بحار الأنوار ج66

واحتج من جوز التقليد بأنه لو وجب النظر في المعارف الالهية لوجد
من الصحابة ، إذ هم أولى به من غيرهم ، لكنه لم يوجد وإلا لنقل كما نقل عنهم
النظر والمناظرة في المسائل الفقهية ، فحيث لم ينقل لم يقع ، فلم يجب .
واجيب بالتزام كونهم أولى به ، لكنهم نظروا وإلالزم نسبتهم إلى الجهل بمعرفة
الله تعالى ، وكون الواحد منا أفضل منهم ، وهو باطل إجماعا ، إذا كانوا عالمين ، وليس
بالضرورة ، فهو بالنظر والاستدلال ، وأما أنه لم ينقل النظر والمناظرة ، فلا تفاقهم على
العقائد الحقة لوضوح الامر عندهم ، حيث كانوا ينقلون عقائدهم عمن لاينطق عن الهوى
فلم يحتاجوا إلى كثرة البحث والنظر ، بخلاف الاخلاف بعدهم ، فانهم لما كثرت
شبه الضالين ، واختلفت أنظار طالبي اليقين ، لتفاوت أذهانهم في إصابة الحق احتاجوا
إلى النظر والمناظرة ، ليدفعوا بذلك شبه المضلين ، ويقفوا على اليقين ، أما مسائل
الفروع لما كانت امورا ظنية اجتهادية خفية لكثرة تعارض الامارات فيها وقع
بينهم الخلاف فيها ، والمناظرة والتخطئة لبعضهم من بعض فلذا نقل .
واحتجوا أيضا بأن النظر مظنة الوقوع في الشبهات ، والتورط في الضلالات ،
بخلاف التقليد فانه أبعد عن ذلك ، وأقرب إلى السلامة ، فيكون أولى ، ولان
الاصول أغمض أدلة من الفروع وأخفى ، فاذا جاز التقليد في الاسهل ، جاز في
الاصعب ، بطريق أولى ، ولانهما سواء في التكليف بهما فاذا جاز في الفروع فليجز
في الاصول .
واجيب عن الاول بأن اعتقاد المعتقد إن كان عن تقليد لزم إما التسلسل
أو الانتهاء إلى من يعتقد عن نظر ، لانتفاء الضرورة ، فيلزم ما ذكرتم من المحذور
مع زيادة ، وهي احتمال كذب المخبر ، بخلاف الناظر مع نفسه ، فانه لايكابر
نفسه فيما أدى إليه نظره ، على أنه لواتفق الانتهاء إلى من اتفق له العلم بغير
النظر كتصفية الباطن كما ذهب إليه بعضهم ، أو بالالهام ، أو بخلق العلم فيه ضرورة ،
فهو إنما يكون لافراد نادرة ، لانه على خلاف العادة فلا يتيسر لكل أحد الوصول
إليه مشافهة ، بل بالوسائط فيكثر احتمال الكذب ، بخلاف الناظر فانه لايكابر نفسه

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه