المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد اعتاد الباحث في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أن يجد إشاراتهم ومعطياتهم في كافة مجالات الحياة سواء العلمية منها أو غير العلمية ، فلا بد أن يكون هناك توضيح لطالب العلم وللمتحير في كيفية النهج الواجب اتخاذه لبلوغ الحق والرسوّ في شاطئ اليقين. ومن هنا يتسائل الباحث عما اوضحته لنا مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في المنهج الإعلامي وكيف لنا أن نستقي المعرفة منها في هذا المجال؟ والمتتبع لتاريخ أهل البيت (عليهم السلام) يستطيع أن يجد الاشارات الاعلامية واضحة بينة ، ولعل من أوضحها سلاح البكاء الذي استخدمته الزهراء (عليها السلام) ليكون رسالة إعلامية واضحة وصريحة الدلالة على سلب الحقوق وصرخة مدوية بوجه الظالمين ، وان هذا السلاح هو نفسه الذي استخدمه الإمام زين العابدين(1) (عليه السلام) أمام الطغيان الاموي ، فنحن نرى أحاديث أهل البيت العديدة في الحث على البكاء والتباكي وما هي في الحقيقة إلا دعوة صريحة لإستخدام هذا السلاح بوجه الطغاة والمتجبرين في كل زمان ومكان. والغريب أننا نرى اليوم بعض الدعوات والنداءات على ترك هذا السلاح الذي حث عليه أهل البيت (عليهم السلام) في المناسبة تلو الأخرى ، ونرى أصحاب هذه الدعوات أنفسهم يتقبلون أساليب الإعلام الغربية بكل رحابة صدر ، في حين إنك ترى الغربيين يستخدمون للدلالة على الاحتجاج من وقوع ظلم معين الاعتصام مثلا، وهو إن تأملت فيه تجده يقع في سياق البكاء للدلالة على الظلم بل هما من قبيل وجهين لعملة واحدة تصب في مقام إيقاع الألم على النفس للدلالة على إنها تتعرض لألم أكبر هو الظلم ، وعندما يقع الاعتصام من أحد الأشخاص ترى الدنيا تقوم وتقعد لما يشير إليه الاعتصام من دلالة واضحة على سوء الإدارة المعنية ، وإنها مارست الظلم بحق الشخص المعتصم ، وهذا ما نتلمسه كذلك من سلاح البكاء ، الذي هو من الأمور الفطرية التي جعلها المولى عز وجل من طبيعة الجنس البشري ، وأنه عند تعرضه للألم يبكي ، والألم تارة يكون مادياً وأخرى يكون معنوياً ، فالإنسان عندما يتعرض لفقد عزيز أو يهضم حقه تراه يبكي بطبيعة الفطرة التي جعلها الله عز وجل فيه ، وهذا الألم المعنوي ، وأما المادي فهو ما يتعرض له من حوادث تؤدي إلى تلف في جسمه من كسر أو جرح أو قرح وغيرها ، وبنفس الفطرة تراه يبكي عند التعرض لمثل هذه الحوادث. ويتحول البكاء رمزاً ومتنفساً عندما يكون الألم - معنويا كان او ماديا-ً من الشدة بمكان. وفي إطار تبيين فلسفة الشعائر الحسينية لابد لنا أن نعلم إن الشعائر الحسينية هي رمز من رموز الاحتجاج الواضحة في وجه الظلم الذي وقع على أهل البيت (عليهم السلام) ، ونرجو ان يكون لهذا العمل المتواضع ثقلاً في الميزان ، وأن يهدي إلى الحق ، كما وارجو من جميع اخوتي في الايمان أن يعفوا ويصفحوا عن العثرات والزلات ، وأن لا ينسونا من الدعاء بالتوفيق لكي نكون جميعاً من انصار سيدة نساء العالمين ، المواسين لها في مصابها الجلل بما جرى عليها وعلى آل البيت (عليهم السلام)(2).
|
(1) قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) البكاءون خمسة آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين (عليهم السلام) فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له (تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين) وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا له إما أن تبكي بالليل وتسكت بالنهار وإما أن تبكي بالنهار وتسكت بالليل فصالحهم على واحدة منهما وأما فاطمة فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى تأذى به أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتينا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف وأما علي بن الحسين فبكى على الحسين (عليه السلام) عشرين سنة أو أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين قال : إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة لي . بحار الانوار43/155/باب7 . (2) عن ابي بصير قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) أحدثه فدخل عليه ابنهُ فقال له مرحباً وضمّه وقبّله وقال حقّر الله من حقّركم وانتقم الله ممن وتركم وخذل الله من خذلكم ولعن الله من قتلكم وكان الله لكم ولياً وحافظاً وناصراً فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء ثم بكى وقال يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين (عليه السلام) أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وآلهم ، يا أبا بصير إن فاطمة (عليها السلام) لتبكيه وتشهق ، فتزفر جهنم زفرة لولا أنّ الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدّوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق إلى أن قال : فلا تزال الملائكة مشفقين يبكون لبكائها ويدعون الله ويتضرعون إليه إلى أن قال قلت : جعلت فداك إن هذا الأمر عظيم قال غيره أعظم منه ما لم تسمعه ثم قال : يا ابا بصير أما تحبُّ أن تكون فيمن يُسعد فاطمة (عليها السلام) فبكيت حين قالها فما قدرت على المنطق وما قدرت على كلامي من البكاء . مستدرك الوسائل 10/314-315 . وقال الإمام الصادق (عليه السلام) لزرارة : وما عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه – الإمام الحسين (عليه السلام) – وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه و وصل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأدّى حقّنا وما من عبد يحشر إلا وعيناه باكيةٌ إلا الباكين على جدي الحسين (عليه السلام) تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون سوء يوم الحساب . مستدرك الوسائل 10/314 . |