بحار الأنوار ج14

فلما ملك بقي في ملكه ثمانيا وثلاثين(1)سنة ، فتحزب الناس في ملكه أحزابا : منهم من
يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق ، ومنهم من يكذب بها ، وكبر ذلك على الملك وبكى إلى
الله عزوجل وتضرع إليه وحزن حزنا شديدا ، فلما فشا ذلك في ملكه دخل بيته و
أغلقه عليه ، ولبس مسحا ،(2)وجعل تحته رمادا ، وجعل يتضرع إلى الله ليله ونهاره ،
ويبكي مما يرى فيه الناس فأحيا الله الفتية فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم ، طيبة أنفسهم ،
فسلم بعضهم على بعض ، فأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون لها(3)إذا
أصبحوا من ليلتهم ، ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا ، فلما قضوا صلاتهم قال بعضهم لبعض :
" كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم " وكل ذلك في أنفسهم
يسير ، فقال لهم يمليخا : افتقدتم والتمستم بالمدينة ، وهو يريد أن يؤتى بكم اليوم
فتذبحون للطواغيت أو يقتلكم ، فما شاء الله بعد ذلك فعل ، فقال لهم مكسملينا :(4)ياإخوتاه
اعلموا أنكم ملاقو الله ، ولا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم غدا ، ثم قالوا ليمليخا :
انطلق إلى المدينة فتسمع مايقال لنا بها اليوم ، وما الذي نذكر به عند دقيانوس وتلطف
ولا يشعرن بنا أحد ، وابتع لنا طعاما فأتنا به ، وزدنا على الطعام الذي جئتنا به أمس
فإنه كان قليلا فقد أصبحنا جياعا .
فانطلق يمليخا في الثياب التي كان يتنكر فيها ،(5)فلما أتى باب المدينة رأى فوق
ظهر الباب علامة تكون لاهل الايمان ، فعجب من ذلك فتحول إلى باب آخر فرأى
مثل ذلك ، ورأى ناسا كثيرا محدثين لم يكن رآهم قبل ذلك ، فجعل يمشي ويعجب ، ثم
دخل المدينة فسمع الناس يحلفون باسم عيسى بن مريم فزاده فرقا ، فقال في نفسه : لعل
هذه المدينة ليست بالمدينة التي أعرف ، ثم لقي فتى من أهلها فقال له : ما اسم هذه المدينة
يافتى ؟ فقال : أفسوس ، فقال في نفسه : لعل بي مسا أو أمرا أذهب عقلي ، والله يحق لي
أن أسرع الخروج منها قبل أن أخزى أو يصيبني شر ، فدنا من الذين يبيعون الطعام


(1)في نسخة : ثمانين .
(2)المسح بالكسر ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للجسد .
(3)في نسخة : يستيقظون فيها .
(4)في المطبوع " مكسلمينا " في جميع الموارد .
(5)" " : كان يتكدى فيها .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه