سليمان ثم بين تعالى ما به كفروا ، فقد كان يجوز أن يتوهم أنهم كفروا لا بالسحر
فقال تعالى " يعلمون الناس السحر " .
واعلم أن الكلام في السحر يقع من وجوه : الاول في البحث عنه بحسب
اللغة ، فنقول : ذكر أهل اللغة أنه في الاصل عبارة عما لطف وخفي سببه ، والسحر
بالفتح : هو الغذاء لخفائه ولطف مجاريه . قال لبيد :
ونسحر بالطعام وبالشراب .
قيل فيه وجهان : أحدهما أنا نعلل ونخدع كالمسحور والمخدوع ، والآخر
نغدى وأي الوجهين كان فمعناه الخفاء . وقال :
فإن تسألينامم(1)نحن ؟ فإننا * عصافير من هذا الانام المسحر
وهذا الوجه يحتمل من المعنى ما احتمله الاول ، ويحتمل أيضا أن يريد
بالمسحر أنه ذوالسحر ، والسحر هو الرئة ، وما تعلق بالحلقوم . وهذا أيضا يرجع
إلى معنى الخفاء ، ومنه قول عائشة " توفي رسول الله بين سحري ونحري " وقوله
تعالى " إنما أنت من المسحرين(2)" يعني من المجوف الذي يطعم ويشرب
يدل عليه قولهم " ما أنت إلا بشر مثلنا(3)" وقال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام
إنه قال للسحرة " ما جئتم به السحر إن الله سيبطله(4)" وقال : فلما ألقوا سحروا
أعين الناس واسترهبوهم "(5)فهذا هو معنى السحر في أصل اللغة .
الوجه الثانى : اعلم أن لفظ السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر
مخفي(6)سببه ، ويتخيل على غير حقيقته ، ويجري مجرى التمويه والخداع ، و
(1)في المصدر : فيم .
(2)الشعراء : 153 ، 185 .
(3)الشعراء : 154 .
(4)يونس : 81 .
(5)الاعراف : 116 .
(6)في المصدر : يخفى .