بحار الأنوار ج5

في قوله : " ما كانوا يستطيعون السمع " ليست للنفي بل تجري مجرى قولهم : لاواصلنك
ما لاح نجم ، ويكون المعنى : أن العذاب يضاعف لهم في الآخرة ما كانوا يستطيعون السمع
وما كانوا يبصرون ، أي أنهم معذبون ما كانوا أحياء‌ا .
وقال رحمه الله في تأويل قوله تعالى : " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا "(1)قيل : المراد
بنسينا تركنا ، قال قطرب : معنى النسيان ههنا الترك ، كما قال تعالى : " ولقد عهدنا
إلى آدم من قبل فنسى "(2)أي ترك ، ولولا ذلك لم يكن فعله معصية ، وكقوله تعالى :
" نسوا الله فنسيهم "(3)أى تركوا طاعته فتركهم من ثوابه ورحمته ، وقد يقول الرجل
لصاحبه : لا تنسني من عطيتك أي لا تتركني منها ، وقد يمكن في الآية وجه آخر و
هو أن يحمل النسيان على السهو وفقد العلوم ، ويكون وجه الدعاء بذلك ما قد بيناه
فيما تقدم من السؤال على سبيل الانقطاع إلى الله والاستغاثة به وإن كان مأمونا منه
المؤاخذه بمثله ، ويجري مجرى قوله : ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به " وهذا الوجه أيضا
يمكن في قوله : " أو أخطأنا " إذا كان الخطاء ما وقع سهوا أو عن غير عمد ، فأما على ما
يطابق الوجه الاول فقد يجوز أن يريد بالخطاء ما يفعل من المعاصي بالتأويل السيئ ،
وعن جهل بأنها معاص ، لان من قصد شيئا على اعتقاده أنه بصفة فوقع ما هو بخلاف
معتقده يقال : قد أخطأ فكأنه أمرهم بأن يستغفروا مما تركوه متعمدين من غير سهو
ولا تأويل ، ومما أقدموا عليه مخطئين متأولين ، ويمكن أيضا أن يريد بأخطأنا ههنا
أذنبنا وفعلنا قبيحا ، وإن كانوا له متعمدين وبه عالمين ، لان جميع معاصينا لله تعالى
قد يوصف كلها بأنها خطأ من حيث فارقت الصواب ، وإن كان فاعلها متعمدا ، وكأنه
أمرهم بأن يستغفروا مما تركوه من الواجبات ، ومما فعلوه من المقبحات ليشتمل
الكلام على جهتي الذنوب ، والله أعلم بمراده .


(1)البقرة : 286 .(2)طه : 115 .(3)التوبه : 67 . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه