في ذلك التدين وعباداته واعتقاده في حقية ذلك التدين حقا كان ذلك أو باطلا
فرهبان النصارى وأحبار اليهود يجتهدون في كفرهم الذي يعتقدونه حقا فيجدون
لانفسهم تمييزا على عوامهم ومتبعيهم ، ويدعون لانفسهم صفاء القلوب والنسك
والزهد في الدنيا ، وكذا عباد الاوثان إذا اجتهدوا في عباداتها ، فانهم يجدون
أنفسهم خائفة مستحية من أوثانهم إذا تقدموا على ما يعتقدونه معصية لها .
ولهذا حكي عن الصابئين المعتقدين عبادة النجوم لا عتقادهم أنها المدبرة للعالم
أنهم نحتوا على صورها أصناما ليعبد ونها بالنهار ، إذا خفيت تلك النجوم ، ويستقبحون
أن يقدموا على رذايل الافعال ، ولم يزل ما يجدونه في أنفسهم على ما ذهبوا إليه
في تدينهم أنه حق ، وكذا ما ذكر هؤلاء من العمل بشرايع نبينا لا عتقادهم في
صدقه من دون نظر في معجزاته .
فصل : قالوا : حقيقة المعجز هو أن يؤثر نفس الشئ في هيولى العالم
فيغير صورة بعض إخوانه إلى صورة اخرى ، بخلاف تأثيرات سائر النفوس ، وإذا
كان هذا هو المعجز عندهم ، لزم أن يكون العلم به يقينيا وأن يعلم أن صاحب
تلك النفس هو نبي ، فبطل قولهم إن العلم بالمعجز غير يقينى ، وأما على قول
المسلمين فهذا ساقط لان للمعجز شروطا عندهم ، متى عرفت كانت معجزة صحيحة دالة
على صدق المدعي ، منها أنها ليست من جنس السحر ، لان السحر عندهم تمويه
وتلبيس يري الساحر ويخفي وجه الحيلة فيه ، فهو يري أنه يذبح الحيوان ثم يحييه
بعد الذبح ، وهو لا يذبحه بل لخفة حركات اليدين به ولا يفعله ، ومن لم يعلم أن
المعجزة ليست من ذلك الجنس لم يعلمها معجزة .
فصل : ثم اعلم أن بين المعجزة والمخرقة والشعوذة والحيل التي تبقى
فروقا ، ما يوصل إلى العلم بها بالنظر والاستدلال في ذلك إلا أن يوقف أولا على
ما يصح مقدورا للبشر ومالا يصح ، وأن يعلم أن العادة كيف جرت في مقدورات
البشر ، وعلى أي وجه يقع أفعالهم ، وأن ما يصح أن يقدروا عليه من أي نوح