بحار الأنوار ج12

على قول المنجمين للافول مزيد اختصاص في كونه موجبا للقدح في الالهية انتهى .(1)
أقول : يمكن إرجاع كلامه عليه السلام إلى الدليل المشهور بين المتكلمين من عدم
الانفكاك عن الحوادث ، والاستدلال به على إمكانها وافتقارها إلى المؤثر ، أو إلى أنها
محل للتغيرات والحوادث ، والواجب تعالى لايكون كذلك ، أو إلى أن الافول والغروب
نقص وهو لا يجوز على الصانع ، أو إلى أن هذه الحركة الدائمة المستمرة تدل على أنها
مسخرة لصانع كما مر في كتاب التوحيد ، والعقل يحكم بأن الصانع مثل هذا الخلق
لا يكون مصنوعا ، أو أن الغيبة والحضور والطلوع والافول من خواص الاجسام ويلزمها
الامكان لوجوه شتى ، ولعل الوجه الثاني والثالث بتوسط ما ذكره الرازي أخيرا أظهر
الوجوه ، وأما ماسواهما فلايخفى بعدها ، ولنقتصر على ذلك فإن بسط القول في تلك البراهين
يوجب الاطناب الذي عزمنا على تركه في هذا الكتاب .
الخامسة . تأويل قوله تعالى : " بل فعله كبيرهم " ويمكن توجيهه بوجوه :
الاول : ما ذكره السيد المرتضى قدس الله روحه وهو أن الخبر مشروط غير
مطلق لانه قال : " إن كانوا ينطقون " ومعلوم أن الاصنام لا تنطق ، وأن النطق
مستحيل عليها ، فما علق بهذا المستحيل من الفعل أيضا مستحيل ، وإنما أراد إبراهيم عليه السلام
بهذا القول تنبيه القوم وتوبيخهم وتعنيفهم بعبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق ولا يقدر أن يخبر
عن نفسه بشئ ، فقال : إن كانت هذه الاصنام تنطق فهي الفاعلة للتكسير ، لان من يجوز
أن ينطق يجوز أن يفعل ، وإذا علم استحالة النطق عليها علم استحالة الفعل ، وعلم باستحالة
الامرين أنه لا يجوز أن تكون آلهة معبودة ، وأن من عبدها ضال مضل ، ولا فرق بين
قوله : إنهم فعلوا ذلك إن كانوا ينطقون وبين قوله : إنهم ما فعلوا ذلك ولا غيره لانهم
لا ينطقون ولا يقدرون ، وأما قوله : " فاسئلوهم " فإنما هو أمر بسؤالهم أيضا على شرط ،
والنطق منهم شرط في الامرين فكأنه قال : إن كانوا ينطقون فاسألوهم فإنه لا يمتنع أن
يكونوا فعلوه ، وهذا يجري مجرى قول أحدنا لغيره : من فعل هذا الفعل ؟ فيقول : زيد
إن كان فعل كذا وكذا ، ويشير إلى فعل يضيفه السائل إلى زيد ، وليس في الحقيقة من
فعله ويكون غرض المسؤول نفي الامرين عن زيد ، وتنبيه السائل على خطائه في إضافة


(1)مفاتيح الغيب 4 : 80 وفيه : للقدح في الهيته . م(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه