بحار الأنوار ج61

وأقول : رأيت في بعض الكتب أن في الاوقات اشتد القحط وعظم حر
الصيف والناس خرجوا إلى الاستسقاء فلما أبلحوا(1)قال : خرجت إلى بعض الجبال
فرأيت ظبية جاء‌ت إلى موضع كان في الماضي من الزمان مملوا من الماء ولعل تلك
الظبية كانت تشرب منه ، فلما وصلت الظبية إليه ما وجدت فيه شيئا من الماء ، وكان
أثر العطش الشديد ظاهرا على تلك الظبية فوقفت وحركت رأسها إلى جانب السماء
فأطبق الغيم وجاء الغيث الكثير .
ثم إن أنصار هذا القول قالوا : لما بينا بالدليل أن هذه الحيوانات تهدي
إلى الحيل اللطيفة فأي استبعاد في أن يقال : إنها تعرف أن لها ربا ومدبرا
وخالقا ؟ وهذا تمام القول في دلائل هذه الطايفة .
واحتج المنكرون لكونها عاقلة عارفة بأن قالوا : لو كانت لوجب أن
تكون آثار العقل ظاهرة في حقها ، لان حصول العقل لها مع أنه لا يمكنها الانتفاع
البتة بذلك العقل عبث ، وذلك لا يليق بالفاعل الحكيم ، إلا أن آثار العقل غير ظاهرة
فيها ، لانها لا تحترز عن الافعال القبيحة ، ولا تميز بين ما ينفعها وبين ما يضرها
فوجب القطع بأنها غير عاقلة .
ولمجيب أن يجيب فيقول : إن درجات العلوم والمعارف كثيرة واختلاف
النفوس في ماهيتها محتمل ، فلعل خصوصية نفس كل واحد منها لا تقتضي إلا
النوع المعين من العقل ، وإلا القسم المخصوص من المعرفة ، فان كان المراد بالعقل
جميع العلوم الحاصلة للانسان فحق أنها ليست عاقلة ، وإن كان المراد بالعقل معرفة
نوع من هذه الانواع فظاهر أنها موصوفة بهذه المعرفة ، وبالجملة فالحكم عليها
بالثبوت والعدم حكم على الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله ، وليكن ههنا آخر كلامنا
في النفوس الحيوانية والله أعلم انتهى كلامه .


(1)في النسخة المطبوعة : " فلما افلحوا " ولعل كلاهما مصحفان والصحيح : " فلما
بلحوا " أي اعيوا وعجزوا يقال : بلح وبلح على اى لم اجد عنده شيئا ، أو الصحيح :
فما أفلحوا .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه