سؤال : هل كان أبو الفضل العباس ناسيا لعطش الحسين عليه السلام عندما اقتحم نهر الفرات ، ( فتذكر ) عطش الحسين عليه السلام لما أراد الشرب ؟ و ألم يكن المناسب أن يشرب الماء لكي يتقوى على قتال الأعداء ؟ أو كان يجب عليه الشرب لكي يحافظ على نفسه من الهلاك ؟
الجواب: أصل الخبر هو ما ورد في مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي(1) كما نقل : (.. فقال له الحسين ( ع ) . ان عزمت فاستسق لنا ماءا ، فاخذ قربته وحمل على القوم حتى ملأ القربة قالوا واغترف من الماء غرفة ثم ذكر عطش الحسين ( ع ) فرمى بها وقال : يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت ان تكوني هذا الحسين وارد المنــون وتشربين بارد المعــين(2) هذا هو المصدر الرئيس للخبر ، وقد ذكره في البحار بعنوان في بعض تأليفات اصحابنا . الموجود هو وصف المؤرخين لحالة أبي الفضل العباس وهو ليس سوى وصف ظاهري ، للواقعة من دون أن يعلم الراوي عما كان يعتلج في نفس العباس حينئذ .كما أنه لم يرد ذلك في نص روائي معتبر عن المعصوم حتى يفيدنا علما بالموضوع . يضاف إلى ذلك أن الذكر حينئذ لا يلزم منه الغفلة قبله . خصوصا وأن للذكر مراتب تتفاوت شدة وضعفا . كما أنه يمكن على فرض صحة الوصف وكشفه عن حالة أبي الفضل سلام الله عليه ، أن يقال بأن العباس الذي قد قدم لتوه من عمل عسكري ضخم حيث اخترق الصفوف حتى وصل إلى المشرعة وأزال عنها أربعة آلاف فارس ـ كما نقلوا ـ على رأسهم عمرو بن الحجاج الزبيدي ونزل إلى شاطيء الفرات ، وهنا قد يكون الأمر على نحو الحركة اللاشعورية التي تحدث للظاميء والعطشان عندما يرى الماء فإنه يسارع إليه ، في رد فعل سريع لرؤيته ، ويملأ كفه ، لكن مع أدنى توجه إلى تلك الحركة اللاشعورية ، يقوم أبو الفضل بسكب الماء مرة أخرى ويمتنع عن الشرب . ويا بعد ما بين الشطر الأول والشطر الثاني من السؤال ، فإن الأول يستكثر على أبي الفضل تلك الحركة اللاشعورية للظاميء بينما يطالبه الشطر الثاني بأن يشرب الماء وأن يلتذ به !! والجواب عليه : أما حكاية المحافظة على النفس ، والنجاة من الموت ، فلم يعلم أن أبا الفضل عليه السلام كان قد بلغ به العطش مبلغا يؤدي إلى إنهاء حياته حتى يجب المحافظة عليها بشرب الماء ، وذلك أننا رأيناه يقاتل بعد ذلك قتال الأبطال لفترة غير قصيرة ، ومن حاله هكذا لم يكن ليهلكه العطش . وأما أنه لماذا لم يشرب حتى يتقوى على قتال الأعداء ، فإضافة إلى الجواب السابق ، نقول هؤلاء قوم ليس مشروعهم في الحياة ، البقاء , وإنما مشروعهم تقديم النموذج الايماني والأخلاقي العالي . حتى تأتي الأجيال (3)وتقتدي بهم في إيمانها ، وصمودها ، ودفاعها . وإلا فما قيمة شربة ماء لن تقدم أو تؤخر في الصورة النهائية للمعركة ؟ إنما قيمة الامتناع عنها هي التي تؤسس معنى في الإيثار ، والأخوة لم يسبق له نظير . إن الموقف الذي يطالب السائل هو الموقف الذي يلتزم به أكثر الناس ، في هذه المواقف حيث لا يقدّمون في مضمار سباق القيم ، والحاجات الشخصية إلا الثانية . لكن أهل البيت عليهم السلام ومن تأثر بهم يريدون أن يرفعوا الانسان إلى سماء أخرى ، ذات آفاق أرحب . لا سيما في كيفية العلاقة مع الأئمة والقادة .
|
1 - العجيب أن القندوزي في ينابيع المودة ج 3 قد نقل الحادثة عن أبي مخنف كما يفترض لكن مع شيء من التغيير ، أنهم حفروا بئرا ، فصادفتهم صخرة ثم أخرى فصادفتهم صخرة أخرى كذلك ، فقال لأخيه امض قال له : " امض الى الفرات وآتينا الماء " ، فقال : " سمعا وطاعة " ، فضم إليه الرجال ، فمنعهم جيش عمر بن سعد ، فحمل عليهم العباس فقتل رجالا من الاعداء حتى كشفهم عن المشرعة ، ودفعهم عنها ، ونزل فملا القربة ، وأخذ غرفة من الماء ليشرب فذكر عطش الحسين وأهل بيته فنفض الماء من يده وقال : " والله لا أذوق الماء وأطفاله عطاش والحسين " وأنشأ يقول ... إلخ .. يقول ضم إليه الرجال مع أنه في هذه الحملة لم يكن مع الحسين غير أبي الفضل كما تذكر الروايات التاريخية ، ولعل القندوزي اشتبه عليه الأمر بين الحملة الأولى التي تمت في اليوم السابع حيث كان مع العباس عدد من الرجال وانتهت بأن جلبوا الماء للمخيم ،وبين الثانية التي كان فيها وحده واستشهد على إثرها . 2 - مقتل الحسين (ع)- أبو مخنف الازدي ص 179 3 - إننا نجد حتى الذين يقفون في طرف المنافسة أو العداء ، لا يملكون أنفسهم من الاعجاب بمواقف أهل البيت في كربلاء ، فهذا مصعب بن الزبير ، كما قيل لما أراد قتال عبد الملك بن مروان ، بلغ الحائر فوقف على قبر الحسين فقال : يا أبا عبد الله أما والله لئن كنت غصبت نفسك ما غصبت دينك ، ثم قال : وإن الألى بالطف من آل هــاشم تآسوا فسنوا للكرام التأسيــا |