بحار الأنوار ج4

ابن عباس : معناه هادي من فيهما ، فهم بنوره يهتدون ، وإضافته إليهما للدلالة على سعة
إشراقه ، ولاشتمالهم على الانوار الحسية والعقلية ، وقصور الادراكات البشرية عليهما
وعلى المتعلق بهما والمدلول لهما
" مثل نوره " صفة نوره العجيبة الشأن ، وإضافته إلى ضميره سبحانه دليل على أن
إطلاقه عليه لم يكن على ظاهر " كمشكوة " كصفة مشكاة ، وهي الكوة الغير النافذة " فيها
مصباح " سراج ضخم ثاقب . وقيل : المشكاة " الانبوبة في وسط القنديل ، والمصباح : الفتيلة
المشتعلة " المصباح في زجاجة " في قنديل من الزجاج " الزجاجة كأنها كوكب دري " مضيئ
متلالئ كالزهرة في صفائه وزهرته منسوب إلى الدر ، أو فعيل كبريق من الدرء ، فإنه
يدفع الظلام بضوئه ، أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه ، إلا أنه قلب همزته ياء‌ا ، ويدل
عليه قراء‌ة حمزة وأبي بكر على الاصل ، وقراء‌ة أبي عمرو والكسائي درئ كشريب ، وقد
قرئ به مقلوبا " يوقد من شجرة مباركة زيتونة " أي ابتداء توقد المصباح من شجرة الزيتون
المتكاثر نفعه بأن رويت زبالتها بزيتها ، وفي إبهام الشجرة ووصفه بالبركة ثم إبدال
الزيتونة عنها تفخيم لشأنها . وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء والبناء للمفعول من
أوقد ، وحمزة والكسائي وأبوبكر بالتاء كذلك على إسناده إلى الزجاجة بحذف المضاف .
وقرئ توقد بمعنى تتوقد وتوقد بحذف التاء لاجتماع الزيادتين وهو غريب " لا شرقية
ولا غربية " يقع الشمس عليها حينا بعد حين بل بحيث يقع عليها طول النهار كالتي تكون
على قلة أو صحراء واسعة فإن ثمرتها تكون أنضج ، وزيتها أصفى ، أولاثابتة في شرق
المعمورة وغربها بل في وسطها وهو الشام ، فإن زيتونه أجود الزيتون ، أولا في مضحى(1)
تشرق الشمس عليها دائما فتحرقها ومقناة(2)تغيب عنها دائما فيتركها نيا . وفي الحديث :
لاخير في شجرة ولا في نبات في مقناة ، ولاخير فيها في مضحى " يكاد زيتها يضيئ ولو تمسسه
نار " أي يكاد يضيئ بنفسه من غير نار لتلالوئه وفرط بيضه " نور على نور " متضاعف فإن
نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت وزهرة القنديل ، وضبط المشكاة لاشعته .


(1)أرض مضحاة : معرضة للشمس أولا يكاد تغيب عنها الشمس .
(2)المقناة والمقنوة : الموضع الذى لاتطلع عليه الشمس .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه