بحار الأنوار ج22

من دينهم ، فقلت : لا والله ما هذا بخير من دينهم ، هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه
ويصلون له ، وأنت إنما تعبد نارا أوقدتها بيدك ، إذا تركتها ماتت ، فجعل في رجلي
حديدا وحبسني في بيت عنده ، فبعث إلى النصارى فقلت : أين أصل هذا الدين ؟
قالوا : بالشام ، قلت : إذا قدم عليكم من هناك ناس فأذنوني ، قال : نفعل ، فبعثوا
بعد أنه قد تجار فبعث إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فأذنوني به ، قالوا :
نفعل ثم بعثوا إلي بذلك ، فطرحت الحديد من رجلي ، وانطلقت معهم ، فلما قدمت
الشام قلت : من أفضل هذا الدين ؟ قالوا : الاسقف صاحب الكنيسة ، فجئت فقلت :
إني أحببت أن أكون معك وأتعلم منك الخير ، قال : فكن معي ، فكنت معه ، وكان
رجل سوء يأمرهم بالصدقة فإذا جمعوها(1)اكتنزها ولم يعطها المساكين منها ولا
بعضها ، فلم يلبث أن مات ، فلما جاؤأ أن يدفنوه قلت : هذا رجل سوء ونبهتهم
على كنزه ، فأخرجوا سبع قلال مملوة ذهبا ، فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة
وجاؤا برجل آخر فجعلوه مكانه ، فلا والله يا ابن عباس ما رأيت رجلا قط
أفضل منه ، وأزهد في الدنيا ، وأشد اجتهادا منه ، فلم أزل معه حتى حضرته
الوفاة وكنت احبه فقلت : يا فلان قد حضرك ما ترى من أمر الله ، فإلى من توصي
بي ؟ قال : أي بني ما أعلم إلا رجلا بالموصل ، فأته فانك ستجده على مثل حالي
فلما مات وغيب لحقت بالموصل فأتيته فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهادة
فقلت له : إن فلانا أوصى بي إليك ، فقال : يا بني كن معي ، فأقمت عنده حتى
حضرته الوفاة ، قلت : إلى من توصي بي ؟ قال : الآن يا بني لا أعلم إلا رجلا بنصيبين
فالحق به ، فلما دفناه لحقت به ، فقلت له : إن فلانا أوصى بي إليك فقال : يا بني
أقم ، فأقمت عنده فوجدته على مثل حالهم حتى حضرته الوفاة ، فقلت : إلى من
توصي بي ؟ قال : ما أعلم إلا رجلا بعمورية من أرض الروم ، فأته فإنك ستجده
على مثل ما كنا عليه ، فلما واريته خرجت إلى العمورية فأقمت عنده فوجدته على


(1)فاذا جمعوا خ ل .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه