بحار الأنوار ج72

ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر اهله الغدر كيسا ونسبهم أهل الجهل فيه
إلى حسن الحيلة ، مالهم قاتلهم الله ؟ ! قديرى الحول القلب وجه الحيلة ، ودونه
مانع من أمر الله ونهيه ، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها وينتهز فرصتها من لا
حريجة له في الدين(1).
والحريجة التقوى ، وقال بعض الشراح في تفسير هذا الكلام : وذلك
لجهل الفريقين بثمرة الغدر ، وعدم تمييزهم بينه وبين الكيس ، فانه لما كان
الغدر هو التفطن بوجه الحيلة وإيقاعها على المغدور به ، وكان الكيس هو التفطن
بوجه الحيلة والمصالح فيما ينبغي ، كانت بينهما مشاركة في التفطن بالحيلة
واستخراجها بالاراء ، إلا أن تفطن الغادر بالحيلة التي هو غير موافقة للقوانين

الشرعية والمصالح الدينية ، والكيس هو التفطن بالحيلة الموافقة لهما ، ولدقة
الفرق بينهما يلبس الغادر غدره بالكيس وينسبه الجاهلون إلى حسن الحيلة كما
نسب ذلك إلى معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأضرابهم ، ولم يعلموا
أن حيلة الغادر تخرجه إلى رذيلة الفجور ، وأنه لا حسن لحيلة جرت إلى رذيلة
بخلاف حيلة الكيس ومصلحته ، فانها تجر إلى العدل انتهى .
وقد صرح عليه السلام بذلك في مواضع يطول ذكرها وكونه عليه السلام
أعرف بتلك الامور وأقدر عليها ظاهر ، لان مدار المكر على استعمال الفكر
في درك الحيل ، ومعرفة طرق المكروهات ، وكيفية إيصالها إلى الغير على وجه
لا يشعربه ، وهو عليه السلام لسعة علمه كان أعرف الناس بجميع الامور ، والمراد
بكونهما في النار كون المتصف بهما فيها والاسناد على المجاز .
12 كا : عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : يجيئ كل غادر يوم القيامة بامام ما يل شدقه
حتى يدخل النار ويجئ كل ناكث بيعة إمام أجذم حتى يدخل النار(2).


(1)نهج البلاغة الرقم 41 من الخطب .
(2)الكافى ج 2 ص 337 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه