بحار الأنوار ج63

ما يسام فيه على ما يؤكل منه ، لانه سيصير غذاء حيوانيا هو أشرف الاغذية ، ومن
هذا تقديم الزرع والتصريح بالاجناس الثلاثة وترتيبها .
" إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " على وجود الصانع وحكمته ، فان من
تأمل أن الحبة تقع في الارض وتصل إليها نداوة تنفذ فيها فينشق أعلاها ويخرج
منه ساق الشجرة وينشق أسفلها ، فيخرج منه عروقها ، ثم ينمو ويخرج منه الاوراق
والازهار والاكمام والثمار ، ويشتمل كل منها على أجسام مختلفة الاشكال والطباع ، مع
اتحاد المواد ونسبة الطبايع السفلية والتأثيرات الفلكية إلى الكل ، علم أن ذلك
ليس إلا بفعل فاعل مختار مقدس عن منازعة الاضداد والانداد .
" وماذرأ لكم في الارض " عطف على الليل ، أي وسخر لكم ما خلق لكم فيها
من حيوانات ونباتاب " مختلفا ألوانه " أي أصنافه فانها تتخالف باللون غالبا " إن في
ذلك لآية لفوم يذكرون " أن اختلافها في الطباع والهيئات والمناظر ليس إلا بصنع
صانع حكيم .
وقال تعالى " وأنزل من السماء ماء فأخر جنابه " قيل : عدل من لفظ الغيبة إلى صيغة
المتكلم على الحكاية لكلام الله تنبيها على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة
والحكمة ، وإيذانا بأنه مطاع تنقاد الاشياء المختلفة بمشيته " أزواجا " أي أصنافا
" من نبات شتى " أي متفرقات في الصور والاعراض والمنافع ويصلح بعضها للناس ، و
بعضها للبهايم ، فلذلك قال : " كلوا وارعوا أنعامكم " أي أخرجنا أصناف النبات
قائلين كلوا وارعوا أنعامكم " إن في ذلك لآيات لاولى النهى " : لذوي العقول الناهية
عن اتباع الباطل وارتكاب القبايح ، جمع نهية .
وأقول : هذا مما يدل على عموم الاباحة إلا ما أخرجه الدليل كما مر .
" والنجم " أي النبات الذي ينجم أي يطلع من الارض ولاساق له " والشجر "
الذي له ساق " يسجدان " ينقادان لله فيما يريد بهما طبعا انقياد الساجد من المكلفين
طوعا .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه