وقال آخرون : امر رسول اله صلى الله عليه وآله أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله ، ويقرأ عليهم
القرآن فصرف الله إليه نفرا من الجن من نينوى ، فقال صلى الله عليه وآله : إني امرت أن أقرأ
على الجن الليلة ، فأيكم يتبعني ؟ فاتبعه عبدالله بن مسعود ، قال عبدالله : ولم يحضر
معه أحد غيري ، فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة ، ودخل نبي الله شعبا يقال له : شعب
الحجون ، وخط لي خطا ، ثم أمرني أن أجلس فيه وقال : لا تخرج منه حتى أعود إليك
ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة(1)كثيرة حتى حالت بيني وبينه ،
حتى لم أسمع صوته ، ثم انطلقوا وطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى بقي
منهم رهط . وفرغ رسول الله صلى الله عليه وآله مع الفجر فانطلق فبرز ، ثم قال : هل رأيت شيئا ؟
فقلت : نعم رأيت رجالا سودا مستثفري(2)ثياب بيض قال : اولئك جن نصيبين . وروى
علقمة ، عن عبدالله قال : لم أكن مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الجن ، ووددت أني كنت معه ،
وروي عن ابن عباس أنهم كانوا سبعة نفر من جن نصيبين ، فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وآله رسلا
إلى قومهم ، وقال زر بن حبيش : كانوا تسعة نفر منهم : زوبعة ، وروى محمد بن المنكدر عن
جابر بن عبدالله قال : لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله " الرحمن(3)" على الناس سكتوا فلم يقولوا
شيئا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الجن كانوا أحسن جوابا منكم ، لما قرأت عليهم " فبأي آلاء
ربكما تكذبان(4)" قالوا : " لا ولا بشئ من آلائك ربنا نكذب " .
" يا قومنا أجيبوا داعي الله " يعنون محمدا صلى الله عليه وآله إذ دعاهم إلى توحيده وخلع الانداد
دونه " وآمنوا به يغفرلكم من ذنوبكم " أي إن آمنتم بالله ورسوله يغفرلكم " ويجركم
من عذاب أليم " في هذا دلالة على أنه عليه السلام كان مبعوثا إلى الجن ، كما كان مبعوثا إلى
الانس ، ولم يبعث الله نبيا إلى الانس والجن قبله " ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز
في الارض " أي لا يعجز الله فيسبقه ويفوته " وليس له من دونه أولياء " أي أنصارا
(1)الاسودة : جمع السواد .
(2)استثفر بثوبه : ثنى طرفه فأخرج من بين فخذيه وغرزه في حجزته .
(3)السورة : 55 .
(4)الاية : 16 وغيرها .(*)