بحار الأنوار ج11

اخرج من الجنة لا على وجه العقوبة ، بل لان المصلحة قد تغيرت بتناوله من الشجرة
فاقتضت الحكمة إهباطه إلى الارض وابتلاء‌ه والتكليف بالمشقة ، وسلبه ما ألبسه
من ثياب الجنة لان إنعامه بذلك كان على وجه التفضل والامتنان ، فله أن يمنع ذلك
تشديدا للبلوى والامتحان ، كما له أن يفقر بعد الاغناء ويميت بعد الاحياء ويسقم بعد
الصحة " وقلنا اهبطوا " الخطاب لآدم وحواء وإبليس وإن كان إبليس وإن كان إبليس قد اخرج قبل ذلك لانهم
قد اجتمعوا في الهبوط وإن كانت أو قاتهم متفرقة ، وقيل : أراد آدم وحواء والحية ، وقيل :
أراد آدم وحواء وذريتهما ، وقيل : خاطب الاثنين خطاب الجمع " بعضكم لبعض عدو "
يعني آدم وذريته ، وإبليس وذريته " مستقر " أي مقر ومقام وثبوت " ومتاع " أي استمتاع
" إلى حين " أي إلى الموت أو إلى القيامة " فتلقى " أي قبل وأخذ " من ربه كلمات " وأغنى
قوله : " فتلقى " عن أن يقول : فرغب إلى الله بهن ، أو سأله بحقهن لان التلقي يفيد ذلك
واختلف في الكلمات فقيل : هي قوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا " الآية ، وقيل : هي قوله :

" اللهم لا إله الا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فاغفرلي إنك خير الغافرين
اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب
الرحيم " وهو المروي عن الباقر عليه السلام ، وقيل ، بل هي " سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله
والله أكبر " وقيل - وهي رواية تختص بأهل البيت عليهم السلام - : إن آدم رأى مكتوبا
على العرش أسماء مكرمة معظمة ، فسأل عنها فقيل له : هذه أسماء أجلة الخلق عندالله
منزلة ، والاسماء : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فتوسل آدم إلى ربه بهم
في قبول توبته ورفع منزلته " فتاب عليه " أي تاب آدم فتاب الله عليه ، أي قبل توبته ، و
قيل : أي وفقه للتوبة وهداه إليها " إنه هو التواب " أي كثير القبول للتوبة ، وإنما
قال : " فتاب عليه " ولم يقل : " عليهما " لانه اختصرو حذف للايجازو التغليب . وقال الحسن
لم يخلق الله آدم إلا للارض ،(1)ولولم يعص لاخرجه إلى الارض على غير تلك الحال .
وقال غيره : يجوز أن يكون خلقه للارض إن عصى ، ولغيرها إن لم يعص وهو الاقوى


(1)يدل على ذلك قوله تعالى : < < وإذ قال ربك للملائكة انى جاعل في الارض خليفة > > وعلى
الثانى قوله تعالى : < < فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى > >(*).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه