بيان : يحتمل تلك الاخبار وجوها :
الاول : أن يكون عليه السلام أحال معنى الواحد على ما هو المعروف بين الناس وأعرض
عنه ، واستدل عليه بماجبل عليه جميع العقول من الاذعان بتوحيده .
الثاني : أن يكون المراد به أن معنى الواحد هو الذي أقربه كل ذي عقل إذا
صرف عنه الاغراض النفسانية .
الثالث : أن يكون هذا اللفظ بحسب الشرع موضوعا لهذا المعنى مأخوذا فيه
إجماع الالسن .(1)
ثم الظاهر أن يكون الآية احتجاجا على مشركي قريش حيث كانوا يقرون
بأن الخالق لجميع المخلوقات هو الله تعالى ، ومع ذلك كانوا يعبدون الاصنام ويقولون :
هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، ويحتمل أن يكون المراد أن غرائز الخلق كلها مجبولة على
الاذعان بتوحيده فإذا رجعوا إلى أنفسهم وتركوا العصبية والعناد يرون أنفسهم مذعنة
بذلك ، وينبه على ذلك أنهم عند اضطرارهم في المهالك والمخاوف لا يلجؤون إلا إليه
كما نبه تعالى عليه في مواضع من القرآن المجيد ، والاول أظهرفإن للتوحيد ثلاثة
معان : الاول توحيد واجب الوجود ، والثاني توحيد صانع العالم ومدبر النظام ، و
الثالث توحيد الاله وهو المستحق للعبادة ، وكان مشركوا القريش مخالفين في المعنى
الثالث .
5 - ج : عن هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق الصادق عليهم السلام عن قول من زعم
أن الله لم يزل معه طينة موذية فلم يستطع التفصي(2)منها إلا بامتزاجه بها ودخوله فيها
فمن تلك الطينة خلق الاشياء . قال : سبحان الله وتعالى ما أعجز إلها يوصف بالقدرة لا
يستطيع التفصي من الطينة ! إن كانت الطينة حية أزلية فكانا إلهين قديمين فامتزجا
(1)اما المعنيان الاولان فهما بحسب الدقة واحد وهو الذى جبل عليه العقول ولا تأثير للشهرة
العرفية في هذه المعانى ، واما الثالث فاحتمال فاسد من اصله لا يحمل عليه الاخبار اذ لا معنى لدعوة
القرآن إلى الحقيقة الشرعية من غير بيان ولا إشارة إلغازا وتعمية . ظ
(2)التفصى : التخلص .