بحار الأنوار ج57

بتخصيص مخصص ، وبتقدير مقدر . وقال أبوبكر الاصم : المد البسط إلى ما يدرك
منتهاه ، أي جعل حجمها عظيما وإلا لما كمل الانتفاع بها . وقال قوم : كانت الارض
مدورة فمدها ودحاها من مكة من تحت البيت فذهبت كذا وكذا . وهذا إنما يتم إذا
كانت الارض مسطحة لاكرة ، وهو خلاف ماثبت بالدليل . ومد الارض لاينا في كونها
كرة ، ولان الكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح(1).
" وجعل فيها رواسي " أي جبالا ثابتة باقية في أحيازها غير منتقلة عن أمكنتها .
والاستدلال بها على وجود الصانع القادر الحكيم من وجوه : الاول أن طبيعة الارض
طبيعة واحدة ، فحصول الجبل في بعض جوانبها دون البعض لابد وأن يكون بتخليق
القادر الحكيم . قال(2)الفلاسفة : هذه الجبال إنما تولدت لان البحار كانت في هذا
الجانب من العالم فكان يتولد من البحر طين لزج . ثم يقوى تأثير الشمس فيها فينقلب
حجرا كما نشاهد في كوز الفقاع . ثم إن الماء كان يغور ويقل فيتحجر البقية ، فلهذا
السبب تولدت هذه الجبال . قالوا : وإنما كانت البحار حاصلة في هذا الجانب من
العالم لان أوج الشمس وحضيضها متحركان ، ففي الدهر الاقدم كان حضيض الشمس
في جانب الشمال ، والشمس متى كانت في حضيضها كانت أقرب إلى الارض فكان التسخين
أقوى ، وشدة السخونة توجب انجذاب الرطوبات ، فحين كان الحضيض في جانب الشمال
كانت البحار في جانب الشمال ، والان لما انتقل الاوج إلى جانب الشمال والحضيض
إلى جانب الجنوب انتقلت البحار إلى جانب الجنوب ، فبقيت هذه الجبال في الشمال
هذا حاصل كلام القوم في هذا الباب وهو ضعيف من وجوه :
الاول : أن حصول الطين في البحرأمر عام ، فلم حصل الجبل في بعض الجوانب
دون بعض(3)؟ .
الثانى : هوأنا نشاهد في بعض الجبال كأن تلك الاحجار موضوعة سافا(4).


(1)مفاتيح الغيب : ج 19 ، ص 2(ملخصا).
(2)في المصدر : قالت .
(3)في المصدر : البعض .
(4)الساف والسافة - بالفاء : الصف من الطين واللبن .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه