بحار الأنوار ج17

فقد منعه من القبيح ، فأجروا عليه لفظة المانع قهرا وقسرا ، وأهل اللغة يتعارفون ذلك
أيضا ويستعملونه ، لانهم يقولون فيمن أشار على غيره برأي فقبله منه مختارا واحتمى
بذلك من ضرر يلحقه وسوء يناله : إنه حماه من ذلك الضرر ومنعه وعصمه منه ، وإن كان
ذلك على سبيل الاختيار .
فان قيل : أفتقولون فيمن لطف له بما اختار عنده الامتناع من فعل واحد قبيح :
إنه معصوم ؟ قلنا : نقول ذلك مضافا ولا نطلقه ، فنقول : إنه معصوم من كذا ، ولا نطلق
فيوهم أنه معصوم من جميع القبائح ، ونطلق في الانبياء والائمة عليهم السلام العصمة بلا تقييد ،
لانهم(1)لا يفعلون شيئا من القبائح بخلاف ما تقوله المعتزلة من نفي الكبائر عنهم دون الصغائر
فإن قيل : فإذا كان تفسير العصمة ما ذكرتم فألاعصم الله جميع المكلفين وفعل بهم
ما يختارون عنده الامتناع من القبائح ؟
قلنا : كل من علم الله أن له لطفا يختار عنده الامتناع من القبائح فإنه لابد أن
يفعل به وإن لم يكن نبيا ولا إماما ، لان التكليف يقتضي فعل اللطف على ما دل عليه
في مواضع كثيرة ، غير أنه يكون في المكلفين(2)من ليس في المعلوم أن شيئا متى فعل
اختار عنده الامتناع من القبيح ، فيكون هذا المكلف لا عصمة له في المعلوم ولا لطف ، وتكليف
من لا لطف له يحسن ولا يقبح ، وإنما القبيح منع اللطف فيمن له لطف مع ثبوت التكليف ،
فأما قول بعضهم : إن العصمة هي الشهادة من الله تعالى بالاستعصام فباطل ، لان الشهادة
لا تجعل الشئ على ما هو به ، وإنما تتعلق به على ما هو على ، لان الشهادة هي الخبر ،
والخبر عن كون الشئ على صفة لا يؤثر في كونه عليها ، فتحتاج أولا إلى أن يتقدم
لنا العلم بأن زيدا معصوم أو معتصم ونوضح عن معنى ذلك ، ثم تكون الشهادة من بعد
مطابقة لهذا العلم ، وهذا بمنزلة من سأل عن حد المتحرك فقال : هو الشهادة بأنه متحرك ،
أو المعلوم أنه على هذه الصفة ، وفي هذا البيان كفاية لمن تأمله . انتهى(3)


(1)في المصدر : لانهم عندنا لا يفعلون .
(2)في المصدر : غير أنه لا يمتنع أن يكون في المكلفين .
(3)الغرر والدرر : 393 و 394 ط إيران وطبعت تلك المسألة مستقلة بعنوان مسألة في
العصمة ضمن عدة من الكتب المسماة بكلمات المحققين راجع ص 203 من تلك المجموعة .*

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه