الصفحة 275
15 ـ للشاعر الشيخ عبدالله آل عمران (1)
الليلة الخالدة
خـيم الـليل والـذوي iiصقيع وسـجـود وشـاحه iiوركـوع
وجه السبط محور القلب iiيدعو بـالعبادات قـدر مـا iiيستطيع
ودعـا الله سـيد الـكون iiيرنو أن يـطيل الـظلام رب iiسميع
خـيم الـليل فـالعبادة iiوهـج يـتمنى أن لا يضيء iiالصديع
لا لأن الـرحيل صـعب ولكن عـسق الـنسك فالفراق iiمروع
حـيث لـو خيروه بين iiجنان أو رجـوع لها لقال : الرجوع
***
قال ياصاحب إننا سوف نمضي لـلمنايا ولـيس مـنها iiمـنيع
فـانظروا كيف نصنعون iiفكل في اختيار إذا عصى أو iiيطيع
فـتـلقوه بـالصمود iiونـادوا يـاابن بنت النبي نحن iiالدروع
____________
(1) هو : الشاعر الشيخ عبدالله بن أحمد بن مهدي آل عمران ، ولد سنة 1390 هـ في
جزيرة تاروت ـ القطيف ، أكمل دراسته الأكاديمة ، وحاز على شهادة البكالوريوس في
العلوم الأدارية من جامعة الرياض ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والثقافية
الدينية.
الصفحة 276
فامض : فينا فان أرواحنا تف ديـك حـتى يـسيل النجيع
قـال : قد هوّم الظلام iiفهبوا نـحو إحـيائه فلبى iiالجميع
فـهم بـين قاريء iiومصلي في اشتياق وقد براهم خضوع
هـكذا كـان ليلهم في iiوداع ولـذا ما غشي العيون هجوع
***
هـا هـنا فرقتان فالسبط iiوالآ ل وسـربالها التقى iiوالخشوع
وبـنو الـحقد والـنفاق iiوتبدو فـي نفوس وقد غشاها iiالخنوع
هـذه أنفس من القدس iiصيغت ونـفوس الأعداد بناها iiوضيع
وهـنا الـعز والـبسالة iiروحا وهـم سـاقهم جـبان iiجزوع
وهـنا عـفة وصـدق iiوحـلم وهـناك الـدها وغـدر iiفظيع
وهـنا لـلفداء عـنوان iiحـق وهـناك فـين الـقذارات iiريع
وهـنا العطف والحنان تسامي وهـم مـا نجى لديهم iiرضيع
وهـنا تزدهي الصراحة iiشمسا وهــم خـادع لـه iiمـخدوع
هذه صفحة من الطهر iiصيغت وعـلى تـلكم الهوى iiوالميوع
واشـترى الله أنـفسا طاهرات لا تـحـابي بـمبدإ أو iiتـبيع
هـاهم الصحب بالوفاء iiتسموا فـمجال الـوفاء قـطعا iiوسيع
***
الصفحة 277
قد بدا الحقد في ابن سعد iiفجرما قـد أتـاه فـساء مـنه iiصنيع
اسخطوا الوحي والسماء عليهم إن حـرب الحسين جرم iiشنيع
لـيس حربا لشخصه بل iiلروح هـي لـلدين أصـله iiوالفروع
فـغذا هـذه الـشموع iiستدوي ذاك فوق الصعيد مرمى iiصريع
وعـزيز بـكت عليه iiالثكالى خـضبوه فـسال مـنه iiالنجيع
ونـساء يـصحن إنا iiعطاشى وأبـو الـفضل لـليدين iiقطيع
وغـدا تـندب الـيتامى iiلقتلي صحن قد (قوض العماد الرفيع)
إنـما هـذه الـضحايا iiستبقى وسـتهدي الأنام هذي iiالشموع
وسـيبقى الـحسين يجري iiبدم فـي عـروقي فبالعبير iiيضوع
ويـهيم الـفؤاد فـي iiتـلبيات كـلـما مـرّ ذكـرُهُ iiويـميع
لـيلة الـسبط خلدت دين iiطه حـيث لـولاه دين طه iiيضيع
عبد الله أحمد آل عمران
20 / 11 / 1416 هـ
الصفحة 278
الشيخ عبدالله آل عمران
القصيدة محاولة جادة بالأدوات الشعرية التوصيل رؤى الشاعر وتصوراته الخاصة عن ليلة
عاشوراء ، وبطريقة تجريبية اختار الشاعر مساحة عريضة للتعبير ليفحص طول نفسه الشعري
مع بحر مركّب التفعيلات متداخل الإيقاع هو بحر الخفيف وكذلك مع قافية صعبة المنال
وعسرة الروي هي قافية حرف العين.
إن على الشاعر المتصدي لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام أن ينتبه ألى أنه يطرح
شعره أمام متلقين منصهرين النصوص ، فهم يتلون آيات القرآن الكريم في الصلاة وغيرها
، ويزورون الأئمة عليهم السلام بنص ، ويقرآون أدعيتهم بنص أيضاً ، مما يجعل مساحة
تعاملهم مع النصوص مساحة عريضة ، ودرجة تلقيهم عالية التوتر ، فيجب الإلتفات الى
القابلية المتحصلة لديهم لغرض تحقيق التوصيل الحامل للمتطلبات الفنية والأدبية
والجمالية.
ونخلص الى أن آل عمران مع حمله للبذرة الساحرة المسحورة التي تمكنه من الثبات
والتفوق في الساحة الشعرية فقد حاول التعبير عن أحداث الليلة لاجئاً الى التطابق
الواقعي مع التفاصيل دون التطابق الفني فامبد نصه حين شرح التقابل بين المعسكرين
لينتهي بعلاقته الشخصية بالإمام الحسين عليه السلام ويقرر في النهاية قراراً
نهائياً عن ليلة عاشوراء قائلاً :
لـيلة الـسبط خـلدت ديـن iiطه حـيث لـولاه ديـن طه iiيضيع
الصفحة 279
16 ـ للشيخ عبدالله العوى القطيفي
(1)
منازل كربلاء
فـمضى يخبر صحبه عما جرى ويـبين لـلأمر الـمهول iiالأكبر
هذي الطفوف وذي منازل iiكربلا أفـما تـرون لـسابقي لم iiيجسر
قـد قـال جـدي إنـها iiأوطاننا وبـها تـسيل دمـاؤنا iiكـالأبحر
وبـها تـسام الخسف نسوة iiأحمد وبـها تـصيب الدين طعنة iiأكفر
لـكنكم فـي الـحل مني فارحلوا مـن قـبل ابلاج الصباح iiالمسفر
قـالوا لـه انـت الصباح وسيره فـيه الـصلاح لـعاقل iiمستبصر
مـاذا نـقول إذا أتـينا iiأحـمداً وأبـاك والـزهراء عـند iiالكوثر
تـفديك يـا نفس الرسول iiنفوسنا وأقـل شـيء أن تراق بمحضر
فاصدع بأمرك تحظ قصدك عاجلا وتـر الصحيح من القتال iiالأكبر
لـلـه در نـفوسهم لـما iiعـلوا فـوق السوابق والخيول iiالضمر
فـكانهم فـوق الـخيول iiكواكب تـسمو عـلى مريخها iiوالمشتري
وكـأن خـليهم نـجوم قد iiهوت رجـما لـشيطان وكـل iiمـكفر
لـم يـحسبوا رشـق النبال iiأذية كـلا ولا طـعن الـرماح بمذعر
ولـكم أبـادوا مـن عصاة iiذادة لـبسوا الـدروع واقبلوا iiكالأنسر
حـتى قضوا ما بين مشتبك iiالقنا وبـقي حسين مفردا لم iiينصر(2)
____________
(1) هو المرحوم الشيخ عبدالله بن الشيخ علي بن محمد بن علي بن درويش القطيفي
المشهرو بالعوى ، أحد أعلام القرن الثالث الهجري توفي سنة 1210 هـ.
(2) محرك الأشجان : للحاج احمد العوى : ص558.
الصفحة 280
15 ـ للشيخ عبد الكريم آل زرع(1)
العبق الفواح
ألـيلة عـاشوراء يـا حـلكاً iiشَبَّا حـنينك أدرى مـن نهارك ما iiخبّا
ومـا خـبّأ الآتي صهاريج iiأدهُرٍ بـساعَاتِه قـد صبّ صاليَها iiصبّا
بـساعات ليلٍ صرَّم الوجدُ iiحينها يُـناغي بـها الولهان معشوقه iiحُبّا
يُقضِّي بها صحبُ الحسين iiدجاهُمُ دَويّـاً كمن يُحصي بجارحة iiتعبى
لـقد بـيّتوا فـي خاطر الخلدِ iiنيةً أضـاءت دُجى التاريخ نافثةً iiشُهباً
وقد قايضوا الأرواح بالخلد iiوالظما بـرشف فرندٍ يحتسون به الصَّهبا
فـواعظمهم أنـصار حَقِّ iiتوغلوا إلى حِمِم الهيجاءِ واستنزفوا الصعبا
فـأكبْر بـهم عزّاً وأكرمْ بهم iiتُقىً وأعظمْ بهم شُوساً وأنعمْ بهم iiصحبا
بـهم ظـمأٌ لـو بـالجبال iiلهدَّها ولـو بـالصّخور الصُمِّ فتّتها iiتُربا
عـزائمُهمْ لو رامت الشمسَ iiبُلِّغت ولـو رامت الأفلاك كانت لها iiتربا
وأعـيُنُهمْ لا يَـسبر الفكرُ iiغورَها شُـرودٌ بـها قد حَيَّر الفِكرَ iiواللبا
____________
(1) هو : الشاعر الشيخ عبد الكريم بن مبارك آل زرع ، ولد في تاروت ـ القطيف سنة
1381 هـ ، يعمل حالياً في شركة ارامكو ، ولا يزال أيضاً يواصل دراسته الحوزوية في
القطيف ، ومن نتاجه الأدبي القيّم ديوان شعر ( مخطوط ) أكثره في أهل البيت عليهم
السلام ، وهو أحد النشطين بالمشاركة في النوداي الأدبية والدينية.
الصفحة 281
تُـراعي بـأشباح الـظلام iiعُيونُهم حـريماً وأطـفالاً مُـرَوَّعَةً iiسغبى
حـريماً وأطـفالاً بـراهُنَّ iiغـائلٌ مـن الـوجَل المحتوم مُنقَدحاً كربا
عـلى وجـلٍ يخفقنَ من كلِّ iiهمسةٍ يُنمنْمُ هولُ الخطبِ في عينِها iiعَضبا
خـيامٌ عـليها خـيَّم الـوجدُ iiناحِلاً وَجَـلّى عَـليّهَا الـغمُّ بالهمِّ مُنصَبَّا
بـنفسِيَ آلُ المصطفى أَحدَقتْ iiبهم ضُروبُ الرزايا حَزَّبتْ حَولهمُ iiحِزبا
تـدور عـليهم بـالشجى iiفـكأنّهم بـفطرتهم كـانوا لـجمرتها قُـطبا
ألا لـيتني حـيث الـتمني iiعـبادةٌ لمن ليس في عينيه غير المنى iiدربا
خـباءٌ بـه الـنيران كفٌ iiتقطّعت وصـدرٌ غدا للخيل مضمارها iiنهبا
وقـلب تـفرّى بـالظَّما وجـوارحٌ تُـوزَّعُ بـالأسياف مَـحمرةً iiإربـا
بـنفسي أبو الأحرار ما ذاق iiجُرعةً لـيجرع كـأس الـعزِّ مُترعةً iiنخبا
ألا لـيت لـي لثم الضريح iiورشفهُ مـن الـعبق الـفوَّاح ألـثمُه iiعبّا
وأهـتف يـا مـولايَ جئتك iiدمعةً نشيداً ، جراحاً ، دامياً ، ولِهاً ، صَبَّا
ألا لـيتني بـين الـسيوفِ iiفريسةً لإيـقاعها غـنَّت جوارحيَ iiالتعبى
أقـي قـلبك الـصادي بقلبٍ iiأذابَهُ نـوى هجرك الممتدِّ يا سيدي iiحقبا
اُفـدِّيك إجـلالاً وأنـشدُك iiالـحُبّا أتُـحرمُ عذبَ الوِرد يا مورداً iiعذبا
ويا عنصر الألطاف من روح أحمد بـأوردة الـدنيا يُـكلّلها iiالـخصبا
ويـا عـبقا من رحمة الوحي iiفاتحاً تَـنشَّقَ مـنه الماحلُ النسمَ iiالرطبا
ويـا قـبسا فـي العين يُثقلها iiرؤى تـفرَّسُ بـالايمان تـخترقُ iiالحُجبا
ويُـكحلها الـتقوى حـياءً iiوعـفّة ويـسكبُ فيها من هواه المدى iiسكبا
فـأنت الذي في العين يُذكي iiسناءَها فـتحلوا إذا تـرنو أو اثّاقلت iiهدبا
الصفحة 282
لأن مـراسـيها هـواكـم iiونـورُكم وإكـسيرُها فـيضُ المودة في iiالقربى
أفـدِّيك يـا من الهبَ الشمسَ iiوالسما نـجيعاً فـذابا فـي قـداستهِ iiذوبـا
عـلـى أنّ مُـحمرّ الـسماءِ iiتـألَّقٌ لـتُزجي به من فيضك الشرق والغربا
أفـديك يـا فـرع الـرسالة يا iiهوى لأحـمد فـي الآفـاق يـملؤها iiحُـبّا
ويـا مـبسماً يـحكي شـفاهَ iiمُـحمدٍ وريـاه مـا قـلت ولا عطرُها iiأكبى
عـلـيه ولا أدري أتـقـبيل iiعـودةٍ بـها شـغفٌ أم رام يـوسعه ضـربا
ويـا كـبدا حـرى تفرَّت من iiالظما وفـيها الـفراتُ انساب سائغهُ iiشُربا
ويـا صـارما لـولا الـحنانُ iiأعاقه لَـقَـدَّ الـدنى قَـدّاً وقَـطَّعهَا إربـا
بـمهجته الـغيرى وان نـزَّ iiجُرحُها يـرصُّ مـعاني الـمجد مـملوءةً iiلبا
ويـا صـامداً ما زعزعتْ من iiكيانه صـنوفُ الردى بل لم تحرَّك له iiهدبا
ويـا مـقلة مـا زال يعصرها iiالأسى لـترويْ بـقايا الآهِ والـدمَ iiوالـجدبا
بـكـت قـاتليها والـذين iiتَـجمَّعُوا لـثاراتِ بـدرً ضـدَّه اجـتمعوا iiإلبا
رأت روحُـك الاسلامَ جرحاً فلم iiتطقْ هـواناً وصـبراً فاعتلتْ تُعلنُ iiالحربا
وتـلثمُ صـابَ الدهرِ جذلى ولا iiترى جـراحاً تـنزُّ الآه قـد ذربـت iiذربا
وسالت على جرح الهدى اعتصمتْ به وصـبَّت حـياة القدس في فمه iiصبّا
اُفـدِّيك يـا مـن قـبَّل السيفُ iiنَحرَه فـفاض وأضفى وانثنى يكرَهُ iiالنصبا
ويـا واحـدا لا نِـدَّ شـاركَهُ iiالمدى وَوهْـجَ الـجهادِ الـحرِّ والدمَ iiوالدربا
اُنـبِّـيكَ مـا زال الـزمانُ iiمـردداً صـداكَ ملأتَ البحرَ والأُفقَ iiوالرحبا
وأنَّ سـياجاً مـن دمـاك iiوجـمرِها وأحـمـرِها مـا زالَ مـتقَّداً iiشـهبا
يـحيطُ الـطواغيتَ الـلئام iiبـلفحِهِ فـيصبُغُهمْ ذعـرا ويـملؤهم iiرعـبا
الصفحة 283
إلـى الان وقعُ اسم الحسين بسمعِهمْ وأحـرفِهِ ما زالَ مستصعباً iiصعبا
تـصارعُ أحـقابُ الدهورِ ونفسها عـلى ان تـرى نـدّاً يجدده iiوثبا
يـعيد لـميدان الـجهاد iiومـيضَه ويُذكى أواراً من سوى فيك ما iiشَبّا
ويـوقظُ افـكاراً عليها من iiالونى تـراكمُ أحـقابٍ مـخثرةٍ iiحـجباً
ويـروي بـسلسالِ الـنجيعِ iiعقيدةً بغيرِ دماكَ الطهرِ لم تعرفِ الخصبا
ويـصنعُ يا مولاي ما كنتَ iiصانعاً ويـهمي عـلينا من بسالتِه iiصوبا
ولـكنه الـدهرُ الـذي عَقمتْ iiبه لـياليهِ أن تـأتي بمثلكَ أو iiتُحبى
ولـو رام نِـدّاً لاسـتشاركَ iiعنوةً لأنَّـك أولـى مَـنْ يخطّطُه iiلحبا
وأدرى بـه عـلماً وأجلى به رؤىً ولـكـنه يـأبى وإنـك لا iiتـأبى
لـقد خسر الدهرُ الرهانَ فلم iiيطق مـحالٌ عـليه اليوم ان كرر iiالذنبا
وقـد صـدَقَ الـحُسادُ أنَّ iiيزيدَهم تـكرر فـي الأزمان ممتلئا iiعُجبا
ونـحن نـقولُ السبطُ ما زال iiباقياً هـو السبطُ لا قولَ افتراءٍ ولا iiكذبا
عبد الكريم آل زرع
28 / 10 / 1416 هـ
تاروت ـ القطيف
الصفحة 284
الشيخ عبدالكريم آل زرع
الشاعر آل زرع يختبر طاقاته التعبيريه والتوصيلية إختباراً مطوّلاً مع بحر عصيّ
وقافية غير مطواعة عاصت جهده ودأبه في أكثر من موضع ، فتراكيبه وأبنيته تُظهره لنا
صائغاً يحاول أن يتفرّد في استخدامه للألفاظ والعبارات ، فيرفع عن كفيه أصابع
الآخرين حين الكتابة ، وهذه المحاولة جادّة وظاهرة عنده فقصيدته لها شخصية متميزه
لعلها لا تُحاكي أحداً ولا تُصغي لقول الآخرين الشعري بحيث تبدو بصمات الغير على
قماش القصيدة أو إطارها ، وأمام آل زرع مهمة شاقّة لأن قصيدته طرق متأنٍّ على حجر
صلد يحاول الشاعر أن يقنعنا أنه قد شكّل أو كوّن مايمكن معرفته ، لكنّي أقول إنه
متعجّل في التعامل مع مادّته الشعرية ، فهو يطهو على نار هادئة لكنّه يُنزل قدره
قبل النضج بفترة وجيزة ـ إن صحّ التشبيه ـ وهذا واضح عند تأمّل أبياته فهو صاحب بيت
شعري متماسك الصدر دائماً لكنه يتعب في عجز البيت غالباً فيصل القافية منهكاً ،
فنلاحظ هذا الصدر المتجاوز للمألوف بصياغته المتفرّدة
يقضّي بها صحبُ الحسينِ دُجاهمُ...دوياً.....
فما أجمل هذه المحاذاة الناقلة لحالة ( دويّ النحل ) لكن آل زرع تعجّل بإلصاق عبارة
تشبيهية تُضر بجمال ما تقدّم وهي عبارة ( كمن يحصي بجارحة تعبى ) فما علاقة الإحصاء
بالجارحة التعبى بحالة العبادة والخشوع التي يؤدّيها الأصحاب في اُفق الإنتظار ،
ونلاحظ أيضاً هذا البيت :
الصفحة 285
وقد قايضوا الارواح بالخلد والظما برشف فِرَنْدٍ.....
فينتقل من الرشف وهو شرب على رقة للسوائل من المشروبات الى الاحتساء الذي هو شرب
أيضا ولكنّه للأغذية الصلبة التي اُسيلت فتشرب حارة عادةً ، فدخل البيت الى منطقة
القلق في المعاني بعبارة ( يحتسون بها الصهبا ) فكان الجمال في التصور والتأمل لكنّ
الألفاظ خانت التعبير.
وكذلك الحال في أكثر من موضع حيث تنقلب الأعجاز على الصدور الجميلة فتخنقها فمثلاً
:
على وجلٍ يخفقن من كلِ همسةٍ....
فأنت الذي في العين يُذكي سناءها.....
ويا مبسماً يحكي شفاه محمد.....
من أين تأتّى لهذا الغرّيد الفذّ أن يكبو هذه الكبوة ؟
في نظري أن آل زرع إختار أن يتحدّى قالباً شعرياً من أعسر القوالب في إختياره بحر
الطويل التام وفي إختياره لحرف الباء المفتوح كرويّ لقصيدته ، فبحر الطويل التام
أطول بحور الشعر العربي قاطبة وخصوصاً في الأعجاز التي يستمر الشاعر في النظم عليها
الى نهاية القصيدة ، فعلى الشاعر أن يحشو فيه بكثرة لكي يصل الى آخره ، فلم يستطع
الافذاذ من شعراء العربية أن يكتبوا به نتاجهم الأفضل منذ إمريء القيس في :
ألا أنعم صباحاً أيها الطلل البـــالي * وهل ينعمن من كان في العصر الخالي؟
وهذا الحكم سائر على القصيدة العربية المنظومة به كقاعدة قابلة للإستثناء.
وإذا أضفنا أن آل زرع إختار حرف الباء المفتوح كرويّ لقافيته فستزداد
الصفحة 286
الصعوبة ويتعسّر الطلب ، وللشاهد سنذكر قصيدتين كانتا على بحر الطويل التام وزناً
وعلى حرف الباء المفتوح رويّاً لنثبت ـ على سبيل المثال ـ ما قدمنا.
القصيدة الاولى للسيد حيدر الحلي ومطلعها :
لحى الله دهراً لو يميل الى العتبى * لأوسعت بعد اليوم مسمعه عتبا
والقصيدة الثانية للسيد مصطفى جمال الدين بعنوان ( معلم الأمة ) والتي مطلعها :
جذورك في بغداد ضامئة سغبى * وظلك في طهران يحتضن العربا
فالمتتبع لنتاج الشاعرين يرى بوضوح أن هاتين القصيدتين ليستا من جيد شعرهما مما
يؤكّد ما ذهبنا اليه في أن الشاعر عبد الكريم آل زرع ركب المركب الصعب.
وعلى قسوة هذه الملاحظات فإنها تشد على يد الشاعر بإخلاص للتأني وعدم العجلة فإن في
قصيدته المزيد من الموفقية ولعلي أختم بإبداء إعجابي بأكثر أبيات القصيدة توفيقاً
وهو :
لان مراسيها هواكم ونوركم * واكسيرها فيض المدوة في القربي
|