الخلاف ، لان القوم يظنون أنهم إنما بعثوا بعد الموت تكرمة لهم ، وليلوا الدنيا
كما كانوا ، ويظنون أن ما اعتقدوه في العذاب السالف لهم كان غلطا منهم ، وإذا
حل بهم العقاب ثانية توهموا قبل مفارقة أرواحهم أجسادهم أن ذلك ليس من
طريق الاستحقاق ، وأنه من الله تعالى ، لكنه كما يكون الدول ، وكما حل
بالانبياء عليهم السلام .
ولاصحاب هذا الجواب أن يقولوا ليس ما ذكرناه في هذا الباب بأعجب من
كفر قوم موسى عليه السلام وعبادتهم العجل ، وقد شاهدوا منه الآيات ، وعاينوا ما حل
بفرعون وملائه على الخلاف ، ولا هو بأعجب من إقامة أهل الشرك على خلاف رسول
الله صلى الله عليه وآله وهم يعلمون عجزهم عن مثل ما أتى به من القرآآ ، ويشهدون معجزاته
وآياته عليه السلام ويجدون مخبرات أخباره على حقائقها من قوله تعالى سيهزم الجمع
ويولون الدبر (1)وقوله عزوجل : لتدخلن المسجد الحرام إنشاء الله
آمنين (2)وقوله عزوجل : الم غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم
سيغلبون (3)وما حل بهم من العقاب بسيفه عليه السلام وهلاك كل من توعده
بالهلاك ، هذا وفيمن اظهر الايمان به المنافقون ينضافون في خلافه إلى اهل الشرك
والضلال .
على أن هذا السؤال ، لا يسوغ لاصحاب المعارف من المعتزلة ، لانهم
يزعمون أن أكثر المخالفين على الانبياء كانوا من أهل العناد وأن جمهور المظهرين
الجهل بالله تعالى يعرفونه على الحقيقة ، ويعرفون أنبياءه وصدقهم ، ولكنهم في
الخلاف على اللجاجة والعناد ، فلا يمتنع أن يكون الحكم في الرجعة وأهلها على
هذا الوصف الذي حكيناه وقد قال الله تعالى : ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا
يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدالهم ما كانوا
يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون (4).
(1)القمر : 45 .(2)الفتح : 27 .
(3)الروم : 2 .(4)الانعام : 27 و 28 .