بحار الأنوار ج57

فيها نور معرفة الله ، ويشرق فيها ضوء كبريائه ، وهو الذي يطلع على أسرار عالمي
الخلق والامر ، ويحيط بأقسام مخلوقات الله من الارواح والاجسام كما هي وهذه
القوة من سنخ الجواهر القدسية ، والارواح المجردة الالهية ، فهذه القوة لانسبة
لها في الشرف والفضل إلى تلك القوى الخمسة النباتية والحيوانية ، وإذا كان الامر
كذلك ظهر أن النفس الانسانية أشرف النفوس الموجودة في هذا العالم . وأما بيان
أن البدن الانساني أشرف أجسام هذا العالم فالمفسرون ذكروا أشياء :
أحدها : روى ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله " ولقد كر منا بني آدم "
قال : كل شئ يأكل بفيه إلا ابن آدم فإنه يأكل بيديه . عن الرشيد أنه احضرت
الاطعمة عنده ، فدعا بالملاعق وعنده أبويوسف فقال له : جاء في تفسير(1)قوله تعالى
" ولقد كرمنا بني آدم " : وجعلنا لهم أصابع يأكلون بها ، فاحضرت الملاعق فردها
وأكل بأصابعه .
وثانيها : قال الضحاك : بالنطق والتميز(2)وتحقيق الكلام أن من عرف
شيئا فإما أن يعجز عن تعريف غيره كونه عارفا بذلك الشئ أو يقدر على هذا التعريف
أما القسم الاول فهو جملة حال الحيوان سوى الانسان ، فإنه إذا حصل في باطنها ألم
أو لذة فإنها تعجز عن تعريف غيرها تلك الاحوال تعريفا تاما وافيا . وأما القسم
الثاني فهو الانسان ، فإنه يمكنه تعريف غيره كل ماعرفه ووقف عليه وأحاط به
فكونه قادرا على هذا النوع من التعريف هو المراد بكونه ناطقا . وبهذا البيان يظهر
أن الانسان الاخرس داخل في هذا الوصف ، لانه وإن عجز عن تعريف غيره ما في قبله
بطريق اللسان فإنه يمكنه ذلك بطريق الاشارة وبطريق الكتابة وغير هما ، ولا يدخل
فيه الببغاء ، لانه وإن قدر على تعريفات قليلة فلا قدرة له على تعريف جميع الاحوال
على سبيل الكمال والتمام .
وثالثها : قال عطاء بامتداد القامة . واعلم أن هذا الكلام غير تمام ، لان


(1)في المصدر : جاء في التفسير عن جدك في قوله . .
(2)فيه : التمييز .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه