بحار الأنوار ج6

بذلك حتى يرى في نومه يصيح ويعرق جبينه ، وقد ينزعج من مكانه ، كل ذلك يدرك
من نفسه ويتأذى به كما يتأذى اليقظان ، وأنت ترى ظاهره ساكنا ولا ترى في حواليه
حية ، والحية موجودة في حقه ، والعذاب حاصل ، ولكنه في حقك غير مشاهد ، و
إن كان العذاب ألم اللدغ فلا فرق بين حية تتخيل أو تشاهد .
المقام الثالث أن الحية بنفسها لا تؤلم بل الذي يلقاك منها هو السم ثم السم ليس
هو الالم ، بل عذابك في الاثر الذي يحصل فيك من السم ، فلو حصل مثل ذلك من غير سم
فكان ذلك العذاب قد توفر ، وقد لا يمكن تعريف ذلك النوع من العذاب إلا بأن يضاف
إلى السبب الذي يفضي إليه في العادة ، والصفات المهلكات تنقلب موذيات ومولمات في
النفس عند الموت فتكون آلامها كآلام لدغ الحيات من غير وجود الحيات .
فإن قلت : ما الصحيح من هذه المقامات الثلاثة ؟ فاعلم أن من الناس من لم
يثبت إلا الثالث ، وإنما الحق الذي انكشف لنا من طريق الاستبصار أن كل ذلك
في حيز الامكان ، وأن من ينكر بعض ذلك فهو لضيق حوصلته وجهله باتساع قدرة
الله وعجائب تدبيره منكر من أفعال الله تعالى ما لم يأنس به ولم يألفه ، وذلك جهل
وقصور ، بل هذه الطرق الثلاثة في التعذيب ممكن ، والتصديق بها واجب ، ورب عبد
يعاقب بنوع واحد من هذه الانواع الثلاثة ، هذا هو الحق فصدق به .
ثم قال : وسؤال منكر ونكير حق لقوله صلى الله عليه واله : إذا اقبر الميت أتاه ملكان
أسودان أزرقان يقال لاحدهما : منكر ، وللآخر : نكير ، يقولان : ما كنت تقول في
هذا الرجل ؟ فإن كان مؤمنا فيقول : هو عبدالله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، و
أشهد أن محمدا رسول الله ، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ، ثم يفسح في قبره
سبعين ذراعا في سبعين ذراعا ، ثم ينور له فيه ، ثم يقال له : نم ، فيقول : أرجع إلى
أهلي فأخبرهم ؟ فيقولان : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله ، حتى يبعثه
الله من مضجعة ذلك ، وإن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون فقلت مثله ، لا أدري !
فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك ، فيقال للارض : التئمي عليه ، فتلتئم عليه فتختلف
أضلاعه ، فلا يزال فيه معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك . وأنكر الجبائي وابنه و

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه