بحار الأنوار ج18

بمعنى أطلعه عليه وأمره بحفظه ، ولو سلمنا أن المراد شرع لنا ما شرح لنوح عليه السلام لاحتمل
أن يكون المراد به من الاستدلال بالمعقول على العقائد الدينية ، ولولم يحتمل ذلك لم
يبعد أن يتفق الشرعان ، ثم لا يكون شرعه حجة علينا من حيث ورد على نبينا صلى الله عليه وآله
بطريق الوحي ، فلا تكون شريعته شريعة لنا باعتبار ورودها عنه .
وعن الآية الرابعة أن المساواة في الوحي لا تستلزم المساواة في الشرع .
وعن الآية الخامسة أن ظاهرها يقتضي اشتراك الانبياء جميعا في الحكم بها ،
وذلك غير مراد ، لان إبراهيم ونوحا وإدريس وآدم عليهم السلام لم يحكموا بها ، لتقدمهم
على نزولها ، فيكون المراد أن الانبياء يحكمون بصحة ورودها عن الله ، وأن فيها نورا
وهدى ، ولا يلزم أن يكونوا متعبدين بالعمل بها ، كما أن كثيرا من آيات القرآن
منسوخة ، وهي عندنا نور وهدى ، وأما رجوعه صلى الله عليه وآله في تعرف حد الرجم فلا نسلم أن
مراجعته إلى التوراة لتعرفه ، بل لم لا يجوز أن يكون ذلك لاقامة الحجة على من أنكر
وجوده في التوراة انتهى .
أقول : إنما أوردنا دلائل القول في نفي تعبده صلى الله عليه وآله بعد البعثة بشريعة من قبله لاشتراكها مع ما نحن فيه في أكثر الدلائل ، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي ظهر لي
من الاخبار المعتبرة ، والآثار المستفيضة هو أنه صلى الله عليه وآله كان قبل بعثته مذ أكمل الله عقله
في بدو سنه نبيا مؤيدا بروح القدس ، يكلمه الملك ، ويسمع الصوت ، ويرى في المنام ، ثم
بعد أربعين سنة صار رسولا ، وكلمه الملك معاينة ، ونزل عليه القرآن ، وامر بالتبليغ ، و
كان يعبد الله قبل ذلك بصنوف العبادات إما موافقا لما أمر به الناس بعد التبليغ وهو
أظهر(1)، أو على وجه آخر ، إما مطابقا لشريعة إبراهيم عليه السلام ، أو غيره ممن تقدمه
من الانبياء عليهم السلام لا على وجه كونه تابعا لهم وعاملا بشريعتهم ، بل بأن ما اوحي إليه
صلى الله عليه وآله كان مطابقا لبعض شرائعهم ، أو على وجه آخر نسخ بما نزل عليه بعد الارسال ، ولا
أظن أن يخفى صحة ما ذكرت على ذي فطرة مستقيمة ، وفطنة غير سقيمة بعد الاحاطة


(1)لانه لو كان على وجه آخر لكان يتغير بعد ما امر بتبليغه ، ولو كان ذلك لنقل الينا ، وحيث
لم ينقل صح أن نقول : انه كان موافقا لما امر به الناس بعد .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه