إن المراد بالقليل الحقير لان أهل العرف يحقرون القليل ويستعظمون الكثير .
اقول : الاظهر أن المراد أن الوحدة الحقيقية مخصوصة به تعالى ، وإنما يطلق
على غيره بمعنى مجازي مؤول بقلة معاني الكثرة فإن للكثرة معاني مختلفة : الكثرة
بحسب الاجناس أو الانواع أو الاصناف أو الافراد والاشخاص أو الاعضاء أو الاجزاء
الخارجية أو العقلية أو الصفات العارضة ، فيقال للجنس : جنس واحد مع اشتماله
على جميع أنواع التكثرات لكون كثرته أقل مما اشتمل على التكثر الجنسي أيضا
وهكذا ، فظهر أن معنى الواحد في غيره تعالى يرجع إلى القليل ، ولذا قال عليه السلام : كل
مسمى بالوحدة إشارة إلى أن غيره تعالى ليس بواحد حقيقة ، هذا ما خطر بالبال والله
يعلم . وقدمر تفسير سائر الفقرات ونظائرها مرارا .
38 - نهج : من خطبة له عليه السلام : المعروف من غيررؤية ،(1)والخالق من غير
رؤية ، الذي لم يزل قائما دائما ، إذ لاسماء ذات أبراج ، ولاحجب ذات ارتاج ، ولادليل
داج ، ولابحر ساج ، ولا جبل ذو فجاج ، ولافج ذواعوجاج ، ولاأرض ذات مهاد ، ولاخلق
ذواعتماد ، ذلك مبتدع الخلق ووارثه ، وإله الخلق ورازقه ، والشمس والقمر دائبان في
مرضاته ، يبليان كل جديد ، ويقربان كل بعيد ، قسم أرزاقهم وأحصى آثارهم وأعمالهم ،
وعدد أنفاسهم وخائنة أعينهم وما تخفي صدورهم من الضمير ، ومستقرهم ومستودعهم
من الارحام والظهور ، إلى أن تتناهي بهم الغايات ، هو الذي اشتدت نقمته على أعدائه
في سعة رحمته ، واتسعت رحمته لاوليائه في شدة نقمته ، قاهر من عازه ،(2)ومدمر من
شاقه ، ومذل من ناواه ، وغالب من عاداه ، من توكل عليه كفاه ، ومن سأله أعطاه ،
ومن أقرضه قضاه ، ومن شكره جزاه . عباد الله زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا ،
وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا ، وتنفسوا قبل ضيق الخناق ، وانقادوا قبل عنف السياق ،
واعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من
غيرها زاجر ولاواعظ .
(1)في نسخ من النهج : الحمد لله المعروف من غير رؤية .
(2)عازه : عارضه في العزة .(*)