بحار الأنوار ج55

وأقول : لما كانت معرفة الاخبار المذكورة في هذا الباب وغيره متوقفة
على معرفة الشهور والسنين ومصطلحاتهما قدمنا شيئا من ذلك فنقول : لما احتاجوا
في تقدير الحوادث إلى تركيب الايام ، وكان أشهر الاجرام السماوية الشمس ثم
القمر ، وكان دورة كل منهما إنما تحصل في أيام متعددة ، كانا متعينين بالطبع
لاعتبار التركيب ، فصار القمر أصلا في الشهر والشمس أصلا في السنة . ثم إن
الظاهر من حال القمر ليس دورة في نفسه ، بل باعتبار تشكلاته النورية ، فلذلك
كان الشهر مأخوذا منها ، وهي إنما تكون بحسب أوضاعه مع الشمس ، ويتم دوره
إذا صار فضل حركة القمر على حركة الشمس الحقيقيين دورا ، والعلم به متعذر
لانهما إذا اجتمعا مثلا بمقوميهما وعاد القمر بمقومه إلى موضع الاجتماع فقد
سارت الشمس قوسا ، فإذا قطع القمر تلك القوس فقد سارت قوسا اخرى ، ومع
تعذره مختلف لاختلاف حركتيهما بمقوميهما ، فلا يكون ذلك الفضل أمرا منضبطا
فمستعملوا الشهر القمري من أهل الظاهر منهم من يأخذونه من يوم الاجتماع إلى
يومه وهم اليهود والترك ، ومنهم من ليلة رؤية الهلال إلى ليلتها وهم المسلمون
أومن تشكل آخر إلى مثله بحسب ما يصطلحون عليه ، واعتبار الاستهلال أولى ، لانه
أبين أوضاعه من الشمس وأقربها إلى الادراك ، مع أن القمر في هذا الموضع كالموجود
بعد العدم ، والمولود الخارج من الظلم . لكن لما لم يكن لرؤية الاهلة حد لايتعداه
لاختلافها باختلاف المساكن وحدة الابصار إلى غير ذلك لم يلتفت إليها إلا في
الاحكام الشرعية المبتنية على الامور الظاهرة ، ومستعملوه من أهل الحساب يأخذون
الدور من الفضل بين الحركتين الوسطيتين ، فيجدونه في تسعة وعشرين يوما ونصف
يوم ودقيقة واحدة وخمسين ثانية إذا جزئ يوما(1)بليلته بستين دقيقة ، وكل
دقيقة بستين ثانية ، وهذا هو الشهر القمري الاصطلاحي المبني على اعتبار سير
الوسط في السيرين ، وإذا ضرب عدد أيامه في(اثني عشر)عدد أشهر السنة خرج


(1)كذا في جميع النسخ التى بأيدينا .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه