وقال في قوله تعالى : " يخرجهم من الظلمات إلى النور "(1): أي من ظلمات
الضلال والكفر إلى نور الهدى والايمان بأن هداهم إليه ونصب الادلة لهم عليه و
رغبهم فيه وفعل بهم من الالطاف ما يقوي دواعيهم إلى فعله .
وقال في قوله تعالى " والله لا يهدي القوم الظالمين "(2)أي بالمعونة على بلوغ البغية
من الفساد . وقيل : لا يهديهم إلى المحاجة كما يهدي أنبياءه . وقيل : لا يهديهم بألطافه
وتأييده إذا علم أنه لا لطف لهم . وقيل : لا يهديهم إلى الجنة .
وقال في قوله تعالى : " كيف يهدي الله قوما " :(3)معناه : كيف يسلك الله بهم سبيل
المهتدين بالاثابة لهم والثناء عليهم ؟ أو أنه على طريق التبعيد كما يقال : كيف يهديك
إلى الطريق وقد تركته ؟ أي لا طريق يهديهم به إلى الايمان إ من الوجه الذي هداهم
به وقد تركوه ، أو كيف يهديهم الله إلى طريق الجنة والحال هذه ؟ .
أقول : الاظهر أن المعنى أنهم حرموا أنفسهم بما اختاروه الالطاف الخاصة من
ربهم تعالى .
وقال في قوله تعالى : " ومن يرد الله فتنته "(4): قيل : فيه أقوال : أحدها أن المراد
بالفتنة العذاب أي من يرد الله عذابه كقوله تعالى : " على النار يفتنون "(5)أي يعذبون
وقوله : " ذوقوا فتنتكم "(6)أي عذابكم .
وثانيها أن معناه من يرد الله إهلاكه .
وثالثها أن المراد به من يرد الله خزيه وفضيحته بإظهار ما ينطوي عليه .
(1)البقرة : 257 .(2)البقرة : 258 .
(3)آل عمران : 86 .
(4)المائدة : 41 قال الشيخ في التبيان : - بعد نقل الاقوال الثلاثة الاولة - وأصل الفتنة :
التخليص من قولهم : فتنت الذهب في النار أى خلصته من الغش والفتنة : الاختبار ، ويسمى بذلك لما فيها
من تخليص الحال لمن أراد الاضلال ، وإنما أراد الحكم عليه بذلك بايراد الحجج ففيه تمييز وتخليص
لحالهم من حال غيرهم من المؤمنين ، ومن فسره على العذاب فلانهم يحرقون كما يحرق خبث الذهب
فهم خبث كلهم ، ومن فسره على الفضيحة فلما فيها من الدلالة عليهم التى يتميزون بها من غيرهم .
(5)الذاريات : 13 .(6)الذاريات : 14 . *