بحار الأنوار ج12

وبكيتم قبل أن تضربوا ، كيف بي(1)لو قلت لكم : تصدقوا عني بأموالكم لعل الله
تعالى أن يخلصني ؟ وقربوا عني قربانا لعل الله تعالى يتقبله ويرضى عني ؟ وإنكم قد
أعجبتكم أنفسكم وظننتم أنكم قد عوفيتم بإحسانكم فهنا لك بغيتم وتعززتم ، ولو نظرتم
فيما بينكم وبين ربكم ثم صدقتم لوجدتم لكم عيوبا سترها الله تعالى بالعافية التي
ألبسكم ، وقد كنت فيما خلا والرجال يوقرونني(2)وأنا مسموع كلامي ، معروف
حقي ، منتقم من خصمي ،(3)فأصبحت اليوم وليس لي رأي ولا كلام معكم ، فإنكم كنتم
أشد علي من مصيبتي .(4)
ثم أعرض عنهم وأقبل على ربه تعالى مستغيثا به متضرعا إليه فقال : رب
لاي شئ خلقتني ؟ ليتني إذ كرهتني لم تخلقني ، ياليتني كنت حيضة ألقتني أمي ،
وياليتني عرفت الذنب الذي أذنبت والعمل الذي عملت فصرفت وجهك الكريم عني ،
لو كنت أمتني فألحقتني بآبائي فالموت كان أجمل إلي ،(5)ألم أكن للغريب دارا ؟ وللمسكين
قرارا ؟ ولليتيم وليا ؟ وللارملة قيما ؟ إلهي أنا عبد ذليل إن أحسنت فالمن لك ، وإن
أسأت فبيدك عقوبتي ، جعلتني للبلاء غرضا ، وللفتنة نصبا ، وقد وقع علي بلاء لو سلطته على
جبل ضعف عن حمله ، فكيف يحمله ضعفي ؟ إلهي تقطعت أصابعي فإني لارفع الاكلة
من الطعام بيدي جميعا فما تبلغان فمي إلا على الجهد مني ، تساقطت لهواتي ولحم رأسي ،
فما بين أذني من سداد حتى أن أحد هما يرى من الآخر ، وإن دماغي ليسيل من فمي ،
تساقط شعر عيني ، فكأنما حرق بالنار وجهي ، وحد قتاي متدليتان على خدي ، وورم
لساني حتى ملا فمي ، فما أدخل منه طعاما إلا غصني ، وورمت شفتاي حتى غطت
العليا أنفي والسفلى ذقني ، وتقطعت أمعائي في بطني ، فإني لادخله الطعام فيخرج كما


(1)في المصدر : كيف بكم .
(2)في المصدر : وقد كنتم فيما خلا الرجال توقروننى .
(3)في المصدر : منتصف من خصمى .
(4)في المصدر : فانتم اليوم أشد على من مصيبتى .
(5)في المصدر : أجمل لى . يا الهى اه‍ .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه