إن التاريخ يحدثنا أن شيعة أهل البيت عليهم السلام كانوا في الأحقاب السالفة يواجهون في بعض البلاد متاعب، ومصاعب، وتحديات حتى على مستوى الأمن في مناسبة عاشوراء. ولكن هذه الظاهرة قد انحسرت – ولله الحمد - على وجه العموم، وإن كنا نجد بعض الإثارة لهذه الأجواء في بعض البلدان حتى في أيامنا هذه . ولكنها أصبحت مرفوضة، ومحاصرة، وممجوجة، لا يرضى بها الإنسان في القرن العشرين. فكان أن استبدلوها بما هو أخطر منها، حينما حولوا المعركة إلى الجانب الإعلامي الذكي، والهادف إلى إسقاط عاشوراء عن طريق إسقاط مضمونها. وذلك بزرع بذور الشك، والريب فيها، فأصبحنا في كل سنة، وفي حلول موسم عاشوراء على وجه الخصوص نواجه حملة شرسة من هذا الإعلام المركز والمدروس، الذي يهدف إلى النيل من كربلاء من نواحٍ مختلفة وذلك عندما تبدأ التحذيرات، ثم الاعتراضات، ثم التشنيع القوي، والتجريح الحاقد، تتوالى وتنهمر، إلى درجة أن الإنسان الشيعي يجدها، ويسمعها، ويقرأها، ويواجهها في كل اتجاه، وفي أي موقع، وفي مختلف المناسبات. وتصدر البيانات وتلقى الخطب، والمحاضرات، وتلهج الإذاعات ، وتكتب الصحف والمجلات، وتبذل جميع الطاقات في هذا السبيل. وأكثر الاهتمام ينصب على ثلاثة أمور: الأول: الطعن في خطباء المنبر الحسيني، ورميهم بالجهل، والأمية، وقذفهم بتهم الكذب، والتزوير، وقلة الدين، والتصنّع، والتمثيل، والإستعراض، والتخلف، وما إلى ذلك مما تحويه مجاميعهم اللغوية من شتائم مقذعة، وتعبيرات جارحة. الثاني: التشكيك في مضمون المنبر الحسيني، وأنه يعتمد الخرافات، و يروّج للأساطير، وينشر الأباطيل، وما إلى ذلك مما يحويه قاموسهم الغني بهذا النوع من التعابير، التي تؤدي إلى عجز المنبر الحسيني عن أداء دوره الرسالي في تثقيف الناس، وتربيتهم وتثبيتهم على خط الايمان والجهاد.. الثالث: العمل على التخفيف من قيمة الإرتباط العاطفي بعاشوراء، ومضامينها العاطفية وذلك بازدراء حالات البكاء، والتشنيع على مواكب العزاء، وإدانة اللطم على الصدور، ورمي هذه المواكب بالتخلف والتحجر ، والاساءة إلى الدين، وأنها توجب احتقار العالم المتحضر للمسلمين، وانتقادهم لهم، والدعوة في مقابل ذلك إلى اللطم الحضاري الهادئ ، والتوجه أيضاً إلى العمل المسرحي، والثقافي، وإختزال المشاهد العاطفية البكائية، مهما أمكن، لتصبح عاشوراء منبراً ثقافياً ، تنشأ فيه المحاضرات، وتعقد ندوات، تدار من قبل متخصصين، ثم "ما وراء عبادان قرية". |