بحار الأنوار ج57

بسبب أنه كان يعرف ذلك ضرورة فيزداد يقينا وتعظيما . وأما المعتزلة فقالوا : لوحصل
الكلام في الجبل لحصل إما بفعله أو بفعل الله تعالى فيه ، والاول محال لان بنية
الجبل لاتحتمل الحياة والعلم والقدرة ، ومالا يكون حيا عالما قادرا يستحيل منه
الفعل ، والثاني أيضا محال ، لان المتكلم عندهم من كان فاعلا للكلام لامن كان محلا
له ، فلو كان فاعل ذلك الكلام هو الله تعالى لكان المتكلم هو الله لا الجبل ، فجعلوا
التسبيح من السباحة وبناء التفعيل للتكثير مثل قوله " يا جبال أو بي معه " والحاصل :
سيري معه .
واعلم أن مدار هذا القول على أن بنية الجبل لاتقبل الحياة ، وهذا ممنوع ، و
على أن التكلم من فعل الله وهو أيضا ممنوع . وأما الطير فلا امتناع في أن يصدر عنها
الكلام ولكن اجتمعت الامة على أن المكلفين إما الجن(1)والانس أو الملائكة
فيمتنع فيهاأن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل يكون حاله كحال الطفل في أن
يؤمر وينهى وإن لم يكن مكلفا ، فصار ذلك معجزة من حيث جعلها في الفهم بمنزلة
المراهق . وأيضا دلالته على قدرة الله وعلى تنزيهه مما لا يجوز فيكون القول فيه كالقول
في الجبال - انتهى -(2).
" وعملناه صنعة لبوس لكم " أي علمناه كيف يصنع الدروع . قال قتادة : أول
من صنع الدروع داود وإنما كانت صفائح ، جعل الله سبحانه الحديد في يده كالعجين
فهو أول من سردها وحلقها فجمعت الخفة والتحصين . " ولسليمان " أي سخرنا له
" الريح عاصفة " أي شديدة الهبوب . " ألم تر أن الله يسجد له " لعل المراد بالسجود
غاية الخضوع والانقياد الممكن من الشئ ، ففي الجمادات والعجم من الحيوانات
يحصل منهم غاية الانقياد الذي يتأتى منهم ، وكذا الملائكة وصالحوا المؤمنين . وأما
الكفار والفجار فلما لم يتأت منهم غاية الانقياد أخرجهم وقال " وكثير من الناس "
لانهم وإن كانوا في الاوامر التكوينية منقادين فليسوا في الاوامر التكليفية كذلك


(1)في المصدر : أو .
(2)مفاتيح الغيب : ج 22 ، ص 200 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه