بحار الأنوار ج57

ثم جعل محلهم الملكوت الاعلى ، فبراهينهم على توحيده أكثر ، وأدلتهم عليه أشهر
وأوفر ، وإذا كان ذلك كذلك كان حظهم من الزلفة أجل ، ومن المعرفة بالصانع
أفضل .
قالوا : ثم رأينا الذنوب والعيوب الموردة النار ودار البوار كلها من الجنس
الذي فضلتموه على من قال الله في نعتهم لما ووصفهم بالطاعة لما وصفهم
" لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون قالوا : كيف يجوز فضل جنس فيهم كل
عيب ولهم كل ذنب على من لاعيب فيهم ولا ذنب منهم لاصغائر ولاكبائر ؟
والجواب : أن مفضلي الانبياء والحجج عليهم السلام قالوا : إنا لانفضل ههنا الجنس
على الجنس ، ولكنا فضلنا النوع على النوع من الجنس ، كما أن الملائكة كلهم
ليسوا كإبليس وهاروت وماروت لم يكن البشر كلهم كفرعون الفراعنة وكشياطين
الانس المرتكبين المحارم ، المقدمين على المآثم . وأما قولكم في الزلفة والقربة فإنكم
إن أردتم زلفة المسافات وقربة المداناة فالله أجل ، ومما توهمتموه أنزه ، و
في الانبياء والحجج من هو أقرب إلى قربه بالصالحات ، والقربات(1)الحسنات ، و
بالنيات الطاهرات من كل خلق خلقهم ، والقرب والبعد من الله جلت عظمته بالمسافة
والمدى تشبيه له بخلقه ، وهو من ذلك نزيه .
وأما قولهم في الذنوب والعيوب فأن الله جلت أسماؤه الامرو الزجر أسبابا
وعللا ، والذنوب والمعاصي وجوها ، فالله جل جلاله هو الذي جعل قاعدة الذنوب
من جميع المذنبين من الاولين والاخرين إبليس ، وهو من حزب الملائكة وممن كان
في صفوفهم ، وهو رأس الابالسة ، وهو الداعي إلى عصيان الصانع ، والموسوس والمزين
لكل من تبعه وقبل منه وركن إليه الطغيان ، وقد امهل الملعون لبلوى أهل البلوى
في دار الابتلاء فكم من برية نبيه ، وفي طاعة الله عزوجل وجيه ، وعن معصيته بعيد
وقد أقمأ إبليس وأقصاه وزجره ونفاه فلم يلوله على أمر إذا أمره ولا انتهى عن زجر
إذا زجرله لمات في قلوب الخلق مكافئ من المعاصي لمات الرحمن ، فلمات الرحمن


(1)العزمات(خ).

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه