بحار الأنوار ج95

وطبقة منهم صاحبوا شهر رمضان تارة يكونون معه على مراد الله جل جلاله في
بعض الازمان ، وتارة يفارقون شروطه ، بالغفلة أو بالعصيان ، فهؤلاء إن اتفق
خروج شهر رمضان وهم مفارقون له في الاداب والاصطحاب ، فالمفارقون لا يودعون
ولا هم مجتمعون ، وإنما الوداع لمن كان مرافقا وموافقا في مقتضى العقول والالباب
وإن اتفق خروج شهر رمضان وهم في حال حسن صحبته ، فلهم أن يودعوه على
قدر ما عاملوه في حفظ حرمته ، وأن يستغفروا ويندموا على مافرطوا فيه من إضاعة
شروط الصحبة والوفاء ، ويبالغوا عند الوداع في التلهف والتأسف كيف عاملوه
بوقت من الاوقات بالجفاء
وطبقة ما كانوا في شهر رمضان مصاحبين له بالقلوب ، بل كان فيهم من هو
كاره لشهر الصيام ، لانه كان يقطعهم عن عاداتهم في التهوين ، ومراقبه علام الغيوب
فهؤلاء ما كانوا مع شهر رمضان حتى يودعوه عند الانفصال ، ولا أحسنوا المجاورة
له لما نزل من القرب من دارهم ، وتكرهوا به واستقبلوه بسوء اختيارهم ، فلا
معنى لوداعهم له عند انفصاله ، ولا يلتفت إلى ما يتصمنه لفظ وداعهم وسوء مقالهم
أقول : فلا تكن أيها الانسان ممن نزل به ضيف غني عنه ، وما نزل به ضيف
مذ سنة أشرف منه وقد حضر للانعام عليه ، وحمل إليه معه تحف السعادات ، و
شرف العنايات ، وما لا يبلغه وصف المقال من الامال والاقبال ، فأساء مجاورة هذا
الضيف الكريم ، وجفاه وهون به ، وعامله معاملة المضيف اللئيم ، فانصرف الضيف
الكريم ذاما لضيافته ، وبقي الذي نزل به في فضيحة تقصيره وسوء مجاورته ، أو في
عار تأسفه وندامته ، فكن إما محسنا في الضيافة والمعرفة بحقوق ما وصل به هذا
الضيف من السعادة والرحمة ، والرأفة والامن من المخافة ، أو كن لا له ولا عليه
فلا تصاحبه بالكراهة وسوء الادب عليه ، وإنما تهلك بأعمالك السخيفة نفسك
الضعيفة ، وتشهرها بالفضايح والنقصان ، في ديوان الملوك والاعيان ، الذين ظفروا
بالامان والرضوان
أقول : واعلم أن وقت الوداع لشهر الصيام رويناه عن أحد الائمة عليهم

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه