نريد أن تعرفنا يا رسول الله ما لله علينا ، وما لك علينا ، وما لنا على الله ، فقال : أما
ما لله عليكم فأن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئا ، وأما ما لي عليكم فتنصرونني مثل
نسائكم وأبنائكم ، وأن تصبروا على عض السيف وإن يقتل خياركم ، قالوا : فإذا
فعلنا ذلك ما لنا على الله ؟ قال : أما في الدنيا فالظهور على من عاداكم ، وفي الآخرة
رضوانه والجنة ، فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال : والذي بعثك بالحق
لنمنعك(1)بما نمنع به ازرنا ، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب ، و
أهل الحلفة ، ورثناها كبارا عن كبار ، فقال أبو الهيثم : إن بيننا وبين الرجال
حبالا ، وإنا إن قطعناها أو قطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن
ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم قال : بل الدم الدم ، والهدم
الهدم ، احارب من حاربتم واسالم من سالمتم ، ثم قال : أخرجوا إلي منكم اثني عشر
نقيبا ، فاختاروا ، ثم قال : ابايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحواريين كفلاء على
قومهم بما فيهم ، وعلى أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ، فبايعوه على
ذلك ، فصرخ الشيطان في العقبة : يا أهل الجباجب هل لكم في محمد والصباة معه ؟
قد اجتمعوا على حربكم ، ثم نفر الناس من منى ، وفشا الخبر فخرجوا في الطلب
فأدركوا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ، فأما المنذر فأعجز القوم ، وأما سعد فأخذوه
وربطوه بنسع(2)رحله ، وأدخلوه مكة يضربونه ، فبلغ خبره إلى جبير بن مطعم
والحارث ابن حرب بن امية فأتياه وخلصاه ، وكان النبي صلى الله عليه وآله لم يؤمر إلا بالدعاء
والصبر على الاذى ، والصفح عن الجاهل ، فطالت قريش على المسلمين ، فلما كثر
عتوهم امر بالهجرة ، فقال صلى الله عليه وآله : إن الله قد جعل لكم دارا وإخوانا تأمنون بها
فخرجوا أرسالا حتى لم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله إلا علي وأبوبكر ، فحذرت قريش
خروجه ، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم ، فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قصي بن
(1)في نسخة : لنمنعنك .
(2)النسع : سير أو حبل عريض طويل تشد به الرحال .