الطبائع العلوية والسفلية مما لا يفي به وسع البشر ، وطاقة النفس الناطقة لوجوه
أربعة : أولها أنه لا سبيل إلى إثبات الكواكب إلا بواسطة القوة الباصرة ، ولا
ارتياب أنها عن إدراك الصغير من البعيد قاصرة ، فإن أصغر كوكب مما في القدر
السابع من الفلك الثامن وهو الذي يمتحن به حدة البصره مثل كرة الارض بضعة
عشر مرة ، وإن كرة الارض أعظم من العطارد كذا ألف مرة ، فلو تكوكب
الفلك الاعظم بكواكب على قدر الكواكب الصغيرة المذكورة من الثوابت فلا شك
أن الحس لا يدركه ، والبصر لا يمتد عليه ، فضلا عما يكون في مقدار عطارد أو
أصغر منه . وعلى هذا التقدير لا يبعد أن يكون في السماوات كواكب كثيرة فعالة
وإن كنا لا نعرف وجودها فضلا عن أن نعرف طبائعها ، ولهذا نقل صاحب كتاب
" تتكلوشا " عن رواياى(1)البشر أنه بقي في الفلك وراء الكواكب المرصودة
كواكب لم ترصد ، إما لفرط صغرها أو لخفاء آثارها وأفعالها .
وثانيها : أن الكواكب التي نراها ليست بأسرها مرصودة ، بل المرصودة
منها ألف واثنان وعشرون ، والبواقي غير مرصودة ، ومما يحقق ذلك ما ثبت
بالدلالة أن المجرة ليست إلا أجرام كوكبية صغيرة جدا مر تكزة في فلك الثوابت
على هذا السمت المخصوص ، وظاهر أن الوقوف على طبائعها متعذرة .
وثالثها : أن هذه الكواكب المرصودة مما لم يحصل الوقوف التام على
طبائعها ، لان أقوال الاحكاميين ضعيفة قليلة الحاصل ، لا سيما في طبائع الثوابت .
ورابعها : أنا بتقدير أن نعرف طبائع هذا الكواكب على بساطتها لكنه
لا يمكننا الوقوف على طبائعها حال امتزاجها إلا على سبيل التقريب البعيد عن
التحقيق .
ثم إنا نعلم أن الحوادث الحادثة في هذا العالم لا يصدر عن طبائها البسيطة
وإلا لدامت هذه الحوادث بدوام تلك الطبائع ، بل إنما يحصل عن امتزاجاتها ، و
تلك الامتزاجات غير متناهية ، فلا سبيل إلى الوقوف عليها على سبيل القياس ، فقد ثبت