ولا يبغضك إلا منافق ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن البلوى أسرع إلى المؤمن
من الماء إلى الحدور ، هاتان المقدمتان يلزمهما نتيجة صادقة ، هي أنه عليه السلام لو
أحبه جبل لتهافت ، ولعل هذا هو مراد الرضي - رضي الله عنه - بقوله : معنى
آخر ليس هذا موضع ذكره انتهى ، وفيه تأمل .
وقال ابن ميثم(1): الجلباب مستعار لتوطين النفس على الفقر والصبر عليه
ووجه الاستعارة كونهما ساترين للمستعد بهما من عوارض الفقر ، وظهوره في سوء
الخلق ، وضيق الصدر ، والتحير الذي ربما أدى إلى الكفر ، كما يستر بالملحفة
ولما كانت محبتهم عليهم السلام بصدق يستلزم متابعتهم ، والاستشعار بشعارهم ، ومن شعارهم
الفقر ، ورفض الدنيا والصبر على ذلك ، وجب أن يكون كل محب مستشعرا للفقر
ومستعدا له جلبابا من توطين النفس عليه والصبر .
وقد ذكر ابن قتيبة هذا المعنى بعبارة أخرى ، فقال : من أحبنا فليقتصر
على التقلل من الدنيا ، والتقنع فيها ، قال : وشبه الصبر على الفقر بالجلباب لانه
يستر الفقر ، كما يستر الجلباب البدن ، قال : ويشهد بصحة هذا التأويل ، ما روي
أنه رأى قوما على بابه ، فقال : يا قنبر من هؤلاء ؟ فقال : شيعتك يا أمير المؤمنين
فقال : مالي لا أرى فيهم سيماء الشيعة ؟ قال : وما سيماء الشيعة ؟ قال : خمص البطون
من الطوى ، يبس الشفاء من الظماء ، عمش العيون من البكاء
وقال أبوعبيد : إنه لم يرد الفقر في الدنيا ، ألا ترى أن فيمن يحبهم مثل
ما في سائر الناس من الغنى ؟ وإنما أراد الفقر يوم القيامة ، وأخرج الكلام مخرج
الوعظ والنصيحة ، والحث على الطاعات ، فكأنه أراد من أحبنا فليعد لفقره يوم
القيامة ما يحسره من الثواب ، والتقرب إلى الله تعالى والزلفة عنده .
قال : وقال السيد المرتضى ره : والوجهان جميعا حسنان ، وإن كان قول
ابن قتيبة أحسن ، فذلك معنى قول السيد رضي الله عنه ، وقد تؤول ذلك على معنى
آخر ، انتهى كلام ابن ميثم .
(1)شرح النهج لابن ميثم البحرانى ص 594