نفسه ، ثم قال : هل لنا ما نأكل ؟ فقامت فقربت إليه الطعام . ثم تعرضت له فوقع
عليها ، فلما اطمأن قالت له : يا أبا طلحة أتغضب من وديعة كانت عندنا فرددناها
إلى أهلها ؟ فقال : سبحان الله لا ، فقالت : ابنك كان عندنا وديعة فقبضه الله تعالى
فقال أبوطلحة فأنا أحق بالصبر منك ، ثم قام من مكانه فاغتسل وصلى ركعتين
ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبره بصنيعها فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : فبارك الله
لكما في وقعتكما ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الحمد لله الذي جعل في امتي مثل صابرة
بني إسرائيل .
فقيل : يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان من خبرها ؟ فقال : كان في بني إسرائيل
امرءة وكان لها زوج ، ولها منه غلامان ، فأمرها بطعام ليدعو عليه الناس ففعلت ،
واجتمع الناس في داره فانطلق الغلامان يلعبان ، فوقعا في بئر كانت في الدار فكرهت
أن تنغص على زوجها الضيافة ، فأدخلتهما البيت وسجتهما بثوب ، فلما فرغوا دخل
زوجها فقال : أين ابناي ؟ قالت : هما في البيت ، وإنها كانت تمسحت بشئ من
الطيب وتعرضت للرجل حتى وقع عليها ، ثم قال أين ابناي ؟ قالت : هما في
البيت ، فناداهما أبوهما فخرجا يسعيان ، فقالت المرءة : سبحان الله ، والله لقد كانا
ميتين ، ولكن الله تعالى أحياهما ثوابا لصبري .
وقريب من هذا ما رويناه في دلائل النبوة عن أنس بن مالك قال : دخلنا
على رجل من الانصار ، وهو مريض ، فلم نبرح حتى قضى ، فبسطنا عليه ثوبا
وام له عجوز كبيرة عند رأسه ، فقلنا لها : يا هذه احتسبي مصيبتك على الله عز
وجل ، فقالت : ومات ابني ؟ قلنا نعم : قالت : حقا تقولون ؟ قلنا نعم ، قال :
فمدت يدها فقالت اللهم إنك تعلم أني أسلمت لك ، وهاجرت إلى رسولك رجاء
أن تعينني عند كل شدة ورخاء ، فلا تحمل علي هذه المصيبة اليوم ، فكشف الثوب
عن وجهه ثم ما برحنا حتى طعمنا معه .
قال قدس سره : وهذا الدعاء من المرءة رحمها الله إدلال على الله ، و
استيناس منه يقع للمحبين كثيرا ، فيقبل دعاءهم ، وإن كان في التذكير بنحو ذلك