الرابع : لو كان متعبدا بشرع من قبله لكان طريقه إلى ذلك إما الوحي أو النقل ،
ويلزم من الاول أن يكون شرعا له لا شرعا لغيره ، ومن الثاني التعويل على نقل اليهود
وهو باطل ، لانه ليس بمتواتر ، لما تطرق إليه من القدح المانع من إفاده اليقين ، ونقل
الآحاد منهم لا يوجب العمل لعدم الثقة .
واحتج الآخرون بقوله تعالى : " فبهداهم اقتده(1)" وبقوله : " ثم أوحينا إليك
أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا(2)" وبقوله : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا(3)"
وبقوله : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين(4)" وبقوله : " إنا أنزلنا
التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون(5)" وبأنه صلى الله عليه وآله رجع في معرفة الرجم في
الزنا إلى التوراة .
أجاب الاولون عن الآية الاولى بأنها تتضمن الامر بالاهتداء بهداهم كلهم ،
فلا يكون ذلك إشارة إلى شرعهم ، لانه مختلف ، فيجب صرفه إلى ما اتفقوا عليه ، وهو
دلائل العقائد العقلية دون الفروع الشرعية .
وعن الثاني بأن ملة إبراهيم عليه السلام المراد بها العقليات دون الشرعيات(6)يدل
على ذلك قوله : " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه(7)" فلو أراد الشرعيات
لما جاز نسخ شئ منها ، وقد نسخ كثير من شرعه ، فتعين أن المراد منه العقليات .
وعن الآية الثالثة أنه لا يلزم من وصية نوح عليه السلام بشرعنا أنه أمره به ، بل
يحتمل أن يكون وصايته به أمرا منه بقبوله عند أعقابهم إلى زمانه صلى الله عليه وآله ، أو وصى به
(1)النساء : 90
(2)النحل : 123 .(3)الشورى : 13 .
(4)النساء : 163 .
(5)المائدة : 44 .
(6)وربما يقال : ان هذا التوجيه لا ينطبق على مثل قوله تعالى : " ما جعل عليكم في الدين
من حرج ملة أبيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين " حيث ظاهره عدم الحرج في الفروع ، الا أن يقال
ذلك أيضا في الحرج الشديد المنتفى عقلا فيكون من العقليات أيضا .
(7)البقرة : 130 .(*)