وثالثها : أنه لما ذكر إنعامه عليهم بالتولية إلى الكعبة ذكر السبب الذي
استحقوا به ذلك الانعام وهو إيمانهم بما حملوه أولا فقال : " وما كان الله ليضيع
إيمانكم " الذي استحققتم به تبليغ محبتكم في التوجه إلى الكعبة(1).
" قد نرى تقلب وجهك " قال المفسرون : كانت الكعبة أحب القبلتين إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال لجبرئيل : وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها
فقال له جبرئيل : إنما أنا عبد مثلك وأنت كريم على ربك فادع ربك وسله ،
ثم ارتفع جبرئيل وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبرئيل
بالذي سأل ربه ، فأنزل الله هذه الآية ، أي قد نرى تقلب وجهك يا محمد في السماء
لانتظار الوحي في أمر القبلة ، وفي سببه وجهان(2): أحدهما أنه كان وعد بتحويل
القبلة عن بيت المقدس ، فكان يفعل ذلك انتظارا وتوقعا للموعود ، والثاني أنه
كان يكره قبلة بيت المقدس ، ويهوى قبلة الكعبة ، وكان لا يسأل الله ذلك ، لانه
لا يجوز للانبياء أن يسألوا الله شيئا من غير أن يؤذن لهم فيه ، لانه يجوز أن
لا تكون فيه مصلحة ، فلا يجابون إلى ذلك ، فيكون ذلك فتنة لقومهم ، واختلف
في سبب إرادته صلى الله عليه وآله تحويل القبلة إلى الكعبة فقيل : لان الكعبة كانت قبلة
أبيه إبراهيم وقبلة آبائه ، وقيل : لان اليهود قالوا : تخالفنا يا محمد في ديننا
وتتبع قبلتنا(3)، وقيل : إن اليهود قالوا ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى
هديناهم ، وقيل : كانت العرب يحبون الكعبة ويعظمونها غاية التعظيم ، فكان في
التوجه إليها استمالة لقلوبهم ليكونوا أحرص على الصلاة إليها ، وكان صلى الله عليه وآله حريصا
على استدعائهم إلى الدين " فلنولينك قبلة ترضاها " أي تحبها محبة الطباع ، لا
أنه كان يسخط القبلة الاولى " وإن الذين اوتوا الكتاب " أي علماء اليهود و
النصارى " ليعلمون أنه الحق من ربهم " أي تحويل القبلة حق مأمور به ، وإنما
(1)مجمع البيان 1 : 255 .
(2)في المصدر : وقيل : في سبب تقليب النبى صلى الله عليه وآله وجهه في السماء قولان .
(3)في المصدر : لان اليهود قالوا : يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قبلتنا .