بحار الأنوار ج69

ثم تلا بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون (1)ثم قال : والله ما
فعلوه وما كذب(2).
تكملة : قال بعض المحققين : اعلم أن الكذب ليس حراما لعينه ، بل لما
فيه من الضرر على المخاطب ، أو على غيره ، فان أقل درجاته أن يعتقد المخبر
الشئ على خلاف ما هو به ، فيكون جاهلا ، وقد يتعلق به ضرر غيره ، ورب
جهل فيه منفعة ومصلحة . فالكذب تحصيل لذلك الجهل ، فيكون مأذونا فيه وربما
كان واجبا كما لو كان في الصدق قتل نفس بغير حق .
فنقول : الكلام وسيلة إلى المقاصد ، فكل مقصود محمود يمكن التوصل
إليه بالصدق والكذب ، جميعا فالكذب فيه حرام ، وإن أمكن التوصل بالكذب دون
الصدق فالكذب فيه مباح ، إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا ، وواجب إن كان

المقصود واجبا كما إن عصمة دم المسلم واجبة . فمهما كان في الصدق سفك دم
مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب ، ومهما كان لا يتم مقصود الحرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجني عليه إلا بالكذب ، فالكذب مباح إلا
أنه ينبغي أن يحترز عنه ما يمكن لانه إذا فتح على نفسه باب الكذب فيخشى أن يتداعى
إلى ما سيتغني عنه ، وإلى ما لم يقتصر فيه على حد الواجب ومقدار الضرورة ، فكان
الكذب حراما في الاصل إلا لضرورة .
والذي يدل على الاستثناء ما روي عن ام كلثوم قال : ما سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يرخص في شئ من الكذب إلا في ثلاث : الرجل يقول يريد
الاصلاح والرجل يقول القول في الحرب ، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث
زوجها . وقالت أيضا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ليس بكذاب من أصلح بين اثنين


(1)الانبياء : 63 .
(2)الكافي ج 2 ص 343 . وقوله ثم تلا كلام الراوي ، والضمير راجع إلى الصادق
عليه السلام ، او كلام الامام والضمير راجع إلى الرسول صلى الله عليه وآله والاول أظهر
وقد مر مثله تحت الرقم 4 في حديث الصيقل ، منه رحمه الله .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه