جزاء السارق منهم فقالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه أي أخذ السارق
نفسه هو جزاؤه لا غير .
فلما فتشوا وجدوا الصاع في رحل أخيه ، فأخذوا برقبته ، وحكموا
برقيته ، ولم يبق لاخوته محل منازعة في حبسه ، إلا أن قالوا على سبيل
التضرع والالتماس : فخذ أحدنا مكانه إنا نريك من المحسنين (1)فردهم بقوله :
معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا إنا إذا الظالمون قيل : أراد
أنا إذا أخذنا غيره لظالمون في مذهبكم لان استعباد غير من وجد الصاع في
رحله ظلم عندكم ، أو أراد أن الله أمرني وأوحى إلى أن آخذ بنيامين فلو أخذت غيره
كنت عاملا بخلاف الوحي ، وللعلماء أيضا وجوه اخرى :
الاول أن ذلك النداء لم يكن بأمره بل نادوا من عند أنفسهم لانهم لما
لم يجدوا الصاع غلب على ظنهم أنهم أخذوه .
الثاني : أنهم لم ينادوا أنكم سرقتم الصاع فلعل المراد أنكم سرقتم يوسف
من أبيه ، يدل عليه ما رواه الصدوق في العلل باسناده عن أبي عبدالله عليه السلام أنه
قال في تفسير هذه الاية : إنهم سرقوا يوسف من أبيه الا ترى أنهم حين قالوا :
ماذا تفقدون ؟ قالو : نفقد صواع الملك ، ولم يقولوا : سرقتم صاع الملك(2).
الثالث : لعل المراد من قولهم : إنكم لسارقون الاستفهام كما في قوله حكاية
عن إبراهيم : هذا ربي (3)وإن كان ظاهره الخبر وايد ذلك بأن في مصحف
ابن مسعود ءإنكم بالهمزتين .
وقال بعض الافاضل : حاصل الجواب أن لكل من الصدق والكذب معنيين
أحدهما لغوي والاخر عرفي ، فالاول هو الموافق للواقع ، والمخالف للواقع
والثاني الموافق للحق ، والمخالف للحق ، والمراد بالحق رضا الله تعالى فكما
(1)يوسف : 78 .
(2)علل الشرائع ج 1 ص 49 .
(3)الانعام : 76 .