بحار الأنوار ج55

الشهور القمرية من فصل إلى فصل ، فيكون الحج واقعا في الشتاء مرة وفي الصيف
اخرى ، وكان يشق عليهم الامر بهذا السبب ، وأيضا إذا حضروا الحج حضروا
للتجارة ، وربما كان ذلك الوقت غير موافق لحضور التجار من الاطراف ، وكان
يخل بأسباب تجاراتهم بهذا السبب ، فلهذا السبب أقدموا على عمل الكبيسة على ما
هو معلوم في علم الزيجات ، واعتبروا السنة الشمسية وعند ذلك بقي زمان الحج
مختصا بوقت معين ، فهو(1)أخف لمصلحتهم ، وانتفعوا بتجاراتهم ومصالحهم ، فهذا
النسئ وإن صار سببا لحصول المصالح الدنيوية إلا أنه لزم منه تغير حكم الله
تعالى ، لانه لما خص الحج بأشهر معلومة على التعيين وكان بسبب النسئ يقع
في سائر الشهور فتغير حكم الله(2)لتكليفه . والحاصل أنهم لرعاية مصالحهم في
الدنيا سعوا في تغيير أحكام الله وإبطال تكليفه ، فلهذا استوجبوا الذم العظيم في هذه
الآية(3). قال النيسابوري : قال المفسرون : إنهم كانوا أصحاب حروب وغارات
وكان يشق عليهم مكث ثلاثة أشهر متوالية من غير قتل وغارة ، فإذا اتفق لهم في
شهر منها أو في المحرم حرب أو غارة أخروا تحريم ذلك الشهر إلى شهر آخر . قال
الواحدي : وأكثر العلماء على أن هذا التأخير كان من المحرم إلى صفر ، ويروى
أنه حدث ذلك في كنانة ، لانهم كانوا فقراء محاويج إلى الغارة ، وكان جنادة بن
عوف الكناني مطاعا في قومه ، وكان يقوم على جمل في الموسم فيقول بأعلى صوته :
إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوا ! ثم يقوم في القابل فيقول : إن آلهتكم
قد حرمت عليكم المحرم فحرموه ! والاكثرون على أنهم كانوا يحرمون من
جملة شهور العام أربعة أشهر ، وذلك قوله(ليواطئوا عدة ما حرم الله)أي ليوافقوا
العدة التي هي الاربعة ولا يخالفوا ، ولم يعلموا أنهم خالفوا ترك القتال ووجوب
التخصيص ، وذلك قوله تعالى(فيحلوا ما حرم الله)أي من القتال وترك الاختصاص .


(1)في المصدر : بوقت واحد معين موافق لمصلحتهم .
(2)في المصدر : تغير حكم الله وتكليفه .
(3)مفاتيح الغيب : ج 4 ، ص 633 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه