وقال الشيخ المفيد قدس الله نفسه - في أجوبة المسائل الروية(1): فأماالخبر
بأن الله تعالى خلق الارواح قبل الاجساد بألفي عام فهو من أخبار الآحاد ، وقد روته
العامة كما روته الخاصة ، وليس هو مع ذلك مما يقطع على الله بصحته ، وإن ثبت القول
فالمعنى فيه أن الله تعالى قدر الارواح في علمه قبل اختراع الاجساد ، واختراع الاجساد
واختراع لها الارواح ، فالخلق للارواح قبل الاجساد خلق تقدير في العلم كما قد مناه
وليس بخلق لذواتها كما وصفناه ، والخلق لها بالاحداث والاختراع بعد خلق الاجسام
والصور التي تدبرها الارواح . ولولا أن ذلك كذلك لكانت الارواح تقوم بأنفسها
ولا تحتاج إلى آلات تعلقها ، ولكنا نعرف ما سلف لنا من الارواح قبل خلق الاجساد
كما نعلم أحوالنا بعد خلق الاجساد ، وهذا محال لاخفاء بفساده . وأما الحديث بأن
الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ، فالمعنى فيه أن
الارواح التي هي الجواهر البسائط تتناصر بالجنس وتتخاذل بالعوارض ، فما تعارف
منها باتفاق الرأي والهوى ائتلف ، وما تناكر منها بمباينة في الرأي والهوى اختلف ، و
هذا موجود حسا ومشاهد ، وليس المراد بذلك أن ما تعارف منها في الذر ائتلف كما
ذهبت إليه الحشوية كما بيناه من أنه لاعلم للانسان بحال كان عليها قبل ظهوره في
هذا العالم ، ولو ذكر بكل شئ ما ذكر ذلك ، فوضح بما ذكر ناه أن المراد بالخبر ما
شرحناه والله الموفق للصواب(انتهى).
وأقول : قيام الارواح بأنفسها أو تعلقها بالاجساد المثالية ثم تعلقها بالاجساد
العنصرية مما لا دليل على امتناعه ، وأما عدم تذكر الاحوال السابقة فلعله لتقلبها في
الاطوار المختلفة ، أو لعدم القوى البدنية ، أوكون تلك القوى قائمة بما فارقته من
الاجساد المثالية ، أو لاذهاب الله تعالى تذكر هذه الامور عنها لنوع من المصلحة كما
ورد أن الذكر والنسيان من صنعة تعالى ، مع أن الانسان لا يتذكر كثيرا من أحوال
الطفولية والولادة . والتأويل الذي ذكره للحديث في غاية البعد لا سيما مع الاضافات
الواردة في الاخبار المتقدمة .