بحار الأنوار ج11

الموت بين النفختين وهو أربعون سنة " فبما أغويتني " أي بما خيبتني من رحمتك و
جنتك ، أو امتحنتني بالسجود لآدم فغويت عنده ، أو حكمت بغوايتي ، أو أهلكتني
بلعنك إياي ، ولا يبعد أن يكون إبليس اعتقد أن الله يغوي الخلق ويكون ذلك من جملة
ما كان اعتقده من الشر " لاقعدن لهم " أي لاولاد آدم " صراطك المستقيم " أي على طريقك
المستوي لاصدهم عنه بالاغواء .
" ثم لآتينهم من بين أيديهم " الآية فيه أقوال : أحدها أن المعنى : من قبل دنياهم
وآخرتهم ، ومن جهة حسناتهم وسيئاتهم ، أي ازين لهم الدينا ، واشككهم في الآخرة ،
واثبطهم عن الحسنات ،(1)واحبب إليهم السيئات .
وثانيها : أن معنى " من بين أيديهم وعن أيمانهم " من حيث يبصرون ، و " من خلفهم و
عن شمائلهم " من حيث لا يبصرون .
وثالثها : ما روي عن أبي جعفر عليه السلام قال : " ثم لآتينهم من بين أيديهم " معناه : اهون
عليهم أمر الآخرة " ومن خلفهم " آمرهم بجمع الاموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم
" وعن أيمانهم " افسد عليهم أمر دينهم بتزئين الضلالة وتحسين الشبهة " وعن شمائلهم "
بتحبيب اللذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم " ولا تجد أكثرهم شاكرين " إما
أن يكون قال ذلك من جهة الملائكة بإخبار الله إياهم ، وإما عن ظن منه كما قال
سبحانه : " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه "(2)فإنه لما استزل آدم ظن أن ذريته
أيضا سيجيبونه لكونهم أضعف منه " مذء‌وما " أي مذموما ، أو معيبا ، أو مهانا لعينا
" مدحورا " أي مطرودا " لاملان جهنهم منكم " أي منك ومن ذريتك وكفار بني آدم
" أجمعين "(3)
" ولقد خلقنا الانسان " يعني آدم " من صلصال " أي من طين يابس تسمع له عند
النقر صلصلة أي صوت ، وقيل : طين صلب يخالطه الكثيب ، وقيل : منتن " من حمأ " أي


(1)أى أحبسهم وأمنعهم عن الحسنات ، يقال : ثبطه المرض وأثبطه : إذا منعه ولم
يكد يفارقه .
(2)سباء : 20 .
(3)مجمع البيان 4 : 400 - 405 . م(*).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه