قال : نعم هو رأسها وأول ما يفرغ إليه عند نهش الحيات(1)ولسع الهوام وشرب
السمائم .
قلت : أليس تعلم أنه لابد للادوية المرتفعة والادوية المحرقة في أخلاط الترياق
إلا أن تطبخ بالافاعي القاتلة ؟ قال : نعم هو كذلك ولا يكون الترياق المنتفع به
الدافع للسمائم القاتلة إلا بذلك ، ولقد انكسر ، علي هذا الباب ، فأنا أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ، وأنه خالق السمائم القاتلة والهوام العادية ، وجميع
النبت والاشجار ، وغارسها ومنبتها ، وبارئ الاجساد ، وسائق الرياح ، ومسخر
السحاب ، وأنه خالق الادواء التي تهيج بالانسان كالسمائم القاتة التي تجري في
أعضائه وعظامه ، ومستقر الاداء وما يصلحها من الدواء ، العارف بالروح ومجرى الدم و
أقسامه في العروق واتصاله بالعصب والاعضاء العصب والجسد ، وأنه عارف بما يصلحه
من الحر والبرد ، عالم بكل عضو بما فيه ، وأنه هو الذي وضع هذه النجوم وحسابها
والعالم بها ، والدال على نحوسها وسعودها وما يكون من المواليد ، وأن التدبير واحد
لم يختلف متصل فيما بين السماء والارض وما فيها ، فبين لي كيف قلت ، هو الاول
والآخر وهو اللطيف الخبير وأشباه ذلك ؟ قلت : هو الاول بلا كيف ، وهو الآخر
بلا نهاية ، ليس له مثل ، خلق الخلق والاشياء لا من شئ ولا كيف بلا علاج ولا معاناة ولا فكر
ولا كيف ، كما أنه لا كيف له ، وإنما الكيف بكيفية المخلوق لانه الاول لابدء له
ولا شبه ولا مثل ولا ضد ولاند ، لا يدرك ببصر ولا يحس بلمس ، ولا يعرف إلا بخلقه تبارك
وتعالى .
قال : فصف لي قوته . قلت : إنما سمي ربنا جل جلاله قويا للخلق العظيم
القوي الذي خلق مثل الارض وما عليها من جبالها وبحارها ورمالها وأشجارها
وما عليها من الخلق المتحرك من الانس ومن الحيوان ، وتصريف الرياح والسحاب المسخر
المثقل بالماء الكثير ، والشمس والقمر وعظمهما وعظم نورهما الذي لا تدركه الابصار
بلوغا ولا منتها ، والنجوم الحارية ، ودوران الفلك ، وغلظ السماء ، وعم الخلق العظيم
(1)نهش الحية : تناوله بفمه ليعضه فيؤثر فيه ولا يجرحه .