إنهم جند مغرقون ، فلما وصل فرعون قال لقومه : انظروا إلى البحر قد انفلق لهيبتي حتى
ادرك أعدائي وعبيدي ، ولم تكن في خيل فرعون انثى فجاء جبرئيل على فرس انثى
وعليه عمامة سوداء وتقدمهم وخاض البحر وظن أصحاب فرعون أنه منهم ، فلما سمعت
الخيول ريحها اقتحمت البحر في أثرها ، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يشحذهم(1)
ويقول لهم : الحقوا بأصحابكم ، فلما أراد فرعون أن يسلك طريق البحر نهاه وزيره هامان
وقال : إني قد أتيت هذا الموضع مرارا ومالي عهد بهذه الطرق ، وإني لا آمن أن يكون
هذا مكرا من الرجل يكون فيه هلاكنا وهلاك أصحابنا ، فلم يطعه فرعون وذهب حاملا(2)
على حصانه أن يدخل البحر ، فامتنع ونفر حتى جاء جبرئيل على رمكة بيضاء فخاض
البحر فتبعها حصان فرعون ، فلما توافوا في البحر وهم أولهم بالخروج أمر الله البحر فالتطم
عليهم فغرقهم أجمعين بمرأى من بني إسرائيل ، قالوا : فلما سمعت بنو إسرائيل صوت
التطام البحر قالوا لموسى : ما هذه الوجبة ؟(3)فقال لهم : إن الله سبحانه قد أهلك فرعون
وكل من كان معه ، فقالوا : إن فرعون لا يموت لانه خلق خلق من لا يموت ، ألم تر
أنه كان يلبث كذا وكذا يوما لا يحتاج إلى شئ مما يحتاج إليه الانسان ؟ فأمر الله
سبحانه البحر فألقاه على نجوة من الارض وعليه درعه حتى نظر إليه بنو إسرائيل .
ويقال : لو لم يخرجه الله تعالى ببدنه لشك فيه بعض الناس ، فبعث موسى جندين
عظيمين من بني إسرائيل كل جند اثنا عشر ألفا إلى مدائن فرعون ، وهي يومئذ خالية
من أهلها لم يبق منهم إلا النساء والصبيان والزمنى والمرضى والهرمى ، وأمر على الجند بن
يوشع بن نون وكالب بن يوفنا(4)فدخلوا بلاد فرعون فغنموا ما كان فيها من أموالهم و
كنوزهم ، وحملوا من ذلك ما استقلت به الحمولة(5)عنها ، وما لم يطيقوا حملها باعوه من
قوم آخرين ، فذلك قوله تعالى : " كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم *
(1)أى يسوقهم شديدا ، وفى المصدر : يستحثهم .
(2)في المصدر : معاجلا . م
(3)الوجبة : السقطة مع الهدة . أو صوت الساقط . وفى المصدر : هذه الضوضاء .
(4)تقدم الخلاف في ضبطه .
(5)أى ما أطاقته الحمولة .(*)