بحار الأنوار ج3

في ذلك ، فتنبه أن صفاته كلها صفات المخلوقين ، وكانت معاندته مانعة عن الاذعان
بالصانع تعالى فبقى متحيرا ، فقال عليه السلام : إذ ارجعت إلى نفسك ووجدت في نفسك صفة
المخلوقين فلم لا تذعن بالصانع ؟ فاعترف باعجز عن الجواب ، وقال : سألتني عن مسألة
لم يسألني عنها أحد قبلك ولا يسألني أحد بعدك . قوله عليه السلام : هبك أي افرض نفسك
أنك علمت ما مضى وسلمنا ذلك لك ، قال الفيروز آبادي : هبني فعلت أي احسبني فعلت
وأعددني ، كلمة للامر فقط . وحاصل جوابه عليه السلام : أو لا أنك بنيت امورك كلها على الظن
والوهم لانك تقطع بأنك لا تسأل بعد ذلك عن مثلها مع أنه لا سبيل لك إلى القطع
به . وأما قوله عليه السلام : على أنك يا عبدالكريم نقضت قولك يحتمل وجوها :
الاول : أن يكون المراد أن نفيك للصانع مبني على أنك تزعم أن لا علية بين
الاشياء ونسبة الوجود والعدم إليها على السواء ، والاستدلال على الاشياء الغير المحسوسة
إنما يكون بالعلية والمعلولية ، فكيف حكمت بعدم حصول الشئ في المستقبل ؟ فيكون
المراد بالتقدم والتأخر العلية والمعلولية أو ما يساوقهما .
الثانى : أن يكون مبنيا على ما لعلهم كانوا قائلين به ، وربما أمكن إلزامهم
بذلك ، بناء‌ا على نفي الصانع من أن الاشياء متساوية غير متفاوته في الكمال والنقص ،
فالمراد : أنك كيف حكمت بتفضيلي على غيري ؟ وهو مناف للمقدمة المذكورة ، فالمراد
بالتقدم والتأخر ما هو بحسب الشرف .
الثالث : أن يكون مبينا على ما يسنب إلى أكثر الملاحدة من القول بالكمون
والبروز أي مع قولك بكون كل حقيقة حاصلة في كل شئ كيف يمكنك الحكم بتقدم
بعض الاشياء على بعض في الفضل والشرف .
قوله عليه السلام وفي ذلك زوال وانتقال ، حاصل استدلاله عليه السلام إما رجع إلى دليل
المتكلمين من أن عدم الانفكاك عن الحوادث يستلزم الحدوث ، أو إلى أنه لا يخلو إما
أن يكون يعض تلك الاحوال الزائلة المتغيرة قديما أم لابل يكون كلها حوادث وكل
منهما محال : أما الاول فلما تقرر عند الحكماء من أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه ، و
أما الثاني فللزوم التسلسل بناء‌ا على جريان دلائل إبطاله في الامور المتعاقبة ، ويمكن

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه