بحار الأنوار ج9

خلاف ما بدأتم تقولونه ، قال : فقالت النصارى : يا محمد إن الله تعالى لما أظهر على يد
عيسى من الاشياء العجيبة ما أظهر فقد اتخذه ولدا على جهة الكرامة . فقال لهم
رسول الله صلى الله عليه وآله : قد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه ، ثم أعاد صلى الله عليه وآله ذلك
كله ، فسكتوا إلا رجلا واحدا منهم قال له : يا محمد أولستم تقولون : إن إبراهيم خليل الله ؟
قال : قد قلنا ذلك ، فقال إذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول : إن عيسى ابن الله ؟ .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنهما لم يشتبها ، لان قولنا : إن إبراهيم خليل الله
فإنما هو مشتق من الخلة أو الخلة ، فأما الخلة فإنما معناها الفقر والفاقة ، وقد
كان خليلا إلى ربه فقيرا ، وإليه منقطعا ، وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا ، وذلك
لما اريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله تعالى جبرئيل عليه السلام وقال له :
أدرك عبدي ، فجاء‌ه فلقيه في الهواء فقال : كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك ، فقال :
بل حسبي الله ونعم الوكيل ، إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه ، فسماه خليله أي
فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه . وإذا جعل معنى ذلك من الخلة(الخلل خ ل)
وهو أنه قد تخلل معانيه(1)ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به
وباموره ، ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه ، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن
خليله ؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله ؟ وأن من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه
لم يخرج عن أن يكون ولده ؟ لان معنى الولادة قائم ، ثم إن وجب لانه قال : إبراهيم
خليلي أن تقيسوا(2)أنتم فتقولوا : إن عيسى ابنه وجب أيضا أن تقولوا له ولموسى :
إنه ابنه ، فإن الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى ، فقولوا : إن
موسى أيضا ابنه ، وإنه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى : إنه شيخه وسيده وعمه و
رئيسه وأميره كما ذكرته لليهود . فقال بعضهم لبعض : وفي الكتب المنزلة أن عيسى
قال : أذهب إلى أبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون(3)فإن
فيه : أذهب إلى أبي وأبيكم ، فقولوا : إن جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله كما


(1)في المصدر : وهو انه قد تخلل به معانيه .
(2)في نسخة : ثم ان من اوجب أن يقول على قول ابراهيم خليله أن تقيسوا ا ه‍ .
(3)في نسخة : تعلمون .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه