بحار الأنوار ج12

به لو لا أن ربطنا على قلبها " .
وأما السؤال الثالث وهو أنه لو لم يوجد الهم لم يبق لقوله : " لولا أن رأى برهان
ربه " فائدة ، فنقول : بل فيه أعظم الفوائد وهو بيان أن ترك الهم بها ما كان لعدم رغبته
في النساء وعدم قدرته عليهن ، بل لاجل أن دلائل دين الله منعته عن ذلك العمل ، ثم
نقول : الذي يدل على أن جواب لولا ما ذكرناه أن لولا يستدعي جوابا وهذ المذكور
يصلح جوابا له فوجب الحكم بكونه جوابا له .
لا يقال : إنا نضمر له جوابا وترك الجواب كثير في القرآن ، فنقول : لا نزاع أنه
كثير في القرآن إلا أن الاصل أن لا يكون محذوفا ، وأيضا فالجواب إنما يحسن تركه
وحذفه إذا حصل في الملفوظ ما يدل على تعينه ، فههنا بتقدير أن يكون الجواب محذوفا فليس
في اللفظ ما يدل على تعيين ذلك الجواب ، فإن ههنا أنواعا من الاضمارات يحسن إضمار
كل واحد منها ، وليس إضمار بعضها أولى من إضمار الباقي فظهر الفرق .
المقام الثاني في الكلام على هذه الآية أن نقول : سلمنا أن الهم قد حصل ، إلا
أنا نقول : إن قوله : " وهم بها " لا يمكن حمله على ظاهره ، لان تعليق الهم بذات
المرأة محال ، لان الهم من جنس القصد ، والقصد لا يتعلق بالذوات الباقية ، فثبت أنه لابد
من إضمار فعل مخصوص يجعل متعلق ذلك الهم ، وذلك الفعل غير مذكور ، فهم زعموا
أن ذلك المضمر هو إيقاع الفاحشة ، ونحن نضمر شيئا آخر يغاير ما ذكروه ، وبيانه
من وجوه :
الاول : المراد أنه عليه السلام هم بدفعها عن نفسه ومنعها من ذلك القبيح لان الهم
هو القصد فوجب أن يحمل في حق كل واحد على القصد الذي يليق به ، فاللائق بالمرأة
القصد إلى تحصيل اللذة والتنعم والتمتع ، واللائق بالرسول المبعوث إلى الخلق القصد
إلى زجر العاصي عن معصيته وإلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقال : هممت بفلان
أي بضربه ودفعه .
فإن قالوا : فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله : " لو لا أن رأى برهان ربه " فائدة
قلنا : بل فيه أعظم الفوائد وبيانه من وجهين : الاول أنه تعالى أعلم يوسف عليه السلام أنه

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه