بحار الأنوار ج3

هوالذي يهيج الصبي إلى طلب الرضاع ، والطير اللاقط على لقط الحب ، والسباع على

ابتلاع اللحم ؟ .
قال : لست أجد القلب يعلم شيئا إلا بالحواس قلت : أما إذ أبيت إلا النزوع
إلى الحواس فإنا لنقبل نزعك إليها بعد رفضك لها ، ونجيبك في الحواس حتى يتقرر
عندك أنها لا تعرف من سائر الاشياء إلا الظاهر مما هو دون الرب الاعلى سبحانه و
تعالى ، فأما ما يخفى ولا يظهر فليست تعرفه ، وذلك أن خالق الحواس جعل لها قلبا
احتج به على العباد ، وجعل للحواس الدلالات على الظاهر الذي يستدل بها على الخالق
سبحانه ، فنظرت العين إلى خلق متصل بعضه ببعض فدلت القلب على ماعاينت ، وتفكر
القلب حين دلته العين على ما عاينت من ملكوت السماء وارتفاعها في الهواء بغير عمد يرى ،
ولا دعائم تمسكها لا تؤخر مرة فتنكشط ، ولا تقدم اخرى فتزول ولا تهبط مرة فتدنو ،
ولا ترتفع اخرى فتنأى ، لا تتغير لطول الامد ولا تخلق لا ختلاف الليالي والايام ،
ولا تتداعى منها ناحية ولا ينهار منها طرف ، مع ما عاينت من النجوم الجارية السبعة
المختلفة بمسيره‍ لدوران الفلك ، وتنقلها في البروج يوما بعد يوم ، وشهرا " بعد شهر وسنة
بعد سنة ، منها السريع ، ومنها البطيئ ، ومنها المعتدل السير ، ثم رجوعها واستقامتها ،
وأخذها عرضا وطولا " ، وخنوسها عند الشمس وهي مشرقة وظهورها إذا غربت ، وجري
الشمس والقمر في البروج دائبين لا يتغيران في أزمنتهما وأوقاتهما يعرف ذلك من يعرف
بحساب موضوع وأمر معلوم بحكمة يعرف ذووا الالباب أنها ليست من حكمة الانس ،
ولا تفتيش الاوهام ، ولا تقليب التفكر ، فعرف القلب حين دلته العين على ما عاينت أن
لذلك الخلق والتدبير والامر العجيب صانعا يمسك السماء المنطبقة أن تهوى إلى الارض
وأن الذي جعل الشمس والنجوم فيها خالق السماء ، ثم نظرت العين إلى ما استقلها من
الارض فدلت القلب على ما عاينت فعرف القلب بعقله أن ممسك الارض الممتدة أن
تزول أو تهوى في الهواء - وهو يرى الريشة يرمى بها فتسقط مكانها وهي في الخفة على


(1)أى فتبعد . وفى نسخة : فتنأى فلا ترى .
(2)أى لا تبلى ولا ترث .
(3)وفى نسخة : أن ممسك الارض الممهدة .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه