بحار الأنوار ج16

ومن عجيب أمره أنه كان أجمع الناس لدواعي الترفع ، ثم كان أدناهم إلى التواضع ، و
ذلك أنه صلى الله عليه واله كان أوسط الناس نسبا ، وأوفرهم حسبا ، وأسخاهم وأشجعهم وأزكاهم و
أفصحهم ، وهذه كلها من دواعي الترفع ، ثم كان من تواضعه أنه كان يرقع الثوب ،
ويخصف النعل ، ويركب الحمار ، ويعلف الناضح(1)، ويجيب دعوة المملوك ، ويجلس في
الارض ، ويأكل في الارض(2)، وكان يدعو إلى الله من غير زبر ولا كهر(3)ولا زجر ، ولقد
أحسن من مدحه في قوله .
فما حملت من ناقة فوق ظهرها * أبر وأوفى ذمة من محمد(4)
وفي قوله تعالى : " قل لا أقول لكم عندي خزائن الله " أي خزائن رحمته ، أو مقدوراته ،
أو أرزاق الخلائق " ولا أعلم الغيب " الذي يختص الله تعالى بعلمه ، وإنما أعلم ما علمني
" ولا أقول لكم إني ملك " أي لا أقدر على ما يقدر عليه الملك ، فاشاهد من أمر الله وغيبه
ما تشاهده الملائكة " إن أتبع إلا ما يوحى إلي " يريد ما أخبركم إلا بما أنزل الله
إلي(5).
أقول : الحاصل أني لا أقدر أن آتيكم بمعجزة وآية إلا بما أقدرني الله عليه ، و
أذن لي فيه ، ولا أعلم شيئا إلا بتعليمه تعالى ، ولا أعلم شيئا من قبل نفسي إلا بإلهام أو
وحي منه تعالى ، ولا أقول : إني مبرأ من الصفات البشرية من الاكل والشرب وغير ذلك .
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : " خذ العفو " أي ما عفا من أموال الناس ،
أي ما فضل من النفقة ، فكان رسول الله صلى الله عليه واله يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شئ
موقت ، ثم نزلت آية الزكاة فصار منسوخا بها ، وقيل : معناه خذ العفو من أخلاق الناس ،


(1)الناضح : البعير يستقى عليه .
(2)في المصدر : ويأكل على الارض .
(3)زبره عن الامر : منعه ونهاه عنه ، زبر السائل : انتهره . وفي المصدر : من غير زئر ،
وهو من زأر الاسد : صات من صدره . والكهر : استقبالك إنسانا بوجه عابس تهاونا به .
(4)مجمع البيان 2 : 526 و 527 . وفي المنقول اختصار وكذا في ما يأتى .
(5)مجمع البيان 4 : 304 .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه