بحار الأنوار ج14

فبينما هي تحت شجرة إذ رأت طائرا يزق(1)فرخا له ، فتحرك نفسها للولد فدعت الله
أن يرزقها ولدا فحملت بمريم " فتقبل مني " أي نذري قبول رضى " إنك أنت السميع "
لما أقول " العليم " بما أنوي " فلما وضعتها " خجلت واستحيت وقالت منكسة رأسها :
" رب إني وضعتها أنثى " وقيل فيه قولان :
أحدهما : أن المراد به الاعتذار من العدول عن النذر لانها أنثى ، والآخر أن المراد
تقديم الذكر في السؤال لها بأنها أنثى لان سعيها أضعف وعملها أنقص ،(2)فقدم ذكرها
ليصح القصد لها في السؤال بقولها : " وإني أعيذها بك " " والله أعلم بما وضعت وليس
الذكر كالانثى " لانها لاتصلح لما يصلح له الذكر ، وإنما كان يجوز لهم التحرير في
الذكور دون الاناث ، لانها لاتصلح لما يصلح الذكر له من التحرير لخدمة بيت المقدس
لما يلحقها من الحيض والنفاس والصيانة عن التبرج للناس ، وقال قتادة : لم يكن التحرير إلا
في الغلمان فيما جرت به العادة ، وقيل : أرادت أن الذكر أفضل من الانثى على العموم
وأصلح للاشياء " وإني سميتها مريم " وهي بلغتهم العابدة والخادمة فيما قيل ،(3)
وروى الثعلبي بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : حسبك
من نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية(4)امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد
وفاطمة بنت محمد " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " خافت عليها ما يغلب
على النساء من الآفات فقالت ذلك ، وقيل : إنما استعاذتها من طعنة الشيطان في جنبها
التي لها يستهل الصبي صارخا ، فوقاها الله وولدها عيسى عليه السلام منه بحجاب ، وقيل :
إنما استعاذت من إغواء الشيطان الرجيم إياها " فتقبلها ربها " مع أنوثتها ورضي بها
في النذر التي نذرته(5)حنة للعبادة في بيت المقدس ، ولم يتقبل قبلها أنثى في ذلك المعنى


(1)زق الطائر فرخه : اطعمه بمنقاره .
(2)في المصدر : وعقلها أنقص .
(3)" " هنا زيادة وهي : وكانت مريم أفضل النساء في وقتها وأجملهن .
(4)" " : وآسية بنت مزاحم .
(5)" " في النذر الذي نذرته .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه