البحث الثالث : أن هذه الالفاظ والكلمات لها أسماء كثيرة ، فالاول
اللفظ ، وفيه وجهان أحدهما أن هذه الالفاظ إنما تولد بسبب أن ذلك الانسان
لفظ ذلك الهواء من حلقه ، فلما كان سبب حدوث هذه الاصوات هو لفظ ذلك الهواء
لاجرم سميت باللفظ . والثاني أن تلك المعانى كانت كامنة في قلب ذلك الانسان
فلما ذكر هذه الالفاظ صارت تلك المعاني الكامنة معلومة ، فكان ذلك الانسان لفظها
من الداخل إلى الخارج .
والاسم الثاني : الكلام ، واشتقاق هذه اللفظة من الكلم وهو الجرح ، والسبب
أن الانسان إذا سمع تلك اللفظة تأثر جسمه بسماعها ، وتأثر عقله بفهم معناها فلهذا
السبب سمي بالكلمة .
والاسم الثالث : العبارة ، وهي مأخوذة من العبور والمجاوزة ، وفيه وجهان :
الاول : أن ذلك النفس لما خرج منه فكأن جاوزه وعبر عليه . الثاني : أن ذلك المعنى
عبر من القائل إلى فهم المستمع .
والاسم الرابع : القول ، وهذا التركيب يفيد الشدة والقوة ، ولاشك أن تلك
اللفظة لها قوة ، إما لسبب خروجها إلى الخارج ، وإما لسبب أنها تقوى على التأثير في
السمع وعلى التأثير في العقل ، والله اعلم .
النوع الثانى من خواص الانسان قدرته على استنباط الصنائع العجيبة ، ولهذه
القدرة مبدءا وآلة . أما المبدأ فهو الخيال القادر على تركيب الصور بعضها ببعض ، و
أما الآلة فهي اليدان ، وقد سماهما الحكيم أرسطاطاليس " الآلة المباحه " وسنذكر
هذه اللفظة في علم التشريح إن شاء الله ، وقد يحصل ما يشبه هذه الحالة للحيوانات الاخر
كالنحل في بناء البيوت المسدسة ، إلا أن ذلك لا يصدر من استنباط وقياس ، بل إلهام
وتسخير ، ولذلك لا يختلف ولا يتنوع . هكذا قاله الشيخ ، وهو منقوض بالحركة
الفلكية وسنفرد لهذا البحث فصلا على الاستقصاء .
النوع الثالث من خواص الانسان الاعراض النفسانية المختلفة ، وهي على
أقسام : فأحدها أنه إذا رأى شيئا لم يعرف سببه حصلت حالة مخصوصة في نفسه مسماة