عهد الامام أمير المؤمنين عليه السلام
وحققت الثورة على عثمان مكسبا عظيما للمسلمين، فقضت على الاستغلال والتلاعب بمقدرات الامة، وقضت على الغبن والظلم الاجتماعي ودكت عروش الطغيان، وحققت للامة أهم ما تصبو اليه من تحقيق العدل والرخاء والامن . لقد استهدفت الثورة القضايا المصيرية للامة، وكان من أهمها ترشيخ الامام أمير المؤمنين لمنصب الحكم، ويقول المؤرخون : إن الثوار وسائر القوات المسلحة قد احتفت بالامام، وهي تهتف بحياته، وتناديه : " لا إمام لنا غيرك " . لقد أيقنت الاوساط الشعبية ان الامام هو الذي يحقق آمالها وأهدافها ويعيد لها كرامتها، وانها ستنعم في ظلال حكمه بالحرية والمساواة والعدل فأصرت على انتخابه، وتقليده شؤون الخلافة . وجوم الامام : واستقبل الامام الثوار بالوجوم وعدم الرضا بخلافتهم لعلمه بالاحداث الرهيبة التي ستواجهها إن قبل خلافتهم فان الاحزاب النفعية التي خلقتها حكومة عثمان قد تطعمت بالخيانة، وتسربلت بالاطماع والمنافع الشخصية ، وانها ستقف في وجهه، وتعمل جاهدة على مناجزته، والحيلولة بينه وبين تحقيق مخططاته السياسية الهادفة إلى تحقيق العدل والقضاء على الجور ، وهتف الامام بجماهير الشعب التي احتفت به معلنا رفضه الكامل لخلافتهم قائلا لهم : " لا حاجة لي في أمركم، فمن اخترتم رضيت به...". وأي حاجة للامام في خلافتهم فهو لم ينشد مكسبا خاصا له أو لاسرته وإنما كان ينبغي تحقيق أهداف الامة، واعاد الحياة الاسلامية إلى مجراها الطبيعي... وأصرت الجماهير على انتخابه قائلة : " ما نختار غيرك...". ولم يعن بهم الامام، وإنما أصر على الامتناع والرفض، ولكن الثوار لم يجدوا أحدا خليقا بادارة شؤون الامة غير الامام الذي توفرت فيه جميع الصفات القيادية من الصلابة للحق والقدرة على تحمل المسؤولية فأصرت على فكرتها في ترشيحه للخلافة . مؤتمر القوات المسلحة : وعقدت القوات العسكرية مؤتمرا خاصا - بعد امتناع الامام من اجابتها - عرضت الاحداث الخطيرة التي تواجه الامة إن بقيت بلا إمام ، وقد قررت على احضار المدنيين وتهديدهم بقوة السلاح إن لم ينتخبوا إماما للمسلمين، ولما حضروا قالوا لهم : " أنتم أهل الشورى، وانتم تعقدون الامامة، وحكمكم جائز على الامة فانظروا رجلا تنصبونه، ونحن لكم تبع، وقد أجلناكم يومكم فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلن عليا وطلحة والزبير، وتذهب من اضحية ذلك أمة من الناس..." (1). وفزع المدنيون وعلاهم الرعب، وخيم عليهم الذعر، فهرعوا إلى الامام وهم يهتفون : " البيعة البيعة...". " أما ترى ما نزل بالاسلام، وما ابتلينا به من أبناء القرى ؟ " . فاجابهم الامام مصرا على رفضه قائلا : " دعوني والتمسوا غيري...". وأحاطهم علما بالاحداث المذهلة التي سيواجهها إن قبل خلافتهم قائلا : " أيها الناس إنا مستقبلون امرا له وجوه، وله ألوان لا تقوم به القلوب، ولا تثبت له العقول..." (2) . ولم تع الجماهير قوله وانما ازدحمت عليه تنادي : " أمير المؤمنين... أمير المؤمنين " (3) . وكثر أصرار الناس عليه، وتدافعهم نحوهم، فصارحهم بالواقع ليكونوا على بينة من أمرهم قائلا : " إني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، وان تركتموني فانما أنا كأحدكم، ألا واني من اسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه...". لقد أعرب لهم انه إن تولى قيادتهم فسوف يسير فيهم بالحق والعدل فلا يجاب ولا يصانع أي انسان، ودعاهم إلى التماس غيره، إلا انهم أصروا عليه وهتفوا : " ما نحن بمفارقيك حتى نبايعك...". وتزاحمت الجماهير عليه، وانثالوا عليه من كل جانب وهم يطالبونه بقبول خلافتهم، وقد وصف (ع) شدة إصرارهم وازدحامهم عليه بقوله : " فما راعني إلا والناس كعرف الضبع (4) ينثالون علي من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي (5) مجتمعين حولي كربيضة الغنم.."(6) . وأجلهم إلى صباح اليوم الثاني لينظر في الامر فافترقوا على ذلك . قبول الامام : ولم يجد الامام بدا من قبول الخلافة خوفا أن ينزو اليهم علج من بني أمية، كما كان يتحدث بذلك، يقول (ع): " والله ما تقدمت عليها إلا خوفا من أن ينزو على الامة تيس من بني امية فيلعب بكتاب الله عزوجل..." (7). لقد دعته الضرورة والخوف على الاسلام إلى قبول خلافتهم التي لا ارب له فيها سوى اقامة الحق ودحر الباطل، فلم يكن ابن أبي طالب رائد العدالة الاجتماعية في الاسلام من عشاق الملك والسلطان، ولا ممن يبغي الحكم لينعم في خيراته، انه ربيب الوحي الذي اثبت في جميع أدوار حياته زهده في الدنيا، وعزوفه عن جميع رغباتها . البيعة : وازدحمت الناس في الجامع الاعظم تنتظر بفارغ الصبر لعله قد أجابهم إلى ما يريدون، وأقبل الامام تحف به البقية الطيبة من صحابة الرسول صلى الله عليه وآله فقوبل بموجة من الهتافات المؤيدة له، وقد أعلنوا عن رغبتهم الملحة في أن يتولى شؤون المسلمين، واعتلى الامام أعواد المنبر فخاطب الجماهير قائلا : " أيها الناس إن هذا أمركم ليس لاحد فيه حق إلا من امرتم، وقد افترقنا بالامس وكنت كارها لامركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم، إلا وانه ليس لي أن أخذ درهما دونكم فان شئتم قعدت لكم وإلا فلا أأخذ على أحد " . وألقى الامام الاضواء على سياسته المالية النيرة فهو يحتاط كأشد ما يكون الاحتياط بأموال الدولة، فلا يستأثر بأي شئ منها، ولا ينفق درهما على مصالحه وشؤونه الخاصة وهو يشير بذلك إلى الذين تمرغوا في أموال الخزينة المركزية أيام الحكم المباد فنهبوا الاموال، وأخذوها بغير حلها، وانه إذا تولى شؤون المسلمين فسوف يحرمون منها ويعاملون كبقية أفراد الشعب ، ويعود المال - حسب ما يريد الله - للامة لا للحاكم . وتعالت الهتافات من جميع جنبات المسجد وهي تعلن الاصرار الكامل على انتخابه قائلين بلسان واحد : " نحن على ما فارقناك عليه بالامس...". وتدافعت الجماهير كالموج المتلاطم إلى البيعة، وتقدم طلحة بيده الشلاء التي سرعان ما نكث بها عهد الله فبايع فتطير منه الامام وطفق يقول : " ما أخلقه أن ينكث " (8) . وتوالت الجماهير تبايع الامام، وهي انما يبايع الله ورسوله، وبايعته القوات المسلحة من المصريين والعراقيين، وبايعه عرب الامصار، وأهل بدر والمهاجرين والانصار عامة (9) ولم يظفر أحد من الخلفاء بمثل هذه البيعة في شمولها واتساعها، وعمت الافراح والمسرات جميع المسلمين، وقد وصف الامام مدى ابتهاج الناس وسرورهم ببيعته بقوله : " وبلغ من سرور الناس ببيتعهم ان ابتهج بها الصغير وهدج (10) اليها الكبير، وتحامل نحوها العليل وحسرت اليها الكعاب " (11) . لقد ابتهج المسلمون بهذه البيعة التي تحقق أهدافهم، وتحقق ما يصبون اليه من العزة والكرامة، وقد كانت بيعته يوم السبت لاحدى عشر ليلة بقيت من ذي الحجة (12) . وقد انبرى اعلام الصحابة فأعلنوا أمام جماهير الامة عن تأييدهم الشامل ودعمهم الكامل لحكومة الامام، وقد ذكرنا ذلك بصورة مفصلة في كتابنا ( حياة الامام الحسن) كما ذكرنا فيه عرضا للوفود التي أقبلت من أغلب مناطق العالم الاسلامي وهي تشارك المسلين فرحتهم، وتعلن عن دعمها لبيعة الامام . تطهير جهاز الدولة : وأول عمل قام به الامام فور توليته لمنصب رئاسة الدولة هو عزل ولاة عثمان الذين سخروا جهاز الحكم لمصالحهم الخاصة، واثروا ثراءا فاحشا مما اختلسوه من بيوت المال، وقد عزل معاوية بن أبي سفيان، ويقول المؤرخون : إنه أشار عليه جماعة من المخلصين بابقائه في منصبه ريثما تستقر الاوضاع السياسية ثم يعزله فأبى الامام، وأعلن أن ذلك من المداهنة في دينه وهو مما لا يقره ضميره الحي الذي لا يسلك أي طريق يبعده عن الحق ولو أبقاه ساعة لكان ذلك تزكية له، واقرارا بعدالته، وصلاحيته للحكم... لقد تحرج الامام أشد ما يكون التحرج في أيام حكومته فابتعد عن جميع الوان السياسة المبتنية على الخداع والتضليل . تأميم الاموال المختلسة : وانطلق رائد العدالة الاسلامية يقيم في ربوع الدولة الاسلامية حكم الله ويرفع راية الحق، وقد أصدر قراره الحاسم بتأميم الاموال المختلسة التي نهبها الحكم المباد، وبادرت السلطة التنفيذية بوضع اليد على القطائع التي أقطعها عثمان لذوي قرباه، والاموال التي استأثر بها عثمان، وقد صودرت أمواله حتى سيفه ودرعه، واضافها الامام إلى بيت المال، وقد فزع بنو أمية كأشد ما يكون الفزع واندفعوا إلى الانكار على الامام يقول الوليد بن عقبة يعاتب بني هاشم، وينكر عليهم ذلك يقول : بني هاشم ردوا سلاح ابن اختكم * ولا تنهبوه لا تحل مناهبه بني هاشم كيف الهوادة بيننا * وعند علي درعه ونجائبه بني هاشم كيف التودد منكم * وبز ابن أروى فيكم وحرائبه بني هاشم ألا تردوا فاننا * سواء علينا قاتلاه وسالبه بني هاشم انا وما كان منكم * كصدع الصفا لا يشعب الصدع شاعبه قتلتم أخي كيما تكونوا مكانه * كما غدرت يوما بكسرى مرازبه وألمت هذه الابيات بالتوتر والاحقاد التي أترعت بها نفوس الامويين فهم يرون الامام هو الذي قام بالحركة الانقلابية التي أطاحت بحكومة عثمان وهم يطالبون الهاشميين برد سيف عثمان ودرعه وسائر ممتلكاته التي صادرتها حكومة الامام، وقد شاع هذا الشعر ورددته الاندية وحفظه الناس، وقد رد عليه عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بأبيات منها : فلا تسألونا سيفكم ان سيفكم * أضيع وألقاه لدى الروع صاحبه وشبهته كسرى وقد كان مثله * شبيها بكسرى هديه وضرائبه (13) وطعن هذا الشاعر بشخصية عثمان فقد رماه بالخور وانه القى سيفه لدى الروع حينما هجم عليه الثوار، فلم يذب به عن نفسه، ولم يقم بأي دور في الحماية والدفاع عنه، وانما استسلم لسيوف الثوار التي تناهبت شلوه . فزع القرشيين : وفزعت القبائل القرشية وأصابها الذهول فقد أيقنت ان الامام سيصادر الاموال التي منحها لهم عثمان بغير حق، فقد كتب عمرو بن العاص رسالة إلى معاوية جاء فيها . " ما كنت صانعا فاصنع اذا قشرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها..." (14) . لقد خافت قريش على ثرواتها، وخافت على نفوذها ومكانتها، فقد عرفت الامام، وعرفت مخططاته الهادفة إلى اقامة الحق، والعدل، وتحطيم الامتيازات الغير المشروعة، وانه سيعاملهم كبقية أفراد الشعب فلذا أظهرت أحقادها البالغة على حكومته، وقد وصف ابن أبي الحديد مدى فزعهم واضطرابهم بقوله : " كأنها حاله لو أفضت الخلافة اليه يوم وفاة ابن عمه من اظهار ما في النفوس، وهيجان ما في القلوب حتى الاحلاف من قريش، والاحداث والفتيان الذين لم يشهدوا وقائعه وفتكاته في أسلافهم وآبائهم فعلوا ما لو كانت الاسلاف أحياء لقصرت عن فعله..." (15) . لقد راح الحسد ينهش قلوب القرشيين، والاحقاد تنخر ضمائرهم فاندفعوا إلى اعلان العصيان والتمرد على حكومة الامام، وسنذكر لذلك عرضا في البحوث الآتية . التياع الامام : وامتحن الامام امتحانا عسيرا من الاسر القرشية، وقد عانى منها أشد ألوان المحن والخطوب في جميع أدوار حياته يقول (ع) : " لقد أخافتني قريش صغيرا، وانصبتني كبيرا، حتى قبض الله رسوله فكانت الطامة الكبرى والله المستعان على ما تصفون " (16) . وتحدث (ع) في رسالته إلى أخيه عقيل عن اجماعهم على حربه كما أجمعوا على حرب رسول الله (ص) يقول : " فدع عنك قريشا في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، وجماحهم في التيه، فانهم قد أجمعوا على حرب رسول الله (ص) قبلي فجزت قريشا عني الجوازي فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن امي..." (17) . ولم يعن بهم الامام، وانطلق يؤسس معالم سياسته العادلة، ويحقق للامة ما تصبوا اليه من العدالة الاجتماعية، وقد أجمع رأيه على أن يقابلهم بالمثل، ويسدد لهم الضربات القاصمة ان خلعوا الطاعة وأظهروا البغي يقول (ع) : " مالي ولقريش لقد قتلتهم كافرين، ولاقتلنهم مفتونين، والله لابقرن الباطل حتى يظهر الحق من خاصرته، فقل لقريش فلتضج ضجيجها " (18) . لقد جهدت قريش على اطفاء نور الله، وتدمير المثل الاسلامية ، بكل قواها في محاربة الامام والاطاحة بحكومته كما جهدت من قبل على حرب رسول الله (ص) ورد رسالة الاسلام لمصدرها . سياسة الامام : لا أعرف حاكما سياسيا أو مصلحا اجتماعيا تبنى العدل بجميع رحابه ومفاهيمه كالامام أمير المؤمنين (ع) فقد بنى حكمه على الحق الخالص ، والعدل المحض، وتبنى مصالح المظلومين والمضطهدين على اختلاف قومياتهم وأديانهم، وقد أجهد نفسه وكلفها رهقا فيما بسطه من صنوف العدل ، والمساواة، فكان يشرف على كل بادرة في رقاع دولته، ويتفقد جميع شؤون رعيته فكان يطيل التفكير في البؤساء والضعفاء في جميع أرجاء دولته الممتدة الاطراف، وقد رأى أن يشاركهم في جشوبه العيش، وخشونة اللباس، ويبيت طاويا، إذ لعل بالحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالقوت ولا طمع له بالشبع، لذلك ضيق على نفسه، وحرم عليها جميع متع الحياة وحملها على الجهد والحرمان، واتجه فكره النير وضميره الحي إلى اسعاد الناس، ونشر الدعة والرفاهية فيهم... وفيما يلي عرضا موجزا لسياسته . سياسته المالية : أما السياسة المالية التى انتهجها الامام (ع) فانما هي امتداد لسياسة الرسول الاعظم (ص) الذي عنى بتطوير الحياة الاقتصادية، وانعاش الحياة العامة في جميع انحاء البلاد بحيث لا يبقى فقير أو بائس أو محتاج، وذلك بتوزيع ثروات الامة توزيعا عادلا على جميع القطعات الشعبية، أما مظاهر تلك السياسة الاقتصادية الخلافة فهي : 1 - المساواة في التوزيع والعطاء فليس لاحد على أحد فضل أو امتياز، وانما الجميع على حد سواء، فلا فضل للمهاجرين على الانصار ولا لاسرة النبي (ص) وأزواجه على غيرهم، ولا للعربي على غيره ، وقد طبق الامام (ع) هذه الجهة بصورة دقيقة وشاملة فكان - فيما أجمع عليه المؤرخون - قد ساوى بين المسلمين في العطاء، ولم يميز قوما على آخرين، فقد وفدت اليه سيدة قرشية من الحجاز طالبة منه الزيادة في عطائها، وقد التقت قبل أن تصل اليه بعجوز فارسية كانت مقيمة في الكوفة فسألتها عن عطائها فاذا به يساوي ما خصص لها، فامسكت بها وجاءت بها اليه، وقد رفعت عقيرتها قائلة : " هل من العدل أن تساوي بيني وبين هذه الامة الفارسية ؟ ! ! " . فرمقها الامام بطرفه، وتناول قبضة من التراب، وجعل ينظر اليه ويقلبه بيده وهو يقول : " لم يكن بعض هذا الترب أفضل من بعض، وتلا قوله تعالى : " إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم " . وقد أثارت هذه العدالة في التوزيع غضب الرأسماليين من القرشيين وغيرهم، فأعلنوا سخطهم على الامام، وقد خفت اليه جموع من أصحابه تطالبه بالعدول عن سياسته فاجابهم الامام : " أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه، والله ما أطور به ما سمر سمير وما أم نجم في السماء نجما، لو كان المال لي لسويت بينهم فكيف، وانما المال مال الله ! ألا وان اعطاء المال في غير حقه تبذير واسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا، ويضعه في الآخرة ويكرمه في الناس ويهينه عند الله..." (19) . لقد كان الامام يهدف في سياسته المالية إلى ايجاد مجتمع لا تطغى فيه الرأسمالية، ولا تحدث فيه الازمات الاقتصادية، ولا يواجه المجتمع أي حرمان أو ضيق في حياته المعاشية . لقد أدت هذه السياسة المشرقة المستمدة من واقع الاسلام وهديه إلى اجماع القوى الباغية على الاسلام أن تعمل جاهدة على اشاعة الفوضى والاضطراب في البلاد مستهدفة بذلك الاطاحة بحكومة الامام... ويرى المدائني أن من اهم الاسباب التي أدت إلى تخاذل العرب عن الامام اتباعه لمبدأ المساواة حيث كان لا يفضل شريفا على مشروف - في العطاء - ولا عربيا على عجمي (20) لقد ورمت آناف اولئك الطغاة من سياسة الامام التي هدمت الحواجز، وألغت الطبقية وساوت بين جميع أبناء المسلمين لا في العطاء فقط وانما في جميع الحقوق والواجبات . 2 - الانفاق على تطوير الحياة الاقتصادية وانشاء المشاريع الزراعية والعمل على زيادة الانتاج الزراعي الذي كان العمود الفقرى للاقتصاد العام في تلك العصور، وقد أكد الامام - في عهده لمالك الاشتر - على رعاية اصلاح الارض قبل أخذ الخراج منها يقول (ع) : " وليكن نظرك في عمارة الارض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره الا قليلا..." (21) . لقد كان أهم ما يعني به الامام في سياسته الاقتصادية زيادة الدخل الفردي، ونشر الرفاهية والرخاء بصورة شاملة في جميع انحاء العالم الاسلامي وقد حفلت رسائله إلى ولاته بالاهتمام في هذه الجهة، فقد أكد عليهم لزوم الانفاق على تطوير الاقتصاد العام حتى لا يبقى أي شبح للفقر والحرمان في البلاد . 3 - عدم الاستئثار بأي شئ من أموال الدولة، فقد تحرج الامام فيها كأشد ما يكون التحرج، وقد اثبتت المصادر الاسلامية بوادر كثيرة من احتياط البالغ فيها فقد وفد عليه أخوه عقيل طالبا منه أن يمنحه الصلة ويرفه عليه حياته المعاشية فأخبره الامام ان ما في بيت المال للمسلمين ، وليس له أن يأخذ منه قليلا ولا كثيرا، واذا منحه شئ فانه يكون مختلسا فلم يفقه عقيل ذلك وأخذ يلح عليه ويجهد في مطالبته فأحمى له الامام (ع ) حديدة وأدناها منه وكان ان يحترق من ميسمها، وضج ضجيج ذي دنف، فلما أفاق أجمع رأيه على الالتحاق بمعاوية لينعم بصلاته وهباته التي يختلسها من أموال المسلمين . لقد أجمع المؤرخون على أن الامام قد أجهد نفسه وأرهقها من أمره عسرا فلم ينعم هو ولا أهل بيته من خيرات الدولة، ولم يصطف منها أي شئ، وقد نفر منه ذوو الاطماع، وراح يوصي بعضهم بعضا في الابتعاد عن الامام يقول خالد بن معمر الاوسي لعلباء بن الهيثم : وكان من أصحاب علي : " اتق الله يا علباء في عشيرتك، وانظر لنفسك ولرحمك ماذا تؤمل عند رجل اردته على ان يزيد في عطاء الحسن والحسين دريهمات يسيرة ريثما يرأبان بها ظلف عيشهما فأبى وغضب، فلم يفعل..." (22) . ان الانسانية على ما جربت من تجارب وبلغت من رقي وابدع في الانظمة الاقتصادية فانها بأي حال لم تستطع أن تنشأ مثل هذا النظام الاقتصادي الذي انتهجه الامام فانه يرتبط بواقع الحياة، ولا يشذ عن سننها، وهو يهدف قبل كل شئ إلى عدالة التوزيع وبسط الرفاهية على الجميع ، والقضاء على الحاجة والحرمان . وعلى أي حال فان السياسة الاقتصادية الخلافة التي تبناها الامام قد ثقلت على القوى المنحرفة عن الاسلام فانصرفوا عن الامام وأهل بيته والتحقوا بالمعسكر الاموي الذي يضمن لهم الاستغلال والنهب وسلب قوت الشعب والتلاعب باقتصاد البلاد... وقد كان قادة الجيش الذي خف لحرب ريحانة رسول الله (ص) من ذوي الثروات الطائلة كعمرو بن حريث(23) وشبث بن ربعي وحجاز بن ابجر وغيرهم ممن منحتهم الحكومة الاموية الثراء العريض فاندفعوا إلى حرب الامام حفظا على مصالحهم الشخصية وابقاءا على ثرواتهم التي تكونت بغير وجه مشروع، فقد أيقنوا أن الامام الحسين (ع) اذا استتب له الامر فانه لا يشذ عن منهج أبيه وسياسته، وانهم سيفقدون المنح والهبات التي تغدقها عليهم الحكومة الاموية، وسنذكر ذلك مشفوعا بالتفصيل في البحوث الآتية، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن سياسته المالية . سياسته الداخلية : واجهد الامام (ع) نفسه على أن يحقق بين الناس العدل الاجتماعي والعدل السياسي ويحملهم على الطريق الواضح الذي لا التواء فيه، ويسير فيهم بسياسة رسول الله (ص) الهادفة إلى تطبيق العدل، وبسط الحق بين القريب والبعيد، بحيث لا يسمع أنين لمظلوم أو محروم، ولا يعد ظل للحاجة والبؤس حسبما يريده الله في الارض لقد عنى الامام (ع) بازالة جميع أسباب التخلف والانحطاط، وتحقيق حياة كريمة يجد فيها الانسان جميع متطلبات حياته من الدعة والامن والرخاء والاستقرار، ونلمع فيما يلي إلى بعض مظاهرها : المساواة : اما المساواة بين الناس فهي من العناصر الذاتية في سياسة الامام (ع ) وقد تبناها في جميع أدوار حكومته، ورفع شعارها عاليا حتى عرف برائد العدل والمساواة في الارض، أما مظاهرها فهي : 1 - المساواة في الحقوق والواجبات . 2 - المساواة في العطاء . 3 - المساواة أمام القانون . وقد الزم الامام عماله وولاته بتطبيق المساواة بين الناس على اختلاف قومياتهم وأديانهم يقول (ع) في بعض رسائله إلى عماله : " واخفض للرعية جناحك، وابسط لهم وجهك، وألن لهم جنابك وآس بينهم في اللحظة والنظرة، والاشارة والتحية، حتى لا يطمع العظماء في حيفك، ولا يبأس الضعفاء من عدلك..." (24) . ولم تفتن في أي دين أو مذهب اجتماعي مثل هذه المساواة المشرقة التي تنشد كرامة الانسان وعزته، وتؤلف ما بين المشاعر والعواطف ، وتجمع الناس على صعيد من المحبة والاخاء . الحرية : أما الحرية عند الامام فهي من الحقوق الذاتية لكل انسان، ويجب أن تتوفر للجميع، شريطة أن لا تستغل في الاعتداء والاضرار بالناس . وكان من أبرز معالمها هي : الحرية السياسة : ونعني بها أن تتاح للناس الحرية التامة في اعتناق أي مذهب سياسي دون أن تفرض عليهم السلطة رأيا معاكسا لما يذهبون اليه، وقد منح الامام هذه الحرية بأرحب مفاهيمها للناس، وقد منحها لاعدائه وخصومه الذين تخلفوا عن بيعته كسعد بن أبي وقاص، و عبد الله بن عمر، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومسلمة بن مخلد، وأبي سعيد الخدري (25) وأمثالهم من أنصار الحكم المباد الذين كان يغدق عليهم عثمان بصلاته وهباته فلم يجبرهم الامام، ولم يتخذ معهم أي اجراء حاسم كما اتخذه أبوبكر ضده حينما تخلف عن بيعته . كان الامام يرى أن الناس أحرار، ويجب على الدولة أن توفر لهم حريتهم ما دام لم يخلوا بالامن، ولم يعلنوا التمرد والخروج على الحكم القائم وقد منح (ع) الحرية للخوارج ولم يحرمهم عطاءهم مع العلم أنهم كانوا يشكلون أقوى حزب معارض لحكومته، فلما سعوا في الارض فسادا ، واذاعوا الذعر والخوف بين الناس انبرى إلى قتالهم حفظا على النظام العام وحفظا على سلامة المواطنين، ويتفرع على هذه السياسة ما يلي : 1 - حرية القول : ومن مظاهر الحرية الواسعة التي منحها الامام للناس حرية القول ، وان كان في غير صالح الدولة ما لم يتعقبه فساد فالعقاب يكون عليه، فقد روى المؤرخون أن أبا خليفة الطائي لما رجع من النهروان التقى مع جماعة من اخوانه، وكان فيهم أبوالعيزار الطائي، وكان من الخوارج فقال لعدي بن حاتم : - يا أبا طريف أغانم سالم أم ظالم آثم ؟ - بل غانم سالم . - الحكم ذاك اليك . وأوجس منه خيفة الاسود بن زيد والاسود بن قيس فالقيا القبض عليه وجاءا به مخفورا إلى الامام، ونقلا له حديثه المنطوي على الشر والتمرد فقال (ع) لهما : - ما اصنع ؟ - تقتله . - أقتل من لا يخرج علي ؟ - تجسسه . - ليست له جناية، خليا سبيل الرجل (26) . ولم تمنح مثل هذه الحرية للمواطنين في جميع المذاهب الاجتماعية، فلم يحاسب الامام الناس على ما يقولون، وانما تركهم وشأنهم لهم حرية القول والفكر، ولم يفرض عليهم رقابة تحول بينهم وبين حرياتهم . 2 - حرية النقد : وكان من مظاهر الحرية السياسية التي منحها الامام للناس هي حرية النقد للحكم، وعدم التعرض للناقدين بسوء أو مكروه، يقول المؤرخون : انه كان يقرأ في صلاته وخلفه جماعة من اصحابه فقرأ أحدهم معارضا لقرائته " إن الحكم الا لله يقضي الحق وهو خير الفاصلين " فرد عليه الامام معارضا " فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخنفك الذين لا يوقنون ". ولم يتخذ معه أي اجراء وانما عفا عنه وخلى عن سبيله، لقد كان يرى للناس الحق في الحرية الواسعة، فلم يفرض على أحد امرا، ولم يستكره أحدا على الطاعة، ولم يرغم الناس على ما لا يحبون . هذه بعض مظاهر الحرية التي أعطاها الامام للناس في أيام حكمه ، وقد حققت العدل الاجتماعي والعدل السياسي بين الناس . العدل الشامل : وكان العدل الشامل هو الشعار الذي رفعه الامام عاليا وتبناه في جميع أدوار حكومته، فقد جهد نفسه على اقامة العدل ورفع مناره، وكان - فيما يقول المؤرخون - أول حاكم في الاسلام بنى بيتا للمظالم يضع فيه المظلومون والمعتدى عليهم رقاعا يذكرون فيها ما أصابهم من اعتداء أو مكروه، وكان بنفسه يتولى الاشراف عليها، فيأخذ لهم بحقهم، ويدفع عنهم غائلة ما أصابهم من أذى أو مكروه (27) . لقد عنى الامام عناية بالغة ببسط العدل ونشره بين الناس، وكان - فيما أجمع عليه المؤرخون - قد وجه جميع أجهزة حكومته للقضاء على الظلم وتدمير أصوله ومحو اثره، وقد قال (ع) : " الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه " وقد عزل أحد ولاته حينما أخبرته سودة بنت عمارة بانه قد جار في حكمه، فجعل الامام يبكي ويقول بحرارة : " اللهم أنت الشاهد علي وعليهم اني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك...". ثم عزله في الوقت(28) ونقل المؤرخون بوادر كثيرة من صور عدله بين الناس بما لم يشاهد له مثيل في جميع أدوار التاريخ . وحدة الامة : وجهد الامام كأكثر ما يكون الجهد والعناء على العمل على توحيد صفوف الامة ونشر الالفة والمحبة بين أبنائها، واعتبر الالفة الاسلامية من نعم الله الكبرى على هذه الامة يقول (ع) : " ان الله سبحانه قد امتن على جماعة هذه الامة فيما عقد بينهم من حبل هذه الالفة التي ينتقلون في ظلها ويأوون إلى كنفها، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة لانها أرجح من كل ثمن، وأجل من كل خطر " (29). وناهض كل من يدعو إلى التفرقة وتصديع الشمل، وأمر بأن يعلى وجهه بالسيف - على حد تعبيره - وقاوم العصبية التي هي من أسباب التفرقة والبغضاء بين الناس، ودعا إلى التعصب لمكارم الاخلاق يقول (ع) : " فان كان لابد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الافعال ومحاسن الامور التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء من بيوتات العرب ، ويعاسيب القبائل، بالاخلاق الرغيبة، والاحلام العظيمة، والاخطار الجليلة والآثار المحمودة، فتعصبوا لخلال الحمد، من الحفظ للجوار والوفاء بالذمام، والطاعة للبر، والمعصية للكبر، والاخذ بالفضل، والكف عن البغي، والاعظام للقتل، والانصاف للخلق، والكظم للغيظ، واجتناب الفساد في الارض " (30). لقد عنى الامام بوحدة الامة، وتبنى جميع الاسباب التي تؤدي إلى تماسكها واجتماع كلمتها، وقد حافظ على هذه الوحدة في جميع أدوار حياته فقد ترك حقه وسالم الخلفاء صيانة للامة من الفرقة والاختلاف . التربية والتعليم : ولم يعهد عن أحد من الخلفاء أنه عنى بالناحية التربوية أو بشؤون التعليم، كالامام امير المؤمنين وانما عنوا بالشؤون العسكرية، وعمليات الحروب وتوسيع رقعة الدولة الاسلامية، وبسط نفوذها على أنحاء العالم، ومن ثم كانت حقول التربية الدينية ضعيفة للغاية الامر الذي أدى إلى انتشار القلق الديني، وقلة الوعي الاسلامي، وكان من نتائجه ظهور الحركات الالحادية والمبادئ الهدامة في العصر الاموي والعباسي، كما كان من نتائجه شيوع الخلاعة والمجون في كثير من انحاء البلاد، أما بيوت الخلفاء والوزراء فكانت من مراكز اللهو والدعارة والتفسخ . وقد أولى الامام أمير المؤمنين (ع) المزيد من اهتمامه بهذه الناحية فاتخذ جامع الكوفة معهدا يلقي فيه محاظراته الدينية والتوجيهية، وكان يشغل أكثر أوقاته بالدعوة إلى الله، واظهار فلسفة التوحيد، وبث الآداب والاخلاق الاسلامية، مستهدفا من ذلك نشر الوعي الديني، وخلق جيل يؤمن بالله ايمانا عقائديا لا تقليديا، وكانت مواعظه تهز أعماق النفوس خوفا ورهبة من الله، وقد تربى في مدرسته جماعة من خيار المسلمين وصلحائهم أمثال حجر بن عدي، وميثم التمار، وكميل بن زياد وغيرهم من رجال التقوى والصلاح في الاسلام . وكانت وصاياه إلى ولديه الحسن والحسين (ع) وسائر تعاليمه من أهم الاسس التربوية في الاسلام، فقد قننت أصول التربية، ووضعت مناهجها على أسس تجريبية كانت من أثمن ما يملكه المسلمون في هذا المجال . أما التعليم فقد كان الامام (ع) هو المعلم والباعث للروح العلمية ، فهو الذي فتق أبواب العلوم في الاسلام كعلم الفلسفة والكلام، والتفسير والفقه والنحو وغيرها من العلوم التي تربو على ثلاثين علما، وإليه تستند ازدهار الحركة العلمية في العصور الذهبية في الاسلام حسب ما نص عليه المحققون . لقد كان الامام المؤسس الاعلى للعلوم والمعارف في دنيا الاسلام ، وقد بذل جميع جهوده على اشاعة العلم ونشر الآداب والثقافة بين المسلمين وكان دوما يذيع بين أصحابه قوله : " سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طرق السماء فاني أبصر بها من طرق الارض " . ومن المؤسف والمحزن - حقا - أنهم لم يستغلوا وجود هذا العملاق العظيم، فيسألوا منه عن حقيقة الفضاء والمجرات التي تسبح فيه، وغيرها من أسرار الطبيعة التي استمد معارفها من الرسول الاعظم (ص) لم يسألوا عن أي شئ من ذلك، وانما راحوا يهزؤن، وقد قال بعضهم بسخرية " كم طاقة في رأسي من شعر ؟ " . لقد عاش الامام غريبا في وسط ذلك المحيط الجاهل الذي لم يع أي شئ من أهدافه ومثله، ولم يعرف حق قيمته، ولم يثمن عبقرياته ومواهبه . وعلى أي حال فان الامام أقام حكومته علي تطوير الحياة الفكرية والعملية، وبث المعارف والآداب بين جميع الاوساط . ولاته وعماله : وأحتاط الامام أشد ما يكون الاحتياط في الولاة والعمال، فلم يستعمل أحدا على قطر من الاقطار الاسلامية أو يعهد اليه بعمل إلا بعد إحراز الثقة بدينه والكفاءة بقدراته الادارية، ولم يستعمل أحدا محاباة أو أثرة وانما استعمل خيار المسلمين وصلحاءهم أمثال مالك الاشتر ومحمد بن أبي بكر وسهل بن حنيف وحبر الامة عبد الله بن عباس ونظرائهم من الذين توفرت فيهم الخبرة التامة في شؤون الحكم والادارة، وقد زودهم برسائل مهمة عرض فيها لشؤون الحكم وسياسة الدولة، كما حددت من صلاحياتهم ومسؤولياتهم، وكان من أروع تلك الوثائق السياسية عهده لمالك الاشتر فقد حفل بتشريع ضخم لاصلاح الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وهو أرقى وثيقة سياسية تهدف إلى ارتقاء المجتمع، وتحقيق مصالحه ، ولولا الخروج عن الموضوع لوضعنا بنوده موضع التحليل . مراقبة الولاة : وكان - فيما أجمع عليه المؤرخون - يتفقد شؤون ولاته وعماله ، ويرسل العيون لتحري أعمالهم فان رأى منهم خيانة أو تقصيرا في واجبات أحد منهم عزله وأنزل به أقصى العقوبات، وقد بلغه ان ابن هرمة قد خان سوق الاهواز فكتب إلى عامله : " اذا قرأت كتابي فنح ابن هرمة عن السوق وأوقفه للناس، واسجنه وناد عليه، واكتب إلى أهل عملك تعلمهم رأيي فيه، ولا تأخذك فيه غفلة ولا تفريط فتهلك عند الله، وأعزلك أخبث عزلة - واعيذك منه - فاذا كان يوم الجمعة فاخرجه من السجن، واضربه خمسة وثلاثين سوطا، وطف به إلى الاسواق، فمن أتى عليه بشاهد فحلفه مع شاهده، وادفع إليه من مكسبه ما شهد به عليه، ومر به إلى السجن مهانا مقبوحا منبوحا " (31). انها صرامة العدل التي تحسم الخيانة، وتقضي على الرشوة، ولا تدع أي مجال للسرقة من الشعب... وقد تحرى كل بادرة تصدر من ولاته وقد بلغه أن عامله على البصرة قد دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فكتب اليه يلومه على ذلك، وقد حاء في رسالته : " أما بعد : يابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبه فاسرعت اليها تستطاب لك الالوان، وتنقل اليك الجنان، ـوما ظننت انك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه " (32). ان الانسانية على ما جربت من تجارب وبلغت من رقي وابداع في أنظمة الحكم والادارة فانها لم تستطع أن تنشأ مثل هذا النظام الذي يدعو الموظف إلى الترفع ورفض كل دعوة توجه إليه خوفا من تركه للحق واستجابته لدواعي الخيانة والغرور . اقصاء الانتهازيين : ولم يقرب الامام أحدا من الانتهازيين الذين لا يخلصون للحق، وانما يسعون وراء اطماعهم ومصالحهم، ولا يفقهون المصالح العامة فانهم عون للسلطة على الباطل لا على العدل، وكان المجتمع الكوفي يضم طائفة كبيرة منهم كالاشعث، وعمرو بن حريث، وشبث بن ربعي وأمثالهم من الذين ضربت مصالحهم في عهد الامام، فاتصلوا بحكومة دمشق ، وقاموا بدور العمالة لها، فراحوا يعقدون المؤامرات لافساد جيش الامام وشعبه مستهدفين من ذلك الاطاحة بحكومته... وقد كانوا - فيما يقول المؤرخون - قادة الجيش الذي اقترف أبشع جريمة في التاريخ، وهي قتل سيد الشهداء فقد أيقنوا انه اذا استتب له الامر فانه سيدمر مصالحهم فان سياسته انما هي امتداد لسياسة أبيه التي لا ظل فيها للخونة والمجرمين . ابعاد الطامعين : ويرى الامام ان الامارة وسيلة من وسائل الاصلاح الاجتماعي لا يجوز أن تمنح إلا للمتحرجين في دينهم الذين لا يخضعون للرغبات والاهواء ، ويجب ان تستغل لتحقيق ما ينفع الناس، فلا يجوز ان تمنح اثرة أو محاباة يقول (ع) في رسالته لقاضيه رفاعة بن شداد : " واعلم يا رفاعة ان هذه الامارة أمانة فمن جعلها خيانة فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة ومن استعمل خائنا فان محمدا (ص) برئ منه في الدنيا والآخرة " (33). وكان (ع) اذا شعر من أحد أن له ميلا أو هوى في الامارة فلا يرشحه لها لانه يتخذ الحكم وسيلة لتحقيق مآربه وأطماعه، ولما أعلن طلحة والزبير عن رغبتهما الملحة في الولاية امتنع عن اجابتهما، واستدعى عبد الله بن عباس فقال له : - بلغك قول الرجلين - يعني طلحة والزبير - - نعم أرى انهما احبا الولاية فول البصرة الزبير، وول طلحة الكوفة . فانكر عليه الامام رأيه، وقال له : " ويحك ! ! إن العراقين - أي البصرة والكوفة - بهما الرجال والاموال، ومتى تملكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقويا على القوي بالسلطان، ولو كنت مستعملا أحدا لضره ونفعه لاستعملت معاوية على الشام ولولا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي..." (34). من أجل هذه النقاط الحساسة امتنع أن يوليهما على العراقين... ان الامارة وسائر المناصب في جهاز الدولة لا يجوز عند الامام ان تمنح إلا للذوات الزكية التي تعمل لصالح الامة ولا تتخذ الحكم مغنما وسلما للثراء وسائر المنافع الشخصية. الصراحة والصدق : والشئ البارز في سياسة الامام أمير المؤمنين (ع) هو التزام الصراحة والصدق في جميع شؤونه السياسية فلم يوارب، ولم يخادع، وانما سلك الطريق الواضح الذي لا التواء فيه وسار على منهاج ابن عمه رسول الله (ص ) ولزم سمته وهديه، ومضى على طريقته، وواكب جميع خطواته، ولو أنه التزم بالاعراف السياسية التي تبيح وسائل الغدر والنفاق في سبيل الوصول إلى الحكم لما آلت الخلافة إلى عثمان، فقد ألح عليه عبد الرحمان بن عوف أن يبايعه شريطة أن يسير على سيرة الشيخين فامتنع من اجابته وصارحه أنه يسوس الامة على ضوء كتاب الله الذي وعاه، وعلى ضوء سنة الرسول صلى الله عليه وآله وليس غيرهما رصيد يعتمد عليه في عالم التشريع والسياسة في الاسلام، ويقول (ع) : " لو لا ان المكر والخداع في النار لكنت أمكر الناس " . لقد أبى ضميره الحي المترع بتقوى الله وطاعته ان يخادع أو يمكر في سبيل الوصول إلى الحكم الذي كان من أزهد الناس فيه، وكان كثيرا ما يتنفس الصعداء من الآلام المرهقة التي كان يعانيها من خصومة وهو يقول : " واويلاه، يمكرون بي، ويعلمون أني بمكرهم عالم، واعرف منهم بوجوه المكر، ولكني أعلم ان المكر والخديعة في النار فاصبر على مكرهم ولا ارتكب مثل ما ارتكبوا..." (35) . وأنكر على من قال فيه : إنه لا دراية له بالشؤون السياسية، وان معاوية خبير بها، فقال (ع) : " والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس " (36) . وتحدث عليه السلام عن الوسائل المنكرة التي يعتمد عليها بعض الناس في سبيل الوصول إلى أهدافهم من الغدر وما شاكله من المكر والنفاق ، وأنكر على الذين يبررون هذه الوسائل ويصفونها بحسن الحيلة فقال (ع) : " ولا يغدر من علم كيف المرجع، ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، مالهم قاتلهم الله ! ! قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين.." . على هذا الخلق بنى الامام سياسته التي أضاءت في دنيا الاسلام ، وكان السبب في خلوده، واعتزاز الانسانية به في جميع الاجيال والآباد . وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض المثل العليا في سياسة الامام، وهي - من دون شك - تنشد الاهداف الاصيلة التي رفع شعارها الاسلام ، ولكن لم يفقها ذلك الجيل الذي تعود على الاثرة، وتعود على الاستغلال فلذلك لم يكتب لها النجاح . مع الامام الحسين : وامتزجت عواطف الامام امير المؤمنين بعواطف ولده الحسين ، وتفاعلت روحه مع روحه حتى صار صورة فذة عنه تحكي واقعة وهديه . لقد أفاض الامام جميع ذاتياته في نفس ولده الحسين، ومنحه حبه واخلاصه، وزوده بأروع حكمه وآدابه، وقد بلغ من عظيم حبه أنه لم يسمح له بالدخول في عمليات الحروب أيام صفين كما لم يسمح لاخيه الحسن بذلك لئلا ينقطع بموتهما نسل رسول الله (ص)، وقد انطبعت مثل الامام وسائر اتجاهاته الفكرية في نفس الحسين فكان كأبيه في ثورته على الظلم والباطل، ومناهضته للبغي والجور، وتفانيه في سبيل الحق والعدل وتنبيه لجميع وسائل الاصلاح والخير . لقد كان كأبيه في بسالته وصموده، وعزة نفسه، وأبائه، وشممه وقد اعترف بهذه الظاهرة اعداؤه يوم الطف فانهم لما عرضوا عليه الاستسلام لابن مرجانة، والخضوع لارادته، قال بعضهم : إنه لا يستجيب لكم فان نفس أبيه بين جنبيه، لقد كانت نفس أبيه عملاق هذه الامة ورائدها الاعلى إلى العزة والكرامة ماثلة بجميع مظاهرها ومقوماتها في نفس الامام الحسين حتى كأنه لم يعد هناك تعدد في الوجود بين الاب وولده، فكانا معا من ألمع من تعتز بهما الانسانية في جميع الاجيال. اخبار الامام بمقتل الحسين : واشاع الامام بين الناس مقتل ولده الحسين، كما أشاع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أدلى الامام بذلك في كثير من المناسبات، وهذه بعضها : 1 - روى عبد الله بن يحيى (37) عن ابيه انه سافر مع علي إلى صفين، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذوا نينوى، تأثر الامام، ورفع صوته قائلا : " صبرا أبا عبد الله، صبرا أبا عبد الله، بشط الفرات ! " . فذهل يحيى، وانبرى يقول : " من ذا أبو عبد الله ؟ " . فاجابه الامام وقلبه يتقطع الما وحزنا قائلا : " دخلت على رسول الله (ص) وعيناه تفيضان، فقلت يا نبي الله اغضبك أحد ؟ ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال : قام من عندي جبرئيل فحدثني ان الحسين يقتل بشط الفرات، وقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قال : قلت : نعم فقبض قبضة فاعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا " (38) . 2 - حدث هرثمة بن سليم قال : عزونا مع علي بن أبي طالب غزوة صفين، فلما نزلنا بكربلا صلى بنا صلاة، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال : " واها لك أيتها التربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب " . وبهر هرثمة. وظل حديث الامام يراوده في كل فترة، وكان منكرا له فلما رجع إلى زوجته جرداء بنت سمير، وكانت شيعة لعلي حدثها بما سمعه من الامام، فقالت له : " دعنا منك أيها الرجل فان أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا " . ولم تمض الايام حتى بعث ابن زياد بجيوشه لحرب ريحانة رسول الله وكان فيهم هرثمة فلما انتهى إلى كربلا ورأى الحسين واصحابه تذكر قول الامام أمير المؤمنين فكره حربه، وأقبل على الامام الحسين، وأخبره بما سمعه من أبيه، فقال له الامام : - معنا أنت أو علينا ؟ - لا معك، ولا عليك، تركت أهلي وولدي، وأخاف عليهم من ابن زياد . فنصحه الامام، وقال له : " ول هاربا حتى لا ترى لنا مقتلا، فوالذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل، ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار.." . وانهزم هرثمة من كربلا ولم يشهد مقتل الامام الحسين (39) . 3 - وروى أبوجعفة قال : جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب فسأله وأنا أسمع، فقال : حديث حدثتنيه عن علي بن أبي طالب قال : نعم، بعثني مخنف بن سليم إلى علي فاتيته بكربلا فوجدته يشير بيده ويقول : " هاهنا، هاهنا " . فبدر اليه رجل فقال له : " ما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ " . قال (ع) : " ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم، وويل لكم منهم " . ولم يعرف الرجل معنى كلامه، فقال : " ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين ؟ ! ! " . فقال (ع) : " ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار " (40). 4 - روى الحسن بن كثير عن أبيه أن عليا أتى كربلاء فوقف بها فقيل له : " يا أمير المؤمنين هذه كربلاء " . فاجاب والالم يحز في نفسه قائلا : " ذات كرب وبلاء، ثم أومأ بيده إلى مكان فقال : هاهنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم، وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال : هاهنا مهراق دمائهم " (41). 5 - روى أبوهريمة قال : كنت مع علي بنهر كربلا فمر بشجرة تحتها بعر غزلان فأخذ من التراب قبضة فشمها، ثم قال : " يحشر من هذا الظهر سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب " (42). 6 - روى أبوخيرة قال : صحبت عليا حتى أتى الكوفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : - كيف أنتم إذا نزل بذرية نبيكم بين ظهرانيكم ؟ - إذا نبلي الله فيهم بلاءا حسنا . فاجابهم الامام : " والذي نفسي بيده لينزلن بين ظهرانيكم، ولتخرجن اليهم فلتقتلنهم ثم أقبل يقول : هم أوردوه بالغرور وغردوا * اجيبوا دعاه لا نجاة ولا عذرا (43) 7 - روى الطبراني بسنده عن علي انه قال : " ليقتلن الحسين ، واني لاعرف التربة التي يقتل فيها بين النهرين " (44) . 8 - روى ثابت عن سويد بن غفلة أن عليا (ع) خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره، فقال : يا أمير المؤمنين إني مررت بوادي القرى، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له فقال (ع) : " والله ما مات ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن حمار " . فقام اليه رجل ورفع عقيرته قائلا : " يا أمير المؤمنين، أنا حبيب بن حمار، واني لك شيعة ومحب " . فقال الامام : " أنت حبيب بن حمار ؟ " . " نعم " . وكرر الامام قوله : " أنت حبيب " وهو يقول : نعم، فقال (ع) : " اي والله إنك لحاملها، ولتحملنها، ولتدخلن من هذا الباب - واشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة -.." . قال ثابت : والله ما مت حتى رأيت ابن زياد، وقد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي، وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته، وحبيب ابن حمار صاحب رايته فدخل بها من باب الفيل (45) . 9 - وخطب الامام أمير المؤمنين فكان من جملة خطابه : " سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فئة تضل مائة، أو تهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها وسائقها، ولو شئت لاخبرت كل واحد منكم بمخرجه ومدخله، وجميع شأنه " فانبرى إليه الوغد الخبيث تميم بن اسامة التميمي فقال ساخرا ومستهزءا : " كم في رأسي طاقة شعر ؟.." . فرمقه الامام بطرفه وقال له : " أما والله إني لاعلم ذلك، ولكن أين برهانه لو اخبرتك به : ولقد اخبرتك بقيامك ومقالك، وقيل لي : إن على كل شعرة من شعر رأسك ملكا يلعنك، وشيطانا يستفزك، وآية ذلك أن في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله (ص)، ويحض على قتله...". يقول ابن أبي الحديد : " فكان الامر بموجب ما أخبر به عليه السلام كان ابنه حصين - بالصاد المهملة - يومئذ طفلا صغيرا يرضع اللبن، ثم عاش إلى ان صار على شرطة عبيدالله بن زياد، وأخرجه عبيدالله إلى عمرو بن سعد يأمره بمناجزة الحسين ويتوعده على لسانه إن أرجأ ذلك ، فقتل (ع) صبيحة اليوم الذي ورد فيه الحصين بالرسالة في ليلته " (46) . 10 - قال (ع) للبراء بن عازب : " يا براء أيقتل الحسين وأنت حي فلا تنصره ؟ ! " فقال البراء : لا كان ذلك يا أمير المؤمنين، ولما قتل الحسين ندم البراء وتذكر مقالة الامام أمير المؤمنين فكان يقول : " إعظم بها حسرة إذ لم أشهده وأقتل دونه " (47) . 11 - قال أمير المؤمنين : " كأني بالقصور وقد شيدت حول قبر الحسين (ع) وكأني بالاسواق وقد حفت حول قبره، ولا تذهب الايام والليالي حتى يسار اليه من الآفاق، وذلك بعد انقطاع بني مروان " (48) . وتحقق ما أخبر به الامام أمير المؤمنين (ع) الذي هو باب مدينة علم النبي (ص) ومستودع أسراره وحكمته، فانه لم تكد تنقرض الدولة الاموية حتى ظهر مرقد ريحانة رسول الله (ص) وأصبح حرم الله الاكبر الذي تهفو اليه قلوب المؤمنين، وتتلهف على زيارته ملايين المسلمين، وتشد اليه الرحال من كل فج عميق، فالسعيد السعيد الذي يحضى بالتبرك بزيارته ويلثم أعتاب مرقده . لقد أصبح مرقده العظيم عند المسلمين وغيرهم رمزا للكرامة الانسانية ومنارا مشرقا لكل تضحية تقوم على الحق والعدل، وعنوانا فذا لاقدس ما يشرف به هذا الحي من بين سائر الاحياء في جميع الاعصار والآباد . وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الحلقة الاولى من هذا الكتاب، ونستقبل الامام الحسين (ع) في الحلقة الثانية وهي تعرض للاحداث الرهيبة التي منيت بها الخلافة الاسلامية في عهد الامام علي (ع)، والتي امتحن بها المسلمون امتحانا عسيرا، فقد ادت إلى خذلانه، واجبار الامام الحسن على التنازل عن الخلافة وتسلط الطغمة الاموية على رقاب المسلمين، واخضاعهم للذل، وارغامهم على ما يكرهون، وتدميرهم للقيم العليا التي جاء هذا الدين ليقيمها في ربوع الارض .
(1) تاريخ ابن الاثير 3 / 80. (2) نهج البلاغة محمد عبده 1 / 182 . (3) أنساب الاشراف 5 / 7 . (4) عرف الضبع : الشعر الكثير الذي يكون على عنق الضبع يضرب به المثل في كثرة الازدحام. (5) شق عطفاي : أراد به خدش جانبيه من كثرة زحام الناس عليه للبيعة . (6) ربيضة الغنم : الطائفة الرابضة، يصف جثومهم بين يديه . (7) أنساب الاشراف ج 1 ق 1 (157). (8) العقد الفريد 3 / 93. (9) أنساب الاشراف 5 / 22 . (10) هدج : الشيخ الكبير الذي يمشي في ارتعاش . (11) حياة الامام الحسن 1 / 376، الطبعة الثالثة . (12) أنساب الاشراف ج 1 ق 1. (13) حياة الامام الحسن 1 / 343 الطبعة الثانية . (14) الغدير 8 / 288. (15) شرح النهج . (16) شرح النهج 4 / 108. (17) شرح النهج 16 / 36 . (18) حياة الامام الحسن 1 / 341. (19) نهج البلاغة محمد عبده 25 / 10 . (20) شرح ابن أبي الحديد 1 / 180. (21) نهج البلاغة محمد عبده 3 / 106. (22) شرح ابن أبي الحديد 10 / 250 . (23) الطبري 1 / 5 / 2600، وجاء فيه ان عمرو بن حريث كان أكثر أهل الكوفة مالا. (24) نهج البلاغة محمد عبده 2 / 10. (25) حياة الامام الحسن 2 / 383. (26) شرح النهج 3 / 73. (27) صبح الاعشى . (28) العقد الفريد 1 / 211. (29) نهج البلاغة محمد عبده 2 / 180 . (30) نهج البلاغة 2 / 175. (31) البحار 16 / 26. (32) نهج البلاغة محمد عبده 3 / 78. (33) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة 5 / 33 . (34) الامامة والسياسة 1 / 52. (35) جامع السعادات 1 / 202. (36) نهج البلاغة 20 / 206. (37) وفي الطبراني روى عبد الله بن نجي. (38) تاريخ ابن عساكر 13 / 57 - 58، المعجم الكبير للطبراني رواه في ترجمته للامام الحسين. (39) وقعة صفين (ص 157) نهج البلاغة 3 / 170 . (40) وقعة صفين (ص 158). (41) وقعة صفين (ص 158)، نهج البلاغة 3 / 169 . (42) مجمع الزوائد 9 / 191 . (43) مجمع الزوائد 9 / 191 مجمع الكبير للطبراني . (44) مجمع الزوائد 9 / 190 معجم الكبير للطبراني. (45) شرح النهج 2 / 286. (46) شرح النهج 10 / 14 . (47) شرح النهج 10 / 15 . (48) مسند الامام زيد (ص 47). |