بحار الأنوار ج6

الثاني أني أكون عالما بأني " أنا " حال ما أكون غافلا عن هذه الاعضاء الظاهرة
فما دل عليه قولنا : " أنا " مغاير لهذه الاعضاء والابعاض ، ثم اختلفوا عند ذلك في أن
الذي يشير إليه كل أحد بقوله : " أنا " أي شئ هو ؟ والاقوال فيها كثيرة ، إلا أن أشدها
تحصيلا وجهان : أحدهما : أنها أجزاء جسمانية سارية في هذا الهيكل سريان النار في
الفحم ، والدهن في السمسم ، وماء الورد في الورد ، والقائلون بهذا القول فريقان : أحدهما
الذين اعتقدوا تماثل الاجسام فقالوا : إن تلك الاجسام متماثلة لسائر الاجزاء التي منها
يؤلف هذا الهيكل ، إلا أن القادر المختار سبحانه يبقي بعض الاجزاء من أول العمر
إلى آخره فتلك الاجزاء هي التي يشير إليها كل أحد بأنا ، ثم إن تلك الاجزاء حية
بحياة يخلقها الله فيها ، فإذا أزال الحياة عنها ماتت ، وهذا قول أكثر المتكلمين .
وثانيهما : أن الذين اعتقدوا اختلاف الاجسام زعموا أن الاجسام التي هي
باقية من أول العمر إلى آخره أجسام مخالفة بالماهية للاجسام التي منها ائتلف هذا
الهيكل وتلك الاجسام حية لذاتها ، مدركة لذاتها ، نورانية لذاتها ، فإذا خالطت هذا
البدن وصارت سارية في هذا الهيكل سريان النار في الفحم صار هذا الهيكل مستنيرا
بنور ذلك الروح ، متحركا بتحريكه ، ثم إن هذا الهيكل أبدا في الذوبان والتحليل
إلا أن تلك الاجزاء باقية بحالها ، وإنما لا يعرض لها التحليل لانها مخالفة بالماهية
لهذه الاجسام ، فإذا فسد هذا القالب انفصلت تلك الاجسام اللطيفة النورانية إلى
عالم السماوات والقدس والطهارة إن كانت من جملة السعداء ، أو إلى الجحيم وعالم
الافات إن كانت من جملة الاشقياء .
والقول الثاني : إن الذي يشير إليه كل أحد بقوله : " أنا " موجود ليس بمتحيز
ولا قائم بالمتحيز ، وإنه ليس داخل العالم ولا خارجا عنه ، ولا يلزم من كونه كذلك
أن يكون مثلا لله تعالى لان الاشتراك في السلوب لا يوجب الاشتراك في الماهية ، و
قالوا : هذه الارواح بعد مفارقة الابدان تتألم وتلتذ إلى أن يردها الله تعالى إلى
الابدان يوم القيامة ، فهناك يحصل الالتذاذ والتألم للابدان ، فهذا قول قال به عالم
من الناس ، قالوا : وإن لم يقم عليه برهان قاهر على القول به ولكن لم يقم دليل على

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه