بحار الأنوار ج18

ذلك " يجد له شهابا رصدا " يرمى به ويرصد له ، و " شهابا " مفعول به و " رصدا " صفته ،
قال معمر : قلت للزهري : كان يرمى بالنجوم في الجاهلية ؟ قال : نعم ، قلت : أفرأيت
قوله : " أنا كنا نقعد منها " الآية ، قال : غلظ وشدد أمرها حين بعث النبي صلى الله عليه وآله ،
قال البلخي : إن الشهب كانت لا محالة فيما مضى من الزمان ، غير أنه لم يكن يمنع بها
الجن عن صعود السماء ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله منع بها الجن من الصعود " وأنا لا ندري
أشر اريد بمن في الارض " أي بحدوث الرجم بالشهب وحراسة السماء ، جوزوا هجوم
انقطاع التكليف أو تغيير الامر بتصديق نبي من الانبياء ، وذلك قوله : " أم أراد بهم
ربهم رشدا " أي صلاحا ، وقيل : معناه أن هذا المنع لا يدرى ألعذاب سينزل بأهل الارض
أم لنبي يبعث ويهدي إلى الرشد ، فإن مثل هذا لا يكون إلا لاحد هذين " وأنا منا
الصالحون ومنا دون ذلك " أي دون الصالحين في الرتبة " كنا طرائق قددا " أي فرقاشتى
على مذاهب مختلفة ، وأهواء متفرقة ، " وأنا ظننا " أي علمنا " أن لن نعجز الله في الارض "
أي لن نفوته إن أراد بنا أمرا " ولن نعجزه هربا " أي أنه يدركنا حيث كنا " وأنا لما
سمعنا الهدى " أي القرآن " آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا " أي نقصانا فيما
يستحقه من الثواب " ولا رهقا " أي لحاق ظلم وغشيان مكروه " وأنا منا المسلمون
ومنا القاسطون " أي الجائرون عن طريق الحق " فمن أسلم فاولئك تحروا رشدا " أي
التمسوا الصواب والهدى " وأما القاسطون فكانوا لجنهم حطبا " يلقون فيها فتحرقهم
كما تحرق النار الحطب انتهى(1).
أقول : سيأتي الكلام في حقيقة الجن وكيفياتهم وأحوالهم في كتاب السماء و
العالم إنشاء الله تعالى .
وقال القاضي في الشفا : رأي عبدالله بن مسعود الجن ليلة الجن ، وسمع كلامهم ،
وشبههم برجال الزط(2)، وقال النبي صلى الله عليه وآله : إن شيطانا تفلت البارحة ليقطع علي
صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته ، فأردت أن أربطه إلى سارية(3)من سواري المسجد حتى


(1)مجمع البيان 10 . 367 - 371 .
(2)الزط : قوم من السودان والهنود طوال .
(3)السارية : الاسطوانة .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه