بحار الأنوار ج16

الاطهر الاطيب صلى الله عليه واله ، فإن فيه اسوة لمن تأسى ، وعزآء لمن تعزى ، وأحب العباد
إلى الله تعالى المتأسي بنبيه صلى الله عليه واله ، والمقتص لاثره ، قضم الدنيا قضما ، ولم يعرها طرفا ،
أهضم أهل الدنيا كشحا ، وأخمصهم من الدنيا بطنا ، عرضت عليه الدنيا(1)فأبى أن
يقبلها ، وعلم أن الله سبحانه أبغض شيئا فأبغضه ، وحقر شيئا فحقره ، وصغر شيئا فصغره ،
ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله(2)وتعظيمنا ما صغر الله لكفى به شقاقا لله ،
ومحادة(3)عن أمر الله ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه واله يأكل على الارض ، ويجلس جلسة العبد
ويخصف بيده نعله ، ويرقع بيده ثوبه ، ويركب الحمار العاري ، ويردف خلفه ، ويكون
الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول : يا فلانة - لاحدى أزواجه - غيبيه
عني ، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها ، فأعرض عن الدنيا بقلبه ، وأمات
ذكرها من نفسه ، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه ، لكيلا يتخذ منها رياشا ، ولا يعتقدها
قرارا ، ولا يرجوا فيها مقاما ، فأخرجها من النفس ، وأشخصها عن القلب(4)، وغيبها عن
البصر ، وكذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر(5)إليه ، وأن يذكر عنده ، ولقد كان
في رسول الله صلى الله عليه واله ما يدلك على مساوي الدنيا وعيوبها ، إذ جاع فيها مع خاصته ، وزويت
عنه زخارفها مع عظيم زلفته ، فلينظر ناظر بعقله أكرم الله محمدا صلى الله عليه واله بذلك أم أهانه ؟ فإن
قال : أهانه فقد كذب والعظيم(6)، وإن قال : أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث
بسط الدنيا له ، وزواها عن أقرب الناس منه ، فتأسى متأس بنبيه ، واقتص أثره ، وولج
مولجه ، وإلا فلا يأمن الهلكة ، فإن الله جعل محمدا صلى الله عليه واله علما للساعة ، ومبشرا بالجنة ومنذرا
بالعقوبة ، خرج من الدنيا خميصا ، وورد الآخرة سليما ، لم يضع حجرا على حجر حتى


(1)عرضت عليه الدنيا عرضا فابى خ ل .
(2)في المصدر : ما أبغض الله ورسوله ، وكذا فيما بعده . ما صغر الله ورسوله .
(3)المحادة : المخالفة في عناد .
(4)أى أزعجها وأبعدها .
(5)في المصدر : من ينظر إليه .
(6)في المصدر : وأتى بالافك العظيم .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه