بحار الأنوار ج64

وقال القطب الراوندي رحمه الله بعد ذكر المعنيين المحكيين عن ابن قتيبة
وأبي عبيد : وقال المرتضى فيه وجها ثالثا ، أي من أحبنا فليزم نفسه وليقدها
إلى الطاعات ، وليذللها على الصبر عما كره منها ، فالفقر : أن يحز أنف البعير
فيلوى عليه حبل يذلل به الصعب ، يقال : فقره إذا فعل به ذلك انتهى .
ولا يخفي أنه لو كان المراد الصبر على الفقر وستره والكف عن إظهار الحاجة
إلى الناس ، وذلك هو المعبر عنه بالجلباب ، كما أشير إليه أولا ، لا يقدح فيه ما
ذكره أبوعبيد من أن : فيمن يحبهم مثل ما في سائر الناس من الغنى ، لان الامر
بالصبر والستر حينئذ يتوجه إلى من ابتلاه الله بالفقر ، فالمراد : أن من ابتلى من
محبينا بالفقر ، فليصبر عليه ولا يشكفها ، ولا يستفاد منه فقد الغنى من الشيعة .
وأما الخبر الاول فقد قيل : يحتمل أن تكون مفاده صعوبة حمل محبتهم
الكاملة ، فيكون قريبا من قوله عليه السلام : إن أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا
ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو عبد امتحن الله قلبه للايمان(1).
فتهافت الجبل حينئذ لثقل هذا الحمل ، وشدة المهابة ، كقوله تعالى " لو أنزلنا
هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله "(2)وقوله تعالى :
" إنا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن
منها "(3)والظاهر من المقام أنه ليس المراد بالمحبة ، ما في العوام والاوساط
بل ما يستلزم التشبه به عليه السلام على وجه كامل ، والاقتداء التام به عليه السلام
في الفضائل ومحاسن الاعمال ، على قدر الطاقة ، وإن كانت درجته الرفيعة فوق
إدراك الافهام ، وأعلى من أن تناله الاوهام ، وحق للجبل أن يتهافت عن حمل
مثل ذلك الحمل .


(1)راجع الكافى ج 1 ص 401 . بصائر الدرجات ص 20 .
(2)الحشر : 21 .
(3)الاحزاب : 73 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه