ضعف النفس ، بل النفس تقوى عند النوم فتشاهد الاحوال وتطلع على المغيبات ، فهذا
يقوي الظن في أن موت البدن لا يستعقب موت النفس .
الثاني أن كثرة الافكار سبب لجفاف الدماغ ، وجفافه مؤد إلى الموت ، وهذه
الافكار سبب لاستكمال النفس بالمعارف الالهية ، وهو غاية كمال النفس ، فما هو
سبب لكمال النفس فهو سبب لنقصان البدن ، فهذا يقوي الظن في أن النفس لا تموت
بموت البدن .
الثالث أن أحوال النفس على ضد أحوال البدن ، وذلك لان النفس إنما تفرح
وتبتهج بالمعارف الالهية ، كما قال تعالى : " ألا بذكر الله تطمئن القلوب "(1)وقال
صلى الله عليه وآله : أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني . ولا شك أن ذلك الشراب
ليس إلا عبارة عن المعرفة والمحبة والاستنارة بأنوار عالم الغيب ، وأيضا فإنا نرى أن
الانسان إذا غلب عليه الاستبشار بخدمة سلطان أو الفوز بمنصب أو بالوصول إلى معشوق
قد ينسى الطعام والشراب ، وبالجملة فالسعادات النفسانية كالمضادات للسعادات
الجسمانية ، وكل ذلك يغلب على الظن أن النفس مستقلة بذاتها ولا تعلق لها بالبدن
ومتى كان كذلك وجب أن لا تموت النفس بموت البدن وأما قوله تعالى : " يرزقون "
فاعلم أن المتكلمين قالوا : الثواب منفعة خالصة ، دائمة ، مقرونة بالتعظيم ، فقوله :
" يرزقون " إشارة إلى المنفعة ، وقوله : " فرحين " إشارة إلى الفرح الحاصل بسبب
ذلك التعظيم ، وأما الحكماء فإنهم قالوا : إذا أشرقت جواهر الاوراح القدسية
بالانوار الالهية كانت مبتهجة من وجهين : أحدهما بكون ذواتها مستنيرة ، مشرقة ،
متلالئة بتلك المعارف الالهية ، والثاني بكونها ناظرة إلى ينبوع النور ومصدر الرحمة
والجلالة ، قالوا : وابتهاجها بهذا القسم أتم من ابتهاجها بالاول ، فقوله :
" يرزقون " إشارة إلى الدرجة الاولى ، وقوله : " فرحين " إلى الدرجة الثانية ، ولذا
قال : " فرحين بما آتيهم الله من فضله " يعني فرحهم ليس بالرزق ، بل بإيتاء الرزق ،
لان المشغول بالرزق مشغول بنفسه ، والناظر إلى إيتاء الرزق مشغول بالرازق ، ومن
طلب الرزق لغيره فهو محجوب . انتهى .