التكليف ، وليس هذا من باب التخفيفات ، كما قاله الفقهآء ، بل هو في حقه غاية التشديد(1)
إذ لو كلف بذلك آحاد الناس لما فتحوا أعينهم في الشوارع خوفا من ذلك ، ولهذا قالت
عايشة : لو كان صلى الله عليه واله يخفى آية لاخفى هذه .
الرابع : انعقاد نكاحه بغير ولي وشهود ، وهو عندنا ثابت في حقه صلى الله عليه واله وحق
امته(2)إذ لا نشترط نحن ذلك ، وللشافعية وجهان .
الخامس : انعقاد نكاحه في الاحرام ، وللشافعية فيه وجهان : أحدهما الجواز ،
لما روي أنه صلى الله عليه واله نكح ميمونة محرما ، والثاني المنع كما لم يحل له الوطئ في الاحرام ،
والمشهور عندهم أنه نكح ميمونة حلالا .
السادس : هل كان يجب عليه القسم بين زوجاته بحيث إذا باتت عند واحدة منهن
ليلة وجب عليه أن يبيت عند الباقيات كذلك أم لا يجب ؟ قال الشهيد الثاني رحمه الله : اختلف
العلماء في ذلك ، فقال بعضهم : لا يجب عليه ذلك لقوله تعالى : " ترجي من تشاء منهن و
تؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك(3)" ومعنى ترجي تؤخر
(1)فيه تأمل واضح يعلم بمراجعة الاية وتفسيرها ، ولعله يأتى الكلام فيه في بابه .
(2)في ثبوت جواز النكاح بغير ولي مطلقا في حق امته محل تأمل بل منع .
(3)الاحزاب : 51 . قال الطبرسي في معناه : أي تؤخر وتبعد من تشاء من أزواجك ، وتضم
إليك من تشاء منهن ، واختلف في معناه على اقوال :
احدها : أن المراد تقدم من تشاء من نسائك في الايواء إليك وهو الدعاء للفراش ، وتؤخر من
تشاء في ذلك ، وتدخل من تشاء منهن في القسم ، ولا تدخل من تشاء ، عن قتادة ، قال : وكان رسول
الله صلى الله عليه وآله يقسم بين أزواجه وأباح الله له ترك ذلك .
ثانيها : أن المراد تعزل من تشاء منهن بغير طلاق ، وترد إليك من تشاء منهن بعد عزلك إياها
بلا تجديد عقد .
ثالثها : أن المراد تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء .
رابعها : أن المراد تترك نكاح من تشاء من نساء امتك ، وتنكح منهن من تشاء ، عن الحسن ،
قال : وكان صلى الله عليه وآله إذا خطب امرأة لم يكن لغيره أن يخطبها حتى يتزوجها أو يتركها .
خامسها : تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتى يهبن أنفسهن لك فتؤويها إليك ، وتترك من تشاء
منهن فلا تقبلهما .
" ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك " أي إن أردت أن تؤوى إليك امراة ممن عزلتهن
عن ذلك وتضمها إليك فلا سبيل عليك بلوم ولا عتب ، ولا إثم عليك في ابتغائها ، أباح الله سبحانه
له ترك القسم في النساء حتى يؤخر من يشاء عن وقت نوبتها ، ويطأ من يشاء في غير وقت نوبتها ،
وله أن يعزل من يشاء ، وله أن يرد المعزولة إن شاء ، فضله الله بذلك على جميع الخلق .(*)