وإذا كان الامر كذلك فحينئذ لم يبق للمسلم توقف في هذا الباب . أما بيان أن يوسف
عليه السلام ادعي البراءة عن الذنب فهو قوله عليه السلام : " هي راودتني عن نفسي " وقوله
عليه السلام " رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه "(1)وأما بيان أن المرأة اعترفت
بذلك فلانها قالت للنسوة : " ولقد راودته عن نفسه فاستعصم " وأيضا قالت : " الآن حصحص
الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين " وأما بيان أن زوج المرأة أقر بذلك فهو
قوله : " إنه من كيد كن إن كيد كن عظيم * يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك "
وأما النسوة فلقولهن : " امرأة العزيز تراودفتها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في
ضلال مبين " وقولهن : " حاش لله ما علمنا عليه من سوء(2)" وأما الشهود فقوله تعالى :
" وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل " إلى آخر الآية ; وأما شهادة الله بذلك فقوله :
" وكذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين " فقد شهد الله تعالى في هذه
الآية على طهارته أربع مرات : أولها قوله : " لنصرف عنه السوء " واللام للتأكيد والمبالغة
والثاني قوله : " الفحشاء " أي كذلك لنصرف عنه الفحشاء ، والثالث قوله : " إنه من
عبادنا " مع أنه تعالى قال : " وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم
الجاهلون قالوا سلاما " الرابع قوله : " المخلصين " وفيه قراءتان : تارة باسم الفاعل ،
وتارة باسم المفعول ، فوروده باسم الفاعل دل على كونه آتيا بالطاعات والقربات مع صفة
الاخلاص ، ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى استخلصه لنفسه واصطفاه لحضرته ،
وعلى كلا الوجهين فإنه من أدل الالفاط على كونه منزها مما أضافوه إليه ،(3)وأما
بيان أن إبليس أقر بطهارته فلانه قال : " فبعزتك لاغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم
(1)وقوله : " ذلك ليعلم انى لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدى كيد الخائنين " وقوله : " معاذ
الله اله ربى احسن مثواى انه لا يفلح الظالمون " وقوله : " ان ربى بكيدهن عليم " .
(2)المصدر خال عن اعتراف النسوة بالبراءة . م
(3)وأيضا قال الله تعالى : " ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين "
ففيه شهادة الله أنه كان من المحسنين ، وقوله تعالى : " ثم بدالهم من بعد مارأوا الايات ليسجننه
حتى حين " أى بعد مارأوا آيات تدل على براءته ونزاهة ساحته مما نسبت إليه ، وقوله تعالى :
" ولا نضيع أجر المحسنين " .(*)