بحار الأنوار ج18

وقيل : أصابه السموم فصار أسود فأتى أهله فلم يعرفوه فمات ، وهو يقول : قتلني رب محمد ،
ومر به الحارث بن الطلاطلة فأومأ إلى رأسه فامتخط قيحا فمات ، وقيل : إن الحارث بن
قيس أخذ(1)حوتا مالحا فأصابه العطش ، فما زال يشرب حتى انقد(2)بطنه فمات(3).
وفي قوله تعالى : " ضرب الله مثلا قرية " أي مثل قرية " كانت آمنة " أي ذات
أمن " مطمئنة " قارة ساكنة بأهلها ، لا يحتاجون إلى الانتقال عنها لخوف أو ضيق
" يأتيها رزقها رغدا من كل مكان " أي يحمل إليها الرزق الواسع من كل موضع ومن
كل بلد ، كما قال سبحانه : " يجبى إليه ثمرات كل شئ(4)" .
" فكفرت بأنعم الله أي فكفر أهل تلك القرية " فأذاقها الله " الآية أي فأخذهم
الله بالجوع والخوف بسوء أفعالهم ، وسمى أثر الجوع والخوف لباسا ، لان أثر الجوع و
الهزال يظهر على الانسان ، كما يظهر اللباس ، وقيل : لانه شملهم الجوع والخوف
كاللباس ، قيل : إن هذه القرية هي مكة ، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ، عذبهم الله
بالجوع سبع سنين ، وهم مع ذلك خائفون وجلون عن النبى صلى الله عليه وآله وأصحابه يغيرون(5)
عليهم قوافلهم ، وذلك حين دعا النبي صلى الله عليه وآله فقال : " اللهم اشدد وطأتك على مضرو اجعل
عليهم سنين كسني يوسف " وقيل : إنها قرية كانت قبل نبينا صلى الله عليه وآله بعث الله إليهم نبيا
فكفروا به وقتلوه فعذبهم الله بعذاب الاستيصال " ولقد جاء‌هم رسول منهم " يعني أهل مكة
بعث الله إليهم رسولا من جنسهم فكذبوه(6)وجحدوا نبوته " فأخذهم العذاب وهم


(1)في المصدر : أكل حوتا .
(2)انقد : انشق .
(3)مجمع البيان 6 : 346 و 347 .
(4)يجبى إليه : يجمع إليه ، أى يؤتى اليه من كل صوب بثمرات كل شئ . والاية في سورة
القصص : 57 .
(5)أغار عليهم : هجم وأوقع بهم .
(6)في المصدر : بعث الله عليهم رسولا من صميمهم ليتبعوه لا من غيرهم فكذبوه . أقول : من
صميمهم أى من خالصهم .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه