ما أتخلص أي ما أصل إلى أمر يجري فيه أمرى أي حكمي ، ويمكني أن أحكم بصحته .
ثم لما علم عليه السلام أن سبب توقفه اقتصاره على حكم الحواس بين عليه السلام أن الحواس
داخلة تحت حكم العقل ، ولابد من الرجوع إلى العقل في معرفة الاشياء .
متن : فقال : أما إذ نطقت بهذا فما أقبل منك إلا بالتخليص والتفحص منه بأيضاح
وبيان وحجة وبرهان . قلت : فأول ما أبدأ به أنك تعلم أنه ربما ذهب الحواس ، أو
بعضها ودبر القلب الاشياء التي فيها المضرة والمنفعة من الامور العلانية والخفية فأمر
بها ونهى فنفذ فيها أمره وصح فيها قضاؤه .
قال : إنك تقول في هذا قولا يشبه الحجة ، ولكني أحب أن توضحه لي غير هذا
الايضاح . قلت : ألست تعلم أن القلب يبقى بعد ذهاب الحواس ؟ قال : نعم ولكن يبقى
بغير دليل على الاشياء التي تدل عليها الحواس . قلت : أفلست تعلم أن الطفل تضعه امه
مضغة ليس تدله الحواس على شئ يسمع ولا يبصر ولا يذاق ولا يلمس ولا يشم ؟ قال :
بلى . قلت : فأية الحواس دلته علي طلب اللبن إذا جاع ، والضحك بعد البكاء إذا روى
من اللبن ؟ وأي حواس سباع الطير ولا قط الحب منها دلهاعلى أن تلقي بين أفراخها
اللحم والحب فتهوى سباعها إلى اللحم ، ولا اخرون إلى الحب ؟ وأخبرني عن فراخ طير
الماء ألست تعلم أن فراخ طير الماء إذا طرحت فيه سبحت وإذا طرحت فيه فراخ طيرالبر
غرقت والحواس واحدة : فكيف انتفع بالحواس طير الماء وأعانته على السباحة ولم تنتفع
طير البر في الماء بحواسها ؟ وما بال طير البر إذا غمستها في الماء ساعة ماتت وإذا أمسكت
طير الماء عن الماء ساعة ماتت ؟ فلا أرى الحواس في هذا إلا منكسرة عليك ، ولا ينبغي ذلك
أن يكون إلا من مدبر حكيم جعل للماء خلقا وللبر خلقا .
أم أخبرني ما بال الذرة التي لا تعاين الماء قط تطرح في الماء فتسبح ، وتلقى
الانسان ابن خمسين سنة من أقوى الرجال وأعقلهم لم يتعلم السباحة فيغرق ؟ كيف لم
يدله عقله ولبه وتجاربه وبصره بالاشياء مع اجتماع حواسه وصحتها أن يدرك ذلك
بحواسه كما أدركته الذرة إن كان ذلك إنما يدرك بالحواس ؟ أفليس ينبغي لك أن
تعلم أن القلب الذي هو معدن العقل في الصبي الذي وصفت وغيره مما سمعت من الحيوان