أن يكون مقرا بأن الله تعالى عادل حكيم ، أو لا يكون مقرا بذلك ، فإن كان مقرا
بذلك فحينئذ كفاه حكم الله تعالى بمقادير الثواب والعقاب في علمه بأنه عدل و
صواب ، وإن لم يكن مقرا بذلك لم يعرف من رجحان كفة الحسنات على كفة
السيئات أو بالعكس حصول الرجحان ، لاحتمال أنه تعالى أظهر ذلك الرجحان لا على
سبيل العدل والانصاف ، فثبت أن هذا الوزن لا فائدة فيه البتة .
وأجاب الاولون وقالوا : إن جميع المكلفين يعلمون يوم القيامة أنه تعالى
منزه عن الظلم والجور ، والفائدة في وضع ذلك الميزان أن يظهر ذلك الرجحان
لاهل القيامة ، فإن كان ظهور الرجحان في طرف الحسنات ازداد فرحه وسروره
بسبب ظهور فضله وكمال درجته لاهل القيامة ، وإن كان بالضد فيزداد غمه وحزنه
وحرقته وفضيحته في يوم القيامة .
ثم اختلفوا في كيفيتة ذلك الرجحان فبعضهم قال : يظهر هناك نور في رجحان
الحسنات وظلمة في رجحان السيئات ، وآخرون قالوا : بل يظهر رجحان في الكفة .
ثم الاظهر إثبات موازين في يوم القيامة لا ميزان واحد ، والدليل عليه قوله تعالى :
" ونضع الموازين القسط ليوم القيمة " .
وقال في هذه الآية : " فمن ثقلت موازينه " : وعلى هذا فلا يبعد أن يكون لافعال
القلوب ميزان ، ولافعال الجوارح ميزان ، ولما يتعلق بالقول ميزان آخر .
قال الزجاج : إنما جمع الله الموازين ههنا لوجهين : الاول أن العرب قد يوقع
لفظ الجمع على الواحد فيقولون : خرج فلان إلى مكة بالبغال ، والثاني أن المراد
بالموازين ههنا جمع موزون ، والمراد الاعمال الموزونة ، ولقائل أن يقول : هذان
الوجهان يوجبان العدول عن ظاهر اللفظ ، وذلك إنما يصار إليه عند تعذر حمل الكلام
على ظاهره ، ولا مانع ههنا منه فوجب إجراء اللفظ على حقيقته ، فكما لم يمتنع إثبات
ميزان له لسان وكفتان فكذلك لا يمتنع إثبات موازين بهذه الصفة ، فما الموجب
لتركه والمصير إلى التاويل ؟ .
وقال في قوله عزوجل : " فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا " : فيه وجوه : الاول