بحار الأنوار ج3

والسماء المسقفة فوقنا راكدة في الهواء ، وما دونها من الارض المبسوطة ، وما عليها من
الخلق الثقيل ، وهي راكدة لا تتحرك ، غير أنه ربما حرك فيها ناحية ، والناحية الاخرى
ثابتة ، وربما خسف منها ناحية والناحية الاخرى قائمة ، يرينا قدرته ويدلنا بفعله
على معرفته ، فلهذا سمي قويا لا لقوة البطش المعروفة من الخلق ، ولو كانت قوته تشبه قوة
الخلق لوقع عليه التشبيه ، وكان محتملا للزيادة ، وما احتمل الزيادة كان ناقصا وما كان
ناقصا لم يكن تاما ، ولم يكن تاما كان عاجزا ضعيفا ، والله عزوجل لا يشبه بشئ ،
وإنما قلنا : إنه قوي للخلق القوي ، وكذلك قولنا ، العظيم والكبير ، ولا يشبه بهذه
الاسماء الله تبارك وتعالى .
قال : أفرايت قوله : سميع بصير عالم ؟ قلت : إنما يسمى تبارك وتعالى بهذه
الاسماء لانه لا يخفى عليه شئ مما لا تدركه الابصار من شخص صغير أو كبير ، أو
دقيق أو جليل ، ولا نصفه بصيرا بلحظ عين كالمخلوق ، وإنما سمي سميعا لانه ما يكون
من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ، ولا خمسة إلا هو سادسهم ، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا
هو معهم أينما كانوا ، يسمع النجوى ، ودبيب النمل على الصفا ،(1)وخفقان الطير في
الهواء(2)لا تخفى عليه خافية ولا شئ مما أدركته الاسماع والابصار وما لا تدركه الاسماع
والابصار ، ماجل من ذلك وما دق ، وما صغر وما كبر ، ولم نقل سميعا بصيرا كالسمع
المعقول من الخلق ، وكذلك إنما سمي عليما لانه لا يجهل شيئا من الاشياء ، لا تخفى
عليه خافية في الارض ولا في السماء ، علم ما يكون وما لا يكون ، وما لو كان كيف يكون ،
ولم نصف عليما بمعنى غريزة يعلم بها ، كما أن للخلق غريزة يعلمون بها ، فهذا ما أراد
من قوله : عليم ، فعز من جل عن الصفات ، ومن نزه نفسه عن أفعال خلقه فهذا هو المعنى ،
ولولا ذلك ما فصل بينه وبين خلقه فسبحانه وتقدست أسماؤه
قال : إن هذا لكما تقول ولقد علمت أنما غرضي أن أسأل عن رد الجواب فيه عند مصرف
يسنح عني ، فأخبرني لعلي احكمه فيكون الحجة قد انشرحت للمتعنت المخالف ،
أو السائل المرتاب ، أو الطالب المرتاد ، مع ما فيه لاهل الموافقة من الازدياد . فأخبرني عن قوله :
لطيف ، وقد عرفت أنه للفعل ، ولكن قد رجوت أن تشرح لي ذلك بوصفك . قلت : إنما


(1)الصفا : الحجر الصلد الضخم .
(2)خفق الطير : ضرب بجناحيه .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه