مع القاسطين والناكثين
وفزعت القبائل القرشية كاشد ما يكون الفزع هولا من حكومة الامام وأيقنت أن جميع مخططاته السياسية والاقتصادية إنما هي امتداد ذاتي للاتجاهلات الفكرية والاجتماعية عند الرسول الاعظم (ص) الذي أطاح بغلوائهم، وكبريائهم، وحطم حياتهم الاقتصادية القائمة على الربا والاحتكار والاستغلال ومما زاد في فزعهم القرارات الحاسمة التي أعلنها الامام فور انتخابه للحكم والتي كان منها اقصاء ولاة عثمان عن جميع مراكز الدولة، ومصادرة جميع ما نهبوه من الخزينة المركزية، كما اضطربوا من اعلان الامام (ع) للمساواة العادلة بين جميع الشعوب الاسلامية، مساواة في الحقوق، والواجبات، ومساواة في كل شئ، وقد هالهم ذلك فكانوا يرون أن لهم التفوق على بقية الشعوب، ولهم امتيازات خاصة على بقية الناس. لقد ورمت آناف القرشيين وسائر القوى المنحرفة عن الحق من حكومة الامام فاجمع رايهم على اعلان العصيان المسلح، واشعال نار الحرب في البلاد للاطاحة بحكومته التي اتخذت الحكم وسيلة للاصلاح الاجتماعي، وتطوير حياة الانسان، وأول الحروب التي اثيرت على الامام هي حرب الجمل، وأعقبها حرب صفين ثم حرب النهروان، وقد وضعت تلك الحروب الحواجز والسدود أمام حكمه الهادف الى رفع مستوى القيم الانسانية، والقضاء على جميع ألوان التاخر في البلاد. ويقول الرواة ان الرسول (ص) قد أحاط الامام علما بما يمنى به في عهد خلافته من تمرد بعض الفئات عليه، وقد عهد اليه بقتالهم وقد أسماهم الناكثين والقاسطين والمارقين(1) ولا بد لنا أن نعرض - بايجاز – لهذه الحروب التي تصور لنا الحياة السياسية والفكرية في ذلك العصر الذي اترعت فيه عواطف الكثيرين بحب الملك والسلطان كما تصور لنا الاحقاد التي تكنها القبائل القرشية على الامام، ومن المقطوع به أن هذه الاحداث قد ساهمت مساهمة ايجابية في خلق كارثة كربلاء فقد نشرت الاوبئة الاجتماعية وخلقت جيلا انتهازيا، لا ينشد إلا مطامعه الخاصة، وفيما بلي ذلك : الناكثون : وهم الذين نكثوا بيعتهم، وخاسوا ما عاهدوا عليه الله في التضحية والطاعة للامام، فانسابوا في ميادين الباطل وساحات الضلال، وتمرسوا في الاثم، وقد أجمع فقهاء المسلمين على تاثيمهم إذ لم يكن لهم أي مبرر في الخروج على السلطة الشرعية التي تبنت المصالح العامة، وأخذت على عاتقها أن تسير بين المسلمين بالحق المحض والعدل الخالص وتقضي على جميع أسباب التخلف في البلاد.اما اعلام الناكثين فهم طلحة والزبير، والسيدة عائشة بنت ابي بكر، ومروان بن الحكم، وسائر بني امية، وغيرهم من الذين ضاقوا ذرعا من عدل الامام، ومساواته. دوافع التمرد : والشئ المحقق انه لم تكن للناكثين أية اهداف اجتماعية، وانما دفعتهم مصالحهم الخاصة لنكث بيعة الامام، فطلحة والزبير قد خفا إليه بعد ان تقلد الخلافة يطلبان منحهما ولاية البصرة والكوفة، فلما خبا املهما اظهرا السخط، وخفا الى مكة لاعلان الثورة عليه، وتمزيق شمل المسلمين وقد أدلى الزبير بتصريح أعرب فيه عن أهدافه، فقد أقبل إليه وإلى طلحة رجل فقال لهما :" إن لكما صحبة وفضلا فاخبراني عن مسيركما وقتالكما أشئ أمركما به رسول الله (ص) ؟ وسكت طلحة، وأما الزبير فقال : " حدثنا أن ها هنا بيضاء وصفراء - يعني دراهم ودنانير – فجئنا لناخذ منها.."(2) من أجل الظفر بالمنافع المادية أعلن الشيخان تمردها على حكومة الامام . وأما السيدة عائشة فانها كانت تروم ارجاع الخلافة الى اسرتها، فهي أول من قدح زناد الثورة على عثمان، وأخذت تلهب المشاعر والعواطف ضده وكانت تقول : " اقتلوا نعثلا فقد كفر " وقد جهدت على ترشيح طلحة للخلافة وكانت تشيد به في كل مناسبة إلا أنها أخيرا استجابت لعواطفها الخاصة المترعة بالود والحنان لابن أختها عبد الله بن الزبير فرشحته لامارة الصلاة وقدمته على طلحة. وأما بنو أمية فقد طلبوا من الامام ان يضع عنهم ما أصابوا من المال في أيام عثمان، فرفض الامام أن يضع عنهم ما اختلفوه من أموال الامة فاظهروا له العداء، وعملوا على اثارة الفتنة والخلاف. وعلى أي حال فانه لم تكن للناكثين نزعة اصلاحية أو دعوة إلى الحق وإنما كانت بواعثهم الانانية والاطماع، والاحقاد على الامام الذي هو نفس رسول الله (ص) وباب مدينة علمه . خديعة معاوية للزبير : وأيقن معاوية باهداف الزبير وطلحة، فقام بدوره في خديعتهما واغرائهما ليتخذهما سلما يعبر عليهما لتحقيق أهدافها وماربه، فقد كتب الى الزبير رسالة جاء فيها :" لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك، أما بعد : فاني قد بايعت لك أهل الشام فاجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب، فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب فانه لا شئ بعد هذين المصرين، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك، فاظهروا الطلب بدم عثمان، وادعوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجد والتشمير أظفركما الله وخذل مناوئكما...". ولما وصلت هذه الرسالة إلى الزبير لم يملك اهابه من الفرح والسرور وخف الى طلحة فاخبره بذلك فلم يشكا في صدق نيته واخلاصه لهما، وتحفزا إلى اعلان الثورة على الامام، واتخذا دم عثمان شعارا لهما (3). مؤتمر مكة : وخف المتامرون الى مكة فاتخذوها وكرا لدسائسهم التخريبية الهادفة لتقويض حكم الامام وقد وجدوا في هذا البلد الحرام تجاوبا فكريا مع الكثيرين من أبناء القبائل القرشية التي كانت تكن في أعماق نفسها الكراهية والحقد على الامام لانه قد وتر الكثيرين منهم في سبيل الاسلام.وعلى أي حال فقد تداول زعماء الفتنة الاراء في الشعار الذي يتبنونه والبلد الني يغزونها، وسائر الشؤون الاخرى التي تضمن لثورتهم النجاح. قرارات المؤتمر : واتخذ أعضاء المؤتمر بالاجماع القرارات التالية، وهي:1 - أن يكون شعار المعركة دم عثمان، والمطالبة بثاره لانه قتل مظلوما، واستباح الثوار دمه بعد توبته بغير حق، لقد رفعوا قميص عثمان شعارا لهم فكان شعارا للتمرد وشعارا للرأسمالية القرشية التي طغت في البلاد. 2 - تحميل الامام علي (ع) المسؤولية في اراقة دم عثمان لانه آوى قتلته، ولم يقتص منهم. 3 - الزحف الى البصرة واحتلالها، واتخاذها المركز الرئيسي للثورة لان لهم بها حزبا وأنصارا، وقد أعرضوا عن الزحف الى يثرب لان فيهما الخليفة الشرعي، وهو يتمتع بالقوى العسكرية التي لا قابلية لهم عليها، كما أعرضوا عن التزوج الى الشام لان الامويين لم يستجيبوا لهم، لانها كانت تحت قبضتهم، فخافوا عليها من التصدع الاحتلال. تجهيز الجيش بالاموال المنهوبة : وجهز يعلي بن امية جيش عائشة بالاموال التي نهبها من بيت المال حينما كان واليا على اليمن أيام عثمان، ويقول المؤرخون إنه أمد الجيش بستمائة بعير، وبستمائة ألف درهم(4) وأمدهم عبد الله بن عامر والي عثمان على البصرة بمال كثير(5) كان قد اختلسه من بيت المال، ولم يتحرج أعضاء القيادة العسكرية العامة في جيش عائشة من هذه الاموال المحرمة . الخطاب السياسي لعائشة : وخطبت عائشة في مكة خطابا سياسيا حملت فيه المسؤولية في اراقة دم عثمان على الغوغاء فهم الذين سفكوا الدم الحرام في الشهر الحرام، وقد قتلوا عثمان بعد ما اقلع عن ذنوبه وأخلص في توبته، ولا حجة لهم فيها اقترفوه من سفك دمه(6)، وقد كان خطابها فيما يقول المحققون حافلا بالمغالطات السياسية، فان الغوغاء لم يسفكوا دمه، وإنما سفك دمه الذين رفعوا علم الثورة عليه، وفي طليعتهم كبار الصحابة كعمار بن ياسر وأبي ذر وعبد الله بن مسعود وطلحة والزبير، وكانت هي بالذات من أشد الناقمين عليه فقد اشتدت في معارضته، وأفتت في قتله وكفره فقالت :" اقتلوا نعثلا فقد كفر " فاي علاقة للغوغاء باراقة دمه ؟ وأما توبته فان عثمان أعلن غير مرة عن تراجعه عن أحداثه إلا أن بني أمية كانوا يزجونه في مخططاتهم السياسية فيعود الى سياسية الاولى، ولم يقلع عنها حتى قتل . وعلى أي حال فقد كان خطابها أول بادرة لاعلان العصيان المسلح على حكومة الامام وكان الاولى بعائشة بحسب مكانتها الاجتماعية أن تدعو إلى وحدة الصف وجمع كلمة المسلمين، وان تقوم بالدعم الكامل لحكومة الامام التي تمثل أهداف النبي (ص) وما تصبوا إليه الامة من العزة والكرامة . عائشة مع أم سلمة : ومن الغريب حقا أن تخف عائشة إلى أم سلمة تطلب منها القيام بمناجزة الامام مع علمها بما تكنه من الولاء والتقدير له الامر الذي دل على عدم خبرتها بالاتجاهات الفكرية لضراتها من أزواج النبي (ص) ولما قابلتها خاطبتها بناعم القول قائلة :" يا بنت أبي امية أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله (ص) وأنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله يقسم من بيتك، وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك.." ورمقتها أم سملة بطرفها، وقالت لها بريبة : " لامر ما قلت هذه المقالة ؟ " فاجابتها عائشة مخادعة : " ان القوم استتبابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في الشهر الحرام ، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة، ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله يصلح هذا الامر على أيدينا. " وأسدت لها أم سلمة النصيحة وذكرتها بموافقها مع عثمان ونقمتها عليه وحذرتها من الخروج على ابن عم رسول الله (ص) قائلة : " يا بنت أبي بكر بدم عثمان تطلبين ؟ ! ! والله لقد كنت من أشد الناس عليه، وما كنت تسميه الا نعثلا، فمالك ودم عثمان ؟ وعثمان رجل من بني عبد مناف وأنت امراة من بني تيم بن مرة، ويحك يا عائشة!! أعلى علي وابن عم رسول الله (ص) تخرجين وقد بايعه المهاجرون والانصار ؟..." وجعلت أم سلمة تذكر عائشة فضائل علي وماثره وقرب منزلته من رسول الله وكان عبد الله بن الزبير يسمع حديثها فغاظه ذلك، وخلاف أن تصرف عائشة عن عزمها فصاح بها : " يا بنت أبي أمية، إننا قد عرفنا عداوتك لال الزبير ". فنهرته أم سلمة وصاحت به : " والله لتوردنها ثم لا تصدنها أنت ولا أبوك ! ! أتطمع أن يرضى المهاجرون والانصار بابيك الزبير وصاحبه طلحة، وعلي بن أبي طالب حي وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة " . فقال لها ابن الزبير : ما سمعنا هذا من رسول الله (ص) ساعة قط " . فقالت أم سلمة : " إن لم تكن أنت سمعته فقد سمعته خالتك عائشة، وها هي فاسالها قد سمعته (ص) يقول : " علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي من عصاه فقد عصاني " أتشهدين يا عائشة بهذا أم لا ؟..". فلم يسع عائشة الانكار وراحت تقول : " اللهم نعم..". ومضت أم سلمة في نصيحتها لعائشة قائلة : " اتق الله يا عائشة في نفسك، واحذر ما حذرك الله ورسوله، ولا تكون صاحبة كلاب الحواب، ولا يغرنك الزبير وطلحة فانهما لا يغنيان عنك من الله شيئا..." (7) . ولم تع عائشة نصيحة أم سلمة، واستجابت لعواطفها، وأصرت على مناجزة الامام . وكتبت أم سلمة بجميع الاحداث التي جرت في مكة الى الامام (ع ) واحاطته علما باعضاء الفتنة (8) . الزحف الى البصرة : وتحركت كتائب عائشة صوب البصرة، ودق طبل الحرب، ونادى المتمردون بالجهاد، وقد تهافت ذوو الاطماع والحاقدون على الامام الى الالتحاق بجيش عائشة، قد رفعوا أصواتهم بالطلب بدم عثمان الذي سفكه طلحة والزبير وعائشة، واتجهت تلك الجيوش لتشق كلمة المسلمين، وتغرق البلاد بالثكل والحزن والحداد . عسكر : وسار موكب عائشة في البيداء يجد السير، فصادفهم العرني صاحب عسكر فعرض له راكب فقال له:- يا صاحب الجمل أتبيع جملك ؟ . - نعم . - بكم . بالف درهم . - ويحك ! !..أمجنون أنت جمل يباع بالف درهم ؟ - نعم جملي هذا. فما طلبت عليه أحدا قط إلا أدركته، ولا طلبني وأنا عليه أحد قط الا فته... " لو تعلم لمن نريده لاحسنت بيعتنا " " لمن تريده ؟ " " لأمك " . " لقد تركت أمي في بيتها قاعدة ما تريد براحا " . " إنما أريده لام المؤمنين عائشة " . " هو لك خذه بغير ثمن " . " ارجع معنا لك الرحل فلنعطك ناقة مهرية، ونزيدك دراهم " . فقفل معهم فاعطوه الناقة واربعمائة درهم أو ستمائة درهم، وقدم عسكر إلى عائشة فاعتلت عليه (9)، وقد أصبح كعجل بني اسرائيل فقطعت الايدي، وأزهقت الانفس واريقت الدماء من حوله . الحوأب : وسارت قافلة عائشة فاجتازت على مكان يقال له (الحواب) فتلقت الركب كلاب الحي بهرير وعواء فذعرت عائشة، فالتفت إلى محمد بن طلحة فقالت له :- أي ماء هذا يا محمد ؟ - ماء الحوأب يا أم المؤمنين . فهتفت وهي تلهث : - ما أراني إلا راجعة . - لم يا أم المؤمنين ؟ - سمعت رسول الله يقول لنسائه : كاني باحداكن قد نبحتها كلاب الحوأب وإياك أن تكوني أنت يا حميراء (10). - تقدمي رحمك الله ودع هذا القول . فلم تبرح من مكانها، وطاقت بها الهموم والالام، وأيقنت بضلالة قصدها، وذعرت القيادة العسكرية من توقف عائشة التي اتخذوها قبلة لهم يغرون بها السذج والبسطاء فخفوا اليها في دهشة قائلين: " يا أمه " . فقطعت عليهم الكلاب وراحت تقول بنبرات ملؤها الاسى والحزن . " أنا والله صاحبة كلاب الحواب..ردوني، ردوني " . وأسرع إليها ابن اختها عبد الله بن الزبير كانه ذئب فانهارت امامه ، واستجابت لعواطفها، ولولاه لارتدت على عقبيها الى مكة فجاء لها بشهود اشترى ضمائرهم فشهدوا عندها أنه ليس بماء الحواب وهي أول شهادة زور تقام في الاسلام(11) فاقلعت عن فكرتها واخذت تقود الجيوش لحرب وصي رسول الله (ص) وباب مدينة علمه . في ربوع البصرة : ودهمت جيوش عائشة اهل البصرة فملئت قلوبهم ذعرا وفزعا ، وخوفا، فقد احاطت ببلدهم القوات العسكرية التي تنذر باحتلال بلدهم وجعلها منطقة حرب، وعصيان على الخليفة الشرعي، وانبرى حاكم البصرة عثمان بن حنيف وهو من ذوي الادارة والحزم والحريجة في الدين، فبعث أبا الاسود الدؤلي الى عائشة يسالها عن سبب قدومها الى مصرهم، ولما مثل عندها قال لها .- ما أقدمك يا أم المؤمنين ؟ - اطلب بدم عثمان . - ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد . - صدقت، ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة، وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله، انغضب لكم من سوط عثمان، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم . ورد عليها أبو الاسود قائلا : " ما أنت من السوط والسيف، انما أنت حبيسة رسول الله (ص) أمرك أن تقري في بيتك وتتلي كتاب ربك، وليس على النساء قتال ، ولا لهن الطلب بالدماء، وان عليا لاولى منك، وأمس رحما، فانهما ابنا عبد مناف ". ولم تذعن لقوله، وراحت مصرة على رايها قائلة : " لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه، أفنظن أبا الاسود أن أحدا يقدم على قتالي ؟ ! ! " . وحسبت أنها تتمتع بحصانة لعلاقتها الزوجية من النبي (ص) فلا يقدم أحد على قتالها، ولم تعلم أنها أهدرت هذه الحرمة ولم ترع لها جانبا فاجابها أبو الاسود بالواقع قائلا : " أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد " . ثم انعطف أبو الاسود صوب الزبير فذكره بماضي ولائه للامام وقربه منه قائلا . " يا أبا عبد الله عهد الناس بك، وأنت يوم بويع أبو بكر آخذا بقائم سيفك تقول : لا أحد أولى بهذا الامر من ابن أبي طالب، وأين هذا المقام من ذاك ؟ " فاجابه الزبير بما لم يؤمن به قائلا : " نطلب بدم عثمان " . " أنت وصاحبك وليتماه فيما بعد " . ولان الزبير واستحباب لنصيحة أبي الاسود الا انه طلب منه مواجهة طلحة وعرض الامر عليه، فاسرع أبو الاسود تجاه طلحة وعرض عليه النصيحة فابى من الاستجابة وأصر على الغي والعدوان (12) ورجع أبو الاسود من وفادته التي اخفق فيها فاحاط ابن حنيف علما بالامر فجمع أصحابه وخطب فيهم وقال : " أيها الناس، انما بايعتم الله، يد الله فوق أيديهم، فمن نكث فانهما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما والله لو علم علي أحدا أحق بهذا الامر منه ما قبله، ولو بايع الناس غيره لبايع، وأطاع وما به الى أحد من صحابة رسول الله (ص) حاجة وما باحد عنه غنى، ولقد شاركهم في محاسنهم، وما شاركوه في محاسنه، ولقد بايع هذان الرجلان، وما يريدان الله، فاستحلا الفطام قبل الرضاع ، والرضاع قبل الولادة، والولادة قبل الحمل، وطلبا ثواب الله من العباد ، وقد زعما أنهما بايعا مستكرهين، فان كانا استكرها قبل بيعتهما وكانا رجلين من عرض قريش لهما أن يقولا ولا يامرا، إلا وان الهدى ما كانت عليه العامة، والعامة على بيعة علي فما ترون أيها الناس ؟ " . فقام اليه الفذ النبيل حكيم بن جبلة فخاطبه بمنطق الايمان والحق والاصرار على الحرب (13) . وجرت مناظرات بين الفريقين إلا انها لم تنته الى خير، وخطب طلحة والزبير، وكان خطابهما الطلب بدم عثمان، فرد عليهما أهل البصرة ممن كانت تاتيهم رسل طلحة بالتحريض على قتل عثمان وحملوه المسوؤلية في اراقة دمه وخطبت عائشة خطابها الذي كانت تكرره في كل وقت وهو التحريض على المطالبة بدم عثمان لانه قد خلص من دنوبه، واعلن توبته ولكنها لم تنه خطابها حتى ارتفعت الاصوات فقوم يصدقونها وقوم يكذبونها وتسابوا فيما بينهم وتضاربوا بالنعال، واقتتل الفريقان أشد القتال وأعنفه وأسفرت الحرب عن عقد هدنة بينهما حتى يقدم الامام علي، وكتبوا بينهم كتابا وقعه عثمان بن حنيف، وطلحة والزبير وقد جاء فيه باقرار عثمان ابن حنيف على الامرة، وترك المسلحة وبيت المال له، وان يباح للزبير وطلحة وعائشة ومن أنضم اليهم أن ينزلوا حيث شاءوا من البصرة . ومضى ابن حنيف يقيم بالناس الصلاة، ويقسم المال بينهم، ويعمل على نشر الامن واعادة الاستقرار في المصر، إلا أن القوم قد خاسوا بعهدهم ومواثيقهم، فاجمعوا على الفتك بابن حنيف، ويقول المؤرخون : ان حزب عائشة انتهزوا ليلة مظلمة شديدة الريح فعدوا على ابن حنيف وهو يصلي بالناس صلاة العشاء فاخذوه ثم عدوا الى بيت المال فقتلوا من حرسه أربعين رجلا، واستولوا عليه، وزجوا بابن حنيف في السجن وأسرفوا في تعذيبه بعد أن نتفوا لحيته وشاربيه (14). وغضب قوم من اهل البصرة، ولقموا على ما اقترفه القوم من نقض الهدنة، والنكاية بحاكمهم، واحتلال بيت المال فخرجوا يريدون الحرب، وكانت هذه الفئة من ربيعة يراسها البطل العظيم حكيم بن جبلة فقد خرج في ثلثمائة رجل من بني عبد القيس (15) وخرج اصحاب عائشة ، وحملوها معهم على جمل، وسمي ذلك اليوم الجمل الاصغر (16) والتحم الفريقان في معركة رهيبة، وقد ابلى ابن جبلة بلاءا حسنا، ويقول المؤرخون ان رجلا من اصحاب طلحة ضربه ضربة قطعت رجله، فجثا حكيم واخذ رجله المقطوعة فضرب بها الذي قطعها فقتله، ولم يزل يقاتل حتى قتل (17) لقد اضاف القوم الى نقض بيعتهم للامام نكثهم للهدنة التي وقعوا عليها مع ابن حنيف، واراقتهم للدماء بغير حق ونهبهم ما في بيت المال وتنكيلهم بابن حنيف ويقول المؤرخون انهم قد هموا بقتله لولا انه هددهم باخيه سهل بن حنيف الذي يحكم المدينة من قبل علي وانه سيضع السيف في بني ابيهم إن اصابوه بمكروه، فخافوا من ذلك، واطلقوا سراحه فانطلق حتى التحق بالامام في بعض طريقه الى البصرة فلما دخل عليه قال للامام مداعبا : " ارسلتني الى البصرة شيخا فجئتك امرد " . واوغرت هذه الاحادث الصدور، وزادت الفرقة بين اهل البصرة فقد انقسموا على انفسهم فطائفة منهم تسللوا حتى التحقوا بالامام، وقوم انضموا الى جيش عائشة، وطائفة ثالثة اعتزلت الفتنة، ولم يطب لها الانضمام الى احد الفريقين . النزاع على الصلاة:وليس من الغريب في شئ أن يتنازع كل من طلحة والزبير على امامة الصلاة فانهما انما نكثا بيعة الامام (ع) طمعا بالحكم وسعيا وراء المصالح المادية، ويقول المؤرخون إن كل واحد منهما كان يروم التقدم على صاحبه لامامة الناس، والاخر يمنعه حتى فات وقت الصلاة، فخافت عائشة من تطور الاحداث فامرت ان يصلي بالناس يوما محمد بن طلحة، ويوما عبد الله ابن زبير (18) فذهب ابن الزبير ليصلي فجذبه محمد، وتقدم للصلاة فمنعه عبد الله، وراى الناس أن خير وسيلة لقطع حبل النزاع القرعة فاقنرعا فخرج محمد بن طلحة، فتقدم وصلى بالناس وقرا في صلاته " سال سائل بعذاب واقع " وأثارت هذه الصور الهزيلة السخرية عليهم بين الناس ، واندفعوا الى نقدهم، وفي ذلك يقول الشاعر : تبارى الغلامان إذ صليا * وشح على الملك شيخاهما ومالي وطلحة وابن الزبير * وهذا بذي الجذع مولاهما فامهما اليوم غرتهما * ويعلي بن منية ولاهما (19) ان هذه البادرة تصور مدى تهالك القوم على الامرة والسلطان، وهم بعد في بداية الطريق فلو كتب لهم النجاح في القضاء على حكم الامام لفتح بعضهم على بعض باب الحرب للاستيلاء على زمام الحكم. رسل الامام الى الكوفة : وأوفد الامام رسله الى أهل الكوفة يستنجد بهم، ويدعوهم الى نصرته، والقيام معه لاخماد نار الفتنة التي أشعلها المتمردون، وأقبلت الرسل الى الكوفة فوجدوا عاملها أبا موسى الاشعري يدعو الى الفتنة، ويخذل الناس عن نصرة امامهم وبدعوهم الى التمرد، ويحبب لهم العافية، ولم تكن لابي موسى حجة في ذلك، وانما كان يعبر عن حقده، واضغانه على الامام وكان فيما أجمع عليه المؤرخون عثماني الهوى، وأقبلت رسل الامام على أبي موسى يعنفونه، ويلومونه، الا انه لم يعن بهم، فبعثوا الى الامام رسالة ذكروا فيها تمرده وعدم استجابته لنداء الحق، وأرسل اليه الامام هاشم المرقال وهو من خيرة أصحاب الامام، وزوده برسالة يطلب فيها مجئ أبي موسى اليه، ولما انتهى اليه هاشم وعرض عليه رسالة الامام لم يستجب له وبقي مصمما على عناده وعصيانه، فارسل هاشم الى الامام رسالة يخبره فيها بموقف أبي موسى، وتمرده فبعث الامام ولده الحسن وعمار بن ياسر ومعهما رسالة بعزله، وتعيين قرضة بن كعب الانصاري في مكانه، ولما وصل الامام الحسن الى الكوفة التام الناس حوله زمرا، وهم يظهرون له الطاعة والولاء، واعلن لهم عزل الوالي المتمرد وتعيين قرضة في منصبه الا ان ابا موسى بقي مصمما على غيه يثبط عزائم الناس ويدعوهم الى التخاذل والخروج عن الطاعة ولم يستجب للامام الحسن، وراى الزعيم الكبير مالك الاشتر ان الامر لايتم إلا باخراج ابي موسى مهان الجانب فجمع نفرا من قومه اولى باس شديد فاغار بهم على قصر الامارة، واخذ الناس ينهبون أمتعته وأمواله، فاضطر الجبان الى الاعتزال عن عمله، ومكث ليلته في الكوفة ثم خرج هاربا حتى أتى مكة فاقام مع المعتزلين .ودعا الامام الحسن (ع) الناس الى الخروج لنصرة أبيه، وقد نفر معه آلاف كثيرة فريق منها ركب السفن، وفريق آخر ركب المطي ، وهم مسرورون كاشد ما يكون السرور بنصرتهم للامام . وطوت الجيوش البيداء تحت قيادة الامام الحسن فانتهوا الى ذي قار حيث كان الامام (ع) مقيما هناك، وقد سر (ع) بنجاح ولده وشكر له مساعيه وجهوده، وانضمت جيوش الكوفة الى الجيش الذي كان مع الامام، والبالغ عدده أربعة آلاف، وكان فيهم أربع مائة ممن شهد بيعة الرضوان مع النبي (ص) وقد اسند الامام قيادة ميمنة جيشه الى الحسن ، وقيادة ميسرته الى الحسين (ع) (20) كما كانت جيوشه مزودة باحسن السلاح ، ويقول المؤرخون ان الحسين كان قد ركب فرس جده (ص) المسمى بالمرتجز (21) . التقاء الجيشين : وتحركت قوات الامام من ذي قار، وهي على بينة من أمرها فلم تكن مترددة ولا شاكة في أنها على الهدى والحق، وقد انتهت الى مكان يسمى بالزاوية يقع قريبا من البصرة فاقام فيه الامام، وقد بادر الى الصلاة وبعد ما فرغ منها أخذ يبكي ودموعه تسيل على سحنات وجهه الشريف وهو يتضرع الى الله في أن يحقن دماء المسلمين، ويجنبه ويلات الحرب، ويجمع كلمة المسلمين على الهدى والحق . رسل السلام : وأوفد الامام (ع) رسل السلام للقاء عائشة وهم زيد بن صوحان وعبيد الله بن العباس، ولما مثلا عندها :ذكراها بما أمرها الله أن تقر في بيتها وان لا تسفك دماء المسلمين وبالغاء في نصيحتها ولو أنها وعت نصيحتهما لعادت على الناس بالخير العميم وجنبتهم كثيرا من المشاكل والفتن إلا انها جعلت كلامهما دبر اذنيها وراحت تقول لهما : " إني لا أرد على ابن أبي طالب بالكلام لاني لا ابلغه في الحجاح.." (22) . وبذل الامام قصارى جهوده في الدعوة الى السلم، وعدم اراقة الدماء الا أن هناك بعض العناصر لم ترق لها هذه الدعوى وراحت تسعى لاشعال نار الحرب وتقويض دعائم السلم . الدعوة الى القران : ولما باءت بالفشل جميع الجهود التي بذلها الامام من أجل حقن الدماء ندب الامام أصحابه، لرفع كتاب الله العظيم ودعوة القوم الى العمل بما فيه، وأخبرهم أن من يقوم بهذه المهمة فهو مقتول فلم يستجب له أحد سوى فتى نبيل من أهل الكوفة فانبرى الى الامام، وقال :" أنا له يا أمير المؤمنين " . فاشاح الامام بوجهه عنه، وطاف في أصحابه ينتدبهم لهذه المهمة فلم يستجب له أحد سوى ذلك الفتى فناوله الامام المصحف، فانطلق الفتى مزهوا لم يختلج في قلبه خوف ولا رعب، وهو يلوح بالكتاب أمام عسكر عائشة، قد رفع صوته بالدعوة الى العمل بما فيه ولكن القوم قد دفعتهم الانانية الى الفتك به فقطعوا يمينه، فاخذ المصحف بيساره، وهو يناديهم بالدعوة الى العمل بما فيه، فاعتدوا عليه وقطعوا يساره، فاخذ المصحف باسنانه وقد نزف دمه، وراح يدعوهم الى السلم وحقن الدماء قائلا : " الله في دمائنا ودمائكم " . وانثالوا عليه يرشقونه بنبالهم فوقع على الارض جثة هامدة، فانطلقت إليه أمه تبكيه وترثيه بذوب روحها قائلة : يا رب ان مسلما أتاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم فخضبوا من دمه لحاهم * وأمه قائمة تراهم وراى الامام بعد هذا الاعذر ان لا وسيلة له سوى الحرب فقال لاصحابه : " الان حل قتالهم، وطاب لكم الضراب " (23) ودعا الامام حضين ابن المنذر وكان شابا فقال له : " يا حضين دونك هذه الراية فو الله ما خفقت قط فيما مضى، ولا تخفق فيما بقي راية أهدى منها إلا راية خفقت على رسول الله (ص). " . وفي ذلك يقول الشاعر : لمن راية سوداء يخفق ظلها * اذا قيل قدمها حضين تقدما يقدمها للموت حتى يزيرها * حياض المنايا يقطر الموت والدما(24) الحرب العامة : ولما استياس الامام من السلم عبا جيشه تعبئة عامة، وكذلك فعل أصحاب عائشة، وقد حملوها على جملها (عسكر) وأدخلت هودجها المصفح بالدروع، والتحم الجيشان التحاما رهيبا، ويقول بعض المؤرخين :ان الامام الحسين قد تولى قيادة فرقة من فرق الجيش وأنه كان على الميسرة ، وخاض المعركة ببسالة وصمود(25) وكان جمل عائشة فيما يقول بعض من شهد المعركة هو راية أهل البصرة يلوذون به كما يلوذ المقاتلون براياتهم ، وقد حمل الامام عليهم وقد رفع العلم بيسراه، وشهر في يمينه ذا الفقار الذي طالما ذب به عن دين الله وحارب به المشركين على عهد رسول الله (ص) . واقتتل الفريقان كاشد ما يكون القتال ضراوة يريد أصحاب عائشة أن يحرزوا النصر ويحموا أمهم ويريد أصحاب علي أن يحموا امامهم ويموتوا دونه . مصرع الزبير : وكان الزبير رقيق القلب شديد الحرص على مكانته من النبي (ص ) الا أن حب الملك هو الذي اغراه ودفعه الى الخروج على الامام يضاف الى ذلك ولده عبد الله فهو الذي زج به في هذه المهالك، وباعد ما بينه وبين دينه وقد عرف الامام (ع) رقة طبع الزبير فخرج الى ميدان القتال ورفع صوته :- اين الزبير ؟ فخرج الزبير وهو شاك في سلاحه فلما راه الامام بادر اليه واعتنقه وقال له بناعم القول : - يا أبا عبد الله ما جاء بك ها هنا ؟ ؟ - جئت أطلب دم عثمان . فرمقه الامام بطرفه وقال له : - تطلب دم عثمان، ! ! - نعم . - قتل الله من قتل عثمان . وأقبل عليه يحدثه برفق، قائلا : " أنشدك الله يا زبير، هل تعلم أنك مررت بي وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو متكئ على يدك، فسلم علي رسول الله، وضحك إلي، ثم التفت إليك فقال لك : يا زبير إنك تقاتل عليا وأنت له ظالم.." . وتذكر الزبير ذلك وقد ذهبت نفسه أسى وحسرات، وندم أشد ما يكون الندم على موقفه هذا والتفت الى الامام وهو يصدق مقالته : - اللهم نعم . - فعلام تقاتلني ؟ - نسيتها والله. ولو ذكرتها، ما خرجت إليك ولا قاتلتك (26). - ارجع . - كيف ارجع، وقد التقت حلقتا البطان هذا والله العار الذي لا يغسل ؟ - ارجع قبل أن تجمع العار والنار . وألوى عنان فرسه، وقد ملكت الحيرة والقلق أهابه، وراح يقول : اخترت عارا على نار مؤججة * ما إن يقوم لها خلق من الطين نادى علي بامر لست أجهله * عار لعمرك في الدنيا وفي الدين فقلت حسبك من عذل أبا حسن * فبضع هذا الذي قد قلت يكفيني (27) وقفل الامام راجعا الى أصحابه فقالوا له : تبرز الى زبير حاسرا ، وهو شاك السلاح، وأنت تعرف شجاعته ! ! فقال (ع) : " انه ليس بقاتلي، انما يقتلني رجل خامل الذكر ضئيل النسب غيلة في غير ماقط (28) حرب ولا معركة رجال، ويل امه أشقى البشر ليود أن أمه هبلت به، أما أنه وأحمر ثمود لمقرونان في قرن..." (29) . واستجاب الزبير لنداء الامام فاتجه صوب عائشة فقال لها : " يا أم المؤمنين إني والله ما وقفت موقفا قط الا عرفت اين أضع قدمي فيه الا هذا الموقف ؟ ! ! فاني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر؟ وعرفت عائشة تغيير فكرته وعزمه على الانسحاب من حومة الحرب فقالت له باستهزاء وسخرية مثيرة عواطفه . " يا أبا عبد الله خفت سيوف بني عبد المطلب ؟ ! ! " . وعاثت هذه السخرية في نفسه فالتفت اليه ولده عبد الله فعيره بالجبن قائلا : " انك خرجت على بصيرة، ولكنك رايت رايات ابن أبي طالب ، وعرفت ان تحتها الموت فجبنت ؟ ! ! " . انه لم يخرج على بصيرة ولا بينة من أمره، وانما خرج من أجل الملك والسلطان، والتاع الزبير من حديث ولده فقال له : - ويحك اني قد حلفت له أن لا اقاتله . - كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس . فاعتق غلامه وراح يجول في ميدان الحرب ليرى ولده شجاعته ويوضح له أنه انما فر بدينه لا جبنا ولا خورا، ومضى منصرفا على وجهه حتى أتى وادي السباع، وكان الاحنف بن قيس مع قومه مقيمين هناك ، فتبعه ابن جرموز فاجهز عليه وقتله غيلة، وحمل مقتله الى الامام فحزن عليه كاشد ما يكون الحزن، ويقول الرواة : انه أخذ سيفه وهو يقول : سيف طالما جلا الكروب عن وجه رسول الله (ص) وعلي أي حال لقد كانت النهاية الاخيرة للزبير تدعو الى الاسف والاسى، فقد تمرد على الحق واعلن الحرب على وصي رسول الله (ص) وباب مدينة علمه . مصرع طلحة : وخاض طلحة المعركة، وهو يحرض جيشه على الحرب فيصر به مروان بن الحكم فرماه بسهم طلبا بثار عثمان، فوقع على الارض يتخبط بدمه، وكان مروان يقول لبعض ولد عثمان لقد كفيتك ثار أبيك من طلحة وأمر طلحة مولاه أن ياوي به الى مكان ينزل فيه فاوى به بعد مشقة الى دار خربة من دور البصرة فهلك فيها بعد ساعة . قيادة عائشة للجيش : وتولت عائشة قيادة الجيش بعد هلاك الزبير وطلحة، وقد تفانت بنو ضبة والازد، وبنو ناجية في حمايتها، ويقول المؤرخون انهم هاموا بحبها فكانوا ياخذون بعر جملها ويشمونه، ويقولون :بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك. وكانوا محدقين به لا يريدون فوزا ولا انتصارا سوى حمايتها وان راجزهم يرتجز : يا معشر الازد عليكم امكم * فانها صلاتكم وصومكم والحرمة العظمى التي تعمكم * فاحضروها جدكم وحزمكم لا يغلبن سم العدو سمكم * إن العدو ان علامكم زمكم وخصكم بجوره وعمكم * لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم (30) وكانت تحرض على الحرب كل من كان على يمينها ومن كان على شمالها، ومن كان أمامها قائلة : انما يصبر الاحرار، وكان أصحاب الامام يلحون على أصحاب عائشة بالتخلى عنها وراجزهم يرتجز: يا أمنا أعق أم نعلم * والام تغذو ولدها وترحم أما ترين كم شجاع يكلم * وتختلي منه يد ومعصم وكان أصحاب عائشة يردون عليهم ويقولون : نحن بني ضبة أصحاب الجمل * ننازل القرن اذا القرن نزل والقتل أشهى عندنا من العسل * نبغي ابن عفان باطراف الاسل ردوا علينا شيخنا ثم بجل واشتد القتال كاشد وأعنف ما يكون القتال، وكثرت الجرحى وملئت أشلاء القتلى وجه الارض . عقر الجمل : وراى الامام ان الحرب لاتنتهي ما دام الجمل موجودا، فصاح (ع) باصحابه اعقروا الجمل فان في بقائه فناء العرب، وانعطف عله الحسن فقطع يده اليمنى وشد عليه الحسين فقطع يده اليسرى (31) فهوى الى جنبه وله عجيج منكر لم يسمع مثله، وفر حماة الجمل في البيداء فقد تحطم صنمهم الذي قدموا له هذه القرابين، وأمر الامام بحرقه وتذرية رماده في الهواء لئلا تبقى منه بقية يفتتن بها السذج والبسطاء، وبعد الفراغ من ذلك قال :" لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني اسرائيل ! ! " . ومد بصره نحو الرماد الذي تناهبه الهواء فتلا قوله تعالى : " وانظر الى الهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لنفسنه في اليم نسفا " . وبذلك فقد وضعت الحرب أوزارها، وكتب النصر للامام وأصحابه وباءت القوى الغادرة بالخزي والخسران . وأوفد الامام للقيا عائشة الحسن والحسين ومحمد بن أبي بكر (32) فانطلقوا اليها فمد محمد يده في هودهجها فجفلت منه، وصاحت به . - من أنت ؟ - ابغض أهلك اليك . - ابن الخثعمية ؟ - نعم أخوك البر . - عقوق - هل اصابك مكروه ؟ - سهم لم يضرني . فانتزعه منها، وأخذ بحطام هودجها، وأدخلها في الهزيع الاخير من الليل الى دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية بنت الحارث فاقامت فيه أياما . العفو العام : وسار علي في أهل البصرة سيرة رسول الله (ص) في أهل مكة - كما قال (ع) - فامن الاسود والاحمر - على حد تعبير اليعقوبي - (33) ولم ينكل باي أحد من خصومه، وجلس للناس فبايعه الصحيح منهم والجريح ثم عمد الى بيت المال فقسم ما وجد فيه على الناس بالسواء، وسار (ع ) الى عائشة فبلغ دار عبد الله بن خلف الخزاعي الذي أقامت فيه عائشة ، فاستقبلته صفية بنت الحارثة شر لقاء فقالت له :يا علي يا قاتل الاحبة ايتم الله بينك كما أيتمت بني عبد الله، وكان قد قتلوا في المعركة مع عائشة فلم يجبها الامام ومضى حتى دخل على عائشة، فامرها أن تغادر البصرة وتمضي الى يثرب لتقر في بيتها كما أمرها الله، ولما انصرف اعادت عليه صفية القول الذي استقبلته به فقال لها : لو كنت قاتل الاحبة لقتلت من في هذا البيت، وهو يشير الى أبواب الحجرات المقفلة، وكان فيها كثير من الجرحى، وغيرهم من أعضاء المؤامرة، قد آوتهم عائشة، فسكتت صفية، وأراد من كان مع الامام أن يبطشوا بهم فزجرهم زجرا عنيفا ، وبذلك فقد منح العفو لاعدائه وخصومه . وسرح الامام عائشة تسريحا جميلا، وأرسل معها جماعة من النساء بزي الرجال لتقر في بيتها حسب ما أمرها الله، وقد رحلت عائشة من البصرة وأشاعت في بيوتها الثكل والحزن والحداد، يقول عمير بن الاهلب الضبي وهو من أنصارها : لقد أورثتنا حومة الموت أمنا * فلم تنصرف الا ونحن رواء اطعنا بني تميم لشقوة جدنا * وما تيم الا أعبد واماء (34) لقد أوردت أم المؤمنين ابناءها حومة الموت، فقد كان عدد الضحايا من المسلمين فيما يقول بعض المؤرخين عشرة آلاف نصفهم من أصحابها ، والنصف الاخر من اصحاب الامام (35) وكان من اعظم الناس حسرة الاما لعلمه بما تجر هذه الحرب من المصاعب والمشاكل . متارك الحرب: واعقبت حرب الجمل افدح الخسائر، واعظم الكوارث التي ابتلي بها المسلمون ومن بينها ما يلي . 1 - انها مهدت السبيل لمعاوية لمناجزة الامام، والتصميم على قتاله ، فقد تبنى شعار معركة الجمل وهو المطالبة بدم عثمان ولولا حرب الجمل لما استطاع معاوية أن يعلن العصيان والتمرد على حكم الامام . 2 - انها اشاعت الفرقة والاختلاف بين المسلمين، فقد كانت روح المودة والالفة سائدة فيهم قبل حرب الجمل، وبعدها انتشرت البغضاء بين افراد الاسر العربية فقبائل ربيعة واليمن في البصرة اصبحت تكن اعمق البغض والكراهية لاخوانهم من ربيعة وقبائل اليمن في الكوفة وتطالبها بما اريق من دماء ابنائها بل اصبحت الفرقة ظاهرة شائعة حتى في البيت الواحد فبعض ابنائه كانوا شيعة لعلي والبعض الاخر كانوا شيعة لعائشة، ويقول المؤرخون : ان البصرة بقيت محتفظة بولائها لعثمان حفنة من السنين، وان الامام الحسين (ع ) انما لم ينزح إليها لما عرفت به من الولاء لعثمان . 3 - انها اسقطت هيبة الحكم، وجرات على الخروج عليه، فقد تشكلت الاحزاب النفعية، التي لاهم لها الا الاستيلاء على السلطة والظفر بخيرات البلاد، حتى كان التطاحن على الحكم من ابرز سمات ذلك العصر . 4 - انها فتحت باب الحرب بين المسلمين، وقبلها كان المسلمون يتحرجون أشد ما يكون التحرج في سفك دماء بعضهم بعضا . 5 - انها عملت على تاخير الاسلام، وشل حركته، وايقاف نموه ، فقد انصرف الامام بعد حرب الجمل الى مقاومة التمرد والعصيان الذي اعلنه معاوية وغيره من الطامعين في الحكم مما ادى الى افدح الخسائر التي مني بها الاسلام، يقول الفيلسوف (ولز) : ان الاسلام كان ان يفتح العالم اجمع لو بقي سائرا سيرته الاولى، لو لم تنشب في وسطه من اول الامر الحرب الداخلية، فقد كان هم عائشة ان تقهر عليا قبل كل شئ" (36). 6 - واستباحت هذه الحرب حرمة العترة الطاهرة التي قرنها النبي (ص ) بمحكم التنزيل، وجعلها سفن النجاة، وامن العباد، فمنذ ذلك اليوم شهرت السيوف في وجه عترة النبي (ص) واستحل الاوغاد اراقة دمائهم ، وسبي ذراريهم فلم يرع بنو أمية في وقعة كربلا اي حرمة للنبي (ص ) في ابنائه، وانتهكوا معهم جميع الحرمات . هذه بعض متارك حرب الجمل التي جرت للمسلمين افدح الخسائر في جميع فترات التاريخ . القاسطون:ولم يكد يفرغ الامام (ع) من حرب الناكثين كما اسماهم رسول الله (ص ) حتى جعل يتاهب لحرب القاسطين الذين اسماهم النبي (ص) بذلك ، وراى الامام ان يغادر البصرة الى الكوفة ليستعد لحرب عدو عنيف هو معاوية بن ابي سفيان الذي حارب رسول الله (ص) وابلى في حربه أشد البلاء وأقواه، ولم يكن معاوية باقل تنكرا للاسلام وبغضا لاهله من أبيه، وكان المسلمون الاولون ينظرون إليهما نظرة ريبة وشك في اسلامهما، وقد استطاع بمكره ودهائه أن يغزو قلب الخليفة الثاني، ويحتل المكانة المرموقة في نفسه فجعله واليا على الشام، وظل يبالغ في تسديده وتاييده، وبعد وفاته أقره عثمان وزاد في رقعة سلطانه، وظل معاوية في الشام يعمل عمل من يريد الملك والسلطان فاحاط نفسه بالقوة واشترى الضمائر، وسخر اقتصاد بلاده في تدعيم سلطانه، وبعد الاحداث التي ارتكبها عثمان علم معاوية أنه مقتول لا محالة، فاستغاث به عثمان حينما حوصر فابطا في نصره، وظل متربصا حتى قتل ليتخذ من قميصه ودمه وسيلة للتشبث بالملك، وقد دفعه الى ذلك حرب الجمل التي كان شعارها المطالبة بدم عثمان، فاتخذه خير وسيلة للتذرع لنيل الملك ويقول المؤرخون انه استعظم قتل عثمان وهول أمره ، وراح يبني ملكه على المطالبة بدمه . وكان الامام (ع) محتاطا في دينه كاشد ما يكون الاحتياط فلم يصانع ، ولم يحاب، وانما سار على الطريق الواضح، فامتنع أن يستعمل معاوية على الشام لحظة واحدة لان في اقراره على منصبه تدعيهما للظلم وتركيزا للجور . وعلى اي حال فان الامام بعد حرب الجمل قد غادر البصرة مع قواته المسلحة، واتجه الى الكوفة ليتخذها عاصمة ومقرا له، واتجه فور قدومه إليها يعمل على تهياة وسائل الحرب لمناهضة عدوه العنيف الذي يتمتع بقوى عسكرية هائلة اجمعت على حبه ونصرته، وكان الشني يحرض الامام ويحفزه على حرب اهل الشام، بعد ما أحرزه من النصر في وقعة الجمل وقد قال له : قل لهذا الامام قد خبت الحر * ب وتمت بذلك النعماء وفرغنا من حرب من نكث * العهد وبالشام حية صماء تنفث السم ما لمن نهشته * - فارمها قبل ان تعض - شفاء (37) ايفاد جرير : وقبل أن يعلن الامام الحرب على غول الشام أوفد للقياه جرير بن عبد الله البجلي يدعوه الى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون من مبايعته وقد زوده برسالة (38) دعاه فيها الى الحق من اقصر سبيله، وباوضح اساليبه، وفيها الحكمة الهادية لمن اراد الهداية، وشرح الله صدره ، وفجر في فؤاده ينبوع النور، وانتهى جرير الى معاوية فسلمه رسالة الامام ، والح عليه في الوعظ والنصيحة، وكان معاوية يسمع منه ولا يقول له شيئا ، وانما اخذ يطاوله ويسرف في مطاولته، لا يجد لنفسه مهربا سوى الامهال والتسويف . معاوية مع ابن العاص : وراى معاوية انه لن يستطيع التغلب على الاحداث الا اذا انضم إليه داهية العرب عمرو بن العاص فيستعين به على تدبير الحيل، ووضع المخططات التي تؤدي الى نجاحه في سياسته فراسله طالبا منه الحضور الى دمشق ، وكان ابن العاص فيما يقول المؤرخون : قد وجد على عثمان حينما عزله عن مصر، فكان يؤلب الناس عليه، ويحرضهم على الوقيعة به، وهو ممن مهد للفتنة والثورة عليه، ولما ايقن بحدوث الانقلاب عليه خرج الى ارض كان يملكها بفلسطين فاقام فيها، وجعل يتطلع الاخبار عن قتله . ولما انتهت رسالة معاوية الى ابن العاص تحير في أمره فاستشار ولديه عبد الله ومحمدا أما عبد الله فكان رجل صدق وصلاح فاشار عليه ان يعتزل الناس ولا يجيب معاوية الى شئ حتى تجتمع الكلمة ويدخل فيما دخل فيه المسلمون واما ابنه محمد فقد طمع فيما يطمع فيه فتيان قريش من السعة والتقدم، وذيوع الاسم، فقد اشار عليه بان يلحق بمعاوية لينال من دنياه. فقال عمرو لولده عبد الله ! أما انت فامرتني بما هو خير لي في ديني، وقال لولده محمد : أما انت فامرتني بما هو خير لي في دنياي ، واتفق ليله ساهرا يفكر في الامر هل يلتحق بعلي فيكون رجلا كسائر المسلمين له مالهم وعليه ما عليهم من دون ان ينال شيئا من دنياه، ولكنه يضمن امر آخرته او يكون مع معاوية فيظفر بتحقيق ما يصبو إليه في الدنيا من الثراء العريض، وهو لم ينس ولاية مصر فكان يحن إليها حنينا متصلا، وقد أثر عنه تلك الليلة من الشعر ما يدل على الصراع النفسي الذي خامره تلك الليلة . ولم يسفر الصبح حتى آثر الدنيا على الاخرة فاستقر رايه على الالتحاق بمعاوية، فارتحل الى دمشق ومعه ابناه فلما بلغها جعل يبكي امام اهل الشام كما تبكي المراة وهو يقول : " وا عثماناه انعى الحياء والدين " (39). قاتلك الله يا بن العاص أأنت تبكي على عثمان وانت الذي اوغرت عليه الصدور واثرت عليه الاحقاد، وكنت تلفي الراعي فتحرضه عليه سفك دمه الصدور واثرت عليه الاحقاد، وكنت تلفي الراعي فتحرضه عليه حتى سفك دمه لقد بلغ التهالك على السلطة في ذلك العصر مبلغا انسى الناس دينهم فاقترفوا في سبيل ذلك كل ما حرمه الله . ولما التقى ابن العاص بمعاوية فتح معه الحديث في حربه مع الامام فقال ابن العاص : " أما علي فو الله لا تساوي العرب بينك وبينه في شئ من الاشياء وان له في الحرب لحظا ما هو لاحد من قريش إلا ان تظلمه " . واندفع معاوية يبين دوافعه في حربه للامام قائلا : " صدقت ولكنا نقاتله على ما في أيدينا، ونلزمه قتلة عثمان " . واندفع ابن العاص ساخرا منه قائلا : - واسواتاه ان أحق الناس أن لا يذكر عثمان انت ! ! - ولم ويحك ؟ ! ! - أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي فسار اليه وأما أنا فتركته عيانا وهربت الى فلسطين...(40). واستيقن معاوية ان ابن العاص لا يخلص له، وراى ان من الحكمة أن يستخلصه ويعطيه جزاءه من الدنيا، فصارحه قائلا : - أتحبني يا عمرو ؟ - لماذا ؟ للاخرة فوالله ما معك آخرة، أم للدنيا. فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها . - أنت شريكي فيها ؟ - اكتب لي مصر وكورها . - لك ما تريد . فسجل له ولاية مصر، وجعلها ثمنا لانضمامه إليه (41) في مناهضته لوصي رسول الله (ص) وقد ظفر بداهية من دواهي العرب وبشبخ من شيوخ قريش قد درس أحوال الناس، وعرف كيف يتغلب على الاحداث . رد جرير : ولما اجتمع لمعاوية أمره واحكم وضعه رد جرير، وأرسل معه الى الامام رسالة حمله فيها المسؤولية في اراقة دم عثمان، وعرفه باجماع أهل الشام على حربه إن لم يدفع له قتلة عثمان، ويجعل الامر شورى بين المسلمين . وارتحل جرير الى الكوفة فانبا عليا بامتناع معاوية عليه، وعظم له أمر أهل الشام، وراى الامام ان يقيم عليه الحجة مرة أخرى فبعث له سفراء آخرين يدعونه الى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون إلا أن ذلك لم يجد شيئا فقد أصر معاوية على غيه وعناده حينما أيقن ان له القدرة على مناجزة الامام ومناهضته . قميص عثمان : وألهب معاوية بمكره وخداعه قلوب السذج والبسطاء من أهل الشام حزنا واسى على عثمان فكان ينشر قيمصه الملطخ بدمائه على المنبر فيضجون بالبكاء والعويل، واستخدم الوعاظ فجعلوا يهولون أمره، ويدعون الناس الى الاخذ بثاره، وكان كلما فتر حزنهم عليه يقول له ابن العاص بسخرية واستهزاء : " حرك لها حوارها تحن.." . فيخرج إليهم قميص عثمان فيعود لهم حزنهم، وقد أقسموا أن لا يمسهم الماء إلا من الاحتلام، ولا ياتون النساء، ولا ينامون على الفراش حتى يقتلوا قتلة عثمان(42) وكانت قلوبهم تتحرق شوقا الى الحرب للاخذ بثاره، وقد شحن معاوية أذهانهم بان عليا هو المسؤول عن اراقة دمه ، وانه قد آوى قتلته، وكانوا يستنهضون معاوية للحرب، ويستعجلونه أكثر منه . زحف معاوية لصفين : وعلم معاوية أنه لابد من الحرب لان الامام لا يحاب ولا يداهن في دينه، فلا يقره على ولاية الشام، ولا يسند له أي منصب من مناصب الدولة، وانما يقصيه عن جميع أجهزة الحكم لما يعرفه عنه من الالتواء في دينه وسار معاوية في جموع أهل الشام، وقدم بين يديه الطلائع، وقد أنزل أصحابه أحسن منزل، وأقربه إلى شريعة الفرات، وقد احتل الفرات وعد هذا أول الفتح لانه حبس الماء على عدوه، وبقيت جيوشه رابضة هناك تصلح أمرها، وتنضم قواها استعدادا للحرب . زحف الامام للحرب : وتهيا الامام للحرب وقام الخطباء في الكوفة يحفزون الناس للجهاد ويحثونهم على مناجزة معاوية بعدما احرزوه من النصر الكبير في معركة الجمل، وقد خطب فيهم الامام الحسين (ع) خطابا رائعا ومثيرا، قال فيه بعد حمد الله والثناء عليه : " يا أهل الكوفة أنتم الاحبة الكرماء، والشعار دون الدثار جدوا في اطفاء ما دثر بينكم، وتسهيل ما توعر عليكم إلا أن الحرب شرها ذريع ، وطعمها فظيع فمن أخذلها اهبتها واستعد لها عدتها، ولم يالم كلومها قبل حلولها فذاك صاحبها، ومن عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك قمن ألا ينفع قومه، وان يهلك نفسه نسال الله بقوته ان يدعمكم بالفيئة"(43) وحفل هذا الخطاب بالدعوة الى استعجال الحرب والاستعداد الشام لها، والامعان في وسائلها فان ذلك من موجبات النصر، ومن وسائل التغلب على الاعداء، وان اهمال ذلك، وعدم الاعتناء به مما يوجب الهزيمة والاندحار، ودل هذا الخطاب على خبرة الامام الواسعة في الشؤون العسكرية والحربية . وتهيا الناس بعد خطاب سبط النبي (ص) الى الحرب وأخذوا يجدون في تنظيم قواهم، ولما تمت عدتهم زحف بهم الامام أمير المؤمنين لحرب ابن أبي سفيان، وقد قدم طلائعه، وأمرهم ان لا يبداوا أهل الشام بقتال حتى يدركهم . وزحف كتائب الجيش العراقي كانها السيل، وهي على يقين أنها انما تحارب القوى الباغية على الاسلام، والمعادية لاهدافه، وقد جرت في أثناء مسيرة الامام أحدث كثيرة لا حاجة الى اطالة الكلام بذكرها فانا لا نقصد بهذه البحوث ان نلم بها، وانما نشير اليها بايجاز . احتلال الفرات : ولم يجد أصحاب الامام شريعة على الفرات يستقون منها الماء الا وهي محاطة بالقوى المكثفة من جيش معاوية يمنعونهم أشد المنع من الاستسقاء من الماء ولما راى الامام ذلك أوفد رسله الى معاوية يطلبون منه أن يخلي بينهم وبين الماء ليشربوا منه، فلم تسفر مباحثهم معه أى شئ، وانما وجدوا منه اصرارا على المنع يريد أن يحرمهم منه كما حرموا عثمان من الماء ، وأضر الظما باصحاب الامام، وأنبرى الاشعث بن قيس يطلب الاذن من الامام أن يفتح باب الحرب، يقهر القوى المعادية على التخلي عن الفرات فلم يجد الامام بدا من ذلك فاذن له، فاقتتل الفريقان كاشد ما يكون القتال وكتب النصر لقوات الامام فاحتلت الفرات، وأراد أصحاب الامام أن يقابلوهم بالمثل فيحرمونهم منه، كما صنعوا ذلك معهم، ولكن الامام لم يسمح لهم بذلك، وعمل معهم عمل المحسن الكريم فخلى بينهم وبين الماء . لقد كان اللؤم والخبث من عناصر الامويين وذاتياتهم فقد أعادوا على صعيد كربلاء ما اقترفوه من الجريمة في صفين فحالوا بين الامام الحسين وبين الماء وتركوا عقائل الوحي ومخدرات الرسالة، وصبية أهل البيت قد صرعهم العطش، ومزق الظما قلوبهم، فلم يستجيبوا لاية نزعة انسانية ، ولم ترق قلوبهم فيعطفوا علهيم بقليل من الماء . رسل السلام : وكان الامام متحرجا كاشد ما يكون التحرج في سفك دماء المسلمين فقد جهد على نشر السلام والوثام فاوقد إلى معاوية عدي بن حائم، وشبث ابن ربعي، ويزيد بن قيس، وزياد بن حفصة يدعونه الى حقن دماء المسلمين، ويذكرونه الدار الاخرة، ويحذرونه أن ينزل به ما نزل باصحاب الجمل، ولكن ابن هند لم يستجب لذلك وأصر على الغي والتمرد، وقد حمل الامام المسؤولية في قتل عثمان بن عفان، وقد دفعه الى العصيان ما يتمتع به من القوى العسكرية واتفاق كلمتها واصرارها على الطلب بدم عثمان . ورجعت رسل السلام وقد اخفقت في سفارتهم، واستبان لها أن معاوية مصمم على الحرب، ولا رغبة له في الصلح، وأحاطوا الامام (ع ) علما بذلك فجعل يتهيا للحرب، ويدعو الناس إلى القتال . الحرب : وعبا الامام أصحابه على راياتهم، واستعد للقتال، وقد أمر أصحابه أن لا يبداوهم بقتال كما عهد لهم في حرب الجمل، وان لا يقتلوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح، ولا يمثلوا بقتيل، ولا يهيجوا امراة الى غير ذلك من الوصايا التي تمثل شرف القيادة العسكرية في الاسلام . وجعلت فرق من جيش الامام تخرج الى فرق من جيش معاوية فيقتتل الفريقان نهارا كاملا أو طرفا منه، ثم يتحاجزان من دون أن تقع حرب عامة بينهما وقد رجا الامام بذلك أن يثوب معاوية الى الصلح وحقن الدماء، ودام الامر على هذا حفنة من الايام من شهر ذي الحجة فلما أطل شهر الحرام، وهو من الاشهر التي يحرم فيها القتال في الجاهلية والاسلام ، توادعوا شهرهم كله، واتيح للفريقين أن يقتلوا آمنين، وقد آمن بعضهم بعضا ولم تقع بينهم أي حرب، وقد سعت يينهم سفراء السلم إلا أنها أخفقت في سعيها، وقد احتدم الجدال بين الفريقين فاهل العراق يدعون أهل الشام الى جمع الكلمة وحقن الدماء، ومبايعة وصي رسول الله (ص ) والدخول فيما دخل فيه المسلمون، وأهل الشام يدعون العراقيين الى الطلب بدم عثمان ورفض بيعة الامام، واعادة الامر شورى بين المسلمين . ولما انقضى شهر محرم مضى القوم على الحرب، ولكنها لم تكن عامة وانما كانت منقطعة تخرج الكتيبة للكتيبة، والفرقة للفرقة . وسئم الفريقان هذه الحرب المتقطعة، وتعجلوا الحرب العامة فعبا الامام جيوشه تعباء عامة، وكذلك فعل معاوية، والتحم الجيشان التحاما رهيبا، واقتتلوا أبرح قتال وأعنفه، وانكشفت ميمنة جيش الامام انكشافا بلغ الهزيمة فقاتل الامام ومعه الحسن والحسين (44) وانحاز الامام الى ميسرة جيشه من ربيعة، فاستماتت ربيعة دون الامام، وكان قائلهم يقول : لا عذر لكم بعد اليوم عند العرب إن اصيب أمير المؤمنين وهو فيكم، وتحالفت ربيعة على الموت، وصمدت في الحرب، ورجعت ميمنة الامام الى حالها بفضل الزعيم مالك الاشتر، واستمرت الحرب باعنف ما يتصور وقد ظهر الضعف وبان الانكسار في جيش معاوية، وهم معاوية بالفرار لو لا أنه تذكر قول ابن الاطنابة : أبت لي همتي وأبى بلائي * وأقدمي على البطل المشيح واعطائي على المكروه مالي * واخذي الحمد بالثمن الربيح وقولي كلما جشات وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي وقد رده هذا الشعر الى الصبر والثبات، كما كان يتحدث بذلك أيام الملك والسلطان . منع الحسنين من الحرب : ومنع الامام أمير المؤمنين سبطي رسول الله (ص) من الاشتراك في عمليات الحروب، فقال (ع) : " املكوا عني هذين الغلامين - يعني الحسن والحسين - لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله (ص)"(45). لقد حرص الامام (ع) على ريحانتي رسول الله (ص) لان بهما امتدادا لنسله وابقاء لذريته . مصرع عمار : وعمار بن ياسر من ألمع أصحاب النبي وأكثرهم جهادا وبلاءا في الاسلام، وقد شايع عليا ولازمه بعد وفاة النبي (ص) فقد أيقن أنه مع الحق والحق معه كما قال فيه النبي (ص) وكان في أيام صفين شيخا قد نيف على التسعين عاما، ولكن قلبه وبصيرته كانت بمامن من الشيخوخة فقد كان في تلك المعركة كانه في ريعان الشباب، وكان يحارب راية ابن العاص، وهو يشير اليها قائلا : " والله إن هذا الراية قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بارشدهن " وكان يقول لاصحابه لما راى انكشافهم في المعركة : والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفان هجر لعلمنا أنا على الحق، وانهم على الباطل . ويقول الرواة : إنه جلس مبكرا في يوم من ايام صفين، وقد ازداد قلبه شوقا الى ملاقاة رسول الله (ص) وملاقاة أبويه، فخف الى الامام مسرعا يطلب منه الاذن في أن يلج الحرب لعله يرزق الشهادة فلم يسمح له الامام بذلك، وظل يعاود الامام مستاذنا، فلم تطب نفس الامام بذلك وراح يلح عليه فاذن له، وأجهش الامام بالبكاء حزنا وموجدة عليه . وانطلق عمار الى ساحات الحرب وهو موفور القوى، قد استرد نشاطه وهو جذلان فرح بما يصير اليه من الشهادة، وقد رفع صوته عاليا : " اليوم القى الاحبة محمدا وحزبه. " وكان صاحب الراية في الكتيبة التى يقاتل فيها عمار هو هاشم بن عتبة المرقال وكان من فرسان المسلمين وخيارهم وأحبهم للامام وأخلصهم له وكان أعور، فاتجه نحوه عمار فجعل تارة يدفعه بعنف الى الحرب ويقول له : تقدم يا أعور، وأخرى يرفق به أشد الرفق ويقول له : احمل فداك أبي وأمي، وهاشم يقول له : رحمك الله يا أبا اليقظان انك رجل تستخف الحرب، واني انما ازحف لعلي أبلغ ما اريد، وضجر هاشم فحمل وهو يرتجز : قد اكثروا لومي وما أقلا * إني شريت النفس لن اعتلا أعور يبغي نفسه محلا * لابد أن يفل أو يفلا قد عالج الحياة حتى ملا * أشلهم بذي الكعوب شلا وقد دال هذا الرجل على تصميمه على الموت، وسئمه من الحياة ، وجال في ميدان القتال، وعمار معه يقاتل ويرتجز : نحن ضربنا كم على تنزيله * واليوم نضربكم على تاويله ضربا يزبل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحق الى سبيله لقد قاتل عمار بايمان واخلاص المشركين مع رسول الله (ص) وناضل كاشد ما يكون النضال دفاعا عن كلمة التوحيد، وقاتل أعنف القتال مع أخي رسول الله (ص) دفاعا عن تاويل القران ودفاعا عن امام المسلمين فما أعظم عائدة عمار وألطافه على الاسلام . والتحم عمار مع القوى الغادرة التحاما رهيبا، وحمل عليه رجس من أرجاس البشرية يسمى أبو الغادية فطعنه برمحه طعنة قاتلة، فهوى الى الارض ذلك الصرح الشامخ من العقيدة والايمان يتخبط بدمائه الزكية ، وقد أضر به العطش فبادرت اليه امراة بلبن، فلما راه تبسم، وأيقن بدنو أجله، وراح يقول بنبرات هادئة مطمئنة : قال لي رسول الله (ص) : آخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن وتقتلك الفئة الباغية . ولم يلبث قليلا حتى لفظ انفاسه الاخيرة، وانطوت بموته أروع صفحة مشرقة من الايمان والجهاد، وارتفع ذلك العملاق الذي أضاء الحياة الفكرية باخلاصه واندفاعه نحو الحق . وكان الامام أمير المؤمنين (ع) برحا لم يقر له قرار حينما برز عمار الى ساحة الجهاد، فكان يقول : فتشوا لي عن ابن سمية، وانطلقت فصيلة من الجند تبحث عنه، فوجدوه قتيلا مضمخا بدم الشهادة فانبروا مسرعين الى الامام فاخبروه بشهادته، فانهد ركته، وانهارت قواه، وسرت موجات من الالم القاسي في محياه، فقد غاب عنه الناصر والاخ، ومشى الامام لمصرعه كئيبا حزينا، وعيناه تفيضان دموعا، وسار معه قادة الجيش وقد أخذتهم المائقة حزنا على البطل العظيم، ولما انتهى اليه القى بنفسه عليه وجعل يوسعه تقبيلا، وقد انفجر بالبكاء، وجعل يؤبنه بحرارة قائلا : " إن امرا من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر وتدخل عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد . - رحم الله عمارا يوم أسلم . رحم الله عمارا يوم قتل . رحم الله عمارا يوم يبعث حيا . لقد رايت عمارا وما يذكر من أصحاب رسول الله أربعة إلا كان رابعا، ولا خمسة إلا كان خامسا، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله يشك أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن، ولا اثنين فهنيئا لعمار بالجنة..." . وأخذ الامام راسه فجعله في حجره ودموعه تتبلور على خديه . وانبرى الامام الحسن وغيره فابنوا الشهيد العظيم بقلوب مذابة من الحزن، ثم قام الامام فواراه في مقره الاخير، ويقول المؤرخون : ان الفتنة وقعت في جيش معاوية حينما اذبع مقتل عمار فقد سمعوا ان رسول الله (ص ) قال في فضل عمار ان الفئة الباغية تقتله، وقد اتضح لهم انه الفئة الباغية التي عناها رسول الله (ص) ولكن ابن العاص استطاع أن يزيل الخلاف فقال لهم : ان الذى أخرج عمارا هو الذي قتله، واذعن بسطاء أهل الشام لما قاله ابن العاص . واشتد القتال باعنفه بعد مقتل عمار، وقد تفللت جميع قوى معاوية وبان الضعف في جيشه . مكيدة ابن العاص : لعل أبشع مهازل التاريخ البشري في جميع فترات التاريخ هي مكيدة ابن العاص في رفع المصاحف، وقد وصفها (راو حوست ميلر) بانها من أشنع المهازل وأسوئها في التاريخ البشري (46) وأكاد أعتقد أنه هذه المكيدة لم تكن وليدة المصادقة أو المفاجئة، فقد حيكت اصولها ووضعت مخططاتها قبل هذا الوقت فقد كان ابن العاص على اتصال دائم احيط بكثير من الكتمان مع جماعة من قادة الجيش العراقي في طليعتهم الاشعث بن قيس، فهما اللذان دبرا هذا الامر وقد ذهب الى هذا الراي الدكتور طه حسين قال : " فما استبعد أن يكون الاشعث بن قيس وهو ماكر أهل العراق وداهيتهم قد اتصل بعمرو بن العاص ماكر أهل الشام وداهيتهم ، ودبرا هذا الامر بينهم تدبيرا، ودبروا أن يقتتل القوم فان ظهر أهل الشام فذاك، وان خافوا الهزيمة أو أشرفوا عليها رفعوا المصاحف فاوقعوا الفرقة بين أصحاب علي وجعلوا باسهم بينهم شديدا " (47) . وعلى أي حال فان الهزيمة لما بدت باهل الشام، وتفللت جميع قواعدهم فزع معاوية الى ابن العاص يطلب منه الراي فاشار عليه يرفع المصاحف فامر بالوقت يرفعها فرفعت زهاء خمسمائة مصحف على أطراف الرماح قعالت الاصوات من أهل الشام بلهجة واحدة . " هذا كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته الى خاتمته، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام ؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق ؟ ومن لجهاد الروم ؟ ومن للترك ؟ ومن للكفار ؟. " وكانت هذه الدعوى كالصاعقة على رؤوس الجيش العراقي فقد انقلب راسا على عقب، فتدافعوا كالموج نحو الامام وهم ينادون : " لقد أعطاك معاوية الحق، دعاك الى كتاب الله فاقبل منه..." . ودلهم الامام على زيف هذه الحيلة، وانها جاءت نتيجة فشلهم في العمليات العسكرية، وانها لم يقصد بها إلا خداعهم وانهم رفعوا المصاحف لا إيمانا بها وانما هو من الخداع والمكر ومما يؤسف له انهم لم يقرروا حق مصيرهم، ومصير الامة في تلك الفترات الحاسمة من تاريخهم التي اشرفوا فيها على الفتح والنصر، ولم يبق من دك حصون الظلم ونسف قواعد الجور إلا لحظات . يا للمصيبة والاسف لقد أصروا على التمرد، والعناد، فانحاز منهم اثنا عشر ألفا وهم أهل الجباه السود، فخاطبوا الامام باسمه الصريح قائلين : " يا علي : اجب القوم الى كتاب الله إذ دعيت له، وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان، فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم..." . فكلمهم الامام برقة ولطف ليقلع روح التمرد منهم الا ان كلام الامام ذهب هباء وراح القوم في غيهم يعمهون، وهم يصرون على ارغام الامام على ايقاف القتال، وكان الاشعث بن قيس هو الذي يدفعهم الى ذلك وينادي باعلى صوته بالرضاء والقبول لدعوة أهل الشام . ولم ير الامام بدا من اجابتهم، فاصدر أوامره بايقاف عمليات الحروب، وقلبه الشريف يتقطع ألما وحزنا، فقد أيقن أن الباطل قد انتصر على الحق، وان جميع متاعبه ودماء جيشه قد ذهبت سدى . وأصر المتمردون على الامام بسحب مالك الاشتر من ساحة الحرب وكان قد أشرف على الانتصار، ولم يبق بينه وبين الفتح إلا حلبة شاة ، فارسل إليه الامام بالقدوم إليه فلم يعن بما امر به، وقال لرسول الامام : " قل لسيدي : ليست هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي اني قد رجوت الله أن يفتح لي فلا تعجلني..." ورجع الرسول فاخبر الامام بمقالة القائد العظيم فارتفعت أصوات اولئك الوحوش بالانكار على الامام قائلين : " والله ما نراك إلا أمرته ان يقاتل..." وامتحن الامام في أمرهم كاشد ما تكون المحنة فقال لهم : " أرايتموني ساررت رسولي (اليه) ؟ أليس انما كلمته على رؤوسكم علانية وانتم تسمعون ؟ " . وأصروا على الغي قائلين : " فابعث إليه فلياتيك، والا فوالله اعتزلناك.." . وأجمعوا على الشر، وأوشكوا أن يفتكوا بالامام فاصدر أوامره المشددة بانسحاب مالك من ساحة الحرب، واستجاب الاشتر لامر الامام فقفل راجعا وقد تحطمت قواه، وقال ليزيد الذي كان رسول الامام : " ألرفع هذه المصاحف - يعني حدثت هذه الفتنة - ؟ " نعم " . وعرف الاشتر مكيدة ابن العاص فقال : " أما والله لقد ظننت انها حين رقعت ستوقع اختلافا وفرقة انها مشورة ابن العاهرة " . ألا ترى الى الفتح، الا ترى الى ما يلقون ؟ الا ترى الى الذي يصنع الله لنا، أينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه ؟ ! ! " . وأحاطه يزيد علما بحراجة الموقف والاخطار الهائلة التي تحف بالامام قائلا : " أتحب انك ان ظفرت هاهنا، وان أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلم الى عدوه ؟.." . فقال الاشتر مقالة المؤمن : " سبحان الله، لا والله ما أحب ذلك ! ! " . " فانهم قالوا : لترسلن الى الاشتر فلياتينك أو لنقتلنك باسيافنا كما قتلنا ابن عفان، أو لنسلمنك الى عدوك.." . وقفل الاشتر راجعا قد استولى الحزن على اهابه، فقد ذهبت اماله ادراج الرياح فتوجه نحوهم يلومهم ويعنفهم، ويطلب منهم أن يخلوا بينه وبين عدوهم فقد أشرف على النصر والفتح . ولم يذعن أولئك الممسوخون لمقالة الاشتر فقد اصروا على الذل والوهن قائلين له : " لا لا " . " امهلوني عدوة فرس فاني قد طمعت في النصر. " " اذن ندخل معك في خطيئتك.." . وانبرى الاشتر يحاججهم وينقد ما ذهبوا اليه قائلا : " حدثوني عنكم - وقد قتل اماثلكم وبقي ارذالكم - متى كنتم محقين احين كنتم تقتلون أهل الشام، فانتم الان حين امسكتم عن القتال مبطلون، أم أنتم الان في امساككم عن القتال محقون ؟ فقتلاكم اذن الذين لا تنكرون فضلهم، وكانوا خيرا منكم في النار " . ولم يجد معهم هذا الكلام المشرق فقالوا له : " دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله، إنا لستا نطيعك فاجتنبنا " . ورد عليهم الاشتر بعنف حينما يئس من اصلاحهم وأخذ يحذرهم من مغية هذه الفتنة وأنهم لا يرون بعدها عزا أبدا . وحقا انهم لم يروا عزا، فقد أفلت من افقهم دولة الحق، وآل أمرهم الى معاوية فاخذ يسومهم سوء العذاب . وطلب مالك من الامام أن يناجزهم الحرب فابى لان العارضين كانوا يمثلون الاكثرية الساحقة في جيشه وفتح باب الحرب يؤدي الى أقطع النتائج فان الامة تقع فريسة سائغة بايدي الامويين . واطرق الامام براسه، وقد طاقت يه موجات من الالام، وأخذ يطيل التفكير في العاقبة المرة التي جرها هؤلاء العصاة للامة ويقول المؤرخون انهم قد اتخذوا سكوته رضى منه بالتحكيم فهتفوا . " ان عليا أمير المؤمنين قد رضي الحكومة، ورضي بحكم القران " . والامام غارق في الهموم، فقد أفلت منه الامر، وتمرد عليه جيشه وليس باستطاعته ان يعمل شيئا، وقد أدلى (ع) بما مني به، بقوله : " لقد كنت أمس أميرا، فاصبحت اليوم مامورا، وكنت أمس ناهيا فاصبحت اليوم منهيا.." . التحكيم : ولم تقف محنة الامام وبلاؤه في جيشه المتمرد الى هذا الحد من العصيان والخذلان وانما تجاوز الامر الى أكثر من هذا، فقد أصر المتمردون بقيادة الاشعث بن قيس على انتخاب أبي موسى الاشعري الذي هو من ألد اعداء الامام وأكثر هم حقدا عليه، وانما ألحوا على انتخابه لعلمهم بانه سيعزل الامام عن الحكم وينتخب غيره ممن يحقق أطماعهم، وقد احتف هؤلاء العصاة بالامام، وهم يهتفون : " إنا رضينا بابي موسى الاشعري " . وزجرهم الامام، ونهاهم عن انتخابه قائلا : " انكم قد عصيتموني في أول الامر، فلا تعصوني الان، إني لا أرى أن أولي أبا موسى " . وأصروا على غيهم وعنادهم قائلين : " لا نرضى الا به، فما كان يحذرنا وقعنا فيه " . وأخذ الامام يدلي عليهم واقع أبي موسى وانحرافه عنه قائلا : " إنه ليس لي بثقة، قد فارقني وخذل الناس عني، ثم هرب عني حتى آمنته بعد أشهر، ولكن هذا ابن عباس توليه. " وامتنعوا من ترشيح ابن عباس، فارشدهم ثانيا الى انتخاب مالك الاشتر فرفضوه وأصروا على انتخاب الاشعري، ولم يجد الامام بعد هذا بدا من الرضا والاذعان . وثيقة التحكيم : واتفق الفريقان على أن يحكموا ابن العاص من قبل أهل الشام ، وأبا موسى الاشعري من قبل العراقيين، وقد كتبوا صحيفة سجلوا فيها ما اتفقوا عليه من الاخذ بما يتفق عليه الحكمان وهذا نصها كما رواها الطبري : " بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ، ومعاوية بن أبي سفيان، قاضي علي على أهل الكوفة، ومن معهم من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين، وقاضي معاوية على أهل الشام ومن كان معهم من المؤمنين والمسلمين إنا ننزل عند حكم الله عز وجل وكتابه، ولا يجمع بيننا غيره، وان كتاب الله عز وجل من فاتحته الى خاتمته نحيي ما أحيا، ونميت ما أمات، فما وجد الحكمان في كتاب الله عز وجل، وهما أبو موسى الاشعري عبد الله بن قيس، وعمرو بن العاص القرشي عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله عز وجل فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة، وأخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين من العهود والميثاق والثقة من الناس انهما آمنان على أنفسهما وأهلهما، والامة لهما انصار على الذي يتقاضيان عليه ، وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله وميثاقه، العمل على ما في هذه الصحيفة، وان قد وجبت قضيتهما على المؤمنين، فان الامن والاستقامة ووضع السلاح بينهم أينما ساروا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وشاهدهم، وغائبهم، وعلى عبد الله بن قيس، وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه ان يحكما بين هذه الامة، ولا يرداها في حرب ولا فرقة حتى يعصيها، وأجل القضاء الى رمضان، وان أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه على تراض منهما، وإن توفي أحد الحكمين فان أمير الشيعة يختار مكانه، ولا يالوا من أهل المعدلة والقسط، وان مكان قضيتهم الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل للكوفة وأهل الشام، وان رضيا وأحبا فلا يحضرهما فيه إلا من أردا، وياخذ الحكمان من أرادا من الشهود ثم يكتبان شهادتهم على ما في هذه الصحيفة، وهم أنصار على من ترك ما في هذه الصحيفة وأراد فيه إلحادا وظلما اللهم انا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة " (48). ووقع عليها طائفة من الفريقين، وأصبحت نافذة المفعول، وقد حققت آمال معاوية وأنفذته من الاخطار التي كادت ان تطوي حياته ، وتقضي على أتباعه . والشئ المهم في هذه الوثيقة انها اهملت المطالبة بدم عثمان فلم تعرض لا بقليل ولا بكثير وانما كانت تنشد ايقاف الحرب، ونشر السلم والعافية بين الفريقين، وفيما اعتقد انها كتبت ولم يكن للامام فيها أي راي ، فقد خلى بين جيشه وبين ما يريدون . رجوع الامام للكوفة : وغادر الامام صفين متجها الى الكوفة، ولا اعتقد أن يلم كاتب بتصوير المحنة الكبرى التي المت بالامام، فقد رجع مثقلا بالهموم يرى باطل معاوية قد استحكم وأمره قد تم، وينظر الى جيشه اصبح متمردا يدعوه فلا يستجيب، ويامره فلا يطيع قد مزقت الفتنة جميع كتائبه، فقد كانوا فيما يقول المؤرخون يتشاتمون، ويتضاربون بالسياط، وينبغي بعضهم على بعض، واخطر ما حدث فيه انبثاق الفكرة الحرورية التي سنتحدث عنها فانها كانت سوسة تنخر في المعسكر العراقي واهم من اي خطر داهم عليه ، فقد اخذت تعمل على تفلل وحدة جيش الامام وتذيع الفتنة والخوف بين صفوفه . ودخل الامام الكوفة فراى لوعة وبكاءا قد سادت في جميع ارجائها حزنا على من قتل منها في صفين فان قتلى صفين بالقياس الى قتلى الجمل كانوا اضعافا اضعافا . مع المارقين : ويقول الرواة إن النبي (ص) سمى أهل النهروان بالمارقين، وانه قد عهد الى الامام امير المؤمنين (ع) بقتالهم كما عهد إليه بقتال الناكثين والقاسطين من بعده . والظاهرة البارزة في اتجاهات الخوارج هي الالتواء في السلوك، والاصرار على الجهل والعناد، فقد بنوا واقعهم على التعصب وعدم التدبر والامعان في حقائق الامور، وقد كان شعارهم الذي تفانوا في سبيله وقدموا له المزيد من الضحايا " لا حكم الا لله " ولكنهم لم يلبثوا أن جعلوا الحكم للسيف فنشروا الارهاب والخوف والفساد في الارض كما سنذكر ذلك وعلى اي حال فان الامام لما نزح من صفين الى الكوفة لم يدخلوا إليها ، وانما انحازوا الى (حروراء) فنسبوا إليها، وكان عددهم فيما يقول المؤرخون اثني عشر الفا، وقد جعلوا اميرهم على القتال شبث بن ربعي وعلى الصلاة عبد الله بن الكواء اليشكري، وخلعوا الامام عن الخلافة، وجعلوا الامر شورى بين المسلمين . والتاع الامام من تمردهم فاوقد للقياهم عبد الله بن عباس، وأمره ان لا يخوض معهم في ميدان الخضومة والنزاع حتى ياتيه الا انه لم يجد بدا من الحوار معهم وبينما هو يحاورهم إذ اطل عليهم الامام فنهى ابن عباس عن مناظرتهم، واقبل عليهم فقال لهم : اللهم إن هذا مقام من أفلج فيه كان اولى بالفلج يوم القيامة ، ومن نطق وأوعث فيه فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا، ثم قال لهم : - من زعيمكم ؟ - ابن الكواء ! - ما اخرجكم علينا ؟ - حكومتكم يوم صفين - أنشدكم بالله، اتعلمون انهم حيث رفعوا المصاحف، فقلتم نجيببهم الى كتاب الله، قلت لكم : إني اعلم بالقوم منكم، انهم ليسوا باصحاب دين، ولا قران، اني صحبتهم وعرفتهم اطفالا ورجالا، فكانوا شر اطفال ، وشر رجال، امضوا على حقكم، وصدقكم، فانهما رفع القوم هذه المصاحف خديعة، ودهنا ومكيدة، فرددتم علي رابي، وقلتم لا : بل نقبل منهم ، فقلت لكم : اذكروا قولي لكم، ومعصيتكم اياي، فلما أبيتم الا الكتاب اشترطت على الحكمين ان يحييا ما احيا القران، وأن يميتا ما امات القران ، فان حكما بحكم القران فليس لنا ان نخالف حكما يحكم بما في القران، وأن ابيا فنحن من حكمها براء " وابطلت هذه الحجة النيرة جميع اوهامهم، فهم المسؤلون عن التحكيم ، كما هو مسؤلون عن كل ما حدث من الفتنة والفساد وليس للامام ظلع في ذلك، وايقنوا ان الذنب ذنبهم وليس على الامام أي تبعة في ذلك فقالوا له : - اتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء ؟ - لسنا حكمنا الرجال إنما حكمنا القران، وهذا القران انما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق وانما يتكلم به الرجال . - خبرنا عن الاجل لم جعلته فيما بينك وبينهم ؟ - ليعلم الجاهل، ويثبت العالم، ولعل الله يصلح في هذه الهدنة هذه الامة . وسد عليهم الامام كل نافذة ينفذون منها، ووجد منهم تقاربا واذعانا لمقالته، فخاطبهم بناعم القول : " ادخلوا مصركم رحمكم الله. " فاجابوه الى ذلك، ورجلوا عن آخرهم معه الى الكوفة، الا انهم بقوا مصرين على فكرتهم يذيعونها بين البسطاء، حتى شاع أمرهم، وقويت شوكتهم واخذوا ينشرون الخوف والارهاب، ويدعون الى البغي، وعزل الامام وجعل الامر شورى بين المسلمين (49). اجتماع الحكمين : وانتهت المدة التي عينها الفريقان للتحكيم، وقد استرد معاوية قواه التي فقدها ايام صفين، واستحكم أمره، وقد ارسل الى الامام يطلب منه الوفاء بالتحكيم، وانما سارع الى ذلك لعلمه بما مني به جيش الامام من الفرقة والخلاف، ثم هو على علم بان النتيجة ستكون من صالحه لان المنتخب للتحكيم هو ابو موسى الاشعري، وهو على علم بانحرافه عن الامام واشخص الامام أبا موسى الاشعري الى التحكيم، وارسل اربعمائة من اصحابه جعل عليهم شريح بن هاني، وعبد الله بن عباس يصلي بهم، والتقى الحكمان الضالان على حد تعبير النبي (ص) (50) في دومة الجندل او في اذرح، ويقول المؤرخون إن ابن العاص لم يفتح الحديث مع الاشعري ثلاثة ايام ، فقد افرد له مكانا خاصا، وجعل يقدم له اطائب الطعام والشراب حتى استبطنه وارشاه، ولما ايقن انه صار العوبة بيده اخذ يضفي عليه النعوت الحسنة والالقاب الكريمة حتى ملك مشاعره وعواطفه فقد قال له : " يا أبا موسى انك شيخ اصحاب محمد (ص) وذو فضلها، وذو سابقتها، وقد ترى ما وقعت فيه هذه الامة من الفتنة العمياء التي لا بقاء معها، فهل لك ان تكون ميمون هذه الامة فيحقن الله بك دماءها فانه يقول : في نفس واحدة ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا، فكيف بمن احيا هذا الخلق كله. " ومتى كان الاشعري شيخ صحابة النبي (ص) ومن ذوي الفضائل والسوابق في الاسلام ؟ وانخدع الاشعري بهذه الكلمات المعسولة فطفق يسال ابن العاص عن سبل الاصلاح وحقن الدماء، فاجابه ابن العاص : " تخلع انت علي بن ابي طالب، وأخلع أنا معاوية بن أبي سفيان ونختار لهذه الامة رجلا لم يحضر في شئ من الفتنة، ولم يغمس يده فيها.." فبادر ابو موسى يسال عن الرجل الذي لم ينغمس في الفتنة قائلا : " من يكون ذلك ؟ " وكان ابن العاص قد عرف ميول الاشعري واتجاهاته نحو عبد الله ابن عمر فقال : " انه عبد الله بن عمر " وسر الاشعري بذلك واندفع يطلب منه العهود على الالتزام بما قاله " كيف لي بالوثيقة منك ؟ " " يا أبا موسى الا بذكر الله تطمئن القلوب، خذ من العهود والمواثيق حتى ترضى..." ولم يبق يمينا الا اقسم على الالتزام بما قاله، وايقن الاشعري بمقالة ابن العاص فاجابه بالرضا والقبول وعينا وقتا خاصا يذيعان فيه ما اتفقا عليه . واقبلت الساعة الرهيبة التي كانت تنتظرها الجماهير بفارغ الصبر ، واقبل الماكر ابن العاص مع زميله الاشعري الى منصة الخطابة ليعلنا للناس ما اتفقا عليه، واتجه ابن العاص نحو الاشعري فقال له : - قم فاخطب الناس يا أبا موسي . - قم انت فاخطبهم . وراح ابن العاص يخادع الاشعري قائلا له : " سبحان الله أنا أتقدمك ! ! وانت شيخ اصحاب رسول الله، والله لا فعلت ذلك أبدا.." داخل الاشعري العجب بنفسه من هذه الالقاب الفخمة التي اضفاها عليه ابن النابغة، وطلب الخامل المخدوع من ابن العاص الايمان أن يفي له بما قال، فاقسم له على الوفاء بما اتفقا عليه، (51) ولم تخف هذه الخديعة على حبر الامة عبد الله بن عباس فالتفت الى الاشعري يحذره من مكيدة ابن العاص قائلا له : " ويحك والله إنى لاظنه قد خدعك، إن اتفقتما على أمر فقدمه فليتكلم بذلك الامر قبلك، ثم تكلم انت بعده، فان عمرو رجل غادر لا آمن من أن يكون قد اعطاك الرضا فيما بينك وبينه، فاذا قمت في الناس خالفك.." ولم يعن الغبي بابن العباس، وانما راح يشتد نحو منصة الخطابة ، فلما استوى عليها حمد الله واثنى عليه، وصلى على النبي (ص) ثم قال : " ايها الناس إنا قد نظرنا في أمرنا فراينا أقرب ما يحضرنا من الامن والصلاح ولم الشعث، وحقن الدماء، وجمع الالفة، خلعنا عليا ومعاوية وقد خلعت عليا كما خلعت عمامتي هذه " واهوى الى عمامته فخلعها " واستخلفنا رجلا قد صحب رسول الله (ص) بنفسه، وصحب ابوه النبي (ص ) فبرز في سابقته، وهو عبد الله بن عمر..." (52) اف للزمان وتعسا للدهر أن يتحكم في المسلمين أمثال هؤلاء الصعاليك الذين ران الجهل على قلوبهم . لقد عزل الاشعري الامام امير المؤمنين حكيم هذه الامة، ورائد العدالة الكبرى في الارض، الذي طوق الدين بعبقرياته ومواهبه، لقد جعل الاشعري قيادة الامة بيد عبد الله بن عمر وهو لا يحسن طلاق زوجته - على حد تعبير أبيه - انها من مهازل الزمن التي تمثلت على مسرح الحياة العامة في ذلك العصر الذي اخمدت فيه اضواء العقل، وراح الانسان يسير خلف رغباته وميوله . وعلى أي حال فقد انبرى الخاتل الماكر ابن العاص الى منصة الخطابة فحمد الله واثنى عليه ثم قال : " أيها الناس ان أبا موسى عبد الله بن قيس خلع عليا، وأخرجه من هذا الامر الذي يطلب، وهو اعلم به، الا واني خلعت عليا معه ، وإثبت معاوية علي وعليكم، وان أبا موسى، قد كتب في الصحيفة (53) ان عثمان قد قتل مظلوما شهيدا وان لوليه أن يطلب بدمه حيث كان ، وقد صحب معاوية رسول الله بنفسه، وصحب ابوه النبي (ص) ثم اخذ يثني على معاوية، ويصفه بما هو ليس اهلا له ثم قال : هو الخليفة علينا وله طاعتنا وبيعتنا على الطلب بدم عثمان.." (54) واشتد الاشعري نحو ابن العاص بعد ما غور به ونكث عهده فصاح به . " مالك عليك لعنة الله ! ما انت إلا كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث وان تنركه يلهث " فزجره ابن العاص : " لكنك مثل الحمار يحمل أسفارا " . وصدق كل منهما في وصف صاحبه، لقد جر هذا التحكيم الى الامة كثيرا من المصاعب والفتن، وأخلد لها الخطوب والويلات . وماج العراقيون في الفتنة، وأيقنوا بضلال ما أقدموا عليه، وأنهزم الاشعري نحو مكة يصحب معه العار والخزي له ولذريته (55)، فقد غدر في المسلمين غدرة منكرة، وأكثر شعراء ذلك العصر في هجاء الكوفيين وهجاء الاشعرى يقول أيمن بن خريم الاسدي : لو كان للقوم راى يعصمون به * من الضلال رموكم بابن عباس لله در أبيه أيما رجل * ما مثله لفصال الخطب في الناس لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن * لم يدر ما ضرب اخماس لاسداس ان يخل عمرو به يقذفه في لجج * يهوي يه النجم تيسا بين أتياس أبلغ لديك عليا غير عاتبه * قول امرئ لا يرى بالحق من باس ما الاشعرى بمامون أبا حسن * فاعلم هديت وليس العجز كالراس فاصدم بصاحبك الادنى زعيمهم * ان ابن عمك عباس هو الآسي (56) وظفر معاوية بالنصر، فقد عاد إليه أهل الشام يسلمون عليه بامرة المؤمنين، وأما الامام أمير المؤمنين (ع) فقد أغرق جيشه في الفتنة والفرقة والخلاف، فجعل بعضهم يتبرأ من بعض، وقد شاع فيهم الخلاف ، وعرفوا وبال ما جنت أيديهم، فخطب الامام الحسن خطابا مسهبا دعاهم فيه الى الالفة والمودة، وكذلك خطب فيهم عبد الله بن عباس، وعبد الله ابن جعفر، وقد شجبا في خطابهما التحكيم ودعا الناس الى الطاعة ونبذ الخلاف (57) وقد استجاب لهم بعض الناس، وأصر آخرون على التمرد والعصيان . ولما انتهى خبر التحكيم الى الامام بلغ به الحزن أقصاه فجمع الناس وخطبهم خطابا مؤثرا صعد فيه آلامه وأحزانه على مخالفة أوامره في ايقاف القتال، والاستجابة لنداء عدوه الذي قضى فيه على ما احرزوه من الفتح والنصر، يقول (ع) : " الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدث الجليل ، وأشهد أن لا إله إلا الله، وان محمدا عبده ورسوله. اما بعد. فان مخالفة الناصح الشفيق المجرب تورث الحسرة، وتعقب الندم، وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين، وهذه الحكومة بامري، ونخلت لكم رايي لو يطاع لقصير راي. ولكنكم أبيتم الا ما أردتم : فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن . أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد الا ضحى الغد الا ان الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم الكتاب وراء ظهورهما وارتايا الراي من قبل انفسهما فأماتا ما أحيا القران وأحييا ما أمات القران . ثم اختانا في حكمهما فكلاهما لا يرشد ولا يسدد فبرئ الله منها ورسوله وصالح المؤمنين فاستعدوا للجهاد، وتاهبوا للمسير، واصبحوا في معسكركم يوم الاثنين ان شاء الله.."(58) وتهيات قواته المسلحة الى السفر في الموعد الذي ضربه لها، وكتب الى أهل البصرة يدعوهم الى نصرته فالتحقت به كتائب من الجيش . تمرد المارقين : وسافر الامام باصحابه يريد الشام، ولكنه لم يلبث حتى وافاته الانباء بتمرد الخوراج وفسادهم، وانهم عادوا الى فكرتهم، ويقول المؤرخون ان جماعة منهم خرجوا من الكوفة والتحق بهم اخوانهم من اهل البصرة ، وساروا جميعا الى النهروان فاقاموا فيه وأخذوا يعيثون في الارض فسادا ، فاستحلوا دماء المسلمين، وقالوا بكفرهم، واجتاز عليهم الصحابي عبد الله بن خباب بن الارت، فتصدوا له فسالوه عن اسمه فاخبرهم به، ثم سالوه عن انطباعاته الخاصة عن الامام امير المؤمنين فاثنى عليه فاستشاطوا غضبا فانبروا إليه فاوثقوه كتافا، واقبلوا به وبامراته وكانت حبلى قد اشرفت على الولادة فجاؤا بهما تحت نخل، فسقطت رطبة منها فبادر بعضهم إليها فوضعها في فيه فانكروا عليه فالقاها من فمه، واخترط بعضهم سيفا فضرب به خنزيرا لاهل الذمة فقتله فصاح به بعضهم ان هذا من الفساد في الارض، فبادر الرجل الى الذمي فارضاه فلما نظر عبد الله الى احتياطهم في الاموال قال لهم : " لئن كنتم صادقين فيما ارى ما علي منكم باس، والله ما أحدثت حدثا في الاسلام واني لمؤمن، وقد آمنتموني وقلتم لا روع عليك " . فلم يعنوا به، وعمدوا إليه فاقبلوا به الى الخنزير الذي قتلوه فوضعوه عليه، وذبحوه، واقبلوا على امراته، وهي ترتعد من الخوف فقالت لهم مسترحمة : " إنما إنا امراة اما تتقون الله ؟ " ولم تلن قلوبهم التي طبع عليها الزيغ، فذبحوها وبقروا بطنها، وعمدوا الى ثلاثة نسوة فقتلوهن، (59) وفيهن أم سنان الصيداوية وكانت قد صحبت النبي (ص)، وجعلوا يذيعون الذعر، وينشرون الفساد في الارض . وأوفد لهم الامام الحرث بن مرة العبدي يسالهم عن هذا الفساد الذي احدثوه ويطلب منهم ان يسلموا إليه الذين استحلوا قتل الانفس التي حرم الله ازهاقها بغير الحق، ولم يكد الرسول يدنو منهم حتى قتلوه ولم يدعوه يدلي بما جاء به . قتال المارقين : وكره اصحاب الامام أن يسيروا الى الشام، ويتركوا من ورائهم الخوراج يستبيحون أموالهم واعراضهم من بعدهم فطلبوا من الامام أن ينهض بهم لمناجزتهم فاذا فرغوا منهم تحولوا الى حرب معاوية، فاجابهم الامام الى ذلك وسار بهم حتى اتى النهروان فلما صار بازاء الخوارج، ارسل إليهم يطلب منهم قتلة عبد الله بن خباب ومن كان معه من النسوة، كما طلب منهم قتلة رسوله الحرث بن مرة، ليكف عنهم ويمضي الى حرب معاوية، ثم ينظر في امورهم فاجابوه . " ليس بيننا وبينك الا السيف الا ان تقر بالكفر وتتوب كما تبنا ! " فالتاع الامام منهم وانطلق يقول : " ابعد جهادي مع رسول الله، وايماني أشهد على نفسي بالكفر ؟ لقد ضللت إذا وما انا من المهتدين.." (60) وجعل الامام يعظهم تارة ويراسلهم أخرى فجعل كثير منهم يتسللون ، ويعودون الى الكوفة، وقسم منهم التحق بالامام، وفريق ثالث اعتزل الحرب، ولم يبق الا ذو الثفنات عبد الله بن وهب الراسبي زعيم الخوراج ، ومعه ثلاث آلاف . ولما يئس الامام من ارشادهم عبا جيشه، وأمر بان لا يبدوءهم بقتال حتى يقاتلوهم، ولما نظر الخوارج الى تهياة الامام تهياؤا للحرب، وكانت قلوبهم تتحرق شوقا الى القتال تحرق الظمان الى الماء وهتف بعضهم " هل " من رائح الى الجنة " فتصايحوا جميعا " الرواح الى الجنة " ثم حملوا حملة منكرة على جيش الامام، وهم يهتفون بشعارهم " لا حكم الا الله " فانفرجت لهم خيل الامام فرقين، فرق يمضي الى الميمنة، وفرق يمضي الى الميسرة ، والخوارج يندفعون بين الفرقين، ولم تمض الا ساعة حتى قتلوا عن آخرهم ، ولم يفلت منهم الا تسعة (61) . ولما وضعت الحرب أوزارها طلب الامام من اصحابه أن يلتمسوا له ذا الثدية في القتلي ففتشوا عنه فلم يظفروا به، فعادوا إليه يخبرونه بعدم ظفرهم به فامرهم ثانيا أن يبحثوا عنه قائلا : " والله ما كذبت ولا كذبت ويحكم التمسوا الرجل فانه في القتلي " فانطلقوا يبحثون عنه، فظفر به رجل من اصحابه، وكان قد سقط قتيلا في ساقية فمضى يهرول فاخبر الامام به فلما سمع النبا خر ساجدا هو ومن معه من اصحابه ثم رفع راسه وهو يقول : " ما كذبت، ولا كذبت ولقد قتلتم شر الناس..." واخذ الامام يحدث اصحابه بما سمعه من النبي (ص) فيه انه قال : " سيخرج قوم يتكلمون بكلام الحق لا يجاوز حلوقهم يخرجون من الحق خروج السهم - أو مروق السهم - ان فيهم رجلا مخدج اليد، في يده شعرات سود، فان كان فيهم فقد قتلتم شر الناس...وأمر الامام باحضار جثته فاحضرت له فكشف عن يده، فاذا على منكبه ثدي كثدي المراة، وعليها شعرات سود تمتد حتى تحاذي بطن يده الاخرى، فاذا تركت عادت الى منكبه، فلما راى ذلك خر لله ساجدا، ثم عمد الامام الى القتلى من الفريقين فدفنهم وقسم بين اصحابه سلاح الخوارج، ودوابهم ورد الامتعة والعبيد الى اهليهم، كما فعل ذلك باصحاب الجمل . وانتهت بذلك حرب النهروان التي تفرعت من واقعة صفين، وقد اسفرت عن تشكيل حزب ثوري عنيف ظهر في الاسلام، وهو حزب الحرورية الذي أخذ على نفسه التمرد على الحكومات القائمة في البلاد الاسلامية ومحاربتها بشكل سافر مما ادى الى اراقة الدماء، واشاعة الفتنة والخلاف في كثير من تلك العصور . لقد كان البارز في الانظمة الدينية للخوارج هو الحكم بكفر كل من لايدين بفكرتهم من المسلمين، واستباحة دمائهم واموالهم، وفيما أحسب ان اكثر الجرائم المريعة التي صدرت في معركة كربلا تستند الى هؤلاء الممسوخين الذين سلبت عنهم كل نزعة انسانية، فقد تاثر الكثيرون من ذلك الجيش باخلاقهم فاندفعوا الى الجريمة بابشع صورها والوانها . مخلفات الحرب : واعقبت تلك الحروب اعظم المحن واشدها هولا، ولم يمتحن الامام بها وحده، وانما امتحن بها العالم الاسلامي، فقد اخلدت له الفتن ، وجرت له الكثير من الويلات والخطوب، ولعل اعظم ماعانه منها مايلي : انتصار معاوية : واتاحت الفرص لمعاوية بعد تلك الاحداث أن يعلن نفسه لاول مرة بانه المرشح للخلافة بعد أن كان حاكما على اقليم الشام، وراح يعلن انتصاره على الامام وتغلب عليه بقوله : " لقد حاربت عليا بعد صفين بغير جيش ولا عناء أو لا عتادا (62) واما الامام فقد اصبح بمعزل عن السلطات السياسية والعسكرية، فكان يدعو فلا يسمع لدعوته، ويقول فلا يلتفت الى قوله لقد ادت تلك الحروب الى تحول الخلافة الاسلامية الى حكم قيصري لاظل فيه لحكم الاسلام، ومنطق القران، فقد آل الامر الى المعاوية ، فاتخذ مال الله دولا، وعباد الله خولا، وارغم المسلمين على ما يكرهون . تفلل جيش الامام : وتفللت جميع القوات العسكرية في جيش الامام، وشاعت الفرقة والاختلاف فيما بينها، خصوصا بعد واقعة النهروان، فقد انحطت معنويات الجيش يقول البلاذري ان معاوية ارسل عمارة بن عقبة الى الكوفة ليتجسس له عن حالة جيش الامام، فكتب له خرج على علي اصحابه، ونساكهم فسار إليهم فقتلهم، فقد فسد عليه جنده وأهل مصره، ووقعت بينهم العداوة، وتفرقوا أشد الفرقة، فقال معاوية للوليد بن عقبة : اترضى أخوك بان يكون لنا عينا - وهو يضحك - فضحك الوليد وقال : إن لك في ذلك حظا ونفعا، وقال الوليد لاخيه عمارة : إن يك ظني يابن أمي صادقا * عمارة لا يطلب بذحل ولا وتر مقيم واقبال ابن عفان حوله * يمشي بها بين الخورنق والجسر وتمشي رخي البال منتشر القوى * كانك لم تشعر بقتل ابن عمرو(63) لقد مني جيش الامام بالفتنة والخلاف، ولم يكن باستطاعة الامام بما يملك من طاقات خطابية هائلة أن يرجع إليهم حوازب احلامهم ، ويقضي على عناصر الشغب والتمرد التي اصبحت من ابرز ذاتياتهم . ومما زاد في تمرد الجيش ان معاوية راسل جماعة من زعماء العراق البارزين كالاشعث بن قيس فمناهم بالاموال، ووعدهم بالهبات والمناصب اذا قاموا بعمليات التخريب في جيش الامام وشعبه فاستجابوا إليه فقاموا بدورهم في اشاعة الاراجيف، وتضليل الراي العام، وبث روح التفرقة والخلاف بين الناس (64) وقد اثرت دعايتهم تاثيرا هائلا في اوساط ذلك الجيش، فقد خلعوا طاعة الامام، وعمدوا الى عصيانه . لقد كانت الاكثرية الساحقة في معسكر الامام لهم رغباتهم الخاصة التي تتنافى مع مصلحة الدولة، وغايات رئيسها في حين أن شعب الشام كان على العكس من ذلك يقول الحجاج بن خزيمة لمعاوية : " انك تقوى بدون ما يقوى به علي لان معك قوما لا يقولون اذا سكت، ويسكنون اذا نطقت ، ولا يسالون اذا امرت ومع علي قوم يقولون اذا قال : ويسالون اذا سكت " (65). احتلال مصر : ولم تقف محنة الامام وبلاؤه عند حد، وانما اخذت تتابع عليه المحن ، وهي كاشد ما تكون هولا، فانه لم يكد ينتهي من مناجزة المارقين حتى ابتلى في امر دولته فقد أخذ معاوية يحتل اطرافها، ويغير على بعضها ، ويشيع فيها الخوف والارهاب فقد ايقن بتخاذل جيش الامام، وما مني به من الفرقة والاختلاف، وقد اجمع رايه على احتلال مصر التي هي قلب البلاد العربية، وقد جعلها طعمة الى وزيره وباني دولته عمرو بن العاص ليتمتع وحده بخيراتها .وكان الامام قد ولى على مصر الزعيم الكبير قيس بن سعد الانصاري الذي كان من المع الشخصيات الاسلامية في حسن سياسته وعمق تفكيره وبعد نظره، وقد ساس المصريين أيام المحنة سياسة عدل وحق، وقضى على الاضطرابات الداخلية، ونشر المحبة والالفة فيها، وقد عزله الامام عنها وولى مكانه الطيب محمد بن أبي بكر، فاضطرب أمر مصر، وظهرت الدعوة العثمانية فيها فعزل الامام محمدا عنها وولى مكانه مالك الاشتر النخعي الذي هو من انصح الناس للامام واكثرهم اخلاصا له الا انه لم يكد ينتهي الى (القلزم) حتى مات واجمع المؤرخون على ان معاوية قد اغوى صاحب الخراج في (القلزم) فدس إليه سما في شربة من عسل فمات بها، وكان معاوية وصاحبه ابن العاص يتحدثان بعد ذلك، ويقولان : إن لله جنودا من عسل . وجهز معاوية جيشا لاحتلال مصر، وأمر عليه ابن العاص، ولما علم الامام ذلك أقر محمدا على مصر، ووعده بان يمده بالجيش والمال، واخذ يدعو أهل الكوفة لنجدة اخوانهم في مصر، فلم يستجيبوا له، وجعل الامام يلح عليهم ويطلب منهم النجدة فاستجاب له جند ضئيل كانما يساقون الى الموت فارسلهم الى مصر، ولكنه لم يلبث ان وافته الانباء بان ابن العاص قد احتل مصر، وان عامله محمدا قد قتل وأحرقت جثته في النار، فرد جنده، وخطب أهل الكوفة خطابا مثيرا ندد بهم، ونعى عليهم تخاذلهم وخور عزائمهم . وعلى اي حال فان احتلال مصر قد قوى شوكة معاوية، ودفعه الى ان يغزو اهل العراق في عقر دارهم . الغارات : ولم يقنع معاوية بما احرزه من النصر في احتلاله لمصر، وانما راح يشيع الذعر والهلع في البلاد الخاضعة لحكم الامام ليشعر اهلها بان عليا قد ضعف سلطانه، وانه لا يتمكن على حمايتهم ورد الاعتداء عنهم، وقد شكل قطعا من جيوشه، وعهد إليها ان تتوغل في البلاد، وتشيع فيها الفساد والقتل، وقد ولى عليها جماعة من السفاكين الذين تمرسوا في الجرائم ، وتجردوا من كل نزعة انسانية، وعهد لكل واحد منهم ان يقتل كل من كان شيعة للامام، ويغير على جهة خاصة بسرعة خاطفة، ونعرض - بايجاز - الى بعض تلك الغارات . الغارة على العراق : وشكل معاوية اربع قطع للغارة على اطراف العراق وداخله ليملأ قلوب العراقيين فزعا وخوفا حتى لا يستجيبوا للجهاد اذا دعاهم الامام إليه، وهذه بعض المناطق العراقية التي غار عليها .1 - عين التمر : وارسل معاوية النعمان بن بشير الانصاري في الف رجل الى عين التمر ، وكان فيها مالك بن كعب، ومعه كتيبة من الجيش تبلغ الف رجل الا انه لم يعلم بغزو اهل الشام له، فاذن لجنده باتيان اهلهم في الكوفة وبقي في مائة رجل، ولما دهمه جيش معاوية قاومه مقاومة باسلة، وتوجهت له نجده تبلغ خمسين رجلا فلما راهم النعمان فزع وولى هاربا فقد ظن ان لهم مددا ولما بلغت الامام انباء هذه الغارة قام خطيبا في جيشه يدعوهم الى نجدة عامله فقال (ع) : " يا أهل الكوفة كلما اطلت عليكم سرية وأتاكم منسر من مناسر أهل الشام اغلق كل امرء منكم بابه قد انحجر في بيته انحجار الضب في جحره والضبع في وجارها، الذليل والله من نصرتموه، ومن رضي بكم رمى بافوق ناصل، فقبحا لكم وترحا، وقد ناديتكم، وناجيتكم، فلا احرار عند اللقاء، ولا اخوان (66) عند النجا، قد منيت منكم بصم لا يسمعون ، وبكم لا يعقلون، وكمه لا يبصرون " (67). 2 - هيت : ووجه معاوية للغارة على هيت سفيان بن عوف وضم إليه ستة الاف ، وأمره ان ياتي بعد الغارة عليها الى الانبار والمدائن فيوقع باهلها، وسار بجيشه الى هيت فلم يجد بها أحدا فانعطف نحو الانبار، فوجد بها مسلحة للامام تتكون من مائتي رجل فقاتلهم وقتل اشرس بن حسان الكبري مع ثلاثين رجلا من اصحابه، ثم نهبوا ما في الانبار من اموال، وتوجهوا الى معاوية، وهم مسرورون بما احرزوه من النصر، وبما نهبوه من الاموال (68) وبلغت انباء الانبار عليا فاثارته الى حد بعيد، وبلغ به الغيظ اقصاه، وكان عليلا لا يمكنه الخطاب فكتب كتابا قرا على الناس، وقد ادنى من السدرة ليسمع القراءة (69) وهذا نصه : " اما بعد : فان الجهاد باب من ابواب الجنة فمن تركه رغبة عنه البس ثوب الذلة، وشمله البلاء، وديث بالصغار، وسيم الخسف ، ومنع النصف، وقد دعوتكم الى جهاده هؤلاء القوم ليلا ونهارا وعلانية وسرا ، وأمرتكم أن تغزوهم قبل ان يغزوكم فانه ما غزي قوم في عقر دارهم الا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم، وثقل عليكم قولي، وعصيتم أمري وأتخذتموه وراءكم ظهريا، حتى شنت عليكم الغارات من كل ناحية، هذا أخو غامد قد وردت خيله الانبار فقتل ابن حسان البكري، وأزال مسالحكم عن مواضعها وقتل منكم رجالا صالحين، ولقد بلغني أن الرجل من أهل الشام كان يدخل بيت المسلمة والاخرى المعاهدة فياخذ حجلها وقلبها وقلادتها ، فيا عجبا يميت القلب، يجلب الهم، ويسعر الاحزان من جد هؤلاء القوم في باطلهم، وفشلكم عن حقكم فقبحا وترحا حيث صرتم غرضا يرمى ، يغار عليكم فلا تغيرون، ويعصى الله فترضون، اذا قلت لكم : اغزوا عدوكم في الحر قلتم هذه حمارة القيظ من يغزوا فيها ؟ امهلنا ينسلخ عنا الحر، واذا قلت : اغزوهم في انف الشتاء قلتم الحر والقر، فكل هذا منكم فرار من الحر والقر ؟ فانتم والله من السيف أفر، يا أشباه الرجال ، حلوم الاطفال وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم اركم، وان الله اخرجني من بين اظهركم، فلقد ملئتم صدري غيظا وجرعتموني نغب التهمام انفاسا، وافسدتم علي رايي بالعصيان، حتى قالت قريش : إن ابن إبي طاب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله ابوهم وهل منهم أحد اشد لها مراسا وقعاسا مني لقد نهضت فيها وقد بلغت العشرين (70) فهاناذا قد ذرت على الستين، ولكن لا راي لمن لا يطاع" (71). وقد صور هذا الخطاب ما في نفس الامام من غيظ ممض، وياس شديد من اصحابه الذين امتلات قلوبهم خوفا وذلا من أهل الشام فتخاذلوا وقبعوا في بيوتهم يطاردهم الفزع، حتى فسد على الامام أمره. 3 - واقصة : ووجه معاوية الضحاك بن قيس الفهري الى واقصة ليغير على كل من كان فيها من شيعة الامام وضم إليه ثلاثة آلاف رجل، فسار الضحاك فنهب أموال الناس، وقتل كل من ظن أنه على طاعة الامام، وسار حتى انتهى الى القطقطانة، وهن يشيع القتل والارهاب ثم سار الى السماوة ، وبعدها ولى الى الشام، ولما وافت الانباء الامام (ع) قام خطيبا في جيشه وقد دعاهم الى صد هذا الاعتداء فلم يستجب له أحد، فقال (ع) : " وددت والله ان لي بكل عشرة منكم رجلا من أهل الشام، واني صرفتكم كما يصرف الذهب ولوددت أني لقيتهم على بصيرتي فاراحني الله من مقاساتكم ومداراتكم " وسار الامام وحده نحو الغريين لصد هذا الاعتداء فلحقه عبد الله بن جعفر بدابة فركبها، ولما راى الناس ذلك خف إليه بعضهم، فسرح (ع ) لطلب الضحاك حجر بن عدي في اربعة آلاف، وسار في طلبه فلم يدركه فرجع(72) لقد اخذت غارات معاوية تتوالى على العراق، من دون ان تتعرض لاي مقاومة تذكر، وقد ايقن معاوية بالنصر، والظفر لما مني به اصحاب الامام من التخاذل . الغارة على الحجاز واليمن : وبعث معاوية بسر بن أرطاة في ثلاثة آلاف للغارة على الحجاز واليمن فاتجه نحو يثرب فلم يجد من أهلها أية مقاومة، فصعد المنبر ورفع عقيرته يندب عثمان وينشر الرعب والارهاب بين الناس .وأخذ البيعة من أهلها لمعاوية، ثم سار الى اليمن، وكان عليها عبيد الله ابن عباس عاملا للامام، فهرب منه حتى أتى الكوفة، فاستخلف الامام عليها عبد الله الحارثي فقتله بسر، وقتل ابنه، وعمد الى طفلين لعبيد الله فقتلهما ولما انتهى خبرهما الى امها فقدت وعيها، وراحت ترثيهما بذوب روحها بابياتها المشهورة (73) . لقد قام سلطان معاوية على قتل الابرياء، وذبح الاطفال، واشاعة الرعب والفزع في البلاد . ولما انتهت الانباء الاليمة الى الامام خارت قواه، ومزق الاسى قلبه وراح يخطب في جيشه يذكر ما عاناه من الخطوب والكوارث منهم قائلا : " انبئت بسرا قد اطلع اليمن (74) واني والله لاظن ان هؤلاء القوم سيدالون (75) منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم امامكم في الحق وطاعتهم امامهم في الباطل، وبادائهم الامانة الى صاحبهم وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم، وفسادكم، فلو أئتمنت أحدكم على قعب (76) لخشيت أن يذهب بعلاقته (77) اللهم اني قد مللتهم وملوني ، وسئمتهم وسئموني فابدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني، اللهم مث في قلوبهم كما يماث الملح في الماء أما والله لوددت ان لي الف فارس من بني فرس ابن غنم (78) : هنا لك لو دعوت أتاك منهم * فوارس مثل ارمية الحميم ثم نزل عن المنبر (79) وهو غارق بالهموم والاحزان قد استولى الياس على نفسه من أصحابه الذين أصبحوا أعصابا رخوة خالية من الشعور والاحساس هذه بعض الغارات التي شنها معاوية على العراق وخارجه من الاقاليم الاسلامية الخاضعة لحكم الامام، وكان المقصود منها زعزعة هذه المناطق من ايمانها بمقدرة الامام على حمايتها من الاعتداء، واذاعة مقدرة معاوية وقوته العسكرية، وتقوية الروح المعنوية في جيشه، وحزبه المنتشر في تلك البلاد . وعلى أي حال فقد صورت هذه الغارات جانبا كبيرا من الضعف والتمرد في جيش الامام، حتى طمع معاوية في شن هجوم عام على العراق لاحتلاله، والقضاء على حكومة الامام، ومن المؤكد أنه لو فعل ذلك لوجد الطريق سهلا، ولم يجد أية صعوبة أو مقاومة تذكر، فقد خلد القوم الى الراحة، وسئموا من الجهاد . عبث الخوارج : وتواكبت المحن الشاقة على الامام يقفو بعضا، فغارات معاوية متصلة على العراق وخارجه، وهي تنشر الرعب والهلع في قلوب المواطنين والامام لا يتمكن على حماية الامن، وصيانة الناس من الاعتداء قد خلع جيشه يد الطاعة وأعلن العصيان والتمرد، ولم يعد له أي نفوذ أو سلطان عليه ومن تلك المحن الشاقة التي ابتلي بها الامام هي فتنة الخوارج فانه لم يقض عليهم في النهروان، وانما قضى على جماعة منهم، وبقي أكثرهم يعيشون معه، وهم يكيدون له، ويتربصون به الدوائر، ويحولون قلوب الناس عنه، قد امنوا من بطشه واستيقنوا انه لن يبسط عليهم يدا ، ولا ينزل بهم عقوبة، وقد أطمعهم عدله، وأغراهم لينه فراحوا يجاهرون بالرد والانكار عليه، فقد قطع بعضهم عليه خطبته تاليا قوله تعالى :" لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " فاجابه الامام باية اخرى " فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " وجاءه الخريت ابن راشد السامي في ثلاثين من أصحابه فقال له : يا علي والله لا أطيع أمرك، ولا اصلي خلفك، واني غدا مفارق لك، فلطف به الامام وحاججه وهلى بينه وبين حريته، فلم يسجنه، وانما ترك له الطريق مفتوحا وولى الرجل الى قومه من بني ناجية فاخبرهم بما كان بينه وبين الامام، ثم خرج في الليل يريد الحرب وجرت أحداث كثيرة في خروج الخريت وتمرده ذكرها المؤرخون بالتفصيل . وعلى أي حال فان المسؤولية الكبرى في كثير من الاحداث المفزعة التي مني بها العالم الاسلامي تقع على الخوارج فهم الذين قضوا على مصير الامة في أهم الفترات الحاسمة من تاريخها حينما كتب النصر للامام، وباء معاوية بالهزيمة والفشل، بحيث لم يبق من حياته إلا فترة يسيرة من الزمن قدرها قائد القوات العسكرية في جيش الامام مالك الاشتر، بحلبة شاة أو بعدوة فرس، فاضاعوا ذلك النصر الكبير وأرغموا الامام على قبول التحكيم. دعاء الامام على نفسه : وطافت بالامام موجات رهيبة ومذهلة من الاحداث والازمات فهو يرى باطل معاوية قد استحكم، وأمره قد تم، ويرى نفسه في ارباض الكوفة قد احتوشته ذئاب العرب الذين كرهوا عدله، ونقموا عليه مساواته وعملوا جاهدين على الحيلولة بينه وبين تحقيق آماله من القضاء على الاثرة والاستعلاء والطغيان .والشئ الوحيد الذي أقض مضجع الامام هو تمزق جيشه، وتفلل جميع وحداته، فقد أصبح بمعزل عن جميع السلطات، وقد نظر (ع) الى المصير المؤلم الذي سيلاقونه من بعده فقال : " أما انكم ستلقون بعدي ذلا شاملا، سيفا قاطعا، واثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة، فيفرق جماعتكم، ويبكي عيونكم، يدخل الفقر بيوتكم وتتمنون عن قليل انكم رايتموني فنصرتموني، فستعلمون حق ما أقول لكم، ولا يبعد الله إلا من ظلم وأثم..."(80) . ولم يجد نصح الامام معهم شيئا فقد تمادوا في الغي، وعادت لهم جاهليتهم الرعناء . وقد سئم الامام منهم وراح يتمني مفارقة حياته فكان كثيرا ما يقول في خطبة : " متى يبعث أشقاها " واخذ يلح بالدعاء، ويتوسل الى الله بقلب منيب أن يريحه منهم فقد روى البلاذري عن أبي صالح قال شهدت عليا، وقد وضع المصحف على راسه حتى سمعت تقعقع الورق وهو يقول : " اللهم إني سالتهم ما فيه فمنعوني ذلك، اللهم إني قد مللتهم وملوني ، وابغضتهم وابغضوني، وحملوني على غير خلقي، وعلى اخلاق لم تكن تعرف لي، فابدلني خيرا لي منهم، وابدلهم بي شرا، ومث قلوبهم ميث الملح.." (81) . واستجاب الله دعاء وليه العظيم فنقله بعد قليل الى حضيرة القدس مع النبيين والصديقين واراحه من ذلك المجتمع الذي كره الحق، ونقم على العدل، وقد سلط الله عليهم ارجاس البشرية فاخذوا يمنعون في ظلمهم واذلالهم، فياخذون البرئ بالسقيم، والمقبل بالمدبر، ويقتلون على الظنة والتهمة، فاستيقظوا عند ذلك، واخذوا يندمون أشد الندم على ما اقترفوه من الاثم تجاه الامام وما فرطوا به من عصيانه وخذلانه . هذه بعض مخلفات تلك الحروب التي امتحن بها الامام كاشد ما يكون الامتحان قسوة وارهاقا ولم يمتحن بها وحده، وانما امتحن بها العالم الاسلامي باسره، فقد اخلدت للمسلمين المشاكل والخطوب والقتهم في شر عظيم . لقد واكب الامام الحسين (ع) هذه الاحداث المفزعة التي جرث على أبيه، ووقف على واقعها، وقد استبان له كراهية القوم لابيه لانه لم يداهن في دينه، واراد أن يحمل الناس على الحق المحض والعدل الخالص، ولا يدع محروما، ولا مظلوما في البلاد . وعلى اي حال فان هذه الحروب قد ساهمت مساهمة ايجابية في خلق كارثة كربلاء التي لم تات الا بعد انهيار الاخلاق، وأماتة الوعي الديني ، والاجتماعي، واشاعة الانتهازية والتحلل بين افراد المجتمع، فقد سيطرت الرأسمالية القرشية على الشؤون الاجتماعية فاخذت تعيث فسادا في الارض وتنقض جميع ما اقامه الاسلام من صروح للفضيلة والاخلاق، وكان من اسوء ما قامت به انها عملت جاهدة على اشاعة العداء والكراهية لاهل البيت (ع) الذين هم مصدر الوعي والاحساس في هذه الامة . فقد عمدت بشكل سافر الى تقطيع او صالهم على صعيد كربلا، وابادتهم ابادة جماعية بصورة رهيبة لم يحدث لها نظير في تاريخ الانسانية .
(1) مستدرك الحاكم 3 / 139، تاريخ بغداد 8 / 340، أسد الغابة 4 / 33، كنز العمال 6 / 82، مجمع الزوائد 9 / 235. (2) أنساب الاشراف ج 1 ق 1. (3) شرح النهج 1 / 231. (4) و (5) تاريخ ابن الاثير 3 / 106. (6) نص خطابها في تاريخ الطبري 3 / 468. (7) الفتوح 2 / 282 - 283. (8) شرح النهج 2 / 79. (9) ابن الاثير 3 / 107، تاريخ الطبري 3 / 475، تذكرة الخواص. (10) روى ابن عباس عن رسول الله (ص) أنه قال يوما لنسائه وهن جميعا عنده : ايتكن صاحبة الجمل الادب تنبحها كلاب الحواب ، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلهم في النار، وتنجو بعدما كادت ، شرح النهج 2 / 297، ابن كثير 6 / 297، ابن كثير 6 / 212، الخصائص للسيوطي 2 / 137 الاستيعاب وجاء فيه : " وهذا الحديث من اعلام نبوته (ص) " . (11) مروج الذهب 2 / 347، تاريخ اليعقوبي. (12) شرح النهج 2 / 81. (13) الامامة والسياسة 1 / 64 . (14) شرح النهج 2 / 50. (15) شرح النهج 2 / 50 . (16) حياة الامام الحسن 1 / 430 . (17) أسد الغابة 2 / 40. (18) تاريخ اليعقوبي 2 / 157. (2) الاغاني 11 / 120 (19) جواهر المطالب في مناقب الامام أبي الحسن (ص 43) لشمس الدين أبي البركات من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين . (20) وقعة الجمل (ص 35) تاليف محمد بن زكريا بن دينار. (21) الفتوح 2 / 306 (22) مروج الذهب 2 / 246 . (23) أنساب الاشراف ج 1 ق 1 ص 180. (24) سير أعلام النبلاء 3 / 193 . (25) الامامة والسياسة 1 / 73 . (26) مروج الذهب 2 / 247. (27) الماقط : ساحة القتال . (28) شرح النهج 1 / 135. (29) تاريخ ابن الاثير 3 / 97. (30) شرح النهج 2 / 81 . (31) وقعة الجمل (ص 44) لمحمد بن زكريا. (32) وقعة الجمل (ص 45). (33) تاريخ اليعقوبي 2 / 159 . (34) مروج الذهب 2 / 256. (35) تاريخ الطبري 5 / 224 وفي رواية ابى العلاء في أنساب الاشراف ج 1 ق 1 ص 180 ان عدد الضحايا عشرون الفا. (36) شيخ المضيرة (ص 173). (37) الاخبار الطوال (ص 145) . (38) الرسالة في وقعة صفين (ص 34) (39) تاريخ ابن الاثير 3 / 129. (40) تاريخ اليعقوبي 2 / 162 . (41) العقد الفريد 3 / 113. (42) تاريخ ابن الاثير 3 / 141. (43) شرح النهج 3 / 186. (44) أنساب الاشراف ج 1 ق 1. (45) نهج البلاغة. (46) العقيدة والشريعة في الاسلام (ص 190). (47) الفتنة الكبرى 2 / 89. (48) تاريخ الطبري 6 / 30. (49) حياة الامام الحسن 1 / 469 - 472 (50) روى سويد بن غفلة قال : كنت مع أبي موسى الاشعري على شاطئ الفرات في خلافة عثمان فروى لي خبرا عن رسول الله (ص) قال : سمعته يقول : ان بني اسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضلا واضلا من اتبعهما، ولا تنفك أمر أمتي حتى يبعثوا حكمين يضلان، ويضلان من اتبعهما، فقلت له : احذر يا أبا موسي أن تكون أحدهما، قال : فخلع قميصه وقال : ابرا الى الله من ذلك كما يرا قميصي من هذا. . جاء ذلك في شرح النهج 13 / 315. (51) العقد الفريد 3 / 315. (52) الطبري 6 / 39 (53) وهي غير الصحيفة التي تم عليها ايقاف القتال . (54) أنساب الاشراف ج 1 ق 1 الامامة والسياسة 1 / 143 . (55) لقد كان الناس يحقرون ذرية ابي موسى، ويسخرون منهم فقد سمع الفرزدق أبا بردة بن ابي موسى يقول : كيف لا اتبختر، وأنا ابن أحد الحكمين، فرد عليه الفرزدق قائلا : اما احدهما فمائق وأما الاخر ففاسق فكن ابن أيهما شئت، جاء ذلك في شرح النهج 19 / 353، ونظر رجل الى بعض ولد أبي موسى يختال في مشيته فقال الا ترون مشيته؟! كان أباه خدع عمرو بن العاص. (56) حياة الامام الحسن 1 / 529 . (57) أنساب الاشراف ج 1 ق 1. (58) انساب الاشراف ج 1 ق 1. (59) انساب الاشراف (60) انساب الاشراف (61) الملل والنحل 1 / 159 (62) انساب الاشراف ج 1 ق 1 ص 200 (63) انساب الاشراف. (64) انساب الاشراف (65) الاخبار الطوال (ص 156). (66) في الطبري " ولا اخوان ثقة " (67) انساب الاشراف (68) تاريخ ابن الاثير 3 / 189 (69) انساب الاشراف (70) في رواية " وما بلغت العشرين " . (71) انساب الاشراف (72) انساب الاشراف. (73) تاريخ ابن الاثير 3 / 193 . (74) اطلع اليمن : بلغها واحتلتها قواته . (75) سيدالون : أي ستكون لهم الدولة بسبب اجتماع كلمتهم، واختلاف راي العراقيين. (76) القعب : بالضم القدح الكبير . (77) علاقته : بكسر العين ما يعلق به القعب من ليف ونحوه . (78) بنو فرس : قبيلة عربية مشهورة بالشجاعة والاقدام . (79) نهج البلاغة محمد عبده 1 / 60. (80) أنساب الاشراف ج 1 ق 1 ص 200. (81) انساب الاشراف ج 1 ق 1. |