النص بالسمع والنطق
وأما احتجاجهم واعتلالهم بأن القياس هو التشبيه والتمثيل وأن الحكم
جائزبه ، ورد الحوادث أيضا إليه ، فذلك محال بين ومقال شنيع لانا نجد شيئا
قد وفق الله تعالى بين أحكامها وإن كانت متفرقة ونجد أشياء وقد فرق الله بين
أحكامها ، وإن كانت مجتمعة ، فدلنا ذلك من فعل الله تعالى على أن اشتباه الشيئين
غير موجب لاشتباه الحكمين ، كما ادعاه مستحلوا القياس والرأي .
وذلك أنهم لما عجزوا عن إقامة الاحكام على ما انزل في كتاب الله تعالى
وعدلوا من أخذها من أهلها ممن فرض الله سبحانه طاعتهم على عباده ، ممن لا يزل
ولا يخطئ ولا ينسى الذين أنزل الله كتابه عليهم ، وأمر الامة برد ما اشتبه عليهم
من الاحكام إليهم وطلبوا الرياسة رغبة في حطام الدنيا ، وركبوا طرائق
أسلافهم ، ممن ادعى منزلة أولياء الله لزمهم العجز ، فادعوا أن الرأي والقياس واجب
فبان لذوي العقول عجزهم ، وإلحادهم في دين الله تعالى ، وذلك أن العقل على
مجرده وانفراده لا يوجب ولا يفصل بين أخذ شئ بغصب ونهب وبين أخذه بسرقة
وإن كانا مشتبهين ، والواحد منهما يوجب القطع والآخر لا يوجبه .
ويدل أيضا على فساد ما احتجوا به من رد الشئ في الحكم إلى اعتبار
نظائره أنا نجد الزنا من المحصن والبكر سواء وأحدهما يوجب الرجم والآخر
يوجب الجلد ، فعلمنا أن الاحكام مأخذها من السمع والنطق على حسب مايرد
به التوقيف دون اعتبار النظائر والاعيان ، وهذه دلالة واضحة على فساد قولهم ، ولو
كان الحكم في الدين بالقياس ، لكان باطن القدمين أولى بالمسح من ظاهر هما .
قال الله تعالى حكاية عن إبليس في قوله بالقياس : أنا خير منه خلقتني
من نار وخلقته من طين (1)فذمه الله لما لم يدر ما بينهما ، وقد ذم رسول الله
صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام القياس ، يرث ذلك بعضهم عن بعض ، ويرويه
عنهم أولياؤهم .
(1)سورة الاعراف : 12 ، سورة ص : 76 .