بحار الأنوار ج67

لشرافة الروح وخباثته ، فبهذا الاعتبار نية المؤمن خير من عمله ، ونية الكافر
شر من عمله .
الثاني عشر أن نية المؤمن وقصده أولا هو الله ، وثانيا العمل ، لانه يوصل
إليه ، ونية الكافر وقصده غيره تعالى ، وعمله يوصله إليه ، وبهذا الاعتبار صح
ماذكر .
وهذا الوجه وماتقدمه مستفادان من كلام المحقق الطوسي قدس سره
والوجوه المذكورة ربما يرجع بعضها إلى بعض ، وبعد ماأحطت خبرا بما ذكرناه
نذكر ماهو أقوى عندنا بعد الاعراض عن الفضول ، وهو الحق الحقيق بالقبول .
فاعلم أن الاشكالات الناشئة من هذا الخبر إنما هو لعدم تحقيق معنى النية
وتوهم أنها تصور الغرض والغاية ، وإخطارها بالبال ، وإذا حققتها كما أومأنا
إليه سابقا ، عرفت أن تصحيح النية من أشق الاعمال وأحمزها ، وأنها تابعة
للحالة التي النفس متصفة بها ، وكمال الاعمال وقبولها وفضلها منطو بها ، ولا
يتيسر تصحيحها إلا باخراج حب الدنيا ، وفخرها وعزها من القلب ، برياضات
شاقة ، وتفكرات صحيحة ، ومجاهدات كثيرة ، فان القلب سلطان البدن ، وكلما
استولى عليه يتبعه سائر الجوارح ، بل هو الحصن الذي كل حب استولى عليه
وتصرف فيه ، يستخدم سائر الجوارح والقوى ، ويحكم عليها ، ولاتستقر فيه
محبتان غالبتان ، كما قال الله عزوجل : ياعيسى لايصلح لسانا في فم واحد
ولا قلبان في صدر واحد ، وكذلك الاذهان(1)وقال سبحانه : ماجعل الله
لرجل من قلبين في جوفه (2).
فالدنيا والآخرة ضرتان لايجتمع حبهما في قلب ، فمن استولى على قلبه
حب المال لايذهب فكره وخياله وقواه وجوارحه إلا إليه ، ولا يعمل عملا
إلا ومقصوده الحقيقي فيه تحصيله ، وإن ادعى غيره ، كان كاذبا ، ولذا يطلب


(1)راجع الكافي ج 2 ص 343 ، ثواب الاعمال ص 240 .
(2)الاحزاب : 4 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه