على وجوه أربعة : أحدها قول من قال : إن المعاد ليس إلا للنفس ، وهذا مذهب الجمهور
من الفلاسفة ، وثانيها : قول من قال : المعاد ليس إلا لهذا البدن ، وهذا قول نفاة النفس
الناطقة وهم أكثر أهل الاسلام ، وثالثها : قول من أثبت المعاد للامرين وهم طائفة كثيرة
من المسلمين مع أكثر النصارى ، ورابعها : قول من نفى المعاد عن الامرين ، ولا أعرف
عاقلا ذهب إليه ، بلى كان جالينوس من المتوقفين في أمر المعاد : وغرضنا إثبات المعاد
البدني ، وللناس فيه قولان : أحدهما أن الله تعالى يعدم أجزاء الخلق ثم يعيدها ، وثانيهما
أنه تعالى يميتهم ويفرق أجزاءهم ، ثم إنه تعالى يجمعها ويرد الحياة إليها ، ثم قال :
والدليل على جواز الاعادة في الجملة أنا قد دللنا فيما مضى أن الله تعالى قادر على
كل الممكنات ، عالم بكل المعلومات من الجزئيات والكليات ، والعلم بهذه الاصول
لا يتوقف على العلم بصحة المعاد البدني ، وإذا كان كذلك أمكن الاستدلال بالسمع
على صحة المعاد ، لكنا نعلم باضطرار إجماع الانبياء صلوات الله عليهم من أولهم إلى
آخرهم على إثبات المعاد البدني فوجب القطع بوجود هذا المعاد .
وقال العلامة رحمه الله في شرح الياقوت : اتفق المسلمون على إعادة الاجساد
خلافا للفلاسفة ، واعلم أن الاعادة تقال بمعنيين : أحدهما جمع الاجزاء وتأليفها بعد
تفرقها وانفصالها ، والثاني إيجادها بعد إعدامها ، ، وأما الثاني فقد اختلف الناس فيه
واختار المصنف جوازه أيضا .
وقال العلامة الدواني في شرحه على العقائد العضدية : والمعاد - أي الجسماني
فإنه المتبادر عن إطلاق أهل الشرع ، إذ هو الذي يجب الاعتقاد به ، ويكفر من أنكره -
حق بإجماع أهل الملل الثلاثة ، وشهادة نصوص القرآن في المواضع المتعددة ، بحيث
لا يقبل التأويل كقوله تعالى : " أولم ير الانسان : إلى قوله : " بكل خلق عليم "(1)قال
المفسرون : نزلت هذه الآية في ابي بن خلف خاصم رسوله الله صلى الله عليه وآله وأتاه بعظم قد رم
وبلي ففته بيده وقال : يا محمد أترى الله يحيي هذه بعد ما رم ؟ فقال صلى الله عليه وآله : نعم ويبعثك
ويدخلك النار ، وهذا مما يقلع عرق التأويل بالكلية ، ولذلك قال الامام : الانصاف