أو من دينه أو من قدرته سلطانه وشدة عقابه " إن جاءكم ذكر " أي بيان أو نبوة رسالة
" إنهم كانوا قوما عمين " عن الحق ، أي ذاهبين عنه جاهلين به يقال : رجل عم : إذا كان أعمى
القلب ورجل أعمى في البصر .(1)
في حديث وهب بن منبه(2)أن نوحا عليه السلام كان أول نبي نبأه الله بعد إدريس ،
وكان إلى الادمة ما هو ، دقيق الوجه في رأسه طول ، عظيم العينين ، دقيق الساقين ، طويلا
جسيما ، دعا قومه إلى الله حتى انقرضت ثلاثة قرون منهم كل قرن ثلاث مائة سنة يدعوهم
سرا وجهرا فلا يزدادون إلا طغيانا ، ولا يأتي منهم قرن إلا كان أعتى على الله من الذين
قبلهم ، وكان الرجل منهم يأتي بابنه وهو صغير فيقيمه على رأس نوح فيقول : يا بني إن
بقيت بعدي فلا تطيعن هذا المجنون ، وكانوا يثورون إلى نوح فيضربونه حتى يسيل مسامعه
دما وحتى لا يعقل شيئا مما يصنع به فيحمل فيرمى في بيت أو على باب داره مغشيا عليه ،
فأوحى الله تعالى إليه " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " فعندها أقبل على الدعاء
عليهم ولم يكن دعا عليهم قبل ذلك ، فقال : " رب لا تذر على الارض " إلى آخر السورة ،
فأعقم الله أصلاب الرجل وأرحام النساء فلبثوا أربعين سنة لا يولد لهم ولد ، وقحطوا في
تلك الاربعين سنة حتى هلكت أموالهم وأصابهم الجهد والبلاء ، ثم قال لهم نوح : " استغفروا
ربكم إنه كان غفارا " الآيات ، فأعذر إليهم وأنذر فلم يزدادوا إلا كفرا ، فلما يئس
منهم أقصر عن كلامهم ودعائهم فلم يؤمنوا وقالوا : " لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا " الآية
يعنون آلهتهم ، حتى غرقهم الله وآلهتهم التي كان يعبدونها ، فلما كان بعد خروج نوح من
السفينة وعبد الناس الاصنام سموا أصنامهم بأسماء أصنام قوم نوح ، فاتخذ أهل اليمن
يغوث ويعوق ، وأهل دومة الجندل صنما سموه ودا ، واتخذت حمير صنما سمته نسرا .
وهذيل صنما سموه سواعا ، فلم يزل يعبدنها حتى جاء الاسام .(3)
(1)مجمع البيان 4 : 433 - 434 .
(2)تقدم الحديث في الباب السابق مفصلا .
(3)مجمع البيان 4 : 435 . م(*).