بحار الأنوار ج56

تطرد عليها حسباناتهم وأعرضوا عن غيرها . على أنهم لوراموا العمل بالآفاق
لتهيألهم ولادتهم إلى ما أدتهم إليه دئرة نصف النهار لكن بعد سلوك المسلك البعيد
وأعظم الخطاء هو تنكب الطريق المستقيم إلى البعد الاطول على عمد .
الفائدة الثانية : اعلم أن اليوم قد يطلق على مجموع اليوم والليلة ، وقد
يطلق على ما يقابل الليل ، وهو يرادف النهار ، ولا ريب في أن اليوم والنهار
الشرعيين مبدؤهما من طلوع الفجر الثاني إلى غيبوبة قرص الشمس عند بعض ، و
إلى ذهاب الحمرة المشرقية عند أكثر الشيعة ، وعند المنجمين وأهل فارس والروم
من طلوع الشمس إلى غروبها . وخلط بعضهم بين الاصطلاحين فتوهم أن اليوم
الشرعي أيضا في غير الصوم من الطلوع إلى الغروب ، وهذا خطاء ، وقد أوردنا
الآيات والاخبار الكثيرة الدالة على ما اخترناه في كتاب الصلوة وأجبنا عن شبه
المخالفين في ذلك .
قال أبوريحان بعد إيراد ما تقدم منه : هذا الحد هو الذي نحد به اليوم

على الاطلاق إذا اشترط الليلة في التركيب ، فأما على التقسيم والتفصيل فإن
اليوم بانفراده والنهار بمعنى واحد ، وهو من طلوع جرم الشمس إلى غروبه
والليل بخلاف ذلك وعكسه بتعارف من الناس قاطبة فيما بينهم واتفاق من جمهورهم
لا يتنازعون فيه ، إلا أن بعض علماء الفقه في الاسلام حد أول النهار بطلوع الفجر
وآخره بغروب الشمس ، تسوية منه بينه وبين مدة الصوم . واحتج بقوله تعالى
" وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر
ثم أتموا الصيام إلى الليل "(1)فادعى أن هذين الحدين هما طرفا النهار . ولا
تعلق لمن رأى هذا الرأي بهذه الآية بوجه من الوجوه ، لانه لو كان أول الصوم
أول النهار لكان تحديده ما هو ظاهر بين للناس بمثل ما حده به جاريا مجرى
التكلف لما لا معنى له ، كما لم يحد آخر النهار وأول الليل بمثل ذلك ، إذ هو
معلوم متعارف لا يجهله أحد ، ولكنه تعالى لما حد أول الصوم بطلوع الفجر ولم


(1)البقرة : 187 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه