يحدث في الارض ، ويزول عند غيبة الشمس ، فلو كانت الشمس دائمة الاشراق لا
غروب لها ، لكنا نظن أن لا هيئة في الاجسام إلا ألوانها وهي السواد والبياض
وغيرها ، فإنا لا نشاهد في الاسود إلا السواد ، وفي الابيض إلا البياض ، وأما
الضوء فلا ندركه وحده لكن لما غبت الشمس وأظلمت المواضع ، أدركنا تفرقة
بين الحالتين ، فعلمنا أن الاجسام متشابهة غير مختلفة في الظلام والنور .
هذا مع أن النور أظهر المحسوسات ، إذ به يدرك سائر المحسوسات ، فما هو
ظاهر في نفسه وهو مظهر لغيره ، انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب ظهوره ، لولا
طريان ضده ، فاذن الرب تعالى هو أظهر الامور ، وبه ظهرت الاشياء كلها ، ولو
كان له عدم أو غيبة أو تغير لانهدمت السماوات والارض ، وبطل الملك والملكوت
ولادركت التفرقة بين الحالتين .
ولو كان بعض الاشياء موجودا به ، وبعضها موجودا بغيره ، لادركت التفرقة
بين الشيئين في الدلالة ، ولكن دلالته عامة في الاشياء على نسق واحد ، ووجوده
دائم في الاحوال ، يستحيل خلافه ، فلا جرم أورث شدة الظهور خفاء ، فهذا هو السبب
في قصور الافهام .
وأما من قويت بصيرته ، ولم يضعف منته ، فانه في حال اعتدال أمره لا
يرى إلا الله وأفعاله ، وأفعاله أثر من آثار قدرته ، فهي تابعة فلا وجود لها بالحقيقة
وإنما الوجود للواحد الحق الذي به وجود الافعال كلها .
ومن هذا حاله فلا ينظر في شئ من الافعال إلا ويرى فيه الفاعل ، ويذهل
عن الفعل ، من حيث إنه سماء وأرض وحيوان وشجر ، بل ينظر فيه من حيث إنه
صنع ، فلا يكون نظره مجاوزا له إلى غيره ، كمن نظر في شعر إنسان أو خطه
أو تصنيفه ، ورأى فيه الشاعر والمصنف ، ورأى آثاره من حيث هي آثاره ، لا من
حيث إنه حبرو عفص وزاج مرقوم على بياض ، فلا يكون قد نظر إلى غير المنصف .