عن بعض ، وأخبار الغائبين عن أوطانهم ، ودرست العلوم ، وضاعت الآداب ، وعظم
ما يدخل على الناس من الخلل في امورهم ومعاملاتهم ، وما يحتاجون إلى النظر فيه
من أمر دينهم ، وما روي لهم مما لايسعهم جهله ، ولعلك تظن أنها مما يخلص إليه
بالحيلة والفطنة ، وليست مما اعطيه الانسان من خلقه وطباعه ، وكذلك الكلام إنما
هو شئ يصطلح عليه الناس فيجري بينهم ، ولهذا صار يختلف في الامم المختلفة بألسن
مختلفة ، وكذلك الكتابة ككتابة العربي والسرياني والعبراني والرومي وغيرها من
سائر الكتابة التي هي متفرقة في الامم ، إنما اصطلحوا عليها كما اصطلحوا على الكلام
فيقال لمن ادعى ذلك : إن الانسان وإن كان له في الامرين جميعا فعل أوحيلة
فإن الشئ الذي يبلغ به ذلك الفعل والحيلة عطية وهبة من الله عزوجل له في خلقه
فإنه لو لم يكن له لسان مهيأ للكلام وذهن يهتدي به للامور لم يكن ليتكلم أبدا
ولو لم يكن له كف مهيأة وأصابع للكتابة لم يكن ليكتب أبدا . واعتبر ذلك من
البهائم التي لا كلام لها ولا كتابة . فأصل ذلك فطرة البارئ عزوجل ، وما تفضل
به على خلقه . فمن شكر اثيب ، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين .
فكر يا مفضل في ما اعطي الانسان علمه وما منع ، فإنه اعطي علم جميع
ما فيه صلاح دينه ودنياه . فمما فيه صلاح دينه معرفة الخالق تبارك وتعالى بالدلائل
والشواهد القائمة في الخلق ، ومعرفة الواجب عليه من العدل على الناس كافة ، وبر
الوالدين ، وأداء الامانة ، ومواساة أهل الخلة ، وأشباه ذلك مما قد توجب معرفته
والاقراروالاعتراف به في الطبع والفطرة من كل امة موافقة أو مخالفة . وكذلك
اعطي علم ما فيه صلاح دنياه كالزراعة ، والغراس ، واستخراج الارضين ، واقتناء
الاغنام والانعام ، واستنباط المياه ، ومعرفة العقاقير التي يستشفي بها من ضروب
الاسقام ، والمعادن التي يستخرج منها أنواع الجواهر ، وركوب السفن ، والغوص في
البحر . وضروب الحيل في صيد الوحش والطير والحيتان ، والتصرف في الصناعات
ووجوه المتاجر والمكاسب وغير ذلك مما يطول شرحه ويكثر تعداده مما فيه صلاح
أمره في هذه الدار . فاعطي علم ما يصلح به دينه ودنياه ومنع ما سوى ذلك مما ليس فيه