الصفحة 224
الأستاذ بولس سلامة
بسلاسة الألفاظ وعذوبتها ورقتها الوجدانية وجمال التراكيب والعبارات والجمل وبهاء
صياغاتها ، وبكفاءة التخيّل وقدرة التأمّل والتصوّر تم لبولس سلامة ـ كشاعر متميز ـ
أن يدور حول الحوادث والشخصيات والأمكنة في ليلة العاشر من المحرم ليقتنص ظلالها
الشفّافّة فيوثّق التاريخ بريشة ساحرة ويرسم معادِلاً شعرياً للأفكار يحاذي ثباتها
بمتغيراته ، ويوازي قطعيّتها باحتمالاته ، ويساوق أبديتها بلحظاته فيصطاد الرؤى
الشعرية ويضع لها أجنحة تحلّق في آفاق الإبداع ويحيط الانفعال ليحرقه وقوداً للفكرة
المقدسة الأبدية ، سنبدأ مع بولس سلامة من بيت جميل يقول فيه :
فرأى في الكتاب سفر عزاء ومشى قلبه على الصفحات
كيف يستطيع قلب أن يمشي على صفحات كتاب ؟ هذا ما سَنُسميه خرق المألوف وتجاوز
السائد في اللغة والكلام اليوميين ، وهذا يتم للشاعر بعد إختياره الواعي بين أنساق
الكلام وألفاظ اللغة ثمّ التأليف المتبصّر للكل من الأجزاء فيجد الشاعر مبرراته
المقنعة للخروج على الاُلفة والعادات اللغوية كونه يتعامل مع البيان الإلهي ومع
الإنسان الكامل ـ الإمام الحسين عليه السلام ـ فيقول مفسراً :
للبيان العلوي في ، أنفس الأط هار مسرى يفوق مسرى اللغات
ومن هنا نرى أن القلب الذي يمشي على صفحات القرآن متابعاً للمسرى والطريق الإلهي
الذي يجعل القلوب تتمشي على مفرداته والفاظه ونرى ـ أيضاً ـ أن
الصفحة 225
الشاعر يولي لفظة (القلب) إهتماماً خاصاً بقصد أو بدون قصد فنرى : ـ
1 ـ (ومشى قلبه.....)
2 ـ (فالمناجاة شعلة من فؤاد صادق الحس.....)
3 ـ (أطلق السبط قلبه في صلاة فالاريج الزكي في النسمات )
ويكون التجاوز متمثلاً في تحول القلب الى طائر مرتهن في قفص يطلقه الإمام الحسين
عليه السلام في صلاته فيضوع من أثر التحوّل أريج يغمر النسمات.
هذا الإجتهاد المتميز في تركيب صور متجددة ومثيرة لهو نتاج الكفاءة في التخيّل
المبدع والشاعرية المتحسّسة الدفّاقة التي تجتلي حالة الإتصال بالله تعالى عبر
نورية المناجاة فتصوّرها هكذا :
فالمناجاة شعلة من فؤاد أو المناجاة ألسن من ضياء.
فالمناجاة عندما تكون قلبية فهي شعلة من فؤاد.. وعندما تكون لسانية فهي ألسن من
ضياء.. ومن إشتعال الفؤاد وإنطاق الضياء يتحدد الإتصال من الإمامل عليه السلام
بالله الخالق الحق الذي أفاض من نوريته على الإمام وعلى أبيه عليهما السلام أيضاً.
فأبوه مدوّن الذكر ، أجراه ضياء على سواد الدواة
فتتجمع الأجزاء النورية في وحدة عضوية تلفّ بناء القصيدة وتمنحه تماسكاً خفياً وقوة
باطنية واُ سّاً شاخصاً في مركز ثقل هيكل البناء ، ونقطة من نقاط الإرتكاز والثبات
في عالم المعنى.
وهناك آلية اُخرى يستخدمها الشاعر ليؤكّد شاعرية نصه واختلافه ومغايرته لما هو سائد
من آليات اللغة ، هذه الآلية الظاهرة في معالجته للمحسوسات والمجردات في تفاعل شعري
يجمعهن ليعطي صفة إحداهن للاُخرى وبالعكس ،
الصفحة 226
في تآلف عجيب يؤكد غرائبية التصوّر والرؤيا التي تتفتّح على آفاق متعددة قابلة
للقراءات المختلفة والتأويل المشروع ، فهو يهيّيء لحالة الحلم التي يتم خلالها
التواصل بين الإمام عليه السلام وجده الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله [ بعد أن تم
التواصل بينه وبين الخالق الحق ـ عزوجل ـ ] عبر هذه الآلية فنرى :
( وهمت نعمة القدير...
إن نعمة القدير كمفهوم مجرّد إتخذت صفة حسية عندما (همت) أي سالت أو جرت ، لكن هذه
السيولة أو الجريان الحسيّين توافقا مع مفهومين آخرين : ـ الاوّل مجرد هو السلام ،
والثاني حسّيّ هو السكون ، في تآلف يجمعهما الإشتراك اللفظي في صوت حرف السين الذي
تبدأ به اللفظتان (سلام ـ سكون) نقول مثلما قال الشاعر : إن نعمة القدير قد جرت
سلاماً وسكوناً وهذا الجريان أو السيولة جريان بلين ورقّة ، فالفعل (همى) يعني
السيولة أو الجريان برقة مثل تساقط الدموع السائلة على الخدود أو تساقط قطرات الندى
من الأغصان فجراً ، فما أبرعه من تصوير للحلم لأن هذه النعمة الإلهية قد تساقطت على
(الأجفن القلقات) لتمنحها (السلام والسكون) برؤيتها لسيد المخلوقات (الرسول الاكرم
محمد صلى الله عليه وآله)
وهمـت نعمة القدير سلاماً وسكوناً للأجـفن القلقـات
ودعاه إلى الرقــاد هدوء كهدوء الأسحار فى الربوات
وهناك امثلة اُخرى على هذه الآلية في تبديل موقع الحسّي بالمجرد أو بالعكس كما في
(معجزات ترن) أو في (المناجاة شعلة..) (المناجاة ألسن..).
وهذه الآلية تصب ـ أيضاً ـ في مركز ثقل هيكل القصيدة كما قدمنا
هناك ـ أيضاً ـ تأثير الآداب المجاورة التي لابدّ أن تلقي ظلالها ـ بوعي من
الصفحة 227
الشاعر أو من غير وعي ـ فتظهر في نتاجه بشكل يدّل على التداخل أو إذا شئنا أن
نستعير من أبي حيّان التوحيدي مايدعوه بـ(المقابسة) والذي يسمى حديثاً بـ(التناصّ)
والذي كان الجهد النقدي القديم يعدّه من السرقات عندما لا يتعاطف مع النصوص
المتداخلة فيؤلف كتاب حول (الابانة عن سرقات المتنبي) ويكون الرّد المتعاطف مع
آليات التداخل بعبارة (وقع الحافر على الحافر).
ويُعلن النقد الأكثر حداثة عن عدم براءة أي نص من التداخل ونرى مثلاً في أحد أبيات
القصيدة
مثلما يطعن الهواء غبيّ فيجيب الأثير بالبسمات
اقتباساً واضح المعالم من الكاتب الأسباني سرفانتيس في روايته (دون كيشوت) الفارس
الذي يقاتل طواحين الهواء برمحه في عبثية وغباء.
ثم نرى مسألة اُخرى تزيد النص وحدة وتماسكاً وهي النظرة الى علاقات الإمام عليه
السلام فهو يبدأ في الاتصال بالله ـ عزوجل ـ عبر قنوات ثلاث هي :
1 ـ القرآن..
ناولوني القرآن قال حسين لذويه وجدّ في الركعات
2 ـ الصلاة..
إنما الساجد المصلي حسين طاهر الذيل ، طيب النفح
الصفحة 228
3 ـ المناجاة..
المناجاة السن من ضياء نحو عرش العليّ مرتفعات
ليحدث بعد ذلك تصعيد جديد في علاقات الامام عليه السلام في اتصاله بجده رسول الله
صلى الله عليه وآله عبر قناة الحلم و يكون في معيّة الرسول الاكرم صلى الله عليه
وآله ايضاً اُمه الزهراء وأبوه أمير المؤمنين وأخوه الحسن عليهم السلام
إنني قد رأيت جدي وامي وأبي والشقيق في الجنات
ليحدث تصعيد ثالث في علاقاته من خلال إتصاله بشقيقته زينب عليها السلام
وصحا غب ساعة هاتفاً اُختاه بنت العواتك الفاطمات
ثم يحدث التصعيد الرابع في لقائه بأصحابه وأهل بيته :
ودعا صحبه فخفوا اليه فغدا النسر في إطار البزاة
وتتم الدورة باللقاء بالله ـ عزوجل ـ شهيداً والانتقال الى العالم الآخر
إن مــا يكسـب الشهيد مضاء أمل كالجنائن الضاحكـات
فهو يطوى تحت الاخامص دنيا لينـال العــلى بدهر آت
هذه الحركات الخمس أعطت للقصيدة إيقاعاً داخليا وهّاجاً ليضيف لهيكل القصيده دعائم
بنائية متواشجة مع نقاط الارتكاز الاُخرى أو لِنَقُل : الخيوط التعبيرية والتوصيلية
التي تنسج شبكة النص.
هناك ـ ايضاًـ إستخدام الحوارات المختصرة المعبرة بشكل فني ينمّ عن وعي مسرحي عال
يترجم الحوارات الاصلية التي قيلت ليلة العاشر من المحرم
حسبكم ما لقيتم من عناء فدعوني فالقوم يبغون ذاتي
مقابل ( إنّ القوم إنما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري )
الصفحة 229
أو :
وخذوا عترتي وهيموا بجنح الليل فالليــل درعكــم للنجــاة
مقابل : ( وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ـ هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه
جملا )
أو :
ليتنا يا حسين نسقط صرعى ثم تحيا الجسوم فى حيوات
وسنفديك مــرة بعد اُخرى ونضحي دمــاءنا مـرات
مقابل :( قال زهير بن القين : والله وددت إني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أُقتل كذا
ألف مرة )
وربما تكون بعض المقتضيات الفنية قد جعلته يبتكر في الحوارات مالم يُقل نصّاً بل
مايُستشعر بأنه سيقال حتى أنه جاء بلغة معاصرة لا يمكن لأنصار الحسين أن يقولوا
مثلها في زمنهم بل يقولونها بلغة عصرهم الذي عاشوا فيه :
فنكون الأقذار في صفحة التاريخ والعار فـي حديث الــوات
أو سبابــاً على لسان عـجوز أو لسان القصّاص في السهرات
يتــوارى أبنائنـا في الزوايا من اليم الــهجاء واللعنـات
و هذا التمكن في إستخدام أدوات الفنون الاُخرى كالمسرح أضفى على القصيدة درامية في
التعبير تضاف الى الحصيلة العامة مما أسميناه بالخيوط التعبيرية والتوصيلية الناسجة
لشبكات الإتصال بين النص والمتلقي حين تنكشف معطيات القصيدة كإنجاز نوعي على مستوى
المبنى الحامل للمعنى بموقف جمالي متقدم.
الصفحة 230
(2)
الكوكبُ الفرد
أنـزلـوه بـكـربلاء iiوشـادوا حـوله مـن رمـاحهم iiأسـوارا
لا دفـاعاً عـن الـحسين iiولكن أهل بيت الرسول صاروا أُسارى
قـال : مـاهذه الـبقاعُ فـقالوا كـربـلاء فـقال :ويـحكِ iiدارا
هـاهنا يـشربُ الثرى من iiدمانا ويـثيرُ الـجمادَ دمـعُ iiالعذارى
بـالمصير المحتوم أنبأني iiجدي وهـيـهات أدفــع iiالأقـدارا
إن خَـلَـتْ هـذه الـبقاع iiمـن الأزهـار تـمسي قبورُنا iiأزهارا
أو نـجوماً على الصعيد iiتهاوت فـي الـدياجير تُـطلعُ الأنوارا
تـتلاقى الأكـبادُ من كُل iiصوبٍ فـوقَها والـعيونُ تـهمي iiادّكارا
مَـنْ رآهـا بكى ومن لم iiيزرها حَـمَّـل الـريحَ قـلبُه iiتِـذكارا
كـربلاء !! سـتصبحين iiمحجاً وتـصيرين كـالهواءِ iiانـتشارا
ذكـركِ الـمفجع الألـيم iiسيغدو فـي البرايا مثلَ الضياءِ iiاشتهارا
فـيكون الـهدى لـمن رام iiهدياً وفـخاراً لـمن يـرومُ iiالـفخارا
كُـلّما يُـذكر الـحسينُ شـهيداً مـوكبُ الـدهر يُنبت iiالأحرارا
فيجيءُ الأحرار في الكون iiبعدي حـيثما سـرتُ يـلثمون iiالغبارا
ويـنادون دولـةَ الـظلم iiحيدي قـد نـقلنا عن الحسين iiالشعارا
فـلـيمت كـلُ ظـالمٍ iiمـستبدٍّ فـإذا لـم يـمت قـتيلاً iiتوارى
ويـعـودون والـكرامةُ iiمَـدّت حـول هـاماتهم سـناءً iiوغارا
الصفحة 231
فـإذا أُكـرهوا ومـاتوا iiلـيوثاً خَـلّدَ الـحقُ لـلأُسود iiانتصارا
سَـمِعَتْ زيـنبُ مـقالَ حسينٍ فـأحستْ فـي مُـقلتيها iiالدوارا
خـالتْ الأزرقَ المفضّض سقفاً أمـسـكتُهُ الـنجومُ أن iiيـنهارا
خالتْ الأرضَ وهي صمّاءَ حزنٌ حـمأً تـحتَ رجِـلها iiمَـوّارا
لـيـتني مُـتُّ يـاحسينُ iiفـلمْ اسمع كَلاماً أرى عَليه احتضارا
فُـنيتْ عِـترةُ الـرسولِ iiفأنتَ الـكوكبُ الـفردُ لا يزالُ iiمنارا
مـات جـدي فانهدَّت الوردةُ ال زهـراءُ حزناً ، وخلَّفتنا iiصغارا
ومـضي الـوالدُ العظيمُ iiشهيداً فـاستبدّ الـزمانُ والـظلُّ iiجارا
وأخـوك الـذي فقدناهُ iiمسموماً فـبتنا مـن الـخطوبِ iiسُكارى
لا تَـمُتْ يـا حسينُ تفديكَ iiمنّا مُـهجاتٌ لـم تـقرب iiالأوزارا
فـتقيكَ الجفونُ والهُدب iiنرخيها ونـلقي دون الـمنون iiسـتارا
شـقّت الـجيبَ زيـنبٌ وتلتها طـاهراتٌ فـما تـركن iiإزارا
لا طـماتٍ خُـدودهنَّ iiحُـزانى نـاثـراتٍ شـعورهنَّ iiدثـارا
فـدعاهنَّ لاصـطبارٍ iiحـسينٌ فـكأنَّ الـمياه تُـطفيء iiنـارا
قـال : إن مـتُّ فـالعزاءُ iiلكنّ الله يُـعطي مـن جوده iiإمطارا
يلبسُ العاقلُ الحكيمُ لباسَ iiالصبر إن كـانـتْ الـخطوبُ iiكـبارا
إنّ هـذه الـدنيا سحابةُ iiصيفٍ ومـتى كـانت الـغيومُ قـرارا
حُـبّيَ الموتُ يُلبسُ الموتَ iiذلاً مـثلما يكسفُ الّهيبُ iiالبخارا(1)
____________
(1) عيد الغدير : بولس سلامة : ص 250 ـ 253.
الصفحة 231
6 ـ للشاعر الأستاذ جاسم الصحيّح(1)
تأملات في ليلة عاشوراء
ذكـراكِ مِـلءُ مَحاَجِرِ iiالأجيالِ خَـطَرَاتُ حُزْنٍ يَزْدَهِي بِجَلأل
وَرَفَيفُ سِرْبٍ من طُيُوفِ iiكآبةٍ تـختالُ بـينَ عَوَاصِفٍ iiورِماَل
يَـا لَـيْلَةً كَـسَت الزمانَ iiبِغَابَةٍ مِـنْ رُوحِـها ، قَمرِيَّةِ iiالأَدْغاَل
ذكـراكِ مَـلْحَمَةٌ تَوَشَّحَ iiسِفْرُهاَ بـروائعٍ نُـسِجَت من الأَهْوَال
فَهناَ (الحسينُ) يَخِيطُ من iiأحْلأمِهِ فَجْرَيْنِ: فَجْرَ هوىً وَفَجْرَ نِضَالِ
وَ أَماَمَهُ الأجيالُ...يلمحُ iiشَوْطَها كَـابٍ عـلى حَجَرٍ من iiالإِذْلألِ
فيجيشُ في دَمِهِ الفداءُ iiويصطلي عَـزْماً يُـرَمِّمُ كَـبْوَةَ iiالأجيالِ
***
وَهُنِا (الحسينُ) يُرِيقُ نبضَ iiفؤادِهِ مُـتَمَرِّغاً فـي جَـهْشَهِ iiالأطفالِ
____________
(1) هو : الشاعر المبدع جاسم محمد أحمد الصحيّح ، ولد سنة 1384 هـ في الجفر إحدى
قرى الأحساء ، حاز على بكالوريس في الهندسة الميكانيكية ، ويعمل حالياً موظفاً في
شركة آرامكو السعودية ، ومن نتاجه الشعري الرائع ، أربعة دواوين وهي : 1 ـ عناق
الشموع والدموع 2 ـ خميرة الغضب 3 ـ ظلّي خليفتي عليكم 4 ـ سهام أليفة ، وله
مشاركات في النوادي الأدبية والثقافية والدينية.
الصفحة 233
طَـعَنُوهُ مـن صَـرخَاتِهِمْ iiبِأَسِنَّةٍ وَرَمَــوْهُ مـن أَنَّـاتِهِمْ iiبِـنِبَالِ
(فَـأَحَلَّ)من ثَـوْبِ التجلُّدِ iiحَانِياً وَ(أفـاَضَ)في دَمْعِ الحنانِ الغالي
وانْـهاَرَ في جُرْحِ الإباءِ iiمُضَرجاً بِـالحُزْنِ... مُـعْتَقَلاً بِغَيٍرِ iiعِقَالِ
فَتَجَلَّتِ (الحوارءُ) في جَبَرُوتِها ال قُـدْسِيِّ تـجلو مـوقف iiالأبطال
مَدَّتْ على البَطَلِ الجريحِ iiظِلألَها وَ طَـوَتْهُ بـين سَـوَاعِدِ iiالاّمال
فَـتَعاَنَقاَ...رُوحَيْنِ سَـلَّهُمِا iiالأسى بِـصَفَائِهِ مـن قَبْضَةِ iiالصَلْصَالِ
وعـلى وَقِـيدِ الـهَمِّ في iiكَبِدَيْهِما نَـضَجَ الـعِنَاقُ خَمَائِلاً و iiدَواَليِ
***
وَهُـنَاكَ ( زينُ العابدين) يَشُدُّ iiفي سَـاقَيْهِ صَـبْرَهُماَ على الأَغْلألِ
و (سُـكَيْنَةٌ) بـاَتَتْ تُوَدِّعُ iiخِدْرَهاَ فَـتدِبُّ نـارُ الشوقِ في الأسْدَالِ
والـنسوةُ الخَفِراَتُ طِرَنَ iiحمائماً حـيرى الـرفيفِ كئيبةَ iiالأَزْجَالِ
مَـازِلْنَ خلفَ دموعِ كل iiصَغِيرةٍ يَـخْمِشنَ وَجْـهَ الصبرِ iiبالأذيالِ
حـتَّى تفجَّرَ سِرْبُها في سَرْوَةِ iiال َأحـزانِ فـاحْتَرَقَتْ مِـنَ iiالمَوَّالِ
ووراءَ أروِقَـةِ الـخيامِ iiحـكايةٌ أُخْـرَى تـتيهُ طـيُوفُها بِـجَمَالِ
فَـهُناَلِكِ (الأَسَـدِيُّ) يُبْدِع iiصورةً لِـفِـدائِهِ ، حُـورِيَّـةَ الأشـكالِ
ويـحاولُ اسـتنفارَ شِـيمَةِ iiنخْبَةٍ زرعوا الفَلأةَ رُجُولَةً iiومعاَلي(1)
نـادى بِـهِمْ... والمجدُ يشهدُ iiأنَّهُ نـادى بِـأعظمِ فَـاتِحِينَ iiرِجاَلِ
فـإذا الـفضاءُ مُُـدَجَّجٌ iiبِصوارمٍ وإذا الـتـرابُ مُـلَغَّمٌ iiبِـعَوَالي
____________
(1) حكم ( دوالي ـ معالي ) النصب عطفاً.
الصفحة 234
ومـشى بِـهِم أَسَـداً يقودُ iiوَرَاءه ُنـحو الـخلودِ ، كـتيبةَ iiالأشْبَالِ
حـتَّى إذا خدرُ (العقيلةِ) iiأجهشتْ أسـتارُه فـي مِـسْمعِ iiالأَبْـطَالِ
ألـقى السلامَ.... فما تبقَّتْ iiنَبْضَةٌ فـي قَـلْبِه لـم تـرتعشْ iiبِجَلألِ
وَمُـذِ الْـتَقَتْهُ مَـعَ الكآبةِ iiزينَبٌ مـخـنوقَةً مـن هَـمِّها iiبِـحِبَالِ
قَـطَع اسـتدارةَ دمعةٍ في iiخَدِّها وَأَراَقَ خَـاطِرَها مـن iiالـبَلْبالِ
وَتَـفَجَّرَ الـفرسانُ بِـالعَهْدِ iiالذي يـنسابُ حـول رِقَـابِهم بِـدَلألِ
قـرِّي فُـؤَاداً يا(عقيلةُ) iiوأحفظي هـذي الـدموع.. فإنَّهنَّ iiغوالي
ما دامتِ الصحراءُ... يَحْفَلُ iiقلبُها مِـنَّـا بِـنَبْضَةِ فَـارِسٍ iiخَـيَّالِ
سـيظلُّ فـي تـاريخ كلِّ iiكرامة ٍمـيزان عِـزِّكِ طَـافِحَ iiالمِكْيَالِ
عَـهْدٌ زَرَعْناَ في السيوفِ iiبُذُورَهُ وَسَـقَتْهُ دِيـمَةُ جُـرْحِناَ iiالهَطَّالِ
***
أمـاَّ (الـفراتُ) فَـمُقْلةٌ iiمَشبُوحَةٌ نـحو الـصباح ، مُسَهَّدُ iiالسَلْسَالِ
يَـتَرقَّبُ الـغَدَ...بِالدِمَاءِ iiيَـزُفُّهُ عَـبْرَ امْـتِدَادِ أَبَـاطِحٍ iiوتـلأل
وَيَـتُوقُ (لِـلْعَبَّاسِ) يَـغْسِلُ iiمَائَه ُبِـأَجَـلِّ مَـعْنىً لـلوفاءِ ، زُلألِ
جاسم محمد أحمد الصحيّح
24| شهر رمضان |1416 هـ
الجفر ـ الأحساء
الصفحة 235
الأستاذ جاسم الصحيّح (1)
نحن إزاء شاعرية تهندس خطابها بصخب هادر وتُزاوج رؤاها بليونة الطين في يد النّحات
المتمرّس.
هناك مخطط في بناء القصيدة لا يُخطيء المتلقي في فرزه وتمييزه ، وهناك جهد يختبيء
خلف سطور النص ، وهناك جدارة تنزوي خوفاً من قسوة التلقي وبطشه ، لكن هناك جرأة
وشجاعة على مستوى التعبير وعلى مستوى الخروج على النمط لايستطيع القاريء إغفاله :
ياليلة كست الزمان بغابة من روحها قمرية الأدغال
إنّ القوافي سلسة المجيء الى نهايات البيت الشعري ولها ما يبرر مجيئها في حشو البيت
، لكن ماهذه الجرأة في التركيب (غابة من روحها) وما هذا الإنشاء التصويري في
المزاوجة بين خطابه لليلة وبين إكتساء الزمان منها بضوء قمر جاء على شكل غابة من
الروح أدغالها نورانية الإشعاع ؟
وسنلاحظ هذا النهج في أكثر من بيت عند الصحيّح مما يؤكد أصالة الإلتصاق والإلتحام
بما هو جوهري في التأمل الشعري وكيفية معالجته.
والامثلة تتعدد في قصيدته الهادرة فمثلاً نلاحظ :
فهنا الحسين يخيط من أحـلامه فجرين : فجر هوى وفجر نضال
وهنا الحسين يريق نبض فؤاده متمــرّغاً فـي جهشة الأطفال
ونلاحظ (متمرّغاً في جهشة الأطفال) التي لها معنى بعيد عن المعنى
|