منزلتها عند الله مع كونها زوجة أعدى أعداء الله الناطق بالكلمة العظمى ، ومريم
ابنة عمران وما اوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين
مع أن قومها كانوا كفارا ، وفي طي هذين التمثيلين تعريض بامي المؤمنين المذكورتين
في أول السورة ، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه وآله بما كرهه و
تحذير لهما على أغلظ وجه وأشده ، لما في التمثيل من ذكر الكفر ، ونحوه في
التغليظ قوله : " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " فإشارة إلى أن من حقهما
أن تكونا في الاخلاص والكمال فيه كمثل هاتين المؤمنين ، ولم تتكلا(1)على
أنهما زوجا رسول الله صلى الله عليه وآله فإن ذلك الفضل لا ينفعهما إلا أن تكونا مخلصين(2)و
التعريض بحفصة أرجح ، لان امرأة لوط أفشت عليه كما أفشت حفصة على رسول
الله صلى الله عليه وآله ، وأسرار التنزيل ورموزه في كل باب بالغة من اللطف والخفاء حدا
تدق عن تفطن العالم ، وتزل عن تبصره(3)انتهى كلامه بعبارته .
وقد أومأ إمامهم الرازي أيضا في تفسيره إلى ذلك إيماء لطيفا حيث قال : و
أما ضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط فمشتمل على فوائد متعددة لا يعرفها بتمامها
إلا الله تعالى ، والظاهر منها تنبيه الرجال والنساء على الثواب العظيم ، والعذاب
الاليم ، ومنها العلم بأن صلاح الغير لا ينفع المفسد ، وفساد الغير لا يضر المصلح(4)
إلى آخر ما قال .
1 - يف : روى الثعلبي في تفسير قوله تعالى " وإن تظاهرا عليه فإن الله
هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " قال : هو علي بن أبي طالب(5).
2 - نهج : فأما فلانة فأدركها رأي النساء ، وضغن غلا في صدرها كمرجل
القين ، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل ، ولها بعد حرمتها الاولى
والحساب على الله(6).
(1)في المصدر : وان لا تتكلا(2)في المصدر : الا مع كونهما مخلصتين .
(3)الطرائف : 24 .(6)نهج البلاغة 1 : 302 .