الباب الثامن: الهتك والشنعة في الشعائر الحسينية |
التاسع(1) كل ما يوجب الهتك والشنعة: هنا وقف قلم الكاتب ليس فقط عن بيان دليل حرمة ما يوجب الهتك والشنعة، بل عن ذكر ما يتحقّقان به، بيد أنه(2) يزعم أنه لا يدخل تحت الحصر، ويختلف الحال فيه بالنسبة إلى الأقطار والأصقاع. وكأن الكاتب نفسه لا يحدّ هذا ولا يضبطه ولا يعينه، بل يحكم على غائب عنه بكل معنى، هتك من؟ وشنعة على من؟ وما هو معنى الهتك والشنعة؟ إدماء الرؤوس، وضرب الظهور والصدور، ولا الغناء والزمر - كما يقول -، ولا تشبيه النساء، ولا صياحهنّ، ولا إركابهن الهوادج، ولا الزعيق والأصوات المنكرة، لأن هذه قد أفرد لكل منها كلاماً يخصه في تعداد محرماته التي جعل هذا العنوان (الهتك والشنعة) تاسعاً لها، فلا محالة يكون أمراً غيرها. وغير التمثيل أيضاً، لأنه يقول في رسالته(3): (نعم، إن التمثيل المسمى بالشبيه مما نقول بحسنه ورجحانه، وبأنه من أعظم أسباب إقامة شعائر الحزن، لكن بشرط أن لا يشتمل على محرّم آخر، ولا شيء ينافي الآداب ويوجب الشنعة). ونحن قد أومأنا ثم صرحنا أن المحرّم الخارجي ما لم يكن ملازماً، لا يقتضي حرمة ما يقارنه، وذلك يوجب سقوط شرطه الذي اشترطه. وعرفنا أن ما يسميه منافياً للآداب ما لم يبلغ حدّ مجاوزة الحدود الشرعية، ليس بمحرّم. ولكن ما هذا الذي يوجب الشنعة على الدين أو المتدينين غير ما ذكرناه وغير ما أسلفه الكاتب؟ وهل يستعمل القائمون بالشعائر الحسينية في مواكبهم المتنوعة معاقرة(4) الخمور، ومفاكهة ربات الفجور ونحو ذلك مما يوجب الشنعة وسوء السمعة؟ وهل بقي إلاّ لبس الأكفان(5)، ونشر الأعلام، وقود الخيول، والخروج إلى الأزقة بتلك الهيئات المؤثرة؟ وهذا لا يوجب هتكاً ولا شنعة، فإن أظهر هذه في إيجاب ذلك هو لبس الأكفان، وهو ليس بأشنع من لبس الرجل ثوبي الإحرام وهو حاسر الرأس، وافر الشعر، بادٍ لحر الشمس خمسة أيام على الأقل إلى شهر وأكثر(6) وهو يتجوّل في الأزقة والأسواق، وهو ينادي برفيع صوته (لبيك). وعلى كل حال، فالذي يغلب على ظني - وظن الألمعي يقينٌ - أن تلك الأعمال هي مرادة بـ(ما يوجب الهتك والشنعة)، وهي التي نقلها في رسالته(7) عن معاصره وأنه حسّن فعل الناس إياها يوم عاشوراء، فإنه في الصفحة نفسها ذكر (لبس الأكفان، وكشف الرؤوس، وجرحها بالمدى والسيوف، حتى تسيل منها الدماء، وتلطخ بها تلك الأكفان، ودق الطبول، وضرب الصنوج، والنفخ في البوقات، والسير في الأزقة والأسواق والشوارع بتلك الحالة). انتهى. ثم أرعد وأبرق بإبداء وجوه غير ما أسلفه من الأمور التسعة تدل بزعمه على حرمة تلك الأعمال أو مرجوحيتها. ونحن - بتيسير الله وعونه - سنتعرض لذلك دعوى ودليلاً في الجزء الثاني من هذا الكتاب، فإن العوارض الوقتية كما اقتضت تأخير إنجازه، اقتضت أيضاً انشطاره إلى جزئين، ينتهي الأول منها إلى هذا الحد، ويليه - بحول الله وطوله - الجزء الثاني في أمور ربما كان بيانها أهم في شرعة الدين والأدب. ولعنا نذكر فيه أو في كتاب (صنمي قريش) أسباب هذا التأخير والانشطار. ومن الله نستمد التوفيق، ونسأله خلوص النية، والعفو عن الهفو، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله علي محمد وآله أجمعين.
|
1- أي: التاسع من المنكرات التي ادعى السيد محسن الأمين دخولها في الشعائر الحسينية. م 2- في صفحة 4. 3- صفحة 19. 4- معاقرة: إدمان شرب الخمر. م 5- وهو مقدمة للتطبير. م 6- هذا بالنسبة إلى السفر آنذاك وحيث لم تكن وسائل المواصلات الحديثة. م 7- صفحة 5. |