بحار الأنوار ج42

فراره " أي من الامور المقدرة الحتمية كالموت ، قال الله تعالى : " قل إن الموت
الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم(1)" وإنما قال عليه السلام : " في فراره " لان كل
أحد يفر دائما من الموت وإن كان تبعدا . والمساق مصدر ميمي ، وليست في نهج
البلاغة كلمة " إليه " فيحتمل أن يكون المراد بالاجل منتهى العمر والمساق ما
يساق إليه ، وأن يكون المراد به المدة فالمساق زمان السوق . وقوله عليه السلام :
" والهرب منه موافاته " من حمل اللازم على الملزوم ، فإن الانسان مادام يهرب من
موته بحركات وتصرفات يفني عمره فيها ، فكأن الهرب منه موافاته ، والمعنى أنه
إذا قدر زوال عمر أو دولة فكل ما يدبره الانسان لرفع ما يهرب منه يصير سببا
لحصوله ، إذ تأثير الادوية والاسباب بإذنه تعالى ، مع أنه عند حلول الاجل يصير
أحذق الاطباء أجهلم ، ويغفل عما ينفع المريض ، وهكذا في سائر الامور .
وقال الفيروز آبادي : الطرد : الابعاد وضم الابل من نواحيها ، وطردتهم
أتيتهم وجزتهم ، وأطرده : أمر بطرده أو بإخراجه عن البلد ، واطرد الامر : تبع
بعضه بعضا وجرى ، انتهى(2)، ويحتمل أن يكون الاطراد بمعنى الطرد والجمع
أو الامر به مجازا ، ويمكن أن يقرأ " اطردت " على صيغة الغائب بتشديد الطاء
فالايام فاعله ، قال أكثر شراح النهج : كأنه عليه السلام جعل الايام أشخاصا يأمر
بإخراجهم وإبعادهم عنه ، أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلي وأي وقت يكون
بعينه ، وفي أي أرض يكون يوما يوما ، فإذا لم أجده في يوم طردته واستقبلت يوما
آخر ، وهكذا حتى وقع المقدر ، قالوا : وهذا الكلام يدل على أنه عليه السلام لم
يكن يعرف حال قتله مفصلة من جميع الوجوه ، وأن رسول الله صلى الله عليه واله أعلمه بذلك
مجملا ، و " مكنون هذا الامر " أي المستور من خصوصيات هذا الامر ، أو المستور
هو هذا الامر فالمشار إليه شئ متعلق بوفاته . و " هيهات " أي بعد الاطلاع عليه
فإنه علم مكنون مخزون ، ومن خواص المخزون ستره والمنع من أن يناله أحد


(1)سورة الجمعة : 8 .
(2)القاموس 1 : 310 . *

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه