بحار الأنوار ج35

فآتاهم الله أجرهم مرتين . والدليل على ما ذكرناه في أمر أبي طالب رحمه الله قوله في هذا
الشعر بعينه :
ودعوتني وزعمت أنك ناصح * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
فشهد بصدقه واعترف بنبوته وأقر بنصحه ، وهذا محض الايمان على ما قدمناه .
انتهى كلامه رحمه الله(1).
وقال السيد فخار بعد إيراد الاخبار التي أوردنا بعضها : وأما ما ذكره المخالفون
من أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحب عمه أبا طالب ويريد منه أن يؤمن به وهو لا يجيبه إلى
ذلك ، فأنزل الله تعالى في شأنه :(إنك لا تهدي من أحببت(2))فإنه جهل بأسباب
النزول ، وتحامل(3)على عم الرسول ، لان لهذه الآية ونزولها عند أهل العلم سببا
معروفا وحديثا مأثورا ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله ضرب بحربة في خده يوم حنين فسقط
إلى الارض ، ثم قام وقد انكسرت رباعيته والدم يسيل على حر وجهه ، فمسح وجهه ثم
قال : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، فنزلت الآية ، ووقعة حنين كانت بعد هجرة
النبي صلى الله عليه وآله بثلاث سنين ، والهجرة كانت بعد موت أبي طالب رحمه الله .
وقد روي لنزولها سبب آخر ، وهو أن قوما ممن كانوا أظهروا الايمان بالنبي صلى الله عليه وآله
تأخروا عنه هجرته(4)وأقاموا بمكة وأظهروا الكفر والرجوع إلى ما كانوا عليه ،
فبلغ خبرهم إلى النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين ، فاختلفوا في تسميتهم بالايمان ، فقال فريق من
المسلمين ، هم مؤمنون وإنما أظهروا الكفر اضطرارا إليه ، وقال آخرون : بل هم كفار
وقد كانوا قادرين على الهجرة والاقامة على الايمان ، فاجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وكان
أشراف القوم يريدون منه أن يحكم لهم بالايمان لارحام بينهم وبينهم ، فأحب رسول الله
أن ينزل ما يوافق محبة الاشراف من قومه لتألفهم ، فلما سألوه عن حالهم قال : حتى
يأتيني الوحي في ذلك ، فأنزل الله في ذلك(إنك لاتهدي من أحببت)يريد : أنك لا


(1)الفصول المختارة 2 : 72 - 75 .
(2)القصص : 56 .
(3)تحامل على فلان : جار عليه ولم يعدل .
(4)في(ح)والمصدر : عندهم هجرته .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه