بحار الأنوار ج61

عذبنا ها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا "(1)" وفي هذا كله
حذوف ، وقد اضيف في الظاهر الفعل إلى من هو في الحقيقة متعلق بغيره ، والقول
في مدح أجناس من الطير والوصف لها بأنها تنطق بالثناء على الله والمدح لاوليائه
يجري على هذا المنهاج الذي نهجناه .
فان قيل : كيف يستحق مرتبط هذه الاجناس مدحا بارتباطها ومرتبط بعض
آخر ذما بارتباطه حتى علقتم المدح والذم بذلك ؟
قلنا : ما جعلنا لارتباط هذه الاجناس حظا في استحقاق مرتبطيها مدحا ولاذما
وإنماقلنا : إنه غير ممتنع أن تجري عادة المؤمنين الموالين لاولياء الله تعالى والمعادين
لاعدائه ، بأن بالغوا(2)ارتباط أجناس من الطير ، وكذلك تجري عادة بعض أعداء

الله تعالى باتخاذ بعض أجناس الطير فيكون متخذ بعضها ممدوحا لا من أجل اتخاذه
لكن لما هو عليه من الاتخاذ الصحيح فيضاف المدح إلى هذه الاجناس وهو لمرتبطها
والنطق بالتسبيح والدعاء الصحيح إليها وهو لمتخذها تجوزا واتساعا ، وكذلك
القول في الذم المقابل للمدح .
فان قيل : فلم نهي عن اتخاذ بعض هذه الاجناس إذا كان الذم لا يتعلق
باتخاذها ، وإنما يتعلق ببعض متخذيها لكفرهم وضلالهم ؟
قلنا : يجوز أن يكون في اتخاذ هذه البهائم المنهي عن اتخاذها وارتباطها
مفسدة ، وليس يقبح خلقها في الاصل لهذا الوجه لانها خلقت لينتفع بها من سائر وجوه
الانتفاع سوى الارتباط والاتخاذ الذي لايمتنع تعلق المفسدة به ، ويجوز أيضا أن
يكون في اتخاذ هذه الاجناس المنهي عنها شوم وطيرة ، فللعرب في ذلك مذهب معروف
ويصح هذا النهي أيضا على مذهب من نفي الطيرة على التحقيق ، لان الطيرة
والتشام وإن كان لا تأثير لهما على التحقيق فان النفوس تستشعر ذلك ، ويسبق


(1)الطلاق : 8 و 9 .
(2)في المصدر : بأن يألفوا .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه