بحار الأنوار ج3

الذي خلق الخلق له ، وقوله تعالى : " لا تبديل لخلق الله " أراد به أن ماخلق الله العباد
له من العبادة والطاعة ليس مما يتغير ويختلف حتى يخلق قوما للطاعة وآخرين للمعصية
ويجوز أن يريد بذلك الامر وإن كان ظاهره ظاهر الخبر ، فكأنه قال : لاتبد لوا ما
خلقكم الله له من الدين والطاعة بأن تعصواوتخالفوا
والوجه الآخر في تأويل قوله عليه السلام : الفطرة أن يكون المراد به الخلقة ، و
تكون لفظة " على " على ظاهرها لم يرد بهاغيره ، ويكون المعنى : كل مولود يولد على
الخلقة الدالة على وحدانية الله تعالى وعبادته والايمان به ، لانه عزوجل قد صور
الخلق وخلقهم على وجه يقتضى النظر فيه معرفته والايمان به ، وإن لم ينظرواو
يعرفوا ، فكأنه عليه السلام قال : كل مخلوق ومولود فهو يدل بخلقته وصورته على عبادة الله
تعالى وإن عدل بعضهم فصار يهوديا أو نصرانيا ، وهذا الوجه أيضا يحتمله قوله تعالى :
فطرة الله التي فطرالناس عليها . وإذا ثبت ما ذكرناه في معنى الفطرة فقوله عليه الصلاة
والسلام : حتى يكون أبواه يهو دانه وينصرانه يحتمل وجهين : أحدهما أن من كان
يهوديا أو نصرانيا ممن خلقته لعبادتي وديني فإنما جعله أبواه كذلك ، أو من جرى
مجراهما ممن أوقع له الشبهة وقلده الضلال عن الدين ، وإنماخص الابوين لان
الاولاد في الاكثر ينشأون على مذاهب آبائهم ويألفون أديانهم ونحلهم ، ويكون الغرض
بالكلام تنزيه الله تعالى عن ضلال العباد وكفرهم ، وأنه إنما خلقهم للايمان فصدهم
عنه آباؤهم ، أو من جرى مجراهم . والوجه الآخر : أن يكون منى يهودانه وينصرانه
أي يلحقانه بأحكامهما لان أطفال أهل الذمة قد ألحق الشرع أحكامهم بأحكامهم
فكأنه عليه السلام قال : لا تتوهموا من حيث لحقت أحكام اليهود والنصارى أطفالهم أنهم
خلقوا لدينهم بل لم يخلقوا إلا للايمان والدين الصحيح ، لكن آباؤهم هم الذين أدخلوهم
في أحكامهم ، وعبر عن إدخالهم في أحكامهم بقوله : يهودانه وينصرانه .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه