بحار الأنوار ج23

وأما ما رواه من قوله : " إن الحق لينطق على لسان عمر " فهو مقتض إن
كان صحيحا عصمة عمر ، والقطع على أن أقواله كلها حجة ، وليس هذا مذهب
أحد في عمر ، لانه لا خلاف في أنه ليس بمعصوم ، وإن خلافه سائغ ، وكيف يكون
الحق ناطقا على لسان عمر ، ثم يرجع في الاحكام من قول إلى قول ويشهد على
نفسه بالخطأ ويخالف في الشئ ثم يعود إلى قول من خالفه فيوافقه عليه ، ويقول :
" لولا علي لهلك عمر ولولا معاذ لهلك عمر " ؟ وكيف لم يحتج بهذا الخبر هو
لنفسه في بعض المقامات التي احتاج فيها(1)؟ ولم يقل أبوبكر لطلحة لما قال له :
" ما تقول لربك إذ وليت علينا فظا غليظا " : أقول له : وليت من شهد الرسول
صلى الله عليه وآله بأن الحق ينطق على لسانه .
وليس لاحد أن يدعي في الامتناع من الاحتجاج بذلك سببا مانعا كما ندعيه
في ترك أمير المؤمنين عليه السلام الاحتجاج بالنص ، لانا قد بينا فيما تقدم أن لتركه
عليه السلام ذلك سببا ظاهرا ، وهو تأمر القوم عليه ، وانبساط أيديهم ، وأن


ممنوع ، على ان ذلك لو اقتضى النص بالامامة لاقتضى ما رووه عنه صلى الله عليه وآله من قوله :
" اصحابى كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم " امامة الكل ، وكذلك ما رووه من انه قال : " اهتدوا
بهدى عمار ، وتمسكوا بعهد ابن ام عبد " ولو جاوزنا ذلك وسلمنا صحة الخبر لم يكن فيه
تصريح بنص لانه مجمل لم يبين في اى شئ يقتدى بهما ، كما إن قوله : بعدى ايضا مجمل ليس
فيه دلالة على ان المراد بعد وفاتى ، او بعد حال اخرى من احوالى ، ولهذا قال بعض اصحابنا
ان سبب هذا الخبر ان النبى صلى الله عليه وآله كان سالكا بعض الطريق وهما متأخرين عنه فقال
صلى الله عليه وآله لبعض من سأله عن الطريق الذى يسلكه في اللحوق به : اقتدوا باللذين
من بعدى .
أقول : ويبطله أيضا احاديث رووها في عدم استخلاف النبى صلى الله عليه وآله كقوله :
" لو كنت مستخلفا احدا لاستخلفت ابا بكر " ويبطله ايضا احالة أبى بكر الامر يوم السقيفة
إلى أبى عبيدة وعمر . وتخلف بنى هاشم ووجوه من الصحابة كابى ذر وسلمان وعمار ومقداد
وسعد بن عبادة وجماعة من الانصار عن بيعته . واقرار عمر بعدم استخلاف النبى صلى الله
عليه وآله في مواضع متعددة .
(1)في المصدر : احتاج إلى الاحتجاج ، وكيف لم يقل .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه