ليْلَةُ عاشُورَاءْ

 
    

الصفحة 236

المعجمي المحدود ، وكأن الصحيّح إنتشلها من نسقها القديم ونظّفها من أغبرة الإستخدام المألوف وركّب لها جناحين لتطير في سماء شاعريته ، ونرى أيضاً :

فتعانقا روحين سلّهماالأسى     بصفائه من قبضة الصلصال

وكأنه يقول أن الألم الإنساني في تجلّياته المأساوية يجرّد الإنسان من طينيته ليسمو روحاً تعانق الأرواح القدسية المتآخية.

ونلاحظ ايضا :

قطع استدارة دمعة في خدّها     وأراق خاطرها من البلبال

هذا النظر الى كتلة الأجسام التي يصوّرها وتحديد أشكالها داخل منظور هندسي تتشابك المفردات في تظليلها وتلوينها ، يكشف اللمسات البارعة للريشة المبدعة التي يقبض عليها جاسم الصحيّح بكل كفاءة واقتدار تجعل من شاعريته الفيّاضة متقدمة بخطوةٍ أوسع من مجايليه.

الصفحة 237

7 ـ للشيخ جعفر الهلالي(1)

(1)

ليلة الشجى

لـيلةَ الـعشرِ كمْ بعثتِ iiالضَّراما      لـقـلوبِ الأنـامِ عـاماً iiفـعاما
لـيلةَ الـعشرِ مـا تزال iiحكاياك      ِتُـثير  الـشجى دمـوعاً iiسجاما
حـدّثينا عـن الـمآسي iiالعظيما      ت تـوالت عـلى الهدى تترامى
حـدّثينا عـن غربة السبط تُبدي      زُمـرُ  الشركِ في عداه iiالخصاما
يـوم  جاءت يقودها البغيُ iiظُلماً      واسـتـشاطت لـحربه iiأقـزاما
حـاولـت أن تـذلَّـه iiلـيـزيد      ٍأو يـذوقَ الـمنونَ جـاما iiفجاما
فرأتهُ صعبَ المجسَّةِ صُلبَ العود      ِيـأبى  لـه الـحجى أنْ iiيُضاما
وبـوادي  الـطفوف سجّل iiمجداً      كـلَّـما  مـرَّ ذكـره iiيـتسامى
بـات  والأهلُ والصحابُ تُناجيه      بـنطقٍ  تـعطيه فـيه iiالـتزاما
تـتـفدّاه  بـالـبنين iiوبـالأهل      وتـستعذبُ الـردى حـينَ iiحاما

____________

(1) هو : الشاعر الخطيب الشيخ جعفر بن الشيخ عبدالحميد الهلالي ، ولد سنة 1351 هـ في مدينة البصرة ـ العراق ، درس في الحوزة العلمية في النجف الأشرف والتحق بكلية الفقه وتخرج منها عام 1386 هـ بشهادة بكالوريوس في الشريعة الأسلامية وعلوم العربية ، ويُعدُّ من ابرز الخطباء المعاصرين ، ومن مؤلفاته 1 ـ معجم شعراء الحسين عليه السلام 2 ـ الملحمة العلوية 3 ـ ديوان شعر الكبير 4 ـ محاضرات إسلامية.

الصفحة 238

وعويلُ  النساءِ والصبيةِ iiالأطفال      فــي لـيـلةِ الـوداعِ iiيـتامى
وابـنةُ الطهرِ زينبٌ عمّها iiالوجدُ      فـآبت  تـدعو الـحسينَ الإماما
يـا أخـي مـن لنا يُحيط iiحمانا      إن  فـقـدناك حـارساً iiمـقداما
لـيت  لا كان يومَ عاشوراء iiلكن      مـا  قـضى الله كان حتماً iiلزاما

الشيخ جعفر الهلالي

15 / شوال / 1416 هـ

الصفحة 239

(2)

دجى الليل ياليلة العشر كم تسمو بك الفكر      وفـي  دروسـك مـا تـحيى بـه العبر
رهــط لـنـسل رسـول الله iiيـطرده      عــن داره مـوغـل بـالظلم مـؤتزر
رهــط  تـقـاذفه الـبـيداء iiلاسـكن      يــأوي إلـيه ، عـليه حـوم iiالـخطر
يـالـلعجائب كـم لـلظلم مـن iiصـور      يـأتـي  بـها بـشر فـي فـعله أشـر
مـثل  الـحسين الـذي فـي جده iiنعمت      هــذي الأنـام غـدا يـجفى iiويـحتقر
ونـغل مـيسون بـين الـناس iiحـاكمها      وهـو  الـذي لـم يـصنه الدين والخفر
يـملي  عـلى الـسبط إذعـانا iiلـبيعته      ودون مــا يـبـتغيه الـصارم iiالـذكر
حـاشا  ابـن فـاطمة أن يـغتدي تـبعا      وهـو الـذي غـصنه مـا عـاد iiينكسر

***

ياليلة العشر من عاشور أي iiفتى      قـد بـات ليك لا ماء ولا iiشجر
وحـوله الـنسوة الأطهار iiذاهلة      وسط  الخيام ومنها القلب iiمنفطر
كل تراها وقد اودى المصاب بها      وعندها  من مآسي صبحها iiخبر
وبـنيها زيـنب والهم iiيعصرها      ودمـعها من جفون العين iiينحدر
ترى  الحسين أخاها وهو iiيعلمها      بـقتله  والـعدا مـن حوله كثر

الصفحة 240

فـأعولت والأسى يذكي iiجوانبها      مـما  دهاها ونار الحزن iiتستعر
فـراح يـطلب منها ان تشاطره      عظم  المهمة مهما يعظم iiالضرر
يـااخت  لا تجزعي مما يلم iiبنا      فـذاك أمـر بـه لـله iiنـأتمر

***

يـاليلة الـعشر مـا خرت عزائم iiمن      للبسط دون الورى في الحق قد نصروا
بـاتوا ومـثل دوي الـنحل صـوتهم      ولـلصلاة  لـهم فـي لـيلهم iiوطـر
وبـين  مـن يـقرأ الـقرآن iiديـدنه      حـتى الـصباح فـما ملوا وما iiفتروا
أكـرم بـهم مـن حـماة مـالهم iiشبه      بـين الـعباد وإن قـلوا وإن iiنـزروا
هـم إن دجـى الـليل رهبان iiسماتهم      وفـي  الـنهار ليوث الغاب إن زأروا
صـلى  الألـه عـليهم ماهمت سحب      ومــا  أضـاء بـأنوار لـه iiالـقمر

الشيخ جعفر الهلالي

7 / 12 / 1417 ه

الصفحة 241

الشيخ جعفر الهلالي

خطاب منفتح على ليلة عاشوراء لتحديد أثرها العاطفي حرقة في القلوب على مدى التاريخ ، وحكايا تثير الاحزان دموعا ساكبات ، ثم يدور الخطاب ليصبح حوارا مع الليلة أو مطالبة بالحديث من الليلة كي تسرد الحوادث والمآسي وهي طريقة يختص بها الخطباء الشعراء ضمن طرقهم لشرح مايدور من وقائع حيث يستنطقون حالة ما أو شخصية ما أو غيرها في سرد الحوادث التي جرت على الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ، والشيخ الهلالي من الخطباء الذين يوظفون معارفهم وعلومهم وأدبهم خدمة للمنبر الحسيني فلا يفوته فن شعري أو أسلوب أدبي أو طريقة خطابة إلا وجندها في صفّه ليغني منبره ويجود خطابته ، وكيف وهو شاعر أيضا يختار لمقدمات خطابته ماجودته القريحة الموالية وما أحسنت صنعه الشاعرية المتفاعلة مع قضية الإمام الحسين عليه السلام.

الصفحة 242

8 ـ للشاعر الأستاذ جواد جميل(1)

(1)

ودعيني

ودّعيني ففي غدٍ يشرب السيفُ وريدي ويحفرُ القلبَ نصلُ وغداً تذعرين حين ترين الخيلَ في وجهها جـنونٌ وقتلُ وغداً تحملين أشلائيَ الحمراء غِمداً لألف سيفٍ يُسلُّ وغداً تُنهب الخيامُ وخلفَ النارِ تبكي النسا ويهربُ طفلُ وغداً لا يَظلُّ من يــوم عاشــوراء إلاّ جراحــنا... والرملُ هاهنـا تصـرخ الرؤوس الخضيبات ويبكي على صداها النخلُ وترضُّ الخيولُ صدري فيبكي النهرُ في صمته وتبكي الخيلُ آهِ يا زينبَ البطولةِ خلّي الصبرَ رمحاً على خيامكِ يعلو ودعي الدمعَ جمرةً ولهيباً من كُوى الغيب كلُّ آنٍ يَطلُّ فطريقُ الخلودِ صعبٌ وفيه يفتحُ المرءُ جُرحَهُ أو يذلُّ

جواد جميل

الأحد 27 شوال 1416 هـ ق

____________

(1) هو : الشاعر الأستاذ جواد جميل ، ولد سنة 1373 هـ في سوق الشيوخ إحدى مدن العراق الجنوبية ، تخرج من كلية الهندسة سنة 1395 هـ ، وحاز على البكالوريوس فيها ، يُعد في طليعة الشعراء المعاصرين ، ومن نتاجه الأدبي» الحسين عليه السلام لغة ثانية وله مجاميع شعرية اُخرى ، وله مساهمة فعالة في النوادي الأدبية والثقافية.

الصفحة 243

(2)

ليلة الأسى والدموع

آه ، يا ليلة الأسـى والدمــوعِ ، أطفأي في دمِ الطفــوف شموعي ودعيني أعيش في ظلمة الحزن ، فعمري شمس بغير طلوعِ وانثري في عيوني الجمرَ وقّاداً ، وخلّي اللهيب بين ضلوعي وامسحي بالسواد لون وجــودي فلقـد كفّنَ الرمادُ ربيعي واحمليني لكربلاءَ خيالاً بجناحٍ من عبرةٍ.. وخشوعِ حيث نحر الحسين ينتظر الماءَ ، ويهفو لرأسهِ المقطوعِ وجراحاته تئنُّ ، فيبكــي ألفُ كون ، على الصدى الموجوعِ والشفـاهُ المخضباتُ نجــومٌ شاحباتٌ من الظما والجوعِ وتمنّـى «الفراتُ» لو طهّرتهُ قطرةٌ من دماءِ نحر الرضيعِ يا عيوني أين البكاءُ ؟ ففيضي هذه كربلا وهذا شفيعي هذه كربلا...وهذي الخيولُ الجُرْدُ تعدو على التريبِ الصريعِ هذه كربلا...وهذا رسول الله يبــكي فــي ساعـة التوديعِ

جواد جميل

21 / 11 / 1416 هـ

الصفحة 244

الأستاذ جواد جميل

شاعرية الحيوية الإنسانية المتدفقة المنتصبة أمام الفناء والموت بكل شموخ الموقف الوجودي التفصيلي الذي يصون ويديم قيم الحياة ونقاءها الخلاب ، شاعرية الرؤى والتأملات الهاربة خلف نزق طفولي يمسك بطين الإبداع ليشكّله وفق أعين الكبار الذين يرون فيه توازناً وانسجاماً مفقوداً لديهم.

لذلك فشاعرها يبكيهم لكن ليس من أجل البكاء ، فلا يصل بكاؤه إلى مناطق العويل لأنه سرعان ما ينتبه إلى التدفّق والنموّ والنضارة والطراوة التي تحيط الأشياء فيهرب اليها بلا وقار ولا تصنّع.

إن النزق العابث هو روح شاعرية جواد جميل الذي يلائم نصّه مع حاجاته الإتصالية بكل سلاسة فهو ذو رؤيا ملتفتة بشدّة إلى البدء الاول أو الى الجوهري والصميمي من الأشياء ، وعلاقته بمادته علاقة حدسيّة متوقّدة يستشرف النهايات بعمق منذ الوهلة الاولى ، وهو أكثر إخلاصاً لما لم يتشكّل بعد ، ومالم يأت بعد ، ومالم يخن الجذور الاولى ، فتأتي قصيدته دائماً مثل حلم اليقظة ، حلم وطفولة وبدائية منفتحة على كل الإحتمالات والإمكانات من جهة ، وفي الجهة الاخرى هي يقظة ووعي وموقف واستشراف للأبعاد المستترة والخفية ، ومن معطيات هذا الوعي واليقضة محاولة جادة متسلطة على قصيدة العمود ذات الشطرين لتحديثها من خلال ضخّ الكريّات الأدونيسية في دمها بشكل يمكن أن نصطلح على تسميته بـ (أدنسة العمود) مع خشية حريصة على عدم تشتت وتبعثر الأوليات إلى شظايا شعرية متناثرة ، فهذه المحاولة لا تزال في افق التجريب والإختبار ، مع كفاءتها في التوازي

الصفحة 245

والتجاور وقدرتها على الإمتداد والثبوت والإنطلاق.

أما عن قصيدتيه (ليلة الاسى والدموع ـ ودّعيني) فهما صدى محاكي لتجربة الشاعر في ديوانه الأخير (الحسين .. لغة ثانية) ولم تستطيعا تجاوز الافق الشعري الذي افترضته تلك التجربة المجدّدة ، بل أن الشاعر لا يزال يناغي الرؤيا ذاتها ويشتغل على موضوعة ليلة عاشوراء بنفس الآليات ولكن بمخطّط مبتور عن الوحدة العضوية التي نسجت شبكات التعبير والتوصيل في الديوان ، فنراه قد لجأ الى تكنيك الحوار في كلتا القصيدتين ففي قصيدة (ليلة الاسى والدموع) كان الحوار يدور بين ذات الشاعر ـ كمحاوِر نوعيّ ـ وبين الليلة ـ كمخاطَب جماعي ـ له أن يردّ أو لا يردّ الخطاب ، مما جعل الحوار ذا بعد وطرف واحد فتقلص الى مونولوج داخلي يسرد مايحدث بإحاطة وشمولية العارف بكل شيء.

وفي قصيدة (ودعيني) يرتدي الحوار حنجرة الإمام الحسين عليه السلام محاوراً الحوراء زينب عليها السلام في عرض بانورامي لما سيحدث بلغة التنبؤ وإستشراف المستقبل.

وعلى مستوى الألفاظ وطرق تركيبها فهو لا يتجاوز قاموسه الخاص ولا يتخطى طرقه المعتادة في التركيب والبناء ، فلا يزال النسق الناري ينتظم بمفرداته (إطفاء الشموع ، الشمس ، الجمر الوقّاد ، اللهيب ، النجوم الشاحبات) وتدفق مفردات النسق المائي ماثلة (دم الطفوف ، انتظار الماء ، الظمأ ، الفرات ، قطرة من دماء ، فيضي ، يشرب السيف وريدي ، يبكي النهر ، الدمع) إضافة للسيوف والأغماد والخيول والخيام والرماح والخضاب والرماد .

ومع انتظام الإيقاع وفق ما يؤثره الشاعر من أبحر الشعر فقد إختار تراكب الحركات الإيقاعية لبحر الخفيف لتنظيم هيكلية القصيدتين البنائية.

الصفحة 246

9 ـ للشيخ الخليعي ـ رحمه الله

الصبر الجميل

هـا  هـنا تُنحر النحور ولم iiيبق      لـنا فـي الـحياة غـير iiالـقليلِ
ها هنا يصبح العزيزُ من الأشراف      فــي  قـبضة الـحقير iiالـذليلِ
هـا  هـنا تُـهتك الكرائم من iiآلِ      عــلـيّ  بــذلـةٍ وخـمـولِ
مـن  دمـي يـبلل الثرى ها iiهنا      واحـر  قلبي على الثرى iiالمبلولِ
ورقـى  فـوق مـنبرٍ حـامد الله      يُـثـني عـلى الـعزيز الـجليل
ثـم  قـال أربـعوا فـقتلي iiشفاءٌ      لـصـدورٍ مـمـلوءةٍ iiبـالذحولِ
فـاجابوه حـاش لـله بـل يُفديك      كـلّ بـالنفس يـا بـن iiالـبتولِ
فـجـزاهمُ خـيـراً وقـال iiلـقد      فُـزتـم ونـلتم نـهاية iiالـمأمولِ
ومـضى  يـقصدُ الـخيامَ ويدعو      ودعـيني يـا أخـت قبل الرحيلِ
ودعـيني  فـما الـى جمع iiشمل      ٍبـكم  بـعد فـرقةٍ مـن iiسـبيلِ
ودعـيني  واسـتعملي الصبر iiإنّا      مـن  قـبيلٍ يـفوقُ كـلّ iiقـبيلِ
سـأننا  إن طـغت علينا iiخطوبٌ      نـتـلقى  الأذى بـصبرٍ iiجـميلِ
لا تـشقي جـيباً ولاتـلطمي iiخداً      فـأنـا أهـل الـرضا iiوالـقبولِ
وأخـلفيني عـلى بـناتي iiوكوني      خـير  مـستخلف لأكـرم جـيلِ
وأطـيعي إمـامك الـسيد iiالسجّاد      رب الـتـحـريم iiوالـتـحـليلِ
فـاذا  مـا قـضيت نحبي iiفقولي      فــي  الإلــه خـيـر iiسـبيلِ
وأذكـريـني أذا تـنفلت iiبـالليل      عـقـيب الـتكبير iiوالـتهليلِ
(1)

____________

(1) المنتخب للطريحي : ص489 ـ 490.

الصفحة 247

10 ـ للشاعر الأستاذ سعيد العسيلي

(1)

فديتك ياأخي

هـلاّ  عـلمت بـيوم عاشوراء      مـاذا جـرى مـن كربةٍ iiوبلاء
فيه  الحرائر قد بكين من iiالأسى      وجـفونهنّ نـأت عـن iiالإغفاء
وصغارهن  تعجّ من فرط iiالظّما      والأرض  تـغرق حولهم iiبالماء
وتـلفّ أنـوار الـيقين iiضلالة      كـاللّيل  لـفّ الـبدر iiبالدّهماء
وصهيل خيل الظلم قد بلغ المدى      حـتى  تـجاوز قـمة iiالجوزاء
والـشمس تحتضن الرماح iiكأنها      تـرمي عـليها ألف ألف iiغطاء
والـحزن  ضمّ جفون آل iiمحمدٍ      وقـلـوبهم  بـنوازل iiالـبلواءِ
وبـدا الحسين يسنُّ شفرة iiصارمٍ      فـيه  يـواجه كـثرة iiالأعـداء
ويـعاتب الدهر الخؤون iiبحسرةٍ      مـنـها يـقاسي شـدة iiالأرزاء
سـمَعتُه  حاميةُ العيال iiفأسرعت      تَـرنـو الـيه بـمقلةٍ حـوراء
قـالت  فـديتُكَ يا أخيّ بمهجتي      وحـشاشتي  ومحاجري iiودمائي
لـيت الـمنيّة أعـدمتني iiوالفنا      رقـصت  مصائبه على iiأشلائي
تشكو زمانك هل يئست من iiالبقا      وجـماله  يـا فـلذة iiالـزهراء
يـا غاسلاً بالدمع لون iiمحاجري      حـتى غـدت كالشمعة iiالبيضاء
سـيطول بـعدك يا أُخيّ iiتنهدي      وتـلـوّعي وتـأسّفي iiوبـكائي

الصفحة 248

فـأجابها  اعتصمي بحبل iiمحمدٍ      وتـصبري  فالصبر خير iiعزاء
قالت أتغتصب الهدوء وأنت iiفي      هـمٍ  لـتؤنس وحشتي iiوشقائي
فـبكى  وقال لها فلو ترك iiالقطا      لـيلاً  لـنام بـمهمه iiالصحراء
آن  الـوداع وإنـما هـي iiليلة      فـتودّعي  مـن رؤيتي iiولقائي
وأطل نور الفجر بعد أن انقضى      لـيلٌ  مـريرٌ فـيه كـل iiشقاء
فمضى إلى صون العيال iiبخندق      ٍتـرتـد عـنه غـارة الـنذلاء
والـنار  فـيه أوقـدت iiولهيبها      خـلف الخيام يذيب عين الرائي
نـادى عـلى أصحابه مستبشراً      كالنور يضحك في دجى iiالظلماء
الـيوم عـرس شهادةٍ نرجو بها      رضـوان خـالقنا وفيض iiهناء
ودمـاؤنا  تروي الفلاة iiوتكتسي      مـنها  الـرمال بـحلّة iiحمراء
والصّبر ليس لنا سواه إذا iiجرت      خـيل  الردى خبباً على iiالبيداء
ورنـت إلى خيل العدى iiأنظاره      فـرأى بها بحراً على الصحراء
والموج يزخر بالضلالة iiوالعمى      وبـه  تـموت ضمائر iiالسفهاء
فـتوجّهت أبـصاره نحو iiالسما      ودعـا بـكل تـضرعٍ iiوثـناء
ربّـاه أنت من المصائب iiمنقذي      يـاعدتي فـي شـدتي ورخائي
أنـت الكريم عليك حُسن iiتوكلي      حـمداً  وأنـت مُعَوّلي ورجائي
فـاجعل  خـواتيم الفعال محجّة      بـيضاء وكتبني مع الشهداء
(1)

____________

(1) كربلاء ( ملحمة ) للعسيلي : ص302 ـ 304.
 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةأعلى