بحار الأنوار ج74

فان ختم لك بالسعادة صرت إلى الحبور(1)وأنت ملك مطاع وآمن لا تراع
يطوف عليكم ولدان كأنهم الجمان(2)بكأس من معين ، بيضاء لذة للشاربين
أهل الجنة فيها يتنعمون ، وأهل النار فيها يعذبون ، هؤلاء في السندس والحرير
يتبخترون ، وهؤلاء في الجحيم والسعير يتقلبون ، هؤلاء تحشا جماجمهم بمسك الجنان
وهؤلاء يضربون بمقامع النيران ، هؤلاء يعانقون الحور في الحجال ، وهؤلاء
يطوقون أطواقا في النار بالاغلال في قلبه فزع قد أعيى الاطباء ، وبه داء لا يقبل
الدواء .
يا من يسلم إلى الدود ويهدى إليه اعتبر بما تسمع وترى وقل لعينيك تجفو
لذة الكرى وتفيض من الدموع بعد الدموع تترى(3)، بيتك القبر بيت الاهوال
والبلى ، وغايتك الموت . يا قليل الحياء ، اسمع يا ذا الغفلة والتصريف من ذي الوعظ
والتعريف ، جعل يوم الحشر يوم العرض والسؤال ، والحبال والنكال ، يوم تقلب
إليه أعمال الانام ، وتحصى فيه جميع الاثام ، يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها
وتضع الحوامل ما في بطونها . ويفرق بين كل نفس وحبيبها ، ويحار في تلك الاهوال
عقل لبيبها ، إذا تنكرت الارض بعد حسن عمارتها ، وتبدلت بالخلق بعد أنيق
زهرتها(4)أخرجت من معادن الغيب أثقالها ، ونفضت إلى الله أحمالها يوم لا ينفع
الجد(5)إذا عاينوا الهول الشديد فاستكانوا ، وعرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا
فانشقت القبور بعد طول انطباقها ، واستسلمت النفوس إلى الله بأسبابها ، كشف عن
الاخرة غطاؤها ، وظهر للخلق أبناؤها ، فدكت الارض دكا دكا(6)، ومدت


(1)الحبور : السرور . وراعه الامر : أفزعه .(2)الجمان ، الؤلؤ .
(3)جفا صاحبة أعرض عنه . والكرى : النعاس . وتترى أى متواليا .
(4)الانيق : الحسن المعجب .
(5)في المصدر لا ينفع الحذر .
(6)دكت الارض أى سوى صعودها وهبوطها .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه