بعد انقطاعه بمثله دائما ، فلا يحصل له ألم وإن كان مستحقا للعقاب جعل الله عوضه
جزءا من عقابه ، بمعنى أنه يسقط من عقابه بازاء ما يستحقه من الاعواض ، إذ لا فرق
في العقل بين إيصال النفع ودفع الضرر في الايثار .
فاذا خفف عقابه ، وكانت آلامه عظيمة ، علم أن آلامه بعد إسقاط ذلك
القدر من العقاب أشد ، ولا يظهر له أنه كان في راحة ، أو نقل : إنه تعالى ينقص
من آلامه ما يستحقه من أعواضه متفرقا على الاوقات ، بحيث لا تظهر له الخفة من
قبل .
واختلف في أنه هل يجب دوام العوض أم لا ؟ فقال : الجبائي يجب دوامه
وقال أبوهاشم : لا يجب ، واختاره المصنف رحمه الله ، ولا يجب إشعار مستحق
العوض بتوفيره عوضا له ، لخلاف الثواب ، وحينئذ أمكن أن يوفره الله تعالى في
الدنيا على بعض المعوضين غير المكلفين ، وأن ينتصف لبعضهم من بعض في الدنيا ، ولا
تجب إعادتهم في الآخرة ، والعوض لا يجب إيصاله في منفعة معينة دون اخرى بل
يصح توفيره بكل ما يحصل فيه شهوة المعوض ، بخلاف الثواب ، لانه يجب أن
يكون من جنس ما ألفه المكلف من ملاذه .
ولا يصح إسقاط العوض ولا هبته ممن وجب عليه في الدنيا ولا في الآخرة
سواء كان العوض عليه تعالى أو علينا ، هذا قول أبي هاشم والقاضي ، وجزم أبو -
الحسين بصحة إسقاط العوض علينا إذا استحل الظالم من المظلوم ، وجعله في حل
بخلاف العوض عليه تعال فإنه لا يسقط ، لان إسقاطه عنه تعالى عبث ، لعدم
انتفاعه به .
ثم قال بعد إيراد دليل القاضي على عدم صحة الهبة مطلقا : والوجه عندي
جواز ذلك ، لانه حقه ، وفي هبته نفع للموهوب ، ويمكن نقل هذا الحق إليه
وعلى هذا لو كان العوض مستحقا عليه تعالى ، أمكن هبة مستحقة لغيره من العباد
أما الثواب المستحق عليه تعالى فلا يصح مناهبته لغيرنا ، لانه مستحق بالمدح
فلا يصح نقله إلى من لا يستحقه .