زوالها من حيث إنها نعمة ، بل من حيث هي آلة الفساد ، ولو أمنت فساده لم تغمك
تنعمه .
ويظهر من كلام الشيخ كون الحسد من جملة المكروهات لا من المحرمات
قال العلامة في كتاب صوم المختلف : مسألة جعل الشيخ رحمه الله التحاسد من باب
ما الاولى تركه والامساك عنه ، وقال ابن إدريس : إنه واجب وهو الاقرب ، لعموم
النهي عن الحسد ، والنهي يقتضي التحريم انتهى .
اقول : نظر الشيخ بها إلى ما أومأنا إليه آنفا أن بعض الاخبار يدل على
أن الحسد المحرم إنما هو إظهاره ، لا مع عدم الاظهار ، وأما أصل الحسد فهو
مكروه ، ولذلك قد يصدر عن بعض الانبياء أيضا كما نطق به الآثار والاخبار
فتأمل .
وبالجملة الحسد المذموم لا شك أنه مع قطع النظر عن الآيات الكثيرة
والاخبار المتواترة الواردة في ذمه والنهي عنه ، صريح العقل أيضا يحكم بقبحه
فانه سخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض ، واي معصية تزيد على
كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك فيها مضرة ، وسيأتي ذكر بعض
مفاسدها .
وأما المنافسة فليست بحرام بل هي إما واجبة أو مندوبة كما قال الله تعالى :
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون (1)وقال سبحانه سابقوا إلى مغفرة من
ربكم (2).
فأما الواجبة فهي ما إذا كانت في نعمة وبنية واجبة ، كالايمان والصلاة
والزكاة ، فانه إن لم يحب أن يكون له مثل ذلك يكون راضيا بالمعصية وهو حرام
والمندوبة فيما إذا كانت لغيره نعمة مباحة يتنعم فيها على وجه مباح ، فيتمنى أن
يكون له مثلها يتنعم بها ، من غير أن يريد زوالها عنه في الجميع .
(1)المطففين : 26 .
(2)الحديد : 21 .