بحار الأنوار ج5

العذاب "(1)ولم يرد أن المذكور يسجد كسجود البشر في الصلاة ، وإنما أراد به غير
ممتنع من فعل الله فهو كالمطيع لله وهو معبر عنه بالساجد ، قال الشاعر :
بجمع تظل البلق في حجراته . ترى الاكم فيها سجدا للحوافر(2)
يريد أن الحوافر تذل الاكم بوطيها عليها
وقوله تعالى : " ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها
قالتا أتينا طائعين "(3)وهو سبحانه لم يخاطب السماء بكلام ; ولا السماء قالت قولا
مسموعا ، وإنما أراد أنه عمد إلى السماء فخلقها ولم يتعذر عليه صنعتها ، فكأنه لما خلقها
قال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها ، فلما تعلقت بقدرته كانتا كالقائل : أتينا طائعين
وكمثل قوله تعالى : " يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد "(4)والله
تعالى يجل عن خطاب النار وهي مما لا يعقل ولا يتكلم ، وإنما الخبر عن سعتها و
أنها لا تضيق بمن يحلها من المعاقبين ، وذلك كله على مذهب أهل اللغة وعادتهم في
المجاز ، ألا ترى إلى قول الشاعر :
وقالت له العينان سمعا وطاعة * وأسبلتا(5)كالدر ما لم يثقب
والعينان لم تقولا قولا مسموعا ، ولكنه أراد منهما البكاء ، فكانت كما أراد
من غير تعذر عليه . ومثله قول عنترة :
فازور من وقع القنا بلبانه * وشكى إلي بعبرة وتحمم(6)


(1)الحج : 18 .
(2)الاكم جمع الاكمة : التل . والحوافر جمع الحافر ، والحافر للدابة بمنزلة القدم للانسان .
(3)حم السجدة : 11 .
(4)ق : 30 .
(5)أسبلت العين الدمع : أرسلت .
(6)الازورار عن الشئ العدول عنه ، والقنا جمع قناة وهى الرمح ، ووقعها وقوعها والضرب
بها ، واللبان بالفتح ما جرى عليه اللبن . منه قدس سره . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه