بحار الأنوار ج14

يمسخهم في الدنيا فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ . ثم قال
عليه السلام : أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح فعالهم سألوا ربهم
بجاه محمد وآله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم ، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله
عزوجل أن يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم ، ولكن الله عزوجل لم يلهمهم
ذلك ولم يوفقهم له فجرت معلومات الله فيهم على ما كان سطر في اللوح المحفوظ .(1)
بيان : قال الطبرسي قدس الله روحه في قوله تعالى : " ولقد علمتم الذين اعتدوا
منكم في السبت " : أي الذين جاوزوا ما أمروا به من ترك الصيد يوم السبت ، وكانت الحيتان
تجتمع في يوم السبت لامنها فحبسوها في السبت وأخذوها في الاحد ، فاعتدوا في السبت ،
أي ظلموا وتجاوزوا ماحد لهم لان صيدها هو حبسها .
وروي عن الحسن أنهم اصطادوا يوم السبت مستحلين بعد مانهوا عنه . " فقلنا لهم
كونوا قردة خاسئين " هذا إخبار عن سرعة مسخه إياهم ، لا أن هناك أمرا ، ومعناه :
جعلناهم قردة ، كقوله : " فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها " .(2)
قال ابن عباس : فمسخهم الله عقوبة لهم ، وكانوا يتعاوون وبقوا ثلاثة أيام لم
يأكلوا ولم يشربوا ولم يتناسلوا ، ثم أهلكهم الله تعالى وجاء‌ت ريح فهبت بهم فألقتهم في
الماء ، وما مسخ الله أمة إلا أهلكها ، فهذه القردة والخنازير ليست من نسل أولئك ،
ولكن مسخ أولئك على صورة هؤلاء يدل عليه إجماع المسلمين على أنه ليس في القردة
والخنازير من هو من أولاد آدم ، ولو كانت من أولاد الممسوخين لكانت من بني آدم . وقال
مجاهد : لم يمسخوا قردة وإنما هو مثل ضربه الله كما قال : " كمثل الحمار يحمل
أسفارا "(3)وحكي عنه أيضا أنه قال : مسخت قلوبهم ، فجعلت كقلوب القردة لا تقبل
وعظا ولا تتقي زجرا ، وهذان القولان يخالفان الظاهر الذي أكثر المفسرين عليه من
غير ضرورة تدعو إليه .


(1)تفسير العسكري : 106 108 .
(2)فصلت : 11 .
(3)الجمعة : 5 .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه