بحار الأنوار ج63

بيان : العس بالضم : القدح العظيم ، وأقول : روى مسلم في صحيحه(1)أن
النبي صلى الله عليه وآله اتي ليلة اسري به بايليا بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهم فأخذ اللبن
فقال له جبرئيل عليه السلام : الحمد لله الذي هداك للفطرة ، لو أخذت الخمر غوت امتك
وقال بعض شراحه : إيليا بالمد وقد يقصر بيت المقدس ، وفي الرواية محذوف تقديره أتي
بقدحين فقيل له اختر أيهما شئت ، فألهمه الله تعالى اختيار اللبن لما أراد سبحانه من
توفيق هذه الامة .
وقول جبرئيل عليه السلام : أصبت الفطرة ، قيل في معناه أقوال ، المختار منها أن الله
تعالى أعلم جبرئيل أن النبى صلى الله عليه وآله إن اختار اللبن كان كذا ، وإن اختار الخمر
كان كذا ، وأما الفطرة فالمراد بها هنا الاسلام والاستقامة ، ومعناه والله يعلم : اخترت
علامة الاسلام والاستقامة ، وجعل اللبن علامة ذلك لكونها سهلا طيبا طاهرا سائغا
للشاربين سليم العاقبة وأما الخمر فانها ام الخبائث ، وجالبة لانواع الشر في الحال
والمآل انتهى .
وقال الطيبى : للفطرة أي التي فطر الناس عليها ، فان منها الاعراض عما فيه
غائلة وفساد كالخمر المخلة بالعقل الداعي إلى كل خير والرادع عن كل شر ، والميل
إلى ما فيه نفع خال عن المضرة كاللبن انتهى .
أقول : فعلى هذه الوجوه ، المعنى أن اللبن شئ مبارك كان اختيار النبي
صلى الله عليه وآله إياه علامة الفطرة ، فيكون إشارة إلى تلك القصة لعلم الراوي بها .
وأقول : يحتمل هذا الخبر وجوها اخر .


(4)روى مسلم في صحيحه تحت الرقم 168 في حديث الاسراء : " . . فأتيت
باناء‌ين في أحدهما لبن في الاخر خمر ، فقيل لى : خذ أيهما شئت ، فأخذت اللبن فشربته
فقال : هديت الفطرة ، أو أصبت الفطرة ، أما انك لو أخذت الخمر غوت أمتك " ورواه
أحمد في مسنده 25 ر 282 والترمذى في تفسير سورة الاسراء تحت الرقم 5137 بهذا اللفظ
وما ذكره المؤلف العلامة في الصلب ونسبه إلى مسلم انما يوجد في البخارى تحت الرقم 2 ر 12
من كتاب الاشربة وفى تفسير سورة بنى اسرائيل بالرقم 2 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه