بحار الأنوار ج27

وأوجبته الحجج العقلية ، وإن تعذر فيها بناء وتأويل وتخريج وتنزيل فليس غير
الاطراح لها وترك التعريج(1)عليها ، ولو اقتصرنا على هذه الجملة لاكتفينا فيمن
يتدبر ويتفكر .
وقد يجوز أن يكون المراد بذم هذه الاجناس من الطير أنها ناطقة بضد الثناء
على الله وبذم أوليائه ونقص أصفيائه ذم متخذيها ومرتبطيها ، وأن هؤلاء المغرين
بمحبة هذه الاجناس واتخاذها هم الذين ينطقون بضد الثناء على الله تعالى ويذمون
أولياء‌ه وأحباء‌ه ، فأضاف النطق إلى هذه الاجناس وهو لمتخذيها أو مرتبطيها للتجاور
والتقارب وعلى سبيل التجوز والاستعارة ، كما أضاف الله تعالى السؤال في القرآن
إلى القرية وإنما هو لاهل القرية ، وكما قال تعالى : " وكأين من قرية عتت عن
أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها
وكان عاقبة أمرها خسرا(2)" وفي هذا كله حذوف ، وقد اضيف في الظاهر الفعل إلى
من هو في الحقيقة متعلق بغيره ، والقول في مدح أجناس من الطير والوصف لها بأنها
تنطق بالثناء على الله والمدح لاوليائه يجري على هذا المنهج الذي نهجناه .
فان قيل : كيف يستحق مرتبط هذه الاجناس مدحا بارتباطها ، ومرتبط بعض
آخر ذما بارتباطه حتى علقتم المدح والذم بذلك ؟ .
قلنا : ماجعلنا لارتباط هذه الاجناس حظا في استحقاق مرتبطيها مدحا ولا ذما
وإنما قلنا : إنه غير ممتنع أن تجري عادة المؤمنين الموالين لاولياء الله تعالى والمعادين
لاعدائه بأن يألفوا ارتباط أجناس من الطير ، وكذلك تجري عادة بعض أعداء الله تعالى
باتخاذ بعض أجناس الطير فيكون متخذ بعضها ممدوحا لامن أجل اتخاذه ، لكل لما
هو عليه من الاتخاذ الصحيح ، فيضاف المدح إلى هذه الاجناس وهو لمرتبطها والنطق
بالتسبيح والدعاء الصحيح إليها وهو لمتخذها تجوزا واتساعا ، وكذلك القول في الذم
المقابل للمدح .


(1)اى وترك الاعتماد عليها ، يقال : فلان لايعرج على قوله أى لايعتمد عليه .
(2)الطلاق : 8 و 9 .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه