بحار الأنوار ج63

الحاجة ، وبقدر المنفعة وهذا مما لا يتأتى إلا بتقدير الفاعل الحكيم .
الثاني أنه تعالى أودع في الكبد قوة تجذب الاجزاء اللطيفة الحاصلة في ذلك
المأكول والمشروب ولا تجذب الاجزاء الكثيفة ، وخلق في الامعاء قوة تجذب تلك
الاجزاء الكثيفة التي هي الثفل ، ولا تجذب الاجزاء اللطيفة البتة ، ولو كان الامر
بالعكس ، لاختلت مصلحة البدن ، ولفسد نظام هذا التركيب .
الثالث أنه تعالى أودع في الكبد قوة هاضمة طابخة حتى أن تلك الاجزاء اللطيفة
لتنطبخ في الكبد وتنقلب دما ثم إنه تعالى أودع في المرارة قوة جاذبة للصفراء ، وفي
الطحال قوة جاذبة للسوداء ، وفي الكلية قوة جاذبة لزيادة المائية حتى يبقى الدم
الصافي الموافق لتغذية البدن وتخصيص كل واحد من هذه الاعضاء بتلك القوة الحاصلة
لا يمكن إلا بتدبير الحكيم العليم .
الرابع أن في الوقت الذي يكون الجنين في رحم الام ، ينصب من ذلك نصيب
وافر إليه حتى يصير مادة لنمو أعضاء ذلك الولد ، وازدياده ، فاذا انفصل الجنين
عن الرحم ينصب ذلك النصيب إلى جانب الثدي ليتولد منه اللبن الذي يكون غذاء
له ، فاذا كبر لا ينصب ذلك النصيب لا إلى الرحم ولا إلى الثدي ، بل ينصب إلى
جميع بدن المغتذي ، فانصباب ذلك الدم في كل وقت إلى عضو آخر انصبابا موافقا
للمصلحة والحكمة ، لا يتأتى إلا بتدبير الفاعل المختار الحكيم .
الخامس أن عند تولد اللبن في الضرع ، أحدث تعالى في حملة الثدي ثقبا صغيرة
ومساما ضيقة ، وجعلها بحيث إذا اتصل المص والحلب بتلك الحلمة ، انفصل اللبن
عنها في تلك المسام الضيقة ، لما كانت تلك المسام ضيقة جدا فحينئذ لا يخرج منها
إلا ماكان في غاية الصفاء واللطافة ، وأما الاجزاء الكثيفة ، فانها لا يمكنها الخروج
من تلك المنافذ الضيقة فيبقى في الداخل ، فما الحكمة في إحداث تلك الثقب الصغيرة
والمنافذ الضيقة في رأس حلمة الثدي إلا أن تكون كالمصفاة ، فكل ماكان لطيفا خرج
وكل ماكان كثيفا احتبس في الداخل ، ولم يخرج ، فبهذا الطريق يصير ذلك اللبن

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه