بحار الأنوار ج57

الناطق نوعين : حجة ومحجوجا ، فجعل الحجة أعلى من المحجوج ، لا بانة الله الحجة
واختصاصه إياه علوي يخصه له دون المحجوجين ، فجعله معلما من جهة باختصاصه
إياه وعلما بأمره إياه أن يعلم بأن الله عزوجل معلم الحجة دون أن يكله إلى أحد
من خلقه ، فهو متعال به ، وبعضم يتعالى على بعض بعلم يصل إلى المحجوجين من
جهة الحجة .
قالوا : ثم رأينا أصل الشئ الذي هو آدم ، فوجدناه قد جعله علماعلى كل
روحاني خلقه قبله ، وجسماني ذرأه وبرأه منه ، فعلمه علما خصه به لم يعلمهم قبل ولا
بعد ، وفهمه فهما لم يفهمهم قبل ولا بعد . ثم جعل ذلك العلم الذي علمه ميراثا فيه لاقامة
الحجج من نسله على نسله ، ثم جعل آدم لرفعة قدرة وعلو أمره للملائكة الروحانيين
قبلة ، وأقامه لهم محنة ، فابتلا هم بالسجود إليه ، فجعل - من أسجد له
له أعلى وأفضل ممن أسجدهم ، ولان من جعل بلوى وحجة أفضل ممن حجهم به ، و
لان إسجاده عزوجل إياهم للخضوع ألزمهم الاتضاع منهم له ، والمأمورين بالاتضاع
بالخضوع والخشوع والاستكانة دون من أمرهم بالخضوع له ، ألا ترى إلى من أبي الائتمار
لذلك الخضوع ولتلك الاستكانة فأبى واستكبر ولم يخضع لمن أمره له بالخضوع كيف
لعن وطرد عن الولاية ، وادخل في العداوة ، فلا يرجى له من كبوته الاقالة آخر الابد
فرأينا السبب الذي أوجب الله عزوجل لادم عليهم فضلا ، فإذا هو العلم خصه الله
عزوجل دونهم ، فعلمه الاسماء ، وبين له الاشياء ، فعلا بعلمه من لايعلم . ثم أمره
عزوجل أن يسألهم سؤال تكليف عما علمه بتعليم الله عزوجل إياه مما
لم يكن علمهم ، ليريهم عزوجل علو منزلة العلم ورفعة قدره ، كيف خص العلم محلا
وموضعا اختاره ، له ، أبان ذلك المحل عنهم بالرفعة والفضل .
ثم علمنا أن سؤال آدم إياهم عما سألهم عنه مما ليس في وسعهم وطوقهم الجواب
عنه سؤال تنبيه لاسؤال تكليف ، لانه عزوجل لا يكلف ما ليس في وسع المكلف القيام
به . فلما لم يطيقوا الجواب عما سألوا علمنا أن السؤال كان كالتقرير منه لهم يقرن(1)


(1)في العلل : يقرر .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه