بحار الأنوار ج14

خلقه بالسجود له ، وقيل : إنه من كلام الهدهد قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون
لغير الله ، أو قاله لسليمان عند عوده إليه استنكارا لما وجدهم عليه ، والقراء‌ة بالتشديد على
معنى زين لهم الشيطان ضلالتهم لئلا يسجدوا لله " الذي يخرج الخب‌ء في السموات والارض "
الخب : المخبوء ، وهو ما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه ، وما يوجده الله فيخرجه
من العدم إلى الوجود يكون بهذه المنزلة ، وقيل : الخب‌ء : الغيب ، وقيل : إن خب‌ء السماوات
المطر ، وخب‌ء الارض النبات والاشجار " ويعلم ما تخفون وما تعلنون " أي يعلم السر و
العلانية " الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم " من كلام الهدهد ، أو ابتداء إخبار من الله
تعالى ،(1)فلما سمع سليمان مااعتذر به الهدهد في تأخره " قال سننظر أصدقت أم كنت
من الكاذبين " ثم كتب سليمان عليه السلام كتابا وختمه بخاتمه ودفعه إليه فذاك قوله :
" اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم " يعني إلى أهل سبأ " ثم تول عنهم " أي استتر منهم قريبا
بعد إلقاء الكتاب إليهم " فانظر ماذا يرجعون " أي يرجع بعضهم إلى بعض من القول ،
فمضى الهدهد بالكتاب فألقاه إليهم فلما رأته بلقيس " قالت " لقومها : " يا أيها
الملا " أي أيها الاشراف " إني ألقي إلي كتاب كريم " قال قتادة : أتاها الهدهد وهي
نائمة مستلقية على قفاها ، فألقى الكتاب على نحرها فقرأت الكتاب ، وقيل : كانت لها
كوة مستقبلة للشمس تقع الشمس عند ما تطلع فيها ، فإذا نظرت إليها سجدت ، فجاء الهدهد
إلى الكوة فسدها بجناحه ، فارتفعت الشمس ولم تعلم ، فقامت تنظر فرمى الكتاب
إليها ، عن وهب وابن زيد ، فلما أخذت الكتاب جمعت الاشراف وهم ثلاثمائة واثنا عشر
قبيلا ،(2)ثم قالت لهم : " إني ألقي إلي كتاب كريم " سمته كريما لانه كان مختوما
عن ابن عباس ، ويؤيده الحديث : إكرام الكتاب ختمه . وقيل : وصفته بالكريم
لانه صدره ببسم الله الرحمن الرحيم ، وقيل : لحسن خطه وجودة لفظه وبيانه ، وقيل :
لانه كان ممن يملك الانس والجن والطير ، وقد كانت سمعت بخبر سليمان فسمته
كريما لانه من كريم رفيع الملك عظيم الجاه " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن
الرحيم " معناه أن الكتاب من سليمان وأن المكتوب فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم * ألا


(1)في المصدر : ههنا تمام الحكاية لما قاله الهدهد ، ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله تعالى .
(2)" : قيلا .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه