بدل اشتمال من الضمير المستتر في مقطعا ومنهم من قرء " أعضاء " بالنصب على
التميز .
وقوله عليه السلام : " إن الله لا يفعل بالمؤمن " تعليل لهاتين الجملتين ، فانه
تعالى لو أعطى جميع الدنيا المؤمن ، لم يكن ذلك على سبيل الاستدراج ، بل لانه
علم أنه يشكره ويصرفه في مصارف الخير ، ولا يصير ذلك سببا لنقص قدره عند الله
كما فعل ذلك بسليمان عليا السلام ، بخلاف ما إذا فعل ذلك بغير المؤمن ، فانه لاتمام
الحجة عليه ، واستدراجه ، فيصير سببا لشده عذابه .
وكذا إذا قدر للمؤمن تقطيع أعضائه ، فانما هو لمزيد قربه عنده تعالى
ورفعة درجاته في الآخرة ، فينبغي أن يشكره سبحانه في الحالتين ، ويرضى بقضائه
فيهما .
ولما كان الغالب في الدنيا فقر المؤمنين وابتلائهم بأنواع البلاء ، وغنى الكفار
والاشرار والجهال ، رغب الاولين بالصبر ، وحذر الآخرين عن الاغترار بالدنيا
والفخر : بقوله عليه السلام " لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة
ماء " فما أعطاه أعداءه ليس لكرامتهم عنده ، بل لهوانهم عليه ، ولذا لم يعطهم من
الآخرة التي لها عنده قدر منزلة شيئا ، وقد قال تعالى : " ولولا أن يكون الناس
امة واحدة لجعلنا لن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها
يظهرون " .(1)" إنه من كان همه هما واحدا " الهم : القصد والعزم والحزن ، والحاصل
أنه من كان مقصوده أمرا واحدا ، وهو طلب دين الحق ، ورضى الله تعالى وقربه
وطاعته ، ولم يخلطه بالاغراض النفسانية والاهواء الباطلة فان الحق واحد ، و
للباطل شعب كثيرة أو غرضه في العبادات قربه تعالى ورضاه دون الاغراض الدنيوية
" كفاه الله همه " أي أعانه على تحصيل ذلك المقصود ، ونصره على النفس والشيطان
وجنود الجهل ، " ومن كان همه في كل واد " من أودية الضلالة والجهالة " لم
يبال الله بأي واد هلك " أي صرف الله لطفه وتوفيقه عنه ، وتركه مع نفسه و