بحار الأنوار ج56

عمل السحر فازداد تعجب الملائكة ، فأراد الله تعالى أن يبتلي الملائكة فقال لهم : اختاروا
ملكين من أعظم الملائكة علما وزهدا وديانة لانزالهما إلى الارض ، فأختبرهما
فاختاروا هاروت وماروت ، وركب فيهما شهوة الانس وأنزلهما ونهاهما عن الشرك
والقتل والزنا والشرب ، فنزلا فذهب إليهما امرأة من أحسن النساء وهي الزهرة
فراوداها عن نفسها فأبت إلا بعد أن يعبدا الصنم وإلا بعد أن يشربا ، فامتنعا أولا
ثم غلبت الشهوة عليهما ، فأطاعا في كل ذلك ، فعند إقدامهما على الشرب وعبادة
الصنم دخل سائل عليهم فقالت : إن أظهر هذا السائل للناس ما رأى منا فسد أمرنا
فإن أردتما الوصول إلي فاقتلا هذا الرجل ، فامتنعا منه ، ثم اشتغلا بقتله ، فلما
فرغا من القتل طلبا المرأة فلم يجداها . ثم إن الملكين عند ذلك ندما وتحسرا
وتضرعا إلى الله تعالى فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب
الدنيا ، وهما معذبات ببابل ، معلقان بين السماء والارض يعلمان الناس السحر .
ثم لهم في الزهرة قولان : أحدهما أن الله تعالى لما ابتلى الملكين بشهوة بني
آدم أمر الله الكوكب الذي يقال له " الزهرة " وفلكها حتى هبط إلى الارض إلى أن كان
ما كان ، فحينئذ ارتفعت الزهرة وفلكها إلى موضعها من السماء موبخين لهما على
ماشاهداه منهما . والقول الثاني أن المرأة كانت فاجرة من أهل الارض وواقعاها
بعد شرب الخمر وقتل النفس وعبادة الصنم ، ثم علماها الاسم الذي به كانا يعرجان
إلى السماء ، فتكلمت به وعرجت إلى السماء ، وكان اسمها " بيدخت " فمسخها الله
تعالى وجعلها هي الزهرة .
واعلم أن هذه الرواية فاسدة مردودة غير مقبولة ، لانه ليس في كتاب الله
ما يدل عليها ، بل فيه ما يبطلها من وجوه : الاول ما تقدم من الدلائل الدالة على
عصمة الملائكة عن كل المعاصي . وثانيها : أن قولهم إنهما خيرا بين عذاب الدنيا
وعذاب الآخرة فاسد ، بل كان الاولى أن يخيرابين التوبة والعذاب ، لان الله تعالى
خير بينهما من أشرك به طول عمره فكيف يبخل عليهما بذلك . وثالثها : أن من
أعجب الامور قولهم إنهما يعلمان الناس السحر في حال كونهما معذبين ويدعوان

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه