بحار الأنوار ج69

يكتب ويحاسب عليه ، ويطالب لتصحيح قصده فيه ، ثم يعفى عنه ، لانه إنما
ابيح بقصد الاصلاح ، ويتطرق إليه غرور كثيرة ، فانه قد يكون الباعث له حظه
وغرضه الذي هو مستغن عنه ، وإنما يتعلل ظاهرا بالاصلاح ، فلهذا يكتب .
وكل من أتى بكذبة فقد وقع في خطر الاجتهاد ليعلم أن المقصود الذي
كذب له هل هو أهم في الشرع من الصدق أو لا ، وذلك غامض جدا ، فالحزم
في تركه إلا أن يصير واجبا لا يجوز تركه كما يؤدي إلى سفك دم أو
ارتكاب معصية ، كيف كان .
وقد ظن ظانون أنه يجوز وضع الاخبار في فضائل الاعمال وفي التشديد
في المعاصي ، وزعموا أن القصد منه صحيح وهو خطاء محض إذ قال صلى الله
عليه وآله : من كذب على متعمدا فليتبوء مقعده من النا ر ، وهذا لا يترك إلا
لضرورة ، ولاضرورة ههنا . إذ في الصدق مندوحة عن الكذب ، ففيما ورد من
الايات والاخبار كفاية عن غيرها .
وقول القائل : إن ذلك قد تكرر على الاسماع وسقط وقعها ، وما هو جديد
على الاسماع فوقعه أعظم فهذا هوس إذ ليس هذا من الاغراض التي تقاوم محذور
الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى الله تعالى ، ويؤدي فتح بابه إلى امور تشوش
الشريعة(فلا يقاوم خير هذا بشره أصلا ، فالكذب على رسول الله صلى الله عليه واله من الكبائر
التي لا يقاومها شئ ؟
ثم قال :)(1)قد نقل عن السلف أن في المعاريض لمندوحة عن الكذب
وعن ابن عباس وغيره أما في المعاريض ما يغني الرجل عن الكذب ، وإنما أرادوا
من ذلك إذا أضطر الانسان إلى الكذب ، فأما إذا لم يكن حاجة وضرورة فلا يجوز
التعريض ولا التصريح جميعا ، ولكن التعريض أهون .
ومثال المعاريض ما روي أن مطرفا دخل على زياد فاستبطاه فتعلل بمرض فقال :
ما رفعت جنبي منذ فارقت الامير إلا ما رفعني الله ، وقال إبراهيم : إذا بلغ الرجل عنك


(1)ما بين العلامتين أضفناه من شرح الكافي ج 2 ص 329 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه