بحار الأنوار ج46

الدور والمساكن ، وهلك الناس ورأيتهم بحال رحمتهم ، فقال عليه السلام : لارحمهم
الله أما إنه قد أبقيت عليك بقية ، ولو لا ذلك لم ترحم أعداء‌نا وأعداء أوليائنا ، ثم
قال : سحقا سحقا وبعدا للقوم الظالمين ، والله لو لا مخافة مخالفة والذي لزدت في
التحريك وأهلكتهم أجمعين ، وجعلت أعلاها أسفلها ، فكان لا يبقى فيها دار ولا
جدار ، فما أنزلونا وأولياء‌نا من أعدائنا هذه المنزلة غيرهم ، ولكني أمرني مولاي
أن احرك تحريكا ساكنا ، ثم صعد عليه السلام المنارة وأنا أراه والناس لا يرونه فمد
يده وأدارها حول المنارة ، فزلزلت المدينة زلزلة خفيفة وتهدمت دور ، ثم تلا
الباقر صلوات الله عليه(ذلك جزيناهم ببغيهم وهل نجازي إلا الكفور)(1)وتلا
أيضا(فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها)(2)وتلا(فخر عليهم السقف من فوقهم
وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون)(3).
قال جابر : فخرجت العواتق من خدورهن في الزلزلة الثانية يبكين و
يتضر عن منكشفات لا يلتفت إليهن أحد ، فلما نظر الباقر عليه السلام إلى تحير العواتق
رق لهن ، فوضع الخيط في كمه وسكنت الزلزلة ، ثم نزل عن المنارة والناس
لا يرونه ، وأخذ بيدي حتى خرجنا من المسجد ، فمررنا بحداد اجتمع الناس بباب
حانوته والحداد يقول : أما سمعتم الهمهمة في الهدم ؟ فقال بعضهم : بل كانت همهمة
كثيرة ، وقال قوم آخرون : بل والله كلام كثير إلا أنا لم نقف على الكلام .
قال جابر رضوان الله عليه : فنظر إلي الباقر وتبسم ، ثم قال : يا جابر هذا
لما طغوا وبغوا ، فقلت : يا ابن رسول الله ما هذا الخيط الذي فيه العجب ؟ فقال :
(بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة)، ونزل به جبرئيل عليه السلام ويحك
يا جابر إنا من الله تعالى بمكان ومنزلة رفيعة ، فلو لا نحن لم يخلق الله تعالى سماء
ولا أرضا ولا جنة ولا نارا ولا شمسا ولا قمرا ولا جنا ولا إنسا ، ويحك يا جابر


(1)سورة الانعام ، الاية : 146 .
(2)سورة هود ، الاية : 82 .
(3)سورة النحل ، الاية : 26 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه