بحار الأنوار ج7

وسكنت الحركات ، وقد نبههم هول يوم القيامة والوعيد كما قال سبحانه : " أفأمن
أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون " فاستيقظوا لها فزعين ، وقاموا إلى صلاتهم
معولين(1)باكين تارة ، واخرى مسبحين ، يبكون في محاريبهم ويرنون ، يصطفون
ليلة مظلمة بهماء يبكون ، فلو رأيتهم يا أحنف في ليلتهم قياما على أطرافهم ، منحنية
ظهورهم ، يتلون أجزاء القرآن لصلاتهم ، قد اشتدت أعوالهم ونحيبهم وزفيرهم ، إذا
زفروا خلت النار قد أخذت منهم إلى حلاقيمهم ، وإذا أعولوا حسبت السلاسل قد
صفدت في أعناقهم ، فلو رأيتهم في نهارهم إذا لرأيت قوما يمشون على الارض هونا
ويقولون للناس حسنا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، وإذا مروا باللغو
مروا كراما قد قيدوا أقدامهم من التهمات ، وأبكموا ألسنتهم أن يتكلموا في أعراض
الناس ، وسجموا أسماعهم أن يلجها خوض خائض ، وكحلوا أبصارهم بغض البصر من
المعاصي ، وانتحوا دار السلام التي من دخلها كان آمنا من الريب والاحزان ، فلعلك
ياأحنف شغلك نظرك إلى الدنيا عن الدار التي خلقها الله سبحانه من لؤلؤة بيضاء ،
فشقق فيها أنهارها ، وكبسها بالعواتق من حورها ، ثم سكنها أولياؤه وأهل طاعته ،
فلو رأيتهم يا أحنف وقد قدموا على زيادات ربهم سبحانه صوتت رواحلهم بأصوات
لم يسمع السامعون بأحسن منها ، وأظلتهم غمامة فأمطرت عليهم المسك والزعفران ،
وصهلت خيولها بين أغراس تلك الجنان ، وتخللت بهم نوقهم بين كتب الزعفران ،
ويتطأمن(2)تحت أقدامهم اللؤلؤ والمرجان ، واستقبلتهم قهارمتها(3)بمنابر الريحان
وهاجت لهم ريح من قبل العرش فنثرت عليهم الياسمين والاقحوان ، ذهبوا إلى بابها
فيفتح لهم الباب رضوان ، ثم يسجدون لله في فناء الجنان ، فقال لهم الجبار : ارفعوا
رؤوسكم فإني قد رفعت عنكم مؤونة العبادة وأسكنتكم جنة الرضوان ، فإن فاتك
يا أحنف ما ذكرت في صدر كلامي لتتركن في سرابيل القطران ، ولتطوفن بينها
وبين حميم آن ، ولتسقين شرابا حار الغليان ، فكم يومئذ في النار من صلب محطوم ،


(1)أي رافعين صوتهم بالبكاء والصياح .
(2)تطأمن : انخفض .
(3)جمع القهرمان : الوكيل ، أو أمين الدخل والخرج .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه