بحار الأنوار ج96

العبد ، تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل ، مع ما فيه من إخراج الاموال وتعب
الابدان والاشتغال عن الاهل والولد ، وحظر الانفس عن اللذات ، شاخصا في
الحر والبرد ، ثابتا ذلك عليه دائما ، مع الخضوع والاستكانة والتذلل ، مع مافي
ذلك لجميع الخلق من المنافع في شرق الارض وغربها ومن في البر والبحر ممن
بحج وممن لا يحج من بين تاجر وجالب وبائع ومشتر وكاسب ومسكين ومكار
وفقير ، وقضاء حوائج أهل الاطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها مع
ما فيه من التفقه ونقل أخبار الائمة عليهم السلام إلى كل صقع وناحية كما قال الله
عزوجل : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم
إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وليشهدوا منافع لهم (1).
فان قال : فلم أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك ؟ قيل : لان الله عزوجل
وضع الفرائض على أدنى القوم قوة كما قال عزوجل فما استيسر من الهدى (2)
يعني شاة ليسع له القوي والضعيف ، وكذلك ساير الفرايض إنما وضعت على أدنى
القوم قوة ، وكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ، ثم رغب بعد أ هل
القوة بقد ر طاقتهم .
فإن قال : فلم أمروا بالتمتع إلى الحج ، قيل : ذلك تخفيف من ربكم
ورحمة لان يسلم الناس من إحرامهم ولا يطول ذلك عليهم ، فيدخل عليهم الفساد
ولان يكون الحج والعمرة واجبين جميعا فلا تعطل العمرة ولا تبطل ، ولان يكون
الحج مفردا من العمرة ويكون بينهما فصل وتميز .
وقال النبي صلى الله عليه واله : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، ولو لا أنه صلى الله عليه واله
كان ساق الهدي ولم يكن له أن يحل حتى يبلغ الهدي محله لفعل كما أمر الناس
ولذلك قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتهم ولكني سقت
الهدي وليس لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله ، فقام إليه رجل فقال :


(1)سورة التوبة ، الاية : 122 .
(2)سورة البقرة ، الاية : 196 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه