بحار الأنوار ج56

لم يعلموا ، ويكون الذين علموا الشياطين أو الذين خبر عنهم بأنهم نبذوا كتاب
الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان .
والذين لم يعلموا هم الذين عملوا السحر وشروا به أنفسهم . وثانيها أن يكون
الذين علموا هم الذين لم يعلموا ، لانهم علموا شيئا ولم يعلموا غيره ، فكأنه تعالى
وصفهم بأنهم عالمون بأنه لا نصيب لمن اشترى ذلك ورضيه لنفسه على الجملة ، ولم
يعلموا كنه ما يصير إليه من العقاب الذي لا نفادله ولا انقطاع ، وثالثها أن تكون
الفائدة في نفي العلم بعد إثباته أنهم لم يعملوا بما علموه فكأنهم لم يعلموا ، وهذا
كما يقول أحدنا لغيره : ما أدعوك إليه خير لك وأعود عليك لو كنت تعقل وتنظر في
العواقب ، وهو يعقل وينظر إلا أنه لم يعمل بموجب علمه ، فحسن أن يقال له مثل
هذا القول . وقال كعب بن زهير يصف ذئبا وغراباه تبعاه ليصيبا من زاده :
إذا حضراني قلت لو يعلمانه * ألم تعلما أني من الزاد مرمل
فنفى عنهما العمل ثم أثبته بقوله " ألم تعلما أني من الزاد مرمل " وإنما
المعنى في نفيه العلم عنهما أنهما لم يعملا بما علما ، فكأنهما لم يعلما ، ورابعها
أن يكون المعنى أن هؤلاء القوم الذين قد علموا أن الآخرة لا حظ لهم فيها مع
عملهم القبيح إلا أنهم ارتكبوه طمعا في طعام الدنيا وزخرفها ، فقال تعالى " ولبئس
ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " أي الذي آثروه وجعلوه عوضا عن الآخرة
لا يتم لهم ولا يبقى عليهم وأنه منقطع زائل ، ومضمحل باطل ، وأن المآل إلى
المستحق في الآخرة ، وكل ذلك واضح بحمد الله(انتهى).
وأقول : قال في الصحاح : المغمرة الشدة والجمع غمر . قال القطامى يصف
سفينة نوح : وحان لتالك الغمر انحسار . وقال : الانحسار الانكشاف . وقال :
قشعت الريح السحاب أي كشفته فانقشع وتقشع . وقال : الوطب سقاء اللبن
خاصة . قال : العلبة محلب من جلد . وقال : صررت الناقة شددت عليها الصرار
وهو خيط يشد فوق الخلف والتودية لئلا يرضعها ولدها . وقال : الخلف بالكسر
حلمة ضرع الناقة . والمزممة من الزمام . والبزل : جمع البازل ، وهو جمل أو ناقة كمل

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه