معصيته ؟ وكيف قال : " لقد جئت شيئا إمرا " و " شيئا نكرا " وما أتى العالم منكرا
على الحقيقة ،(1)وما معنى قوله : " لا تؤاخذني بما نسيت " وعندكم أن النسيان لا يجوز على
الانبياء ؟ ولم نعت موسى عليه السلام النفس بأنها زكية ولم تكن كذلك على الحقيقة ؟
ولم قال : " فخشينا " فإن كان الذي خشيه الله تعالى ما ظنه قوم فالخشية لا تجوز
عليه تعالى ، وإن كان هو الخضر فكيف يستبيح دم الغلام لاجل الخشية والخشية لا تقتضي
علما ولا يقينا ؟
قلنا : أما العالم الذي نعته الله في هذه الآيات فلا يجوز إلا أن يكون نبيا فاضلا
وقد قيل : إنه الخضر عليه السلام ، وأنكر أبوعلي ذلك وزعم أنه ليس بصحيح ، قال : لان
الخضر يقال : إنه كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل الذين بعثوا بعد موسى عليه السلام ،
وليس يمتنع أن يكون الله تعالى قد أعلم هذا العالم ما لم يعلمه موسى عليه السلام وأرشد موسى
عليه السلام إليه ليتعلم منه ، وإنما المنكر أن يحتاج النبي في العلم إلى بعض رعيته المبعوث
إليهم ، وأما أن يفتقر إلى غيره ممن ليس له برعية فجائز ، وما تعلمه من هذا العالم
إلا كتعلمه من الملك الذي يهبط إليه بالوحي ، وليس في هذا دلالة على أنه كان أفضل
من موسى في العلم ، لانه لا يمتنع أن يزيد موسى عليه السلام عليه في سائر العلوم التي هي
أفضل وأشرف مما علمه .(3)
وأما نفي الاستطاعة فإنما أراد بها أن الصبر لا يخف عليك ، وأنه يثقل على
طبيعتك ، كما يقول أحدنا لغيره : إنك لا تستطيع أن تنظر إلي ، وكما يقول للمريض
الذي يجهده الصوم وإن كان عليا قادرا : إنك لا تستطيع الصيام ولا تطيقه ، وربما عبر
بالاستطاعة عن الفعل نفسه ، كما قال الله تعالى حكاية عن الحواريين : " هل يستطيع ربك
أن ينزل علينا مائدة من السماء(3)" فكأنه على هذا الوجه قال له : إنك لن تصبر ولن
(1)في نسخة : في الحقيقة .
(2)في المصدر هنا زيادة وهى : فقد يعلم أحدنا شيئا من المعلومات وان كان ذلك المعلوم يذهب
إلى غيره ممن هو أفضل منه وأعلم .
(3)المائدة : 112 .(*)