بحار الأنوار ج42

وضل له افق السماء كآبة * كشقة ثوب لونها لون عندم(1)
وناحت عليه الجن إذ فجعت به * حنينا كثكلى نوحها بترنم
وأضحى إليها الجود والنبل مقتما(2)* وكان التقى في قبره المتهدم
وأضحى التقى والخير والحلم والنهى * وبات العلى في قبره المتهدم
يكاد الصفا والمستجار كلاهما * يهدا وبان النقص في ماء زمزم
لفقد علي خير من وطئ الحصى * أخا العالم الهادي النبي المعظم
فالمعنى عند ذلك أن السماوات والارض والملائكة والجن والانس قد
بكت ورثته في تلك الليلة ، وسمعنا في الهواء جلبة عظيمة وتسبيحا وتقديسا ، فعلمنا
أنها أصوات الملائكة ، فلم تزل كذلك حتى بدا الصباح ، فارتفعت الاصوات فخرجنا
وإذا بصائح في الهواء وهو يقول :
يا للرجال لعظم هول مصيبة * قدحت فليس مصابها بالهازل
والشمس كاسفة لفقد إمامنا * خير الخلائق والامام العادل
يا خير من ركب المطي ومن مشى * فوق الثرى من حافي أو ناعل
يا سيدي ولقد هددت قواء‌نا * والحق أصبح خاضعا للباطل
قال محمد بن الحنفية : ثم أخذنا في جهازه ليلا وكان الحسن عليه السلام يغسله و
الحسين عليه السلام يصب الماء عليه ، وكان يحتاج إلى من يقلبه ، بل كان يتقلب
كما يريد الغاسل يمينا وشمالا ، وكانت رائحته أطيب من رائحة المسك والعنبر ،
ثم نادى الحسن عليه السلام باخته زينب وام كلثوم وقال : يا اختاه هلمي بحنوط
جدي رسول الله صلى الله عليه واله ، فبادرت زينب مسرعة حتى أتته به ، قال الراوي : فلما
فتحته فاحت الدار وجميع الكوفة وشوارعها لشدة رائحة ذلك الطيب ، ثم لفوه
بخمسة أثواب كما أمر عليه السلام ثم وضعوه على السرير ، وتقدم الحسن والحسين عليهما السلام


(1)العندم : خشب نبات يصبغ به .
(2)قتم وجهه : تغير واسود . *

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه