المخزومي : أنا إلى ذلك ، أفما ترضاني له قرنا حسيبا ومجادلا كفيا ؟ قال أبوجهل
بلى فأتوه بأجمعهم ، فابتدأ عبدالله من أبي امية المخزومي فقال : يا محمد لقد ادعيت
دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا ، زعمت أنك رسول رب العالمين ، وماينبغي لرب
العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله ! بشرا مثلنا ، تأكل كما نأكل ،(1)
وتمشي في الاسواق كما نمشي ، فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا
إلا كثير مال عظيم حال ،(2)له قصور ودور وفساطيط(3)وخيام وعبيد وخدام ، و
رب العالمين فوق هؤلاء كلهم وهم عبيده ، ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك و
نشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ما
أنت يا محمد إلا مسحورا ولست بنبي .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هل بقي من كلامك شئ ؟ قال : بلى لو أراد الله أن يبعث
إلينا رسولا لبعث أجل من فيما بيننا مالا وأحسنه حالا ، فهلا نزل هذا القرآن
الذي تزعم أن الله أنزله عليك وانبعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم : إما
الوليد بن المغيرة بمكة ، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :
هل بقي من كلامك شئ يا عبدالله ؟ فقال : بلى ، لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض
ينبوعا بمكة هذه فإنها ذات أحجار وعرة وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها وتجري
فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون ، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها
وتطعمنا فتفجر الانهار خلالها خلال تلك النخيل والاعناب - تفجيرا ، أو تسقط
السماء كما زعمت علينا كسفا ، فإنك قلت لنا : " وإن يروا كسفا من السماء ساقطا
يقولوا سحاب مركوم " فلعلنا نقول ذلك ، ثم قال : أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ، تأتي
به وبهم وهم لنا مقابلون ، أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا
نطغى ، فإنك قلت لنا : " كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى " ثم قال : أو ترقى
(1)زاد في الاحتجاج : وتشرب كما نشرب .
(2)في المصدرين : كثير المال عظيم الحال .
(3)في التفسير : ودور وبساتين وفساطيط .