بحار الأنوار ج58

وكذا القوة السامعة وكذا سائر القوى كالتخيل والتذكر والتفكر ، والعلم بأن هذه
القوى غير سارية في جملة أجزاء البدن علم بديهي بل هومن أقوى العلوم البديهية ،
وأما بيان أنه يمتنع أن يكون النفس جزء من أجزاء البدن : فإنا نعلم بالضرورة أنه
ليس في البدن جزء واحد هو بعينه موصوف بالابصار والسماع والفكر والذكر ، بل
الذي يتبادر إلى الخاطر أن الابصار مخصوص بالعين لابسائر الاعضاء ، والسماع
مخصوص بالاذن لابسائر الاعضاء ، والصوت مخصوص بالحلق لابسائر الاعضاء ، وكذلك
القول في سائر الادراكات وسائر الافعال ، فأما أن يقال : إنه حصل في البدن جزء واحد
موصوف بكل هذه الادراكات وكل هذه الافعال ، فالعلم الضروري حاصل أنه ليس الامر
كذلك ، فثبت بما ذكر ناه أن النفس الانسانية شي ء واحد موصوف بجملة هذه الادراكات
وبجملة هذه الافعال ، وثبت بالبديهة أن جملة البدن ليست كذلك ، وثبت أيضا أن
شيئا من أجزاء البدن ليس كذلك ، فحينئذ يحصل اليقين بأن النفس شئ مغائر لهذا
البدن ولكن واحد من أجزائه وهو المطلوب .
ولنقرر هذا البرهان بعبارة اخرى ، نقول : إنا نعلم بالضرورة أنا إذا أبصرنا
شيئا عرفناه ، وإذا عرفناه اشتهيناه ، وإذا اشتهيناه حركنا أبداننا إلى القرب منه ، فوجب
القطع بأن الذي أبصر هو الذي عرف ، وأن الذي عرف هو الذي اشتهى ، وأن الذي
اشتهى هو الذي حرك إلى القرب منه ، فيلزم القطع بأن المبصر لذلك الشئ والعارف
به والمشتهي إليه والمحرك إلى القرب منه شئ واحد ، إذا كان المبصر شيئا والعارف
شيئا ثانيا والمشتهي شيئا ثالثا والمحرك شيئا رابعا ، لكان الذي أبصرلم يعرف والذي
عرف لم يشته والذي اشتهى لم يحرك ، لكن من المعلوم أن كون شئ مبصرا لشئ
لايقتضي صيرورة شئ آخر عالما بذلك الشئ ، وكذلك القول في سائر المراتب . وأيضا
فإنا نعلم بالضرورة أن الرائي للمرئيات " أنا " وإني لما رأيتها عرفتها ، ولما عرفتها
اشتهيتها ، ولما اشتهيتها طلبتها وحركت الاعضاء إلى القرب منها ، ونعلم أيضا بالضرورة
أن الموصوف بهذه الرؤية وبهذا الشهوة وبهذا التحريك " أنا " لاغيري .
وأيضا العقلاء قالوا : الحيوان لابد وأن يكون حساسا متحركا بالارادة ،

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه