بحار الأنوار ج16

الآتية ، وقيل : فإذا فرغت من الغزو فانصب في العبادة ، أو فإذا فرغت من الصلاة فانصب
في الدعاء " وإلى ربك فارغب " بالسؤال ، ولا تسأل غيره ، فإنه القادر وحده على إسعافه(1).
أقول : اعلم أن شق بطنه صلى الله عليه واله في صغره في روايات العامة كثيرة مستفيضة كما
عرفت ، وأما رواياتنا وإن لم يرد فيها بأسانيد معتبرة لم يرد نفيها أيضا ، ولا يأبى عنه
العقل أيضا ، فنحن في نفيه وإثباته من المتوقفين ، كما أعرض عنه أكثر علمائنا


(1)قال الشريف الرضى قدس الله روحه الشريفة في تلخيص البيان : 279 : وهذا القول
مجاز واستعارة ، لان النبى صلى الله عليه وآله لا يجوز أن ينتهى عظم ذنبه إلى حال انقاض الظهر
وهو صوت تقعقع العظام من ثقل الحمل ، لان هذا القول لا يكون الا كناية عن الذنوب العظيمة و
الافعال القبيحة ، وذلك غير جائز على الانبياء عليهم السلام ، في قول من لا يجيز عليهم الصغائر و
الكبائر ، وفي قول من يجيز عليهم الصغائر دون الكبائر ، لان الله تعالى قد نزههم عن موبقات
الانام ومستحقات " مستقبحات ظ " الافعال ، اذ كانوا امناء وحيه ، وألسنة أمره ونهيه ، وسفرائه
إلى خلقه ، وقد استقصينا الكلام في باب مفرد من كتابنا الكبير ، فنقول : إن المراد هاهنا بوضع
الوزر ليس على ما يظنه المخالفون ، من كونه كناية عن الذنب ، وإنما المراد به ما كان يعانيه
النبى صلى الله عليه وآله من الامور المستصعبة والمواقف الخطرة في أداء الرسالة ، وتبليغ
النذارة ، وما كان يلاقيه صلى الله عليه وآله من مضار قومه ، ويتلقاه من مرامى ايدى معشره ، وكل
ذلك حرج في صدره ، وثقل على ظهره ، فقرره الله تعالى بأنه أزال عنه تلك المخاوف كلها ، و
حط عن ظهره تلك الاعباء بأسرها ، وأداله من أعدائه ، وفضله على أكفائه ، وقدم ذكره على كل
ذكر ، ورفع قدره على كل قدر ، حتى أمن بعد الخيفة ، واطمأن بعد القلقة ، وخرج من حقائق
الضغطة إلى مفاسح الغبطة ، ومن عقال الانقباض إلى محال الانبساط ، فلذلك قال سبحانه : " ألم
نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الذي انقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك " وهذه الامور
التى امتن الله تعالى عليه بأنه فعلها به متشابهة في المعنى ، لان شرح الصدر ووضع الوزر إذا كان
بمعنى ازالة الثقل من الهم ، ورفع الذكر أحوال يشبه بعضها البعض ، فلا معنى لتاول الوزر هنا
على أنه الذنب والمعصية ، ولا دليل في الاية على ذلك ، مع ما في القول به من الغمز في مزايا
الانبياء الذين قد رفع الله سبحانه أقدارهم ، وأعلى منارهم ، وألزمنا اتباع مناهجهم وثقيل طرائقهم
وتقبل أوامرهم . فان قال قائل : إن هذه السورة مكية وكان نزولها وهو عليه السلام بعد في حال
الخوف والمراقبة وضعف اليد عن المغالبة ، قيل له : لا يمتنع أن يكون الله تعالى بشره بما تؤول
إليه عواقب أمره من انجلاء الكربة ، وانحسار اللزبة ، وقوة السلطان ، وانتشار الاعلام ، فقال المتوقع
من ذلك عنده مقام الواقع لتصديقه وسكونه إلى صحته ، فزال ما كان يعانيه من أثقال الهموم ، و
يقاسيه من خناق الكروب ، وهذا جواب مقنع بتوفيق الله وعونه .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه