وأما قولكم إني سفهت آراء آبائكم ، وأحلام أسلافكم ، فكذلك قال
مشركو قريش(إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون)(1)ويلكم إن
الدين لا يؤخذ إلا من الانبياء ، فافقهوا ، وما أراكم تعقلون .
وأما تعييركم إياي بسياسة المجوس إياكم فما أذهبكم الانفة من ذلك
ولو ساستكم القردة والخنازير ما أردتم إلا أمير المؤمنين ، ولعمري لقد كانوا مجوسا
فأسلموا كآبائنا وامهاتنا في القديم ، فهم المجوس الذين أسلموا وأنتم المسلمون
الذين ارتدوا ، فمجوسي أسلم خير من مسلم ارتد ، فهم يتناهون عن المنكر ، و
يأمرون بالمعروف ، ويتقربون من الخير ويتباعدون من الشر ، ويذبون عن حرم
المسلمين ، يتباهجون بما نال الشرك وأهله من النكر ، ويتباشرون بما نال الاسلام
وأهله من الخير ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .
وليس منكم إلا لاعب بنفسه ، مأفون في عقله وتدبيره ، إما مغن أو ضارب
دف أو زامر ، والله لو أن بني امية الذين قتلتموهم بالامس نشروا فقيل لهم لا تأنفوا
في معائب تنالونهم بها ، لما زادوا على ما صيرتموه لكم شعارا ودثارا ، وصناعة
وأخلاقا .
ليس فيكم إلا من إذا مسه الشر جزع ، وإذا مسه الخير منع ، ولا تأنفون
ولا ترجعون إلا خشية ، وكيف يأنف من يبيت مركوبا ، ويصبح بإثمه معجبا
كأنه قد اكتسب حمدا غايته بطنه وفرجه ، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل ألف نبي
مرسل ، أو ملك مقرب ، أحب الناس إليه من زين له معصية ، أو أعانه في فاحشة
تنظفه المخمورة وتريد المطمورة ، فشتت الاحوال فان ارتدعتم مما أنتم فيه من
السيئات والفضائح ، وما تهذرون به من عذاب ألسنتكم ، وإلا فدونكم تعلوا بالحديد
ولا قوة إلا بالله وعليه توكلي وهو حسبي .
بيان :(المخض)تحريك السقاء حتى يخرج منه الزبد ، وهو كناية عن
مكرهم وسعيهم في استعلام ما في بطن المأمون ، ويقال :(فلان يراوض فلانا على