بحار الأنوار ج3

فكريا مفضل في أعضاء البدن أجمع وتدبير كل منها للارب ، فاليدان للعلاج ،
والرجلان للسعي ، والعينان للاهتداء ، والفم للاغتذاء ، والمعدة للهضم ، والكبد
للتخليص ،(1)والمنافذ لتنفيذ الفضول ،(2)والاوعية لحملها ، والفرج لاقامة النسل ،
وكذلك جميع الاعضاء إذا تأملتها وأعملت فكرك فيها ونظرك وجدت كل شئ منها قد
قدر لشئ على صواب وحكمة .
قال المفضل : فقلت : يا مولاي إن قوما يزعمون أن هذا من فعل الطبيعة ، فقال :
سلهم عن هذه الطبيعة ، أهي شئ له علم وقدرة على مثل هذه الافعال ، أم ليست كذلك ؟
فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق ؟ فإن هذه صنعته ، وإن
زعموا أنها تفعل هذه الافعال بغير علم ولا عمد وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب و
الحكمة علم أن هذا الفعل للخالق الحكيم ، وأن الذي سموه طبيعة هو سنة في خلقه
الجارية على ما أجراها عليه .
ايضاح : قوله عليه السلام : فما يمنعهم ؟ لعل المراد أنهم إذا قالوا بذلك فقد أثبتوا
الصانع فلم يسمونه بالطبيعة وهي ليست بذات علم وإرادة وقدرة ؟ . قوله عليه السلام : علم
أن هذا الفعل أي ظاهر بطلان هذا الزعم ، والذي صار سببا لذهولهم أن الله تعالى أجرى
عادته بأن يخلق الاشياء بأسبابها فذهبوا إلى استقلال تلك الاسباب في ذلك ، وبعبارة
أخرى أن سنة الله وعادته قد جرت لحكم كثيرة أن تكون الاشياء بحسب بادئ النظر
مستندة إلى غيره تعالى ، ثم يعلم بعد الاعتبار والتفكر أن الكل مستند إلى قدرته و
تأثيره تعالى ، وإنما هذه الاشياء وسائل وشرائط لذلك ، فلذا تحيروا في الصانع
تعالى ، فالضمير المنصوب في قوله : أجراها راجع إلى السنة ، وضمير " عليه " راجع
إلى الموصول .
فكريا مفضل في وصول الغذاء إلى البدن وما فيه من التدبير ، فإن الطعام يصير


(1)التخليص : التصفية والتمييز عن غيره ، وذلك لان الكبد يحيل الكيلوس إلى الخلط ، و
يصفى الاخلاط كل واحد عن الاخر ، وينفذها إلى البدن ، كلها في مجارى مهيأة له .
(2)أى لا خراج الفضول .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه