بحار الأنوار ج64

واقول : مثله كثير في القرآن والغرض رفع ما يسبق إلى الاوهام العامية
أن الكثرة دليل الحقية ، والقلة دليل البطلان ، ولذا يميل أكثر الناس إلى
السواد الاعظم ، مع أن في أعصار جميع الانبياء كان أعداؤهم أضعاف أضعاف
أتباعهم وأولياء‌هم ، وقد ؟ ؟ الكثير مدح القليل ، الرب الجليل في التنزيل ، والله
يهدي إلى سواء السبيل .
1 - نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام : أيها الناس ! لا تستوحشوا في طريق
الهدى لقلة أهله ، فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير ، وجوعها طويل(1).
بيان : لما كانت العادة جارية بأن يستوحش الناس من الوحدة ، وقلة الرفيق
في الطريق ، لا سيما إذا كان طويلا صعبا غير مأنوس ، فنهى عن الاستيحاش في تلك
الطريق ، وكنى به عما عساه يعرض لبعضهم من الوسوسة ، بأنهم ليسوا على
الحق لقلتهم ، وكثرة مخالفيهم ، كما أشرنا إليه .
وأيضا قلة العدد في الطرق الحسية مظنة الهلاك ، والسلامة مع الكثرة
فنبههم عليه السلام على أنهم في طريق الهدى والسلامة ، وإن كانوا قليلين ، ولا يجوز
مقايسة طرق الآخرة بطرق الدنيا .
ثم نبه على علة قلة أهل طريق أهل الهدى ، وهي اجتماع الناس على الدنيا
فقال : " فان الناس " واستعار للدنيا المائدة ، لكونهما مجتمع اللذات ، وكنى
عن قصر مدتها بقصر شبعها ، وعن استعقاب الانهماك فيها للعذاب الطويل في الآخرة
بطول جوعها .
قيل : ولفظ الجوع مستعار للحاجة الطويلة بعد الموت إلى المطاعم الحقيقية
الباقية من الكمالات النفسانية ، وهو بسبب الغفلة في الدنيا ، فلذلك نسب الجوع
إليها .
2 - صفات الشيعة للصدوق : باسناده عن المفضل بن قيس ، عن أبي عبدالله


(1)نهج البلاغة : 442 ، الخطبة 199 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه