فلم يبق في مكة أحد إلا وسمع حديثه وتقرب إلى الله بلعنته ، وكل يقول :
حسبك ماجنيت يالعين ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
وقال : حكي عن رجل كوفي حدادقال : لماخرج العسكر من الكوفة
لحرب الحسين بن علي جمعت حديدا عندي وأخذت آلتي وسرت معهم فلما وصلوا
وطنبوا خيمهم ، بنيت خيمة وصرت أعمل أوتادا للخيم ، وسككا ومرابط للخيل
وأسنة للرماح ، ومااعوج من سنان أوخنجر أوسيف كنت بكل ذلك بصيرا ، فصار
رزقي كثيرا ، وشاع ذكري بينهم حتى أتى الحسين مع عسكره فارتحلنا إلى كربلا
وخيمنا على شاطئ العلقمي وقام القتال فيما بينهم ، وحموا الماء عليه ، وقتلوه
وأنصاره وبنيه ، وكان مدة إقامتنا وارتحالنا تسعة عشريوما فرجعت غنيا إلى منزلي
والسبايا معنا ، فعرضت على عبيدالله فأمر أن يشهروهم إلى يزيد إلى الشام
فلبثت في منزلي أياما قلائل ، وإذا أناذات ليلة راقد على فراشي فرأيت
طيفا كأن القيامة قامت ، والناس يموجون على الارض كالجراد إذا فقدت دليلها
وكلهم دالع لسانه على صدره من شدة الظماء ، وأنا أعتقد بأن مافيهم أعظم مني
عطشا لانه كل سمعي وبصري من شدته هذاغير حرارة الشمس يغلي منها دماغي
والارض تغلي كأنها القير ، إذا اشعل تحته نار ، فخلت أن رجلي قد تقلعت قدماها
فوالله العظيم لوأني خيرت بين عطشي وتقطيع لحمي حتى يسيل دمي لاشربه لرأيت
شربه خيرا من عطشي
فبينا أنا في العذاب الاليم ، والبلاء العميم ، إذا أنا برجل قد عم الموقف
نوره ، وابتهج الكون بسروره ، راكب على فرس ، وهوذوشيبة قدحفت به الوف
من كل نبي ووصي وصديق وشهيد وصالح ، فمركأنه ريح أو سيران فلك
فمرت ساعة وإذا أنا بفارس على جواد أعز ، له وجه كتمام القمر ، تحت ركابه الوف
إن أمر ائتمروا ، وإن زجرانزجروا ، فاقشعرت الاجسام من لفتاته ، وارتعدت
الفرائص من خطراته ، فتأسفت على الاول ماسألت عنه خيفة من هذا ، وإذا به
قدقام في ركابه وأشار إلى أصحابه ، وسمعت قوله خذوه وإذا بأحدهم قاهر بعضدي