بحار الأنوار ج13

لنأتينك اليوم بسحر لم تر مثله ، وقالوا : بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ، وكانوا قد
جاؤوا بالعصي والحبال تحملها ستون بعيرا ،(1)فلما أبوا إلا الاصرار على السحر قالوا
لموسى : إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ؟ قال : بل ألقوا أنتم ، فألقوا حبالهم
وعصيهم فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملات الوادي يركب بعضها بعضا تسعى ،
فذلك قوله تعالى : " يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى "
وقال : والله إن كانت لعصيا في أيديهم ولقد عادت حيات وما يعدون عصاي هذه ، أو كما
حدث نفسه(2)فأوحى الله تعالى إليه : " لا تخف إنك أنت الاعلى * وألق ما في يمينك
تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى " ففرج عن موسى و
ألقى عصاه من يده فإذا هي ثعبان مبين ، كأعظم ما يكون أسود مدلهم(3)على أربع
قوائم قصار غلاظ شداد ، وهو أعظم وأطول من البختي ، وله ذنب يقوم عليه فيشرف
فوق حيطان المدينة رأسه وعنقه وكاهله ، لا يضرب ذنبه على شئ إلا حطمه وقصمه ، و
يكسر بقوائمه الصخور الصم الصلاب ، ويطحن كل شئ ، ويضرم حيطان البيوت بنفسه
نارا ، وله عينان تلتهبان نارا ، ومنخران تنفخان سموما ، وعلى مفرقه شعر كأمثال الرماح ،
وصارت الشعبتان له فما سعته اثنا عشر ذراعا ، وفيه أنياب وأضراس ، وله فحيح وكشيش
وصرير وصريف ، فاستعرضت ما ألقى السحرة من حبالهم وعصيهم وهي حيات(4)في عين
فرعون وأعين الناس ، تسعى تلقفها وتبتلعها واحدا واحدا حتى ما يرى بالوادي قليل ولا
كثير مما ألقوا ، وانهزم الناس فزعين هاربين منقلبين ، فتزاحموا وتضاغطوا ووطئ بعضهم
بعضا حتى مات منهم يومئذ في ذلك الزحام ومواطئ الاقدام خمسة وعشرون ألفا ، و


(1)قال اليعقوبى : فعملوا من جلود البقر حبالا مجوفة وعصيا مجوفة ويزوقونها ويصيرون
فيها الزيبق ثم أحموا المواضع التى أرادوا أن يلقوا فيها الحبال والعصى ، ثم جلس فرعون فالقى
السحرة حبالهم وعصيهم فلما حمى الزيبق تحرك ومشت الحبال والعصى .
(2)في المصدر : فلما حدث نفسه . م
(3)في المصدر : كأعظم ما يكون من الثعابين ، اسود مدلهم . م
(4)في المصدر : وهى تخيل . م(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه