فإن قال : فلم لا يجوز أن يكون الامام من غير جنس الرسول عليه السلام ؟ قيل : لعلل :
منها أنه لما كان الامام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه ويتميز
بها من غيره ، وهي القرابة المشهورة ، والوصية الظاهرة ليعرف من غيره ويهتدى
إليه بعينه .
ومنها أنه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسل
إذ جعل أولاد الرسل أتباعا لاولاد أعدائه ، كأبي جهل وابن أبي معيط ، لانه قد يجوز
بزعمه أن ينتقل ذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين ، فيصير أولاد الرسول تابعين ، وأولاد
أعداء الله وأعداء رسوله متبوعين ، وكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره وأحق .
ومنها أن الخلق إذا أقروا للرسول بالرسالة وأذعنوا له بالطاعة لم يتكبر أحد
منهم عن أن يتبع ولده ويطيع ذريته ولم يتعاظم ذلك في أنفس الناس ، وإذا كان في غير
جنس الرسول كان كل واحد منهم في نفسه أنه أولى به من غيره ، ودخلهم من ذلك الكبر ،
ولم تسخ(1)أنفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم ، فكان يكون في ذلك داعية لهم إلى
الفساد والنفاق والاختلاف .
فإن قال : فلم وجب عليهم الاقرار والمعرفة بأن الله تعالى واحد أحد ؟ قيل :
لعلل : منها أنه لو لم يجب عليهم الاقرار والمعرفة لجاز(2)أن يتوهموا مدبرين أو
أكثر من ذلك ، وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره لان كل إنسان منهم
كان لا يدري لعله إنما يعبد غير الذي خلقه ، ويطيع غير الذي أمره ، فلا يكونون
على حقيقة من صانعهم وخالقهم ، ولا يثبت عندهم أمر آمر ولا نهي ناه ، إذ لا يعرف
الآمر بعينه ولا الناهي من غيره .
ومنها أنه لو جاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن يعبد ويطاع
من الآخر ، وفي إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن لا يطاع الله ، وفي أن لا يطاع(3)
(1)في العيون المطبوع ولم تسبح . م
(2)في العلل : لو لم يجب ذلك عليهم لجاز لهم . م
(3)في العيون : وفى اجازة ان لا يطاع الله . م*