بحار الأنوار ج58

يقال : سبت شعره إذا حلقه ، وهو يرجع إلى معنى القطع ، والنعال السبتية : التي
لا شعر عليها
قال عنترة :
بطل كان ثيابه في سرحة * يحذي نعال السبت ليس بتوام
ويقال لكل أرض مرتفعة منقطعة مما حولها " سبتاء " وجمعها سباتى . فيكون
المعنى على هذا الجواب : جعلنا نومكم قطعا لاعمالكم وتصرفكم . ومنها : أن يكون
المراد بذلك : إنا جعلنا نومكم سباتا ليس بموت ، لان النائم قد يفقد من علومه وقصوده
وأحواله أشياء كثيرة يفقدها الميت ، فأراد سبحانه أن يمتن علينا بأن جعل نومنا الذي
يضاهي فيه بعض أحوالنا أحوال الميت ليس بموت على الحقيقة ولا يخرج لنا عن الحياة
والادراك ، فجعل التأكيد بذكر المصدر قائما مقام نفي الموت وساد امسد قوله : وجعلنا
نومكم ليس بموت . ويمكن في الآية وجه آخر لم يذكر فيها هوأن السبات ليس هو
كل نوم ، وإنما هو من صفات النوم إذا وقع على بعض الوجوه ، والسبات هو النوم
الممتد الطويل السكون ، ولهذا يقال فيمن وصف بكثرة النوم : إنه مسبوت وبه سبات
ولا يقال ذلك في كل نائم ، وإذا كان الامر على هذا لم يجر قوله تعالى " وجعلنا نومكم
سباتا " مجرى أن يقول : وجعلنا نومكم نوما . والوجه في الامتنان علينا بأن جعل نومنا
ممتدا طويلا ظاهر ، وهو لما في ذلك لنا من المنفعة والراحة ، لان التهويم والنوم
الغرار لا يكسبان شيئا من الراحة ، بل يصحبهما في الاكثر القلق والانزعاج ، والهموم
هي التي تقلل النوم وتنزره ، وفراغ القلب ورخاء البال تكون معهما غزارة النوم
وامتداده ، وهذا واضح .
قال السيد قدس الله روحه : وجدت أبابكر محمد بن القاسم الانباري يطعن على
الجواب الذي ذكرناه أولا ويقول : إن ابن قتيبة أخطأ في اعتماده ، لان الراحة
لا يقال لها : سبات ، ولا يقال : سبت الرجل بمعنى استراح وأراح ، ويعتمد على الجواب
الذي ثنينا بذكره ، ويقول في ما استشهد به ابن قتيبة من قوله " سبتت المرأه شعرها
أن معناه أيضا القطع ، لان ذلك إنما يكون بإزالة الشداد الذي كان مجموعابه

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه