بحار الأنوار ج67

أصبعين من أصابع الرحمان ، والله سبحانه منزه عن يكون له أصبع مركبة من دم
ولحم وعظم ينقسم بالانامل ، ولكن روح الاصبع سرعة التقليب والقدرة على التحريك
والتغيير ، فانك لاتريد أصبعك لشخصها بل لفعلها في التقليب والترديد ، وكما أنك
تتعاطى الافعال بأصابعك ، فالله تعالى إنما يعفل مايفعله ياستسخار الملك والشيطان
وهما مسخران بقدرته في تقليب القلوب ، كما أن أصابعك مسخرة لك في تقليب
الاجسام مثلا .
والقلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار(الملائكة و)الشياطين صلاحا متساويا ليس
يترجح أحدهما على الآخر ، وإنما يترجح أحد الجانبين باتباع الهوى ، والاكباب
على الشهوات أو الاعراض عنها ومخالفتها ، فان اتبع الانسان مقتضى الشهوة والغضب
ظهر تسلط الشيطان بواسطة الهوى ، وصار القلب عش الشيطان ومعدنه ، لان الهوى
هو مرعى الشيطان ومرتعه ، وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه ، وتشبه
بأخلاق الملائكة ، صار قلبه مستقر الملائكة ومهبطهم .
ولما كان لايخلو قلب عن شهوة وغضب وحرص وطمع وطول أمل إلى غير
ذلك من صفات البشرية المتشعبة عن الهوى ، لاجرم لم يخل قلب عن أن يكون
للشيطان فيه جولان بالوسوة ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مامنكم من أحد إلا
وله شيطان قالوا : ولا أنت يارسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن الله عزوجل أعانني
عليه فأسلم ، فلم يأمرني إلا بخير .
وإنما كان هذا لان الشيطان لايتصرف إلا بواسطة الشهوة فمن أعانه الله
على شهوته حتى صار لاينبسط إلا حيث ينبغي ، وإلى الحد الذي ينبغي ، فشهوته
لاتدعوه إلى الشر ، فالشيطان المتدرع بها لايأمر إلا بالخير ، ومهما غلب على
القلب ذكر الدنيا ومقتضيات الهوى ، وجد الشيطان مجالا فوسوس ، ومهما انصرف
القلب إلى ذكر الله تعالى ارتحل الشيطان ، وضاق مجاله ، وأقبل الملك وألهم .
فالتطارد بين جندي الملائكة والشياطين في معركة القلب دائم إلى أن ينفتح
القلب لاحدهما فيسكن ويستوطن ، ويكون اجتياز الثاني اختلاسا وأكثر القلوب

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه