بحار الأنوار ج17

الله تعالى البشر عن معارضته ، أو بأنه هو كون اسلوبه مخالفا لاساليب الكلام ، أو بأنه
هو كونه مبرء‌ا عن التناقض ، أو بكونه مشتملا على الاخبار بالغيوب وبما ينخرط في
سلك هذا الآراء فقد كذب ابن اخت خالته ، فإنا نقطع أن الاستغراب من سماع القرآن ،
إنما هو من اسلوبه ونظمه المؤثر في القلوب تاثيرا لا يمكن إنكاره لمن كان له قلب أو ألقى
السمع وهو شهيد ، ثم إنه قد اجتمع في القرآن وجوه كثيرة تقتضي نقصان الفصاحة ، ومع
ذلك فإنه قد بلغ في الفصاحة النهاية ، فدل ذلك على كونه معجزا .
منها : أن فصاحة العرب أكثرها في وصف المشاهدات كبعير أو فرس أو جارية ،
أو ملك أو ضربة أو طعنة أو وصف حرب ، وليس في القرآن من هذه الاشياء مقدار كثير .
ومنها : أنه تعالى راعى طريق الصدق ، وتبرأ عن الكذب ، وقد قيل : إن أحسن
الشعر أكذبه ، ولهذا فإن لبيد بن ربيعة وحسان ابن ثابت لما أسلما وتركا سلوك سبيل
الكذب والتخييل رك شعرهما .
ومنها : أن الكلام الفصيح والشعر الفصيح إنما يتفق في بيت أو بيتين من قصيدة ،
والقرآن كله فصيح بكل جزء منه .
ومنها : أن الشاعر الفصيح إذا كرر كلامه لم يكن الثاني في الفصاحة بمنزلة الاول
وكل مكرر في القرآن فهو في نهاية الفصاحة ، وغاية الملاحة .
أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره * هو المسك ما كررته يتضوع(1).
ومنها : أنه اقتصر على إيجاب العبادات ، وتحريم المنكرات ، والحث على مكارم
الاخلاق ، والزهد في الدنيا ، والاقبال على الآخرة ، ولا يخفى ضيق عطن البلاغة في هذه
المواد .
ومنها : أنهم قالوا : إن شعر امرئ القيس يحسن في وصف النساء وصفة الخيل ،
وشعر النابغة عند الحرب ، وشعر الاعشى عند الطرب ووصف الخمر ، وشعر زهير عند
الرغبة والرجاء ، والقرآن جاء فصيحا في كل فن من فنون الكلام .
ومنها : أن القرآن أصل العلوم كلها ، كعلم الكلام ، وعلم الاصول ، وعلم الفقه


(1)تضوع ، اى انتشرت رائحته .*

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه