بحار الأنوار ج17

مواطن الصبر ، فإن ذلك من دأب الجهلة(1).
وقال الرازي : المقصود من أول الآية أن يقطع الرسول صلى الله عليه وآله طمعه عن إيمانهم ،
وأن لا يتأذى بسبب إعراضهم عن الايمان ، وقوله : " فلا تكونن من الجاهلين " هذا النهي
لا يقتضي إقدامه على مثل تلك الحالة ، كما أن قوله : " ولا تطع الكافرين والمنافقين " لا
يدل على أنه صلى الله عليه وآله أطاعهم قبل(2)، بل المقصود أنه لا ينبغي أن يشتد تحسرك على
تكذيبهم ، ولا يجوز أن تحزن(3)من إعراضهم عنك ، فإنك إن فعلت ذلك قرب حالك
من حال الجاهل(4)وقال في قوله تعالى : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم " روي عن عبدالله
ابن مسعود أنه قال : مر الملا من قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده صهيب وخباب وبلال
وعمار وغيرهم من ضعفآء المسلمين ، فقالوا : يامحمد أرضيت بهؤلاء عن قومك ؟ أفنحن نكون
تبعا لهؤلاء ؟ اطردهم عن بيتك ، فلعلك إن طردتهم اتبعناك ، فقال صلى الله عليه وآله : ما أنا بطارد
المؤمنين ، فقالوا : فأقمهم عنا إذا جئنا ، فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت ، فقال : نعم طمعا
في إيمانهم ، روي أن عمر قال له : لو فعلت ذلك حتى ننظر إلى ما يصيرون(5)ثم ألحوا
وقالوا للرسول صلى الله عليه واله : اكتب بذلك كتابا ، فدعا بالصحيفة فنزلت الآية(6)، واعتذر عمر
من مقالته ، فقال سلمان وخباب : فينا نزلت ، فكان رسول الله يقعد معنا وندنو منه حتى
يمس ركبنا ركبته ، وكان يقوم عنا إذا أراد القيام ، فنزل قوله : " واصبر نفسك " فترك
القيام عنا إلى أن نقوم عنه ، وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي
مع قوم من امتي ، معكم المحيا ومعكم الممات .
ثم قال : احتج الطاعنون في عصمة الانبياء بهذه الآية من وجوه :


(1)أنوار التنزيل 1 : 377 .
(2)في المصدر : وقبل دينهم .
(3)في المصدر : أن تجزع .
(4)مفاتيح الغيب 4 : 53 .
(5)في المصدر : إلى ماذا يصيرون .
(6)في المصدر : فدعا بالصحيفة وبعلى عليه السلام ليكتب فنزلت هذه الاية فرمى الصحيفة*

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه