بحار الأنوار ج6

الاستهزاء باسمه كما سمي جزاء السيئة سيئة إما لمقابلة اللفظ باللفظ ، أو لكونه مماثلا له
في القدر ، أو يرجع وبال الاستهزاء عليهم ، فيكون كالمستهزئ بهم ، أو ينزل بهم الحقارة
والهوان الذي هو لازم الاستهزاء والغرض منه ، أو يعاملهم معاملة المستهزئ : أما في الدنيا
فبإجراء أحكام المسلمين عليهم ، واستدراجهم بالامهال وزيادة في النعمة على التمادي في
الطغيان ، وأما في الآخرة فبأن يفتح لهم وهم في النار بابا إلى الجنة فيسرعون نحوه ،
فإذا صاروا إليه سد عليهم الباب ، وذلك قوله تعالى : " فاليوم الذين آمنوا من الكفار
يضحكون " . " ويمدهم في طغيانهم يعمهون " من مد الجيش وأمده : إذا زاده وقواه ،
لا من المد في العمر ، فإنه يعدى باللام ، والمعتزلة قالوا : لما منعهم الله ألطافه التي
يمنحها المؤمنين وخذلهم بسبب كفرهم وإصرارهم وسدهم طريق التوفيق على أنفسهم
فتزايدت بسببه قلوبهم رينا وظلمة ، وتزايد قلوب المؤمنين انشراحا ونورا ، أو مكن
الشيطان من إغوائهم فزادهم طغيانا ، اسند ذلك إلى الله تعالى إسناد الفعل إلى المسبب ،
وأضاف الطغيان إليهم لئلا يتوهم أن إسناد الفعل إليه على الحقيقة ، ومصداق ذلك
أنه لما أسند المد إلى الشياطين أطلق الغي ، وقال : " وإخوانهم يمدونهم في الغي " وقيل :
أصله : نمد لهم بمعنى نملي لهم ، ونمد في أعمارهم كي ينتبهوا ويطيعوا ، فما زادوا إلا طغيانا
وعمها ، فحذفت اللام وعدي الفعل بنفسه ، كما في قوله تعالى : " واختار موسى قومه " أو التقدير : يمدهم استصلاحا وهم مع ذلك يعمهون في طغيانهم .
وقال في قوله تعالى : " يخادعون الله " : الخدع أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه
من المكروه لتنزله عما هو بصدده ، وخداعهم مع الله ليس على ظاهره لانه لا تخفى عليه
خافية ، ولانهم لم يقصدوا خديعته ، بل المراد إما مخادعة رسوله على حذف المضاف
أو على أن معاملة الرسول معاملة الله من حيث إنه خليفته كما قال : " ومن يطع الرسول
فقد أطاع الله " وإما أن صورة صنعهم مع الله من إظهار الايمان واستبطان الكفر وصنع الله
معهم بإجراء أحكام المسلمين عليهم استدراجا لهم ، وامتثال الرسول والمؤمنين أمر الله
في إخفاء حالهم مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المتخادعين .
وقال في قوله تعالى : " ويمكر الله " : برد مكرهم ، أو بمجازاتهم عليه ، أو بمعاملة

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه