ليْلَةُ عاشُورَاءْ

 
 

الصفحة 257

الأستاذ سعيد العسيلي

مع وحدة البحر ( بحر الكامل ) واختلاف القوافي ينفتح سعيد العسيلي في ملحمته على آفاق تعبيرية أرحب تعينه شاعرية تدور على الوثائقية التسجيلية بريشة متوثبة تهرب من أسار التأريخية لتتأمل فتُصور ظلالاً ذاتية تتخطى النظم المدرسي وجفافه لتنثر عبير الشعر وعطوره في فضاء النص ولكن بتحرج وتردد سرعان ما يعود الى قفص التأريخ ليسجل حوادث الليلة بلغة التقرير والخطاب الإخباري لكن نزوعه الشعري ومثابرته لتحديد موقف جمالي تُداخل بين اللغتين وتوازن بين المنحيين فنراه مصوراً بارعاً تارة

في :

والشمس تحتضن الرماح كأنها     ترمي عليها الف الف غطاء

او :

يا غاسلاً بالدمع لون محاجري     حتى غدت كالشمعة البيضاء

ونراه يزاوج التسحيل الوثائقي بالفن الشعري في :

ليت المنية اعدمتني والفنا      رقصت مصائبه على أشلائي

أو :

قالت اتغتصب الهدوء وأنت في     همّ لتؤنس وحشتي وشقائي

فلاحظ في (والغنا رقصت مصائبه على أشلائي ) تداخل الوثيقة بالفن وكذلك (أتغتصب الهدوء) فحوارات الحوراء زينب عليها السلام تُقال عند العسيلي بلغة فنية

الصفحة 258

جمالية تناسب عصرنا الحاضر مع عدم فقدانها للدلالة الأصلية التي قيلت من أجلها ، لكنه يخفق أحياناً في إضافاته عندما يتقابل نصه مع نص مثبّت من تلك الليلة العظيمة كما في المثال التالي :

ويقول افِّ يا زمان حـملت لي     همــاً وكيداً حالف التنكيدا

عميت بصائر هؤلاء عن الهدى      ولقيـت منهم ضلةً وجحودا

والأمـر للرحمن جل جــلاله     كتب المهيمن أن أموت شهيداً

فأعادة صياغة النصّ الاصلي جاءت مهلهلة ومترهلة ونستطيع أن نعزو ذلك الى أن التقابل هنا تم مع نص شعري للإمام الحسين عليه السلام وهو إرجوزة وجدانية تفجّعية قالها الإمام عليه السلام من صفاء روحه الطاهرة وهي عصية على الترجمة واعادة الإنتاج بألفاظها الرقيقة وجرسها المنغّم الدافق ولا نراها تحمل سمة زمانية محددة بل هي لا تعبر عن لحظتها التأريخية فقط لكنها جاءت بلغة طافحة فوق كلّ زمان كنشيد أبديّ خالد ولذا ظهر عجز العسيلي عن التواشج معها والمقابسة وأخفق قبله الشيخ الفرطوسي عندما حاول محاذاتها في :

وهو يتلو يا دهر كم لك غدراً     من قتيل مضرّج بالدماءِ

لك اُفّ على مرور الليالـي      من خليل مولّعٍ بالجفـاءِ

على إننا نثني على شجاعة المحاولة وجرأة التجريب فتجربة العسيلي فيها الكثير الكثير من التجاوز على عادية الطريقة التسجيلية ومألوف الإسلوب التوثيقي مما يمتع المتلقي الباحث عن الفن والجمال.

11 ـ للشاعر الأستاذ سلمان الربيعي(1)

المساء الأخير

زينب عليها السلام تخاطب ليلة العاشر

طُـلْ  يـا مساءُ فلا أروم iiصباحا      إن كـان صـبحُك لـلأسى مفتاح
لو دَرّ ضرع الصبح خيراً لإمرىء      ٍفـأنـا سـأُسقى ضـيمَهُ iiأقـداح
وإذا تــلألأ نــورُهُ iiمـتّـبسماً      ألـقى  عـليَّ مـن الهموم iiوشاح
يـا  لـيلُ لـم أسأم ظلامكَ iiطالما      عـيناي  تُـبصرُ كـوكباً iiلـمّاح
فـمتى انجليت فسوف أُفجع iiبالذي      عـنّـي يـزيل الـغمَّ والأتـراح
لـو كـنت تـعلمُ ما يحلُّ بنا iiغداً      لـم تَـطْوِ عن أفق الطفوف جناح
يـالـيلُ انَّ الأم تَـسـعدُ iiبـابنها      وبـه  تـرى صـفو الحياةِ iiمُتاح
ومـتى  توارى شخصُه عن عينها      قَـضَت  الـحياةَ تـأوّهاً ونـواح
فَـلَكَمْ قـلوبٍ سوفَ تذرفُ مِنْ iiدمٍ      دمـعاً  يـفوقُ الـعارضَ السَّحّاح
فـغداً جـميعُ الـطاهرات iiبكربلا      كــلٌّ سـتثكل سـيداً iiجِـحّجَاح
يـا  لـيلُ صُـبحك متخمٌ iiبفجائعٍ      دمُـها  سـيغمرُ أنـجداً iiوبـطاح

____________

(1) هو : الشاعر الأستاذ سلمان عاصي الربيعي ، ولد سنة 1951 م في الحلّة ـ العراق ، له مشاركات في النوادي الأدبية والدينية ، صدر له ثلاثة دواوين شعرية : 1 ـ على أعتاب الديار 2 ـ الديار المحجوبة 3 ـ طيف الوطن.

الصفحة 260

فغداً  بأرض الطفِّ طُهْرُ دمٍ iiالهدى      يـغدو بـشرع الـظالمين iiمُـباح
حـيث الطغاةُ على ابن بنت iiنبيِّهم      جـيشاً أراهـم حـشَّدوا وسـلاح
وأراه قـلـباً ظـامئاً مـا iiبـينهُمْ      وسـيوفُهم  قـد أثـخنتْهُ iiجـراح
وأرى  أخي العباس من طعن iiالقنا      نـسراً لـه جـذَّ الـطغاةُ iiجـناح
وعـلى  رمال الطفِّ أجساداً iiأرى      زُحـلاً  شـأت بـعلوّها iiوضُراح
وجـليلُ  مـا تبكي له عينُ الهدى      ويـزلـزل  الأبــدانَ iiوالأرواح
نـحرُ  الرضيعِ غداةَ يُرسَلُ iiنَحوَهُ      سَـهمُ (ابـن كـاهل) خارقاً iiذبّاح
وأرى  عـيالَ محمدٍ أسرى iiالعدى      مَـنْ ذا سَـيُطِلقُ لـلأسير iiسراح
يـا لـيلُ إذ يقعُ الذي يُدمي iiالحشا      أتـوَدُّ عـيني أن تـرى iiالإصباح
إنّـا  إلـى حـكم الدعيِّ iiورهطه      هـيهات  نَـركنُ أو نـلينُ iiجماح
فـليقتفِ الأحـرارُ نـهجَ زعيمِهِم      لـيـرَوْهُ فـي آفـاقهم iiمـصباح
ولـيقصد  الـظمآنُ مـاءَ iiغديرنا      لـيذوقَ  مـن فيض الجنان iiقراح
لـو لا دمـانا مـا اسـتقامَ iiلمسلمٍ      ديــنٌ  ولا بـدرُ الـكرامةِ iiلاح
مـا  سال من نحر الحسين iiبكربلا      لـلمجد خَـطَّ الـمنهجَ iiالـوضاح

أبو أمل الربيعي

24 شوال 1417 هـ

الصفحة 261

الأستاذ سلمان الربيعي

قصيدة الربيعي مثبّتة في المتن الشعري كنص يستحضر بإخلاص وجهد تجربة تدعي التجارب الشعرية الجديدة أنها قد طواها الزمن لكن الربيعي يراها لاتزال حيّة ونابضة وله الحق في ذلك طالما أن هناك فئات كثيرة من القرّاء لازالت تستحسن ذلك وتعدّه صحيحاً وتجد في الربيعي من الشعراء مَنْ يُرسّخ ويثبّت هذا الإستصحاب لِما كان في نتاجه الغزير لإثراء هذا التوجه كمّاً ونوعاً.

وللإنصاف فالربيعي من الشعراء المعدودين الذين يواصلون سدّ إحتياجات المنبر الحسيني إلى الجديد من النصوص خطباء ومنشدي عزاء وهو شاعر على أهبة الإستعداد لتلبية نداءات الولاء والقضية الحسينية.

والقصيدة عند الربيعي تعبوية التوجّه مخطط لها بإحكام يركن بجدّ إلى معطيات علوم العربية في كلّ تشعّباتها من نحو وصرف وبلاغة وبيان ومعان وعروض ، وأغلب شعره يُرى فيه قابليته لأن يكون شاهداً من شواهد العلوم.

فالربيعي يستعرض ما تعلّمه من فنون وعلوم في شعره و خصوصاً في تفريعات العلوم اللغوية ويرى فيه نوعاً من الإنتماء إلى الأصيل والثابت الذي يشكّل هويته الشعرية والذي يُخلص في الالتحام به على الرغم من كون هذه النظرة نظرة تراثية إلى التراث نفسه ، لكن الربيعي يحتمي تحت سقفها وله فيها كل الحق.

ولازلت أرى في خروجه على طوق النظم في بحر الكامل ـ الأثير لديه ـ وتثبيت هذا الخروج إنفتاحاً على إمكانات بنائية تمنحها الأبحر الأخرى للربيعي الذي بدأ ذلك في مجموعته الشعرية الثالثة ـ طيف الوطن ـ ولكن بحذر شديد وتوجس.

الصفحة 262

12 ـ للشاعر الأستاذ شفيق العبادي(1)

الى سيدتي الذكرى

اطلّي...

فقد أينع الشوقُ وانداحَ عطرُ الحنين

وجئنا على الوعد ياامرأة زادُها الحزن والذكرياتْ

لأبنائها الراحلينْ

مع الشمس كي يُشعلوا ظُلمات المساءْ

لنقطف من شجر القلب أشهى القصائدْ

وننثُرها بين كفيك يُنبوع ماءْ

قرابينَ

لكنها...

ـ يالفرط البلاهة ـ

من أحرف مطفآت

لكيما...

____________

(1) هو : الشاعر الاستاذ شفيق معتوق العبادي ، ولد سنة 1385 هـ فى تاروت ـ القطيف اكمل الثانوية العامة ، يعمل حاليا موظفا فى كلية الطب بجامعة الملك فيصل بالدمام ،يكتب الشعر والمقالة وا لقصة وينشر نتاجه الادبي في الصحف المحلية وبعض الصحف العربية ، كتب عنه في عدد من الكتب التي تناولت ادب المنطقة وفي الدوريات الادبية وله مشاركات بارزة على الصعيد الادبي والثقافي.

الصفحة 263

تُضمّد أحزانها وتطيرْ

وتبقين وحدك في وحشة الدرب

ترعين غرس الدماءْ

***

ولكنه العشق سيدتي فاعذريني

إذا ما خدشت حياء القصيدةْ

فجاءتْك ترقص في موكب الحزن مأنوسة بالجراحْ

وقد راح غيري يروّيك بالأدمع الخاثراتْ

ففي حضرة الوجد مَنْ ذا يُطيق إغتصاب الحروفْ ؟

***

إذا ما انتحيت عن السرب حلّقتُ وحدي

أُعير جناحيَّ للريح كيما تحلّقَ بي للفضاءْ

فلا أُفق.. غير العيون المليحات يستوطن الشعرْ

لا شيء يُطرب هذا اليراع المعنّى

سوى لغة منكِ تذكي لظاهْ

ليرحلَ نحو النجومِ البعيدةْ

الصفحة 264

ويبحث عن لغة طعمها العشق

عن لغة لونها العشق

كي يستعير القوافي

ليستلهم الذكريات العذارى

ويروي الحروف الظماءْ

ويعزف من وجع القلب ذكرى هواهْ

وذكرى صباهْ

وذكرى الليالي الجميلةْ

فأنت العيون التي ألهمت ريشتي كلّ هذا الغناءْ

***

وأنت العيون التي شاغلتني خطاها طويلاً

وأوسعتها غزلاً

ذبت فيها جوى

سرت من أجلها في دروب المنافي

تأرجحت فوق حبال المشانقِ

خالفت في شرعة الحب كلّ القوانينِ

عارضت كلّ رجالِ القبيلةْ

فلولاك..

الصفحة 265

لولاك..

يا حلوتي ما تجشمت هذا العناءْ

***

وسافرت بين سواحلها الزرق

أبحث عن نورس أنكرته الشواطيء

ضاقت بعينيه كلّ الدروبْ

وقص جناحيه برد المدينةْ

جزيرته في أقاصي البحار

وأعراقها في حنايا السماءْ

يجيء على فرس الريح في كلّ عام اليها

ليُسمِعها الأغنيات الحزينةْ

ويحمل ما بين عينيه ذكرى جديدةْ

لملحمة الكبرياء

ليغرس

أعشاشها في الذرى

ويرحل عنها لُقىً في العراءْ

شفيق العبادي

20|2|1417 هـ تاروت

الصفحة 266

الأستاذ شفيق العبّادي

شفيق العبادي حسٌّ نابض بحيوية العاطفة وصدقها ، بجرأة المواجهة يُغنّي موّالاً مفرداً بأسى عميق لكن بلا دموع ، فهو يحتفل بحزنه الخاص على طريقته الخاصة أيضاً ، لذا فهو يعزف تحت شرفة الذكرى ، يعزف على أوتار الشوق اليانع والحنين المعطّر لكي تُطلّ عليه الليلة بحزنها وذكرياتها ليتمّ لقاؤه بها ، فينثر بين كفيها قصائده النابعة من القلب بإحرفها المطفآت ليعبّر لها عن الخيبة والمرارة لأنه صادق العواطف لكنّه يصاب بالبله أمام جلالها الآسر فلا يمنحها إلاّ خواء قصائده التي تضمّد أحزانها بعد اللقاء وتطير في سماواتها لتبقى الذكرى وحدها في عملية مستحيلة لغرس الدماء.

ويرجع العبادي ثانية ليعزف على وتر آخر هو وتر العشق ليرقّص قصيدته المخدوشة في حيائها في الموكب العام للحزن ، في الإحتفالية الجماعية بقدوم الذكرى.

يحس العبادي بتفرده فيسلك سلوكاً مغايراً للسائد والمتعارف وكل ذلك بسبب من علاقة حضور صوفية أسماها (الوجد) تضيع فيها اللغة وتعود للحروف بكارتها الاولى فلا يستطيع الواجد الصوفي أن يرى إغتصاب الحروف فيلجأ إلى نوع من الصمت الناطق بالحيرة والذهول والتفرّد والإنتحاء عن السرب والتحليق المنفرد التائه لأنه يعير أجنحته للريح لضياع أمكنته فلا أفق له ، لكن عيون الذكرى تستوطن الشعر وتشعل إنطفاءاته ليبتديء البحث عن لغة حسيّة بطعم العشق ولونه

الصفحة 267

فتكتمل أدوات الشاعر ليعزف على وتر الوجع ، تكتمل أدوات الفن كلها ، ريشة ملهمة تغني ووتر يعزف ، ويبدأ عزف آخر على وتر الغزل لتنكشف تضحيات الشاعر وعناؤه وذوبانه ثمّ نفيه ثم بحثه عن قناع يندرج تحت ظلاله فيجده في نورس منفي تنكره بيئته البحرية وتمنعه المدن بظواهرها غير الطبيعية من الطيران فيعاني غيبة وانقطاعاً عن المكان ، لكنه يتواصل مع الذكرى تواصلاً حياً دفّاقاً ، له موعد محدد يجدّد الذكرى التي يحملها مابين عينيه ويغرس حنوّه والتحامه معها ثم يرحل أيضاً.

والعبادي يحاصر تجربته بجوّ محزن حادّ ويمسحها بجناح رومانسي محلّق ويطوّع نَفَساً ونبرة إيقاعيتين متبادلتين ومتعامدتين في تتابع مقاطع القصيدة ، فمع أفقية النَفَس (الذي لا يفارق القافية بيسر بل يختم مقاطع القصيدة بقافية همزية متكررة ـ الدماء ، الفناء ، العناء ، العراء ـ وهذه الظاهرة فيها بصمات الإكثار من النظم على طريقة العمود) تقفز تلك النبرة المتخفية لتلملم شتات التداعيات ليسلم تأمله الشارد من أضطرابات اللاشعور الذي يكشف رغبات وأماني الشاعر المكبوتة في تجاوز الألم التقليدي وإكتشاف شعائر أخرى للتعامل مع المتخيَّل عند الجماعة ، فهو تجنّب السطحية والتقريرية والمباشرة لصالح الغموض وعَمَه الرموز الذي قد يؤدي إلى العجز عن تصور أو تشكيل رموزه عند المتلقين مما يحقق فجوة عريضة على مستوى التوصيل.

الصفحة 268

13 ـ للسيد ضياء الخباز (1)

(1)

صفحات من مسرح الدم

حَـرّكَ  الـليلُ سـيفَهُ iiالأمويّا      يَـرسمُ الـصبحَ مسرحاً دموي
يطعنُ  النجمَ والدراري iiاغتيالاً      غـاضَهُ  الأفـقُ مُذ بدا iiقمري
فـتـلقتُه  أنـجـمٌ iiزاهـرات      ٌسـكبت فـيه نـورَها iiالعلوي
نـحتتهُ  الـنجومُ لـيلاً iiمنيراً      تـحسدُ الشمسُ نورَه iiالسرمدي
ثــم  غـنتهُ لـلّيالي نـشيدا      مـلأ  الأفـقَ صـرخةً ودوي
إنَّ لـحناً بـه الـحسينُ iiتغنّى      سـوفَ يبقى على المدى iiأبدي

***

خـيّمَ  الصمتُ والحسينُ iiهدير      ٌأرهبَ الصحبَ منه ذاكَ المُحيّ
واسـتدارت حـروفُه في iiشِفاهٍ      تـصهرُ  الروحَ عزمةً ومضيّ

____________

(1) هو : الخطيب الفاضل السيد ضياء السيد عدنان الخباز ، ولد سنة 1396 هـ في القطيف ، وفيها درس المقدمات الحوزية والتحق بحوزة قم المقدسة سنة 1415 هـ ولا يزال يواصل دراستها العلمية ، وله مشاركة في النوادي الأدبية والدينية ومن تأليفه 1 ـ كتاب صفحات مشرقة من حياة الإمام السبزواري 2 ـ مجموعة شعرية في المناسبات وغيرها 3 ـ كتابات أخرى.

الصفحة 269

قـال  «اُفٍ» ولـيته لـم iiيقلْها      فـبـها  ظـلّ دهـرُنا أمـوي
ويـدُ الموتِ خلفَهُ تنسجُ iiالموتَ      طـريقاً  إلـى الـعُلى iiدمـوي
قـبّلتها  أنـصارُه فـي iiهـيامٍ      وجدوا  الموتَ في الحسينِ iiهنيّ
قـرأوا فـي الدماءِ جناتٍ iiعدنٍ      صـاغـها اللهُ مـرفـأً iiأزلـي
فمضَوا للخلودِ في زورق iiالطفّ      وخـاضوا نـهرا الدماءِ iiالزكي
مـا  ألـذّ الدماء في نُصرةِ iiالله      إذا  كــان نـبـعُها iiحـيدري

***

وتـلاقتْ  عـلى الهدى iiبسماتٌ      لـم يـرعْها مـوتٌ يلوحُ iiجلي
ضحكوا  يهزؤون بالموتِ iiشوقا      ًلـلقاءٍ  يـحوي الإمـامَ iiعـلي
وانـبروا  للّقاء في سَكرةِ iiالحُب      ّالإلـهـيِّ  بـالـصلاة iiسـوي
وانقضى الليلُ وهو يرسمُ صبحا      ًنـحتَ اللهُ شـمسَهُ فـي iiالثري
أطـفأتْ وهـجَهُ الـسيوفُ iiفما      زالـت  رماداً ولم يزل هو iiحيّ

ضياء الخباز

19|شوال|1416 هـ

الصفحة 270

(2)

فصول من قصة الحسين عليه السلام

وغفى الليل في عيون الصحارى      يـتخفّى فـي جـفنها iiإعـصار
والـعيونُ  السمراءُ كانتْ iiرمادا      ًوهـو  تحت الجفون كان iiجِمار
وإذا أقـبـلَ الـصباحُ iiسـيمت      ّدُ  ضـباباً يُـخفى لـهيباً iiونار
فـأعّدَ  الـحسينُ سيفاً من النور      ونــحـراً  وثـلـةً iiأقـمـار
هـاتفاً  يـاظلامُ (أُفٍ) فكم iiأطفأ      ت  فـجراً وكـم نـحرتَ iiنهار
ولـقـد  آنَ أن تـموت iiلـتحيا      فـوقَ أشلائِكَ الشموسُ iiالعذارى

***

قـصةُ الـليل والحسين iiحَكاياتُ      جــراحٍ تـفـجرتْ iiأنـهـار
قصةٌ لم تزل تتوّج عرشَ iiالفجر      نــوراً ولـلـشموس مــدار
فـبها  يـنفخ الـحسينُ iiفتسري      فـي  شرايينها الحروفُ سكارى
قـصةٌ  صـاغها الحسينُ iiولولا      زيـنبٌ مـا تـمخضتْ إعصار

***

ورنـت  زيـنبُ البطولة في iiكف      أخـيـها سـيـفاً ونـوراً ونـارا

الصفحة 271


يـوقدُ الـنارَ للألى طعنوا iiالشمس      ونــوراً  لـلـتائهين iiالـحيارى
يـعزفُ  الـموتَ لـلحياةِ iiوكـان      الـسيفُ فـي وحـي صمته iiقيثار
قـرأت  فـي عـينيه من لغة iiالدم      حـروفاً  قـد عـاهدتُه iiانـتصار
ورأتـه  يبني الشموخَ على iiأطلالِ      جُــرحٍ لـم يـعرف iiالإنـكسار
ويـريقُ الـشَريانَ شـلالَ هـدىٍ      كـانَ  يـنسابُ مـن يـديه iiبحار
فـانبرت  والـرمالُ تسبقُها iiخَطواً      إلـى  الـشمس قـبل أن iiتتوارى
إيـهي  يـاشمسُ لاتـموتي iiفـإنّا      مـا  ألـفنا مـن غير شمسٍ iiنهار
إن عزمتِ على الغروب فردينا إلى      مـوطن  إشـراقك لـنحياكِ ثـار
وهـنا  الـمسرحُ الـحسينيُّ iiقـد      أســدل سـتراً وأطـفأ الأنـوار

ضياء الخباز

25 / 10 / 1417 هـ

الصفحة 272

السيد ضياء الخباز

إعلان الشاعرية أمام ساحة التلقي شيء ، ومواجهتها للجهد النقدي فحصاً وإختباراً شيء آخر ، بمشاركتين يثبت السيد ضياء الخباز بدايته كسائر في طريق الإبداع الشعري الطويل ، زوّادته الولاء والحب والعشق الإلهي ، وأدواته الألفاظ الرقيقة والتراكيب الرشيقة والصور الخلابة المشرقة.. ولعل في قصيدتيه أصداء من الآخرين نجح في إخفائها بتفوق ظاهر مما يحقق لديه نتائج قراءاته وإصغائه في شكل يتداخل فيه نصّه الشعري مع نصوص الآخرين الشعرية في عملية تلاقح منتج تفيد تجربته الواعدة وتغنيها فنرجو منه أن لايستسلم لعوامل الإحباط والخيبة ، فالعملية الشعرية عسرة المخاض والولادة ولاتتأتّى لصاحبها بالهيّن من الجهد بل بالمثابرة والتواصل والمتابعة المستمرة.

ونحن نترك للقرآء إكتشاف هذه الموهبة الواعدة من خلال نصّيه المدرجين .

الصفحة 273

14 ـ الشيخ عبدالحسين الديراوي (1)

ليلة الحداد

يـالـيلَ عَـشرِ مـحرمٍ ألـبستنا      ثــوبَ الـحدادِ فـكلُّنا iiمـثكولُ
وافـيـتنا  بـالـنائباتِ وإنَّـهـا      أمـرٌ عـلى كـلِّ الـنفوس iiثقيلُ
فـجَّرْتها يـومَ الـطفوفِ iiعظيمة      ًمـنها  ربـوعٌ قـد بكت iiوطلولُ
حاربتَ مَنْ في فضلهم دون الورى      نـطق الـكتابُ ونـوّهَ iiالانـجيلُ
لـما رأيـتَ ابـن الـنبي iiونورُه      (عُـرضُ الدُنى فيه زها iiوالطولُ)
أمَّ الـعـراقَ بِـفتيةٍ مـن iiأهـله      لـيُقيمَ  أمـراً قـد عـراه iiخمولُ
أثـقـلتَ  كـاهلَه بـها iiوأعَـقْتَه      مـن أن يـحقّقَ مـا هو iiالمأمولُ
ورمـيتَه  بـسهام غـدرٍ ما ابتلى      فـيـها وصـيٌ قـبلَه iiورسـولُ
خَـذَلَتْه  أقـوامٌ تـسابقَ iiرُسْـلُهم      مـنهم  مُـريحٌ عـنده iiوعـجولُ
بـرسـائلٍ مـضمونُها iiوحـديثُها      أن  لـيس غـيرُك لـلنجاةِ iiسبيلُ
إنـا  لأمـرك طـائعون فـقم iiبنا      فـإلامَ  يـحكم فـي البلاد iiجهولُ
عـجِّل فـدتك نـفوسُنا iiفـكبيرُنا      وصـغيرُنا  لـك ناصحٌ iiووصولُ

____________

(1) هو : الطيب المعاصر الشيخ عبد الحسين عبد السادة الديراوي ولد في خوزستان وسلك في عداد خدام المنبر الحسيني كما درس في الحوزة العلمية في قم المقدسة والأهواز ، وله ديوان سعر شعبي ( مطبوع ) أغلبه في واقعة الطف وله مشاركات في المناسبات الدينية وغيرها.

الصفحة 274

تالله  إن لــم تـستجب iiلـندائنا      فـالـدينُ  ديـن أمـيةٍ iiسـيؤولُ
ومـن الـمدينة حـين راح iiيحفه      مَـنْ  مـالَهم فـي العالمين iiمثيلُ
قـد  نُـزِّهوا عن كل ما من iiشأنه      يُـوري  فـهم لـذوي العُلا إكليلُ
نـزلوا بأرض الغاضرية iiفازدهت      مـن نـورهم لـيت المقام iiيطولُ
بـاتوا وبـات ابـن الـنبي iiكأنَّه      بــدرُ الـسماء وذالـكمْ iiتـأويلُ
أحـيى  وأحـيوا لـيلَهم iiبتضرعٍ      وتـبـتُّل وعــلا لـهم iiتـهليلُ
وغـدا  يـودّعُ بعضُهم بعضاً iiفما      أحـرى  بـأن يبكي الخليلَ iiخليلُ
حـتى إذا ولَّـى الظلامُ iiوأصبحوا      أُسـداً  تجول على العدى وتصولُ
شـهدت  بـبأسهم الفيالقُ إذ iiرأتْ      مـوتَ الـزؤام لـه بـهم iiتعجيلُ
فـكـأنَّ يـومَ الـنفخ آن iiأوانُـه      وبـه  الموكّل أُعطيَ iiالتخويلُ
(1)
مـنهم  تـهيَّب جـيشُ آل iiأمـيةٍ      وعـرى  الـجميعَ تخاذلٌ iiوذهولُ
وَعَـلَيهِمُ حـام الـقضا iiفـدعاهم      داعـي  الـمنونِ وإنَّـه لـعجولُ
فـهووا  على حرِّ الصعيدِ iiوبعدَهم      نُـكِبَ  الـهدى إذ ربّـه iiالمثكولُ
أمَّ الـخيام إلـى الـنساء iiمـعزِّياً      ومـودِّعـاً  فـبدا لـهنَّ iiعـويلُ
وغـدا  يُـسَلِّي الـثاكلاتِ iiوهكذا      حـتى هَـدَأنَ فـقام وهـو iiيقولُ
(مَـنْ ذا يُـقدمُ لي الجوادَ iiولامتي      والصحبُ صرعى والنصيرُ iiقليلُ)

____________

(1) في القيامة اقواء واضح.
 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةأعلى