" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم "(1)
وقال : " ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا
يأكلان الطعام "(2)وقال : " وماأرسلنا من قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون
الطعام ويمشون في الاسواق "(3)وقال : " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي "(4).
فمحمد صلى الله عليه وآله وسائر الانبياء من البشر ، ارسلوا إلى البشر ، ولولا ذلك
لما أطاق الناس مقاومتهم ، والقبول عنهم ، ومخاطبتهم ، قال الله تعالى : " ولو جعلناه
ملكا لجعلناه رجلا "(5)أي لما كان إلا في صورة البشر ، الذين يمكنكم مخالطتهم
إذ لا تطيقون مقاومة الملك ومخاطبته ورؤيته ، إذا كان على صورته ، وقال : " لو كان
في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا "(6)
أي لا يمكن في سنة الله إرسال الملك إلا لمن هو من جنسه ، أو من خص الله تعالى
واصطفاه وقواه على مقاومته ، كالانبياء والرسل .
فالانبياء والرسل وسائط بين الله وخلقه ، يبلغونهم أوامره ونواهيه ، ووعده
ووعيده ، ويعرفونهم بمالم يعلموه من أمره ، وخلقه ، وجلاله ، وسلطانه ، وجبروته
وملكوته ، فظواهرهم وأجسادهم وبنيتهم متصفة بأوصاف البشر ، طارئ عليها ما يطرء
على البشر من الاعراض والاسقام ، والموت والفناء ، ونعوت الانسانية ، وأرواحهم
وبواطنهم متصفة بأعلى من أوصاف البشر ، متعلقة بالماء الاعلى ، متشبهة بصفات
الملائكة ، سليمة من التغيير والآفات ، ولا يلحقها غالبا عجز البشرية ، ولا ضعف
الانسانية .
(1)آل عمران : 144 .
(2)المائدة : 78 .
(3)الفرقان : 20 .
(4)الكهف : 11 .
(5)الانعام : 9 .
(6)الاسراء : 95 .