بحار الأنوار ج4

وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه ، لم يخل منه
مكان فيدرك بأينية ، ولاله شبح مثال فيوصف بكيفية ، ولم يغب عن شئ فيعلم بحيثية
مبائن لجميع ما أحدث في الصفات ، وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات ،
وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرف الحالات ، محرم على بوارع ناقبات الفطن
تحديده ، وعلى عوامق ثاقبات الفكر تكييفه ، وعلى غوائص سابحات النظر تصويره ،
لا تحويه الاماكن لعظمته ، ولا تذرعه المقادير لجلاله ، ولا تقطعه المقائيس لكبريائه ،
ممتنع عن الاوهام أن تكتنهه ، وعن الافهام أن تستغرقه ، وعن الاذهان أن تمتثله ، وقد
يئست من استنباط الاحاطة به طوامح العقول ، ونضبت عن الاشارة إليه بالاكتناه
بحار العلوم ، ورجعت بالصغر عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الخصوم ، واحد لامن
عدد ، ودائم لابأمد ، وقائم لابعمد ، وليس بجنس فتعادله الاجناس ، ولا بشبح فتضارعه
الاشباح ، ولاكالاشياء فتقع عليه الصفات ، قد ضلت العقول في أمواج تيار إدراكه ، و
تحيرت الاوهام عن إحاطة ذكر أزليته ، وحصرت الافهام عن استشعار وصف قدرته ،
وغرقت الاذهان في لجج أفلاك ملكوته ، مقتدر بالآلاء ، وممتنع بالكبرياء ، ومتملك
على الاشياء ، فلادهر يخلقه ، ولاوصف يحيط به ، قد خضعت له رواتب الصعاب في محل
تخوم قرارها ، واذعنت له رواصن الاسباب في منتهى شواهق أقطارها ، مستشهد بكلية
الاجناس على ربوبيته ، وبعجزها على قدرته ، وبفطورها على قدمته ، وبزوالها على
بقائه ، فلالها محيص عن إدراكه إياها ، ولا خروج من إحاطته بها ، ولا احتجاب عن
إحصائه لها ، ولا امتناع من قدرته عليها ، كفى بإتقان الصنع لها آية ، وبمركب الطبع
عليها دلالة ، وبحدوث الفطر عليها قدمة ، وبأحكام الصنعة لها عبرة ، فلا إليه حد منسوب ،
ولا له مثل مضروب ، ولاشئ عنه بمحجوب ، تعالى عن ضرب الامثال والصفات المخلوقة
علوا كبيرا ، وأشهد أن لا إله إلا هو إيمانا بربوبيته ، وخلافا على من أنكره ، وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله ، المقر في خير مستقر ، المتناسخ من أكلام الاصلاب ومطهرات
الارحام ، المخرج من أكرم المعادن محتدا ، وأفضل المنابت منبتا ، من أمنع ذروة(1)و


(1)" أمنع " من منع جاره أى حامى عنه وصانه من أن يضام ، أو من منع الحصن أى تعسر الوصول *(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه