يكون بالصفة الاخيرة فقط دون ما تقدم ،(1)وعلى هذا القول يكون التكليف الثاني نسخا
للاول ، والثالث للثاني ، وقد يجوز نسخ الشئ قبل الفعل لان المصلحة يجوز أن تتغير
بعد فوات وقتها ، وإنما لا يجوز نسخ الشئ قبل وقت الفعل لان ذلك يؤدي إلى
البداء .
وذهب آخرون إلى أن التكليف واحد وأن الاوصاف المتأخرة إنما هي للبقرة
المتقدمه ، وإنما تأخر البيان(2)وهو مذهب المرتضى قدس الله روحه ، واستدل بهذه الآية
على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة ، قال : إنه تعالى لما كلفهم
ذبح بقرة قالوا لموسى عليه السلام : " ادع لنا ربك يبين لنا ما هي " فلا يخلو قولهم : " ما هي "
من أن يكون كناية عن البقرة المتقدمة ذكرها ، أو عن التي امروا بها ثانيا ، والظاهر من
قولهم : " ما هي " يقتضي أن يكون السؤال عن صفة البقرة المأمور بذبحها ، لانه لا علم لهم
بتكليف ذبح بقرة اخرى ليستفهموا عنها ، وإذا صح ذلك فليس يخلو قوله : " إنها بقرة
لا فارض ولا بكر " من أن يكون الهاء فيه كناية عن البقرة الاولى أو غيرها ، وليس يجوز
أن يكون كناية عن بقرة ثانية إذ الظاهر تعلقها بما تضمنه سؤالهم ، ولانه لو لم يكن الامر
على ذلك لم يكن جوابا لهم ، وقول القائل في جواب من سأله ما كذا وكذا ؟ : إنه بالصفة
الفلانية ، صريح في أن الهاء كناية عما وقع السؤال عنه ، هذا مع قولهم : " إن البقر تشابه
علينا " فإنهم لم يقولوا ذلك إلا وقد اعتقدوا أن خطابهم مجمل غير مبين ، ولو كان على
ما ذهب إليه القوم فلم لم يقل لهم : وأي تشابه عليكم وإنما امرتم بذبح أي بقرة كانت ؟
وأما قوله : " وما كادوا يفعلون " فالظاهر أن ذمهم مصروف إلى تقصيرهم ، أو تأخيرهم
امتثال الامر بعد البيان التام لا على ترك المبادرة في الاول إلى ذبح بقرة . انتهى .(3)
(1)بما ان التكليف الاول كان مطلقا ، فلا محالة يكون التكليف الثانى متصفا بصفاته أيضا ،
لان المقيد يشتمل على ما في المطلق من الصفات .
(2)يدل على ذلك ما سيأتى من تفسير العسكرى عليه السلام تحت رقم 7 ، بل يدل على أن موسى
عليه السلام قال لهم انكم ستؤمرون بذلك راجعه .
(3)مجمع البيان 1 : 136 . فيه : أو تأخيرهم امتثال الامر بعد البيان التام وهو غير مقتض
ذمهم على ترك المبادرة في الاول إلى ذبح البقرة ، فلا دلالة في الاية على ذلك .(*)