في مبادي خلق العالم لقدم ذلك العلم فيلزم من التجارب الكثيرة فناء الحيوانات لقلتها
في تلك الازمنة . قوله عليه السلام : ليس بأمشاج أي أشياء مختلطة متمايزة .
أقول : كلامه عليه السلام يدل على أن خواص الادوية وأجناسها ومنافعها ومناسبتها
للامراض إنما وصل إلى الخلق بإخبار الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ولم يصل الخلق
إليها بعقولهم وتجاربهم .
متن : قلت : فأخبرني من أين علم العباد ما وصفت من هذه الادوية التي فيها
المنافع لهم حتى خلطوها وتتبعوا عقاقيرها في هذه البلدان المتفرقة ، وعرفوا مواضعها
ومعادنها في الاماكن المتبائنة ، وما يصلح من عروقها وزنتها من مثاقيلها وقراريطها ،
وما يدخلها من الحجارة ومرار السباع وغير ذلك ؟ قال : قد أعييت عن إجابتك(1)لغموض
مسائلك وإلجائك إياي إلى أمر لا يدرك علمه بالحواس ، ولا بالتشبيه ، والقياس ، ولابد
أن يكون وضع هذه الادوية واضع ، لانها لم تضع هي أنفسها ، ولا اجتمعت حتى
جمعها غيرها بعد معرفته إياها ، فأخبرني كيف علم العباد هذه الادوية التي فيها المنافع
حتى خلطوها وطلبوا عقاقيرها في هذه البلدان المتفرقة ؟ .
قلت : إني ضارب لك مثلا وناصب لك دليلا تعرف به واضع هذه الادوية
والدال على هذه العقاقير المختلفة وباني الجسد وواضع العروق التي ياخذ فيها الدواء
إلى الداء . قال : فإن قلت ذلك لم أجد بدا من الانقياد إلى ذلك . قلت : فأخبرني عن
رجل أنشأ حديقة عظيمة ، وبنى عليها حائطا وثيقا ، ثم غرس فيها الاشجار والاثمار
والرياحين والبقول ، وتعاهد سقيها وتربيتها ، ووقاها ما يضرها ، حتى لا يخفى عليه
موضع كل صنف منها فإذا أدركت أشجارها وأينعت أثمارها(2)واهتزت بقولها
دفعت إليه(3)فسألته أن يطعمك لونا من الثمار والبقول سميته له أتراه كان قادرا على
(1)أى قد اعجزت عن إجابتك .
(2)اينع الثمر : أدرك وطاب وحان قطافه . وفي بعض النسخ : ايقع أثمارها . فهو من أيقع
الغلام : ترعرع وناهز البلوغ .
(3)في نسخة : ذهبت اليه .