فذلكة
أظن أنه قد اتضح لك مما قرع سمعك ومر عليه نظرك في الابواب السابقة
أن الاصل في الاستخارة الذي يدل عليه أكثر الاخبار المعتبرة ، هو أن لا يكون
الانسان مستبدا برأيه ، معمدا على نظره وعقله ، بل يتوسل بربه تعالى ويتوكل
عليه في جميع اموره ، ويقر عنده بجهله بمصالحه ، ويفوض جميع ذلك إليه ، و
يطلب منه أن يأتي بما هو خير له في اخراه واولاه ، كما هو شأن العبد الجاهل
العاجز مع مولاه العالم القادر ، فيدعو بأحد الوجوه المتقدمة مع الصلاة أو بدونها ،
بل بما يخطر بباله من الدعاء إن لم يحضره شئ من ذلك ، للاخبار العامة ، ثم يأخذ
فيما يريد ثم يرضى بكل ما يترتب على فعله من نفع أو ضر .
وبعد ذلك الاستخارة من الله سبحانه ثم العمل بما يقع في قلبه ويغلب على
ظنه أنه أصلح له ، وبعده الاستخارة بالاستشارة بالمؤمنين ، وبعده الاستخارة بالرقاع
أو البنادق أو القرعة بالسبحة والحصا أو التفؤل بالقرآن الكريم .
والظاهر جواز جميع ذلك كما اختاره أكثر أصحابنا ، وأوردوها في كتبهم
الفهية والدعوات وغيرها ، وقد اطلعت ههنا على بعضها ، وأنكر ابن إدريس الشقوق
الاخيرة ، وقال إنها من أضعف أخبار الاحاد ، وشواذ الاخبار ، لان رواتها
فطحية ملعونون ، مثل زرعة وسماعة وغيرهما ، فلا يلتفت إلى ما اختصا بروايته ،
ولا يعرج عليه ، قال : والمحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه إلا ما
اخترناه ، ولا يذكرون البنادق والرقاع والقرعة إلا في كتب العبادات ، دون كتب الفقه
وذكر أن الشيخين وابن البراج لم يذكروها في كتبهم الفقهية ، ووافقه المحقق
ففال : وأما الرقاع وما يتضمن افعل ولا تفعل ، ففي حيز الشذوذ ، فلا
عبره بهما .
وأصل هذا الكلام من المفيد رحمة الله عليه في المقنعة حيث أورد أولا أخبار
الاستخارة بالدعاء والاستشارة وغيرهما مما ذكرنا أولا ، ثم أورد استخارة ذات الرقاع