بحار الأنوار ج7

واحد عرفا وشرعا وإن قيل بالهيولى ، ولا يبتني الاطلاقات الشرعية والعرفية واللغوية
على أمثال تلك الدقائق الحكمية والفلسفية ، وقد أومأنا في تفسير بعض الآيات وشرح
بعض الاخبار إلى ما يؤيد ذلك ، كقوله تعالى : " على أن يخلق مثلهم " وقوله تعالى :
" بدلناهم جلودا غيرها " .
قال شارح المقاصد : اتفق المحققون من الفلاسفة والمليين على حقيقة المعاد ،
واختلفوا في كيفيته فذهب جمهور الفلاسفة إلى أنه روحاني فقط لان البدن ينعدم بصوره
وأعراضه فلا يعاد ، والنفس جوهر مجرد باق لا سبيل إليه للفناء فيعود إلى عالم المجردات
بقطع التعلقات ، وذهب كثير من علماء الاسلام كالغزالي والكعبي والحليمي والراغب
والقاضي أبوزيد الدبوسى إلى القول بالمعاد الروحاني والجسماني جميعا ، ذهابا إلى أن
النفس جوهر مجرد يعود إلى البدن ، وهذا رأي كثير من الصوفية والشيعة والكرامية
وبه يقول جمهور النصارى والتناسخية ، قال الامام الرازي : إلا أن الفرق أن المسلمين
يقولون بحدوث الارواح وردها إلى الابدان لا في هذا العالم بل في الآخرة ، والتناسخية
بقدمها وردها إليها في هذا العالم ، وينكرون الآخرة والجنة والنار ، وإنما نبهنا
على هذا الفرق لانه جبلت على الطباع العامية أن هذا المذهب يجب أن يكون كفرا
وضلالا ، لكونه مما ذهب إليه التناسخية والنصارى ، ولا يعلمون أن التناسخية إنما
يكفرون لانكارهم القيامة والجنة والنار ، والنصارى لقولهم بالتثليث ، وأما القول
بالنفوس المجردة فلا يرفع أصلا من اصول الدين ، بل ربما يؤيده ويبين الطريق
إلى إثبات المعاد بحيث لا يقدح فيه شبه المنكرين ، كذا في نهاية العقول .
وقد بالغ الامام الغزالي في تحقيق المعاد الروحاني وبيان أنواع الثواب و
العقاب بالنسبة إلى الروح حتى سبق إلى كثير من الاوهام ووقع في ألسنة بعض العوام
أنه ينكر حشر الاجساد افتراء‌ا عليه ، كيف وقد صرح به في مواضع من كتاب الاحياء
وغيره وذهب إلى أن إنكاره كفر ؟ وإنما لم يشرحه في كتبه كثير شرح لما قال : إنه
ظاهر لا يحتاج إلى زيادة بيان ، نعم ربما يميل كلامه وكلام كثير من القائلين بالمعادين
إلى أن معنى ذلك أن يخلق الله تعالى من الاجزاء المتفرقة لذلك البدن بدنا فيعيد

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه