بحار الأنوار ج3

لا يقال : لعل انتفاء إرادة الآخر واجب بنفسه ، ولا نسلم منافاة توسط الواجب
بالذات بين الفاعل وفعله ، لاستقلاله واستلزامه النقص . لانا نقول : الاول بين
البطلان فإن تحقق إرادة الآخر وانتفاعها ممكن في نفسه لكنه ينتفي فيما نحن فيه
من قبل ذي الارادة لو انتفى فيكون واسطة ممكنة غير صادرة عن الفاعل ولا مستندة إليه ،
وأما الثاني فربما تدعى البداهة في استلزامه النقص وهو غير بعيد وبهذا التقرير يندفع
كثير من الشكوك والشبه .
الخامس : تقرير آخر لبرهان التمانع ذكره المحقق الدواني ، وهو أنه لا يخلو
أن يكون قدرة كل واحد منهما وارادته كافية في وجود العالم ، أولا شئ منهما كاف ،
أو أحدهما كاف فقط ، وعلى الاول يلزم اجتماع المؤثرين التامين على معلول واحد ،
وعلى الثاني يلزم عجزهما لانهما لا يمكن لهما التأثير إلا باشتراك الآخر ، وعلى الثالث
لا يكون الآخر خالقا فلا يكون إلها ، أفمن يخلق كمن لا يخلق ؟ .
لا يقال : إنما يلزم العجز انتفت القدرة على الايجاد بالاستقلال أما إذا كان
كل منهما قادرا على الايجاد بالاستقلال ولكن اتفقا على الايجاد بالاشتراك فلا يلزم
العجز كما أن القادرين على حمل خشبة بالانفراد قد يشتركان في حملها ، وذلك لا يستلزم
عجزهما لان إرادتهما تعلقت بالاشتراك ، وإنما يلزم العجز لو أرادا الاستقلال ولم
يحصل . لانا نقول : تعلق إرادة كل منهما إن كان كافيا لزم المحذور الاول ، وإن
لم يكن كافيا لزم المحذور الثاني ، والملازمتان بينتان لا تقبلان المنع ، وما أوردتم من
المثال في سند المنع لا يصلح للسندية إذ في هذه الصورة ينقص ميل كل واحد منهما من
الميل الذي يستقل في الحمل قدر ما يتم الميل الصادر من الآخر حتى تنقل الخشبة
بمجموع الميلين ، وليس كل واحد منهما بهذا القدر من الميل فاعلا مستقلا ، وفي مبحثنا
هذا ليس المؤثر إلا تعلق القدرة والارادة ، ولا يتصور الزيادة والنقصان في شئ منهما
السادس : أن كل من جاء من الانبياء وأصحاب الكتب المنزلة إنما ادعى الاستناد
إلى واحد أسند إليه الآخر ، ولو كان في الوجود واجبان لكان يخبر مخبر من قبله بوجوده
وحكمه ، واحتمال أن يكون في الوجود واحب لا يرسل إلى هذا العالم أولا يؤثر ولا

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه