بحار الأنوار ج62

تفسير :(الذي جعل لكم الارض فراشا)يدل على جواز الانتفاع بالارض
على أي وجه كان من السكنى والزراعة والعمارة وحفر الانهار وإجراء القنوات و
غيرها من وجوه الانتفاعات إلا ماأخرجه الدليل .
وقوله :(رزقا لكم)(1)يدل على حلية جميع الثمرات وبيعها وسائر الانتفاعات
(ولكم)صفة(رزقا)إن اريد به المرزوق ، ومفعول له إن اريد به المصدر ، كأنه
قال : رزقه إياكم ، ويدل تتمة الآية على وجوب شكر المنعم(هو الذي خلق لكم
ما في الارض جميعا)امتن سبحانه على عباده بخلق جميع ما في الارض لهم ، وهذا يدل
على صحة انتفاعهم بكل ما فيها من وجوه المصالح إذا خلا عن المفسدة ، ومنه يستدل
على أن الاصل في الاشياء الاباحة إذهي مباحة لمن خلقت له ، وقيل : الامتنان بخلق
الجميع يقتضي حل الجميع ، وأن لكل شئ منها فائدة ونفعا ، وما يقال : من أن
ما لانفع به كالسم والعقرب وبعض الحشرات خارج عن ذلك ففيه نظر ، وإن عدم الوجدان
لايدل على عدم الوجود ، ووجود ضرر في شئ لايدل على انتفاء النفع فيه ، ألاترى
أن المأكولات الطيبة تضر المريض غاية المضرة ؟ ومن تأمل في حكمته تعالى لم
يتجاسر بمثل هذا المقال ، فعل المراد أن ليس في الخلق ماهو ضرر محض خال عن
النفع ، بل إنما فيه من جهة ضررا ، وجهة خلا من ذلك الوجه من المنفعة لا يقع به
امتنان من تلك الجهة بل الامتنان من جهة النفع مع الخلو عن الضرر و(الطيب)
في بعض الآيات إشارة إلى ذلك كما فسره الطبرسي أن المراد الطاهر من كل شبهة
خبث وضرر والله أعلم انتهى .
وقال البيضاوي : معنى(لكم)لاجلكم وانتفاعكم في دنياكم باستنفاعكم بها
في مصالح أبدانكم بوسط أو غير وسط ، أودينكم بالاستدلال والاعتبار والتعرف
بما يلائمها من لذات الآخرة وآلامها ، فهو يقتضي إباحة الاشياء النافعة ، ولا يمنع
اختصاص بعضها ببعض لاسباب عارضة ، فانه يدل على أن الكل للكل ، لا أن كل


(1)قوله :(جعل لكم)و(رزقالكم)وأمثالهما تدل على أن ما في الارض يعم كل فرد من
الانسان وانهم مشتركون فيه بالسوية على الاصل ، الا ما اخرج بالدليل .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه