بحار الأنوار ج13

وقيل للقمان : أي الناس شر ؟ قال : الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا . وقيل
له : ما أقبح وجهك ! قال : تعيب على النقش أو على فاعل النقش ؟ وقيل : إنه دخل على
داود وهو يسرد الدرع(1)وقد لين الله له الحديد كالطين ، فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة
فسكت ، فلما أتمها لبسها ، وقال : نعم لبوس الحرب أنت ، فقال : الصمت حكمة وقليل
فاعله ، فقال له داود عليه السلام : بحق ما سميت حكيما . انتهى .(2)
وقال المسعودي : كان لقمان نوبيا مولى للقين بن حسر ، ولد على عشر سنين من
ملك داود عليه السلام ، وكان عبدا صالحا ، ومن الله عليه بالحكمة ، ولم يزل في فيافي الارض(3)
مظهرا للحكمة والزهد في هذا العالم إلى أيام يونس بن متى ، حتى بعث إلى أهل نينوى
من بلاد الموصل .(4)
19 - كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يحيى بن عقبة الازدي ، عن
أبي عبدالله عليه السلام قال : كان فيما وعظ به لقمان ابنه : يا بني إن الناس قد جمعوا قبلك
لاولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له ، وإنما أنت عبد مستأجر قد امرت بعمل
ووعدت عليه أجرا ، فأوف عملك واستوف أجرك ، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت
في زرع أخضر فأكلت حتى سمنت ، فكان حتفها(5)عند سمنها ، ولكن اجعل الدنيا
بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر ، أخربها(6)
ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها ، واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز
وجل عن أربع : شبابك فيما أبليته ، وعمرك فيما أفنيته ، ومالك مما اكتسبته وفيما أنفقته
فتأهب لذلك ، وأعد له جوابا ، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا ، فإن قليل الدنيا لا يدوم
بقاؤه ، وكثيرها لا يؤمن بلاؤه ، فخذ حذرك ، وجد في أمرك ، واكشف الغطاء عن وجهك


(1)أى يصنع الدرع وينسجها .
(2)مجمع البيان 8 : 315 - 317 .
(3)في المصدر : ولم يزل باقيا في الارض .
(4)مروج الذهب هامش الكامل 1 : 76 .
(5)الحتف : الموت .
(6)أخربها أى اتركها خرابا ولا تصرف همك في عمارتها ، أو كناية عن قطع علاقة القلب
منها ، وعدم الحرص عليها .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه