بحار الأنوار ج75

وخليتم بين لحمي وسباع الطير وحشرات الارض فأكلت مني النملة فما فوقها
من الهوام وصار جسدي دودا وجيفة قذرة ، الذل لي حليف ، والعز مني غريب
أشدكم حبا إلي أسرعكم إلى دفني ، والتخلية بيني وبين ما قدمت من عملي ،
أسلفت من ذنوبي ، فيورثني ذلك الحسرة ، ويعقبني الندامة ، وقد كنتم وعدتموني
أن تمنعوني من عدوي الضار فإذا أنتم لا منع عندكم ولا قوة على ذلك لكم
ولا سبيل لكم ، أيها الملا إني محتال لنفسي إذ جئتم بالخداع ، ونصبتم لي شراك
الغرور(1).
فقالوا : أيها الملك المحمود لسنا الذي كنا كما أنك لست الذي كنت ،
وقد أبدلنا الذي أبدلك ، وغيرنا الذي غيرك ، فلا ترد علينا توبتنا وبذل نصيحتنا ،
قال : أنا مقيم فيكم ما فعلتم ذلك ومفارقكم إذا خالفتموه ، فأقام ذلك الملك في
ملكه وأخذ جنوده بسيرته واجتهدوا في العبادة فخصبت بلادهم وغلبوا عدوهم وازداد
ملكهم حتى هلك ذلك الملك ، وقد صار فيهم بهذه السيرة اثنين وثلاثين سنة فكان
جميع ما عاش أربعا وستين سنة .
قال يوذاسف : قد سررت بهذا الحديث جدا ، فزدني من نحوه أزدد سرورا
ولربي شكرا .
قال الحكيم : زعموا أنه كان ملك من الملوك الصالحين وكان له جنود
يخشون الله عزوجل ويعبدونه ، وكان في ملك أبيه شدة من زمانهم والتفرق فيما
بينهم وتنقص العدو من بلادهم ، وكان يحثهم على تقوى الله عزوجل وخشيته
والاستعانة به ومراقبته والفزع إليه ، فلما ملك ذلك الملك قهر عدوه واستجمعت
رعيته وصلحت بلاده وانتظم له الملك ، فلما رأى ما فضل الله عزوجل به أترفه
ذلك وأبطره وأطغاه حتى ترك عبادة الله عزوجل وكفر نعمه ، وأسرع في قتل من
عبدالله ودام ملكه وطالت مدته حتى ذهل الناس عما كانوا عليه من الحق قبل


(1)الشراك : آلة الصيد .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه