يلذعه بهذه المكاره ؟ قيل : إذا كان يكون غير محمود على حسنة يأتيها ولا مستحق
للثواب عليها .
فإن قالوا : وما كان يضره أن لا يكون محمودا على الحسنات مستحقا للثواب
بعد أن يصير إلى غاية النعيم واللذة ؟ قيل لهم : اعرضوا على امرء صحيح الجسم والعقل
أن يجلس منعما ويكفى كل ما يحتاج إليه بلا سعي ولا استحقاق ، فانظر هل تقبل نفسه
ذلك ؟ بل ستجدونه بالقليل مما يناله بالسعي والحركة أشد اغتباطا وسرورا منه بالكثير
مما يناله بغير الاستحقاق ، وكذلك نعيم الآخرة أيضا يكمل لاهله بأن ينالوه بالسعي
فيه والاستحقاق له فالنعمة على الانسان في هذا الباب مضاعفة ، بأن اعد له الثواب الجزيل
على سعيه في هذه الدنيا ، وجعل له السبيل إلى أن ينال بسعي واستحقاق فيكمل له
السرور والاغتباط بما يناله منه .
فإن قالوا : أوليس قد يكون من الناس من يركن إلى مانال من خير وإن كان لا
يستحقه : فما الحجة في منع من رضي أن ينال نعيم الآخره على هذه الجملة ؟(1)قيل
لهم : إن هذا باب لوصح للناس لخرجوا إلى غاية الكلب والضرواة على الفواحش و
انتهاك المحارم ، فمن كان يكف نفسه عن فاحشة أو يتحمل المشقة في باب من أبواب
البر لو وثق بأنه صائر إلى النعيم لا محالة ؟ أو من كان يأمن على نفسه وأهله وماله من
الناس لو لم يخافو الحساب والعقاب ؟ فكان ضرر هذا الباب سينال الناس في هذه الدنيا
قبل الآخرة ، فيكون في ذلك تعطيل العدل والحكمة معا ، وموضع للطعن على التدبير
بخلاف الصواب ووضع الامور غير مواضعها .
وقد يتعلق هؤلاء بالآفات التي تصيب الناس فتعم البر والفاجر ، أويبتلي بها البر
ويسلم الفاجر منها ، فقالوا : كيف يجوز هذا في تدبير الحكيم وما الحجة فيه ؟ فيقال لهم :
إن هذه الآفات وإن كانت تنال الصالح والطالح جميعا ، فان الله جعل ذكل صالاحا للصنفين
كليهما : أما الصالحون فإن الذي يصيبهم من هذا يردهم(2)نعم ربهم عندهم في سالف
(1)وفي نسخة : على هذه الخلة .
(2)كذا في النسخ والظاهر : يذكرهم .