53 - وقال عليه السلام يوما وقد أحدق الناس به : احذركم الدنيا فانها منزل قلعة
وليست بدار نجعة(1)هانت على ربها فخلط خيرها بشرها ، وحلوها بمرها ، لم يضعها
لاوليائه ، ولا يضنن بها علي أعدائه ، وهي دارممر لا دار مستقر ، والناس فيها
رجلان رجل باع نفسه فأوبقها(2)ورجل ابتاع نفسه فأعتقها ، إن اعذوذب منها جانب
فحلا ، أمر منها جانب فأوبى(3)أولها عناء ، وآخرها فناء ، من استغنى فيها فتن
ومن اقتفر فيها حزن ، من ساعاها فاتته ، ومن قعد عنها أتته ، ومن أبصر فيها بصرته
ومن أبصر إليها أعمته ، فالانسان فيها غرض المنايا ، مع كل جرعة شرق ، ومع
كل اكلة غصص ، لا تنال منها نعمة إلا بفراق اخرى .
54 - وقال يوما في مسجد الكوفة وعنده وجوه الناس : أيها الناس إنا قد أصبحنا
في دهر عنود ، وزمن شديد ، يعد فيه المحسن مسيئا ، ويزداد الظالم فيه عتوا ، لا
للتفع بما علمنا ، ولا نسأل عما جهلنا ، ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا ، والناس
على أربعة أصناف منهم من لا يمنعه الفساد في الارض إلا مهانة نفسه وكلالة حده
ونضيض وفره .
ومنهم المصلت بسيفه ، المعلن بشره(4)والمجلب بخيله ورجله ، قد أهلك نفسه ،
وأوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنب يقوده ، أو منبر يفرعه(5)ولبئس المتجر أن ترى -
عن كونهم كمن سبق من الرفقة إلى بلدة لا يؤذن لهم في دخولها الا بالاجتماع ولحوق
الاخرين أى لابد لكم من ترك هذه الدار ونزول دار القرار والاجتماع .
(1)القلعة - بضم القاف - المال العارية أو مالا يدوم . والنجعة - بالضم - طلب الكلاء
وقوله هانت من المهانة .
(2)أوبقها أى أهلكها وأذلها .
(3)أى يبتلى بالوباء .
(4)القارعة : الداهية . ونض الماء نضيضا : سال قليلا قليلا ، واصلات السيف هو
اعلان الشر والفساد .
(5)الانتهاز : الانتظار . والمقنب : جماعة من الخيل تجتمع للغارة جمع مقانب .
وفرع الجبل : صعده .