بحار الأنوار ج18

التوراة ، وانتظاره فيها نزول الوحي ، ولو كان متعبدا بشريعة موسى عليه السلام لما جرى ذلك ،
وأيضا فلو كان الامر على ما قالوه لكان يجب أن يجعل صلى الله عليه وآله كتب من تقدمه في الاحكام
بمنزلة الادلة الشرعية ، ومعلوم خلافه ، وأيضا فقد نبه صلى الله عليه وآله في خبر معاذ على الادلة
فلم يذكر في جملتها التوراة والانجيل ، وأيضا فإن كل شريعته مضافة إليه بالاجماع ،
ولو كان متعبدا بشرع غيره لما جاز ذلك ، وأيضا فلا خلاف بين الامة في أنه صلى الله عليه وآله لم يؤد
إلينا من اصول الشرائع إلا ما اوحي إليه وحمله ، وأيضا فإنه لا خلاف في أن شريعته
صلى الله عليه وآله ناسخة لكل الشرائع المتقدمة من غير استثناء ، فلو كان الامر كما
قالوه لما صح هذا الاطلاق ، وأيضا فإن شرائع من تقدم مختلفة متضادة فلا يصح كونه
متعبدا بكلها فلابد من تخصيص ودليل يقتضيه ، فإن ادعوا أنه متعبد بشريعة عيسى
عليه السلام بأنها ناسخة لشريعة من تقدم فذلك منهم ينقض تعلقهم بتعرفه صلى الله عليه وآله من
اليهود في التوراة ، فأما رجوعه في رجم المحصن إليها فلم يكن لانه كان متعبدا بذلك ،
لانه لو كان الرجوع لهذه العلة لرجع صلى الله عليه وآله في غير هذاالحكم إليها ، وإنما رجع لامر
آخر ، وقد قيل : إن سبب الرجوع أنه صلى الله عليه وآله كان خبر بأن حكمه في الرجم يوافق
ما في التوراة فرجع إليها تصديقا لخبره ، وتحقيقا لقوله صلى الله عليه وآله انتهى .
وقال المحقق أبوالقاسم الحلي طيب الله رمسه في اصوله : شريعة من قبلنا هل هي
حجة في شرعنا ؟ قال قوم : نعم ما لم يثبت نسخ ذلك الحكم بعينه . وأنكر الباقون ذلك
وهو الحق ، لنا وجوه :
الاول : قوله تعالى : " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى(1)" .
الثاني : لو كان متعبدا بشرع غيره لكان ذلك الغير أفضل ، لانه يكون تابعا لصاحب
ذلك الشرع ، وذلك باطل بالاتفاق .
الثالث : لوكان متعبدا بشرع غيره لوجب عليه البحث عن ذلك الشرع ، لكن ذلك
باطل ، لانه لو وجب لفعله ، ولو فعله لاشتهر ، ولوجب على الصحابة والتابعين بعده
والمسلمين إلى يومنا هذا متابعته صلى الله عليه وآله على الخوص فيه ، ونحن نعلم من الدين
خلاف ذلك .


(1)النجم : 3 و 4 .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه