بحار الأنوار ج12

لاولئك بدليل على سخطه عليهم ولا لهوانه لهم ،(1)ولكنها كرامة وخيرة لهم ، ولو كان
أيوب ليس من الله تعالى بهذه المنزلة إلا أنه أخ آخيتموه على وجه الصحبة لكان لايجمل
يالحليم أن يعذل(2)أخاه عند البلاء ، ولا يعيره بالمصيبة ، ولايعيبه بمالا يعلم وهو مكروب
حزين ، ولكنه يرحمه ويبكي معه ويتسغفر له ويحزن لحزنه ، ويدل على مراشد أمره ،
وليس بحكيم ولا رشيد من جهل هذا ، فالله الله أيها الكهول وقد كان في عظمة الله وجلاله
وذكر الموت ما يقطع ألسنتكم ويكسر قلوبكم ، ألم تعلموا أن الله تعالى عبادا أسكتتهم
خشيته من غير عي ولا بكم ، وإنهم لهم الفصحاء والبلغاء والاولياء النبلاء الالباء(3)العالمون
بالله وبآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم ، واقشعرت جلودهم ، وانكسرت
قلوبهم وطاشت عقولهم(4)إعظاما لله وإعزازا وإجلالا فإذا استفاقوا استبقوا إلى الله تعالى
بالاعمال الزاكية يعدون أنفسهم مع الخاطئين والظالمين وإنهم لابرار ، ومع المقصرين
المفرطين(5)وإنهم لاكياس أقوياء ولكنهم لا يستكثرون لله الكثير ، ولا يرضون له
بالقليل ، ولا يدلون عليه بالاعمال ،(6)فهم مروعون خاشعون مستكينون . فقال أيوب
عليه السلام : إن الله تعالى يزرع الحكمة بالرحمة في قلب الصغير والكبير ،(7)فمتى تنبت
في القلب يظهر الله تعالى على اللسان ، وليست تكون الحكمة من قبل السن والشيبة ولا
طول التجربة ، وإذا جعل الله تعالى العبد حكيما في الصغر لم تسقط منزلته عند الحكماء
وهم يرون من الله تعالى عليه نور الكرامة .
ثم أقبل أيوب عليه السلام على الثلاثة فقال : أتيتموني غضابا ، رهبتم قبل أن تسترهبوا ،


(1)في المصدر : ثم ان بلاء‌هم ليس دليلا على سخطه عليهم ولاهوانهم عليه .
(2)عذله : لامه .
(3)في المصدر : وانهم لهم الفصحاء النبلاء البلغاء الالباء .
(4)أى ذهبت عقولهم .
(5)في المصدر : وإنهم برآء ويعدون انفسهم مع المفرطين المقصرين .
(6)أى لا يمنون ولا يفتخرون عليه بأعمالهم .
(7)في المصدر : في قلب المؤمن الكبير والصغير .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه