في طلب العلم ، فإنك لم تجد له تضييعا أشد من تركه ،(1)ولا تمارين فيه لجوجا ،
ولا تجادلن فقيها ، ولا تعادين سلطانا ، ولا تماشين ظلوما ، ولا تصادقنه ، ولا تؤاخين
فاسقا ، ولا تصاحبن متهما ، واخزن علمك كما تحزن ورقك .
يا بني خف الله خوفا لو أتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت أن يعذبك ، وارج الله
رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثقلين رجوت أن يغفر الله لك .
فقال له ابنه : يا أبه وكيف اطيق هذا وإنما لي قلب واحد ؟ فقال له لقمان :
يا بني لو استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نوران : نور للخوف ، ونور للرجاء ، لو
وزنا ما رجح(2)أحدهما على الآخر بمثقال ذرة ، فمن يؤمن بالله يصدق ما قال الله ، ومن
يصدق ما قال الله يفعل ما أمر الله ، ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدق ما قال الله ، فإن
هذه الاخلاق يشهد بعضها لبعض ، فمن يؤمن بالله إيمانا صادقا يعمل لله خالصا ناصحا ،
ومن يعمل لله خالصا ناصحا فقد آمن بالله صادقا ، ومن يطع الله خافه ،(3)ومن خافه فقد
أحبه ، ومن أحبه اتبع أمره ، ومن اتبع أمره استوجب جنته ومرضاته ، ومن لم
يتبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه ، نعوذ بالله من سخط الله .
يا بني لا تركن إلى الدنيا ، ولا تشغل قلبك بها ، فما خلق الله خلقا هو أهون عليه
منها ، ألا ترى أنه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين ، ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين .(4)
بيان : تحاجزا : تصالحا وتمانعا . قوله :(لا يظعن)أي لا يسافر ، قوله عليه السلام :
(ما يخذل)أي هو شئ يخذل صاحبه ، أو بتقدير اللام ، أي هو أكثر فتنا وبلاء لما يخذل
صاحبه ، أو هو أكثر فتنا ما دام يخذل صاحبه ولا يعينه الله ، أو الموصول مبتدأ وأكثر خبره ،
ولعل الثالث أظهر الوجوه ، ويؤيده أن في رواية الثعلبي(5)هكذا : " لان الحاكم
بأشد المنازل وآكدها ، يغشاه الظلم من كل مكان ، إن يعن فبالحري أن ينجو(6)
(1)في نسخة : فان فاتك لم تجد ، وفى المصدر : فان فاتك لن تجد .
(2)في نسخة : لما رجح .
(3)في المصدر : ومن أطاع الله خافه .
(4)تفسير القمى : 506 - 508 .
(5)ذكر نحو الحديث في العرائس : 193 و 194 . وفيه : وأكدرها .
(6)في العرائس : ان أصاب فأرجو أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة .(*)