إن محمدا رجل صنبور(1)فاذا مات انقطع ذكره ، ولا خلف له يبقى به ذكره
فعكس ذلك على قائله ، وكان كذلك .
والثاني من طريق نظمه لانه على قلة عدد حروفه ، وقصر آيه ، يجمع نظما
بديعا ، وأمرا عجيبا ، وبشارة للرسول ، وتعبدا للعبادات بأقرب لفظ وأوجز
بيان ، وقد نبهنا على ذلك في كتاب مفرد لذلك .
ثم إن السور الطوال متضمنة للاعجاز من وجوه كثيرة نظما وجزالة
وخبرا عن الغيوب ، فلذلك لا يجوز أن يقال : إن القرآن معجز واحد ولا ألف
معجز ، ولا أضعافه ، فلذلك خطأنا قول من قال : إن للمصطفى صلى الله عليه وآله ألف معجز
أو ألفي معجز ، بل يزيد ذلك عند الاحصاء على الالوف .
ثم الاستدلال في أن القرآن معجز لا يتم إلا بعد بيان خمسة أشياء : أحدها
ظهور محمد صلى الله عليه وآله بمكة ، وادعاؤه أنه مبعوث إلى الخلق ورسول إليهم ، وثانيها
تحديه العرب بهذا القرآن الذي ظهر على يديه ، وادعاؤه أن الله أنزله عليه وخصه
به ، وثالثها أن العرب مع طول المدة لم يعارضوه ، ورابعها أنه لم يعارضوه
للتعذر والعجز ، وخامسها أن هذا التعذر خارق للعاذه ، فاذا ثبت ذلك فإما أن
يكون القرآن نفسه معجزا خارقا للعادة بفصاحته ، ولذلك لم يعارضوه ، أولان
الله صرفهم عن معارضتهم ولو لا الصرف لعارضوه ، وأي الامرين ثبت صحت نبوته
عليه السلام لانه تعالى لا يصدق كاذبا ، ولا يخرق العادة لمبطل .
وأما ظهوره عليه السلام بمكة ، ودعاؤه إلى نفسه فلا شبهة فيه ، بل هو معلوم
ضرورة لا ينكره عاقل ، وظهر هذا القرآن على يده أيضا معلوم ضرورة ، والشك
في أحدهما كالشك في الاخر .
وأما الذي يدل على أنه صلى الله عليه وآله تحدى بالقرآن فهو أن معنى قولنا إنه
تحدى : أنه كان يدعي أن الله تعالى خصه بهذا القرآن وإنبائه به ، وأن
(1)الصنبور كعصفور النخلة المنفردة من النخيل ، والتى دقت من أسفلها
وانجرد كربها وقل حملها ، ثم كنى به عن الرجل الضعيف الذليل بلا أهل ولا عقب ولا ناصر .