عيسى عليه السلام من غير ذكر أمرا كائنا مفروغا منه محتوما ، قضى الله سبحانه بأنه يكون و
حكم به " فحملته " أي فحملت مريم بعيسى وحبلت في الحال ، قيل : إن جبرئيل أخذ
ردن قميصها(1)بإصبعه فنفخ فيه فحملت مريم من ساعتها ووجدت حس الحمل ، عن
ابن عباس ، وقيل : نفخ في كمها فحملت ، عن ابن جريح .
وروي عن الباقر عليه السلام أنه تناول جيب مدرعتها فنفخ نفخة فكمل الولد في الرحم
من ساعته ، كما يكمل الولد في أرحام النساء تسعة أشهر ، فخرجت من المستحم(2)وهي
حامل مثقل فنظرت إليها خالتها فأنكرتها ، ومضت مريم على وجهها مستحيية من خالتها
ومن زكريا " فانتبذت به مكانا قصيا " أي تنحت بالحمل إلى مكان بعيد ، وقيل : معناه
انفردت به مكانا بعيدا من قومها حياء من أهلها وخوفا من أن يتهموها بسوء .
واختلفوا في مدة حملها فقيل : ساعة واحدة ، قال ابن عباس : لم يكن بين الانتباذ
والحمل إلا ساعة واحدة ، لانه تعالى لم يذكر بينهما فصلا لانه قال : فحملته ،
فانتبذت به ، فأجاءها ، والفاء للتعقيب ، وقيل : حملت به في ساعة ، وصور في ساعة ووضعته
في ساعة حين زاغت الشمس من يومها وهي بنت عشر سنين ، عن مقاتل ، وقيل : كانت مدة حملها
تسع ساعات ، وهذا مروي عن أبي عبدالله ، وقيل . ستة أشهر ، وقيل : ثمانية أشهر ، وكان
ذلك آية وذلك أنه لم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غيره " فأجاءها المخاض " أي أجاءها
الطلق(3)أي وجع الولادة " إلى جذع النخلة " فالتجأت إليها لتستند إليها ، عن ابن عباس
ومجاهد وقتادة والسدي قال ابن عباس : نظرت مريم إلى أكمة(4)فصعدت مسرعة فإذا
عليها جذع النخلة ليس عليها سعف ، والجذع ساق النخلة ، والالف واللام دخلت للعهد
لا للجنس ، أي النخلة المعروفة ، فلما ولدت " قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا
منسيا " أي شيئا حقيرا متروكا ، عن ابن عباس ، وقيل : شيئا لايذكر ولايعرف ، عن قتادة
وقيل : حيضة ملقاة ، عن عكرمة والضحاك ومجاهد ، قال ابن عباس : فسمع جبرئيل كلامها
(1)الردن : أصل الكم . طرفه الواسع .
(2)المستحم : موضع الاستحمام .
(3)في المصدر : ألجأها المخاض .
(4)الاكمة : التل . وفي المصدر : فصعدت مسرعة اليها .