بحار الأنوار ج17

وكان غرضه صلى الله عليه وآله منه التلطف وإدخالهم في الاسلام ، ولعله صلى الله عليه وآله كان يقول : هؤلاء الفقراء
لا يفوتهم بسبب هذه أمرهم في الدنيا وفي الدين ، وهؤلاء الكفار فإنهم يفوتهم الدين
والاسلام ، وكان ترجيح هذا الجانب أولى ، فأقصى ما يقال : إن هذا الاجتهاد وقع خطأ إلا
أن الخطاء في الاجتهاد مغفور .
وأما قوله ثانيا : إن طردهم يوجب كونه صلى الله عليه وآله من الظالمين فجوابه أن الظلم
عبارة عن وضع الشئ في غير موضعه ، والمعني أن اولئك الفقراء كانوا يستحقون التعظيم
من الرسول صلى الله عليه وآله ، فإذا طردهم عن ذلك المجلس فكان ذلك ظلما إلا أنه من باب ترك الاولى
والافضل ، لا من باب ترك الواجبات ، وكذا الجواب عن سائر الوجوه ، فإنا نحمل كل
هذه الوجوه على ترك الافضل والاكمل والاولى والاحرى انتهى كلامه(1).
وأقول : جملة القول في تلك الآية أنها لا تدل على وقوع الطرد عنه صلى الله عليه وآله ، ولعله
صلى الله عليه وآله بعد ما ذكروا ذلك انتظر الوحي فنهاه الله تعالى عن ذلك ، والاخبار
الدالة على ذلك غير ثابتة فلا يحكم بها مع معارضة الادلة العقلية والنقلية الدالة على
عصمته صلى الله عليه وآله ، وقد تقدم بعضها في باب عصمة الانبياء عليهم السلام ، ولو سلم أنه وقع منه ما ذكروه
فلعله كان مأذونا في إيقاع كل ما يراه موجبا لهداية الخلق وترغيبهم في الاسلام ، ولما أظهروا
أنهم يسلمون عند وقوع المناوبة فعله صلى الله عليه وآله رغبة في إسلامهم ، ولما علم الله أنهم لا يسلمون
بذلك وإنما غرضهم في ذلك الاضرار بالمسلمين نهاه الله تعالى عن ذلك ، فصار بعد النهي
حراما ، وإنما بين تعالى أنه لو ارتكب ذلك بعد النهي يكون من الظالمين لا قبله ، وإنما
أكد ذلك لقطع إطماع الكفار عن مثل ذلك ، ولبيان الاعتناء بشأن فقراء المؤمنين ، وأما
قول نوح عليه السلام : " ما أنا بطارد المؤمنين " فلعل المراد الطرد بالكلية ، أو على غير جهة
المصلحة ، ومن غير وعد لاسلام الكافرين معلقا عليه ، أو يقال : إنه عليه السلام لعله نهاء الله عن
ذلك ، ولما لم ينه النبي صلى الله عليه وآله بعد كان يجوز له ذلك ، وأما قوله تعالى : " فبهداهم اقتده "
فليس المراد الاقتداء في جميع الامور لاختلاف الشرائع ، بل المراد الاقتداء بهم في الامور التي


(1)مفاتيح الغيب 4 : 71 و 72 .*

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه