فأكل من شجرة اخرى من نوعها ، وكان ذلك من قبيل الخطاء في الاجتهاد ، وليس من
كبائر الذنوب التي يستحق بها دخول النار .
واعترض عليه بوجوه :
أولها : أن اسم الاشارة موضوع للاشخاص ، والاشارة به إلى النوع مجاز ،
فإذا حمل آدم على نبينا وآله وعليه السلام اللفظ على حقيقته فأي خطاء يلحقه ؟ ولماذا اخرج
من الجنة ؟ واجيب عنه بأن اللفظ وإن كان موضوعا للشخص إلا أنه كان قد قرنه بما
يدل على أن المراد به النوع .
وثانيها : أنه سبحانه لو كلفه على الوجه المذكور من دون قرينة تدل على المراد لزم
تكليف مالا يطاق ، ومع القرينة يلزمه الاخلال بالنظر والتقصير في المعرفة ويلزمه الخطاء
قصدا ، فلم يفد هذا الجواب إلا تغيير الخطيئة ، وكون الخطيئة على تقدير صغيرة أو ارتكابا
لخلاف الاولى وعلى غيره كبيرة تعسف . واجيب بأنه عليه السلام لعله عرف القرينة في وقت الخطاب
ثم غفل عنها ونسي لطول المدة أو غيره كما قال تعالى : " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي(1)"
وهذا مبني على سهوهم وهو منفي عنهم ، وقد وردت الاخبار بأن المراد بالنسيان الترك .
وثالثها : أن الانبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم الاجتهاد والعمل بالظن لتمكنهم من
العلم ، والعمل بالظن مع التمكن من تحصيل العلم غير جائز عقلا وشرعا . ويمكن الجواب
بأنا لا نسلم أن آدم على نبينا وآله وعليه السلام كان وقت الخطاب نبيا كما يدل عليه
الرواية فلا محذور في عمله بالظن حينئذ ، فإن تمكنه من العلم واليقين ممنوع ، وفيه إشكال ؟
الوجه الثانى أنه تعالى سماه غاويا بقوله : " فغوى " والغي خلاف الرشد لقوله
تعالى : " قد تبين الرشد من الغي(2)" والغاوي يكون صاحب كبيرة خصوصا إذا وقع تأكيدا
للعاصي . وأجاب السيد رحمه الله بأن معنى " غوى " أنه خاب ، لانا نعلم أنه لو فعل ما ندب
إليه من ترك التناول من الشجرة لاستحق الثواب العظيم ، فإذا خالف الامر ولم يصر
إلى ماندب إليه فقد خاب لا محالة من حيث لم يصر إلى الثواب الذي كان يستحق بالامتناع
ولا شبهة في أن لفظ " غوى " يحتمل الخيبة ، قال الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره * ومن يغولا يعدم على الغي لائما .
(1)طه : 115 :
(2)البقرة : 256(*).