بحار الأنوار ج11

56 - نهج : في صفة خلق آدم : ثم جمع سبحانه من حزن الارض وسهلها وعذبها
وسبخها تربة سنها بالماء حتى خلصت ،(1)ولاطها بالبلة حتى لزبت ، فجبل منها صورة
ذات أحناء ووصول وأعضاء وفضول ، أجمدها حتى استمسكت ، وأصلدها حتى صلصلت ،
لوقت معدود ، وأجل معلوم ،(2)ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها ،(3)
وفكر يتصرف بها ،(4)وجوارح يختدمها ، وأدوات يقلبها ،(5)ومعرفة يفرق بها بين الحق
والباطل ، والاذواق والمشام والالوان والاجناس معجونا بطينة الالوان المختلفة ، والاشباة
المؤتلفة ، والاضداد المتعادية ، والاخلاط المتباينة ، من الحر والبرد ، البلة والجمود و
المساء‌ة والسرور ، واستأدى الله سبحانه وتعالى الملائكة وديعته لديهم ،(6)وعهد وصيته
إليهم في الاذعان بالسجود له ، والخنوع لتكرمته ،(7)فقال سبحانه وتعالى : استجدوا
لآدم فسجدوا إلا إبليس وقبيله اعترتهم الحمية ، وغلبت عليهم الشقوة ، وتعز زوا بخلقة
النار ، واستوهنوا خلق الصلصال ، فأعطاه الله النظرة استحقاقا للسخطة ، واستتماما للبلية ،
وإنجازا للعدة ، فقال : " إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " ثم أسكن سبحانه آدم
دارا أرغد فيها عيشه(8)وآمن فيها محلته ، وحذره إبليس وعداوته ، فاغتره عدوه نفاسة
عليه بدار المقام ، ومرافقة الابرار ، فباع اليقين بشكه ، والعزيمة بوهنه ، واستبدل بالجدل
وجلا ، وبالاغترار ندما ، ثم بسط الله سبحانه له في توبته ، ولقاه كلمة رحمته ،(9)و


(1)في نسخة : حتى خضلت .
(2)في المصدر : وأمد معلوم .
(3)أى يتحركها في المعقولات .
(4)في نسخة : وفكر يتصرف فيها .
(5)الادوات : الالات : وتقليبها : تحريكها وتصرفها في العمل بها فيما احتاج إليه .
(6)أى طلب منهم أداء‌ها ، والوديعة هى عهده إليهم بقوله : < < إنى خالق بشرا من طين فاذا
سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين > > .
(7)في نسخة : والخشوع لتكرمته .
(8)في نسخة : أرغد فيها عيشته .
(9)قال ابن ميثم : قال القفال : أصل التلقى في قوله تعالى : < < فتلقى آدم من ربه كلمات > > و
قوله : < < ولقاء كلمة رحمته > > هو التعرض للقادم ، وضع موضع الاستقبال للمسئ والجانى ثم وضع موضع
القبول والاخذ ، قال تعالى : < < وانك لتلقى القرآن > > أى تلقنه ، ويقال : تلقينا الحاج أى
استقبلناهم ، وتلقيت هذه الكلمة من فلان أى اخذتها منه ، وإذا كان هذا اصل الكلمة وكان من *(*).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه