بحار الأنوار ج11

من فوت نفسه المنافع المستحقة ، وهذا هو معنى قوله تعالى : " فتكونا من الظالمين " انتهى .
والظلم في الاصل : وضع الشئ غير موضعه ، قال الجوهري : ويقال : من أشبه
أباه فما ظلم ، وقيل : أصل الظلم انتقاص الحق ، قال الله تعالى : " كلتا الجنتين آتت
اكلها ولم تظلم منه شيئا " أي لم تنقص ، وقال الجزري : في حديث ابن زمل :(لزموا الطريق
فلم يظلموه)أي لم يعدلوا عنه ، يقال : أخذ في طريق فما ظلم يمينا وشمالا ، فظهر أن
الوصف بالظلم لا يستلزم ما ادعاه المستدل ، إذ لا شك في أن مخالفة أمره سبحانه وضع للشئ
في غير موضعه ، وموحب لنقص الثواب ، وعدول عن الطريق المؤدي إلى المراد ، وأما ما استدل
به على أن الظالم ملعون فباطل ، إذ وقع هذا في موضعين من القرآن : أحدهما في
الاعراف " أن لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم
بالآخرة كافرون(1)" وثانيهما في هود ، وفيها كما ذكر إلا أن آخر الآية فيها هكذا :
" وهم بالآخرة هم كافرون(2)" وعلى أي حال لا يدل على لعن مطلق الظالمين ، بل لا يدل
على لعن صاحب الكبيرة أيضا من المسلمين ، على أن اللعن أيضا لا يدل على كون الفعل
كبيرة لورود الاخبار بلعن صاحب الصغيرة ، بل من ارتكب النهي التنزيهي أيضا ، إذ
اللعن الطرد والابعار عن الرحمة ، والبعد عنها يحصل بترك المندوب وفعل المروه أيضا ،
لكن لما غلب استعماله في المشركين والكفار لا يجوز استعماله في صلحاء المؤمنين قطعا ،
وفي فساقهم إشكال ، ولاولى الترك .
الوجه الخامس : أنه ارتكب المنهي عنه في قوله تعالى : " ولا تقربا هذه الشجرة "
وقوله تعالى : " ألم أنهكما " وارتكاب المنهي عنه كبيرة .
والجواب : أن النهي كما يكون للتحريم يكون للتنزيه ، ولو ثبت أنه حقيقة
في التحريم حملناه على المجاز لدلائل العصمة ، على أن شيوع استعماله في التنزيه يمنع
من حمله على المعنى الحقيقي بلا قرينة ، وأما ما ادعاه من كون ارتكاب المنهي عنه كبيرة
مطلقا فلا يخفى فساده .


(1)الاية 44 و 45 .
(2)الاية : 18(*).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه