بحار الأنوار ج5

ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز ، وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير وشر ،
وأبطل أمر الله ونهيه ، ووعده ووعيده لعلة ما زعم أن الله فوضها إليها لان المفوض
إليه يعمل بمشيته ، فإن شاء الكفر أو الايمان كان غير مردود عليه ولا محظور فمن دان
بالتفويض على هذا المعنى فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وأمره ونهيه ، وهو
من أهل هذه الآية " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك
منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيمة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل
عما تعملون " تعالى الله عما يدين به أهل التفويض علوا كبيرا ، لكن نقول : إن الله عز
وجل ، خلق الخلق بقدرته ، وملكهم استطاعة تعبدهم بها ، فأمرهم ونهاهم بما أراد
فقبل منهم اتباع أمره ورضي بذلك لهم ، ونهاهم عن معصيته وذم من عصاه وعاقبه
عليها ، ولله الخيرة في الامر والنهي ، يختار ما يريد ويأمر به ، وينهى عما يكره و
يعاقب عليه ، بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه لانه ظاهر
العدل والنصفة والحكمة البالغة ، بالغ الحجة بالاعذار والانذار ، وإليه الصفوة
يصطفي من يشاء من عباده لتبليغ رسالته واحتجاجه على عباده اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله
وبعثه برسالاته إلى خلقه فقال من قال من كفار قومه حسدا واستكبارا : " لولا نزل
هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " يعنى بذلك امية بن أبي الصلت وأبا
مسعود الثقفي ، فأبطل الله اختيارهم ولم يجز لهم آراء‌هم حيث يقول : " أهم يقسمون
رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون " ولذلك اختار من الامور
ما أحب ، ونهى عما كره ، فمن أطاعه أثابه ، ومن عصاه عاقبه ، ولو فوض من اختيار
أمره إلى عباده لاجاز لقريش اختيار امية ابن أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي إذ كانا
عندهم أفضل من محمد صلى الله عليه وآله ، فلما أدب الله المؤمنين بقوله : " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة
إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم
ولم يقبل منهم إلا اتباع أمره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه فمن أطاعه رشد ،
ومن عصاه ضل وغوى ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع أمره واجتناب

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه