بحار الأنوار ج14

تعالى بالقدرة الغالبة ، كلوا مما سألتم يمددكم ويزدكم من فضله ، وقال الحواريون : ياروح الله
لو أريتنا من هذه الآية اليوم آية أخرى ، فقال عيسى عليه السلام : ياسمكة احيي بإذن الله ،
فاضطربت السمكة وعاد عليها فلوسها وشوكها ففزعوا منها ، فقال عيسى عليه السلام : مالكم
تسألون أشياء إذا أعطيتموها كرهتموها ؟ ! ما أخوفني عليكم أن تعذبوا ، ياسمكة عودي
كما كنت بإذن الله ، فعادت السمكة مشوية كما كانت ، قالوا : ياروح الله كن أول من
يأكل منها ثم نأكل نحن ، فقال عيسى : معاذ الله أن آكل منها ، ولكن يأكل منها من
سألها ، فخافوا أن يأكلوا منها ، فدعا لها عيسى عليه السلام أهل الفاقة والزمنى والمرضى و
المبتلين فقال : كلوا منها ولكم الهناء ولغيركم البلاء ، فأكل منها ألف وثلاث مائة رجل
وامرأة من فقير ومريض ومبتلى وكلهم شبعان يتجشى ، ثم نظر عيسى عليه السلام إلى السمكة
فإذا هي كهيئتها كما نزلت من السماء ، ثم طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتى
توارت عنهم فلم يأكل منها يومئذ زمن إلا صح ، ولا مريض إلا برئ ، ولا فقير إلا استغنى
ولم يزل غنيا حتى مات ، وندم الحواريون ومن لم يأكل منها ، وكانت إذا نزلت
اجتمع الاغنياء والفقراء والصغار والكبار يتزاحمون عليها ، فلما رأى ذلك عيسى عليه السلام
جعلها نوبة بينهم ، فلبثت أربعين صباحا تنزل ضحى فلا تزال منصوبة يؤكل منها حتى
إذا فاء الفئ(1)طارت صعدا وهم ينظرون في ظلها حتى توارت عنهم ، وكانت تنزل
غبا : يوما ويوما لا ، فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام اجعل مائدتي للفقراء دون الاغنياء
فعظم ذلك على الاغنياء حتى شكوا وشككوا الناس فيها ، فأوحى الله تعالى إلى عيسى :
إني شرطت على المكذبين شرطا : إن من كفر بعد نزولها أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا
من العالمين ، فقال عيسى : " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز
الحكيم " فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين رجلا باتوا من ليلهم على فرشهم مع نسائهم
في ديارهم فأصبحوا خنازير ، يسعون في الطرقات والكناسات ، ويأكلون العذرة في
الحشوش ،(2)فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى عليه السلام وبكوا وبكى على الممسوخين


(1)اي رجع .
(2)الحشوش : جمع الحش : الكنيف ومواضع قضاء الحاجة ، واصله من الحش بمعنى
البستان ، لانهم كانوا كثيرا ما يتغوطون في البستان .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه