بحار الأنوار ج13

ينطق بالحكمة ويبينها(1)فيها ، قال : فلما اوتي الحكم(2)ولم يقبلها أمر الله الملائكة

فنادت داود بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان ، فأعطاه الله الخلافة في الارض
وابتلي فيها غير مرة ، وكل ذلك يهوي في الخطاء يقيله الله ويغفر له ، وكان لقمان يكثر
زيارة داود عليه السلام ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه ، وكان يقول داود له : طوبى لك
يا لقمان اوتيت الحكمة ، وصرفت عنك البلية ، واعطي داود الخلافة ، وابتلي بالخطاء(3)
والفتنة .
ثم قال أبوعبدالله في قول الله : " وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك
بالله إن الشرك لظلم عظيم " قال : فوعظ لقمان ابنه بآثار حتى تفطر وانشق ، وكان فيما
وعظه به يا حماد أن قال : يا بني إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة ،
فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد . يا بني جالس العلماء وازحمهم
بركبتيك ، ولا تجادلهم فيمنعوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ، ولا ترفضها فتكون عيالا على
الناس ، ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك ، وصم صوما يقطع شهوتك ، ولا تصم صياما
يمنعك من الصلاة ، فإن الصلاة أحب إلى الله من الصيام . يا بني إن الدنيا بحر عميق ،
قد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الايمان ، واجعل شراعها التوكل ، واجعل
زادك فيها تقوى الله ، فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن هلكت فبذنوبك . يا بني إن تأدبت
صغيرا انتفعت به كبيرا ، ومن عنى بالادب اهتم به ، ومن اهتم به تكلف علمه ، ومن
تكلف علمه اشتد له طلبه ، ومن اشتد له طلبه أدرك منفعته فاتخذه عادة ، فإنك تخلف
في سلفك ، وتنفع به من خلفك ،(4)ويرتجيك فيه راغب ، ويخشى صولتك راهب ، وإياك
والكسل عنه بالطلب لغيره ، فإن غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة ، فإذا فاتك طلب
العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة ، واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك لنفسك نصيبا


(1)في نسخة : ويبثها .
(2)هكذا في نسخ وفى المصدر ، وفى نسخة : فلما اوتى الخلافة ولم يقبلها .
(3)في نسخة : وابتلى بالحكم بالخطاء .
(4)في المصدر : وينفع به من خلفك .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه