بحار الأنوار ج58

البنية أو جسما خارجا عنها . أماالقائلون بأن الانسان عبارة عن هذه البنية المحسوسة
وهذا الهيكل المجسم المحسوس ، فإذا أبطلنا كون الانسان عبارة عن هذا الجسم وأبطلنا
كون الانسان محسوسا فقد بطل كلامهم بالكلية .
والذي يدل على أنه لا يمكن أن يكون الانسان عبارة عن هذا الجسم وجوه :
الاول : أن العلم البديهى حاصل بأن أجزاء هذه الجثة متبدلة بالزيادة
والنقصان تارة بحسب النمو والذبول ، وتارة بحسب السمن والهزال ، والعلم الضرورى
حاصل بأن المتبدل المتغير مغائر للثابت الباقي ، ويحصل من مجموع هذه المقدمات
الثلاث العلم القطعى بأنه ليس عبارة عن مجموع هذه الجثة .
الثانى : أن الانسان حال ما يكون مشتغل الفكر متوجه الهمة نحو أمر
مخصوص ، فإنه في تلك الحالة غير غافل عن نفسه المعينة ، بدليل أنه في تلك الحالة
قد يقول : غضبت واشتهيت وسمعت كلامك وأبصرت وجهك ، و " تاء " الضمير كناية
عن نفسه المخصوصة ، فهو في تلك الحالة عالم بنفسه المخصوصة ، وغافل عن جملة
بدنه وعن كل واحد من أعضائه وأبعاضه .
الثالث : أن كل أحد يحكم بصريح عقله بإضافة كل واحد من هذه الاعضاء
إلى نفسه ، فيقول : رأسي ، وعيني ، ويدي ، ورجلي ، ولساني ، وقلبي ، وبدني .
والمضاف غير المضاف إليه ، فوجب أن يكون الشئ الذي هو الانسان مغائرا لجملة هذا
البدن ولكل واحد من هذه الاعضاء ، فان قالوا : فقد يقول : نفسي وذاتي ، فيضيف
النفس والذات إلى نفسه ، فيلزم أن نفس الشئ وذاته مغائرة لنفسه وذاته وذلك
محال قلنا : قد يراد بنفس الشئ وذاته هذا البدن المخصوص ، وقد يراد بنفس الشئ
وذاته الحقيقة المخصوصة التي إليها يشير كل احد بقوله " أنا " فإذا قال : نفسي و
ذاتي ، كان المراد منه البدن ، وعندنا أنه مغائر لجوهر الانسان .
الرابع : أن كل دليل يدل على أن الانسان يمتنع أن يكون جسما فهو
أيضا يدل على أنه يمتنع أن يكون عبارة عن هذا الجسم ، وسيأتي تقرير تلك الدلائل .
الخامس : أن الانسان قد يكون حيا حال ما يكون البدن ميتا ، فوجب

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه