تعالج بمعجون العلم والعمل ، وإنما علاج كل علة بمضاد سببها ، فلنبحث عن
سبب الغيبة أولا ثم نذكر علاج كف اللسان عنها ، على وجه يناسب علاج تلك
الاسباب ، فنقول : جملة ما ذكروه من الاسباب الباعثة على الغيبة عشرة أشياء قد
نبه الصادق عليه السلام عليها إجمالا يعني في مصباح الشريعة بقوله : أصل الغيبة تتنوع
بعشرة أنواع : شفاء غيظ ، ومساعدة قوم وتصديق خبر بلا كشفه ، وتهمة ، وسوء
ظن ، وحس ، وسخرية ، وتعجب ، وتبرم ، وتزين ، ونحن نشير إليها مفصلة .
الاول : تشفي الغيظ ، وذلك إذا جرى سبب غيظ غضب عليه ، فاذا هاج غضبه
تشفى بذكر مساويه ، وسبق اللسان إليه بالطبع ، إن لم يكن ثمة دين وازع ، وقد
يمتنع من تشفي الغيظ عند الغضب فيحتقن الغضب في الباطن ، ويصير حقدا ثابتا
فيكون سببا دائما لذكر المساوي بالحقد ، والغضب من البواعث العظيمة على الغيبة .
الثانى : موافقة الاقران ، ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم على الكلام فانهم
إذا كانوا يتفكهون بذكر الاعراض فيرى أنه لو أنكر أو قطع المجلس استثقلوه
ونفروا عنه ، فيساعدهم ، ويرى ذلك من حسن المعاشرة ، ويظن أنه مجاملة في
الصحبة ، وقد يغضب وفقاؤه فيحتاج إلى أن يغضب لغضبهم إظهارا للمساهمة في السراء
والضراء ، فيخوض معهم في ذكر العيوب والمساوي .
الثالث : أن يستشعر من إنسان أنه سيقصده ويطول لسانه فيه أو يقبح حاله
عند محتشم ، أو يشهد عليه بشهادة ، فيبادر قبل ذلك ويطعن فيه ليسقط أثر شهادته
وفعله ، أو يبتدئ بذكر ما فيه صادقا ليكذب عليه بعده فيروج كذبه بالصدق الاول
ويستشهد به ويقول : ما من عادتي الكذب فاني أخبرتكن بكذا وكذا من أحواله
فكان كما قلت .
الرابع : أن ينسب إلى شئ فيريد أن يتبرأ منه فيذكر الذي فعله ، وكان
من حقه أن يبرئ نفسه ، ولا يذكر الذي فعله ولا ينسب غيره إليه أو يذكر
غيره بأنه كان مشاركا له في الفعل ليمهد بذلك عذر نفسه في فعله .
الخامس : إرادة التصنع والمباهات ، وهو أن يرفع نفسه بتنقيص غيره