مكتبة الإمام الحسين

فهرس الكتاب

 

الفصل الثاني: الخرافات والأساطير..في عاشوراء

$$$

 

الأساطير والحقائق في عاشوراء:

قد نسب الى الشهيد السعيد العلامة الشيخ مرتضى مطهري: انه ساق طائفة من الموارد التي اعتبرها مصنوعة وموضوعة، أضيفت الى تاريخ عاشوراء بعد ان لم تكن، وحين تتبعناها، وجدنا ان القسم الاعظم منها لا يمكن قبول هذا الحكم القاسي عليه..

ونستطيع ان نقسم ما نسب اليه رحمه الله الى اقسام ثلاثة، هي:

1- ما هو مكذوب بالفعل، مما يرتبط بالسيرة الحسينية، ويتحدث عن احداث كربلاء، او عن ما يتصل بها من المبدأ الى المنتهى..

2- ما لا يصح الحكم عليه بأنه مكذوب من تلك الاحداث العاشورائية، او ما يتصل بها، مما سبقها ولحقها..

3- ما لا يرتبط بأحداث عاشوراء، ولا يتعرض لما سبقها ولحقها في شيء، وانما هو امور يدّعى انها حصلت بعد عشرات السنين، قد يكون منها السليم والسقيم ، سواء أكان يدخل في نطاق الكرامات، او المنامات، او الاحداث او غيرها، مثل قصة قاطع الطريق ومنامه حول غبار زوار الإمام الحسين عليه السلام، وما اشبهها من قصص وحكايات.

ولا يعنينا هنا هذا القسم الاخير في شيء، ولا يهمنا تمييز الصحيح منه من غير الصحيح، والحقيقة من الاسطورة فيه..

اما القسمان الأولان فنحن نختصر الحديث عن كل واحد منهما بطريقةواضحة وصريحة، تضع النقاط على الحروف، فنقول:

 

القسم الاول: المكذوب والمختلق:

إن عدداً من تلك الموارد التي اشار اليها الشهيد المطهري رحمه الله - على ما نسب اليه في الملحمة الحسينية - هي اشبه بالقصص التي تنتجها أوهام الكذابين، حينما يتبارون فيما بينهم في مجال اجتراح حكايا التضخيم و التهويل لغرض التسلية، والتباهي الفارغ..

وهي قصص قاصرة عن ان تصبح تاريخاً يألفه العقلاء، أو يُدخِلها الكتّاب والمؤلفون ولو في دائرة الاحتمالات البعيدة لتشكلات عناصر الحدث التاريخي..

وقد نسب الى الشهيد السعيد انه ذكر طائفة من هذا القسم، وانه قد اقام الدنيا، ولم يكد يقعدها في هجمات صاعقة ماحقة، تثير رياحاً عاصفة هوجاء، واجواء محمومة ومخيفة..

مع ان الامر ابسط من ذلك، فان اكثر هذه الاكاذيب لا يمكن ان يدخل في وجدان أو في عقل أي انسان ، مهما كان أمياً وجاهلاً، وحتى ساذجاً ايضاً..

وبعضها الآخر : يكتشِف زيفه أيٍ كان من الناس بأدنى مراجعة للكتب الحديثية والتاريخية..

وهذه الموارد هي التالية:

1- ان طول رمح سنان بن أنس لعنه الله، والذي يقال انه هو الذي احتز رأس الامام الحسين عليه السلام، ستون ذراعاً، وان هذا الرمح قد بعثه الله إليه من الجنة..(1).

2- ان عدد الذين حاربوا الامام الحسين عليه السلام كان ست مئة الف من الخيالة، ومليوناً من المشاة..(2)

او ان عددهم ثمان مئة الف(3).

وان الامام الحسين عليه السلام قد قتل منهم ثلاث مئة الف، وقتل العباس منهم خمسة وعشرين الفاً(4).

وفي حديث آخر لهم: ان الامام الحسين عليه السلام قد قام بعدة حملات، يقتل في كل حملة منها عشرة الآف(5).

مع ان النص التاريخي المعتمد يقول : ان عدد جيش يزيد لعنه الله كان ثلاثين الفاً(6) أو ثمانين، أو مئة الف في اكثر الروايات(7).

كما ان المسعودي في اثبات الوصية يقول: ان من قتلهم الامام الحسين عليه السلام بيده هم 1800رجل، وذكر محمد بن ابي طالب ان عددهم هو 1950رجلاً(8).

3- ان هاشم المرقال قد حضر واقعة كربلاء(9).

ومن الواضح: ان هاشماً رحمه الله قد استشهد في حرب صفين التي سبقت واقعة كربلاء بنيف وعشرين سنة.

وان كنا نحتمل ان يكون ثمة سقط من الرواية، بحيث يكون الحاضر في كربلاء هو أحد ابنائه.. فسقط المضاف، وبقي المضاف اليه.. والاسقاط في الروايات يحصل بكثرة، ولكن قولهم ان لحربته ثمانية عشر شقاً يبقى بلا معنى مفهوم..

4- عرس القاسم (10) فانه ايضاً من الامور التي قد لا نجد لها مبرراً مقبولاً او معقولاً..

5- ان طول يوم عاشوراء (70) ساعة(11) حيث يمكن عدّ هذا الامر من هذا القسم ايضاً.

6- وقد تكون قصة ترتيب الامام السجاد عليه السلام لأحذية الحاضرين في مأتم الإمام الحسين عليه السلام  من هذا القبيل كذلك(12).

 

النتيجة:

فتلاحظ قارئي العزيز: ان عدد ما يصح اعتباره مكذوباً مما يتصل بأحداث عاشوراء، وما سبقها وما لحقها مما يرتبط بهذا الحدث العظيم.. لم يتجاوز الستة موارد، بل هو قد لا يصل اليها، ما دام ان بعضها لا يستحيل ثبوته واثباته.. اذا توفرت المرونة العلمية اللازمة لذلك..

 

القسم الثاني: ما لا مبرر لتكذيبه:

واما ما لا نجد مبرراً مقبولاً للحكم عليه بأنه مكذوب ومفتعل، سوى مجرد الاستبعاد الذي لا يستند الى دليل، أو ان دليله ضعيف ومردود، او انه يحتاج الى المزيد من التقصِّي والتتبع والشواهد والدلائل. فهو الموارد التالية:

1- ما نسب الى الشهيد المطهري من انه قال: "ليس صحيحاً بانهم لم يذوقوا طعم الماء لثلاثة أيام متوالية، كما يدعي اصحاب الاساطير".

وحجته على ذلك: انهم وان "كانوا قد مُنِعوا عن الوصول الى الشريعة، لكنهم بفضل العباس استطاعوا الوصول الى الشريعة، وجلب الماء، لا سيما ليلة العاشر من المحرم، حيث استطاعوا الاغتسال في تلك الليلة"(13).

ونقول:

أولاً: لا ندري كيف اغتسلوا في تلك الليلة، وصرفوا جميع ما عندهم من ماء، وهم يعلمون أنهم محاصرون ممنوعون من الماء؟! فلماذا لم يحسبوا لهذا الأمر أيَّ حسابٍ، وهم يعرفون أن معهم أطفالاً ونساءاً وشيوخاً؟!.  

ثانياً: قد عرفنا : ان سبب استشهاد العباس عليه السلام هو محاولته جلب الماء من الشريعة، فخرقوا قربته، وقطعوا يديه.. الى آخر ما هناك مما هو معروف ومشهور، وفي كتب التاريخ مسطور ، وقد ذكره أيضاً نفس مؤلف كتاب الملحمة في نفس الجزء والصفحة.

وواضح: انه لو كان العباس رضوان الله تعالى عليه قد بذل أية محاولة قبل ذلك الوقت لكان قد تعرض للممانعة الشديدة من قبل أربعة آلاف فارس، كان ابن سعد قد وكّلهم بالشريعة، لمنعه عن الاستقاء منها(14). ولكانت القربة خرقت، والجريمة في حقه ارتكبت.

2- دعوى قدوم السيدة زينب، ووقوعها على جسد ابي عبدالله، وهو يحتضر، وقيل: "فرمقها بطرفه، وقال لها اخوها: ارجعي الى الخيمة، فقد كسرت قلبي، وزدت كربي"(15).

ولا ندري لماذا تجعل هذه الحادثة من الوقائع الكاذبة والمحرّفة، إلا اذا كان الكاتب ومن سبقه يعتبر: ان كلام الامام عليه السلام الموجه لها يدل على انها قد أساءت في مجيئها اليه..

والحقيقة هي انه لا يدل على اكثر من انه عليه السلام قد رثى لحالها، وتألم لما يجري لها.

كما أن نفس مؤلف كتاب الملحمة الحسينية سيقول لنا: ان الامام عليه السلام كان يتعمد صنع مشاهد كربلائية دموية وغيرها، من أجل الاعلام للحركة الجهادية المباركة التي يخوضها.

3- قصة زيارة الاربعين، حيث عرج الاسرى على كربلاء في العشرين من صفر، أي بعد أربعين يوماً من الوقعة. فان هذا الامر لم يذكره إلا السيد ابن طاووس في اللهوف، ونقله من بعده ابن نما في كتابه مثير الاحزان، وقد تم تاليفه بعد وفاة ابن طاووس بأربعة وعشرين عاماً(16).

بالاضافة الى انه ليس هناك أي دليل عقلي على حصولها، وان الطريق الى المدينة لا يمر عبر كربلاء، بل يفترق عنه من الشام نفسها(17).

ونقول :

اولاً: ان اعتبار هذا الامر من جملة المكذوب والمحرف؛ لمجرد عدم وجدانه في كتب من عدا ابن طاووس، لا يدل على عدم الوجود، فلعل السيد ابن طاووس قـد نقل ذلك عن كتب لم تصل الينا..

ثانياً: ان شأن السيد ابن طاووس أجل من ان يتهم باختراع الاكاذيب..

ثالثاً: هل الحدث التاريخي يحتاج الى دليل عقلي يدل على حصوله؟

رابعاً: هل الطريق الى كربلاء الذي يفترق عن طريق المدينة من الشام هو نفسه الذي كان يسلكه اهل ذلك الزمان؟!

وهل كان هو الطريق الوحيد الذي يسلكه المسافرون الى هذين البلدين؟!.

خامساً: لقد روى الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى بسنده، عن فاطمة بنت علي صلوات الله وسلامه عليه ، نصاً يقول: "ثم إن يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين عليه السلام فحبسن، مع علي بن الحسين، في محبس لا يكنهم من حر ولا قرّ، حتى تقشرت وجوههم…إلى أن تقول: إلى أن خرج علي بن الحسين عليه السلام بالنسوة، ورد رأس الحسين إلى كربلاء"(18) وصرح البيروني – المتوفي سنة 420 هـ  – أن الرأس رد في العشرين من صفر(19). وكذا قال غيره كابن حجر(20). والقزويني المتوفي سنة 682 هـ. فالقزويني معاصر لإبن طاووس تقريباً، والبيروني متقدم عليه بحوالي250 سنة.

ومن الواضح أن الأسرى لم يبقوا في الشام إلى السنة الثانية، بل عادوا في نفس السنة، بل عن مصباح المتهجد أنهم وصلوا إلى المدينة في يوم  العشرين من صفر(21).

فكيف ينسبون إلى الشهيد أنه قال : إن أول من تحدث عن ذلك هو إبن طاوس.

4- حكاية حامل الرسالة الى الامام الحسين عليه السلام بالمدينة، حيث إنه حين مجيئه اليه صادف ان رأى خروجه الى مكة، وحوله بنو هاشم، وحولهم الرجال، والحراس، والاحصنة المزينة، المحملة بالأمتعة، وانواع الديباج والحرير(22).

ونقول :

إن كان رحمه الله قد حكم على هذه الرواية بالوضع والتحريف لجهة أن الامام عليه السلام لم يخرج معلناً، كما يفهم من هذه الرواية، وانما خرج خائفاً يترقب..

فان حديث هذا الرسول لا ينافي سرّية الخروج. لأن اجتماع بني هاشم حول الامام حين خروجه بعياله لا يمنع من كون الاجتماع سرّياً بالنسبة للهيئة الحاكمة.

وان كان حكمه عليها بذلك بسبب ذكر الديباج والحرير. فذلك لا يعني ان الامام عليه السلام قد لبس ذلك الحرير، وارتكب بذلك محرماً، بل هو لا يعني ان ذلك الديباج والحرير كان ملكاً له عليه السلام، فلعله لبعض من معه، من الرجال او النساء.

5- دعوى ان الحوراء زينب قد خرجت ليلة العاشر، فاطّلعت على اجتماعين: احدهما لبني هاشم، والآخر للاصحاب، يظهرون فيهما استعدادهم للحرب؛ فأخبرت أخاها الحسين بذلك(23).

  ولاندري لماذا يحكون على هذه القضية بأنها مكذوبة أو محرفة؟!..

6- مجيء زينب الى اخيها الحسين وهو صريع يجود بنفسه، فرمت بنفسها عليه، وهي تقول: أنت أخي، أنت رجاؤنا، أنت كهفنا، أنت حمانا(24).

ولانعلم سبب عدّهم هذه القضية ايضاً من الاكاذيب، فان الامام الحسين كان يهتم برسم المشاهد العاطفية، انسجاماً مع رسالته الاعلامية، حسبما ذكره الكتاب المنسوب الى الشهيد المطهري، والمسمى باسم: الملحمة الحسينية.

7- دعوى ان الامام عليه السلام قد دخل على ولده السجاد، بعد استشهاد أهل بيته واصحابه، وصار الامام السجاد عليه السلام يسأله عما جرى، وعن الاصحاب، فرداً فرداً، وجواب الامام عليه السلام له بأن الحرب قد وقعت، وإنه لم يبق من الرجال غيرهما.

مما يوحي بأن الامام السجاد عليه السلام لم يكن واعياً لما كان يجري(25).

وما المانع من حدوث هذه الاسئلة بهدف اظهار حجم المأساة، وتقرير وقائعها، و لغير ذلك من أهداف؟ فان ذلك لا يستدعي الحكم على الامام عليه السلام أنه كان فاقداً لوعيه.

8- دعوى عدم وجود أحد من أصحاب الامام الحسين عليه السلام ليقدم له جواده، فقامت السيدة زينب بذلك.

وكذلك الحوار الذي جرى له معها عليهما السلام(26).

والحديث عن هذه القضية ايضاً يعلم مما قدمناه في سابقاتها.

9- ان زينب اثناء وداعها لأخيها تذكرت وصية أمها بأن تقبّله عليه السلام في هذا الموقف في عنقه، فقبّلته في هذا الموضع نيابة عنها . مع ان عمر العقيلة لدى وفاة أمها الزهراء لم يكن يتجاوز الخمس سنوات(27).

ونقول:

إننا لا نرى مانعاً من ان تعي العقيلة وصية أمها، وهي في هذا السن المبكر، وهي التي شهد لها الامام السجاد عليه السلام بتميزها العظيم حين قال لها: "أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة"(28).

والطفل يتذكر اشياء كثيرة، خصوصاً ما له جهة عاطفية، فكيف اذا كان هذا الطفل هو السيدة زينب عليها السلام.

10- حكاية عدم انطلاق الفرس مع الامام الحسين عليه السلام إلا بعد وصول أحد أطفال أهل البيت، ولقائه بالحسين عليه السلام(29).

وما المانع من ذلك اذا كان الله يريد اظهار هذا الجانب العاطفي بواسطة هذه الكرامة في هذه اللحظات الحرجة.

11- قدوم ابي حمزة الثمالي الى بيت الامام السجاد، ففتحت له الجارية التي فرحت بقدومه، لأنه سيسلي الامام المضطرب، والغائب عن الوعي، فدخل على الامام وصار يواسيه. فأخبره الامام بحال الاسرى، من النساء، والأهل، والاطفال(30).

ونقول:

ما المانع من صحة هذه الرواية. وما هو السبب في اعتبارها خرافة؟! اللهم الا عبارة "المضطرب والغائب عن الوعي" التي نحتمل احتمالاً قوياً ان يكون ذلك سوء تعبير من الراوي.

كما انه قد يكون تعبيراً منها عن شدة الأسى الذي كان يظهر على الامام الى درجة انه كان لا يهتم بما تهتم به تلك الجارية، ولا يدير له بالاً..

12- حكاية حضور هشام بن الحكم لمجلس عزاء، ثم أخبر الامام الصادق عليه السلام بالأمر ، فأعلمه عليه السلام: أنه كان حاضراً في ذلك المجلس، دون أن يراه أحد. وذكر له الامام كشاهد على ذلك: ان رداءه قد وقع عن كتفه عند الباب، في حال خروجهم من ذلك المجلس. فعرف هشام صحة ذلك(31).

ولا ندري ايضاً سبب الحكم على هذه الرواية بأنها مكذوبة.. وماالمانع من صحتها فان للأئمة كرامات أعظم من ذلك.

13- "اختلاق بنات من الذرية الطاهرة، لا سيما لابي عبدالله عليه السلام، ومنهن من قالوا: إنها بقيت في المدينة، وأخرى زوجوها في كربلاء، وثالثة أماتوها من العطش تصديقاً لكلام جبرائيل… صغيرهم يميتهم العطش .. واخرى قتلت في ساحة الوغى، مثل عبدالله بن الحسن"(32).

ونقول:

ان مراجعة التواريخ التي هي في اعلى درجات الاعتبار عند هؤلاء تظهر لكل احد الى أي حد بلغت الاختلافات والاقوال المتهافتة وغير المتهافتة في مثل هذه الامور، التي يقع الرواة في الوهم والخطأ، والخلط فيها، وفيما بينها لأكثر من سبب.

كما أن الوهم والخلط قد يقع في أزمنة متأخرة عن عصر الرواة، بسبب خطأ النساخ، وما يقع من سقط وتصحيف وذهول اثناء نسخهم الكتب، وما الى ذلك.

ولو كان هذا سبباً للحكم على المؤلفين بالكذب، لم يبق لنا كتاب نعتمد عليه.

14- "قصة الطفل الذي كان لأبي عبدالله الحسين في الشام. وكيف انه أراد رؤية أبيه، فجاؤوه برأس الحسين، ومات هناك"(33). كما عن نفس المهموم.

ونقول:

لعل سبب حكمهم على هذه القضية بالكذب: انهم يعتقدون انه لم يبق للامام الحسين عليه السلام  ولد بعد واقعة عاشوراء، إلا الإمام السجاد عليه السلام.

وجوابنا: ان ذلك لا يوجب رد هذه الرواية، والحكم عليها بالاختلاق، لاحتمال وجود تحريف او اسقاط فيها، بحيث يكون الطفل المذكور ليس من اولاده عليه السلام ، بل يكون احد ابناء الشهداء من أهل بيته صلوات الله وسلامه عليه. وما أكثر ما يحصل من هذا القبيل.

15- الطفل الاسير الذي سحله (أي سحبه) أحد الفرسان بواسطة الخيل حتى خنق ومات(34).

ولا ندري ما هو المانع من ان تكون هذه القصة صحيحة ايضاً، فان الحديث فيها لا يبعد عن الحديث في سابقاتها.

16- قصة الفتاة اليهودية المشلولة التي شفيت بتزريق الطير نقطة من دم الحسين عليه السلام في بدنها(35).

17- قصة بقاء فاطمة الصغرى في المدينة، وابلاغ الطير الاخبار لها(36).

فان هاتين الحادثتين ربما يكون لهما نصيب من الصحة، حتى لو امكنت المناقشة في بعض الخصوصيات المذكورة فيهما..

18- بعض القراءات او العبارات التي ترد في المآتم، التي تظهر أهل البيت، او أصحاب الحسين يلتمسون شربة الماء بكل ذل من الاعداء(37).

وقد تقدم: ان الامام الحسين عليه السلام كان يهتم باظهار الحالة المأساوية، ومستوى الاجرام لدى اولئك المجرمين الحاقدين.

وكذلك باظهار مقامات الصبر، والتحدي، والتحمل، واليقين، والمعرفة بالله لدى اصحابه..

وهذه هي الحقيقة التي اكدها الكتاب المنسوب للشهيد المطهري نفسه حيث قال: "التكتيك الخامس كان في خلقه وايجاده لمشاهد اكثر مساعدة لايصال رسالته التبليغية. وذلك من خلال صبغ المشاهد الحساسة للمعركة بلون الدم القاني، كرمي دم الرضيع نحو السماء، وقوله عليه السلام: عند الله احتسبه، ومن ثم تخضيب وجهه ورأسه بذلك الدم، وقوله: انه يريد لقاء الله بتلك الحالة. والى جانب ذلك يمكن ذكر مشاهد عناق الامام للقاسم، ولحبيب بن مظاهر"(38).

وقد تكرر هذا المعنى اكثر من مرة في هذا الكتاب فراجع(39).

بل يقول : "ان واقعة الامام الحسين يبدو انها جاءت لتعبر عن عرض مسرحي حماسي، ونهضوي، ومأساوي، وعظي، وتبلور للعشق الإلهي، والمساواة الاسلامية، والعواطف الانسانية. وكل ذلك في اعلى أوج ممكن.. الخ..(40).

19- حديث وجود ليلى في كربلاء .. وسيأتي الحديث عن ذلك بشيء من التفصيل إن شاء الله تعالى.

 

خلاصة وبيان:

ونعود الى التذكير هنا بعدة أمور:

أولها: ان من الواضح: انه ان كان ثمة من مكذوب في حديث كربلاء، فهو الشاذ النادر جداً، والقليل الذي لم يستطيعوا رغم كل ما بذلوه من جهد وعناء ان يبلغوا به الى عدد اصابع اليدين، بل هو ربما لا يصل الى ستة موارد في قضية تزيد احداثها، وما سبقها، ولحقها مما يتصل بها على العشرات والمئات، خصوصاً فيما يرتبط بالجزئيات والتفاصيل.

وقد جاء هذا المكذوب مفضوحاً مقبوحاً، شواهد الكذب ظاهرة عليه، ظهور الشمس في رابعة النهار، ولا يكاد يخفى ذلك على ذي مسكة.

كما انه لم يدخل في ثقافة الناس، ولن يتسنى له الدخول، ولن يكون جزءاً من تاريخ عاشوراء في أي وقت.

فلا يستحق كل هذا الصخب، والضجيج، والعجيج، والتهويل، والتطويل، والتهديد والوعيد، والتحذير، والهتك، والفضيحة، والتشكيك. وما الى ذلك.

الثاني: ان هنا طائفة من الاحداث قد توهموا انها مكذوبة ومختلقة، وليس ثمة ما يشير او ما يصلح للاشارة او للدلالة على ذلك. ومجرد الدعوى، لا تصلح دليلاً على نفسها.

وما اعتقدوه شاهداً لذلك، لا يصلح شاهداً عليه، وبإمكان أي إنسان عاقل ان يلتفت الى وجه الخلل في الاستدلال به.

هذا على الرغم من اننا لا نمانع من ان تكون بعض التشويهات او التصحيفات او السقطات، او الاخطاء قد لحقت ببعض النصوص، لاسباب مختلفة، قد تكون لدى الراوي، بسبب نسيانه، او اختلاط الامور عليه. او بسبب تكرر نسخ المؤلفات وتداولها. وما الى ذلك..

ولكن ذلك لا يسقط هذا النصوص عن ان تكون ذات قيمة علمية، فان هذا الامر حاصل في مختلف المصنفات والمؤلفات، حتى في تلك التي هي في اعلا درجات الاعتبار..

الثالث: ان وجود نص يعلم بانه مكذوب او غير صحيح في كتاب مّا، لا يسقط ذلك الكتاب ولا مؤلفه عن الاعتبار، وإلا لكان اللازم إسقاط أوثق الكتب, وأعظم المؤلفين عن درجة الاعتبار، اذ ربما لا يخلو كتاب من أمثال هذه الأمور، باستثناء كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مـن خلفه..

الرابع: ان الحديث الذي يعلم أنه مكذوب، اذا وجد في كتاب فان ذلك لا يعني ان مؤلف ذلك الكتاب هو الذي اختلقه ووضعه.. ما دام ان من الممكن ان يكون قد نقله عن غيره ممن يثق بنقله، او انه وضعه في كتابه وهو يشك فيه؛ لان هدفه الاستقصاء لكل شيء، ثم ترك الحكم بالصحة والفساد للعلماء والباحثين، او لأي سبب آخر..

ولأجل ذلك، فنحن لا نوافق على ما ينسب الى الشهيد مطهري من تجريح في علماء عرفوا بالاستقامة، وبالدين، والتقوى، والورع.. من امثال الدربندي، والطريحي وغيرهما.

 

 


-1 الملحمة الحسينية ج1 ص21.

-2 راجع الملحمة الحسينية ج1 ص34 وج3 ص239 و248.

-3 المصدر السابق ج3 ص239.

-4 المصدر السابق ج1 ص21 و22 وج3 ص254 عن اللؤلؤ والمرجان ص195.

-5 المصدر السابق ج3 ص246 عن اللؤلؤ والمرجان ص92.

-6 راجع : مقتل الحسين للمقرم ص240 عن آمالي الصدوق.

-7 راجع : مقتل الحسين للمقرم ص239 و240 متناً وهامشاً.

-8 الملحمة الحسينية ج3 ص254 عن اللؤلؤ والمرجان ص195.

-9 الملحمة الحسينية ج3 ص236 و247 و239. وراجع ج1 ص21 وعن اللؤلؤ والمرجان ص163.

-10 راجع : المصدر السابق ج1 ص20 و42 ج3 ص239 و254 عن اللؤلؤ والمرجان ص193.

-11 الملحمة الحسينية ج3 ص248 وراجع: ص239 عن اللؤلؤ والمرجان ص168.

-12 الملحمة الحسينية ج3 ص252.

-13 الملحمة الحسينية ج1 ص48.

-14 راجع الملحمة الحسينية ج1 ص48.

-15 الملحمة الحسينية ج3 ص246 عن كتاب اللؤلؤ والمرجان للنوري ص92.

-16 الملحمة الحسينية ج3 ص246 عن اللؤلؤ والمرجان ص142.

-17 الملحمة الحسينية ج1 ص22 وراجع ج3 ص239.

-18 أمالي الشيخ الصدوق ص 142 وروضة الواعظين ص54 .

-19 الآثار الباقية ج1 ص331 وعجائب المخلوقات للقزويني ج1ص115.

-20 روي ذلك عن ابن حجر. راجع زيارة الأربعين لكمال زهر ص 42.

-21 اقبال الأعمال ص 589.

-22 الملحمة الحسينية ج3 ص249 عن اللؤلؤ والمرجان ص175

-23 الملحمة الحسينية ج3 ص250 عن اللؤلؤ والمرجان ص177.

-24 الملحمة الحسينية ج3 ص251 عن اللؤلؤ والمرجان ص179.

-25 الملحمة الحسينية ج1 ص46 وج3 ص250 و251 عن اللؤلؤ والمرجان ص178.

-26 المصدر السابق عنه.

-27 المصدر السابق عنه.

-28 الاحتجاج ج1 ص114 ومقتل الحسين للمقرم ص388 والبحار ج45 ص164.

-29 الملحمة الحسينية ج3 ص250 و251 عن اللؤلؤ والمرجان ص178.

-30 الملحمة الحسينية ج3 ص251 عن اللؤلؤ والمرجان ص179.

-31 المصدر السابق ج3 ص251 و252 عنه.

-32 المصدر السابق ج3 ص256 عن اللؤلؤ والمرجان ص202.

-33 الملحمة الحسينية ج3 ص239

-34 المصدر السابق ج3 ص240.

-35 الملحمة الحسينية ج3 ص239.

-36 المصدر السابق.

-37 الملحمة الحسينية ج3 ص240.

-38 الملحمة الحسينية ج3 ص314.

-39 الملحمة الحسينية ج3 ص315 و316.

-40 الملحمة الحسينية ج3 ص317.