ما لا يرى الغائب ، فأقبلت متوشحا بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف ، فلما
أقبلت نحوه عرف أني اريده ، فأتى نخلة فرقى إليها ثم رمى بنفسه على قفاه وشغر
برجليه ، فإذا إنه أجب أمسح ماله مما للرجل قليل ولا كثير ، قال : فغمدت السيف
ورجعت إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته ، فقال : الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت(1).
قال رضي الله عنه : في هذا الخبر أحكام وغريب ، ونحن نبدأ بأحكامه ثم
تتلوه بغرييه ، فأول ما فيه أن القائل أن يقول : كيف يجوز أن يأمر الرسول صلى الله عليه وآله
بقتل رجل على التهمة بغير بينة وما يجري مجراها ؟
والجواب عن ذلك أن القبطي جائز أن يكون من أهل العهد الذين أخذ
عليهم أن يجري فيهم أحكام المسلمين ، وأن يكون الرسول الله صلى الله عليه وآله تقدم إليه بالانتهاء
عن الدخول إلى مارية فخالف وأقام على ذلك ، وهذا نقض للعهد ، وناقض العهود
من أهل الكفر مؤذن بالمحاربة ، والمؤذن بها مستحق للقتل فأما قوله : " بل
الشاهد يرى مالا يرى الغائب " فإنما عنى به رؤية العلم ، لا رؤية البصر ، لانه لا
معنى في هذا الموضع لرؤية البصر ، فكأنه صلى الله عليه وآله قال : بل الشاهد
يعلم ويصح له من وجه الرأي والتدبير مالا يصح للغائب ، ولو لم يقل ذلك لوجب
قتل الرجل على كل حال ، وإنما جاز منه أن يخير بين قتله والكف عنه ، و
يفوض الامر في ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام من حيث لم يكن قتله من الحدود و
الحقوق التي لا يجوز العفو عنها ، ولا يسع إلا إقامتها ، لان ناقض العهد ممن إلى
الامام القائم بامور المسلمين إذا قدر عليه قبل التوبة أن يقتله أو يمن عليه ، ومما
فيه أيضا من الاحكام اقتضاؤه أن مجرد أمر الرسول لا يقتضي الوجوب ، لانه لو
اقتضى ذلك لما حسنت مراجعته ولا استفهامه ، وفي حسنها ووقوعها موقعها دلالة على
أنه لا يقتضي ذلك ، ومما فيه أيضا من الاحكام دلالته على أنه لا بأس بالنظر إلى
عورة الرجل عند الامر ينزل فلا يوجد من النظر إليها بد ، إما لحد يقام ، أو لعقوبة
تسقط ، لان العلم بأنه أمسح أجب لم يكن إلا عن تأمل ونظر ، وإنما جاز
(1)يصرف عنا الرجل أهل البيت .