والثاني أن الحديث خرج مخرج الغالب ، وليست حقيقة العدد مرادة كقوله :
" والبحر يمده من بعده سبعة أبحر " والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل من الاكل
لاشتغاله بأشباب العبادة ، ولعلمه بأن مقصود الشرع من الاكل ما يسد الجوع ، و
يمسك الرمق ، ويعين على العبادة ولخشيته أيضا من حساب ما زاد على ذلك ، والكافر
بخلاف ذلك كله ، فانه لايقف على مقصود الشرع ، بل هو تابع لشهوة نفسه ، مسترسل
فيها غير خائف من تبعات الحرام ، فصار أكل المؤمن ما ذكر إذا نسب إلى أكل الكافر
كأنه بقدر السبع منه ، ولا يلزم من هذا اطراده في حق كل مؤمن وكافر ، فقد يكون
في المؤمنين من يأكل كثيرا إما بحسب العادة أو لعارض يعرض له على رأي الاطباء ،
وقد يكون في الكافرين من يأكل قليلا إما للرياضة على رأي الرهبان ، وإما العارض
كضعف المعدة .
قال الطيبي : ومحصل القول : أن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة ، والاقتناع
بالبلغة ، بخلاف الكافر ، فاذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في
الحديث .
الثالث : أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الايمان ، لان من حسن
إسلامه وكمل إيمانه ، اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده ، فيمنعه شدة
الخوف وكثرة التفكر والاشفاق على نفسه من استيفاء شهوته ، كما ورد في حديث أبي
أمامة من كثر تفكره قل طعمه ، ومن قل طعمه كثر تفكره ومن كثر طعمه قسا قلبه .
وفي حديث أبى سعيد الصحيح : إن هذا المال حلوة خضرة فمن أخذه باسراف
نفس كان كالذى يأكل ولا يشبع ، فدل على أن المراد بالمؤمن من يقصد في مطعمه ،
وأما الكافر فمن شأنه الشره ، فيأكل بالنهم كما يأكل البهيمة ، ولا يأكل بالمصلحة
لقيام البنية ، كما قال تعالى : " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل
الانعام " .
الرابع : أن المراد أن المؤمن يسمي الله تعالى عند طعامه وشرابه ، فلا يشركه
الشيطان ، فيكفيه القليل ، والكافر لايسمي فيشركه الشيطان .