بحار الأنوار ج58

مبنيا على ما يحكم به أهل العرف ، وذكره لبيان أن مثل تلك الرؤية لا تسمى رؤية
حقيقية(1)لا عرفا ولا لغة .
والثانى أنه يحتمل أن يكون الحكم مبنيا على الضرورة ، ويجوز في حال
الضرورة مالا يجوز في غيرها ، فيجوز النظر إلى العورة كنظر الطبيب والقابلة وأمثالهما
ولما كان هذا النوع من الرؤية أخف شناعة وأقل مفسدة اختاره عليه السلام لدفع الضرورة
هناك بها ، فلا يدل على الجواز عند فقد الضرورة ، وعلى الانطباع . والاول أظهر .
ومع ذلك لا يمكن دفع كون ظاهر الخبر الانطباع ، وسنتكلم في أصل الحكم في موضعه
إن شاء الله تعالى .
8 - توحيد المفضل : قال الصادق عليه السلام : فكر يا مفضل في الافعال التي جعلت
في الانسان من الطعم النوم والجماع وما دبر فيها ، فإنه جعل لكل واحد منهما في
الطباع نفسه محرك يقتضيه ويستحث به . فالجوع يقتضي الطعم الذي به حياة البدن
وقوامه ، والكرى(2)يقتضي النوم الذي فيه راحة البدن وإجمام قواه ، والشبق يقتضي
الجماع الذي فيه دوام النسل وبقاؤه ، ولو كان الانسان إنما يصير إلى أكل الطعام
لمعرفته بحاجة بدنه إليه ولم يجد من طباعه شيئا يضطره إلى ذلك كان خليقا أن يتوانى
عنه أحيانا بالتثقل والكسل ، حتى ينحل بدنه فيهلك ، كما يحتاج الواحد إلى
الدواء لشئ مما يصلح به بدنه فيدافع به حتى يؤديه ذلك إلى المرض والموت :
وكذلك لو كان إنما يصير إلى النوم بالتفكر في حاجته إلى راحة البدن وإجمام قواه
كان عسى أن يتثاقل عن ذلك فيدفعه حتى ينهك بدنه . ولو كان إنما يتحرك للجماع
بالرغبة في الولد كان غير بعيد أن يفتر عنه حتى يقل النسل أو ينقطع . فإن من الناس من
لا يرغب في الولد ولا يحفل(3)به . فانظر كيف جعل لكل واحد من هذه الافعال التي
بها قوام الانسان وصلاحه محرك من نفس الطبع يحركه كذلك ويحدوه عليه .


(1)حقيقة(خ).
(2)الكرى - بفتحتين - : النعاس .
(3)أى لا يبالى ولا يهتم به ، وفى نسخة " لا يحتمل به " وفى اخرى " ولا بمجفل به "

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه