بحار الأنوار ج2

تعالى رجلان : رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل ، مشعوف بكلام بدعة
ودعاء ضلالة ، فهو فتنة لمن افتتن به ، ضال عن هدى من كان قبله ، مضل لمن اقتدى به
في حياته وبعد وفاته ، حمال خطايا غيره ، رهن بخطيئته . ورجل قمش جهلا فوضعه
في جهال الامة ، غارا في أغباش الفتنة ، عم بما في عقد الهدنة ، قد سماه اشباه الرجال
عالما وليس به ، بكر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر ، حتى إذا ارتوى من آجن
وأكثر من غير طائل ، جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره ، إن خالف
من سبقه لم يأمن من نقض حكمه من يأتي من بعده ، كفعله بمن كان قبله ، وإن نزل
به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه ثم قطع به ، فهو من لبس الشبهات في
مثل نسج العنكبوت لايدري أصاب أم أخطأ ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ ، و
إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب ، جاهل خباط جهلات ، غاش ركاب عشوات ، لم
يعض على العلم بضرس قاطع ، يذري الروايات إذراء الريح الهشيم ، لامليئ والله بإصدار
ما ورد عليه ، ولا يحسب العلم في شئ مما أنكره ، ولا يرى أن من وراء مابلغ منه مذهبا
لغيره ، وإن قاس شيئا بشئ لم يكذب رأيه , وإن أظلم عليه أمراكتتم به لمايعلم من جهل نفسه , يصرخ من جور قضائه الدماء ، وتعج منه المواريث ، إلى الله أشكو من معشر يعيشون
جهالا ويموتون ضلالا .
وروي أنه عليه السلام قال بعد ذلك : أيها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا
تعتذرون بجهالته ، فإن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم
النبيين في عترة نبيكم محمد صلى الله عليه واله فأنى يتاه بكم ؟ ! بل أين تذهبون ؟ ! يا من نسخ من
أصلاب السفينة ، هذه مثلها فيكم فاركبوها ، فكما نجا في هاتيك من نجا فكذلك ينجو
في هذه من دخلها ، أنا رهين بذلك قسما حقا ، وما أنا من المتكلفين ، والويل لمن تخلف
ثم الويل لمن تخلف ، أما بلغكم ما قال فيكم نبيكم صلى الله عليه واله حيث يقول في حجة الوداع :
اني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي
وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، ألا هذا عذب
فرات فاشربوا ، وهذا ملح أجاج فاجتنبوا .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه