بحار الأنوار ج14

فقالت : أتأذن لي يابني أن أتخذ لك قطعتي لبود تواريان أضراسك وتنشفان دموعك ؟ فقال
لها : شأنك ، فاتخذت له قطعتي لبود تواريان أضراسه وتنشفان دموعه حتى ابتلتا من دموع
عينيه(1)فحسر عن ذراعيه ، ثم أخذهما فعصرهما فتحدر الدموع من بين أصابعه ، فنظر
زكريا عليه السلام إلى ابنه وإلى دموع عينيه فرفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم إن هذا
ابني وهذه دموع عينيه وأنت أرحم الراحمين .
وكان زكريا عليه السلام إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يمينا وشمالا فإن رأى
يحيى عليه السلام لم يذكر جنة ولا نارا ، فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل وأقبل يحيى قد
لف رأسه بعباء‌ة فجلس في غمار الناس(2)والتفت زكريا عليه السلام يمينا وشمالا فلم ير يحيى
فأنشأ يقول : حدثني حبيبي جبرئيل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى أن في جهنم جبلا يقال له
السكران ، في أصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان لغضب الرحمن تبارك وتعالى ، في ذلك
الوادي جب قامته مائة عام ، في ذلك الجب توابيت من نار ، في تلك التوابيت صناديق من
نار ، وثياب من نار ، وسلاسل من نار ، وأغلال من نار ، فرفع يحيى عليه السلام رأسه فقال :
واغفلتاه من السكران ، ثم أقبل هائما على وجهه ،(3)فقام زكريا عليه السلام من مجلسه فدخل
على أم يحيى فقال لها : يا أم يحيى قومي فاطلبي يحيى فإني قد تخوفت أن لانراه إلا
وقد ذاق الموت ، فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل فقالوا لها : ياأم
يحيى أين تريدين ؟ قالت : أريد أن أطلب ولدي يحيى ، ذكرت النار بين يديه فهام على
وجهه ، فمضت أم يحيى والفتية معها حتى مرت براعي غنم فقالت له : يا راعي هل رأيت شابا
من صفته كذا وكذا ؟ فقال لها : لعلك تطلبين يحيى بن زكريا ؟ قالت : نعم ذاك ولدي ،
ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه ، قال : إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا ،
ناقعا قدميه(4)في الماء ، رافعا بصره إلى السماء يقول : " وعزتك مولاي لاذقت بارد الشراب


(1)هكذا في النسخ ، وفي المصدر : فبكى حتى ابتلتا من دموع عينيه .
(2)اي في جماعتهم ولفيفهم .
(3)هام على وجهه : ذهب لايدري أين يتوجه .
(4)من نقع الدواء في الماء : اقره فيه .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه