بحار الأنوار ج75

التلف ، والغنيمة في المنقلب ، إن الله عزوجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه
عقله(1)ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله ، وبالتقوى نجى نوح ومن معه في السفينة
وصالح ومن معه من الصاعقة ، وبالتقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب(2)من
المهالك ولهم إخوان على تلك الطريقة ، يلتمسون تلك الفضيلة ، نبذوا طغيانهم من
الايراد بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المثلات ، حمدوا ربهم على ما رزقهم وهو
أهل الحمد ، وذموا أنفسهم على ما فرطوا وهم أهل الذم ، واعلموا أن الله تبارك
وتعالى الحليم العليم إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه ، وإنما يمنع من لم يقبل
منه عطاه ، وإنما يضل من لم يقبل منه هداه ، ثم أمكن أهل السيئات من التوبة
بتبديل الحسنات ، دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ولم يمنع دعاء
عباده ، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله وكتب على نفسه الرحمة ، فسبقت قبل
الغضب فتمت صدقا وعدلا ، فليس يبتدء العباد بالغضب قبل أن يغضبوه ، وذلك من
علم اليقين وعلم التقوى ، وكل امة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم
عدوهم حين تولوه .
وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا
يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية ، وكان من
نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون(3)فأوردوهم الهوى ، وأصدروهم إلى الردى
وغيروا عرى الدين ، ثم ورثوه في السفه والصبا(4)فالامة يصدرون عن أمر


(1)عزب أى بعد ، وفى بعض النسخ نفى بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله .
(2)العصب : جمع العصبة أو هى من الرجال والخيل والطير ما بين العشرة إلى
الاربعين .
(3)أى جعلوا ولى الكتاب والقيم عليه والحاكم به الذين لا يعلمونه وجعلوهم رؤساء
على أنفسهم يتبعونهم في الفتاوى وغيرها .
(4)أى جعلوه ميراثا يرثه كل سفيه جاهل أوصبى غير عاقل . وقوله : بعد أمرالله
أى صدوره أو الاطلاع عليه أو تركه ، والورود والصدور كنايتان عن الاتيان للسؤال والاخذ
والرجوع بالقبول . كما قال المؤلف .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه