بحار الأنوار ج75

شيعتناهم العارفون بالله ، العاملون بأمر الله ، أهل الفضائل ، الناطقون بالصواب
مأكولهم القوت ، وملبسهم الاقتصاد ، ومشيهم التواضع ، بخعوا لله تعالى بطاعته(1)
وخضعوا له بعبادته ، فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم ، واقفين أسماعهم
على العلم بدينهم ، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء ، رضوا
عن الله تعالى بالقضاء ، فلولا الاجال التي كتب الله تعالى لهم لم تستقر أرواحهم
في أبدانهم طرفة عين ، شوقا إلى لقاء‌الله والثواب ، وخوفا من أليم العقاب ، عظم الخالق
في أنفسهم وصغر مادونه في أعينهم ، فهم والجنة كمن رآها فهم على أرائكها متكئون .
وهم والنار كمن رآها فهم فيها معذبون ، صبروا أياما قليلة ، فأعقبتهم راحة
طويلة ، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها ، وطلبتهم فأعجزوها ، أما الليل فصافون
أقدامهم تالون لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا ، يعظون أنفسهم بأمثاله ، ويستشفون
لدائهم بدوائه تارة ، وتارة يفترشون جباههم وأنفسهم وركبهم وأطراف أقدامهم تجري
دموعهم على خدودهم ، يمجدون جبارا عظيما ويجأرون إليه في فكاك أعناقهم ، هذا
ليلهم ، وأما نهارهم فحلماء علماء بررة أتقياء ، براهم خوف باريهم(2)فهم كالقداح
تحسبهم مرضى وقد خولطوا وما هم بذلك ، بل خامرهم من عظمة ربهم ، وشدة
سلطانه ماطاشت له قلوبهم ، وذهلت منه عقولهم ، فإذا اشتاقوا من ذلك بادروا إلى
الله تعالى بالاعمال الزكية ، لا يرضون له بالقليل ، ولا يستكثرون له الجزيل
فهم لانفسهم متهمون ، ومن أعمالهم مشفقون .
يرى لاحدهم قوة في دين ، وحزما في لين(3)وإيمانا في يقين ، وحرصا على


(1)بخع نفسه - بتقديم الباء على الخاء المعجمة المفتوحة - : أنهكها وكاد يهلكها
من غم أو غضب . وبخع - بكسر الخاء - بالحق : أقر وأذعن .
(2)أى نحتهم خوف ربهم ، فانما يخشى الله من عباده العلماء . والقداح جمع القدح
بالكسر فيهما : السهم .
(3)الحزم في اللين أن يكون لبنه حزما وفى موضعه ، لا عن مهانة وذلة .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه