لابيك علي بن أبي طالب عليه السلام يوما :(لولا أن تقول فيك طوائف من امتي ما قالت
النصارى في المسيح لقلت فيك قولا لاتمر بملاء إلا أخذوا من تراب قدميك يستشفون
به)وقال علي عليه السلام :(يهلك في اثنان : محب مفرط ، ومبغض مفرط)فالاعتذار منه
أن لايرضى بما يقول فيه المفرط ، ولعمري أن عيسى بن مريم عليهما السلام لوسكت عما قالت
فيه النصارى لعذبه الله ، وقد نعلم مايقال فيك من الزور والبهتان ، وإمساكك عمن
يقول ذلك فيك ورضاك به سخط الديان ، زعم أوغاد الشام وأوباش العراق(1)أنك
حبرالدهر وناموسه ، وحجة المعبود وترجمانه ، وعيبة علمه(2)وميزان قسطه ، و
مصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى فضاء النور ، وإن الله تبارك وتعالى
لايقبل من عامل جهل حقك في الدنيا عملا ، ولا يرفع له يوم القيامة وزنا ، فنسبوك
إلى غير حدك ، وقالوا فيك ماليس فيك ، فقل فإن أول من قال الحق لجدك ،
وأول من صدقه عليه أبوك عليه السلام ، فأنت حري بأن تقتص آثارهما ،(3)وتسلك سبيلهما .
فقال أبوعبدالله عليه السلام : أنا فرع من فروع الزيتونة ، وقنديل من قناديل بيت
النبوة ، وسليل الرسالة ، وأديب السفرة ، وربيب الكرام البررة ، ومصباح من مصابيح
المشكاة التي فيها نورالنور ، وصفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر .
فالتفت المنصور إلى جلسائه فقال : قد أحالني على بحر مواج لايدرك طرفه ، ولايبلغ
عمقه ، تغرق فيه السبحاء ويحار فيه العلماء ، ويضيق بالسامع عرض الفضاء ، هذا
الشجا(4)المعترض في حلوق الخلفاء الذي لايحل قتله ، ولايجوز نفيه ، ولولا ما
تجمعني وإياه من شجرة مباركة طاب أصلها وبسق فرعها(5)وعذب ثمرها بوركت في
(1)الاوغاد جمع الوغد : الضعيف العقل ، الاحمق الدنى . الاوباش : سفلة الناس وأخلاطهم .
(2)الحبر : الزينة والسرور والنعمة . العالم الصالح . رئيس الدين . وفى نسخة : إنك خير
الدهر . الناموس : صاحب السرالمطلع على باطن امرك ، الحاذق . والعيبة : ما تجعل فيه الثياب
كالصندوق .
(3)اقتص أثره : اتبعه . وفى نسخة : فأنت حرى بأن تقفى آثارهما .
(4)الشجا : ما اعترض في الحلق من عظم وغيره .
(5)أى ارتفعت أغصانها .(*)