والجواب أن التقي إذا تعوذ بالرحمن منه ارتدع عما يسخط الله ، ففي ذلك
تخويف وترهيب له ، وهذا كما تقول : إن كنت مؤمنا فلا تظلمني ، فالمعنى : إن كنت
تقيا فاتعظ واخرج .
وروي عن علي عليه السلام أنه قال : " علمت أن التقى(1)ينهاه عن المعصية " وقيل : إن
معنى قوله(2): " إن كنت تقيا " ما كنت تقيا حيث استحللت النظر إلي وخلوت بي ،
فلما سمع جبرئيل منه هذا القول قال لها : " إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا "
أي ولدا طاهرا من الادناس ، وقيل : ناميا في أفعال الخير ، وقيل : يريد نبيا ، عن ابن
عباس " قالت " مريم " أنى يكون لي غلام " أي كيف يكون لي ولد " ولم يمسسني بشر "
على وجه الزوجية " ولم أك بغيا " أي ولم أكن زانية ، وإنما قالت ذلك لان الولد في
العادة يكون من إحدى هاتين الجهتين ، والمعنى أني لست بذات زوج وغير ذات الزوج
لاتلد إلا عن فجور ولست فاجرة ، وإنما يقال للفاجرة بغي بمعنى أنها تبغي الزنا ،
أي تطلبه .
وفي هذه الآية دلالة على جواز إظهار الكرامات(3)على غير الانبياء عليهم السلام لان
من المعلوم أن مريم ليست بنبية ، وأن رؤية الملك على صورة البشر وبشارة الملك إياها
وولادتها من غير وطء إلى غيرها من الآيات التي أبانها الله بها من أكبر المعجزات ، ومن
لم يجوز إظهار المعجزات على غير النبي اختلفت أقوالهم في ذلك : فقال الجبائي وابنه :
إنها معجزات لزكريا ، وقال البلخي : إنها معجزات لعيسى على سبيل الارهاص و
التأسيس لنبوته " قال كذلك " أي قال لها جبرئيل حين سمع تعجبها من هذه البشارة :
الامر كذلك ، أي كما وصفت لك " قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس " معناه
ولنجعله علامة ظاهرة وآية باهرة للناس على نبوته ودلالة على براءة أمه " ورحمة منا "
أي ولنجعله نعمة منا على الخلق يهتدون بسنته(4)" وكان أمرا مقضيا " أي وكان خلق
(1)في المصدر : علمت أن التقي ينهاه التقى عن المعصية .
(2)في نسخة : معنى قولها .
(3)في المصدر : إظهار المعجزات .
(4)" " : يهتدون بسببه .