بحار الأنوار ج7

الثالث أنهم لما كانوا يتلون القرآن ويأنسون به وقد تصور بصورة لها
مناسبة واقعية للقران فهم لانسهم بما يناسبه واقعا يعرفونه ويأنسون به ، ولعدم علمهم بأن هذه
صورة القرآن ظنوا أنه رجل وذهب عن بالهم اسمه ، وقيل : لما كان المؤمن في نيته
أن يعبد الله حق عبادته ويتلو كتابه حق تلاوته إلا أنه لا يتيسر له ذلك كما يريد و
بالجملة لا يوافق عمله ما في نيته كما ورد في الحديث : نية المؤمن خير من عمله فالقرآن يتجلى
لكل طائفة بصورة من جنسهم إلا أنه أحسن في الجمال والبهاء ، وهي الصورة التي
لو كانوا يأتون بما في نيتهم من العمل بالقرآن لكان لهم تلك الصورة ، وإنما لا يعرفونه
كما ينبغي لانهم لم يأتوا بذلك كما ينبغي ، وإنما يعرفونه بنعته ووصفه لانهم كانوا
يتلونه ، وإنما وصفوا الله بالحلم والكرم والرحمة حين رؤيتهم لما رأوا في أنفسهم في جنبه
من النقص و القصور الناشئين من تقصيرهم ، يرجون من الله العفو والكرام والرحمة .
قوله عليه السلام : في صورة رجل شاحب يقال : شحب جسمه أي تغير ، ولعل ذلك للغضب على
المخالفين ، أو للاهتمام بشفاعة المؤمنين ، كما ورد أن السقط يقوم محبنطئا على باب
الجنة ، وقيل : لسماعه الوعيد الشديد ، وهو وإن كان لمستحقيه إلا أنه لا يخلو من
تأثير لمن يطلع عليه قوله عليه السلام : إنهم أهل تسليم أي يقبلون كل مايسمعون من
المعصومين عليهم السلام ، ولا يرتابون ولا يتبعون الشبه ووساوس الشيطان قوله عليه السلام : يا سعد
اسمعك كلام القرآن ؟ هذا يحتمل وجوها :
الاول أن يقال : تكلم القرآن عبارة عن إلقائه إلى السمع ما يفهم منه المعنى
وهذا هو معنى حقيقة الكلام لا يشترط فيه أن يصدر من لسان لحمي ، وكذا تكلم
الصلاة فإن من أتى بالصلاة بحقها وحقيقتها نهته الصلاة عن متابعة أعداء الدين
وغاصبي حقوق الائمة الراشدين ، الذين من عرفهم عرف الله ومن ذكرهم ذكر الله .
الثاني أن لكل عبادة صورة ومثالا تترتب عليها آثار تلك العبادة ، وهذه
الصورة تظهر للناس في القيامة ، فالمراد بقولهم عليهم السلام في موضع آخر : الصلاة رجل
أنها في القيامة يتشكل بإزائها رجل يشفع لمن رعاها حق رعايتها ، وفي الدنيا أيضا
لا يبعد أن يخلق الله بإزائها ملكا أو خلقا آخر من الروحانيين يسدد من أتى

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه