بحار الأنوار ج66

وإلا لم يفرض الله الفرائض ، ولم يتوعد على المعاصي ، وأيضا ماورد في الايات و
الاخبار من كرامة المؤمنين ، ودرجاتهم ومنازلهم ، ينافي إجراء الحدود عليهم ، و
إذلالهم وإهانتهم ، فلابد من خروجهم عن الايمان حين استحقاقهم تلك العقوبات
قوله(فما بال من جحد)لعل المعنى أنه لو كان الايمان محض التكلم بالشهادتين
أو الاعتقاد بهما كما تزعمون ، لم يكن جحد الفرائض موجبا للكفر ، مع أنكم
توافقوننا في ذلك ، لورود الاخبار فيه ، فلم لاتقولون بعدم إيمان تاركي الفرائض و
مرتكبي الكبائر أيضا مع ورود الاخبار الكثيرة فيها أيضا ، وقيل : المراد بجحد
الفرائض تركها عمدا من غير عذر ، فانه يؤذن بالاستخفاف والجحد .
قال الشهيد الثاني رفع الله درجته في بيان حقيقة الكفر : عرفه جماعة بأنه
عدم الايمان عما من شأنه أن يكون مؤمنا ، سواء كان ذلك العدم بضد أولا بضد
فبالضد كأن يعتقد عدم الاصول التي بمعرفتها يتحقق الايمان ، أو عدم شئ منها
وبغير الضد كالخالي من الاعتقادين أي اعتقاد ما به يتحقق الايمان ، واعتقاد
عدمه ، وذلك كالشاك أو الخالي بالكلية كالذي لم يقرع سمعه شئ من الامور
التي يتحقق الايمان بها ، ويمكن إدخال الشاك في القسم الاول إذ الضد يخطر
بباله ، وإلا لما صار شاكا .
واعترض عليه بأن الكفر قد يتحقق مع التصديق بالاصول المعتبرة في الايمان
كما إذا ألقى إنسان المصحف في القاذورات عامدا أو وطئه كذلك ، أو ترك الاقرار
باللسان جحدا وحينئذ فينتقض حد الايمان منعا وحد الكفر جمعا .
واجيب تارة بأنا لا نسلم بقاء الصديق لفاعل ذلك . ولو سلمنا يجوز أن
يكون الشارع جعل وقوع شئ من ذلك علامة وأمارة على تكذيب فاعل ذلك ، و
عدم تصديقه ، فيحكم بكفره عند صدور ذلك منه ، وهذا كما جعل الاقرار باللسان
علامة على الحكم بالايمان ، مع أنه قد يكون كافرا في نفس الامر ، وتارة بأنه
يجوز أن يكون الشارع حكم بكفره ظاهرا عند صدور شئ من ذلك حسما لمادة
جرأة المكلفين على انتهاك حرماته ، وتعدي حدوده ، وإن كان التصديق في نفس

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه