الصفحة 287
18 ـ للشيخ عبدالمنعم الفرطوسي(1)
من الملحمة الحسينية
خطبة الإمام الحسين عليه السلام في أصحابه مساء يوم التاسع
ولـقد قـام خـاطباً سبطُ طه بعَد جمعِ الأصحابِ في كربلاءِ
قـال أُثـني عـلى إله iiالبرايا شـاكراً فـضلَه بـخيرِ iiثَناءِ
وله في البلاء حَمدي iiوشُكري مـثل حَـمدي له على iiالسرَّاءِ
ولـه الـحمدُ حـينَ مَنّ iiعلينا كـرماً فـي نـبوّة iiالأنـبياءِ
وحـبانا التفقيه في الدينِ iiرشداً بـعدَ تـعليمِنا كـتابَ السَّماءِ
لم نكن مشركينَ حين iiاصطفانا وهـدى لـلتوحيد خير iiاهتداءِ
بعد خَلق الأبصارِ والسمعِ iiمنا وبـناء الـقلوب خـير iiبـناءِ
أُشـهدُ اللهَ ما رأيتُ iiكصحبي أبـداً في الولا وصدقِ iiالوفاءِ
أهـل بـيتي ولا أبـرّ iiواتقى مـنهمُ مـا رأتـهُ مقلةُ iiرائي
___________
(1) هو : شاعر أهل البيت عليهم السلام العلامة الحجة الشيخ عبد المنعم بن الشيخ
حسين الفرطوسي ، وفاضل محقق ، ولد في النجف الأشرف عام 1335 هـ ، قرأ المقدمات على
يد فريق من أرباب الفضيلة وأخذ الفقه والأصول على يد السيد محمد باقر الشخص
الأحسائي ، ولازم أخيراً بحث آية الله العظمى المرحوم السيد الخوئي قدس سره ، ومن
آثاره العلمية 1 ـ شرح كفاية الأصول ( الجزء الاول ) 2 ـ شرح المكاسب 3 ـ ديوان شعر
4 ـ ملحمة أهل البيت ( وقد تناول فيها سيرة أهل البيت عليهم السلام ) توفي سنة 1404
هـ ودفن في جوار أمير المؤمنين عليه السلام في النجف الأشرف راجع شُعراء الغري
للخاقاني : ج6 ، ص3 ـ 7.
الصفحة 288
ولـقد قـال مُخبِراً لي iiبقتلي سـيّدُ الـرُسلِ خَاتِمُ iiالسُفَرَاءِ
سـوف تمضي لكربلاءَ فَتغدو بـعدَ سَـوق لها من iiالشُهداءِ
وأظـنُ الـيومَ الذي فيه iiنلقى هـؤلاءِ الخصومَ ليس iiبنائيِ
فَـجُزيتم عـنّي بخير iiجزاءٍ فـي مـواساتكم وأسنى iiحباءِ
لـكم قـد أذِنتُ طُرّاً iiفسيروا بـافتراقٍ عنّي وطولِ iiتنائي
أبـداً مـا عـليكم مـن iiذمامٍ وحـقوقٍ تُقضى بوقتِ iiالأداءِ
جَـنَّ هـذا الـظلامُ iiفاتخذوه جـملاً لـلنجا وأضفى iiغشاءِ
وليصاحب مِنْ أهلِ بيتي iiمنكم كلُّ شخصٍ شخصاً بخيرِ إخاءِ
جواب بني هاشم له عليه السلام
فـأجابَ الحسينَ بَعدَ iiقيامٍ مِنْ بني هاشم أُسودُ iiالإباء
وأخـوه العباسُ يقْدمُ iiفيهم وهُـمُ خَـلفَه بخيرِ iiاقتداء
لمَ يا ابنَ الرسول نفعلُ هذا ألـنَبْقى وأنتَ رَهنُ الفناء
لا أرانـا الإلـهُ بَعدكَ iiهذا يا سليلَ النبي طولَ iiالبقاء
ورنـا قـائلاً لآلِ iiعـقيل فـاذهبوا أنـتم بغيرِ iiجَفاء
قد كُفيتم في قَتل مُسلمَ عمّا أنـتم فـيه أحسنَ iiالاكتفاء
فأجابوه كيف نذَهبُ iiعنكم بـسلامٍ في ساعةِ iiالابتلاء
أيُّ شيء يقولُه الناسُ iiعنّا ولـهم ما نقولُ عندَ iiاللقاء
إن خـذلنا أعمامَنا iiوتركنا شيخَنا وهو خيرةُ iiالأصفياء
الصفحة 289
دون ضربٍ ودونَ طعنٍ ورميٍ مـعهم عـندَ سـاعةِ iiالالتقاء
أَمَـا واللهِ إنّـنا سـوف iiنلقى مــا تـلاقونه بـحدٍّ iiسَـواء
ونـواسيك بـالنفوسِ iiونـغدو لـك عـندَ الطعانِ خيرَ iiفداء
جواب الأنصار له عليه السلام
ولـقد قـال مُسلمٌ ليس iiنمضي أبـداً عـنكم بـيومِ البلاء (1)
وبـأي الامـورِ نُـبدي iiاعتذاراً حـينَ نمضي عنكم لربِّ السماء
بـعد تـركِ الحقِ العظيمِ iiعلينا لـك مـن ربِّـنا بـدونِ iiقَضاء
ليس نمضي بدونِ طعنٍ وضربٍ فـي صدور العِدا بأقوى iiمضاء
ولـو انّـي فـقدتُ كـلَّ iiسلاحٍ حـينما ألـتقي بـأهلِ iiالـعداء
لـقذفتُ الـعِدا لألـقى iiحِمامي دونَـكُـم بـالحجارةِ الـصَمَّاء
وسـعيدٌ أهـابَ كـالليث iiفيهم صـارخاً في بسالة وضراء (2)
لا نُـخلّي عـنكم ونذهب iiحتى يـعلمَ اللهُ بَـعدَ حُـسنِ iiالـبلاء
أنّـنـا كـلّـنا حـفظنا iiغـياباً فـيـكم حـقَ خـاتمِ iiالأنـبياء
ولـو انّـي أُحْرِقْتُ بالنارِ iiحرقاً أنــا سـبعينَ مـرّة iiبـاقتفاء
بـعد قـتلٍ لـلسيف يتلوه iiقتلٌ وأُذرّى فــي إثـرِها بـالهواء
لـيس أمضي عنكم وَما هيَ إلاّ قـتـلةٌ عـندَ سـاعةِ iiالالـتقاء
____________
(1) هو مسلم بن عوسجة.
(2) هوَ سعيد بن عبدالله الحنفي.
الصفحة 290
بـعدها نحنُ بالكرامةِ نَحظى وهي تبقى لنا بدونِ iiانقضاء
ولـقد قـال لو قُتلتُ iiزهيرٌ ثم اُحييت يا أبا الأزكياء (1)
هـكذا ألـفُ مرّة بي يجري وأنـا مُـذعِنٌ بِحُكم iiالقضاء
هـان هـذا عليَّ واللهُ يُنجي مِـنكُمُ فـتيةً كَشُهبِ السماء
وجميعُ الأصحابِ أَدْلَوا iiبقولٍ يُـشبهُ البعضُ بعضَهُ iiبجلاء
فـجزاهم خَيراً وأثنى iiعليهم بـعدَ صدْقِ الولا بخيرِ ثنَاء
موقف الحضرمي الصادق
وتـراءى الإخلاصُ بابن iiبشيرٍ وهو في مثلِ حالهِ المترائي (2)
حـين أوحى وكانَ بعضُ iiبنيه أخـبروه عـن أسره وهو iiنائي
قـائلاً مـا وددتُ أنّـيَ iiأبـقى وهـو يُمسي فِيهم من iiالأسراء
وأجـابَ الـحسينُ أنـت iiبحلٍّ مِـنْ ذِمامي فاذهب لبذلِ iiالفداء
قـال واللهِ لَـستُ أذهبُ iiعنكُم حـين يَـغدو في شِدّةٍ أو iiرخاء
قـال هذي الثيابُ خُذها iiوارسل عـنك لـلريّ صنوَهُ في الإخاء
سـاعياً بـالفكاكِ وهي iiتُساوي ألـفُ ديـنار سـاعةَ iiالإفتداء
وهـو أوحى لصحبه حين iiأبدى غـامضَ السرِّ مِنْ iiضميرِالخَفاء
إنَـكُم تُـقتلونَ حـتى iiرَضيعي وأنـا فـي غـدٍ بـغيرِ iiامتراء
____________
(1) هو : زهير بن القين.
(2) هو : محمد بن بشير الحضرمي.
الصفحة 291
دونَ زينِ العبّادِ يَحفظ iiمنّي فـيه نـسلَ الأئمةِ iiالامُناء
فـأجَابوهُ نَـحمدُ اللهَ iiشُكراً وامتناناً على عظيمِ iiالعَطاء
إذ حبانا فضلَ الشهادةِ فوزاً مـعَكُم فـي كرامةٍ iiوعُلاء
أفـلا ترتضي بأنّا iiسنغدو مـعَكُم في منازلِ iiالسُعداء
الإمام الحسين عليه السلام يُري أصحابه منازلهم
في الجنّة
وأراهم وقد رأى الصدقَ iiمنهُم في الموالاةِ بعد كشفِ iiالغطاء
مـا لهم من منازلَ قد iiأُعدت فـي جنانِ الخلودِ يومَ iiالجزاء
ولـعمري ولـيس ذا iiبعسيرٍ أو غـريبٍ من سيّدِ iiالشُهداء
فـلقد أطْـلعَ الـكليمُ iiعـليها مـنهمُ كـلَّ سـاحرِ iiبـجلاء
حـينما آمـنوا بـما جاء iiفيه عـند إبطال سحِرهِم والرياء
بعد خوفٍ من آل فرعون مُردٍ لـهم مـنذرٍ بـسوءِ iiالـبلاء
فـأراهُم مـنازلَ الخيرِ iiزُلفىً وثـواباً فـي جـنّة iiالأتقياء
لازديـادِ الـيقينِ بالحقِ iiفيهم بـعد دحضٍ للشكّ iiوالإفتراء
وثَـباتاً منهم على الدينِ iiفيما شَـاهدوه مِـن عالمَ iiالإرتقاء
ليلة الوداع
هذه ليلةُ الوداعِ iiوهذا آخرُ العهدِ منهُم باللقاء
الصفحة 292
عَـمّرُوها مـن التقى iiفأماتوا شـهواتِ الـنفوسِ iiبـالإحياء
يـومَ باتوا على هُدى iiصلواتٍ بـين خوفٍ مِنْ ربهِم iiورجاء
كـدويِّ النحلِ ابتهالاً iiونجوىً لـهُم فـي غـياهبِ الـظلماء
وهُـمُ بـينَ راكـعٍ iiبخضوعٍ وخـشوعٍ وضـارعٍ في iiدُعاء
يـتـهادَون والـهدايا iiتـحايا بُـشـرياتٍ بـغبطةٍ iiوَهـناء
هـذه الـجنّةُ الـتي قد iiأُعدتْ تـتـراءى لأُعـينِ iiالـشُهداء
لـم تكن غيرَ ساعةٍ هي iiفصلٌ بـين أُخرى الهنا ودنُيا iiالشقاء
ثـم تحظى بخيرِ فوزٍ iiونعمى بـعد مـأوى لـجنّةِ iiالأتـقياء
وبـنو هـاشمٍ نـطاقُ iiعيونٍ مـستديرٌ عـلى خـيامِ iiالنساء
وأبو الفضلِ فارسُ الجمع ترنو مـقـلتاهُ لـمـقُلةِ iiالـحوراء
الاستعداد للحرب
ولـقد قاربوا الخيامَ iiجميعاً دونَ بُـعدٍ ما بينها iiوتنائي
واُحيطت في خَندق ملأوهُ حطباً حولهَا بخيرِ iiامتلاء
ليشبّوا يومَ الوغى فيه ناراً فـيكونَ القتالَ عندُ iiاللقاء
حـينما يحملونَ فيه iiلوجه واحـدٍ دونَ سائرِ iiالأنحاء
كلُّ هذا قد كان منهم iiبأمرٍ أخـذوه عن سيّدِ iiالشهداء
الصفحة 293
كلام الحسين عليه السلام مع نافع
وتـهادى سـبطُ الـنبوّةِ ليلاً لاخـتبار الـرُبى بظلِّ الخفاء
حـذراً أن تكونَ دون iiاختبارٍ مـكمَناً لـلعِدا وخـيرِ iiوقـاء
ورأى نـافـعٌ إمـامَ iiالـبرايا خـارجاً فـي غياهبِ الظلماء
فـاقتفى إثـرَهُ احتفاظاً iiعليه خـيفةً مـن غـوائلِ iiالأعداء
فـرنا قـائلاً : أنـافعُ iiهـذا مـا الذي جاء فيكَ بعدَ iiالعِشاء
قـلتُ يـاسيّدي خروجُك iiليلاً لـثنايا مُـعسكرِ iiالـخُصَماء
قال فاسُلك ما بينَ تلك الروابي وانجُ بالنفس مِن عظيمِ iiالبلاء
هـي واللهِ لـيلةُ الوعدِ iiصِدقاً وهـو وعدٌ خلوٌ مِن iiالافتراء
قـلتُ واللهِ ما أنا عنكَ iiماضٍ قـطّ حـتى أذوقَ كأسَ iiالفناء
فَـرسي هَـذهِ بـألفٍ iiوسيفي مـثلُها سـيّدي بـحدٍّ iiسـواء
لـستُ أنأى حتّى يَكِلا iiبفريٍ ويـجريٍ مـنّي بـأيّ iiتنائي
حبيب والأصحاب أمام خيمة النساء
وسـمعتُ الحوراءَ حينَ iiتوارى وأنــا واقـفٌ أمـامَ الـخباء
تَـتناجى مـعَ الحسينِ iiوقالت وهـي تـبكي يا سيّدَ iiالشُهداء
هـل تـبيّنتَ وابـتليتَ iiالنوايا من جميعِ الأصحاب ِخيرَ ابتلاء
الصفحة 294
إن طـعمَ الـحِمامِ مُـرٌّ iiوأخـشى أنــا أن يُـسـلموك دونَ iiعـناء
عـندَ وقـتِ اصـطكاكِ كل iiسنانٍ بـسـنانٍ فــي وثـبةٍ شـعواء
قــال جـرّبـتُهم فـلـم أر iiإلاّ أشـوساً أقـعساً شـديدَ الـمضاء
وهُـمُ يـأنسونَ بـالموتِ iiدونـي رغـبـاً فــي مـسرّةٍ iiوهـناء
مـثلما فـي مـحالبِ الأمِّ iiشـوقاً يـأنسُ الـطفلُ عـندَ وقتِ iiالغذِاء
قـلـتُ إي والإلــه iiوانـصعتُ أسـعى لـحبيبٍ في حَسرةٍ ورثاء
قـلت هـذا جـرى فـهلا iiتنادي كــل أصـحـابنا بـخير iiنـداء
قــال سـمعاً وطـاعةً ودعـاهُم يـاليوثَ الـهيجا بـخيرِ iiدُعـاء
فـأجـابوا لـبيّكَ حـينَ iiتـجلَّوا كـأُسودِ الـشرى وشُـهبِ iiالسماء
قـال ردّوا فـلا سـهرتُم iiعُـيوناً لـبـني هـاشمٍ عـيونُ iiالـعلاء
وحـكى لـلصحابِ مـا قـد حكاهُ نـافـعٌ عـنـدَ سـاعةِ iiالإبـتداء
فـأجـابوه كـلُّـهم لــو أتـتنا سـاعةُ الإذنِ مـن أبـي iiالأزكياء
لـبـدأنـاهُمُ جـمـيعاً iiعُـجـالاً نَـحنُ بـالحربِ دونَ أيّ رخـاء
قال سيروا معي وكان أمامَ الصَحب يَـسري عَـدْواً وهُـم مِـنْ iiورَاء
وهُــمُ يَـهرعونَ جـنباً iiلـجنبٍ وَجـثوا قُـرب خـيمةِ iiالـحوراء
وحـبيبُ نـادى فـنادوَاوا iiجميعاً يــا كـريماتِ خـاتمِ iiالأنـبياء
هـذه هـذه الـسيوفُ iiالـمواضي مـن جـميعِ الـغُلمان iiوالأولـياء
قـد أصـرّوا طُـرّاً بأن iiيُغمدُوها فـي نَـحورِ الـعِدا بـيوم iiاللقاء
والـعوالي آلـوا بـأن iiيـركزُوها دونَـكُم فـي صُـدورِ أهل iiالعِداء
ســوفَ نـفديكُم بـكلِّ iiنـفيسٍ ونـفـوسٍ مـخـلوقةٍ iiلـلـفدِاء
|