الاسنان وأزمان السنة والبلدان وإخراج البدن ، لان حاجة الرجل التام إلى
طول الشعر ليست كحاجة الصبي الصغير إلى ذلك ، ولاكحاجة الشيخ الفاني ولا كحاجة
المرأة ، وكذلك أيضا ليست الحاجة إلى طول الشعر في الصيف والشتاء سواء ، ولا في
البلاد الحارة والباردة ، ولا حاجة من كانت عينه معتلة من الرمد أو كان رأسه يصدع
إلى ذلك كحاجة من هو صحيح البدن لاعلة به ، فاحتيج لذلك أن نكون نحن نجعل
طول الشعر في الاوقات المختلفة بأقدار مختلفة . بحسب ما يوافق كل وقت منها . وأما
الحاجبان والاشفار فإنه إن زيد فيه أو نقص منه فسدت منفعته ، وذاك أن الاشفار
تحوط العين بمنزلة الجدار ليحجب عنها ويمنع من أن يسقط فيهاشئ من الاجرام
الصغار إذا كانت مفتوحة . وشعر الحاجبين جعل يلقي ما ينحدر من الرأس قبل وصوله
إلى العين بمنزلة الصور المانع ، فمتى قصرت من طوله أو قللت من عدده أكثر مما ينبغي
كان ما يدخل على منفعته من الفساد بحسب ما ينقص من المقدار الذي يحتاج إليه . و
ذاك أن الاشفار خينئذ تطلق ما قد كانت تمنعه قبل النقصان من الوصول إلى العين ، و
شعر الحاجبين يرسل ما قد كان يحبسه ويمنعه من الوصول إلى العين من الاشياء التي
تسيل من الرأس . فإن أنت طولت هذا الشعر وكثرته فوق المقدار الذي ينبغي لم يقم
حينئذ للعين مقام الحاجب ولامقام السور المانع ، لكنه يغطي العين ويعلو عليها حتى
يصير منه في مثل حبس ضيق . وذاك أنه يستر الحدقة ويحجبها حتى تظلم ، والحدقة
أحوج الحواس كلها إلى أن لا تحجب ولا يحال بينها وبين ما يدركه البصر . وإذا كان
الامر على ما وصفت فما الذي ينبغي أن نقول فيه ؟ أنقول : إن الخالق أمر هذا الشعر
أن يبقى على مقدار واحد ولا يطول أكثر منه ، وأن الشعر قبل ذلك الامر فأطاع
فيبقى لا يخالف ما امر به إما للفزع والخوف من المخالفة لامر الله ، وإما للمجاملة
والاستحياء من الله الذي أمره بهذا الامر ، وإما لان الشعر نفسه يعلم أن هذا أولى به وأحمد
من فعله . أماموسى فهذا رأيه في الاشياء الطبيعية ، وهذا الرأي عندي أحمد وأولى أن يتمسك به
من رأى أفيقورس ، إلا أن الاجود الا ضراب عنهما جميعا والاحتفاظ بأن الله هو مبدئ خلق