لو كانت الدولة دائما للمؤمنين لكان الناس يدخلون في الايمان على سبيل اليمن و
الفأل ، على أن كل موضع حضره النبي صلى الله عليه وآله لم يخل من ظفر ، إما في ابتداء
الامر ، وإما في انتهائه ، وإنما لم يستمر ذلك لما بيناه .
" وليعلم الله الذين آمنوا " تقديره : وتلك الايام نداولها لوجوه من المصالح
وليعلم الذين آمنوا متميزين بالايمان عن غيرهم ، وعلى هذا يكون(1)" يعلم "
بمعنى يعرف ، لانه ليس المعنى أنه يعرف الذوات ، بل المعنى أنه يعلم تميزها
بالايمان ، ويجوز أن يكون المعنى ليعلم الله الذين آمنوا بما يظهر من صبرهم على
جهاد عدوهم ، أي يعاملهم معاملة من يعرفهم بهذه الحال ، وقيل : معناه وليعلم أولياء
الله الذين آمنوا ، وإنما أضاف إلى نفسه تفخيما " ويتخذ منكم شهداء " أي ليكرم
منكم(2)بالشهادة من قتل يوم أحد ، أو يتخذ منكم شهداء على الناس بما يكون
منهم من العصيان لما لكم في ذلك من جلالة القدر " وليمحص الله الذين آمنوا " أي
وليبتلي الله الذين آمنوا ، أو لينجبهم من الذنوب بالابتلاء " ويمحق الكافرين " أي
ينقصهم أو يهلكهم .
" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " المراد به الانكار ، أي أظننتم أيها المؤمنون
أنكم تدخلون الجنة " ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " أي
ولما يجاهد المجاهدون منكم فيعلم الله جهادهم ، ويصبر الصابرون فيعلم صبرهم على
القتال " ولقد كنتم تمنون الموت " وذلك أن قوما ممن فاتهم شهود بدر كانوا يتمنون
الموت بالشهادة بعد بدر قبل أحد ، فلما رأوه يوم أحد أعرض كثير منهم عنه فانهزموا
فعاتبهم الله على ذلك " من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه " الضميران راجعان إلى الموت
والمراد أسبابه كالحرب ، وقيل : راجعان إلى الجهاد " وأنتم تنظرون " تأكيد للرؤية
أو النظر بمعنى التفكر ، وقيل : معناه وأنتم تنظرون إلى محمد صلى الله عليه وآله وفيه حذف ،
أي فلم انهزمتم " وما محمد إلا رسول " قال أهل التفسير : سبب نزول هذه الآية أنه
(1)في المصدر لا يكون وهو الصحيح .
(2)خلى المصدر عن لفظة(منكم).