الذر وتقدست في الزبر لكان مني إليه مالايحمد في العواقب ، لما يبلغني من شدة عيبه
لنا ، وسوء القول فينا .
فقال أبوعبدالله عليه السلام : لاتقبل في ذي رحمك وأهل الدعة من أهلك(1)قول من
حرم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار ، فإن النمام شاهد زور ، وشريك إبليس في
الاغراء بين الناس ، وقد قال الله تبارك وتعالى :(يا أيها الذين آمنوا إن جاء كم فاسق
بنبأ)الآية ، ونحن لك أنصار وأعوان ، ولملكك دعائم وأركان ، ما أمرت بالمعروف
والاحسان ، وأمضيت في الرعية أحكام القرآن ، وأرغمت بطاعتك أنف الشيطان ، وإن
كان يجب عليك في سعة فهمك وكرم حلمك ومعرفتك بآداب الله أن تصل من قطعك
وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، فإن المكافئ ليس بالواصل ، إنما الواصل من
إذا قطعت رحمه وصلها ، فصل يزدالله في عمرك ويخفف عنك الحساب يوم حشرك .
فقال أبوجعفر المنصور : قد قبلت عذرك لصدقك ، وصفحت عنك لقدرك ،
فحدثني عن نفسك بحديث أتعظ به ، ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات . فقال
أبوعبدالله عليه السلام : عليك بالحلم فإنه ركن العلم ، وأملك نفسك عند أسباب القدرة ،
فإنك إن تفعل كل ما تقدرعليه كنت كمن شفى غيظا ، أو أبدى حقدا ، أويجب أن يذكر
بالصولة ، واعلم أنك إن عاقبت مستحقالم يكن غاية ماتوصف به إلا العدل ، ولا أعلم
حالا أفضل من حال العدل ، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب
الصبر .
فقال أبوجعفر المنصور : وعظت فأحسنت وقلت فأوجزت ، فحدثني عن فضل
جدك علي بن أبي طالب عليه الطلاة والسلام حديثا لم تروه العامة . فقال أبوعبدالله
عليه السلام : حدثني أبي ، عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ليلة اسري بي إلى
السماء فتح لي في بصري غلوة(2)كمثال مايرى الراكب خرق الابرة مسيرة يوم ، و
عهد إلى ربي في علي ثلاث كلمات ، فقال : يا محمد ، فقلت : لبيك ربي فقال : إن عليا
(1)في نسخة : وأهل الرعة من أهلك .
(2)الغلوة المرة من غلا : الغاية وهى رمية سهم أبعد ماتقدر عليه .(*)