة، أو صاحب كوبة)(43). وقس على هذا كل ما تضمن النهي عن استعمال المزمار واستعمال الكوبة، كقوله (صلى الله عليه وآله) (أنهاكم عن الزفن والمزمار والكوبات والكبرات)(44). البوق ليس مزمار: البوق هو الآلة المستعملة في بعض المواكب العزائية، وتسمى بلسان العامة في عرف العراقيين (بوري). ولكن الكاتب - في مفتتح كلامه - يقول (الزمر)! وهذا ما لا يعرف، فإن الزمر - مصدراً - هو الغناء بالمزمار، أو هو - بضمتين - جمع لـ(مزمار) إن صح(45). ومعلومٌ أنّ البوق ليس مزماراً، ولا التصويت به زمراً، فما هذا التخليط والتغليط الذي ينطلي على العامة التي لا تعرف اللغة ولا تدقق في العرف. (البوق) آلة ينفخ فيها نحو النفخ في النار، والنفخ في الزق، لكنها تصوّت بالنفخ بها تصويتاً حاداً هجناً مرتفعاً. و(المزمار) آلة يزمر فيها، أي يتغنى بها، ولا ينفخ فيها، ولذلك يقال: (نفخ في البوق) كما يقال (نفخ في الصور). ولا يقال (زمر في الصور) وغنّى في البوق. ولعل قوله في (القاموس): (البوق آلة ينفخ فيه ويزمر)(46) توسعٌ في العبارة، كيف والبوق هو الصور باعترافه - كما ستعرفه - وهو مما ينفخ فيه ولا يزمر. والفرق جلي بين الزمر والتغني الذي هو صوت مقطع وبين النفخ المجرد عن تقطيع الصوت، وهذا الذي لا تقطيع فيه بطبعه ليس بغناء، بخلاف سابقه، إذاً فما وجه تبديل الكاتب (النفخ بالبوق) في كلام معاصره بـ(الزمر)، الذي يراد به التعمية على العامة؟ وهل يوجد في المواكب الحسينية إلا بوق، وليس فيها زمر ولا مزمار؟ المزمار - حسب ما تعرفه من اللغة - آلة يزمر فيها، أي يتغنّى بها، وكانت في بدء الأمر تتخذ من القصب، وهي لا تزال باقية لليوم عند الأعراب في البوادي، يسمى ذو الأنبوب الواحد منها (منفرد)، وذو الأنبوبين (مطبق)، يغنون به غناءً مطرباً، كما تغنى بالآلة ذات الأوتار. قال في (القاموس) زمّر تزميراً: غنّى في القصب(47). وقال في (المجمع): زمر الرجل يزمر - من باب ضرب -: إذا ضرب بالمزمار. وهو - بالكسر - قصبة يُزمّر بها. وقال في (المنجد): الزمّارة: القصبة التي يزمّر فيها. وقال: المزمار: آلة يزمّر فيها، وزمر زمراً: غنّى بالنفخ في القصب(48). ولكن سكان الحواضر والمترفون من أرباب الملاهي ارتفعوا عن القصب إلى ما أحكم منه وأبقى، فاستبدلوه بالشبه وغيره، إذ لا مدخلية للقصب مع حصول الفائدة بعينها في غيره من المعادن المعمولة على كيفية ما يسمى اليوم مزماراً أو (ني). ولا يفرق في كيفية التصويت بينها وبين القصب، بل هي ألهى وأرقّ وأطرب. أما البوق فقد كان عند سذاجة البشر يتخذ من القرون، وهو لا يزال باقياً اليوم عند السوّاح المتسولة من الهنود والعجم (دراويش). ولأمر يخص مزاعم هؤلاء يحافظون على شكله أن يتغيّر، قال صاحب (المجمع) وغيره من أهل اللغة (البوق هو القرن الذي ينفخ فيه).- ولقول صاحب القاموس (الصور - بالضم - هو القرن ينفخ فيه)(49)، يستدل على أن البوق هو الصور، وأنه شيء ينفخ فيه ولا يتغنى به. وقال في (المنجد): الصور: القرن ينفخ فيه، البوق. وقال: البوق: شيء مجوّف مستطيل ينفخ فيه(50). وقد غيّر البوق عند من عرفت من المتسولة إلى مادة غير القرن، وهيئة يكون بها أرفع صوتاً وأشد هجنة، وهو مهما تغيّر مادته - حتى لو صيغ من الذهب - هو ذلك الصور القرني الذي لا زمر فيه ولا غناء. ولذلك يستعمل اليوم في السلم والحرب للتنبيه على الأوقات، وأعداد الساعات، ولحشر الجنود المتفرقة، وتسيير مواكب الرجال المجندة، ونحو ذلك. ولم يعهد الزمر والتغني به منذ البدء للآن. ولم يوجد في الأدلة إلاّ النهي عن (الزفن، والمزمار، والكوبات، والكبرات)(51) وما عثرنا على نهي عن البوقات. ولا أظن أنه توجد علاقة مصححة لإطلاق لفظ المزمار على البوق مجازاً، لبعده حتى في تركيبه الطبيعي عن الزمر، فهو في الحقيقة آلة تنبيه وإعلام، لا آلة طرب. قال العلامة المجلسي(52) في بيان ما جاء في بعض الأحاديث من دقّ بوق التبريز، ما نصه: (بوق التبريز: أي البوق الذي ينفخ فيه لخروج العسكر إلى الغزو). إن الذي يدل على أن البوق غير المزمار - مضافاً إلى ما سبق - أن المزمار لا يكون إلاّ بثقوب كثيرة - من أربعة إلى ثمانية - في أنبوبه المتساوي قدّاً، غير الثقب الذي يلي الشفة، ولكل واحد من تلك الثقوب الكثيرة نغمة خاصة تخالف نغمة الثقب الآخر، يسدّ الزامر ما شاء سدّه بطرف أنملته، ويفتح ما شاء، وهو لا يزال بسدّ وفتح. أما البوق فهو لا يكون إلا بثقب واحد في أسفله غير فوهته العليا، ولذلك لا تكون له نغمة، ولا يكون الصوت الخارج منه إلاّ واحداً غير مختلف(53).. أما صلابته وهجنته فإنها تستند إلى سعة فوهته حسب تركيبه الطبيعي، فإنه كلما طال ودقّ موضع النفخ به واتسعت فوهته العليا، زاد صوته ارتفاعاً وهجنة، وربما كان لالتوائه مزيد دخل في شدة هجنته، إما لزيادة طوله بذلك الالتواء وإما لدوران الصوت به حسب التوائه. فلارتفاعه استعمل لتنبيه الجند، ولهجنته جعل جزءاً من (الجوق الموسيقي) للتأليف بين الأصوات الكثيرة المختلفة، المختلف أفراد النوع الواحد منها، ليحصل كمال الطرب بالمجموع المؤلّف. ولكن البوق لو انفرد عنها لا يكون ولا يصلح أن يكون مُلهياً ولا مطرباً، ولذلك لا ينبغي عدّه من الآلات المشتركة بين اللهو وغيره، فضلاً عن المختصة باللهو. وإذا لم يكن من آلات اللهو ولا من المزامير - لمباينته لها قدّاً وحجماً وشكلاً وهيئةً وتركيباً وصوتاً - فما هو الدليل على تحريمه؟ ولم يوجد في الأدلة ما يتضمن النهي عن استعماله باسم يخصه أو يعمه في ما يحضرني من كتب الفقه والحديث، وعسى أن يحظى بالعثور على تحريمه غيري، فيرشدني إليه(54). عدم حرمة الصنح المستعمل في العزاء: الصنج، وهو مفرد (صنوج) المعبّر عنه بلسان العامة في النجف (طوس). وهذا يستعمل في المواكب العزائية للعلة التي يستعمل لها الطبل من انتظام الموكب، والإعلان بمسيره، ووقوفه، ومشايعة صوته لندبة أهل الموكب، فإن انتظامه يختل بخفاء أصواتهم إذا تباعد محشد منهم عن آخر، لولا صوت هذا الصنج، ولذلك لا نجدهم يستعملونه عند لطمهم في دار - مثلاً -، لاستغنائهم عنه حينئذ. والانتظام وإن لم يكن لازماً في مواكب العزاء، لكنه مستحسن قطعاً، والموكب المزعبل لا مُلزم به. وهب أنهم التزموا تشويش المواكب بترك الصنج، فالإعلام بالارتحال والوقوف وغيرهما لا يكون إلاّ به. وقد سمعت من غير واحد من المشايخ(55) أن هذا الصنج أحدثه العلامة المجلسي (قدس سره) في قرى إيران مصاحباً لموكب اللطم المخترق للأزقّة والمجتمع في الدور والمآتم، ليسمع صوته أهل القرى القريبة منهم، ويعلموا بإقامتهم للعزاء ليشاركوهم إمّا في الاجتماع معهم، وإما بإقامة عزاء آخر في قريتهم، فاستطرد الناس استعماله لغير ذلك، وليتهم اكتفوا به عن الطبل، لأنه يقوم مقامه في الفائدة المقصودة منه. وعلى كل حال، فإن من الخطأ الفاحش عدّ الصنج المتعارف ضربه اليوم في العزاء الحسيني في النجف من الآلات المشتركة بين اللهو وغيره، فضلاً عن المختصة. وسواء أريد باللهو مطلق اللعب - كما يفهمه العوام - أو الواقع على سبيل البطر وشدة الفرح - كما أسلفنا نقله عن أهل التحقيق - فضرب الصنج لا يقصد به عند مستعمليه إلا ما ذكرنا من انتظام الموكب العزائي والإعلان بمسيره ووقوفه، وذلك ليس لعباً ولا بطراً، فكيف تعدّ الآلة المستعملة لذلك من آلات اللعب والبطر؟ إذاً فما الوجه في ما أرسله الكاتب على عواهنه من حرمة الصنوج النحاسية وما هو وجه التقييد بها؟ أنه في مفتتح مقالته يزعم أنه يذكر الأمور التي أجمع المسلمون على تحريم أكثرها، وأنها من المنكرات، ولازم ذلك كون القليل منها غير محرّم أو غير مجمع على تحريمه. فهل الضرب بالصنوج مما أجمع المسلمون على تحريمه أو هو محرّم بغير الإجماع؟ وما هو هذا الدليل القائم على التحريم إذا لم يكن الصنج من آلات اللهو الخاصة به؟ نعم أرسل الشيخ الفقيه المتبحّر المتقن الشيخ فخر الدين الطريحي النجفي في (مجمع البحرين) - وهو كتاب يجمع غريب القرآن والحديث، ليس للإمامية مثله - حديثاً لا يعلم من أي طريق روي، ومن هو المروي عنه، سوى أنه يتضمن التحذير عن استعمال الصنوح، وها هو ذا متنه: (إياك والضرب بالصوانج، فإن الشيطان يركض معك، والملائكة تنفر عنك)(56). ولقد فحصت كثيراً في الأبواب المناسبة لهذا الحديث من كتاب أصحابنا في الفروع والحديث وغريبه، فلم أجده. والذي وجدته في أصل زيد النرسي - بعد استقصاء ما عداه فحصاً هو هذا (وأما ضربك بالصوالج، فإن الشيطان معك يركض، الملائكة تنفر عنك)(57). وهذا موافق نصاً لما نقله شيخنا المحدث النوري - أعلى الله مقامه - في (المستدرك)(58) نقلاً عن أصل زيد النرسي(59). و(الصوالج) في هذا الحديث - باللام قبل الجيم - مفرد (صولجان). والصولجان هو عصى في رأسها اعوجاج، فارسي معرب. قاله الجوهري. وهذا نهي عن اللعب بالصولجان والكرة - المسماة في عرفنا (طوبة) -. واللعب بها أمر معروف عند العرب وغيرهم اليوم، فلا حاجة إلى وصفه. وتمام الخبر المذكور - كما هو منقول في (المستدرك) - عن الصادق (عليه السلام) هكذا: قال في من طلب الصيد لاهياً: وإن المؤمن لفي شغل عن ذلك، شغله طلب الآخرة عن الملاهي. إلى أن قال: وإن المؤمن [عن جميع ذلك] لفي شغل، ما له والملاهي؟ فإن الملاهي تورث قساوة القلب، وتورث النفاق. وأما ضربك بالصوالج، فإن الشيطان يركض معك، والملائكة تنفر عنك. وإن أصابك شيء، لم تؤجر. ومن عثرت به دابته، فمات، دخل النار)(60). وفي كتاب (الفقه الرضوي) - باب اللعب بالشطرنج والنرد والقمار والضرب بالصوالج - وساق النواهي في الثلاثة الأول ثم قال: (واتق اللعب بالخواتيم والأربعة عشر وكل قمار، حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب. وإياك والضربة بالصولجان، فإن الشيطان يركض معك والملائكة تنفر عنك. وإن عثرت به دابته فمات، دخل النار)(61) وروى في (المستند) عن الكتاب المذكور، مثله، إلا أن فيه (إياك والضربة بالصوالج).(62) وعلى هذا يكون الخبر أجنبياً بالمرة عما نحن فيه، إذ هو يتضمن المنع عما يتلهى به الإنسان بغير آلات الطرب، كالصيد واللعب بالصولجان والكرة وغيرهما،(63) وأن المتلهي بهما إذا حدث به حدث من لعبه، لا يؤجر، وإذا عثرت - بمن يطلب الصيد - دابته فمات، يدخل النار. وإذا كان الأمر كذلك، فأين الدليل على حرمة استعمال الصنج المتعارف، وليس هو من الآلات الخاصة بالملاهي قطعاً، ولا مستعملاً في اللهو؟ وأين وجده صاحب رسالة التنزيه وغيره عند الإفتاء بحرمته؟ وهل تصح الفتوى بلا فحص كامل عن وجود الدليل وبلا بحث وافٍ عن دلالته؟ ولولا أن مؤنة النفي عظيمة، لتحديتهم جميعاً بطلب الدليل على حرمة استعمال البوق والصنج المتعارفين في العزاء الحسيني في العراق. إلاّ أن يكابر أحد منهم بدعوى كون المنقول في (مجمع البحرين) غير المذكور في كتاب النرسي والفقه الرضوي. وهذا في غاية البعد، لظهور وحدة الخبر، واختلاف النسخ فيه هو الذي أوقع صاحب المجمع في ما وقع فيه. وقد صرح بالوحدة واختلاف النسخة صاحب المستند - في كتاب الشهادات منه(64)-، لكن عبارته ليست صريحة في أن المحرّف (صوانج) لا (صوالج. نعم هي صريحة في أن تردد اللفظ الوارد بينهما كاف في عدم صلاحية الخبر لإثبات الحرمة(65). ثم إنا إذا أخذنا الحديث المذكور في (المجمع) بمتنه مسلّم الرواية - وهو مرسل، وغير منقول في جوامع الحديث - فهل يصح على أصول أصحابنا إثبات حكم تحريمي به؟ كلا، إن أصحابنا - قديماً وحديثاً - لا يعملون بمثل هذا الخبر في الأحكام الإلزامية، ولا يثبتون بمثله إلا الاستحباب والكراهة. ومع الغض عن هذا، فإن حمل النهي الذي هو باللفظ الموضوع للتحذير - لا بمادة النهي ولا بهيئة - على التحريم لا قرينة عليه من حال أو مقال. وليس التحذير - كالنهي - موضوعاً للحرمة أو ظاهراً فيها. ولا إجماع عليها حسب الفرض يصلح للقرينية على إرادتها منه. ومع الإغضاء عن هذا أيضاً، فإن الصنج له في اللغة معان: 1- آلة بأوتار. 2- قطع نحاس تعلّق في إطار الدف. 3- آلة تتخذ من صفر، يضرب إحداهما بالأخرى. 4- الآلة التي يتخذها الراقصون في أطراف أصابعهم يصفقون بها، تسمى عند أرباب الملاهي (زنك) وهو معرب صنج. وغير ذلك من المعاني. والمعنى الثالث منها ينطبق على ما هو المستعمل اليوم في العزاء الحسيني، لكن من المعلوم أن استعمال هذا الصنج لا يمكن قصد التلهي به، لأنه بذاته لا لهو فيه ولا طرب. وقد سمعت - في ما سلف - أن المستفاد من الأخبار الكثيرة أن حرمة اللعب بالآلات ليس من حيث خصوص الآلة، بل من حيث أنه لهو - أي ضرب على سبيل البطر والفرح -. وأنت إذا تأمّلت، وجدت دق الصنج المتعارف في المواكب يوجب الضجر، لا الطرب، وما هو إلاّ كدقّ الصفّارين بمطارقهم الحديدية على النحاس دقّاً منتظماً. ولا يبعد أن يكون الصنج الذي قد يعد من آلات الملاهي ليس هو هذا الصنج، ولا صنج الموسيقى القائم مقام التصفيق، بل هو ما يتخذه الراقصون في أصابع أيديهم يصفقون به من الآلة المسماة في عرفنا (زنك). ثم إذا كان الصنج لغة مردداً بين معان، وكانت الآلة ذات الأوتار قدراً متيقناً مما جعل موضوع الحكم، وما عدا ذلك مشكوك المراد به من اللفظ، كان مقتضى أصول الفن لمن لا يوجب الاحتياط في الشبهة المفهومية التحريمية، أن يقول بجوازه، لا حرمته. وكم فرق بين هذا وبين كاشف الغطاء إذ يعدّ من الأمور الراجحة (دق طبل إعلام وضرب نحاس)(66) وظني أن كاشف الغطاء والشيخ الحائري المازندراني(67) - لو كانا متيقنين للنهي عنه في أخبارنا وأن النهي تحريمي - قد حملا الصنج المنهي عنه على خصوص المطرب الذي يضرب به ضرب بطر وفرح ملاحظة للمناسبة بين الحكم وموضوعة(68).
|
1- أي: من المنكرات التي ادعى الأمين دخولها في الشعائر الحسينية. م 2- هكذا وقع في ص 4 من الرسالة. وفي ص 5 هكذا: (دق الطبول، وضرب الصنوج، والنفخ في البوقات - الدمام). والجميع خطأ، وهو إمّا غلط مطبعي أو سهو من قلم الكاتب. 3- التنزيه/4. 4- تذكرة الفقهاء 2/4863. م 5- جامع المقاصد 10/107. م 6- الصحاح 1/215. م 7- المصباح المنير 2/543. م 8- القاموس المحيط 1/131. م 9- المكاسب 4/243. المنقول بالمضمون. م 10- منها رواية سماعة عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (لما مات آدم، شمت به إبليس وقابيل، فاجتمعا في الأرض، فجعل إبليس [وقابيل] المعازف [والملاهي] شماتة بآدم، فكل ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس) من الزفن والمزمار والكوبات والكبرات (فإنما هو من ذلك). [وسائل الشيعة /233/ 12]. 11- هذه الموارد كثيرة، يضيق المقام عن عدها، ويوجد في الأخبار وكلمات اللغويين خلافها. والمختار - تبعاً للشيخ المحقق الأنصاري - هو ما ذكرناه. قال (قدس سره) في جملة كلام له في مكاسبه [/244 - 246]: لكن الإشكال في معنى اللهو، فإن فسر به مطلق اللهو - كما يظهر من الصحاح والقاموس - فالظاهر أن القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور والسيرة، فإن اللعب - وهو الحركة لا لغرض عقلائي - لهو، ولا خلاف ظاهراً في عدم حرمته. نعم لو خُصّ بما يكون عن بطر وفسّر بشدة الفرح، كان الأظهر تحريمه. ويدخل في ذلك الرقص والتصفيق والضرب بالطست بدل الدف، وكل ما يفيد فائدة آلات اللهو. 12- أي فُسّر طبل اللهو. م 13- هذا التعبير من العلامة إما بملاحظة أن الكوبة فسرت بمعان، منها الطبل الضيق الوسط، ومنها النرد والشطرنج - كما في القاموس -. وإما بملاحظة أن الدف طبل لهو أيضاً، وليس هو بكوبة، فيكون تفسير طبل اللهو بالكوبة على كل من الملاحظتين من قبيل تحديد المعنى وإبانته بذكر فرد من أفراده نحو تفسير الأعم بالأخص، ولا يصح أن يكون تفسيراً حقيقياً، بل جعل ذلك مثالاً، خيرٌ من جعله تفسيراً. 14- تذكرة الفقهاء 2/483. م 15- جامع المقاصد 1/107. م 16- لمعرفة المزيد من كلمات الفقهاء بهذا الشأن، راجع مفتاح الكرامة 7/447 - 448، 477 - 478. م 17- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء/53. م 18- كاشف الغطاء هو من لا يجهل منزلته في العلم وترويج الدين أحدٌ من عوام الشيعة في بلدانها، فضلاً عن العلماء. أما الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري فهو من خواص تلامذة خاتمة الفقهاء الأواخر الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر (قدس سره). وكان هذا الشيخ لشدة... وحفظه للجواهر، يستعين به أستاذه على كتابة أجوبة الاستفتاءات التي ترد عليه من الآفاق دون سائر تلامذته. قدم العراق سنة 1250هـ فقطن كربلاء يتلمذ على العلامة السيد إبراهيم القزويني صاحب الضوابط والدلائل. وعند وقوع الحصار على كربلاء من بعض العادين عليها، انتقل إلى النجف، فلزم درس شيخه الأعظم صاحب الجواهر، إلى أن توفي شيخه المذكور سنة 1266هـ، فانتقل إلى كربلاء بأمر صدر من سيد الوصيين أمير المؤمنين (عليه السلام) في العالم الذي من رآهم فيه فقد رآهم. ومن آيات صدق تلك الرؤيا نجاح الشيخ المذكور في كربلاء واستقامة الأمر له وتمكنه من بث العلم وتربية العلماء. وما برح كربلاء حتى توفي بها في أواخر السنة العاشرة بعد الثلاثمائة وألف من الهجرة. 19- طبعة بومباي، المطبوعة سنة 1316، ص 368 وص 435. وفي هذين الموضعين صرح بجواز استعمال طبل اللهو إذا كان القصد به حكاية حال قتلة الحسين في لهوهم. وقد سئل عن وجه ذلك - في ص 435 - ، فقال: ولما كان الغرض على ما يظهر من التواريخ، (على ما قيل) من أنهم عليهم اللعنة والعذاب كانوا يشتغلون بآلات اللهو وقت مجيء أنصارهم جديداً، ووقت مبارزة الأبطال ونحو ذلك، فلو فرض ضرب بعض آلات اللهو بقصد حكاية ما كانوا يفعلونه في تلك الأوقات، فلا نضايق من إباحته وعدم حرمته، لاختلاف القصد، فتبصّر وتأمّل. فحينئذ في الغناء وبعض آلات اللهو يمكن فرض الحلية. لا يقال: أن الحكاية بالمحرم، محرمة. لأنّا نمنع حرمة هذه الأمور بهذا القصد، والأصل الإباحة، والله العالم. انتهى. وهذا من الغرائب التي ما كنتُ أحسب أن يجترئ عليه فقيه. وأغرب منه أن نسخة الكتاب المذكور عليها حواشي ولده العلامة الشيخ حسين، وحواشٍ خطية للمحقق الورع الميرزا محمد تقي الشيرازي الحائري المتوفى سنة 1337هـ، وقد أمضيا ذلك ولم يعلقا عليه شيئاً، وكذا جواب السؤال المترجم في الأصل ملخصاً. وعلّق العلامة الميرزا محمد تقي على قوله (لا بأس به) هذه العبارة: (بالشرط السابق، أي إذا لم يصدق عليه أنه لهو). 20- النبوي المذكور هكذا (أعلنوا بهذا النكاح، واضربوا عليه بالدف). ولم أتحقق طريقه، ولم أجده - بغير فحص كامل - في كتب الحديث، وإنما أرسل في بعض كتب الفروع. والظاهر أنه عامي. ومثله قوله (صلى الله عليه وآله) (فصل ما بين الحلال والحرام والضرب بالدف عند النكاح). وقوله (لا يجوز ضرب الدف إلا في الأملاك). 21- المبسوط 4/20. م 22- السرائر/388. م 23- تذكرة الفقهاء 2/484. م 24- كشف اللثام 2/193. و2/373 من طبعة أخرى. 25- لأنه آلة لهو، ولاستفاضة الأخبار بالنهي عن استعماله، بحيث لا يصلح النبوي وحده مخصصاً أو مقيداً لها، لو تمت من جميع الجهات دلالته. 26- القاموس المحيط 2/350. م 27- المصباح المنير 1/41. م 28- القاموس المحيط 2/79. م 29- تشكيله: رسم شكله. م 30- المنجد/472. م 31- القاموس المحيط 3/175. م 32- النهاية في غريب الأثر 3/230 . م 33- مجمع البحرين 5/99. م 34- المصباح المنير 2/407. م 35- القاموس المحيط 2/43. م 36- قد ذكر أكثر الأخبار الدالة على النهي عنها وعن خصوص الكوبات والكبرات في الوسائل في أبواب التجارة. [12/233] وملاحظتها لسهل على أهل العلم الذين يهمهم معرفة الحال. وقد ورد في الأخبار تفسير الكوبة بالطبل [الخصال 1/338]. وذلك مما لا ريب فيه. إنما الكلام في أن المنهي عنه في الخبر الطبل مطلقاً، أو الكوبة التي هي طبل مخصوص؟ والخبر المشار إليه يدل على النهي عن كل كوبة لا عن كل طبل. وإنما ذكرت هذا لرفع التوهّم عن بعض الأفهام عندما يرون الخبر المذكور وهو هذا (يا نوف! إياك أن تكون عشّاراً أو شاعراً أو شرطياً أو عريفاً أو صاحب عرطبة وهي الطنبور، [أو صاحب كوبة وهي الطبل]) [الخصال 1/338]. 37- الجعفريات /169 . م 38- دعائم الإسلام 2/209. ولا يخفى أن هذّ الرواية ضعيفة سنداً للإرسال، ودلالة بما تشتمل عليه من مضامين خاطئة لا يمكن قبولها، مثل استماع الإمام الصادق (عليه السلام) للهو، وإن كان عمره قليلاً، فهي مطروحة بالكلية، أو خصوص القسم المشتمل على تلك المضامين، تفكيكاً للحجية. م 39- الكافي 6/432- 433. م 40- الخصال 1/62. م 41- الكافي 6/434. م 42- الخصال 1/338. م 43- الخصال 1/338. م 44- الكافي 6/432. م 45- يظهر من كتب اللغة عدم صحته. 46- القاموس المحيط 2/41. م 47- القاموس المحيط 2/ 41. م 48- المنجد /305. 49- القاموس المحيط 2/26. م 50- المنجد / 439، 55. م 51- الكافي 6/432. م. النهي عن المزمار وعن الكوبات والكبرات كثير، ومنه الحديث المذكور في الهوامش السابقة. أما البوق فلم يقع النهي عنه في شيء من الأخبار. نعم جاء في كتاب المقاتل أنه عند دخول سبايا آل محمد إلى الشام، سمعت الطبول تضرب، والبوقات تدق. والظاهر أن استعمال البوقات لحشر الجنود وتنبيه الناس، فقد روي أن يزيد أمر أن تستقبل السبايا بمائة وعشرين راية، تحت كل راية كذا وكذا من الرجال. 52- في ج 6 من البحار، ص 339 [من الطبعة الحجرية، و17/259 من الطبعة الحديثة]. 53- وأيضاً المزمار القصبي لا يتحقق الزمر به إلا بالمجمع، وهو قصبة صغيرة يدخلها الزامر في فمه، وطرفها الآخر مدخل في نفس المزمار، ولذلك قال فقهاؤنا: لو أوصي له بمزمار وأمكن الانتفاع به انتفاعاً محلّلاً، صحت الوصية، ولا يلزم حينئذ تسليم المجمع، وهو الذي يجعله الزامر بين شفتيه، لأن الاسم لا يتوقف عليه) صرح بذلك في (جامع المقاصد) وغيره. أما البوق فلا مجمع له، لأنه لا يزمر به، أي: لا يتغنى حتى يتوقف على مجمع. وظني أنه لو ثقب من وسطه، وأوصل أسفله بمجمع يدخل كله في الفم، أو صنع به ما يقوم مقام المجمع من الكيفيات المتعارفة بين اللهويين في آلاتهم كالني وغيره، لأمكن الزمر به. 54- أنا لا أتحدّى في هذا ولا في سابقه، لأن التتبع لا يقف على حد، سيما وبضاعتي من كتب الحديث ليست بتلك المكانة، ولكن القدر الحاصل من الفحص لي يوجب الجزم والمعذورية. نعم لا يكاد الإنسان يأتي على كتاب من كتب المغازي والحروب إلاّ ويجد فيها نحو هذه العبارة (فلما أصبحوا، ضربوا الطبول والبوقات) أو (أمر فلان بضرب الطبول والبوقات) وشبه ذلك مما يدل على أن البوق آلة تستعمل مع طبل الحرب قديماً لحشر العسكر. 55- منهم السيد العلامة الفاضل، قدوة أهل الورع واللطف والأخلاق الفاضلة في زمانه، السيد مصطفّى الطالقاني النجفي، والشيخ العلامة الفقيه المقدس الورع الشيخ حسن مطر (قدس سرهما). وقلّ من يوجد في النجف اليوم من لا يعرف مكانتهما من العلم والورع، لقرب العهد بهما. كانا من تلامذة المرحوم الشيخ محمد حسين الكاظمي (قدس سره) صاحب كتاب (هداية الأنام في شرائع الإسلام) المتوفى في أخريات سنة 1307 من الهجرة. وتلمذا بعده على شيخنا الذي قل أن يأتي له الدهر بنظير علماً وورعاً، الشيخ محمد طه نجف (قدس سره) نفعنا الله بهم أمواتاً، كما نفعنا بهم أحياءً. 56- مجمع البحرين 2/313. 57- أصل زيد النرسي /51. م 58- مستدرك الوسائل 3/216. م 59- النسخة التي بيدي الآن من كتاب زيد النرسي مستنسخة على نسخة العالم العامل الورع المقدس الباحث المتتبع الميرزا محمد الطهراني - سلمه الله - الذي يقيم اليوم في سامراء. جاء هذا الشيخ بمجموعة فيها من الأصول الأربعمائة نيف وعشرة أصول، منها كتاب النرسي، فاستنسخت عليها قبل سنين في النجف ثلاث نسخ، والأصل مستنسخ على نسخة الميرزا النوري (قدس سره) أو هو هي. وكان النوري يتفرد بهذه الأصول، ومنها ينقل في مستدركه. وليعلم أن في زيد الزراد وزيد النرسي، وفي كتابيهما كلاماً مذكوراً في كتب الرجال، لا محل لتحقيقه هنا. والمحقّق عند الشيخ أبي جعفر وجلّ من تأخر، صحة الكتابين وحسن حال الرجلين. وعلى ذلك بنى شيخنا النوري (قدس سره) في آخر مستدركه. وهو بناء محكم. 60- مستدرك الوسائل 3/216. م 61- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا /38. م 62- مستند الشيعة 2/637 م. 63- كاللعب بالخاتم والجوز والكعاب والأربعة عشر - المسماة في العرف (منقلة). ويشهد بإرادة هذا المعنى أمور: الأول: أن الضرب بالصنوج لا ركض فيه من الضارب ليركض الشيطان معه، بخلاف الصوالج، فإنها يركض بها خلف الكرة. الثاني: أن الضرب بالصنوج ليس في معرض حصول ضرر بدني، ليصح أن يقال: إن أصابه منه شيء لم يؤجر، بخلاف الصوالج، فإن الركض بها معرض العثرات والصدمات المضرة. الثالث: أن (صنج) لا يجمع على (صوانج) بنص المجمع [2/313] وغيره، بخلاف (صولجان) فإنه يجمع على (صوالج) وذلك آية تحريفه به. 64- قال في (المستند) [2/639]: ومنه ما يشك في دخوله فيه - أي: في اللهو كالصور - هو البوق -، وما يتخذه السلطان لإعلام العساكر وعلامة الجلال، ويقال له بالفارسية (كرنا)، وكذا الصنج - بالمعنى الذي فسّر به في (القاموس) - وهو دفتان من رصاص، يضرب بإحداهما على الأخرى لاجتماع الناس. وأما ما روي من قولهم (إياك والصوانج، فإن الشيطان يركض معك، والملائكة تنفر عنك) فلا يصلح لإثبات الحرمة، لاختلاف النسخة، فإن في الأكثر: الصوالج. فتأمل). انتهى. والظاهر أنّ مراده اختلاف نسخ (الفقه الرضوي). وإذا كان الرضوي هو مستند القوم مع اختلاف نسخه، زاد الاستدلال به ضعفاً على ضعف. 65- ونحن قد أقمنا الشواهد اللفظية والسياقية لتعيين كون الوارد هو (صوالج) لا غيره. على أن الموجود في نسخة (الفقه الرضوي) المطبوعة (صولجان) وعنوان الباب النهي عن (الصوالج)، فأين لفظ (الصوانج) لولا قول المستند أنه نسخة؟ 66- كشف الغطاء/ 53-54. ورجحان الأمور المذكورة هو في حال كونها في مقام التعزية على الإمام الحسين (عليه السلام) كما صرح به كاشف الغطاء في المصدر المذكور. م 67- في ص 368 من كتاب (ذخيرة المعاد) المطبوعة في بومباي سنة 1316. 68- من جميع ما ذكرنا يعلم أن ما يتمنطق به بعض الطلبة القاصرين من الإتفاق على حرمة استعمال آلات اللهو، أجنبي عن المقام، ولذلك لما سئل حجة الاسلام الميرزا محمد تقي الشيرازي عن آلات اللهو، كالطبل والطنبور وسائر أنواع الملاهي التي هي من أنواع الطبل والمعازف في العزاء الحسيني، أجاب بأنه يجب فيه وفي غيره ترك آلات اللهو. وأنت قد عرفت أن الطنابير والمعازف وسائر آلات اللهو غير مستعملة في العزاء، ولكن القاصرين لا يعرفون الطّنبور والمِعْزَف واللهو، فيتكلّمون بما شاءوا. |