بحار الأنوار ج57

دافعة للماته ووسوسته وخطراته ، ولوكانت المحنة بالملعون واقعة بالملائكة ، والابتلاء
به قائما كما قام في البشر ، ودائما كما دام ، لكثرت من الملائكة المعاصي ، وقلت فيهم
الطاعات ، إذاتمت فيهم الالات ، فقد رأينا المبتلى من صفوف(1)الملائكة بالامرو
الزجر منع آلات الشهوات كيف انخدع بحيث دنا من طاعته ، وكيف بعد مما لم يبعد
منه الانبياء والحجج الذين اختارهم الله على علم على العالمين ، إذ ليست هفوات البشر
كهفوة إبليس في الاستكبار ، وفعل هاروت وماروت في ارتكاب المزجور .
قال مفضلوا الملائكة : إن الله جل جلاله وضع الخضوع والخشوع والتضرع
والخنوع حلية ، فجعل مداها وغايتها آدم عليه السلام ففازت الملائكة في هذه الحلية وأخذوا
منها بنصيب الفضل والسبق ، فجعل للطاعة فأطاعوا الله فيه ، ولوكان هناك بتو آدم لما
أطاعوه فيما أمر وزجر كمالم يطعه قابيل ، فصار إمام كل قاتل .
جواب مفضلي الانبياء والحجج عليهم السلام ، قالوا : إن ابتلاء الذي ابتلى به الله
عزوجل الملائكة من الخشوع والخضوع لادم عن غير شيطان مغو وعدو مطغي ، فاصل
بغوايته بين الطائعين والعاصين ، والمقيمين على الاستقامة عن الميل ، وعن غير آلات
المعاصي التي هي الشهوات المركبات في عباده المبتلين ، وقد ابتلى من الملائكة من ابتلى
فلم يعتصم بعصمة الله الوثقى ، بل استرسل للخادع الذي كان أضعف منها . وقدروينا
عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : إن في الملائكة من باقة بقل خيرمنه ، والانبياء
والحجج يعلمون ذلك لهم وفيهم ما جهلناه ، وقد أقر مفضلوا الملائكة بالتفاضل
بينهم كما أقر بالتفاضل بين ذوي الفضل من البشر . ومن قال : إن الملائكة جنس من
خلق الله عزوجل تقل فيهم العصاة كهاروت وماروت وكإبليس اللعين ، إذا لابتلاء فيهم
قل(2)فليس ذلك بموجب أن يكون فاضلهم أفضل من فاضل البشر الذين جعل الله
عزوجل الملائكة خدمهم إذا صاروا إلى دار المقامة التي ليس فيها حزن ولا هم ولا نصب
ولاسقم ولافقر .


(1)في المصدر : صنوف .
(2)في المصدر : قليل .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه