حكومة معاوية
واستقبل المسلمون حكومة معاوية - بعد الصلح - بكثير من الذعر والفزع والخوف، فقد عرفوا واقع معاوية، ووقفوا على اتجاهاته الفكرية والعقائدية فخافوه على دينهم، وعلى نفوسهم واموالهم، وقد وقع ما خافوه فانه لم يكد يستولي على رقاع الدولة الاسلامية حتى اشاع الظلم والجور والفساد في الارض، ويقول المؤرخون انه ساس المسلمين سياسة لم يالفوها من قبل، فكانت سياسته تحمل شارات الموت والدمار، كما كانت تحمل معول الهدم على جميع القيم الاخلاقية والانسانية، وقد انتعشت في عهده الوثنية بجميع مساوئها التي نفر منها الناس، يقول السيد مير علي الهندي : " ومع ارتقاء معاوية الخلافة في الشام عاد حكم التوليغارشية الوثنية : السابقة فاحتل موقع ديمقراطية الاسلام وانتعشت الوثنية بكل ما يرافقها من خلاعات، وكانها بعثت من جديد، كما وجدت الرذيلة والتبذل الخلقي لنفسها متسعا في كل مكان ارتادته رايات حكام الامويين من قادة جند الشام.." (1) والشئ المؤكد ان حكومة معاوية لم تستند الى رضى الامة أو مشورتها، وانما فرضت عليها بقوة السلاح، وقد اعترف معاوية بذلك اعترافا رسميا بتصريح ادلى به امام جمهور غقير من الناس فقال : " والله ما وليتها - اي الخلافة - بمحبة علمتها منكم ولا مسرة بولايتي، ولكن جالدتكم بسيفي هذا مجالدة، فان لم تجدوني اقوم مجتمعكم كله فاقبلوا مني بعضه.." . ولما وقعت الامة فريسة تحت انيابه - بعد الصلح - خطب في (النخيلة) خطابا قاسيا اعلن فيه عن جبروته وطغيانه على الامة واستهانته بحقوقها فقد جاء فيه : " والله اني ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا، ولا لتحجوا ولا لتزكوا، انكم لتفعلون ذلك، وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطاني الله ذلك وانتم له كارهون " (2) ومثل هذا الخطاب الاتجاهات الشريرة التي يحملها معاوية فمن اجل الامرة والسيطرة على العباد اراق دماء المسلمين، واشاع في بيوتهم الثكل والحزن والحداد . ولا بدلنا من دراسة موجزة للمخططات السياسية التي تبنتها حكومة معاوية، وما رافقها من الاحداث الجسام فانها - فيما نعتقد - من المع الاسباب في ثورة الامام الحسين، فقد راى ما مني به المسلمون في هذا العهد من الحرمان والاضطهاد، وما اصيبوا به من الانحراف والتذبذب من جراء النقائص الاجتماعية التي اوجدها الحكم الاموي، فهب سلام الله عليه - بعد هلاك معاوية - الى تفجير ثورته الكبرى التي ادت الى ايقاظ الوعي الاجتماعي الذي اكتسح الحكم الاموي وازال جميع معالمه وآثاره... وهذه بعض معالم سياسة معاوية . سياسته الاقتصادية : ولم تكن لمعاوية أية سياسة اقتصادية في المال حسب المعنى المصطلح لهذه الكلمة، وانما كان تصرفه في جباية الاموال وانفاقها خاضعا لرغباته واهوائه فهو يهب الثراء العريض للقوى المؤيدة له ويحرم العطاء للمعارضين له، وياخذ الاموال ويفرض الضرائب كل ذلك بغير حق .إن من المقطوع به انه لم يعد في حكومة معاوية اي ظل للاقتصاد الاسلامي الذي عالج القضايا الاقتصادية باروع الوسائل واعمقها، فقد عنى بزيادة الدخل الفردي، ومكافحة البطالة، واذابة الفقر، واعتبر مال الدولة ملكا للشعب يصرف على تطوير وسائل حياته، وازدهار رخائه، ولكن معاوية قد أشاع الفقر والحاجة عند الاكثرية الساحقة من الشعب، وأوجد الرأسمالية عند فئة قليلة راحت تتحكم في مصير الناس وشؤونهم . وهذه بعض الخطوط الرئيسية في سياسته الاقتصادية . الحرمان الاقتصادي : واشاع معاوية الحرمان الاقتصادي في بعض الاقطار التي كانت تضم الجبهة المعارضة له فنشر فيها البؤس والحاجة حتى لا تتمكن من القيام باية معارضة له، وهذه بعض المناطق التي قابلها بالاضطهاد والحرمان .1 - يثرب : وسعى معاوية لاضعاف يثرب فلم ينفق على المدنيين أي شئ من المال وجهد عل فقرهم وحرمانهم لانهم من معاقل المعارضة لحكمه، وفيهم كثير من الشخصيات الحاقدة على الاسرة الاموية والطامعة في الحكم، ويقول المؤرخون ؟ انه اجبرهم على بيع املاكهم فاشتراها بانجس الاثمان، وقد ارسل القيم على املاكه لتحصيل وارادتها فمنعوه عنها، وقابلوا حاكمهم عثمان بن محمد، وقالوا له : إن هذه الاموال لنا كلها، وان معاوية آثر علينا في عطائنا، ولم يعطنا درهما فما فوقه حتى مضنا الزمان ونالتنا المجاعة فاشتراها بجزء من مائة من ثمنها، فرد عليهم حاكم المدينة باقسى القول وأمره . ووفد على معاوية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري فلم ياذن له تحقيرا وتوهينا به فانصرف عنه، فوجه له معاوية بستمائة درهم فردها جابر وكتب إليه : واني لاختار القنوع على الغنى * اذا اجتمعا والماء بالبارد المحض واقضي على نفسي إذ الامر نابني * وفي الناس من يقضي عليه ولا يقضي والبس أثواب الحياء وقد ارى * مكان الغنى الا أهين له عرضي وقال لرسول معاوية : " قل له : والله يابن آكلة الاكباد لا تجد في صحيفتك حسنة أنا سببها أبدا . وانتشر الفقر في بيوت الانصار، وخيم عليهم البؤس حتى لم يتمكن الرجل منهم على شراء راحلة يستعين بها على شؤونه، ولما حج معاوية واجتاز على يثرب استقبله الناس، ومنهم الانصار وكان اكثرهم مشاة فقال لهم : " ما منعكم من تلقي كما يتلقاني الناس ! ! ؟ " فقال له سعيد بن عبادة : " منعنا من ذلك قلة الظهر، وخفة ذات اليد، والحاح الزمان علينا، وايثارك بمعروفك غيرنا " . فقال له معاوية باستهزاء وسخرية : " اين أنتم عن نواضح المدينة ؟ " فسدد له سعيد سهما من منطقه الفياض قائلا : " نحرناها يوم بدر، يوم قتلنا حنظلة بن أبي سفيان " (3) لقد قضت سياسة معاوية بنشر المجاعة في يثرب وحرمان اهلها من الصلة والعطاء، يقول عبد الله بن الزبير : في رسالته الى يزيد " فلعمري ما تؤتينا مما في يدك من حقنا الا القليل وانك لتحبس عنا منه العريض.. " وقد اوعز معاوية الى الحكومه المركزية في يثرب برفع اسعار المواد الغذائية فيها حتى تعم فيها المجاعة، وقد المع الى ذلك يزيد في رسالته التى بعثها للمدينين ووعدهم فيها بالاحسان ان خضعوا لسلطانه، وقد جاء فيها . " ولهم علي عهد أن اجعل الحنطة كسعر الحنطة عندنا، والعطاء الذي يذكرون أنه احتبس عنهم في زمان معاوية فهو علي لهم وفرا كاملا."(4). وقد جعل معاوية الولاة على الحجاز تارة مروان بن الحكم، واخرى سعيد بن العاص وكان يعزل الاول ويولي الثاني، وقد جهدا في اذلال الاهل المدينة وفقرهم . 2 - العراق : اما العراق فقد قابله معاوية بالمزيد من العقوبات الاقتصادية باعتباره المركز الرئيسي للمعارضة، والقطر الوحيد الساخط على حكومته، وكان واليه المغيرة بن شعبة يحبس العطاء والارزاق عن أهل الكوفة، وقد سار حكام الامويين من بعد معاوية على هذه السيرة في اضطهاد العراق وحرمان اهله، فان عمر بن عبد العزيز اعدلهم لم يساو بين العراقيين والشاميين في العطاء، فقد زاد في عطاء الشاميين عشرة دنانير ولم يزد في عطاء اهل العراق (5) لقد عانى العراق في عهد الحكم الاموي اشد الوان الضيق مما جعل العراقيين يقومون بثورات متصلة ضد حكمهم . 3 - مصر : ونالت مصر المزيد من الاضطهاد الاقتصادي فقد كتب معاوية الى عامله : " ان زد على كل امرئ من القبط قيراطا " فانكر عليه عامله وكتب إليه : " كيف ازد عليهم وفي عهدهم ان لا يزاد عليهم " (6) . وشمل الضيق الاقتصادي سائر الاقطار الاسلامية ليشغلها عن معارضة حكمه . الرفاه على الشام : وبينما كانت البلاد الاسلامية تعاني الجهد والحرمان نجد الشام في رخاء شامل واسعار موادها الغذائية منخفضة جدا، لانها اخلصت للبيت الاموي، وعملت على تدعيم حكمه " فكان الرفاه يعد فيها شائعا، اما ما يؤيد ذلك فهي رسالة يزيد التي ذكرناها قبل قليل..وقد حملوا أهل الشام على رقاب الناس كما المع الى ذلك مالك بن هبيرة في حديثه مع الحصين بن نمير . يقول له : " هلم فلنبايع لهذا الغلام - اي خالد بن يزيد - الذي نحن ولدنا اباه وهو ابن اختنا، فقد عرفت منزلتنا من ابيه فانه كان يحملنا على رقاب العرب " (7) . استخدام المال في تدعيم ملكه : واستخدم معاوية الخزينة المركزية لتدعيم ملكه وسلطانه، واتخذ المال سلاحا يمكنه من قيادة الامة ورئاسة الدولة، يقول السيد مير علي الهندي :" وكانت الثروات التي جمعها معاوية من عمالته على الشام يبذرها هو وبطانته على جنوده المرتزقة الذين ساعدوه بدورهم على اخفات كل همسة ضدهم.."(8) وكانت هذه السياسة غريبة على المسلمين لم يفكر فيها أحد من الخلفاء السابقين، وقد سار عليها من جاء بعده من خلفاء الامويين فاتخذوا المال وسيلة لدعم سلطانهم، يقول الدكتور محمد مصطفى : " وكان من عناصر سياسة الامويين استخدام المال سلاحا للارهاب، واداة للتقريب فحرموا منه فئة من الناس، واغدقوه اضعافا مضاعفة لطائفة اخرى ثمنا لضمائرهم، وضمانا لصمتهم."(9) وجعل شكري فيصل المال احد العاملين الاساسيين اللذين خضع لهما المجتمع الاسلامي خضوعا عجيبا، وكان من جملة الاسباب في فتن السياسة، وسيطرة الطبقة الحاكمة من قريش، كما انه احد الاسباب في وقوع الخلاف ما بين العرب والعجم بل وما بين العرب انفسهم (10) .المنح الهائلة لاسرته : ومنح معاوية الاموال الهائلة لاسرته فوهبهم الثراء العريض(11) وذلك لتقوية مركزهم، وبسط نفوذهم على العالم الاسلامي، في حين اشاع البؤس والحرمان عند اغلب فئات الشعب . منح خراج مصر لعمرو : ووهب معاوية خراج مصر لابن العاص، وجعله طعمة له مادام حيا، وذلك لتعاونه معه على مناجزة الامام امير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الارض، وقد المعنا الى تفصيل ذلك في البحوث السابقة . هبات الاموال للمؤيدين : واغدق معاوية الاموال الهائلة على المؤيدين له والمنحرفين عن الامام امير المؤمنين وقد اسرف في ذلك الى حد بعيد، ويقول الرواة :ان يزيد بن منبه قدم عليه من البصرة يشكو له دينا قد لزمه، فقال معاوية : لخازن بيت المال اعطه ثلاثين الفا، ولما ولى قال : وليوم الجمل ثلاثين الفا أخرى(12) لقد وهب له هذه الاموال الضخمة جزاءا لمواقفه ومواقف أخيه الذي امد المتردين في حرب الجمل بالاموال التي نهبها من بيت مال المسلمين، وقد حفل التاريخ ببوادر كثيرة من هبات معاوية للقوى المنحرفة عن الامام، والمؤيدة له . شراء الاديان : وفتح معاوية بابا جديدا في سياسته الاقتصادية وهي شراء الاديان وخيانة الذمم، فقد وفد عليه جماعة من اشراف العرب فاعطى كل واحد منهم مائة الف واعطى الحتات عم الفرزدق سبعين الفا، فلما علم الحتات بذلك رجع مغضبا الى معاوية فقال له :" فضحتتني في بني تميم، اما حسبي فصحيح، أو لست ذا سن ؟ الست مطاعا في عشيرتي ؟" . " بلى..". " فما بالك خست بي دون القوم واعطيت من كان عليك اكثر ممن كان لك ! ! " فقال معاوية بلا حياء ولا خجل : " إني اشتريت من القوم دينهم، ووكلتك الى دينك " " انا اشتري مني ديني " فامر له باتمام الجائزة(13) لقد خسرت هذه الصفقة التي كشفت عن مسخ الضمائر وتحولها الى سلعة تباع وتشرى . عجز الخزينة المركزية : ومنيت الخزينة المركزية بعجز مالي خطير نتيجة الاسراف في الهبات لشراء الذممم والاديان ولم تتمكن الدولة من تسديد رواتب الموظفين مما اضطر معاوية الى أن يكتب لابن العاص راجيا منه أن يسعفه بشئ من خراج مصر الذي جعله طعمة له فقد جاء في رسالته :" اما بعد : فان سؤال أهل الحجاز، وزوار أهل العراق قد كثر وا علي، وليس عندي فضل من اعطيات الجنود فاعني بخراج مصر هذه السنة.. " ولم يستجب له ابن العاص وراح ينكر عليه، ويذكره باياديه التي اسداها عليه وقد اجابه بهذه الابيات : معاوي إن تدركك نفس شحيحة * فما ورثتني مصر امي ولا ابي وما نلتها عفوا ولكن شرطتها * وقد دارت الحرب العوان على قطب ولولا دفاعي الاشعري وصحبه * لالفيتها ترغو كراغية السغب ولما قرا معاوية الابيات تاثر منه، ولم يعاوده بشئ من امر مصر(14). مصادرة اموال المواطنين : واضطر معاوية بعد اسرافه وتبذيره الى مصادرة اموال المواطنين ليسد العجز المالي الذي منيت به خزينة الدولة، وقد صادر مواريث الحتات عم الفرزدق فانكر عليه الفرزدق وقال يهجوه :ابوك وعمي يا معاوى أورثا * تراثا فيختار التراث اقاربه فما بال ميراث الحتات اخذته * وميراث صخر جامد لك ذائبه فلو كان هذا الامر في جاهلية * علمت من المرء القليل حلائبه ولو كان في دين سوى ذا شنئتم * لنا حقنا أو غص بالماء شاربه الست اعز الناس قوما وأسرة * وامنعهم جارا اذا ضيم جانبه وما ولدت بعد النبي وآله * كمثلي حصان في الرجال يقاربه وبيتي الى جنب الثريا فناؤه * ومن دونه البدر المضئ كواكبه أنا ابن الجبال الشم في عدد الحصى * وعرق الثرى عرقي فمن ذا يحاسبه وكم من أب لي يا معاوى لم يزل * اغر يبارى الريح ازور جانبه نمته فروع المالكين ولم يكن * ابوك الذي من عبد شمس يقاربه(15) ومعنى هذه الابيات ان الاموال التي خلفها صخر جد معاوية قد انتقلت الى وراثة في حين ان ميراث عم الفرزدق قد صادره معاوية، ولو كان ذلك في الجاهلية لكان معاوية اقصر باعا من أن تمتد يده إليه، فان الفرزدق ينتمي الى اسرة هي من اعز الاسر العربية وامنعها . ضريبة النيروز : وفرض معاوية على المسلمين ضريبة النيروز ليسد بها نفقاته، وقد بالغ في ارهاق الناس واضطهادهم على ادائها، وقد بلغت فيما يقول المؤرخون عشرة ملايين درهم (16) وهي من الضرائب التي لم يالفها، المسلمون، وقد اتخذها الخلفاء من بعده سنة فارغموا المسلمين على ادائها . نهب الولاة والعمال : واصبحت الولاية في عهد معاوية مصدرا من مصادر النهب والسرقة، ومصدرا للثراء وجمع الاموال، يقول انس بن أبي اناس لحارثة الغذاني صاحب زياد بن أبيه حينما ولي على (سرق) وهي احدى كور الاهواز :احار بن بدر قد وليت امارة * فكن جرذا فيها تخون وتسرق وباه تميما بالغنى ان للغنى * لسانا به المرء الهيوبة ينطق ولا تحقرن ياحار شيئا أصبته * فحظك من ملك العراقيين سرق(17) ويصف عقبة بن هبيرة الاسدي ظلم الولاة واستصفائهم اموال الرعية بقوله : معاوي اننا بشر فاسجح * فلسنا بالجبال ولا الحديد(18) اكلتم ارضنا فجردتموها * فهل من قائم أو من حصيد فهبنا أمة ذهبت ضياعا * يزيد أميرها وابو يزيد أتطمع في الخلافة اذ هلكنا * وليس لنا ولالك من خلود ذروا خول الخلافة واستقيموا * وتامير الاراذل والعبيد واعطونا السوية لا تزركم * جنود مردفات بالجنود(19) وقد عانى المسلمون ضروبا شاقة وعسيرة من جور الولاة وظلم الجباة، فقد تمرسوا بالسلب والنهب، ولم يتركوا عند احد من الناس فضلا من المال الا صادروه : جباية الخراج : اما جباية الخراج فكانت خاضعة لرغبات الجباة واهوائهم، وقد سال صاحب اخنا عمرو بن العاص عن مقدار ما عليه من الجزية فنهره ابن العاص وقال له :" لو اعطيتني من الارض الى السقف ما اخيرتك ما عليك انما انتم خزانة لنا إن كثر علينا كثرنا عليكم، وان خفف عنا خففنا عنكم.."(20) وهدمت هذه الاجراءات الظالمة جميع قواعد العدل والمساوات التي جاء بها الاسلام . اصطفاء الذهب والفضة : وأوعز معاوية الى زياد بن أبيه ان يصطفي له الذهب والفضة فقام زياد مع عماله باجبار المواطنين على مصادرة ما عندهم من ذلك وارساله الى دمشق(21) وقد ضيق بذلك على الناس، وترك الفقر آخذا بخناقهم . شل الحركة الاقتصادية : وشلت الحركة الاقتصادية في جميع انحاء البلاد فخربت الزراعة والثجارة، واصيب الاقتصاد العام بنكسة شاملة نتيجة تبذير معاوية واسرافه، وقد اعلن ذلك عبد الله بن همام السلولي فقد كتب شعرا في رقاع والقاها في المسجد الجامع يشكو فيها الجور الهائل والمظالم الفظيعة التي صبها معاوية وعماله على الناس وهذه هي الابيات :الا ابلغ معاوية بن صخر * فقد خرب السواد فلا سوادا ارى العمال اقساء علينا * بعاجل نفعهم ظلموا العبادا فهل لك ان تدارك بالدنيا * وتدفع عن رعيتك الفسادا وتعزل تابعا ابدا هواه * يخرب من بلادته البلادا اذا ما قلت اقصر عن هواه * تمادى في ضلالته وزادا(22) وقد صور السلولي بهذه الابيات سوء الحالة الاقتصادية وتسلط الولاة على ظلم الرعية ودعا السلطة الى عزلهم واقصائهم عن وظائفهم فقد جهدوا في خراب السواد وامتصوا الدماء، واتبعوا الهوى، وظلوا عن طريق القويم . حجة معاوية : ويرى معاوية ان اموال الامة وخزينتها المركزية ملك له يتصرف فيها حيث ما شاء يقول :" الارض لله، وأنا خليفة الله، فما اخذ من مال الله فهو لي، وما تركته كان جائزا الي."(23) وهذا المنطق بعيد عن روح الاسلام، وبعيد عن اتجاهاته فقد قنن اسسه الاقتصادية على اساس ان المال مال الشعب، وان الدولة ملزمة بتنميته وتطويره، وليس لرئيس الدولة وغيره ان يتلاعب باقتصاد الامة وينفقه على رغباته واهوائه فان ذلك يؤدى الى اذاعة الحاجة ونشر البطالة ويعرض البلاد للازمات الاقتصادية... لقد اعتبر الاسلام الفقر كارثة اجتماعية ووباءا شاملا يجب مكافحته بكل الطرق والوسائل، وليس لرئيس الدولة ان يصطفي من مال الامة اي شئ، هذا هو راي الاسلام، ولكن معاوية - بصورة لا تقبل الجدل - لم يع ذلك، فتصرف باموال المسلمين حسب رغباته واهوائه . هذه بعض معالم سياسة معاوية الاقتصادية التي فقدت روح التوازن واشاعت اليؤس والحرمان في البلاد . سياسة التفريق : وبنى معاوية سياسته على تفريق كلمة المسلمين وتشتيت شملهم، وبث روح التفرقة والغضاء بينهم، ايمانا منه بان الحكم لا يمكن أن يستقر له الا في تفلل وحدة الامة، واشاعة العداء بين ابنائها، يقول العقاد :" وكانت له - اي لمعاوية - حيلته التي كررها واتقنها وبرع فيها، واستخدمها مع خصومه في الدولة من المسلمين وغير المسلمين، وكان قوام تلك الحيلة العمل الداثب على التفرقة والتخذيل بين خصومه بالقاء الشبهات بينهم، واثارة الاحن فيهم، ومنهم من كانوا من أهل بيته وذوي قرباه.. كان لا يطيق ان يرى رجلين ذوي خطر على وفاق، وكان التنافس الفطري بين ذوي الاخطار مما يعينه على الايقاع بهم "(24). لقد شتتت كلمة المسلمين، وفصم عرى الاخوة الاسلامية التي عقد أواصرها الرسول الكريم، وبنى عليها مجتمعه . اضطهاد الموالي : وبالغ معاوية في اضطهاد الموالي واذلالهم، وقد رام ان يبيدهم ابادة شاملة يقول المؤرخون :انه دعا الاحنف بن قيس وسمرة بن جندب وفال لهما : " اني رايت هذه الحمراء فد كثرت، وأراها قد قطعت على السلف، وكاني انظر الى وثبة منهم على العرب والسلطان، فقد رايت أن اقتل شطرا منهم، وادع شطرا لاقامة السوق وعمارة الطريق " . ولم يرتض الاحنف وسمرة هذا الاجراء الخطير فاخذا يلطفان به حتى عدل عن رايه(25). لقد سن معاوية اضطهاد الموالي، واخذت الحكومات التي تلت من بعده تشيع فيهم الجور والحرمان بالرغم من اشتراكهم في الميادين العسكرية وغيرها من اعمال الدولة، يقول شاعر الموالي شاكيا مما ألم بهم من الظلم : ابلغ امية عني إن عرضت لها * وابن الزبير وابلغ ذلك العربا ان الموالي اضحت وهي عاتبة * على الخليفة تشكوا الجوع والحربا وانبرى احد الخراسانيين الى عمر بن عبد العزيز يطالبه بالعدل فيهم قائلا : له : " يا امير المؤمنين عشرون الفا من الموالي يغزون بلا عطاء، ولا رزق، ومثلهم قد اسلموا من أهل الذمة يؤدون الخراج."(26) وكان الشعبي قاضي عمر بن عبد العزيز قد بغض المسجد حتى صار ابغض إليه من كناسة داره - حسب ما يقول - لان الموالي كانت تصلي فيه(27) وقد اضطر الموالي الى تاسيس مسجد خاص لهم اسموه (مسجد الموالي) كانوا يقيمون الصلاة فيه (28) ويميل خودا بخش الى الظن انهم انما اضطروا الى تادية صلاتهم فيه بعدما رؤوا تعصب العرب ضدهم، وانهم لم يكونوا يسمحون لهم بالعبادة معهم في مسجد واحد (29) وكان الموالي يلطفون بالرد على العرب ويدعونهم الى الهدى قائلين : " اننا لا ننكر تباين الناس، ولا تفاضلهم، ولا السيد منهم والمسود، والشريف والمشروف، ولكننا نزعم ان تفاضل الناس فيما بينهم هو ليس بابائهم، ولا باحسابهم ولكنه بافعالهم واخلاقهم، وشرف انفسهم، وبعد همهم، فمن كان دنئ الهمة، ساقط المرؤءة لم يشرف وان كان من بني هاشم في ذؤابتها ! ! إنما الكريم من كرمت افعاله، والشريف من شرفت همته."(30) ولم يع الامويون ومن سار في ركابهم هذا المنطق المشتق من واقع الاسلام وهديه الذي أمر ببسط المساواة والعدل بين جميع الناس من دون فرق بين قومياتهم . وعلى أي حال فقد ادت هذه السياسة العنصرية الى اشاعة الاحقاد بين المسلمين واختلاف كلمتهم، كما ادت الى تجنيد الموالي لكل حركة ثورية تقوم ضد الحكم الاموي وكانوا بالاخير هم القوة الفعالة التي اطاحت بالامويين وطوت معالمهم وآثارهم . العصبية القبلية : وتبعا لسياسة التحزب والتفريق التي سار عليها الامويون فقد احيوا العصبيات القبلية، وقد ظهرت في الشعر العربي صورا مريعة ومؤلمة من الوان ذلك الصراع الذي كانت تخلقه السلطة الاموية لاشغال الناس بالصراع القبلي عن التدخل في الشؤون السياسية، وابعادهم عما يقننه معاوية من الظلم والجور، ويقول المؤرخون :إنه عمد الى اثارة الاحقاد القديمة ما بين الاوس والخزرج محاولا بذلك التقليل من أهميتهم، واسقاط مكانتهم امام العالم العربي والاسلامي.. كما تعصب لليمنيين على المضربين، واشعل نار الفتنة فيما بينهم حتى لا تتحد لهم كلمة تضر بمصالح دولته . وسار عمال معاوية على وفق منهج سياسته التخريبية فكان زياد بن أبيه يضرب القبائل بعضها ببعض ويؤجج نار الفتنة فيما بينها حتى تكون تحت مناطق نفوذه يقول ولها وزن : " وعرف زياد كيف يخضع القبائل بان يضرب احداها بالاخرى، وكيف يجعلها تعمل من اجله، وافلح في ذلك.."(31) . وحفلت مصادر التاريخ ببوادر كثيرة من الوان التناحر القبلي الذي اثاره معاوية وعماله مما ادى الى انتشار الصغائن بين المسلمين، وقد عانى الاسلام من جراء ذلك أشد الوان المحن فقد أوقف كل نشاط مثمر له " وخولف ما كان يدعو له النبي (ص) من الناخي والتعاطف بين المسلمين . سياسة البطش والجبروت : وساس معاوية الامة سياسة بطش وجبروت فاستهان بمقدراتها وكرامتها، وقد اعلن - بعد الصلح - انه انما قاتل المسلمين وسفك دماءهم ليتامر عليهم، وان جميع ما اعطاه للامام الحسن (ع) من شروط فهي تحت قدميه لا يفي بشئ منها، وقد ادلى بتصريح عبر فيه عن كبريائه وجبروته فقال :" نحن الزمان من رفعناه ارتفع، ومن وضعناه اتضع..(32) وسار عماله وولاته على هذه الخطة الغادرة فقد خطب عتبة بن أبي سفيان بمصر فقال : " يا حاملي الام أنوف ركبت ببن أعين، إني قلمت اظفاري عنكم ليلين مسيئكم وسالتكم اصلاحكم اذا كان فسادكم باقيا عليكم فاما إذا أبيتم الا الطعن على السلطان والنقض للسلف، فوالله لا قطعن بطون السياط على ظهوركم، فان حسمت اداواءكم والا فان السيف من ورائكم، فكم حكمة منا لم تعها قلوبكم، ومن موعظة منا صمت عنها آذانكم، ولست ابخل بالعقوبة اذا جدتم بالمعصية.."(33) وخاطب المصريين في خطاب آخر له فقال : " يا أهل مصر إياكم أن تكونوا للسيف حصيدا فان لله ذبيحا لعثمان لا تصيروا الى وحشة الباطل بعد انس الحق باحياء الفتنة، واماتة السنن فاطاكم والله وطاة لا رمق معها حتى تنكروا ما كنتم تعرفون "(34). ومثلت هذه القطع من خطابه مدى احقاده على الامة وتنكره لجميع قيمها وأهدافها ومن اولئك الولاة الذين كفروا بالحق والعدل، خالد القسري، فقد خطب في مكة، وهو يهدد المجتمع بالدمار والفناء، فقد جاء في خطابه : " أيها الناس عليكم بالطاعة، ولزوم الجماعة، وإياكم والشبهات فاني - والله - ما أوتي لي باحد يطعن على امامه الا صلبته في الحرم..(35) وكانت هذه الظاهرة ماثلة عند جميع حكام الامويين وولاتهم يقول الوليد بن يزيد : فدع عنك ادكارك آل سعدى * فنحن الاكثرون حصى ومالا ونحن المالكون الناس قسرا * نسومهم المذلة والنكالا ونوردهم حياض الخسف ذلا * وما نالوهم الا خبالا(36) وصورت هذه الابيات مدى استهانته بالامة، فانه مع بقية الحكام من اسرته، قد ملكوا الناس بالغلبة والقوة، وانهم يسومونهم الذل، ويوردونهم حياض الخسف... ومن اولئك الملوك عبد الملك بن مروان فقد خطب في يثرب امام ابناء المهاجرين والانصار فقال : " الا وإني لا أداوي أمر هذه الامة الا بالسيف حتى تستقيم قناتكم، وانكم تحفظون أعمال المهاجرين الاولين، ولا تعملون مثل عملهم، وانكم تامروننا بتقوى الله، وتنسون انفسكم والله لا يامرني احد بتقوى الله بعد مقامي هذا - الا ضربت عنقه.."(37) وحفل هذا الخطاب بالطغيان الفاجر على الامة، فهو لا يرى حلا لازماتها الا بسفك الدماء واشاعة الجور والارهاب، اما بسط العدل ونشر الدعة والرفاهية بين الناس فلم يفكر به ولا دار بخلده ولا في خلد واحد من حكام الامويين . احتقار الفقراء : وتبنى الحكم الاموي في جميع ادواره اضطهاد الفقراء واحتقار الضعفاء، ويقول المؤرخون ان بني امية كانوا لا يسمحون للفقراء بالدخول الى دوائرهم الرسمية الا في آخر الناس يقول زياد بن ابيه لعجلان حاجبه :- كيف تاذن للناس ؟ - على البيوتات، ثم على الاسنان، ثم على الادب . - من تؤخر ؟ - الذين لا يعبا الله بهم . - من هم ؟ - الذين يلبسون كسوة الشتاء في الصيف، وكسوة الصيف في الشتاء(38) وهدمت هذه السياسة قواعد العدل والمساواة التي جاء بها الاسلام فانه لم يفرق بين المسلمين وجعلهم سواسية كاسنان المشط . سياسة الخداع : واقام معاوية دولته على المخاتلة والخداع فلا ظل للواقع في اي تحرك من تحركاته السياسية، فما كان مثل ذلك الضمير المتحجر ان يعي الواقع أو يفقه الحق، وقد حفل التاريخ بصور كثيرة من خداعه، وهذه بعضها :1 - لما دس معاوية السم الى الزعيم الكبير مالك الاشتر اقبل على اهل الشام فقال لهم : " ان عليا وجه الاشتر الى مصر فادعوا الله ان يكفيكموه. " فكان اهل الشام يدعون عليه في كل صلاة، ولما اخبر بموته انبا اهل الشام بان موته نتج عن دعائهم لانهم حزب الله، ثم همس في اذن ابن العاص قائلا له: " ان لله جنودا من عسل "(39). 2 - ومن خداع معاوية وأضاليله ان جرير اليجلي لما اوفده الامام الى معاوية يدعوه الى بيعته، طلب معاوية حضور شرحبيل الكندي، وهو من ابرز الشخصيات في الشام وقد عهد الى جماعة من اصحابه ان ينفرد كل واحد منهم به، ويلقي في روعه ان عليا هو الذي قتل عثمان بن عفان، ولما قدم عليه شرحبيل اخبره معاوية بوفادة جرير، وانه يدعوه الى بيعة الامام، وقد حبس نفسه في البيعة حتى ياخذ رايه لان الامام قد قتل عثمان، وطلب منه شرحبيل ان يمهله لينظر في الامر، فلما خرج التقى به القوم كل على انفراده، واخبروه ان الامام هو المسؤول عن اراقة دم عثمان فلم يشك الرجل في صدقهم فانبرى الى معاوية وهو يقول له : " يا معاوية اين الناس ؟ الا ان عليا قتل عثمان، والله ان بايعت لنخرجنك من شامنا ولنقتلنك. " فقال معاوية مخادعا له : " ما كنت لاخالف عليكم ما أنا الا رجل من أهل الشام.."(40) بمثل هذا الخداع والبهتان اقام دعائم سلطانه، وبنى عليه عرش دولته . 3 - ومن الوان خداعه لاهل الشام انه لما راسل الزعيم قيس بن سعد يستميله ويمنيه بسلطان العراقيين وبسلطان الحجاز لمن احب من اهل بيته ان صار معه فرد عليه قيس باعنف القول فاظهر معاوية لاهل الشام انه قد بايع، وأمرهم بالدعاء له واختلق كتابا نسبه إليه وقد قراه عليهم وهذا نصبه : " اما بعد : ان قتل عثمان كان حدثا في الاسلام عظيما، وقد نظرت لنفسي وديني فلم ار بوسعي مظاهرة قوم قتلوا امامهم مسلما محرما برا تقيا فنستغفر الله لذنوبنا الا واني قد القيت لكم بالسلام، واحببت قتال قتلة امام الهدى المظلوم، فاطلب مني ما احببت مني من الاموال والرجال اعجله إليك.." (41) وبهذه الاساليب المنكرة خدع أهل الشام وزج بهم لحرب وصي رسول الله (ص) و باب مدينة علمه . 4 - لقد كان الخداع من ذاتيات معاوية، ومن العناصر المقومة لسياسته، وقد بهر ولده يزيد حينما بويع وكان الناس يمدحونه فقال لابيه : " يا امير المؤمنين ما ندري انخدع الناس ام يخدعوننا ؟؟ " . فاجابه معاوية : " كل من اردت خديعته فتخادع له حتى تبلغ منه حاجتك فقد خدعته "(42) لقد جر معاوية ذيله على الخداع وغذى به أهل مملكته حتى نشا جبل كانت هذه الظاهرة من ابرز ما عرف منه . اشاعة الانتهازية : وعملت حكومة معاوية على اشاعة الانتهازية والوصولية بين الناس، ولم يعد ماثلا عند الكثيرين منهم ما جاء به الاسلام من ايثار الحق ونكران الذات، ومن مظاهر ذلك التذبذب ما رواه المؤرخون ان يزيد بن شجرة الرهاوي قد وفد على معاوية، وبينما هو مقبل على سماع حديثه اذ اصابه حجر عاثر فادماه فاظهر تصنعا عدم الاعتناء به فقال له معاوية :لله انت ما نزل بك ! ! ؟ ما ذاك يا امير المؤمنين ؟ هذا دم وجهك يسيل.. إن حديث امير المؤمنين الهاني حتى غمز فكري فما شعرت بشئ حتى نبهني امير المؤمنين. فبهر معاوية وراح يقول : لقد ظلمك من جعلك في الف من العطاء، واخرجك من عطاء ابناء المهاجرين، وكماة أهل صفين. " وامر له بخمسمائة الف درهم، وزاد في عطائه الف درهم(43). وكانت هذه الظاهرة سائدة في جميع ادوار الحكم الاموي فقد ذكر المؤرخون ان اسماعيل بن يسار كان زبير الهوى فلما ظفر آل مروان بال الزبير انقلب اسماعيل عن رايه واصبح مروانيا، وقد استاذن على الوليد فاخره ساعة فلما اذن له دخل وهو يبكي فساله الوليد عن سبب بكائه فقال : " اخرتني وأنت تعلم مروانيتي، ومروانية أبي " وأخذ الوليد يعتذر منه، وهو لا يزداد الا اغراقا في البكاء، فهون عليه الوليد واحسن صلته، فلما خرج تبعه شخص ممن يعرفه فساله عن مروانيته التي ادعاها متى كانت ؟ فقال له : " بغضنا لال مروان، وهي التي حملت أباه يسار في حال موته ان يتقرب الى الله بلغن مروان بن الحكم، وهي التي دعت امه ان تلعن آل مروان مكان ما تتقرب به الى الله من التسبيح.."(44). ونقل المؤرخون بوادر كثيرة من الوان هذا الخداع الذي ساد في تلك العصور وهو من دون شك من مخلفات سياسة معاوية الذي ربى جيله على التذبذب والانحراف عن الحق . الخلاعة والمجون : وعرف معاوية بالخلاعة والمجون، يقول ابن ابي الحديد :" كان معاوية أيام عثمان شديد التهتك موسوما بكل قبيح، وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلا خوفا منه الا انه كان يلبس الحرير والديباج ويشرب في آنية الذهب والفضة، ويركب البغلات ذوات السروج المحلات بها - اي بالذهب - وعليها جلال الديباج والوشي، وكان حينئذ شابا وعند نزق الصبا، واثر الشبيبة وسكر السلطان والامرة، ونقل الناس عنه في كتب السيرة انه كان يشرب الخمر في ايام عثمان في الشام... ولا خلاف في انه سمع الغناء، وطرب عليه، ووصل عليه ايضا . وتاثر به ولده يزيد فكان مدمنا خليعا مستهترا، وتاثر بهذا السلوك جميع خلفاء بني أمية، يقول الجاحظ : " وكان يزيد - يعني بن معاوية - لا يمسي الا سكرانا، ولا يصبح الا مخمورا، وكان عبد الملك بن مروان يسكر في كل شهر مرة حتى لا يعقل في السماء هو أو في الماء.. وكان الوليد ابن عبد الملك يشرب يوما، ويدع يوما، وكان سليمان بن عبد الملك يشرب في كل ثلاث ليال ليلة، وكان هشام يشرب في كل جمعة، وكان يزيد بن الوليد، والوليد بن يزيد يدمنان اللهو والشراب، فاما يزيد بن الوليد فكان دهره بين حالتي سكر وخمار، ولا يوجد ابدا الا ومعه احدى هاتين، وكان مروان بن محمد يشرب ليلة الثلاثاء وليلة السبت(45) وولى هشام بن عبد الملك الوليد على الحج سنة (119 هـ) فحمل معه كلابا في صناديق فسقط منها صندوق وفيه كلب.. وحمل معه قبة عملها على قدر الكعبة ليضعها عليها، وحمل معه خمرا، واراد أن ينصب القبة على الكعبة ويجلس فيها فخوفه اصحابه، وقالوا له : لا نامن الناس عليك وعلينا فترك (46) ووفد علي بن عباس على الوليد بن يزيد في خلافته، وقد أتي بابن شراعة من الكوفة، فبادره قائلا : " والله ما بعثت اليك لاسالك عن كتاب الله وسنة رسوله.. " فضحك ابن شراعة وقال : - انك لو سالتني عنهما لوجدتني حمارا . - أنا ارسلت إليك لاسالك عن القهوة - أي الخمر - اخبرني عن الشراب ؟ - يسال امير المؤمنين عما بدا له . - ما تقول في الماء ؟ - لا بد منه والحمار شريكي فيه . وأخذ يساله عن المشروبات حتى انتهى الى الخمر فقال له : - ما تقول في الخمر ؟ أواه تلك صديق روحي . - أنت والله صديق روحي(47). وأرسل الوليد الى عامله على الكوفة يطلب منه أن يبعث إليه الخلعاء والشعراء الماجنين ليستمع ما يلهو به من الفسق والمجون، وقد سخر جميع اجهزة دولته للذاته وشهواته، وكتب الى واليه على خراسان أن يبعث إليه ببرابط وطنابير، وقال احد شعراء عصره ساخرا منه : ابشر يا امين الله * ابشر بتباشير بابل يحمل المال * عليها كالانابير (48) بغال تحمل الخمر * حقائبها طنابير فهذا لك في الدنيا * وفي الجنة تحبير (49) وسادت اللذة واللهو في المجتمع العربي، وتهالك الناس على الفسق والفجور، ومن طريف ما ينقل في هذا الموضوع انه أوتي بشيخ الى هشام ابن عبد الملك وكان معه قيان وخمر وبربط، فقال : اكسروا الطنبور على راسه فبكى الشيخ فقال له احد الجالسين عليك بالصبر، فقال له الشيخ اتراني أبكي للضرب ؟ انما ابكي لاحتقاره البربط اذ سماه طنبورا (50) لقد كانت سيرة الامويين في جميع ادوارهم امتدادا لسيرة معاوية الذي اشاع حياة اللهو والخلاعة في البلاد للقضاء على اصالة الامة، وسلب وعيها الديني والاجتماعي . اشاعة المجون في الحرمين : وعمد معاوية الى اشاعة الدعارة والمجون في الحرمين للقضاء على قدسيتهما واسقاط مكانتهما الاجتماعية في نفوس المسلمين، يقول العلائلي :" وشجع الامويون حياة المجون في مكة والمدينة الى حد الاباحة، فقد استاجر طوائف من الشعراء والمخنثين من بينهم عمر بن أبي ربيعة لاجل أن يمسحوا عاصمتي مكة والمدينة بمسحة لا نليق، ولا تجعلهما صالحتين للزعامة الدينية . وقد قال الاصمعي : دخلت المدينة فما وجدت الا المخنثين، ورجلا يضع الاخبار والطرف(51). وقد شاعت في يثرب مجالس الغناء، وكان الوالي يحضرها ويشارك فيها (52) وانحسرت بذلك روح الاخلاق، وانصرف الناس عن المثل العليا التي جاء بها الاسلام . الاستخفاف بالقيم الدينية : واستخف معاوية بكافة القيم الدينية، ولم يعن بجميع ما جاء به الاسلام من الاحكام فاستعمل اواني الذهب والفضة، واباح الربا، وتطيب في الاحرام، وعطل الحدود، (53) وقد الغيت معظم الاحكام الاسلامية في اغلب ادوار الحكم الاموي، وفي ذلك يقول شاعر الاسلام الكميت :وعطلت الاحكام حتى كاننا * على ملة غير التي نتنحل أأهل كتاب نحن فيه وانتم * على الحق نقضي بالكتاب ونعدل كان كتاب الله يعني بامره * وبالنهي فيه الكوذني المركل(54) فتلك ملوك السوء قد طال ملكهم * فحتام حتام العناء المطول وما ضرب الامثال في الجور قبلنا * لاجور من حكامنا المتمثل (55) واستخف معاوية بالمقدسات الاسلامية واحتقرها، يقول الرواة إنه لما تغلب قيل له ! لو سكنت المدينة، فهي دار الهجرة، وبها قبر النبي (ص) فقال : قد ظللت اذا وما أنا من المهتدين (56) واقتدى به في ذلك جميع بني أمية فقد انبرى يحيى بن الحكم الى عبد الله بن جفعر فقال له : " كيف تركت الخبيثة - يعني مدينة رسول الله (ص) - ؟ " فانكر عليه ابن جعفر وصاح به : " سماها رسول الله (ص) طيبة وتمسيها خبيثة، فد اختلفتما في الدنيا وستختلفان في الاخرة.. " قال يحيى : " والله لان أموت وادفن بارض الشام المقدسة أحب إلي من ان أدفن بها. " فقال له : " اخترت مجاورة اليهود والنصارى على مجاورة رسول الله (ص) والمهاجرين "(57). استلحاق زياد : ومن مظاهر استخفاف معاوية بالقيم الاسلامية استلحاقه زياد بن عبيد الرومي، والصاقه بنسبه من دون بينة شرعية، وانما اعتمد على شهادة ابي مريم الخمار وهو مما لا يثبت به نسب شرعي، وقد خالف بذلك قول رسول الله (ص) :" الولد للفراش وللعاهر الحجر " . لقد قام بذلك انطلاقا وراء اهدافه السياسية، وتدعيما لحكمه وسلطانه... ومن طريف ما ينقل في الموضوع ان نصر بن حجاج خاصم عبد الرحمن بن خالد ابن الوليد عند معاوية في عبد الله مولى خاليد بن الوليد فامر معاوية حاجبه أن يؤخرهما حتى يحتفل مجلسه، فلما اكتمل مجلسه، أمر بحجر فادني منه، والقى عليه طرفا من ثيابه ثم اذن لهما، فترافعا عنده في شان عبد الله فقال له نصر : " إن اخي وابن أبي عهد الي انه - يعني عبد الله - منه " وقال عبد الرحمن : " مولاي وابن عبد ابي وامته ولد على فراشه " واصدر معاوية الحكم في المسالة فقال يا حرسي : خذ هذا الحجر فادفعه الى نصر بن حجاج، فقد قال رسول الله (ص) : الولد للفراش وللعاهر الحجر " . وانبرى نصر فقال : " افلا اجريت هذا الحكم في زياد ؟ " فقال معاوية : " ذلك حكم معاوية وهذا حكم رسول الله (58) . انكار الامام الحسين : وانكر الامام الحسين (ع) على معاوية هذا الاستلحاق الذي خالف به قول رسول الله (ص) فكتب إليه مذكرة تضمنت الاحداث الجسام التي اقترفها معاوية وقد جاء فيها :" أولست المدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك، وقد قال رسول الله (ص) " الولد للفراش وللعاهر الحجر " فتركت سنة رسول الله تعمدا واتبعت هواك بغير هدى من الله لقد اثار استلحاق معاوية لزياد موجة من الغضب والاستياء عند الاخيار والمتحرجين في دينهم، وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتابنا (حياة الامام الحسن [ ع ]) . الحقد على النبي : وحقد معاوية على النبي (ص) فقد مكث في ايام خلافته اربعين جمعة لا يصلي عليه، وساله بعض اصحابه عن ذلك فقال :" لا يمنعني عن ذكره الا ان تشمخ رجال بانافها (59) وسمع المؤذن يقول : اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله، فلم يملك اهابه، واندفع يقول : " لله ابوك يا ابن عبد الله لقد كنت عالي الهمة، مارضيت لنفسك الا ان يقرن اسمك باسم رب العالمين."(60) ومن مظاهر حقده على الرسول الاعظم (ص) مارواه مطرف بن المغيرة قال : وفدت مع أبي على معاوية، فكان أبي يتحدث عنده ثم ينصرف إلى، وهو يذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، واقبل ذات ليلة، وهو غضبان فامسك عن العشاء، فانتظرته ساعة، وقد ظننت انه لشئ جدث فينا أو في عملنا، فقلت له ! - مالي اراك مغتما منذ الليلة ؟ - يابني جئتك من اخبث الناس . - ما ذاك ؟ - خلوت بمعاية فقلت له : إنك قد بلغت مناك يا امير المؤمنين فلو اظهرت عدلا وبسطت خيرا، فانك قد كبرت، ولو نظرت الى أخوتك من بني هاشم فوصلت ارحامهم فو الله ما عندهم اليوم شئ تخافه.. " فثار معاوية واندفع يقول : " هيهات ! ! هيهات ملك أخو تيم فعدل، وفعل ما فعل فو الله ما عدا ان هلك فهلك ذكره، الا أن يقول قائل ابو بكر : ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين فو الله ما عدا ان هلك فهلك ذكره الا ان يقول قائل عمر، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل به ما عمل فوالله ما عدا ان هلك فهلك ذكره وان اخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات : اشهد ان محمدا رسول الله (ص) فاي عمل يبقى بعد هذا لا ام لك الا دفنا دفنا.."(61) ودلت هذه البادرة على مدى زعزعة العقيدة الدينية في نفس معاوية وانها لم تكن الا رداء رقيقا يشف عما تحته من حب الجاهلية والتاثر بها الى حد بعيد، وكانت النزعة الالحادية ماثلة عند اغلب ملوك الامويين يقول الوليد في بعض خمرياته منكرا للبعث والنشور : ادر الكاس يمينا * لاتدرها ليسار اسق هذا ثم هذا * صاحب العود النضار من كميت عتقوها * منذ دهر في حرار ختموها بالاماويه (62) * وكافور وقار فلقد ايقنت أني * غير مبعوث لنار ساروض الناس * حتي يركبوا دين الحمار وذروا من يطلب * الجنة يسعي لتبار(63) وتاثر الكثيرون من ولاتهم بهذا النزعة الالحادية، فكان الحجاج يخاطب الله امام الجماهير الحاشدة قائلا : " ارسولك افضل ام خليفتك يعني ان عبد الملك افضل من النبي العظيم (ص)."(64) وكان ينقم على الذين يزورون قبر رسول الله (ص) ويقول : " تبا لهم انما يطوفون باعواد ورمة بالية، هلا طافوا بقصر امير المؤمنين عبد الملك الا يعلمون ان خليفة المرء خير من رسوله " (65) . وهكذا كان جهاز الحكم الاموي في كثير من ادواره قد تنكر للرسول الاعظم (ص) وازدرى برسالته . تغيير الواقع الاسلامي : وعمد معاوية الى تغيير الواقع الاسلامي المشرق الذي تبني الحركات النضالية والقضايا المصيرية لجميع الشعوب، فاهاب بالمسلمين أن لا يقروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، وقد تبنى هذا الشعار المقدس الصحابي العظيم ابو ذر الغفاري الذي فهم الاسلام، عن واقعه، فرفع راية الكفاح في وجه الحكم الاموي، وطالب عثمان، ومعاوية بانصاف المظلومين والمضطهدين وتوزيع ثروات الامة على الفقراء والمحرومين .لقد اراد معاوية اقبار هذا الوعي الديني، واماتة الشعور بالسؤولية فاوعز الى لجان الوضع التي ابتدعها ان تفتعل الاحاديث على لسان المحرر العظيم الرسول (ص) في الزام الامة بالخضوع للظلم، والخنوع للجور، والتسليم لما تقترفه سلطانها من الجور والاستبداد وهذه بعض الاحاديث : 1 - روى البخاري بسنده عن رسول الله (ص) انه قال لاصحابه : " انكم سترون بعدى اثرة، وامورا تنكرونها. قالوا فما تامرنا يا رسول الله ؟ قال : ادوا إليهم حقهم، واسالوا الله حقكم.." (66). 2 - روى البخاري بسنده عن رسول الله (ص) أنه قال : " من راى من أميره شيئا يكره فليصبر عليه فانه من فارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية.."(67). 3 - روى البخاري بسنده عن مسلمة بن زيد الجعفي أنه سال رسول الله (ص) فقال له : يا نبي الله ارايت ان قامت علينا امراء يسالونا حقهم، ويمنعونا حقنا فما ترى ؟ فاعرض " ص " عنه فساله ثانيا وثالثا والرسول معرض فجذبه الاشعث بن قيس، فقال رسول الله (ص) : اسمعوا واطيعوا فان عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم.."(68). 4 - روى البخاري بسنده عن عجرفة قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الامة وهي جمع فاضربوه بالسيف كائنا ما كان.." (69) الى غير ذلك من الموضوعات التى خدرت الامة، وشلت حركتها الثورية، وجعلتها قابعة ذليلة تحت وطاة الاستبداد الاموي وجوره، وقد هب الامام الحسين (ع) الثائر الاول في الاسلام الى اعلان الجهاد المقدس ليوقظ الامة من سباتها ويعيد للاسلام نضارته وروحه النضالية التى انحسرت في عهد الحكم الاموي . مع أهل البيت : وسخر معاوية جميع اجهزته للحط من قيمة اهل البيت (ع) الذين هم وديعة رسول الله (ص) والعصب الحساس في هذه الامة، وقد استخدام اخطر الوسائل في محاربتهم واقصائهم عن واقع الحياة الاسلامية، وكان من بين ما استخدمه في ذلك مايلي :1 - تسخير الوعاظ . وسخر معاوية الوعاظ في جميع انحاء البلاد ليحولوا القلوب عن أهل البيت (70) ويذيعوا الاضاليل في انتقاصهم تدعيما للحكم الاموي . 2 - استخدام معاهد التعليم . واستخدم معاوية معاهد التعليم واجهزة الكتاتيب لتغدية النشئ ببغض أهل البيت (ع) وخلق جيل معاد لهم (71) وقد قامت تلك الاجهزة بدور خطير في بث روح الكراهية في نفوس النشئ لعترة النبي (ص) . 3 - افتعال الاخبار . واقام معاوية شبكة لوضع الاخبار تعد من اخطر الشبكات التخريبية في الاسلام فعهد إليها بوضع الاحاديث على لسان النبي (ص) للحط من قيمة أهل البيت (ع) اما الاعضاء البارزون في هذه اللجنة فهم : 1 - ابو هريرة الدوسي . 2 - سمرة بن جندب . 3 - عمرو بن العاص . 4 - المغيرة بن شعبة . وقد افتعلوا آلاف الاحاديث على لسان النبي (ص) وكانت عدة طوائف مختلفة حسب التخطيط السياسي للدولة وهي : الطائفة الاولى : وضع الاخبار في فضل الصحابة لجعلهم قبال أهل البيت، وقد عد الامام الباقر (ع) اكثر من مائة حديث منها : أ - ان عمر محدث - بصيغة المفعول - اي تحدثه الملائكة . ب - إن السكينة تنطق على لسان عمر . ج - إن عمر يلقنه الملك . د - إن الملائكة لتستحي من عثمان (72) . الى كثير من امثال هذه الاخبار التي وضعت في فضل الصحابة، يقول المحدث ابن عرفة المعروف بنفطويه : " ان اكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في ايام بني امية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم..."(73) كما وضعوا في فضل الصحابة الاحاديث المماثلة للاحاديث النبوية في فضل العترة الطاهرة كوضعهم : " ان سيدي كهول أهل الجنة ابو بكر وعمر " وقد عارضوا بذلك الاحاديث المتواتر " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (74) . الطائفة الثانية : وضع الاخبار في ذم العترة الطاهرة والحط من شانها فقد اعطى معاوية سمرة بن جندب اربع مائة الف على أن يخطب في أهل الشام، ويروي لهم أن الاية الكريمة نزلت في علي وهي قوله تعالى : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد "(75) فروى لهم سمرة ذلك واخذ العوض الضخم من بيت المال المسلمين (76)... ومما رووا أن النبي (ص) قال في آل أبي طالب " إن آل أبي طالب ليسوا باولياء لي انما ولي الله وصالح المؤمنين"(77) وروى الاعمش انه لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة (سنة 41) جاء الى مسجد الكوفة فلما راى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا، وقال : يا أهل العراق أتزعمون أني اكذب(78) على رسول الله (ص) واحرق نفسي بالنار ؟ لقد سمعت رسول الله (ص) يقول : ان لكل نبي حرما، وان حرمي بالمدينة ما بين عير الى ثور فمن احدث فيهما حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين، واشهد بالله ان عليا احدث فيها ! ! فلما بلغ معاوية قوله اجازه واكرمه وولاه امارة المدينة(79) . الى كثير من امثال هذه الموضوعات التي تقدح في العترة الطاهرة التي هي مصدر الوعي والاحساس في العالم الاسلامي . الطائفة الثالثة افتعال الاخبار في فضل معاوية لمحو العار الذي لحقه ولحق أباه واسرته في مناهضتهم للاسلام، واخفاء ما أثر عن النبي (ص) في ذمهم، وهذه بعض الاخبار المفتعلة : 1 - قال (ص) : " معاوية بن أبي سفيان احلم أمتي واجودها " (80). 2 - قال (ص) : " صاحب سري معاوية بن أبي سفيان " (81). 3 - قال (ص) " اللهم علمه - يعني معاوية - الكتاب وقه العذاب وادخله الجنة.."(82) . 4 - قال (ص) " اذا رايتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه (83) فانه امين هذه الامة"(84) الى غير ذلك من الاحاديث الموضوعة التي تعكس الصراع الفكري ضد الاسلام عند معاوية وانه حاول جاهدا محو هذا الدين والقضاء عليه . حديث مفتعل على الحسين : من الاحاديث الموضوعة على الامام الحسين ما روى أنه وفد على معاوية زائرا في يوم الجمعة وكان قائما على المنبر خطيبا فقال له رجل من القوم ائذن للحسين يصعد المنبر فقال له معاوية :ويلك دعني افتخر، ثم حمدالله وأنثى عليه، ووجه خطابه للحسين قائلا له : - سالكتك يا أبا عبد الله أليس أنا ابن بطحاء مكة ؟ - اي والذي بعث جدي بشيرا . - سالتك يا أبا عبد الله أليس أنا خال المؤمنين ؟ - اي والذي بعث جدي نبيا . - سالتك يا أبا عبد الله أليس أنا كاتب الوحي ؟ - اي والذي بعث جدي نذيرا . ثم نزل معاوية عن المنبر، فصعد الحسين فحمد الله بمحامد لم يحمده الاولون والاخرون بمثلها ثم قال : حدثني أبي عن جدي عن جبرائيل عن الله تعالى ان تحت قائمة كرسي العرش ورقة آس خضراء مكتوب عليها " لا إله إلا الله محمد رسول الله، يا شيعة آل محمد لا ياتي أحدكم يوم القيامة الا ادخله الله الجنة " . فقال له معاوية : سالتك يا أبا عبد الله من شيعة آل محمد ؟ فقال عليه السلام : الذين لا يشتمون الشيخين أبا بكر وعمر، ولا يشتمون عثمان ولا يشتمونك يا معاوية . وعلق الحافظ ابن عساكر على هذا الحديث بقوله : " هذا حديث منكر ولا أرى سنده متصلا الى الحسين (85) . وقد امتحن المسلمون امتحانا عسيرا بهذه الموضوعات التي دونت في كتب السنة، وظن الكثيرون من المسلمين أنها حق، فاضفوا على معاوية ثوب القداسة، وألحقوه بالرعيل الاول من الصحابة المتحرجين في دينهم وهم من دون شك لو علموا واقعها لتبرؤا منها - كما يقول المدايني - (86) ولم تقتصر الموضوعات على تقديس معاوية والحط من شان أهل البيت (ع) وانما تدخلت في شؤون الشريعة فالصقت بها المتناقضات والمستحيلات مما شوهت الواقع الاسلامي وأفسدت عقائد المسلمين . سب الامام امير المؤمنين : وتمادى معاوية في عدائه الامام أمير المؤمنين (ع) فاعلن سبه ولعنه في نواديه العامة والخاصة وأوعز إلى جميع عماله وولاته أن يذيعوا سبه بين الناس، وسرى سب الامام في جميع انحاء العالم الاسلامي، وقد خطب معاوية في أهل الشام فقال لهم :" ايها الناس، ان رسول الله (ص) قال لي : إنك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الارض المقدسة - يعني الشام - فان فيها الابدال، وقد اخترتكم فالعنوا أبا تراب " . وعج أهل الشام بسب الامام (87) وخطب في اولئك الوحوش فقال لهم : " ما ظنكم برجل - يعني عليا لا يصلح لاخيه - يعني عقيلا - يا أهل الشام إن أبا لهب المذموم في القران هو عم علي بن أبي طالب " (88) . ويقول المؤرخون : انه كان اذا خطب ختم خطابه بقوله : " اللهم ان أبا تراب الحد في دينك وصد عن سبيلك فالعنه لعنا وبيلا، وعذبه عذابا اليما.. " وكان يشاد بهذه الكلمات على المنابر (89) ولما ولي معاوية المغيرة بن شعبة امارة الكوفة كان أهم ما عهد إليه ان لا يتسامح في شتم الامام (ع) والترحم على عثمان، والعيب لاصحاب علي واقصائهم، واقام المغيرة واليا على الكوفة سبع سنين وهو لا يدع ذم علي والوقوع فيه (90). وقد اراد معاوية بذلك ان يصرف القلوب عن الامام (ع) وان يحول بين الناس وبين مبادئه التي اصبحت تطارده في قصوره يقول الدكتور محمود صبحي : " لقد اصبح علي جثة هامدة لا يزاحمهم في سلطانهم، ويخيفهم بشخصه، ولا يعني ذلك - اي سب الامام - الا ان مبادئه في الحكم وآراءه في السياسة كانت تنغص عليهم في موته كما كانت في حياته.."(91). لقد كان الامام رائد العدالة الانسانية والمثل الاعلى لهذا الدين، يقول الجاحظ : " لا يعلم رجل في الارض متى ذكر السبق في الاسلام والتقدم فيه، ومتى ذكر النخوة والذب عن الاسلام، ومتى ذكر الفقه في الدين، ومتى ذكر الزهد في الامور التي تناصر الناس عليها كان مذكورا في هذه الخلال كلها الا في علي"(92). ويقول الحسن البصري : " والله لقد فارقكم بالامس رجل كان سهما صائبا من مرامي الله عز وجل، رباني هذه الامة بعد نبيها (ص) وصاحب شرفها وفضلها وذا القرابة القريبة من رسول الله (ص) غير مسؤم لامر الله، ولا سروقة لمال الله اعطى القران عزائمه فاورده رياضا مونقة، وحدائق مغدقة ذلك علي بن ابي طالب"(93). لقد عادت اللعنات التي كان يصبها معاوية وولاته على الامام باظهار فضائله فقد برز الامام للناس اروع صفحة في تاريخ الانسانية كلها، وظهر للمجتمع انه المنادي الاول بحقوق الانسان، والمؤسس الاول للعدالة الاجتماعية في الارض لقد انطوت السنون والاحقاب، واندكت معالم تلك الدول التي ناوئت الامام سواء أكانت من بني امية أم من بني العباس، ولم يبق لها أثر، وبقى الامام (ع) وحده قد احتل قمة المجد فها هو رائد الانسانية الاول وقائدها الاعلى واذا بحكمه القصير الامد يصبح طغراء في حكام هذا الشرق، واذا الوثائق الرسمية التي أثرت عنه تصبح منارا لكل حكم صالح يستهدف تحقيق القضايا المصيرية للشعوب، واذا بحكم معاوية اصبح رمزا للخيانة والعمالة ورمزا لاضطهاد الشعوب واحتقارها . ستر فضائل أهل البيت: وحاول معاوية بجميع طاقاته حجب فضائل آل البيت (ع) وستر ماثرهم عن المسلمين، وعدم اذاعة ما أثر عن النبي (ص) في فضلهم، يقول المؤرخون : إنه بعد عام الصلح حج بيت الله الحرام فاجتاز على جماعة فقاموا إليه تكريما ولم يقم إليه ابن عباس، فبادره معاوية قائلا : يابن عباس ما منعك من القيام ؟ كما قام أصحابك إلا لموجدة علي بقتالي إياكم يوم صفين ! ! يابن عباس إن ابن عمي عثمان قتل مظلوما. ! فرد عليه ابن عباس ببليغ منطقه قائلا : - فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما، فسلم الامر الى ولده، وهذا ابنه - واشار الى عبد الله بن عمر - اجابه معاوية بمنطقه الرخيص . " إن عمر قتله مشرك.. " فانبرى ابن عباس قائلا : - فمن قتل عثمان ؟ - قتله المسلمون . وامسك ابن عباس بزمامه فقال له : " فذلك ادحض لحجتك إن كان المسلمون قتلوه وخذاوه فليس الا بحق " ولم يجد معاوية مجالا للرد عليه، فسلك حديثا آخر أهم عنده من دم عثمان فقال له : " إنا كتبنا الى الافاق ننهي عن ذكر مناقب علي وأهل بيته فكف لسانك يابن عباس " فانبرى ابن عباس بفيض من منطقه وبليغ حجته يسدد سهاما لمعاوية قائلا : - فتنهانا عن قراءة القران ؟ - لا - فتنهانا عن تاويله ؟ - نعم - فتقراه ولا نسال عما عنى الله به ؟ - نعم - فايهما أوجب علينا قراءته أو العمل به ؟ - العمل به . - فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا ؟ - سل عن ذلك ممن يتاوله على غير ما تتاوله أنت وأهل بيتك . - انما نزل القران على اهل بيتي، فاسال عنه آل ابي سفيان وآل ابي معيط ؟ ! ! - فاقراوا القران، ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم، ومما قاله رسول الله (ص) فيكم، وارووا ما سوى ذلك . وسخر منه ابن عباس، وتلا قوله تعالى : " يريدون أن يطفؤا نور الله بافواههم، ويابي الله ان يتم نوره ولو كره الكافرون " . وصاح به معاوية : " اكفني نفسك، وكف عني لسانك، وإن كنت فاعلا فليكن سرا، ولا تسمعه أحدا علانية..."(94) ودلت هذه المحاورة على عمق الوسائل التي اتخذها معاوية في مناهضته لاهل البيت، واخفاء ماثرهم . وبلغ الحقد بمعاوية على الامام أنه لما ظهر عمرو بن العاص بمصر على محمد بن ابي بكر، وقتله استولى على كتبه ومذكراته وكان من بينها عهد الامام له، وهو من اروع الوثائق السياسية، فرفعه ابن العاص الى معاوية فلما راه قال لخاصته : إنا لا نقول هذا من كتب على بن ابي طالب ولكن نقول : هذا من كتب ابي بكر التي كانت عنده (95). التحرج من ذكر الامام : واسرف الحكم الاموي الى حد بعيد في محاربة الامام امير المؤمنين (ع) فقد عهد بقتل كل مولود يسمى عليا، فبلغ ذلك علي بن رياح فخاف، وقال :لا اجعل في حل من سماني عليا فان اسمي علي - بضم العين - (96) ويقول المؤرخون : ان العلماء والمحدثين تحرجوا من ذكر الامام علي والرواية عنه خوفا من بني أمية فكانوا اذا ارادوا أن يرووا عنه يقولون : " روى أبو زينب " (97) وروى معمر عن الزهري عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله (ص) : " إن الله عز وجل منع بني اسرائيل قطر السماء لسوء رايهم في انبيائهم، واختلافهم في دينهم، وانه اخذ على هذه الامة بالسنين، ومنعهم قطر السماء ببغضهم علي بن ابي طالب " . قال معمر : حدثني الزهري في مرضة مرضها، ولم اسمعه يحدث عن عكرمة قبلها ولا بعدها فلما ابل من مرضه ندم على حديثه لي وقال : " يا يماني اكتم هذا الحديث، واطوه دوني فان هؤلاء - يعني بني أمية - لا يعذرون احدا في تقريض علي وذكره. " قال معمر : " فما بالك عبت عليا مع القوم، وقد سمعت الذي سمعت ؟ " قال الزهري : " حسبك يا هذا انهم اشركونا مهمامهم فاتبعناهم في اهوائهم.."(98) وقد امتحن المسلمون امتحانا عسيرا في مودتهم للامام وتحرجوا اشد التحرج في ذلك، يقول الشعبي: " ما ذا لقينا من علي إن احببناه ذهبت دنيانا وان ابغضناه ذهب ديننا " ويقول الشاعر : حب علي كله ضرب * يرجف من تذكاره القلب هذه بعض المحن التي عاناها المسلمون في مودتهم لاهل البيت (ع) التي هي جزء من دينهم . مع الشيعة : واضطهدت الشيعة أيام معاوية اضطهادا رسميا في جميع انحاء البلاد، وقوبلوا بمزيد من العنف والشدة، فقد انتقم منهم معاوية كاشد ما يكون الانتقام قسوة وعذابا، فقد قاد مركبة حكومته على جثث الضحايا منهم، وقد حكى الامام الباقر (ع) صورا مريعة من بطش الامويين بشيعة آل البيت (ع) يقول :" وقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الايدي والارجل على الظنة، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ما له أو هدمت داره "(99) وتحدث بعض رجال الشيعة الى محمد بن الحنفية عما عانوه من المحن والخطوب بقول : " فما زال بنا الشين في حبكم حتى ضربت عليه الاعناق، وأبطلت الشهادات، وشردنا في البلاد، وأوذينا حتى لقد هممت أن أذهبت في الارض قفرا، فاعبد الله حتى القاه، لولا أن يخفى علي أمر آل محمد (ص) وحتى هممت أن اخرج مع اقوام (100) شهادتنا وشهادتهم واحدة على امرائنا فيخرجون فيقاتلون.." (101) لقد كان معاوية لا يتهيب من الاقدام على اقتراف اية جريمة من اجل ان يضمن ملكه وسلطانه، وقد كانت الشيعة تشكل خطرا على حكومته فاستعمل معهم اعنف الوسائل واشدها قسوة من اجل القضاء عليهم، ومن بين الاجراءات القاسية التي استعملها ضدهم ما يلي : القتل الجماعي: واسرف معاوية الى حد كبير في سفك دماء الشيعة، فقد عهد الى الجلادين من قادة جيشه يتتبع الشيعة وقتلهم حيثما كانوا، وقد قتل بسر بن أبي ارطاة - بعد التحكيم - ثلاثين الفا عدا من احرقهم بالنار(102) وقتل سمرة بن جندب ثمانية الالف من أهل البصرة (103) واما زياد بن ابيه فقد ارتكب افظع المجازر فقطع الايدي والارجل وسمل العيون، وانزل بالشيعة من صنوف العذاب ما لا يوصف لمرارته وقسوته . ابادة القوى الواعية : وعمد معاوية الى ابادة القوى المفكرة والواعية من الشيعة، وقد ساق زمرا منهم الى ساحات الاعلام، واسكن الثكل والحداد في بيوتهم، وفيما يلي بعضهم.1 - حجر بن عدي : لقد رفع حجر بن عدي علم النضال، وكافح عن حقوق المظلومين والمضطهدين، وسحق ارادة الحاكمين من بني امية الذين تلاعبوا في مقدرات الامة وحولوها الى مزرعة جماعية لهم ولعملائهم واتباعهم... لقد استهان حجر من الموت وسخر من الحياة، واستلذ الشهادة في سبيل عقيدته، فكان احد المؤسسين لمذهب اهل البيت (ع) . وامتحن حجر كاشد ما تكون المحنة قسوة حينما راى السلطة تعلن سب الامام امير المؤمنين (ع) وترغم الناس على البراءة منه فانكر ذلك، وجاهر بالرد على ولاة الكوفة، واستحل زياد بن ابيه دمه فالقى عليه القبض، وبعثه مخفورا مع كوكبة من اخوانه الى معاوية، واوقفوا في (مرج عذراء) فصدرت الاوامر من دمشق باعدامهم، ونفذ الجلادون فيهم حكم الاعدام فخرت جثثهم على الارض وهي ملفعة بدم الشهادة والكرامة وهي تضئ للناس معالم الطريق نحو حياة افضل لا ظلم فيها، ولا طغيان . مذكرة الامام الحسين وفزع الامام الحسين حينما وافته الانباء بمقتل حجر فرفع مذكرة شديدة اللهجة الى معاوية ذكر فيها احداثه وبدعه، والتي كان منها قتله لحجر والبررة من اصحابه، وقد جاء فيها : " الست القاتل حجرا اخا كندة، والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع، ولا يخافون في الله لومة لائم... قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت اعطيتهم الايمان المغلظة، والمواثيق المؤكدة ان لا تاخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا باحنة تجدها في نفسك عليهم.." (104) واحتوت هذه المذكرة على ما يلي : 1 - الانكار الشديد على معاوية لقتله حجرا واصحابه من دون أن يقترقوا جرما أو يحدثوا فسادا في الارض. 2 - انها اشادت بالصفات البطولية في هؤلاء الشهداء من انكار الظلم، ومقاومة الجور واستعظام البدع والمنكرات التي احدثتها حكومة معاوية، وقد هبوا الى ميادين الجهاد لاقامة الحق ومناهضة المنكر . 3 - انها اثبتت ان معاوية قد اعطى حجرا واصحابه عهدا خاصا في وثيقة وقعها قبل ابرام الصلح ان لا يعرض لهم باي احنة كانت بينه وبينهم، ولا يصيبهم باي مكروه، ولكنه قد خاس بذلك فلم يف به كما لم يف للامام الحسن بالشروط التي اعطاها له، وانما جعلها تحت قدميه كما اعلن ذلك في خطابه الذي القاه في النخيلة . لقد كان قتل حجر من الاحداث الجسام في الاسلام، وقد توالت صيحات الانكار على معاوية من جميع الاقاليم الاسلامية، وقد ذكرناها بالتفصيل في كتابنا (حياة الامام الحسن " ع ") . 1 - رشيد الهجري : وفي فترات المحنة الكبرى التي منيت بها الشيعة في عهد ابن سمية تعرض رشيد الهجري لانواع المحن والبلوى فقد بعث زياد شرطته إليه فلما مثل عنده صاح به " ما قال لك خليلك - يعني عليا - انا فاعلون بك ؟ " فاجابه بصدق وايمان : " تقطعون يدي ورجلي، وتصلبوني " وقال الخبيث مستهزءا وساخرا : " اما والله لاكذبن حديثه، خلوا سبييله. " وخلت الجلاوزة سراحه، وندم الطاغية فامر باحضاره فصاح به : " لا نجد شيئا اصلح مما قال صاحبك : إنك لا تزال تبغي لنا سوءا إن بقيت، اقطعوا يديه ورجليه " وبادر الجلادون فقطعوا يديه ورجليه، وهو غير حافل بما يعانيه من الالام، ويقول المؤرخون : انه اخذ يذكر مثالب بني امية، ويدعو الى ايقاظ الوعي والثورة، مما غاظ ذلك زيادا فامر بقطع لسانه (105) الذي كان يطالب بالحق والعدل، وينافح عن حقوق الفقراء والمحرومين . 3 - عمرو بن الحمق الخزاعي : ومن شهداء العقيدة : الصحابي العظيم عمرو بن الحمق الخزاعي الذي دعا له النبي (ص) أن يمتعه الله بشبابه، واستحباب الله دعاء نبيه فقد اخذ عمرو بعنق الثمانين عاما ولم تر في كريمته شعرة بيضاء (106) وتاثر عمرو بهدي اهل البيت واخذ من علومهم فكان من اعلام شيعتهم.. وفي اعقاب الفتنة الكبرى التي منيت بها الكوفة في عهد الطاغية زياد بن سمية شعر عمرو بتتبع السلطة له ففر مع زميله رفاعة بن شداد الى الموصل، وقبل أن ينتهيا إليه كمنا في جبل ليستجما فيه، وارتابت الشرطة فبادرت الى القاء القبض على عمرو اما رفاعة ففر ولم تستطع ان تلقي عليه القبض وجيئ بعمرو مخفورا الى حاكم الموصل عبد الرحمن الثقفي، فرفع امره الى معاوية فامره بطعنه تسع طعنات بمشاقص (107) لانه طعن عثمان بن عفان، وبادرت الجلاوزة الى طعنه فمات في الطعنة الاولى، واحتز راسه الشريف وارسل الى طاغية دمشق فامر ان يطاف به في الشام، ويقول المؤرخون انه اول راس طيف به في الاسلام، ثم أمر به معاوية ان يحمل الى زوجته السيدة آمنة بنت شريد، وكانت في سجنه، فلم تشعر الا وراس زوجها قد وضع في حجرها، فذعرت وكادت أن تموت وحملت من السجن الى معاوية وجرت بينها وبينه محادثات دلت على ضعة معاوية واستهانته بالقيم العربية والاسلامية القاضية بمعاملة المراة معاملة كريمة ولا تؤخذ باي ذنب يقترفه زوجها أو غيره . مذكرة الامام الحسين : والتاع الامام الحسين (ع) أشد ما تكون اللوعة حينما علم بقتل عمرو فرفع مذكرة الى معاوية عدد فيها احداثه وما تعانيه الامة في عهده من الاضطهاد والجور، وجاء فيما يخص عمروا :" او لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله (ص) العبد الصالح الذي ابلته العبادة فنحل جسمه، واصفر لونه، بعدما امنته، واعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو اعطيته طائرا لنزل إليك من راس الجبل، ثم قتلته جراءة على ربك واستخفافا بذلك العهد.."(108). لقد خاس معاوية بما اعطاه لهذا الصحابي الجليل - بعد الصلح - من العهد والمواثيق بان لا يعرض له بسوء ولا مكروه . 4 - اوفى بن حصن: وكان اوفى بن حصن من خيار الشيعة - في الكوفة - واحد اعلامهم النابهين، وهو من اشد الناقمين على معاوية فكان يذيع مساوءه واحداثه، ولما علم به ابن سمية أوعز الى الشرطة بالقاء القبض عليه ولما علم اوفى بذلك اختفى، وفي ذات يوم استعرض زياد الناس فاجتاز عليه أوفى فشك في امره فسال عنه فاخبر باسمه، فامر باحضاره فلما مثل عنده ساله عن سياسته فعابها وانكرها، فامر زياد بقتله، فهوى الجلادون عليه بسيوفهم وتركوه جثة هامدة (109) . 5 - الحضرمي مع جماعته : وكان عبد الله الحضرمي من اولياء الامام امير المؤمنين ومن خلص شيعته كما كان من شرطة الخميس، وقد له الامام يوم الجمل : " ابشر يا عبد الله فانك واباك من شرطة الخميس، لقد اخبرني رسول الله باسمك واسم ابيك في شرطة الخميس ولما قتل الامام جزع عليه الحضرمي وبنى له صومعة يتعبد فيها وانضم إليه جماعة من خيار الشيعة، فامر ابن سمية باحضارهم، ولما مثلوا عنده أمر بقتلهم، فقتلوا صبرا (110) . لقد كانت فاجعة عبد الله كفاجعة حجر بن عدي فكلاهما قتل صبرا وكلاهما اخذ بغير ذنب سوى الولاء لعترة رسول الله (ص) . انكار الامام الحسين : وفزع الامام الحسين كاشد ما يكون الفزع الما ومحنة على مقتل الحضرمي وجماعته الاخيار فانكر على معاوية في مذكرته التي بعثها له وقد جاء فيها ." او لست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه إليك زياد أنه على دين علي (ع) فكتبت إليه أن اقتل كل من كان على دين علي، فقتلهم ومثل فيهم بامرك، ودين علي هو دين ابن عمه (ص) الذي اجلسك مجلسك الذي انت فيه، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف. " ودلت هذه المذكرة - بوضوح - على أن معاوية قد عهد الى زياد بقتل كل من كان على دين علي (ع) الذي هو دين رسول الله (ص) كما دلت على ان زيادا قتل مثل بهؤلاء البررة بعد قتلهم تشفيا منهم لولائهم لعترة رسول الله (ص). 6 - جويرية العبدي : ومن عيون شيعة الامام جويرية بن مسهر العبدي، وفي فترات المحنة الكبرى التي امتحنت بها الشيعة أيام ابن سمية، بعث خلفه فامر بقطع يده ورجله وصلبه على جذع قصير (111). 7 - صيفي بن فسيل : ومن ابطال العقيدة الاسلامية صيفي بن فسيل الذي ضرب اروع الامثلة للايمان فقد سعي به الى الطاغية زياد فلما جيئ به إليه صاح به : - يا عدو الله ما تقول في ابي تراب ؟ - ما اعرف أبا تراب (112) - ما اعرفك به ؟ - اما تعرف علي بن أبي طالب ؟ - بلى - فذاك أبو تراب . - كلا ذاك أبو الحسن والحسين . وانبرى مدير شرطة زياد منكرا عليه : " يقول لك ألامير : هو أبو تراب، وتقول : أنت لا ! ! " فصاح به البطل العظيم مستهزءا مننه ومن أميره . " وإن كذب الامير أتريد أن أكذب ؟ وأشهد على باطل كما شهد وتحطم كبرياء الطاغية، ضاقت به الارض فقال له : " وهذا ايضا مع ذنبك " وصاح بشرطته علي بالعصا، فاتوه بها، فقال له : " ما قولك ؟ " وانبرى البطل بكل بسالة واقدام غير حافل به قائلا : " أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين.. " واوعز السفاك الى جلاديه بضرب عاتقه حتى يلتصق بالارض، فسعوا إليه بهراواتهم فضربوه ضربا مبرحا حتى وصل عاتقه الى الارض، ثم أمرهم بالكف عنه، وقال له : " إيه ما قولك في علي ؟ " وحسب الطاغية ان وسائل تعذيبه سوف تقلبه عن عقيدته فقال له : والله لو شرحتني بالمواسي والمدى، ما قلت الا ما سمعت مني " وفقد السفاك اهابه فصاح به، " لتلعنه أو لاضربن عنقك.. " وهتف صيفي يقول : " إذا تضربها والله قبل ذلك، فان أبيت الا أن تضربها رضيت بالله وشقيت أنت.. " وأمر به ان يوقر في الحديد، ويلقى في ظلمات السجون (113) ثم بعثه مع حجر بن عدي فاستشهد معه (114) . 8 - عبد الرحمن : وكان عبد الرحمن العنزي من خيار الشيعة وقد وقع في قبضة جلاوزة زياد فطلب منهم مواجهة معاوية لعله أن يعفو عنه فاستجابوا له وارسلوه مخفورا الى دمشق فلما مثل عند الطاغية قال له : " إيه أخا ربيعة ما تقول في علي ؟ ... " " دعني ولا تسالني فهو خير لك... " " والله لا ادعك.. " فانبرى البطل الفذ يدلي بفضائل الامام، ويشيد بمقامه قائلا : أشهد انه كان من الذاكرين الله كثيرا، والامرين بالحق، والقائمين بالقسط، والعافين عن الناس " " والتاع معاوية فعرج نحو عثمان لعله أن ينال منه فيستحل اراقة دمه فقال له : " ما قولك في عثمان ؟ " فاجابه عن انطباعاته عن عثمان، فغاظ ذلك معاوية وصاح به : " قتلت نفسك " بل اياك قتلت، ولا ربيعة بالوادي. " وظن عبد الرحمن أن اسرته ستقوم بحمايته وانقاذه، فلم ينبر إليه احد ولما أمن منهم معاوية بعثه الى الطاغية زياد، وأمره بقتله فبعثه زياد الى " قس الناطف "(115) فدفنه وهو حي(116) لقد رفع هذا البطل العظيم راية الحق، وحمل معول الهدم على قلاع الظلم والجور، واستشهد منافحا عن اقدس قضية في الاسلام . هؤلاء بعض الشهداء من اعلام الشيعة الذين حملوا مشعل الحرية، واضاؤا الطريق لغيرهم من الثوار الذين اسقطوا هيبة الحكم الاموي، وعملوا على انقاضه . المروعون من اعلام الشيعة : وروع معاوية طائفة كبيرة من الشخصيات البارزة من رؤساء الشيعة وفيما يلي بعضهم : 1 - عبد الله بن هاشم المرقال . 2 - عدي بن حاتم الطائي . 3 - صعصعة بن صوحان . 4 - عبد الله بن خليفة الطائي . وقد ارهق معاوية هؤلاء الاعلام ارهاقا شديدا، فطاردتهم شرطته وافزعتهم الى حد بعيد وقد ذكرنا ماعانوه من الخطوب في كتابنا " حياة الامام الحسن " . ترويع النساء : ولم يقتصر معاوية في تنكيله على السادة من رجال الشيعة، وانما تجاوز ظلمه الى السيدات من نسائهم، فاشاع فيهم الذعر والارهاب، فكتب الى بعض عماله بحمل بعضهن إليه، فحملت له هذه السيدات :1 - الزرقاء بنت عدي . 2 - أم الخير البارقية . 3 - سودة بنت عمارة . 4 - ام البراء بنت صفوان . 5 - بكارة الهلالية . 6 - اروى بنت الحارث . 7 - عكرش بنت الاطرش . 8 - الدارمية الحجونية . وقد قابلهن معاوية بمزيد من التوهين والاستخفاف، واظهر لهن الجبروت والقدرة على الانتقام غير حافل بوهن المراة وضعفها، وقد ذكرنا ما جرى عليهن في مجلسه من التحقير في كتابنا " حياة الامام الحسن ". هدم دور الشيعة : واوعز معاوية الى جميع عماله بهدم دور الشيعة، فقاموا بنقضها (117) وتركوا شيعة آل البيت (ع) بلا ماوى ياوون إليه، ولم يكن هناك اي مبرر لهذه الاجراءات القاسية سوى تحويل الناس عن عترة رسول الله (ص). حرمان الشيعة من العطاء : ومن الماسي الكئيبة التي عانتها الشيعة في أيام معاوية أنه كتب الى جميع عماله نسخة واحدة جاء فيها " انظروا الى من قامت عليه البينة انه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه " (118) وبادر عماله في الفحص في سجلاتهم فمن وجدوه محبا لال البيت (ع) محوا اسمه واسقطوا عطاءه . عدم قبول شهادة الشيعة : وعمد معاوية الى اسقاط الشيعة اجتماعيا فعهد الى جميع عماله بعدم قبول شهادتهم في القضاء وغيره(119) مبالغة في اذلالهم وتحقيرهم . ابعاد الشيعة الى الخراسان : واراد زياد بن أبيه تصفية الشيعة من الكوفة، وكسر شوكتهم فاجلى خمسين الفا منهم الى خراسان المقاطعة الشرقية في فارس (120) وقد دق زياد بذلك اول مسمار في نعش الحكم الاموي، فقد اخذت تلك الجماهير التي ابعدت الى فارس تعمل على نشر التشيع في تلك البلاد، حتى تحولت الى مركز للمعارضة ضد الحكم الاموي، وهي التي اطاحت به تحت قيادة أبي مسلم الخراساني . هذا بعض ما عانته الشيعة في عهد معاوية من صنوف التعذيب والارهاب، وكان ما جرى عليهم من الماسي الاليمة من اهم الاسباب في ثورة الامام الحسين، فقد رفع علم الثورة لينقذهم من المحنة الكبرى التي امتحنوا بها ويعيد لهم الامن والاستقرار . البيعة ليزيد : وختم معاوية حياته باكبر اثم في الاسلام وافظع جريمة في التاريخ، فقد اقدم غير متحرج على فرض خليعه يزيد خليفة على المسلمين يعيث في دينهم ودنياهم، ويخلد لهم الويلات والخطوب،..وقد استخدم معاوية شتى الوسائل المنحطة في جعل الملك وراثة في ابنائه، ويرى الجاحظ أنه تشبه بملوك الفرس البزنطيين فحول الخلافة الى ملك كسروي، وعصب قيصري.. وقبل أن نعرض الى تلك البيعة المشومة، وما رافقها من الاحداث نذكر عرضا موجزا لسيرة يزيد، وما يتصف به من القابليات الشخصية التي عجت بذمها كتب التاريخ من يومه حتى يوم الناس هذا، وفيما يلي ذلك. ولادة يزيد : ولد يزد سنة (25) أو (26 هـ)(121) وقد دهمت الارض شعلة من نارجهنم وزفيرها تحوط به دائرة السوء وغضب من الله، وهو اخبث انسان وجد في الارض فقد خلق للجريمة والاسائة الى الناس، واصبح علما للانحطاط الخلقي والظلم الاجتماعي وعنوانا بغيضا للاعتداء على الامة وقهر ارادتها في جميع العصور، يقول الشيخ محمد جواد مغنية :" اما كلمة يزيد فقد كانت من قبل اسما لابن معاوية أما هي الان عند الشيعة فانها رمز للفساد والاستبداد، والتهتك والخلاعة وعنوان للزندقة والالحاد فحيث يكون الشر والفساد فثم اسم يزيد، وحيثما يكون الخير والحق والعدل فثم اسم الحسين " (122) وقد أثر عن النبي (ص) انه نظر الى معاوية يتبختر في بردة حبرة وينظر الى عطفيه فقال (ص) : " اى يوم لامتي منك، واي يوم سوء لذريتي منك من جرو يخرج من صلبك يتخذ آيات الله هزوا ويستحل من حرمتي ما حرم الله عز وجل " (123) . نشاته : نشا يزيد عند اخواله في البادية من بني كلاب الذين كانوا يعتنقون المسيحية قبل الاسلام، وكان مرسل العنان مع شبابهم الماجنين، فتاثر بسلوكهم الى حد بعيد فكان يشرب معهم الخمر ويلعب معهم بالكلاب، يقول العائلي :" إذا كان يقينا أو يشبه اليقين ان تربية يزيد لم تكن اسلامية خالصة أو بعبارة اخرى كانت مسيحية خالصة، فلم يبق ما يستغرب معه أن يكون متجاوزا مستهترا مستخفا بما عليه الجماعة الاسلامية، لا يحسب لتقاليدها واعتقاداتها أي حساب، ولا يقيم لها وزنا بل الذي نستغرب أن يكون على غير ذلك " (124) والذي نراه أن نشاته كانت نشاة جاهلية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، ولا تحمل أي طابع من الدين مهما كان، فان استهتاره في الفحشاء وامعانه في المنكر والاثم مما يوحي الى الاعتقاد بذلك . صفاته : اما صفاته الجسمية فقد كان شديد الادمة بوجهه آثار الجدري (125) كما كان ضخما ذا سمنة كثير الشعر (126) واما صفاته النفسية فقد ورث صفات جده أبي سفيان وأبيه معاوية من الغدر والنفاق، والطيش والاستهتار يقول السيد مير علي الهندي :" وكان يزيد قاسيا غدارا كابيه، ولكنه ليس داهية مثله كانت تنقصه القدرة على تغليف تصرفاته القاسية بستار من اللباقة الدبلوماسية الناعمة وكانت طبيعته المنحلة، وخلقه المنحط لا تتسرب إليهما شفقة ولا عدل. . كان يقتل ويعذب نشدانا للمتعة واللذة التي يشعر بها، وهو ينظر الى آلام الاخرين، وكان بؤرة لابشغ الرذائل، وهاهم ندماؤه من الجنسين خير شاهد على ذلك.. لقد كانوا من حثاله المجتمع.."(127) لقد كان جافي الخلق مستهترا، بعيدا عن جميع القيم الانسانية، ومن ابرز ذاتياته ميله الى اراقة الدماء، والاسائة الى الناس ففي السنة الاولى من حكمه القصير اباد عترة رسول الله " ص " وفي السنة الثانية اباح المدينة ثلاثة ايام وقتل سبعمائة رجل من المهاجرين والانصار وعشرة آلاف من الموالي والعرب والتابعين . ولعه بالصيد : ومن مظاهر صفات يزيد ولعه بالصيد فكان يقضي اغلب أوقاته فيه، ويقول المؤرخون :" كان يزيد بن معاوية كلفا بالصيد لاهيا به، وكان يلبس كلاب الصيد الاساور من الذهب والجلال المنسوجة منه، ويهب لكل كلب عبدا يخدمه" (128). شغفه بالقرود : وكان يزيد - فيما اجمع عليه المؤرخون - ولعا بالقرود، فكان له قرد يجعله بين يديه ويكنيه بابي قيس، ويسقيه فضل كاسه، ويقول :هذا شيخ من بني اسرائيل اصابته خطيئة فمسخ، وكان يحمله على اتان وحشية ويرسله مع الخيل في حلبة السباق، فحمله يوما فسبق الخيل فسر بذلك وجعل يقول : تمسك أبا قيس بفضل زمامها * فليس عليها ان سقطت ضمان فقد سبقت خيل الجماعة كلها * وخيل امير المؤمنين اتان وارسله مرة في حلبة السباق فطرحته الريح فمات فحزن عليه حزنا شديدا وأمر بتكفينه ودفنه كما أمر أهل الشام أن يعزوه بمصابه الاليم، وانشا راثيا له : كم من كرام وقوم ذوو محافظه * جاءوا لنا ليعزوا في أبي قيس شيخ العشيرة امضاها واجملها * على الرووس وفي الاعناق والريس لا يبعد الله قبرا أنت ساكنه * فيه جمال وفيه لحية التيس(129) وذاع بين الناس هيامه وشغفه بالقرود حتى لقبوه بها، ويقول رجل من تنوخ هاجيا له : يزيد صديق القرد مل جوارنا * فحن الى ارض القرود يزيد فتبا لم امسى علينا خليفة * صحابته الادنون منه قرود (130) ادمانه على الخمر : والظاهرة البارزة من صفات يزيد ادمانه على الخمر، وقد اسرف في ذلك الى حد كبير فلم ير في وقت الا وهو ثمل لا يعي من السكر، ومن شعره في الخمر:اقول لصحب ضمت الكاس شملهم * وداعي صبابات الهوى يترنم خذوا بنصيب من نعيم ولذة * فكل وإن طال المدى يتصرم(131) وجلس يوما على الشراب وعن يمينه ابن زياد بعد قتل الحسين فقال : اسقني شربة تروي شاشي * ثم صل مل فاسق مثلها ابن زياد صاحب السر والامانة عندي * ولتسديد مغنمي وجهادي(132) وفي عهده طرا تحول كبير على شكل المجتمع الاسلامي فقد ضعف ارتباط المجتمع بالدين، وانغمس الكثيرون من المسلمين في الدعارة والمجون ولم يكن ذلك التغيير اقليميا، وانما شمل جميع الاقاليم الاسلامية فقد سادت فيها الشهوات والمتعة والشراب، وقد تغيرت الاتجاهات الفكرية التي ينشدها الاسلام عند اغلب المسلمين . وقد اندفع الاحرار من شعراء المسلمين في اغلب عصورهم الى هجاء يزيد لادمانه على الخمر، يقول الشاعر بن عرادة : ابني أمية ان آخر ملككم * جسد بحو راين ثم مقيم طرقت منيته وعند وساده * كوب وزق راعف مرثوم ومرنة تبكي على نشوانه * بالصنج تقعد تارة وتقوم(133) ويقول فيه أنور الجندي : خلقت نفسه الاثيمة بالمكر * وهامت عيناه بالفحشاء فهو والكاس في عناق طويل * وهو والعار والخناء في خباء ويقول فيه بولس سلامة : وترفق بصاحب العرش مشغو * لا عن الله بالقيان الملاح الف " الله اكبر " لا تساوي * بين كفي يزيد نهلة راح تتلظى في الدن بكرا فلم * تدنس بلثم ولا بماء قراح(134) لقد عاقر يزيد الخمر، واسرف في الادمان حتى ان بعض المصادر تعز وسبب وفاته الى أنه شرب كمية كبيرة منه فاصابه انفجار فهلك منه (135). ندماؤه : واصطفى يزيد جماعة من الخلعاء والماجنين فكان يقضي معهم لياليه الحمراء بين الشراب والغناء وفي طليعة ندمائه الاخطل الشاعر المسيحي الخليع فكانا يشربان ويسمعان الغناء، واذا اراد السفر صحبه معه(136) ولما هلك يزيد وآل أمر الخلافة الى عبد الملك بن مروان قربه فكان يدخل عليه بغير إستئذان، وعليه جبة خز، وفي عنقه سلسلة من ذهب، والخمر يقطر من لحيته (137). نصيحة معاوية ليزيد : ولما شاع استهتار يزيد واقترافه لجميع الوان المنكر والفساد، استدعاه معاوية فاوصاه بالتكتم في نيل الشهوات لئلا تسقط مكانته الاجتماعية، قائلا : يا بني ما اقدرك على أن تصير الى حاجتك من غير تهتك يذهب بمرؤتك وقدرك ثم انشده . انصب نهارا في طلاب العلى * واصبر على هجر الحبيب القريب حتى اذا الليل اتى بالدجا * واكتحلت بالغمض عين الرقيب فباشر الليل بما تشتهي * فانما الليل نهار الاريب كم فاسق تحسبه ناسكا * قد باشر الليل بامر عجيب (138) دفاع محمد عزة دروزة : من الكتاب الدين يحملون النزعة الاموية في هذا العصر محمد عزة دروزة فقد جهد نفسه - مع الاسف - على الدفاع عن منكرات الامويين وتبرير ما أثر عنهم من الظلم والجور والفساد، وقد دافع عن معاوية ونزهه عما اقترفه من الموبقات التي هي لطخة عار في تاريخ الانسانية...وقد علق على هذه البادرة بقوله : " نحن ننزه معاوية صاحب رسول الله (ص) وكاتب وحيه، والذي أثرت عنه مخافة الله وتقواه وحرصه، عن أن يرضى من ابنه الشذوذ عن هذه الحدود بله التشجيع بل نستبعد هذا عن يزيد " (139) وهذا مما يدعو الى السخرية والتفكه، فقد تنكر دروزة للواضحات التي لا يشك فيها أي انسان يملك عقله واختياره، وقديما قد قيل . وليس يصح في الاذهان شئ * اذا احتاج النهار الى دليل أن ما أثر عن معاوية من الاحداث الجسام كقتله حجر بن عدي، ورشيد الهجري وعمرو بن الحمق الخزاعي ونظرائهم من المؤمنين، وسبه للعترة الطاهرة، ونكايته بالامة بفرض يزيد خليفة عليها وغير ذلك من الجرائم التي المعنا الى بعضها في البحوث السابقة وهي مما تدل على تشويه اسلامه وانحرافه عن الطريق القويم، ولكن دروزة وامثاله لا ينظرون الى الواقع الا بمنظار اسود فراحوا يقدسون الامويين الذين اثبتو بتصرفاتهم السياسية والادارية انهم خصوم الاسلام واعداؤه . اقرار معاوية لاستهتار يزيد : وهام معاوية بحب ولده يزيد فاقره على فسقه وفجوره، ولم يردعه عنه ويقول المؤرخون :انه نقل له ان ولده على الشراب فاتاه يتجسس عليه فسمعه ينشد : اقول لصحب ضمت الكاس شملهم * وداعي صبابات الهوى يترنم خذوا بنصيب من نعيم ولذة * فكل وإن طال المدى يتصرم ولا تتركوا يوم السرور الى غد * فان غدا ياتي بما ليس يعلم الا ان اهنا العيش ما سمحت به * صروف الليالي والحوادث نوم فعاد معاوية الى مكانه ولم يعلمه بنفسخ، وراح يقول : والله لا كنت عليه، ولا نغصت عليه عيشه (140). حقد يزيد على النبي : واترعت نفس يزيد بالحقد على النبي (ص) والبغض له، لانه وتره باسرته يوم بدر، ولما أباد العترة الطاهرة جلس على اريكة الملك جذلانا مسرورا يهز اعطافه فقد استوفى ثاره من النبي (ص) وتمنى حضور اشياخه ليروا كيف أخذ بثارهم وجعل يترنم بابيات ابن الزبعرى :ليت اشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الاسل لاهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا :يا يزيد لا تشل قد قتلنا القرم من اشياخهم * وعدلناه ببدر فاعتدل لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل لست من خندف إن لم انتقم * من بني احمد ما كان فعل (141) بغضه للانصار : وكان يزيد يبغض الانصار بغضا عارما لانهم ناصروا النبي (ص) وقاتلوا قريشا، وحصدوا رؤوس اعلامهم، كما كانوا يبغضون بني أمية فقد قتل عثمان بين ظهرانيهم ولم يدافعوا عنه، ثم بايعوا عليا، وذهبوا معه الى صفين لحرب معاوية، ولما استشهد الامام كانوا من أهم العناصر المعادية لمعاوية، وكان يزيد يتميز من الغيظ عليهم وطلب من كعب بن جعيل التغلبي أن يهجوهم فامتنع وقال له : " اردتني الى الاشراك بعد الايمان، لا اهجو قوما نصروا رسول الله (ص) ولكن ادلك على غلام منا نصراني كان لسانه لسان ثور - يعني الاخطل - " فدعا يزيد الاخطل، طلب منه هجاء الانصار فاجابه الى ذلك، وهجاهم بهذه الابيات المقذعة : لعن الاله من اليهود عصابة * ما بين صليصل وبين صرار (142) قوم اذا هدر القصير رايتهم * حمرا عيونهم من المسطار (143) خلوا المكارم لستم من اهلها * وخذوا مساحيكم بني النجار ان الفوارس يعلمون ظهوركم * اولاد كل مقبح اكاز (144) ذهبت قريش بالمكارم كلها * واللؤم تحت عمائم الانصار (145) لقد ابتدا الاخطل هجاءه للانصار بذم اليهود وقرن بينهم وبين الانصار لانهم يساكنونهم في يثرب، وقد عاب على الانصار بانهم اهل زرع وفلاحة وانهم ليسوا أهل مجد ولا مكارم واتهمهم بالجبن عند اللقاء، ونسب الشرف والمجد الى القرشيين واللؤم كله تحت عمائهم الانصار، وقد أثار هذا الهجاء المر حفيظة النعمان بن بشير الذي هو احد عملاء الامويين، فانبرى غضبانا الى معاوية فلما مثل عنده حسر عمامته عن راسه وقال : " يا معاوية أترى لؤما ؟ " " لا بل ارى خيرا وكرما، فما ذاك ؟!!" " زعم الاخطل أن اللؤم تحت عمائمنا ! ! " واندفع النعمان يستجلب عطف معاوية قائلا : معاوي الا تعطنا الحق تعترف * لحق الازد مسدولا عليها العمائم أيشتمنا عبد الاراقم ضلة * فما ذا الذي تجدي عليك الاراقم فمالي ثار دون قطع لسانه * فدونك من ترضيه عنه الدراهم (146) قال معاوية : ما حاجتك ؟ - لسانه - ذلك لك وبلغ الخبر الاخطل فاسرع الى يزيد مستجيرا به وقال له : هذا الذي كنت اخافه فطمانه يزيد وذهب الى أبيه، فاخبره بانه قد اجاره، فقال معاوية : لا سبيل الى ذمة أبي خالد - يعني يزيدا - فعفى عنه، وجعل الاخطل يفخر برعاية يزيد له، ويشمت بالنعمان بقوله : أبا خالد دافعت عني عظيمة * وادركت لحمي قبل أن يتبددا واطفات عني نار نعمان بعدما * أغذ لامر عاجز وتجردا ولما راى النعمان دوني ابن حرة * طوى الكشح اذ لم يستطعنى وعردا (147) هذه بعض نزعات يزيد واتجاهاته، وقد كشفت عن مسخه وتمرسه في الجريمة وتجرده من كل خلق قويم.. وان من مهازل الزمن وعثرات الايام ان يكون هذا الخليع حاكما على المسلمين واماما لهم . دعوة المغيرة لبيعة يزيد : وأول من تصدى لهذه البيعة المشومة اعور ثقيف المغيرة بن شعبة صاحب الاحداث والموبقات في الاسلام (148) وقد وصفه بركلمان بانه رجل انتهازي لاذمة له ولا ذمام (149) وهو احد دهاة العرب الخمسة (150) وقد قضى حياته في التامر على الامة، والسعي وراء مصالحه الخاصة . اما السبب في دعوته لبيعة يزيد - فيما يرويه المؤرخون - فهو ان معاوية اراد عزله من الكوفة ليولي عليها سعيد بن العاص (151) فلما بلغه ذلك سافر الى دمشق ليقدم استقالته من منصبه حتى لا تكون حزازة عليه في عزله، واطال التفكير في امره فراى ان خير وسيلة لاقراره في منصبه أن يجتمع بيزيد فيحبذ له الخلافة حتى يتوسط في شانه الى أبيه والتقى الماكر بيزيد فابدى له الاكبار، واظهر له الحب، وقال له : قد ذهب اعيان محمد (ص) وكبراء قريش وذوو اسنانهم، وانما بقى ابناؤهم، وانت من افضلهم واحسنهم رايا، واعلمهم بالسنة والسياسة، ولا ادري ما يمنع امير المؤمنين ان يعقد لك البيعة ؟" . وغزت هذه الكلمات قلب يزيد فشكره واثنى على عواطفه، وقال له : - أترى ذلك يتم ؟ - نعم . وانطلق يزيد مسرعا الى أبيه فاخبره بمقالة المغيرة، فسر معاوية بذلك وارسل خلفه، فلما مثل عنده أخذ يحفزه على المبادرة في أخذ البيعة ليزيد قائلا : " يا امير المؤمنين قد رايت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان وفي يزيد منك خلف فاعقد له، فان حدث بك حدث كان كهفا للناس، وخلفا منك، ولا تسفك دماء، ولا تكون فتنة . واصابت هذه الكلمات الوتر الحساس في قلب معاوية فراح يخادعه مستشيرا في الامر قائلا : - من لي بهذا ؟ - اكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالف . واستحسن معاوية رايه فشكره عليه واقره على منصبه وأمره بالمبادرة الى الكوفة لتحقيق غايته، ولما خرج من عند معاوية قال لحاشيته : " لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد (ص) وفتقت عليه فتقا لا يرتق ثم تمثل بقول الشاعر : بمثلي شاهد النجوى وغالى * بي الاعداء والخصم الغضابا ففي سبيل المغنم فتق المغيرة على أمة محمد (ص) فتقا لا يرتق، واخلدلها الكوارث والخطوب . وسار المغيرة الى الكوفة، وهو يحمل الشر والدمار لاهلها ولعموم المسلمين، وفور وصوله عقد اجتماعا ضم عملاء الامويين فعرض عليهم بيعة يزيد فاجابوه الى ذلك، وأوفد جماعة منهم الى دمشق وجعل عليهم ولده أبا موسى، فلما انتهوا الى معاوية حفزوه على عقد البيعة ليزيد، فشكرهم على ذلك وأوصاهم بالكتمان، والتفت الى ابن المغيرة فقال له : - بكم اشترى ابوك من هؤلاء دينهم ؟ - بثلاثين الف درهم . فضحك معاوية وقال ساخرا : لقد هان عليهم دينهم . ثم اوصلهم بثلاثين الف درهم (152) لقد استجاب لهذه البيعة ورضي بها كل من يحمل ضميرا قلقا عرضه للبيع والشراء . تبرير معاوية : ودافع جماعة من المؤلفين والكتاب عن معاوية وبرروا بيعته ليزيد التي كانت من افجع النكبات التي مني بها العالم الاسلامي، وفيما يلي بعضهم :- احمد دحلان ومن اصلب المدافعين عن معاوية احمد دحلان قال : " فلما نظر معاوية إلى قوة شوكتهم - يعني الامويين - واستحكام عصبيتهم حتى انهم لو خرجت الخلافة عنهم بعده يحدثون فتنة ويقع افتراق للامة فاراد اجتماع الكلمة بجعل الامر فيهم، ثم انه نظر فيمن كان منهم اقوى شوكة فراه ابنه يزيد لانه كان كبيرا، وباشر امارة الجيوش في حياة أبيه وصارت له هيبة عند الامراء، وله تمكن، ونفاذ كلمة فلو جعل الامر لغيره منهم كان ذلك سببا لمنازعته لا سيما وله تمكن واقتدار على الاستيلاء على ما في بيت المال من الاموال فيقع الافتراق والاختلاف لو جعل الامر لغيره، فراى أن جعل الامر له بهذا الاجتهاد يكون سببا للالفة، وعدم الافتراق وهذا هو السبب في جعله ولي عهده، ولم يعلم ما يبديه الله بعد ذلك.."(153) . حفنة من التراب على أمثال هؤلاء الذين دفعتهم العصبية الاثمة إلى تبرير المنكر وتوجيه الباطل، فهل ان أمر الخلافة التي هي ظل الله في الارض يعود الى الامويين حتى يرعى معاوية عواطفهم ورغباتهم وهم الذين ناهضوا نبي الاسلام، وناجزوه الحرب، وعذبوا كل من دخل في دين الاسلام فكيف يكون أمر الخلافة بايديهم ولو كان هناك منطق ووعي ديني لكانوا في ذيل القافلة ولا يحسب لهم أي حساب . 2 - الدكتور عبد المنعم ومن المبررين لمعاوية في بيعته ليزيد الدكتور عبد المنعم ماجد قال : " ويبدو أن معاوية قصد من وراء توريث يزيد الخلافة القضاء على افتراق كلمة الامة الاسلامية، ووقوع الفتنة مثلما حدث بعد عثمان، ولعله أيضا أراد أن يوجد حلا للمسالة، التي تركها النبي (ص) دون حل وهي ايجاد سلطة دائمة للاسلام ومن المحقق أن معاوية لم يكن له مندوحة من أن يفعل ذلك خوفا من غضب بني أمية الذين لم يكونوا يرضون بتسليم الامر إلى سواهم.." (154) وهذا الراي لا يحمل أي طابع من التوازن فان معاوية في بيعته ليزيد لم يجمع كلمة المسلمين وانما فرقها واخلد لهم الشر والخطوب فقد عانت الامة - في عهد يزيد - من ضروب البلاء والمحن ما لا يوصف لفضاعته ومرارته، فقد جهد حفيد أبي سفيان على تدمير الاسلام، وسحق جميع مقدساته وقيمه، فاباد العترة الطاهرة التي هي عديلة القران الكريم حسب النصوص النبوية المتواترة وأنزل باهل المدينة في واقعة الحرة من الجرائم ما تندى له جبين الانسانية، فهل جمع بذلك معاوية كلمة المسلمين ووحد صفوفهم ومما يدعو إلى السخرية ما ذهب اليه من أن النبي (ص) ترك مسالة الخلافة بغير حل فجاء معاوية فحل هذه العقدة، ببيعته ليزيد ! ! إن النبي (ص) لم يترك أي شان من شؤون أمته بغير حل وانما وضع لها الحلول الحاسمة، وكان أهم ما عنى به شان الخلافة فقد عهد بها إلى أفضل أمته وباب مدينة علمه الامام أمير المؤمنين (ع) وقد بايعه كبار الصحابة وعموم من كان معه في يوم الغدير، ولكن القوم كرهوا اجتماع النبوة والخلافة في ببت واحد فزووا الخلافة عن أهل بيت نبيهم فادى ذلك إلى أن يلي أمر المسلمين يزيد وأمثاله من المنحرفين الذين أثبتوا في تصرفاتهم أنهم لا علاقة لهم بالاسلام، ولا عهد لهم بالدين . 3 - حسين محمد يوسف ومن المدافعين - بحرارة - عن معاوية في ولايته ليزيد حسين محمد يوسف وقد أطال الكلام - بغير حجة - في ذلك، قال في آخر حديثه : وخلاصة القول في موقف معاوية أنه كان مجتهدا في راية، وانه حين دعا الامة الى بيعة يزيد، كان حسن الظن به " لانه لم يثبت عنده أي نقص فيه، بل كان يزيد يدس على أبيه من يحسن له حاله، حتى اعتقد أنه أولى من أبناء بقية الصحابة كلهم " فان كان معاوية قد أصاب في اختياره فله اجران، وان كان قد أخطا فله أجر واحد، وليس لاحد بعد ذلك أن يخوض فيما وراء ذلك فانما الاعمال بالنيات ولكل امرئ مانوى " (155) . ان من المؤسف - حقا - أن ينبري هؤلاء، لتبرير معاوية في اقترافه لهذه الجريمة النكراء التي اغرقت العالم الاسلامي بالفتن والخطوب.. ومتى اجتهد معاوية في فرض ابنه خليفة على المسلمين ؟ فقد سلك في سبيل ذلك جميع المنعطفات والطريق الملتوية، فارغم عليها المسلمين، وفرضها عليهم تحت غطاء مكثف من قوة الحديد... ان معاوية لم يجتهد في ذلك، وانما استجاب لعواطفه المترعة بالحنان والولاء لولده من دون أن يرعى أي مصلحة للامة في ذلك . هؤلاء بعض المؤيدين لمعاوية في عقده البيعة ليزيد، وهم مدفوعون بدافع غريب على الاسلام، وبعيد كل البعد عن منطق الحق . كلمة الحسن البصري : وشجب الحسن البصري بيعة يزيد، وجعلها من جملة موبقات معاوية قال :" أربع خصال : كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة : ابتزاؤه على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلاف ابنه بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زيادا، وقد قال رسول (ص) : الولد للفراش وللعاهر، وقتله حجرا وأصحابه ويل له من حجر وأصحابه.."(156). كلمة ابن رشد : ويرى الفيلسوف الكبير ابن رشد أن بيعة معاوية ليزيد قد غيرت مجرى الحياة الاسلامية وهدمت الحكم الصالح في الاسلام، قال :" ان أحوال العرب في عهد الخلفاء الراشدين كانت على غاية من الصلاح فكانما وصف افلاطون حكومتهم في (جمهوريته) الحكومة الجمهوية الصحيحة التي يجب أن تكون مثالا لجميع الحكومات، ولكن معاوية هدم ذلك البناء الجليل القديم، وأقام مكانه دولة بني أمية وسلطانها الشديد ففتح بذلك بابا للفتن التي لا تزال الى الان قائمة حتى في بلادنا هذه - يعني الاندلس - " (157). لقد نقم على معاوية في بيعة يزيد جميع اعلام الفكر وقادة الراي في الامة الاسلامية منذ عهد معاوية حتى يوم الناس هذا، ووصفوها بانها اعتداء صارخ على الامة وخروج على ارادتها . دوافع معاوية : أما الدوافع التي دعت معاية لفرض ابنه السكير خليفة على المسلمين فكان من ابرزها الحب العارم لولده، فقد هام بحبه، وقد أدلى بذلك في حديثه مع سعيد بن عثمان حينما طلب منه أن يرشحه للخلافة، وبدع ابنه يزيد، فسخر منه معاوية وقاله له :" والله " لو ملئت لي الغوطة رجالا مثلك لكان يزيد أحب إلي منكم كلكم.." (158) . لقد أعماه حبه لولده، واضله عن الحق، وقد قال : " لولا هواي في يزيد لابصرت رشدي.." (159) . وكان يؤمن بان استخلافه ليزيد من أعظم ما اقترفه من الذنوب، وقد صارح ولده بذلك فقال له : " ما ألقى الله بشئ أعظم في نفسي من استخلافي اياك " (160) . لقد اقترف معاوية وزرا عظيما فيما جناه على الامة بتحويل الخلافة إيل ملك عضوض لا يعنى فيه بارادة الامة واختيارها . الوسائل الدبلوماسية في أخذ البيعة : أما الوسائل الدبلوماسية التي اعتمد عليها معاوية في فرض خليعه على المسلمين فهي :1 - استخدام الشعراء أما الشعراء فكانوا في ذلك العصر - من أقوى أجهزة الاعلام وقد أجزل لهم معاوية العطاء، وأغدق عليهم الاموال فانطلقت ألسنتهم بالمديح والثناء على يزيد فاضافوا إليه الصفات الرفيعة، وخلعوا عليه النعوت الحسنة، وفيما يلي بعضهم : العجاج : ومدحه العجاج مدحا عاطرا فقال فيه : اذا زلزل الاقوام لم تزلزل * عن دين موسى والرسول المرسل وكنت سيف الله لم يفلل * يفرع (161) أحيانا وحينا يختلي (162) ومعنى هذا الشعر أن يزيد يقتفي أثر الرسول موسى والنبي محمد (ص) وانه سيف الله البتار الا انه كان مشهورا على أولياء الله وأحبائه . الاحوس : ومدحه الشاعر الاحوس بقصيدة جاء فيها :ملك تدين له الملوك مبارك * كادت لهيبته الجبال تزول يجبى له بلخ ودجلة كلها * وله الفرات وما سفى والنيل لقد جاءته تلك الهيبة التي تخضع لها الجباه، وتزول منها الجبال من ادمانه على الخمر ومزاملته للقرود، ولعبه بالكلاب واقترافه للجرائم والموبقات . مسكين الدارمي : ومن الشعراء المرتزقة مسكين الدارمي، وقد أوعز إليه معاوية أن يحثه على بيعة يزيد أمام من كان عنده من بني أمية وأشراف أهل الشام، فدخل مسكين على معاوية فلما راى مجلسه حاشدا بالناس رفع عقيرته :ان ادع مسكينا فاني ابن معشر * من الناس أحمي عنهم وأذود الا ليت شعري ما يقول ابن عامر * ومروان ام ماذا يقول سعيد بني خلفاء الله مهلا فانما * يبوئها الرحمن حيث يريد اذا المنبر الغربي خلاه ربه * فان أمير المؤمنين يزيد على الطائر الميمون والجد ساعد * لكل أناس طائر وجدود فلا زلت اعلى الناس كعبا * ولم تزل وفود تساميها اليك وفود ولا زال بيت الملك فوقك عاليا * تشيد أطناب له وعمود (163) هؤلاء بعض الشعراء الذين مدحوا يزيد، وافتعلوا له الماثر لتغطية ما ذاع عنه من الدعارة والمجون . بذل الاموال للوجوه : وأنفق معاوية الاموال الطائلة بسخاء للوجوه والاشراف ليقروه على فرض ولده السكير خليفة على المسلمين، ويقول المؤرخون :إنه أعطى عبد الله بن عمر مائة الف درهم فقبلها منه (164) وكان ابن عمر من أصلب المدافعين عن بيعة يزيد وقد نقم على الامام الحسين (ع) خروجه عليه، وسنذكر ذلك بمزيد من التفصيل في البحوث الاتية . مراسلة الولاة : وراسل معاوية جميع عماله وولاته في الاقاليم الاسلامية بعزمه على عقد البيعة ليزيد، وأمرهم بتنفيذ ما يلي :1 - اذاعة ذلك بين الجماهير الشعبية، واعلامها بما صممت عليه حكومة دمشق من عقد الخلافة ليزيد . 2 - الايعاز للخطباء وسائر أجهزة الاعلام بالثناء على يزيد، وافتعال الماثر له : 3 - ارسال الوفود إليه من الشخصيات الاسلامية حتى يتعرف على رايها في البيعة ليزيد (165) وقام الولاة بتنفيذ ما عهد إليهم، فاذاعوا ما صمم عليه معاوية من عقد البيعة ليزيد، كما أو عزوا للخطباء وغيرهم بالثناء على يزيد . وفود الاقطار الاسلامية : واتصلت الحكومات المحلية في الاقطار الاسلامية بقادة الفكر فعرضت عليهم ما عزم عليه معاوية من تولية ولده للخلافة، وطلبوا منهم السفر فورا إلى دمشق لعرض آرائهم على معاوية، وسافرت الوفود إلى دمشق وكان في طليعتهم .1 - الوفد العراقي بقيادة زعيم العراق الاحنف بن قيس . 2 - الوفد المدني بقيادة محمد بن عمرو بن حزم (166) وانتهت الوفود إلى دمشق لعرض آرائها على عاهل الشام، وقد قام معاوية بضيافتهم والاحسان إليهم . مؤتمر الوفود الاسلامية : وعقدت وفود الاقطار الاسلامية مؤتمرا في البلاط الاموي في دمشق لعرض آرائها في البيعة ليزيد، وقد افتتح المؤتمر معاوية بالثناء على الاسلام، ولزوم طاعة ولاة الامور، ثم ذكر يزيد وفضله، وعمله بالسياسة ودعاهم لبيعة . المؤيدون للبيعة : وانبرت كوكبة من أقطاب الحزب الاموي فايدوا معاوية وحثوه على الاسراع للبيعة وهم :1 - الضحاك بن قيس 2 - عبد الرحمن بن عثمان 3 - ثور بن معن السلمي 4 - عبد الله بن عصام 5 - عبد الله بن مسعدة وكان معاوية قد عهد إليهم بالقيام بتاييده، والرد على المعارضين له. خطاب الاحنف بن قيس : وانبرى إلى الخطابة زعيم العراق وسيد تميم الاحنف بن قيس الذي تقول فيه ميسون أم يزيد : " لو لم يكن في العراق إلا هذا لكفاهم " (167) وتقدم فحمد الله وأثنى عليه ثم التفت إلى معاوية قائلا : " أصلح الله أمير المؤمنين " ان الناس في منكر زمان قد سلف، ومعروف زمان مؤتنف، ويزيد بن أمير المؤمنين نعم الخلف، وقد حلبت الدهر أشطره . يا أمير المؤمنين فاعرف من تسند إليه الامر من بعدك، ثم اعصي أمر من يامرك، ولا يغررك من يشير عليك، ولا ينظر لك، وأنت أنظر للجماعة، واعلم باستقامة الطاعة مع ان أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيا..." . وأثار خطاب الاحنف موجة من الغضب والاستياء عند الحزب الاموي فاندفع الضحاك بن قيس منددا به، وشتم أهل العراق، وقدح بالامام الحسن، ودعا الوفد العراقي الى الاخلاص لمعاوية والامتثال لما دعا إليه، ولم يعن به الاحنف فقام ثانيا فنصح معاوية ودعاه إلى الوفاء بالعهد الذي قعطه على نفسه من تسليم الامر إلى الحسن من بعده حسب اتفاقية الصلح التي كان من ابرز بنودها ارجاع الخلافة من بعده الى الامام الحسن كما انه هدد معاوية باعلان الحرب اذا لم يف بذلك . فشل المؤتمر : وفشل المؤتمر فشلا ذريعا بعد خطاب الزعيم الكبير الاحنف بن قيس، ووقع نزاع حاد بين أعضاء الوفود وأعضاء الحزب الاموي، وانبرى يزيد بن المقفع فهدد المعارضين باستعمال القوة قائلا :" أمير المؤمنين هذا - وأشار الى معاوية - فان هلك فهذا - وأشار الى يزيد - ومن أبي فهذا - وأشار الى السيف - " . فاستحسن معاوية قوله وراح يقول له : " أجلس فانت سيد الخطباء واكرمهم " . ولم يعن به الاحنف بن قيس فانبرى الى معاوية فدعاه إلى الامساك عن بيعة يزيد، وان لا يقدم أحدا على الحسن والحسين، واعرض عنه معاوية، وبقي مصرا على فكرته التي هي أبعد ما تكون عن الاسلام . وعلى أي حال فان المؤتمر لم يصل الى النتيجة التي أرادها معاوية فقد استبان له أن بعض الوفود الاسلامية لا تقره على هذه البيعة ولا ترضى بها . سفر معاوية ليثرب : وقرر معاوية السفر إلى يثرب التي هي محط أنظار المسلمين، وفيها أبناء الصحابة الذين يمثلون الجبهة المعارضة للبيعة، فقد كانوا لا يرون يزيدا ندا لهم، وان أخذ البيعة له خروج على ارادة الامة، وانحراف عن الشريعة الاسلامية التي لا تبيح ليزيد أن يتولى شؤون المسلمين لما عرف به من الاستهتار وتفسخ الاخلاق .وسافر معاوية إلى يثرب في زيارة رسمية، وتحمل أعباء السفر لتحويل الخلافة الاسلامية إلى ملك عضوض لا ظل فيه للحق والعدل . اجتماع مغلق : وفور وصول معاوية إلى يثرب أمر باحضار عبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعقد معهم اجتماعا مغلقا، ولم يحضر معهم الحسن والحسين لانه قد عاهد الحسن أن تكون الخلافة له من بعده فكيف يجتمع به، وماذا يقول له ؟وقد أمر حاجبه أن لا يسمح لاي أحد بالدخول عليه حتى ينتهي حديثه معهم . كلمة معاوية : وابتدا معاوية الحديث بحمد الله والثناء عليه، وصلى على نبيه ثم قال :" أما بعد : فقد كبر سني، ووهن عظمي، وقرب أجلي، وأوشكت أن ادعى فاجيب ؟ وقد رايت أن استخلف بعدي يزيد، ورايته لكم رضا وأنتم عبادلة قريش، وخيارهم، وابناء خيارهم، ولم يمنعني أن أحضر حسنا وحسينا الا انهما أولاد أبيهما علي، على حسن راي فيهما وشدة محبتي لهما فردوا على أمير المؤمنين خيرا رحمكم الله.." . ولم يستعمل معهم الشدة والارهاب استجلابا لعواطفهم ولم يخف عليهم ذلك، فانبروا جميعا الى الانكار عليه. كلمة عبد الله بن عباس : وأول من كلمه عبد الله بن عباس فقال بعد حمد الله والثناء عليه : " أما بعد : فانك قد تكلمت فانصتنا وقلت : فسمعنا، وان الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه اختار محمدا (ص) لرسالته، واختاره لوحيه وشرفه على خلقه فاشرف الناس من تشرف به، واولاهم بالامر أخصهم به، وانما على الامة التسليم لنبيها اذا اختاره الله لها، فانه انما اختار محمدا بعلمه، وهو العليم الخبير، واستغفر الله لي ولكم.. " وكانت دعوة ابن عباس صريحة في ارجاع الخلافة لاهل البيت (ع) الدين هم الصق الناس برسول الله (ص) وأمسهم به رحما، فان الخلافة انما هي امتداد لمركز رسول الله (ص) فاهل بيته أحق بمقامه وأولى بمكانته . كلمة عبد الله بن جعفر : وانبرى عبد الله بن جعفر فقال بعد حمد الله والثناء عليه :" أما بعد : فان هذه الخلافة إن أخذ فيها بالقران فاولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، وإن أخذ فيها بسنة رسول الله (ص) فاولو رسول الله (ص) وإن أخذ فيها بسنة الشيخين أبي بكر وعمر فاي الناس أفضل وأكمل واحق بهذا الامر من آل الرسول (ص) ؟ وأيم الله لو ولوه بعد نبيهم لوضعوا الامر موضعه لحقه وصدقه، والاطبع الرحمن، وعصي الشيطان، وما اختلف في الامة سيفان، فائق الله يا معاوية فانك قد صرت راعيا ونحن رعية فانظر لرعيتك فانك مسؤول عنها غدا، وأما ما ذكرت من ابني عمي، وتركك أن تحضرهما، فوالله ما أصبت الحق، ولا يجوز ذلك الا بهما، وانك لتعلم انهما معدن العلم والكرم فقل أودع، واستغفر الله لى ولكم.." . وحفل هذا الخطاب بالدعوة الى الحق والاخلاص للامة فقد رشح أهل البيت (ع) للخلافة وقيادة الامة، وحذره من صرفها عنهم كما فعل غيره من الخلفاء فكان من جراء ذلك ان منيت الامة بالازمات والنكسات وعانت أعنف المشاكل واقسى الحوادث : كلمة عبد الله بن الزبير : وانطلق عبد الله بن الزبير للخطابة فحمد الله وأثنى عليه وقال :" أما بعد : فان هذه الخلافة لقريش خاصة نتناولها بماثرها السنية وافعالها المرضية، مع شرف الاباء وكرم الابناء، فاتق الله يا معاوية وانصف نفسك فان هذا عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله (ص) وهذا عبد الله ابن جعفر ذي الجناحين ابن عم رسول الله (ص) وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمة رسول الله (ص) وعلي خلف حسنا وحسينا وأنت تعلم من هما وما هما ؟ فاتق الله يا معاوية، وانت الحاكم بيننا وبين نفسك..." . وقد رشح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة، وقد حفزهم بذلك لمعارضة معاوية وافساد مهمته : كلمة عبد الله بن عمر : واندفع عبد الله بن عمر فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه :" أما بعد : فان هذه الخلافة ليست بهرقلية، ولا قيصرية، ولا كسروية يتوارثها الابناء عن الاباء، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي فو الله ما ادخلني مع الستة من أصحاب الشورى، الا على أن الخلافة ليست شرطا مشروطا وانما هي في قريش خاصة لمن كان لها أهلا ممن ارتضاه المسلمون لانفسهم ممن كان اتقى وارضى، فان كنت تريد الفتيان من قريش فلعمري أن يزيد من فتيانها، واعلم انه لا يغني عنك من الله شيئا.." . ولم تعبر كلمات العبادلة عن شعورهم الفردي، وانما عبرت تعبيرا صادقا عن راي الاغلبية الساحقة من المسلمين الذين كرهوا خلافة يزيد، ولم يرضوا بها . كلمة معاوية : وثقل على معاوية كلامهم، ولم يجد ثغرة ينفذ منها للحصول على رضاهم، فراح يشيد بابنه فقال :" قد قلت : وقلتم : وانه قد ذهبت الاباء، وبقيت الابناء فابني أحب إلي من ابنائهم، مع ان ابني إن قاولتموه وجد مقالا. وانما كان هذا الامر لبني عبد مناف لانهم اهل رسول الله فلما مضى رسول الله ولى الناس أبا بكر وعمر من غير معدن الملك والخلافة غير أنهما سارا بسيرة جميلة ثم رجع الملك إلى بني عبد مناف فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة، وقد اخرجك الله يابن الزبير، وانت يابن عمر منها، فاما ابنا عمي هذا فليسا بخارجين من الراي ان شاء الله.."(168) . وانتهى اجتماع معاوية بالعبادلة، وقد اخفق فيه اخفاقا ذريعا، فقد استبان له ان القوم مصممون على رفض بيعة يزيد... وعلى اثر ذلك غادر يثرب، ولم تذكر المصادر التي بايدينا اجتماعه بسبطي رسول الله (ص) فقد اهملت ذلك واكبر الظن انه لم يجتمع بهما . فزع المسلمين : وذعر المسلمون حينما وافتهم الانباء بتصميم معاوية على فرض ابنه خليفة عليهم، وكان من اشد المسلمين خوفا المدنيون والكوفيون، فقد عرفوا واقع يزيد، ووقفوا على اتجاهاته المعادية للاسلام، يقول توماس آرنولد :" كان تقرير معاوية للمبدا الوراثي نقلة خطيرة في حياة المسلمين الذين ألفوا البيعة والشورى، والنظم الاولى في الاسلام وهم بعد قريبون منها ولهذا احسوا - وخاصة في مكة والمدينة حيث كانوا يتمسكون بالاحاديث والسنن النبوية الاولى - ان الامويين نقلوا الخلافة الى حكم زمني متاثر باسباب دنيوية مطبوع بالعظمة وحب الذات بدلا من أن يحنفظوا بتقوى النبي وبساطته " (169). لقد كان اقدام معاوية على فرض ابنه يزيد حاكما على المسلمين تحولا خطيرا في حياة المسلمين الذين لم يالفوا مثل هذا النظام الثقيل الذي فرض عليهم بقوة السلاح . الجبهة المعارضة : واعلن الاحرار والمصلحون في العالم الاسلامي رفضهم القاطع لبيعة يزيد، ولم يرضوا به حاكما على المسلمين، وفيما يلي بعضهم .1 - الامام الحسين وفي طليعة المعارضين لبيعة يزيد الامام الحسين فقد كان يحتقر يزيد، ويكره طباعه الذميمة، ووصفه بانه صاحب شراب وقنص، وانه قد لزم طاعة الشيطان، وترك طاعة الرحمن، واظهر الفساد وعطل الحدود واستاثر بالفئ، وأحل حرام الله وحرم حلاله(170) واذا كان بهذا الضعة فكيف يبايعه ويقره حاكما على المسلمين، ولما دعاه الوليد إلى بيعة يزيد قال له الامام : " أيها الامير إنا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة بنا فتح الله، وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله " . ورفض بيعة يزيد جميع أفراد الاسرة النبوية تبعا لزعيمهم العظيم، ولم يشذوا عنه . الحرمان الاقتصادي : وقابل معاوية الاسرة النبوية بحرمان اقتصادي عقوبة لهم لامتناعهم عن بيعة يزيد، فقد حبس عنهم العطاء سنة كاملة (171) ولكن ذلك لم يثنهم عن عزمهم في شجب البيعة ورفضها . 2 - عبد الرحمن بن أبي بكر ومن الذين نقموا على بيعة يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر، فقد وسمها بانها هرقلية كلما مات هرقل قام مكانه هرقل آخر (172) وأرسل إليه معاوية مائة الف درهم ليشتري بها ضميره فابى وقال : لا أبيع ديني (173) . 3 - عبد الله بن الزبير ورفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد، ووصفه بقوله : " يزيد الفجور، ويزيد القرود، ويزيد الكلاب، ويزيد النشوات، ويزيد الفلوات " (174) ولما أجبرته السلطة المحلية في يثرب على البيعة فر منها، إلى مكة . 4 - المنذر بن الزبير وكره المنذر بن الزبير بيعة يزيد، وشجبها، وأدلى بحديث له عن فجور يزيد امام أهل المدينة فقال : " انه قد أجازني بمائة الف، ولا يمنعنى ما صنع بي أن أخبركم خبره والله إنه ليشرب الخمر، والله إنه ليسكر حتى يدع الصلاة " (175) . 5 - عبد الرحمن بن سعيد وامتنع عبد الرحمن بن سعيد من البيعة ليزيد، وقال في هجائه : لست منا وليس خالك منا * يا مضيع الصلاة للشهوات (176) 6 - عابس بن سعيد ورفض عابس بن سعيد بيعة يزيد، حينما دعاه إليه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال له : " أنا أعرف به منك، وقد بعث دينك بدنياك " (177) . 7 - عبد الله بن حنظلة وكان عبد الله بن حنظلة من أشد الناقمين على البيعة ليزيد، وكان من الخارجين عليه في وقعة الحرة، وقد خاطب أهل المدينة فقال لهم : " فو الله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء.. إن رجلا ينكح الامهات والبنات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة والله لو لم يكن معي أحد من الناس لابليت لله فيه بلاءا حسنا.." (178) وكان يرتجز في تلك الواقعة : بعدا لمن رام الفساد وطغى * وجانب الحق وآيات الهدى لا يبعد الرحمن الا من عصى (179) موقف الاسرة الاموية : ونقمت الاسرة الاموية على معاوية في عقدة البيعة ليزيد، ولكن لم تكن نقمتهم عليه مشفوعة بدافع ديني أو اجتماعي، وانما كانت من أجل مصالحهم الشخصية الخاصة لان معاوية قلد ابنه الخلافة وحرمهم منها، وفيما يلي بعض الناقمين : 1 - سعيد بن عثمان وحينما عقد معاوية البيعة ليزيد أقبل سعيد بن عثمان إلى معاوية وقد رفع عقيرته قائلا : " علام جعلت ولدك يزيد ولي عهدك فو الله لابي خير من أبيه، وأمي خير من أمه، وأنا خير منه، وقد وليناك فما عزلناك، وبنا نلت ما نلت.." . فراوغ معاوية : وقال له : " أما قولك : إن أياك خير من أبيه فقد صدقت، لعمر الله إن عثمان لخير مني، وأما قولك : ان أمك خير من أمه فحسب المراة أن تكون في بيت قومها وان يرضاها بعلها، وينجب ولدها، وأما قولك : انك خير من يزيد، فو الله ما يسرني أن لي بيزيد ملء الغوطة ذهبا مثلك وأما قولك : انكم وليتمونى فما عزلتموني فما وليتموني انما ولاني من هو خير منكم عمر بن الخطاب فاقررتموني، وما كنت بئس الوالي لكم، لقد قمت بثاركم، وقتلت قتلة أبيكم، وجعلت الامر فيكم وأغنيت فقيركم، ورفعت الوضيع منكم..." . وكلمة يزيد فارضاه، وجعله واليا على خراسان (180) . 2 - مروان بن الحكم وشحب مروان بن الحكم البيعة ليزيد، وتقديمه عليه فقد كان شيخ الامويين وزعيمهم، فقال له : " اقم يا ابن أبي سفيان، واهدا من تاميرك الصبيان، واعلم ان لك في قومك نظراء وان لهم على مناوئتك وزرا " . فخادعه معاوية وقال له : " أنت نظير امير المؤمنين بعده، وفي كل شدة عضده، فقد وليتك قومك، وأعظمنا في الخراج سهمك، وإنا مجيرو وفدك ومحسنو وفدك " (181) . وقال مروان : لمعاوية " جئتم بها هرقلية تبايعون لابناؤكم (182) . 3 - زياد بن أبيه وكره زياد بن أبيه بيعة معاوية لولده، وذلك لما عرف به من الاستهتار والخلاعة والمجون ويقول المؤرخون : ان معاوية كتب إليه يدعوه إلى أخذ البيعة بولايته العهد ليزيد، وانه ليس أولى من المغيرة بن شعبة، فلما قرا كتابه دعا برجل من أصحابه كان ياتمنه حيث لا ياتمن أحدا غيره فقال له : اني أريد أن ائتمنك على ما لم أئتمن على بطون الصحائف إئت معاوية وقل له : يا إمير المؤمنين ان كتابك ورد علي بكذا، فماذا يقول الناس انا دعوناهم إلى بيعة يزيد، وهو يلعب بالكلاب والقرود، ويلبس المصبغ، ويدمن الشراب، ويمسي على الدفوف، ويحضرهم - أي الناس - الحسين بن علي، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله ابن عمر، ولكن تامره أن يتخلق باخلاق هؤلاء حولا أو حولين، فعسانا أن نموه على الناس، وسار الرسول الى معاوية فادى اليه رسالة زياد فاستشاط غضبا، وراح يتهدده ويقول : " ويلي على ابن عبيد لقد بلغني أن الحادي حدا له أن الامير بعدي زياد، والله لاردنه الى أمه سمية والى أبيه عبيد.." (183) . هؤلاء بعض الناقدين لمعاوية من الاسرة الاموية وغيرهم في توليته لخليعه يزيد خليفة على المسلمين . ايقاع الخلاف بين الامويين : واتبع معاوية سياسة التقريق بين الامويين حتى يصفو الامر لولده يزيد، فقد عزل عامله على يثرب سعيد بن العاص، واستعمل مكانه مروان بن الحكم، ثم عزل مروان واستعمل سعيدا مكانه، وأمره بهدم داره، ومصادرة أمواله، فابى سعيد من تنفيذ ما أمره به معاوية فعزله، وولى مكانه مروان، وأمره بمصادرة أموال سعيد وهدم داره فلما هم مروان بتنفيذ ما عهد إليه أقبل إليه سعيد وأطلعه على كتاب معاوية في شانه فامتنع مروان من القيام بما أمره معاوية، وكتب سعيد الى معاوية رسالة يندد فيها بعمله وقد جاء فيها :" العجب مما صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا له أن يضغن بعضنا على بعض.. فامير المؤمنين في حمله وصبره على ما يكره من الاخبثين، وعفوه وادخاله القطيعة بنا، والشحناء وتوارث الاولاد ذلك " (184) . وعلق عمر ابو النصر على سياسة التفريق التي تبعها معاوية مع اسرته بقوله : " إن سبب هذه السياسة هو رغبة معاوية في ايقاع الخلاف بين اقاربه الذين يخشى نفوذهم على يزيد من بعده فكان يضرب بعضهم ببعض حتى يظلوا بحاجة إلى عطفه وعنايته.." (185). تجميد البيعة : وجمد معاوية رسميا البيعة ليزيد الى اجل آخر حتى يتم له ازالة الحواجز والسدود التي تعترض طريقه، ويقول المؤرخون :انه بعد ما التقى بعبادلة قريش في يثرب واطلع على آرائهم المعادية لما ذهب اليه اوقف كل نشاط سياسي في ذلك وارجئ العمل الى وقت آخر (186). اغتيال الشخصيات الاسلامية : وراى معاوية انه لا يمكن باي حال تحقيق ما يصبوا اليه من تقليد ولده الخلافة مع وجود الشخصيات الرفيعة التي تتمتع باحترام بالغ في نفوس المسلمين فعزم على القيام باغتيالهم ليصفوله الجو فلا يبقى أمامه أي مزاحم وقد قام باغتيال الذوات التالية :1 - سعد بن أبي وقاص ولسعد المكانة العليا في نفوس الكثيرين من المسلمين فهو أحد اعضاء الشورى وفاتح العراق، وقد ثقل مركزه على معاوية فدس إليه سما فمات منه (187). 2 - عبد الرحمن بن خالد واخلص اهل الشام لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وأحبوه كثيرا وقد شاورهم معاوية فيمن يعقد له البيعة بعد وفاته، فقالوا له : رضينا بعبد الرحمن بن خالد، فشق ذلك عليه وأسرها في نفسه، ومرض عبد الرحمن، فامر معاوية طبيبا يهوديا كان مكينا عنده ان ياتيه للعلاج فيسقيه سقية تقتله، فسقاه الطبيب فمات على اثر ذلك (188). 3 - عبد الرحمن بن ابي بكر وكان عبد الرحمن بن أبي بكر من اقوى العناصر المعادية لبيعة معاوية لولده، وقد انكر عليه ذلك، وبعث إليه معاوية بمائة الف درهم فردها عليه، وقال : لا ابيع ديني بدنياي ولم يلبث أن مات فجاة بمكة (189) وتعزو المصادر سبب وفاته الى أن معاوية دس اليه سما فقتله . 4 - الامام الحسن وقام معاوية باقتراف أعظم جريمة واثم في الاسلام، فقد عمد إلى اغتيال سبط النبي (ص) وريحانته الامام الحسن (ع) الذي عاهده بان يكون الخليفة من بعده... ولم يتحرج الطاغية من هذه الجريمة في سبيل انشاء دولة أموية تنتقل بالوارثة إلى أبنائه واعقابه، وقد وصفه " الميجر اوزبورن " بانه مخادع وذا قلب خال من كل شفقة، وانه كان لا يتهبب من الاقدام على أية جريمة من أجل أن يضمن مركزه فالقتل احدى وسائله لازالة خصومه وهو الذي دبر تسميم حفيد الرسول (ص) كما تخلص من مالك الاشتر قائد علي بنفس الطريقة (190) . وقد استعرض الطاغية السفاكين ليعهد إليهم القيام باغتيال ريحانة النبي (ص) فلم ير أحدا خليقا بارتكاب الجريمة سوى جعيدة بنت الاشعث فانها من بيت قد جبل على المكر وطبع على الغدر والخيانة، فارسل الى مروان بن الحكم سما فاتكا كان قد جلبه من ملك الروم، وأمره بان يغري جعيدة بالاموال، وزواج ولده يزيد اذا استجابت له، وفاوضها مروان سرا، ففرحت، فاخذت منه السم، ودسته للامام وكان صائما في وقت ملتهب من شدة الحر، ولما وصل إلى جوفه تقطعت أمعاؤه، والتفت الى الخبيثة فقال لها : " قتلتيني قتلك الله، والله لا تصيبن مني خلفا، لقد غرك - يعني معاوية - وسخر منك يخزيك الله، ويخزيه." . وأخذ حفيد الرسول (ص) يعاني الالام الموجعة من شدة السم، وقد ذيلت نضارته واصفر لونه، حتى وافاه الاجل المحتوم، وقد ذكرنا تفصيل وفاته مع ما رافقها من الاحداث في كتابنا (حياة الامام الحسن). اعلان البيعة رسميا : وصفا الجو لمعاوية بعد اغتياله لسبط الرسول (ص) وريحانته، فقد قضى على من كان يحذر منه، وقد استبت له الامور، وخلت الساحة من أقوى المعارضين له، وكتب الى جميع عماله أن يبادروا دونما أي تاخير الى اخذ البيعة ليزيد، ويرغموا المسلمين على قبولها، واسرع الولاة في اخذ البيعة من الناس، ومن نحلف عنها نال اقصى العقوبات الصارمة .مع المعارضين في يثرب : وامتنعت يثرب من البيعة ليزيد، واعلن زعماؤهم وعلى راسهم الامام الحسين (ع) رفضهم القاطع للبيعة، ورفعت السلطة المحلية ذلك الى معاوية فراى أن يسافر الى يثرب ليتولى بنفسه اقناع المعارضين، فان أبوا اجبرهم على ذلك، واتجه معاوية الى يثرب في موكب رسمي تحوطه قوة هائلة من الجيش، ولما انتهى إليها استقبله أعضاء المعارضة فجفاهم وهددهم وفي اليوم الثاني ارسل الى الامام الحسين والى عبد الله بن عباس، فلما مثلا عنده قابلهما بالتكريم والحفاوة، وأخذ يسال الحسين (ع) عن ابناء اخيه والامام يجيبه ثم خطب معاوية فاشاد بالنبي (ص) واثنى عليه، وعرض الى بيعة يزيد ومنح ابنه الالقاب الفخمة والنعوت الكريمة ودعاهما الى بيعته . خطاب الامام الحسين : وانبرى أبى الضيم فحمد الله واثنى عليه ثم قال :" أما بعد : يا معاوية فلن يؤدي المادح وان اطنب في صفة الرسول (ص) من جميع جزءا، وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله (ص) من ايجاز الصفة، والتنكب عن استبلاغ النعت، وهيهات هيهات يا معاوية ! ! فضح الصبح فحمة الدجى، وبهرت الشمس أنوار السرج ولقد فضلت حتى افرطت، واستاثرت حتى اجحفت، ومنعت حتى بخلت، وجرت حتى جاوزت، ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب، حتى اخذ الشيطان حظه الاوفر، ونصيبه الاكمل . وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله، وسياسته لامة محمد (ص) تريد أن توهم الناس في يزيد كانك تصف محجوبا أو تنعت غائبا، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد من نفسه على موقع رايه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش والحمام السبق لاترابهن، والقيان ذوات المعازف، وضروب الملاهي تجده ناصرا . ودع عنك ما تحاول : فما اغناك ان تلقى الله بوزر هذا الخلق باكثر مما انت لا قيه، فو الله ما برحت تقدح باطلا في جور، وحنقا في ظلم، حتى ملات الاسقية، وما بينك وبين الموت الا غمضة فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص، ورايتك عرضت بنا بعد هذا الامر، ومتعتنا عن آبائنا تراثا، ولعمر الله اورثنا الرسول (ص) ولادة، وجئت لنا بها ما حججتم به القائم عند موت الرسول فاذعن للحجة بذلك ورده الايمان الى النصف فركبتم الاعاليل، وفعلتم الافاعيل وقلتم : كان ويكون حتى اتاك الامر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك فهناك فاعتبروا يا أولي الابصار. وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله (ص) وتاميره له، وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له، وما صار لعمر الله يومئذ مبعثهم حتى انف القوم امرته، وكرهوا تقديمه وعدوا عليه افعاله، فقال (ص) : لا جرم يا معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري، فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في اوكد الاحكام، وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب ؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعا، وحولك من لا يؤمن في صحبته، ولا يعتمد في دينه وقرايته، وتتخطاهم الى مسرف مفتون، تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بهذا الباقي في دنياه وتشقي بها في آخرتك، ان هذا لهو الخسران المبين، واستغفر الله لي ولكم.." . وفند الامام في خطابه جميع شبهات معاوية وسد عليه جميع الطرق والنوافذ، وحمله المسؤولية الكبرى فيما اقدم عليه من ارغام المسلمين على البيعة لولده، كما عرض للخلافة وما منيت به من الانحراف عما أرادها الله من أن تكون في العترة الطاهرة الا ان القوم زووها عنهم، وحرفوها عن معدنها الاصيل . وذهل معاوية من خطاب الامام، وضاقت عليه جميع السبل فقال لابن عباس : " ما هذا يابن عباس ؟" . " لعمر الله إنها لذرية الرسول (ص) وأحد اصحاب الكساء، ومن البيت المطهر قاله : عما تريد، فان لك في الناس مقنعا حتى يحكم الله بامره وهو خير الحاكمين..." (191) . ونهض ابي الضيم وترك معاوية يتميز من الغيظ، وقد استبان له أنه لا يتمكن أن يخدع الامام الحسين وياخذ البيعة منه . ارغام المعارضين : وغادر معاوية يثرب متجها الى مكة وهو يطيل التفكير في أمر المعارضين فراى أن يعتمد على وسائل العنف والارهاب، وحينما وصل الى مكة احضر الامام الحسين، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر وعرض عليهم مرة أخرى البيعة إلى يزيد فاعلنوا رفضهم لها، فانبرى إليهم مغضبا وقال :" اني أتقدم إليكم انه قد اعذر من انذر كنت أخطب فيكم فيقوم إلي القائم منكم فيكذبني على رؤوس الناس فاحمل ذلك واصفح، واني قائم بمقالة فاقسم بالله لئن رد علي أحدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى راسه، فلا يسبقني رجل الا على نفسه.." . ودعا صاحب حرسه يحضرتهم فقال له : أقم على راس كل رجل من هؤلاء، رجلين ومع كل واحد سيف فان ذهب رجل منهم يرد علي كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفيهما، ثم خرج وخرجوا معه فرقى المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال : " ان هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم لا يبتز أمر دونهم، ولا يقضى الا عن مشورتهم، وانهم رضوا وبايعوا ليزيد، فبايعوا على اسم الله.." . فبايعه الناس، ثم ركب رواحله، وغادر مكة (192) وقد حسب معاوية ان الامر قد تم لولده، واستقر الملك في بيته، ولم يعلم أنه قد جر الدمار على دولته، واعد المجتمع للثورة على حكومة ولده . موقف الامام الحسين : كان موقف الامام الحسين مع معاوية يتسم بالشدة والصرامة، فقد أخذ يدعو المسلمين بشكل سافر الى مقاومة معاوية، ويحذرهم من سياسته الهدامة الحاملة لشارات الدمار الى الاسلام . وفود الاقطار الاسلامية : واخذت الوفود تترى على الامام من جميع الاقطار الاسلامية وهي تعج بالشكوى إليه وتستغيث به مما ألم بها من الظلم والجور، وتطلب منه القيام بانقاذها من الاضطهاد، ونقلت الاستخبارات في ييثر الى السلطة المحلية تجمع الناس واختلافهم على الامام الحسين، وكان الوالي مروان ففزع من ذلك وخاف إلى حد بعيد . مذكرة مروان لمعاوية : ورفع مروان مذكرة لمعاوية سجل فيها تخوفه من تحرك الامام، واختلاف الناس عليه، وهذا نصها:" أما بعد فقد كثر اختلاف الناس الى حسين، والله اني لارى لكم منه يوما عصبيا " (193) . جواب معاوية : وأمره معاوية بعدم القيام باي حركة مضادة للامام فقد كتب إليه :" اترك حسينا ما تركك، ولم يظهر لك عداوته، وبيد صفحته، واكمن عنه كمون الثرى ان شاء الله والسلام.." (194) . لقد خاف معاوية من تطور الاحدث، فعهد الى مروان بعدم التعرض له باي أذى أو مكروه . راى مروان في ابعاد الامام : واقترح مروان على معاوية ابعاد الامام عن يثرب وفرض الاقامة الجبرية عليه في الشام، ليقطعه عن الاتصال باهل العراق، ولم يرتض معاوية ذلك فرد عليه " اردت والله أن تستريح منه وتبتليني به، فان صبرت عليه صبرت على ما أكره وان اسات الله قطعت رحمه.."(195) . رسالة معاوية للحسين : واضطرب معاوية من تحرك الامام واختلاف الناس عليه فكتب إليه رسالة، وقد رويت بصورتين .1 - رواها البلاذري وهذا نصها : " أما بعد : فقد انهيت إلي عنك امور إن كانت حقا فاني لم اظنها بك رغبة عنها، وان كانت باطلة فانت اسعد الناس بمجانبتها، وبحظ نفسك تبدا، وبعهد الله توفي فلا تحملني على قطعيتك والاسائة إليك، فانك متى تنكرني انكرك، ومتى تكدني اكدك فاتق الله يا حسين في شق عصا الامة، وان تردهم في فتنة.." (196) . 2 - رواها ابن كثير وهذا نصها : " ان من اعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء، وقد انبئت أن قوما من أهل الكوفة قد دعوك الى الشقاق، وأهل العراق من قد جربت، قد افسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله، واذكر الميثاق فانك متى تكدني اكدك " (197) . واحتوت هذه الرسالة حسب النص الاخير على ما يلي : 1 - ان معاوية قد طالب الامام بتنفيذ ما شرطه عليه في بنود الصلح أن لا يخرج عليه، وقد وفى له الامام بذلك الا ان معاوية لم يف بشئ مما أبرمه على نفسه من شروط الصلح . 2 - ان معاوية كان على علم بوفود أهل الكوفة التي دعت الامام للخروج عليه وقد وسمهم بانهم أهل الشقاق وانهم قد غدروا بعلي والحسن من قبل . 3 - التهديد السافر للامام بانه متى كاد معاوية فانه يكيده . جواب الامام : ورفع الامام إلى معاوية مذكرة خطيرة كانت جوبا لرسالته حمله مسؤوليات جميع ما وقع في البلاد من سفك الدماء، وفقدان الامن، وتعريض الامة للازمات، وهي من أروع الوثائق الرسمية التي حفلت بذكر الاحداث التي صدرت من معاوية وهذا نصها :" أما بعد : فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور أنت عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير، وان الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله تعالى . أما ما ذكرت أنه رقي إليك عني، فانه انما رقاه إليك الملاقون المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الجمع، وكذب الغاوون. ما أردت لك حربا، ولا عليك خلافا، واني لاخشى الله في ترك ذلك منك، ومن الاعذار فيه إليك وإلى اوليائك القاسطين حزب الظلمة . ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة واصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ويامرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا، من بعد ما أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة، جراءة على الله واستخفافا بعهده . أو لست قاتل عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول الله (ص) العبد الصالح الذى ابلته العبادة فنحل جسمه واصفر لونه، فقتلته بعد ما أمنته واعطيته ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال . أولست بمدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف، فزعمت أن ابن أبيك، وقد قال رسول الله (ص) : الولد للفراش وللعاهر الحجر فتركت سنة رسول الله (ص) تعمدا وتبعت بغير هدى من الله ثم سلطته على أهل الاسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم، ويسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل، كانك لست من هذه الامة وليسوا منك . أولست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه إليك زياد أنه على دين علي كرم الله وجهه فكتب إليه أن اقتل كل من كان على دين علي، فقتلهم، ومثل بهم بامرك، ودين علي هو دين ابن عمه (ص) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رجلة الشتاء والصيف . وقلت : فيما قلت : انظر لنفسك ودينك ولامة محمد (ص) واتق شق عصا هذه الامة، وان تردهم الى فتنة، واني لا اعلم فتنة أعظم على هذه الامة من ولايتك عليها، ولا اعظم لنفسي ولديني ولامة محمد (ص) أفضل من ان أجاهرك، فان فعلت فانه قربة إلى الله، وان تركته فاني استغفر الله لديني، واساله توفيقه لارشاد أمري . وقلت : فيما قلت : إنني إن انكرتك تنكرني، وإن اكدك تكدني فكدني ما بدا لك وفاني أرجو أن لا يضرني كيدك، وان لا يكون على أحد أضر منه على نفسك، لانك قد ركبت جهلك وتحرصت على نقض عهدك . ولعمري ما وفيت بشرط، ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والايمان والعهود والمواثيق فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا، ولم تفعل ذلك بهم الا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا، مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل يفعلوا، أو ماتوا قبل أن يدركوا . فابشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم أن الله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها. وليس الله بناس لاخذك بالظنة وقتلك أولياءه على التهم، ونفيك اياهم من دورهم الى دار الغربة واخذك الناس ببيعة ابنك الغلام الحدث يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب ما أراك الا قد خسرت نفسك، وتبرت دينك (198) وغششت رعيتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل واخفت الورع التقي والسلام " (199) . لا اكاد أعرف وثيقة سياسة في ذلك العهد عرضت لعبث السلطة وسجلت الجرائم التي ارتكبها معاوية، والدماء التي سفكها، والنفوس التي أرعبها غير هذه الوثيقة، وهي صرخة في وجه الظلم والاستبداد " والله كم هي هذه الكلمة رقيقة شاعرة (كانك لست من هذه الامة وليسوا منك) هذه الكلمة المشبعة بالشعور القومي الشريف وقديما قال الصابي، " إن الرجل من قوم ليست له أعصاب تقسو عليهم " وهو اتهام من الحسين لمعاوية في وطنيته وفوميته، واتخذ من الدماء الغزيرة المسفوكة عنوانا على ذلك " (200) . لقد حفلت هذه المذكرة بالاحداث الخطيرة التي اقترفها معاوية وعماله خصوصا زياد بن سمية الذي نشر الارهاب والظلم بين الناس فقتل على الظنة والتهمة، واعدم كل من كان على دين الامام امير المؤمنين الذى هو دين ابن عمه رسول الله (ص) وقد اسرف هذا الطاغية في سفك الدماء بغير حق، ومن الطبيعي انه لم يقترف ذلك الا بايعاز من معاوية فهو الذي عهد إليه بذلك : صدى الرسالة : ولما انتهت رسالة الامام الى معاوية ضاق بها ذرعا، وراح يراوغ على عادته ويقول :" ان أثرنا بابى عبد الله الا أسدا " (201) . المؤتمر السياسى العام : وعقد الامام في مكة مؤتمرا سياسيا عاما دعافيه جمهورا غفيرا ممن شهد موسم الحج من المهاجرين والانصار والتابعين وغيرهم من سائر المسلمين فانبرى (ع) خطيبا فيهم، وتحدث ببليغ بيانه بما ألم بعترة النبي (ص) وشيعتهم من المحن والخطوب التي صبها عليهم معاوية وما اتخذه من الاجراءات المشددة من أخفاء فضائلهم، وستر ما أثر عن الرسول الاعظم في حقهم والزم حضار مؤتمره باذاعة ذلك بين المسلمين، وفيما يلي نص حديثه فيما رواه سليم بن قيس قال :" ولما كان قبل موت معاوية بسنة حج الحسين بن علي، وعبد الله ابن عباس، وعبد الله بن جعفر، فجمع الحسين بني هاشم ونساءهم ومواليهم، ومن حج من الانصار ممن يعرفهم الحسين وأهل بيته، ثم أرسل رسلا، وقال لهم : لا تدعوا أحدا حج العام من أصحاب رسول الله (ص) المعروفين بالصلاح والنسك الا اجمعوهم لي، فاجتمع إليه بمنى اكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادق، عامتهم من التابعين، ونحو من ماتئي رجل من اصحاب النبي (ص) فقام فيهم خطيبا " فحمد الله واثنى عليه، ثم قال : أما بعد : فان هذا الطاغية - يعني معاوية - قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رايتم، وعلمتم وشهدتم، واني أريد أن أسالكم عن شئ فان صدقت فصدقوني، وإن كذبت فكذبوني، اسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى امصاركم وقبائلكم، فمن أمنتم من الناس، ووثقتم به فادعوهم الى ما تعلمون من حقنا، فاني أتخوف أن يدرس هذا الامر ويغلب، والله متم نوره ولو كره الكافرون " . وما ترك شيئا مما أنزله الله فيهم من القران الا تلاه وفسره ولا شيئا مما قاله رسول الله (ص) في أبيه وأخيه وفي نفسه وأهل بيته إلا رواه . وكل ذلك يقول أصحابه : اللهم نعم. قد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعي : اللهم قد حدثني به من أصدقه وأئتمنه من الصحابة فقال (ع) . أنشدكم الله الا حدثتم به من تثقون به وبدينه.." (202) . وكان هذا المؤتمر أول مؤتمر اسلامي عرفه المسلمون في ذلك الوقت وقد شجب فيه الامام سياسة معاوية ودعا المسلمين لاشاعة فضائل أهل البيت (ع)، واذاعة ماثرهم التي حاولت السلطة حجبها عن المسلمين . رسالة جعدة للامام : وكان جعدة بن هبيرة بن أبي وهب من اخلص الناس للامام الحسين عليه السلام، واكثرهم مودة له وقد اجتمعت عنده الشيعة، وأخذوا يلحون عليه في مراسلة الامام للقدوم الى مصرهم ليعلن الثورة على حكومة معاوية، ورفع جعدة رسالة للامام وهذا نصها :" أما بعد : فان من قبلنا من شيعتك متطلعة انفسهم اليك، لا يعدلون بك أحد، وقد كانوا عرفوا راي الحسن اخيك في الحرب. وعرفوك باللين لاوليائك والغلظة على أعدائك، والشدة في أمر الله، فان كنت تحب أن تطلب هذا الامر فاقدم علينا فقد وطنا أنفسنا على الموت معك.." . جواب الامام : ولم يكن من راي الامام الحسين الخروج على معاوية، وذلك لعلمه بفشل الثورة وعدم نجاحها، فان معاوية بما يملك من وسائل دبلوماسية وعسكرية لابد أن يقضي عليها، ويخرجها من اطارها الاسلامي الى حركة غير شرعية ويوسم القائمين بها بالتمرد والخروج على النظام، وقد اجابهم عليه السلام بعد البسملة والثناء على الله بما يلي :" أما اخي فاني ارجو أن يكون الله قد وفقه وسدده، وأما أنا فليس رايي اليوم ذلك، فالصقوا رحمكم الله بالارض، واكمنوا في البيوت واحترسوا من الظنة ما دام معاوية حيا، فان يحدث الله به حدثا وأنا حي كتبت إليكم برايي والسلام..." (203) . لقد أمر (ع) شيعته بالخلود إلى الصبر والامساك عن المعارضة، وأن يلزموا بيوتهم خوفا عليهم من سلطان معاوية الذي كان ياخذ البرئ بالسقيم والمقبل بالمدبر ويقتل على الظنة والتهمة، واكبر الظن ان هذه الرسالة كانت في عهد زيادة الذي سمل عيون الشيعة، وصلبهم على جذرع النخل ودمرهم تدميرا ساحقا . نصيحة الخدري للامام : وشاعت في الاوساط الاجتماعية أنباء وفود أهل الكوفة على الامام الحسين (ع) واستنجادهم به لانقاذهم من ظلم معاوية وجوره، وهذا نص حديثه :" يا أبا عبد الله اني انا ناصح، واني عليكم مشفق، وقد بلغني أنه قد كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة، يدعونكم الى الخروج إليهم، فلا تخرج إليهم، فاني سمعت أباك يقول بالكوفة، والله لقد مللتهم، وابغضتهم وملوني وأبغضوني، وما يكون منهم وفاء قط، ومن فاز به فاز بالسهم الاخيب، والله ما لهم ثبات ولا عزم على أمر، ولا صبر على السيف " (204) وليس من شك في أن أبا سعيد الخدري كان من ألمع أصحاب الامام امير المؤمنين واكثرهم اخلاصا وولاء لاهل البيت، وقد دفعه حرصه على الامام الحسين، وخوفه عليه من معاوية أن يقوم بالنصيحة له في عدم خروجه على معاوية، ولم تذكر المصادر التي بايدينا جواب الامام الحسين له . استيلاء الحسين على اموال للدولة : وكان معاوية ينفق اكثر أموال الدولة على تدعيم ملكه، كما كان يهب الاموال الطائلة لبني أمية لتقوية مركزهم السياسي والاجتماعي، وكان الامام الحسين يشجب هذه السياسة، ويروي ضرورة انفاذ الاموال من من معاوية وانفاقها على المحتاجين، وقد اجتازت على يثرب أموال من اليمن الى خزينة دمشق، فعمد الامام الى الاستيلاء عليها، ووزعها على المحتاجين من بني هاشم وغيرهم وكتب الى معاوية :" من الحسين بن علي الى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد : فان عيرا مرت بنا من اليمن تحمل مالا وحللا وعنبرا وطيبا إليك، لتودعها خزائن دمشق، وتعل بها بعد النهل بني أبيك، واني احتجت إليها فاخذتها والسلام.." . وأجابه معاوية : " من عبد الله معاوية الى الحسين بن علي، أما بعد : فان كتابك ورد علي تذكر ان عيرا مرت بك من اليمن تحمل مالا، وحللا وعنبرا وطيبا إلي لاودعها خزائن دمشق، واعل بها بعد النهل بني أبي، وانك احتجت إليها فاخذتها، ولم تكن جديرا باخذها اذ نسبتها إلي لان الوالي أحق بالمال، ثم عليه المخرج منه، وايم الله لو تركت ذلك حتى صار إلي لم ابخسك حظلك منه ولكنني قد ظننت يا بن أخي ان في راسك نزوة، وبودي أن يكون ذلك في زماني فاعرف لك قدرك، واتجاوز عن ذلك ولكنني والله اتخوف أن تبلى بمن لا ينظرك فواق ناقة " . وكتب في اسفل كتابه هذه الابيات : يا حسين بن علي ليس ما * جئت بالسائغ يوما والعلل أخذك المال ولم تؤمر به * ان هذا من حسين لعجل قد اجزناها ولم نغضب لها * واحتملنا من حسين ما فعل يا حسين بن علي ذا الامل * لك بعدي وثبة لا تحتمل وبودي انني شاهدها * فاليها منك بالخلق الاجل انني أرهب ان تصل بمن * عنده قد سبق السيف العذل (205) وفي هذا الكتاب تهديد للامام بمن يخلف معاوية وهو ابنه يزيد الذي لا يؤمن بمقام الحسين ومكانته من رسول الله (ص) . وعلى أي حال فقد قام الامام بانقاذ هذه الاموال من معاوية وانفقها على الفقراء في حين أنه لم يكن ياخذ لنفسه أي صلة من معاوية، وقد قدم له مالا كثيرا وثيابا وافرة وكسوة فاخرة فرد الجميع عليه (206)، وقد روى الامام موسى بن جعفر (ع) ان الحسن والحسين كانا لا يقبلان جوائز معاوية(207) . حديث موضوع : من الاخبار الموضوعة ما روي ان الامام الحسين وقد مع أخيه الحسن على معاوية فامر لهما بمائة ألف درهم وقال لهما :" خذاها وأنا ابن هند، ما اعطاها أحد قبلي، ولا يعطيها أحد بعدي.." . فانبرى إليه الامام الحسين قائلا : " والله ما أعطى احد قبلك ولا بعدك لرجلين اشرف منا.." . ولا مجال للقول بصحة هذه الرواية فان الامام الحسين (ع) لم يفد على معاوية بالشام، وانما وفد عليه الامام الحسن (ع) لا لاجل الصلة والعطاء كما يذهب لذلك بعض السذج من المؤرخين، وانما كان الغرض ابراز الواقع الاموي، والتدليل على مساوئ معاوية، كما اثبتت ذلك مناظراته مع معاوية وبطانته، والتي لم يقصد فيها الا تلك الغاية، وقد أوضحنا ذلك بصورة مفصلة في كتابنا (حياة الامام الحسن) . الحسين مع بني أمية : كانت العداوة بين الحسين وبين بني أمية ذاتية فهي عداوة الضد للضد، وقد سال سعيد الهمداني الامام الحسين عن بني أمية فقال (ع) " إنا وهم الخصمان اللذان اختصما في ربهم.." (208) .أجل انهما خصمان في أهدافهما، وخصمان في اتجاههما، فالحسين (ع) كان يمثل جوهر الايمان بالله، وبمثل القيم الكريمة التي يشرف بها الانسان وبنو أمية كانوا يمثلون مساوئ الجاهلية التي تهبط بالانسان الى مستوى سحيق وكان الامويين بحسب طباعهم الشريرة، يحقدون على الامام الحسين ويبالغون في توهينه، وقد جرت منازعة بين الحسين وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في مال كان بينهما فتحامل الوليد على الحسين في حقه، فثار الامام في وجهه وقال : " احلف بالله لتنصفي من حقي أو لاخذن سيفي، ثم لاقومن في مسجد رسول الله (ص) وادعون بحلف الفضول.." . لقد أراد أن يحيى حلف الفضلول الذي أسسه الهاشميون والذي كان شعاره انصاف المظلومين والاخذ بحقوقهم، وقد حاربه الامويون في جاهليتهم لانه يتنافي مع طباعهم ومصالحهم . وانبرى عبد الله بن الزبير فانضم للحسين وانتصر له وقال : " وأنا احلف بالله لئن دعا به لاخذن سيفي ثم لاقومن معه حتى ينتصف من حقه أو تموت جميعا.." . وبلغ المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري الحديث فانضم للحسين، وقال بمثل مقالته وشعر الوليد بالوهن والضعف، فتراجع عن غيه، وانصف الحسين (ع) من حقه (209) . ومن الوان الحقد الاموي على الحسين أنه كان جالسا في مسجد النبي (ص) فسمع رجلا يحدث اصحابه، ويرفع صوته ليسمع الحسين وهو يقول : " انا شاركنا آل أبي طالب في النبوة حتى نلنا منها مثل ما نالوا منها من السبب والنسب، ونلنا من الخلافة ما لم ينالوا فبم يفخرون علينا ؟" . وكرر هذا القول ثلاثا، فاقبل عليه الحسين فقال له : اني كففت عن جوابك في قولك الاول حلما، وفي الثاني عفوا، وأما في الثالث فاني مجيبك اني سمعت أبي يقول : ان في الوحي الذي أنزله الله على محمد (ص) اذا قامت القيامة الكبرى حشر الله بني أمية في صور الذر يظاهم الناس حتى يفرغ من الحساب ثم يؤتى بهم فيحاسبوا، ويصار بهم الى النار (210) ولم يطق الاموي جوابا وانصرف وهو يتميز من الغيظ.. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن موقف الامام مع معاوية وبني أمية، ونعرض فيما يلي الى وفاة معاوية وما رافقها من الاحداث . مرض معاوية : ومرض معاوية وتدهورت صحته، ولم تجد معه الوصفات الطيبة، فقد تناهب جسمه الامراض، وفد شعر بدنو اجله، وكان في حزن على ما اقترفه في قتله لحجز بن عدى فكان ينظر إليه شبحا مخفيا، وكان يقول :ويلي منك يا حجر ! إن لي مع ابن عدي ليوما طويلا (211) وتحدث الناس عن مرضه، فقالوا إنه الموت، فامر أهله أن يحشوا عينيه اثمدا، ويسبغوا على راسه الطيب، ويجلسوه ثم أذن للناس فدخلوا وسلموا عليه قياما فلما خرجوا من عنده أنشد قائلا : وتجلدي للشامتين أريهم * أنى لريب الدهر لا اتضعضع فسمعه رجل من العلويين فاجابه . واذا المنية أنشبت أظفارها * الفيت كل تميمة لا تنفع (212) وصاياه : ولما ثقل حال معاوية عهد بوصيته إلى يزيد، وقد جاء فيها " يا بني اني قد كفيتك الشر والترحال، ووطات لك الامور، وذلك لك الاعداء واخضعت لك رقاب العرب وجمعت لك ما لم يجمعه أحد فانظر أهل الحجاز فانهم أصلك، واكرم من قدم عليك منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق فان سالوك أن تعزل كل يوم عاملا فافعل فان عزل عامل أيسر من أن يشهر عليك مائة الف سيف، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك، فان رابك من عدوك شئ فانتصر بهم فاذا أصبتهم فاردد أهل الشام الى بلادهم فان أقاموا بغير بلادهم تغيرت اخلاقهم..وانى لست اخاف عليك أن ينازعك في هذا الامر الا أربعة نفر من قريش الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن ابن أبي بكر، فاما ابن عمر فانه رجل قد وقذته العبادة، فاذا لم يبق احد غيره بايعك واما الحسين بن علي فهو رجل خفيف، ولن يترك أهل العراق حتى يخرجوه، فان خرج وظفرت به فاصفح عنه فان له رحما ماسة وحقا عظيما وقرابة من محمد، وأما ابن ابي بكر فان راى اصحابه صنعوا شيئا صنع مثله ليس له همة الا في النساء واللهو، واما الذي بجثم لك جثوم الاسد، ويراوغك مراوغة الثعلب فان أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فان هو فعلها بك فظفرت به فقطعه اربا اربا واحقن دماء قومك ما استطعت..."(213) . واكبر الظن ان هذه الوصية من الموضوعات فقد افتعلت لاثبات حلم معاوية وانه عهد الى ولده بالاحسان الشامل الى المسلمين وهو غير مسؤول عن تصرفاته... ومما يؤيد وضعها ما يلي : 1 - ان المؤرخين رووا أن معاوية أوصى يزيد بغير ذلك فقال له : ان لك من أهل المدينة يوما فان فعلوها فارمهم بمسلم بن عقبة فانه رجل قد عرفنا نصيحته (214) وكان مسلم بن عقبة جزارا جلادا لا يعرف الرحمة والرافة، وقد استعمله يزيد بعهد من أبيه في واقعة الحرة فاقترف كل موبقة واثم، فكيف تلتقي هذه الوصيذة بتلك الوصية التي عهد فيها بالاحسان الى أهل الحجاز . 2 - انه اوصاه برعاية عواطف العراقيين، والاستجابة لهم اذا سالوه في كل يوم عزل من ولاه عليهم، وهذا يتنافى مع ما ذكره المؤرخون انه عهد بولاية العراق الى عبيد الله بن زياد، وهو يعلم شدته وصرامته وغدره، فهو ابن زياد الذي أغرق العراق بدماء الابرياء فهل العهد إليه بولايته العراق من الاحسان الى العراقيين والبر بهم ؟!! 3 - انه جاء في هذه الوصية انه يتخوف عليه من عبد الله بن عمر وقد وصفه بانه قد وقذته العبادة، واذا كان كذلك فهو بطبيعة الحال منصرف عن السلطة والمنازعات السياسية فما معنى التخوف منه ؟! ! 4 - انه جاء في هذه الوصية انه يتخوف عليه من عبد الرحمن بن أبي بكر، وقد نص المؤرخون انه توفي في حياة معاوية، فما معنى التخوف عليه من انسان ميت ؟ 5 - انه أوصاه برعاية الحسين (ع) وان له رحما ماسة وحقا عظيما وقرابة من رسول الله (ص) ومن المؤكد ان معاوية بالذات لم يرع أي جانب من جوانب القرابة من رسول الله، فقد قطع جميع أواصرها فقد فرض سبها على رؤوس الاشهاد، وعهد إلى لجان التربية والتعليم بتربية النشئ ببغض أهل البيت، ولم يتردد في ارتكاب أي وسيلة للحط من شانهم، وقد علق الاستاذ عبد الهادي المختار على هذه الفقرات من الوصية بقوله: " وتقول بعض المصادر ان معاوية أوصى ولده يزيد برعاية الحسين والذي نعتقده أنه لا أثر لها من الصحة، فان معاوية لم يتردد في اغتيال الامام الحسن حتى بعد ما بايعه، فكيف يوصي ولده بالعفو عن الحسين ان ظفر به . لم يكن معاوية بالذي يرعي لرسول الله (ص) حرمة أو قرابة حتى يوصي ابنه برعاية آل محمد، كلا ابدا فقد حارب الرسول في الجاهلية حتى أسلم كرها يوم فتح مكة، ثم حارب صهر الرسول وخليفته وابن عمه عليا، ونزا على خلافة المسلمين، وانتزعها قهرا، وسم ابن بنت الرسول الحسن، فهل يصدق بعد هذا كله أن يوصي بمثل ما أوصى به . قد يكون أوصاه أن يغتاله سرا ويدس له السم، أو يبعث له من يطعنه بليل - ربما كان هذا الفرض اقرب الى الصحة من تلك الوصية - ولكن المؤرخون سامحهم الله أرادوا أن يبرؤا ساحة الاب، ويلقوا جميع التبعات على الابن وهما في الحقيقة غرس اثم واحد وثمرة جريمة واحدة وأضاف يقول: ولو ان الوصية المزعومة كانت صحيحة لما كان يزيد لاهم له بعد موت أبيه الا تحصيل البيعة من الحسين وتشديده على عامله بالمدينة بلزوم اجبار الحسين على البيعة.." (215) . موت معاوية : واستقبل معاوية الموت غير مطمئن فكان يتوجع ويظهر الجزع على ما اقترفه من الاسراف في سفك دماء المسلمين ونهب أموالهم، وقد وافاه الاجل في دمشق محروما عن رؤية ولده الذي اغتصب له الخلافة وحمله على رقاب المسلمين، وكان يزيد - فيما يقول المؤرخون مشغولا عن أبيه - في اثناء وفاته - برحلات الصيد وعربدات السكر، ونغمة العيدان .وبهذا ينتهي بنا الحديث عن حكومة معاوية، وما رافقها من الاحداث الجسام .
(1) روح الاسلام (ص 296). (2) حياة الامام الحسن 2 / 254. (3) انساب الاشراف ج 1 ق 2 / 73. (4) الامامة والسياسة 1 / 151 . (5) العقد الفريد 4 / 259 . (6) حياة الامام موسى بن جعفر 1 / 302. (7) الطبري 7 / 38 . (8) روح الاسلام (ص 296). (9) اتجاهات الشعر العربي (ص 27) . (10) المجتمعات الاسلامية في القرن الاول (ص 50) لشكري فيصل (11) الفخري (ص 145) (12) العقد الفريد 1 / 194. (13) حياة الامام الحسن 2 / 153 . (14) الاخبار الطوال (ص 204) (15) ابن الاثير 3 / 232، ديوان الفرزدق (ص 246) (16) الحركات الفكرية في الاسلام (ص 42) تاريخ التمدن الاسلامي 2 / 22 (17) الشعر والشعراء (ص 462) . (18) السجح : السهولة والين. (19) خزانة الادب 2 / 225 . (20) تاريخ التمدن الاسلامي 2 / 79 - 80. (21) حياة الامام موسى بن جعفر 1 / 301 . (22) الاسلام والحضارة العربية 2 / 149 - 150. (23) حياة الامام موسى بن جعفر 1 / 301. (24) معاوبة في الميزان (ص 64 ) (25) العقد الفريد 2 / 260. (26) الطبري 8 / 134، الكامل 5 / 19 . (27) طبقات ابن سعد 6 / 175 . (28) الطبري في احداث سنة 245 . (29) الحضارة الاسلامية 1 / 43. (30) العقد الفريد 2 258 - 259. (31) الدولة العربية (ص 207 ) (32) نهاية الارب 6 / 7. (33) تهذيب الكامل للمبرد 1 / 17 . (34) العقد الفريد 2 / 159 . (35) تاريخ الطبري 8 / 80 . (36) حياة الامام موسى بن جعفر 1 / 387. (37) تاريخ ابن الاثير 4 / 33 . (38) نهاية الارب 6 / 86. (39) شرح النهج 2 / 23. (40) شرج النهج 1 / 129 . (41) شرح النهج 2 / 23. (42) الكامل للمبرد 1 / 305. (43) التاج في اخلاق الملوك (ص 55) . (44) الاغاني 4 / 120. (45) التاج في اخلاق الملوك (ص 151) . (46) الطبري 8 / 288. (47) نهاية الارب 4 / 93، العقد الفريد 3 / 184 . (48) الانابير : اكداس من الطعام . (49) تاريخ الطبري 8 / 298. (50) تاريخ الطبري 8 / 285 . (51) سمو المعنى في سمو الذات (ص 30) . (52) العقد الفريد 3 / 241. (53) ذكرنا مصادر هذه الاحداث في الجزء الثاني من كتابنا (حياة الامام الحسن) . (54) الكوذني : البليد . (55) للهاشميات (ص 111) . (56) المناقب والمثالب (ص 70) للقاضي نعمان المصري. (57) انساب الاشراف ج 1 ق 1. (58) الطبري : ج 10 / 480، العقد الفريد : 6 / 133. (59) النصائح الكافية (ص 97) . (60) النهج 10 / 101. (61) شرح النهج 2 / 297 . (62) الاماويه : من انواع الطيب . (63) رسالة الغفران (ص 145) . (64) النزاع والتخاصم للمقريزي (ص 27) رسائل الجاحظ (ص 297) العقد الفريد 3 / 355. (65) شرح النهج 15 / 242 . (66) صحيح البخاري 8 / 87. (67) صحيح البخاري 8 / 87 . (68) صحيح البخاري 2 / 119 . (69) صحيح البخاري 2 / 121. (70) حياة الامام الحسن 2 / 161 الطبعة الثانية . (71) حياة الامام الحسن 2 / 161 الطبعة الثانية. (72) حياة الامام الحسن 2 / 162 الطبعة الثانية . (73) النصائح الكافية (ص 74) . (74) حياة الامام الحسن 2 / 162 . (75) سورة البقرة : آية 203 و 204 . (76) النصائح الكافية (ص 253). (77) شرح ابن ابي الحديد 3 / 15 . (78) علق على ذلك العلامة فقيد الاسلام الشيخ محمود ابو رية في كتابه ابو هريرة (ص 236) بقوله " يدل هذا القول على أن كذب أبي هريرة على النبي كان قد اشتهر حتى عم الافاق واصبح الناس يتحدثون به في كل مكان. " (79) شرح نهج البلاغة 1 / 359 . (80) البداية والنهاية 8 / 121، تطهير الجنان المطبوع على هامش الصواعق المحرقة (ص 26). (81) تطهير الجنان (ص 26) . (82) تطهير الجنان (ص 26) . (83) وضع هذه الحديث لمعارضة الحديث الصحيح المروي عن رسول الله (ص) اذا رايتم معاوية يخطب على منبري فاضربوا عنقه " . (84) تاريخ بغداد. (85) تاريخ ابن عساكر 4 / 313 . (86) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد 3 / 16. (87) النصائح الكافية (ص 72) . (88) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد 3 / 361 . (89) النصائح الكافية (ص). (90) تاريخ الطبري 6 / 141 طبع اوربا . (91) نظرية الامامة لدى الشيعة الاثنى عشرية (ص 282) . (92) الاسلام والحضارة العربية 2 / 145 . (93) مناقب ابن المغازلي رقم الحديث 69. (94) حياة الامام الحسن 2 / 343 . (95) شرح النهج 2 / 28 . (96) تهذيب التهذيب 7 / 319. (97) شرح النهج 11 / 14 . (98) مناقب ابن المغازلي رقم الحديث (149). (99) شرح ابن ابي الحديد 3 / 15 . (100) الاقوام : هم الخوارج . (101) طبقات ابن سعد 5 / 95. (102) شرح النهج 2 / 6 . (103) الطبري 6 / 32. (104) حياة الامام الحسن 2 / 365. (105) سفينة البحار 1 / 522 . (106) الاصابة 2 / 526 . (107) المشاقص : - جمع مفردة مشقص - النصل العريض أوسهم فيه نصل عريض. (108) حياة الامام الحسن . (109) تاريخ ابن الاثير 3 / 180، الطبري 6 / 130 - 132. (110) بحار الانوار 10 / 101. (111) شرح ابن ابي الحديد . (112) كان الامويون يرمزون بهذه الكتبية الى جعل الامام كقاطع طريق جاء ذلك في التاريخ السياسي للدولة العربية 2 / 75، وجاء في الاغاني 13 / 168 ان زيادا كان يحتقر الشيعة ويسميهم الترابية. (113) الطبري 4 / 198 . (114) حياة الامام الحسن 2 / 362. (115) قس الناطف : موضع قريب من الكوفة . (116) الطبري 6 / 155. (117) شرح النهج 11 / 44 . (118) شرح النهج 11 / 44. (119) حياة الامام الحسن . (120) تاريخ الشعوب الاسلامية 1 / 147. (121) تاريخ القضاعي من مصورات مكتبة الامام الحكيم العامة . (122) الشيعة في الميزان (ص 455). (123) المناقب والمثالب " ص 71 " للقاضي نعمان المصري . (124) سمو المعنى في سمو الذات " ص 59 " . (125) تاريخ القضاعي. (126) تاريخ الاسلام للذهبي 1 / 267 . (127) روح الاسلام (ص 296) (128) الفخري (ص 45) . (129) جواهر المطالب في مناقب الامام علي بن أبي طالب (ص 143) من مصورات مكتبة الامام الحكيم. (130) انساب الاشراف 2 / 2 . (131) تاريخ المظفري . (132) مروج الذهب 2 / 74. (133) تاريخ الطبري 7 / 43 . (134) ملحمة الغدير (ص 227) . (135) تاريخ المظفري من مصورات مكتبة الامام الحكيم، وجاء في انساب الاشراف 4 / ق 2 / 2 ان سبب وفاة يزيد انه حمل قرده على اتان، وهو سكران فركض خلفها فاندقت عنقه فانقطع شئ في جوفه فمات. (136) الاغاني 7 / 170 . (137) الاغاني 7 / 170 . (138) البداية والنهاية 8 / 228. (139) تاريخ الجنس العربي 8 / 86. (140) تاريخ المظفري من مصورات مكتبة الامام الحكيم. (141) البداية والنهاية 8 / 192. (142) صليصل وصرار : من الاماكن القريبة للمدينة . (143) المسطار : الخمر الصارعة لشاربها . (144) اكاز : الحراث . (145) طبقات الشعراء (ص 392) (146) العقد الفريد 5 / 321 - 322. (147) ديوان الاخطل (ص 89) . (148) من موبقات المغيرة انه اول من رشي في الاسلام كما يروي البيهقي كما انه كان الوسيط في استلحاق زياد بمعاوية . (149) تاريخ الشعوب الاسلامية 1 / 145 . (150) الطبري . (151) الامامة والسياسة 2 / 262. (152) تاريخ ابن الاثير 3 / 249. (153) تاريخ دول الاسلامية (ص 28). (154) التاريخ السياسي للدولة العربية 2 / 62. (155) سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي (ص 208). (156) الطبري 6 / 257 وغيره . (157) ابن رشد وفلسفته (ص 60) لفرج انطون. (158) البداية والنهاية 8 / 80 . (159) المناقب والمثالب (ص 68) للقاضي نعمان المصري . (160) تاريخ الخلفاء لمولف مجهول قامت بنشره أكاديمية العلوم للاتحاد السوفيتي. (161) يفرغ : يعلو رؤوس الناس . (162) شعراء النصرانية بعد الاسلام (ص 234). (163) الاعاني 8 / 71 . (164) تاريخ ابن الاثير 3 / 250. (165) تاريخ ابن الاثير 3 / 250 . (166) نفس المصدر. (167) تذكرة ابن حمدون (ص 81). (168) الامامة والسياسة 1 / 180 - 183، جمهرة الخطب 2 / 233 - 236 . (169) الخلافة (ص 10) لتوماس. (170) تاريخ ابن الاثير . (171) تاريخ ابن الاثير 3 / 252، الامامة والسياسة 1 / 200. (172) الاستيعاب . (173) الاستيعاب البداية والنهاية 8 / 89 . (174) انساب الاشراف 4 / 30 . (175) الطبري 4 / 368. (176) الحسين بن علي 2 / 6 . (177) القضاة الكندي (ص 310) . (178) طبقات ابن سعد . (179) تاريخ الطبري 7 / 12. (180) وفيات الاعيان 5 / 389 - 390 . (181) الامامة والسياسة 1 / 128 . (182) الاسلام والحضارة العربية 2 / 395. (183) تاريخ اليعقوبي 2 / 196. (184) الطبري 4 / 18 . (185) السياسة عند العرب (ص 98) لعمر ابو النصر . (186) الامامة والسياسة 1 / 182. (187) مقاتل الطالبيين (ص 29) . (188) الاستيعاب . (189) المصدر نفسه. (190) روح الاسلام (ص 295). (191) الامامة والسياسة 1 / 195 - 196. (192) الكامل 3 / 252، الامالي 2 / 73، ذيل الامالي (ص 177) عيون الاخبار 2 / 210 البيان والتبيين 1 / 300. (193) و (194) أنساب الاشراف ق 1 ج 1 . (195) العقد الفريد 2 / 116. (196) انساب الاشراف ق 1 ج 1 . (197) تاريخ ابن كثير 8 / 162. (198) تبرت : اهلكت دينك . (199) الامامة والسياسة 1 / 284، رجال الكشي (ص 32) الدرجات الرفيعة (ص 334). (200) الامام الحسين (ص 338). (201) سير الاعلام النبلاء 3 / 198. (202) حياة الامام الحسن 2 / 216 - 217. (203) الاخبار الطوال (ص 203) انساب الاشراف ج 1 ق 1. (204) البداية والنهاية 8 / 161، تاريخ ابن عساكر 13 / 67. (205) شرح نهج البلاغة 4 / 327 الطبعة الاولى. (206) الحسين 1 / 117 لعلي جلال . (207) حياة الامام موسى بن جعفر 2 / 332. (208) الكنى والاسماء 1 / 77 لابي بشر الدولابي. (209) سيرة ابن هشام 1 / 142 . (210) المناقب والمثالب للقاضي نعمان المصري (ص 61). (211) الفتنة الكبرى 2 / 245 . (212) حياة الحيوان للدميري 1 / 59. (213) تاريخ ابن الاثير 3 / 259 . (214) تاريخ خليفة خياط 1 / 229. (215) مجلة الغري السنة الثامنة العدد 9 و 10. |