سبل ربك(1)أي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل ، أو يكون المراد فاسلكي
في طلب تلك الثمرات سبل ربك ، وفي قوله : " ذللا " قولان : الاول أنه حال من
السبل لان الله تعالى ذللها لها ووطئها وسهلها كقوله : " هوالذي جعل لكم الارض
ذلولا "(2).
الثاني أنه حال من الضمير في قوله " فاسلكي " أي وائتي يا أيتها النحل
ذلك منقادة لما امرت به غير ممتنعة " يخرج من بطونها " هذا رجوع من الخطاب إلى
الغيبة ، والسبب فيه أن المقصود من ذكر هذه الاحوال أن يحتج الانسان المكلف به
على قدرة الله تعالى وحكمته وحسن تدبيره لاحوال العالم العلوي والسفلى ، فكأنه
تعالى لما خاطل النحل بما سبق ذكره خاطب الانسان وقال : إنما ألهمنا هذا النحل
لهذه العجائب لاجل أن يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه ، ثم إنا ذكرنا أن
من الناس من يقول : العسل عبارة عن أجزاء طلية تحدث في الهواء وتقع على أطراف
الاشجار وعلى الاوراق والازهار فيلقطها الزنبور بفمه ، فاذا ذهبنا إلى هذاالوجه كان
المراد من قوله : " يخرج من بطونها " أي من أفواهها ، وكل تجويف في داخل البدن
فانه يسمى بطنا ، ألا ترى أنهم يقولون : " بطون الدماغ " وعنوابها تجاويف الدماغ
فكذا ههنا " يخرج من بطونها " أي أفواهها ، وأما على قول أهل الظاهر وهو أن النحل
تأكل الاوراق والثمرات ثم تقئ فذلك هو العسل فالكلام ظاهر ، ثم وصف العسل
بكونه شرابا لانه تارة يشرب وحده وتارة يتخذ منه الاشربة ، وبأنه مختلف ألوانه
والمقصود منه إبطال القول بالطبع لهذا الجسم مع كونه متشابه الطبيعة ، لما حدث على
ألوان مختلفة ، دل ذلك على حدوث تلك الالوان بتدبير الفاعل المختار ، لا لاجل
(1)من العجائب التى لم يعلم رمزها إلى زماننا هذا هى أن النحل بكثرتها كيف
كيف تهتدى إلى خليته مع كثرة الخلايا ، واظن ان قوله : " فاسلكى سبل ربك دللا " اشارة
إلى الطريقة التى علمها ربها للاهتداء إلى ذلك .
(2)الملك : 15 .