الصفحة 249
(2)
رهبان الليل والنجم
سـل كـربلاء ويومها المشهودا وسـل السهول وسل هناك iiالبيد
وسل الرّبى عما رأته من iiالأسى والـدمع أغـرقَ سهلهَا iiوجرود
وسـل الـنجومَ البيض تعلم iiأنها صارت على هول المصائب سود
هـذي الـفواطم من بنات iiمحمد ٍيـلبَسن من خوف المصير iiبرود
والـجو مـربد الـجوانب iiقـاتم ٌوالـريح تـبعث في الرمال وقيد
مـا كان يسمع غير وَلْوَلَة iiالنسا وصـيـاحهن يـفجّر iiالـجلمود
وبـكاءُ أطـفالٍ ونـهدةُ iiمرضعٍ لـم تـستطعِ أن ترضع iiالمولود
وبـرغم قـرب الماء ليس ينالُه أحـدٌ وبـاتَ على الحسين iiبَعيد
مـن دونه خيلُ العدى iiوصوارم بـيض أقـامت بـالفرات iiسدود
والـظـالمون تـنكّروا iiلـمحمد ٍعـلناً وأمـسوا لـلضلال iiعبيد
وتـبادرت لـلذبّ عـنه iiعصبة ٌعـقدت عـلى هام الزمان iiعقود
تـستقبل الـموتَ الـزّؤامَ iiكأنها تـلقى بـمعترك الـنزال الـغيد
كـانوا ضـراغمةً يرون iiأمامَهم جَـيشاً كـثيفاً أنـكرَ iiالـتوحيد
وبـرغم ذلـك يضحكونَ iiكأنهُم ْفـوقَ الـمعالي يرتقونَ iiصعود
يـتهازلون وهـزلهم لا iiينطوي إلا عـلى تـقوى تـصافح iiجود
هـذا بُـرَير ضـاحكٌ iiمستبشرٌ وحـبيبُ يَـعزفُ لـلمنونِ iiنشيد
الصفحة 250
رهـبانُ لـيلٍ والـعبادةُ iiدأبُهم أما الضحى فَيُرى الجميع iiأسود
والـليلُ يـطربه نشيد iiصلاتهم والـنجمُ يـرعى لـلأُبَاة iiسجود
خـطبوا الـردى بدمائهم iiفكأنما قــد أمـهروه ذمـةً iiوعـهود
يـفدون بـالمُهج الحسينِ لأنهم عـرفوا ومُذ كان الحسينُ iiوليد
أن الـوصية لـمِ تكن في iiغيره والـناس ما برحوا لذاك iiشهود
وبـرغم قِـلتِهمْ ونَقصِ iiعديدِهم كانت لهم غُرُب السيوف iiجنود
هـي لـيلةٌ كانت برغم iiسوادها بـيضاء تبعث في الهدى iiتغريد
راح الحسين السبط يُصلح iiسَيفَهُ فـيها لـيهزم بـالشفار iiحشود
ويـذيق أعـناق الـطغاة بحده ضـرباً يـثير زلازلاً iiورعود
وبـدا يـعاتب دهـره وكـأنه قـد كـان مـنه مُـثقلاً iiمجهود
ويـقول أفٍّ يا زمان حملت iiلي هـمّاً وكـيداً حـالف iiالـتنكيد
عُميت بصائر هؤلاء عن iiالهدى ولـقيت مـنهم ضـلةً وجحود
والأمـر لـلرحمن جـل iiجلاله كـتبَ المهيمِنُ أن أموت iiشهيد
سـمعت عـقيلة هـاشمٍ iiإنشادَه فـأتتهُ تـلطمُ بـالأكفّ iiخـدود
وتـقول واثـكلاه لـيت iiمنيتي جـاءت وشـقت لي فداك لحود
الـيوم مـاتت يا ابن أمّيَ iiفاطمٌ والـيوم أصـبح والدي iiملحود
واليوم مات أخي الزكّي المجتبى والـحزن سَـهّد مـقلتي iiتسهيد
فـأجابها كـلُ الوجود إلى iiالفنا إلا الـذي وهـب الحياة iiوجود
لا تجزعي أختاه صَبراً iiواعلمي أنـي سَـالقى في الجنان iiخلود
مـهما تـمردت الـطغاة iiفإنما جـنح الـبعوضة أهلك iiالنمرود
الصفحة 251
وبـكت حـرائر آل بيت iiمحمدٍ ونـدبنَ بـحراً لـلهدى iiمورود
قـال الـحسين بـرقةٍ iiنـبوية ٍحـملت لـهن مـن الفؤاد ورود
لا تـخمشن عـليّ وجهاً إن iiأتى حتفي وصرتُ على الثرى ممدود
شـدّوا الـعزائمَ واستعدوا iiللعنا ودعـوا الـرسالة تبلغ iiالمقصود
لا يـسـتقيم الـدّين إلا فـي دمٍ من منحري إن سال يخضب iiجيد
والخيل تمشي في حوافرها iiعلى ظـهري وتـحتز السيوفُ iiوريد
وبـذاك أعـتبرُ الـمنيةَ iiفرحةً كـبرى وأعتبرُ الشهادة iiعيدا(1)
____________
(1) كربلاء ( ملحمة ) للعسيلي : ص 295 ـ 298.
الصفحة 252
(3)
البدر بين النجوم
وكـفـاه فـخراً iiلـلمرتضى شـبلٌ وللهادي العظيم iiسليلُ
والنورُ أدنى من ضياء iiمحمد ٍوكـأنـهُ بـإزائـه iiقـنديلُ
وقفَ الحسينُ وحولَهُ iiأصحابُه كـالبدرِ ما بينَ النجوم iiيقولُ
هـذا سـوادُ الليل مَدّ iiظلامَه وجـناحه مـن فوقكم مسدولُ
هَـيا إذهبوا إن الفَلاةَ iiوسيعةٌ وجـبالُها حـصنٌ لكم iiومقيلُ
ولـقد وقفتُ إلى الوداع iiكأنما يدعوا إلى هذا الوداع iiرحيلُ
فـالقومُ لا يبغونَ غير iiمقاتلي فـيها تـجولُ بواترٌ iiونصولُ
وغداً سألقى الظالمين بصارمٍ منه الجبالُ على السهول تميلُ
فـأدقُ أصلاباً ثوى فيها الخنا وأشـقُ أكـباداً بها التضليلُ
ثـابوا إليه كالأسود iiعوابس ٌبـعزائمٍ مـنها يغيضُ iiالنيلُ
قـالوا وقد زار اليقينُ iiقلوبَهُم تُـفديك مـنّا أنـفسٌ iiوعقولُ
فـغداً ترانا بين معترك iiالقنا كـالنار بين الظالمينَ iiنجولُ
وسيُوفُنا تشوي الوجوهَ iiكأنها لـهبٌ لها فوقَ الرقابِ صليلُ
لـله يا تلك النفوس وقد iiأبت إلا نـرالاً لـيس عـنه بديلُ
فـمضت لـخالقها بعز شهادةٍ طابت وقاتِلُها هو iiالمقتول(1)
____________
(1) كربلاء ( ملحمة ) للعسيلي : ص293.
الصفحة 253
(4)
على أعتاب ليلة عاشوراء
رَكـبٌ يـحلُ بـكربلا iiوخـيامُ نُـصبتْ وقـد غَـدرَتْ به iiالأيامُ
فـيه حـرائرُ آلِ بـيتِ مـحمد ٍتـحت الـهجيرِ على الرمالِ iiتنامُ
لا ظـلَّ إلا الـشمسُ حرَّ iiلهيبها نــارٌ بـهـا تـتقلّب الأجـسامُ
تـهفو إلـى ماء الفُراتِ ولا ترى إلا الأسـنّـةَ حَـولـهنَّ iiتُـقـامُ
والـخيلُ تَصهلُ والسيوفُ لوامع ٌوالـجـوّ فـيـه غِـبرةٌ iiوقـتامُ
والـرعبُ خَـيَّمَ والجفونُ دوامعٌ والـخوفُ بـين ضلوعهنَّ iiسهامُ
عَـجباً وأبـناءُ الـرسالة في iiعنا ويـزيدُ مِـنْ فـوقِ الحرير ينامُ
عـجباً وسـبطُ محمدٍ يشكو الظما ويـحيطُ فـيه عـلى الفُرات iiلئامُ
والشمرُ يَنُعمُ في الظلال iiوَيرتوي مــن مـائـه ويـلفُه الإنـعامُ
لـم لا تـغيبي يا نجومُ من iiالسما أسـفاً ويـحَتلُ الـوجودَ ظـلامُ
والـبدرُ يُخسفُ فى علاه وينتهي عـمرُ الـكواكبِ والـمعادُ iiيُـقامُ
والـناسُ تُنشرُ للحساب لكي iiترى قـوماً بـأحضانِ الـضلالةِ iiنامو
واستكبرُوا وعتوا وضلّوا وانطوى هَـديٌ وعـاشت فِـيهُمُ الأصنامُ
مـنعوا الحسينَ من الورودِ iiكأنما هـذا الورودُ على الحُسين iiحرامُ
أطـفالهُ عَـطشى تعجُّ من iiالأسى ونـسـاؤه طـافـتْ بـها iiالآلامُ
فَـكأنهُم حَـرموا الـنبيَّ مـحمدا ًمـن مـاءِ زمـزمَ والنبي يُضامُ
الصفحة 254
بـاعَ ابـنُ سـعدٍ جـنةً iiأزلـية ًبـجـهنَّم فـيها يُـشبُّ iiضـرامُ
أغـراه مُـلكُ الرّي فاختارَ iiالشقا وتـحـكّمتْ بـمـصيرهِ iiالأزلامُ
نادى الخبيثُ إلى الوغى iiفتحركت خـيلٌ عـليها سـيطر iiالإجـرامُ
ورأت تـحرُكَهَا الـعقيلةُ iiزيـنب ٌفـأصـابها مـمـا رأت iiأسـقامُ
وتـلفتتْ نـحوَ الـحُسينِ وإذ iiبه غـافٍ تُـراود جِـفْنَهُ iiالأحـلامُ
قـالتْ أُخيَّ شقيقَ روحي iiجانِحي أَغَـفَوتَ ؟ إنَّ الـحادثاتِ iiجـسامُ
هـذا العدو أتاك يزحف وهو iiفي حـقـدٍ عـليكَ تَـقُودُه iiالـظلاّمُ
فصحا وقال رأيتُ جدي المصطفى حـينَ اعـترني بـالغفاء iiمـنامُ
هو زفَّ لِي بُشرى نهاية iiمصرعي بـشـهادةٍ يـعلوُ بـها iiالإسـلامُ
ذُعـرَتْ لـما سمعت وجرحُ iiقلبها خـبـرٌ يـهونُ لـهولهِ iiالإعـدامُ
راحـت تـنادي ويـلتاهُ iiوحُزنُها مـنه تـذوبُ مـفاصلٌ iiوعـظامُ
وتـحركَ العباسُ نحو من iiاعتدى كـالليثِ إنْ خَـطُرَتْ بـه iiالأقدامُ
قـال امـهلونا يـا طغاةُ إلى iiغذٍ وغـداً سـيحكم بـيننا iiالصمصام
ودعـوا سـوادَ الليلِ أنْ يلقي بنا قـوماً بُـحبِ صـلاتِهم قد iiهامو
واللهُ يـعـلمُ أنَّ سـبـطَ iiمـحمدٍ مــا راعَــهُ كـرٌّ ولا iiإقـدامُ
لـكـنَّهُ يـهوى الـصلاةَ لـربهِ ولـه بها رغمُ الخطوبِ غرامُ(1)
____________
(1) كربلاء ( ملحمة ) للعسيلي : ص288 ـ 290.
الصفحة 255
(5)
الجفونُ المُسّهَدة
فــرَّ الـتـقى وتـبرّأ iiالـقرأنُ مـمَّـن بـهِم تـتحكّمُ iiالأوثـانُ
إسـلامُهُم مـا كـان إلا iiخـدعة ًفـيها تـجلّى الـزورُ iiوالـبهتانُ
بـاعوا الضمائرَ بالضلالِ iiوآثروا دنُـيـاً بـها يـتعطّلُ iiالـوجدانُ
وعـدوا الحسينَ بنصره iiوتخلّفوا عـنه وعـهدُ مـحّمدٍ قـد iiخانو
والـبغيُ أنـهضهُم إلـيه iiوأعلنوا حَـرباً عِـواناً قـادها iiالـطغيانُ
وتـجمّعوا حـولَ الـفُراتِ بخسةٍ مـا ردَهُـم شَـرفٌ ولا iiإيـمانُ
أطـفالُه مـثلُ الـورودِ بِلا iiندى والـماءُ جـارٍ قُـربُهم iiغِـدرانُ
والرعبُ حولَ نسائِهِ بعثَ iiالأسى فـيهنَّ وهـو مـحاصَرٌ iiظـمآنُ
سـامُوهُ أن يردَ الهوانَ أو iiالردى وهـل الـصقورُ تُخيفُها iiالغُربانُ؟
فـأبى الـهوانَ لأنَّ فـيه iiمـذلة ًوبــه لـربّ مـحُمدٍ iiعِـصيانُ
أنَّـى لشبلِ المرتضى أن iiيرتضي عــاراً حَـوتهُ مـذلَّةٌ iiوهـوانُ
فـاختارَ حَـرباً كاللهيبِ iiغمارُها حـمراء مـنها تـفزعُ iiالأزمـانُ
وتـبادرت نـحو الـمنيةِ iiعصبة ٌمـعَـهُ بـها يـستبشرُ iiالـميدانُ
وسـمتْ أمـاجدُها إلـيه iiكـأنَهُ مَـلِكٌ سَـمَتْ لـجلالِه الـتيجانُ
ومَشتْ إلى الغمراتِ لاترجو سوى رضـوانِـه فـتباركَ الـرضوانُ
يـمشي الـهوينا نحو خيمةِ زينب أُمِ الـعـيالِ وكـلـهُ iiاطـمينانُ
الصفحة 256
أصحابُهُ مثل الصقور ، iiكواسرٌ عـند الـلقاء وكـلهم إخـوانُ
قالت هل استعلمتَ عن iiنيَّاتِهمْ وثـباتِهمْ إنْ جـالت iiالفُرسانُ
فـلعلهُمْ قد يُسلموكَ إلى iiالردى بالخوفِ أو يُغريهِمُ السلطانُ(1)
فـأجابَها إنـي اختبرتُ iiثباتَهم فـوجـدتُهُم وكـأنَّهمْ عُـقبانُ
يـستأنسونَ إذا الـمنيةُ iiأقبلتْ والحربُ إن صَرَّتْ لها iiأسنانُ
كـالطفلِ يأنسُ في محالبِ iiأمّه ويـضُمهُ عـندَ الـبُكاءِ iiحنانُ
وبكتْ حناناً والدموعُ تَسيلُ iiمن جـفنٍ بـه تـتوقدُ iiالأحـزانُ
قـال الحسينُ وقد تهدّجَ iiصوتُه لاتـحزني فـلنا الـجنانُ أمانُ
أُخـتاهُ إنَّ الصبرَ خيرُ iiوسيلة ٍلا يَـذهبَنَّ بـحلمِكِ الـشيطانُ
ومضت من الليلِ المُعذبِ iiفترة ٌسوداءَ لم تَغفُ بها الأجفانُ(2)
لـكن أبـيُّ الضيمِ مالَ iiلغفوةٍ أذكـت جواهُ ، وطرفُهُ iiوسِنانُ
وصحا فقالَ : رأيتُ كلباً iiأبقعاً قُـربي يـلوحُ بوجهِهِ iiالكُفرانُ
أنـيابُهُ حـمراء تَنهشُ iiمهجتي ويـبينُ فـي قسماتِهِ iiالخِزيانُ
ثـم اسـتعدوا للردى iiفتحنطوا والـكلُّ مـنهُم ضاحكٌ iiجذلانُ
والطيبُ راحَ يُشمُ مِنْ iiأجسادهم طـيباً به يستأنسُ iiالغُفرانُ(3)
____________
(1) لا نعرف سبباً لجزم ( يسلموك ).
(2) جاءت ( تغف بها ) على ( مفتعلن ) في حشو البيت وهي من العيوب العروضية الواضحة.
(3) كربلاء (ملحمة) للعسيلي : ص 299 ـ 301.
|