النبي ، وهذا لا يستقيم على اصولكم ، لانكم تقولون بصحة السحرو أن الساحر
بفضل علومه يتمكن من إحداث ما لا يقدر عليه بشر مثله ، وقلتم إن هذا السحر
هو علم قد كان ثم انقطع باحراق المسلمين كتب الاكاسرة التي صنفها الفلاسفة في
علم السحر ، فمن يقول منكم بصحة النبوة هو أولى بأن يقول : إن الساحر نبي
من الانبياء .
على أن قوله : من بلغ في علومه إلى أن يتمكن مما لا يتمكن عنه بشر مثله
فانه يتمكن بفضل علومه أن يضع شرائع وسننا مطابقة لمصالح الناس يصلح بها
دنياهم إذا قبلوا منهم ، فعلى هذا إذا أتى النبي بمعجزوجب القول بصدقه ، وحصول
اليقين بنبوته .
فصل : قالوا علمنا بهذه الشرعيات ، واستعلمنا هذه العبادات ، فوجدناها
راجعة إلى رياضة النفس ، والتنزه عن رذايل الاخلاق ، وداعية إلى محاسنها .
وإلى هذا أشار بعضهم فقال : إذا فهمت معنى النبوة فأكثر النظر في القرآن
والاخبار يحصل لك العلم الضروري بكون محمد على أعلى درجات النبوة واعضد
ذلك بتجربة ما قاله في العبادات ، وتأثيرها في تصفية القلوب ، وكيف صدق فيما
قال : من عمل بما علم ورثه الله علم مالم يعلم ، وفي قوله : من أعان ظالما سلطه
الله عليه ، وفي قوله : ن أصبح وهمه هم واحد(1)كفاه الله هموم الدنيا والاخرة
قالوا : إذا جربت هذا في ألف وآلاف حصل لك علم ضروري لايتمارى فيه ، فمن هذا
الطريق يطلب اليقين بالنبوة ، لا من قلب العصاحية ، وشق القمر ، هذا هو الايمان
القوى العلمي والذي كالمشاهدة والاخذ تأكيد ولا يوجد إلا في طريق التصوف .
فصل : فيقال لهم إن من اعتقد في طريقة أنها حق ودين وزهد في
الدنيا ، ورغبة في الاخرة ، وراض نفسه وسلك الطريق واستعمل نفسه بما يعتقده
عبادات في ذلك التدين ، فانه يجد لنفسه تميزا ممن ليس في حاله من الاجتهاد