المخصوص ؟ فإن قلت : إن طبيعة توجب وقوفه في ذلك الحيز المعين فحينئذ يفسد
القول بأن الارض إنما وقفت بسبب أن الله تعالى أرساها الجبال . وإن قلت : إن
المقتضي لسكون الماء في حيزه المعين هو أن الله تعالى أسكن الماء بقدرته في ذلك
الحيز المخصوص ، فنقول : فلم لا تقول مثله في سكون الارض ؟ وحينئذ يفسد هذا
التعليل أيضا .
الاشكال الثالث : أن مجموع الارض حسم واحد فبتقدير أن يميل بكليته
ويضطرب على وجه البحر المحيط لم تظهر تلك الحالة للناس . فإن قيل : أليس أن
الارض تحركها البخارات المحتقنة في داخلها عند الزلازل وتظهر تلك الحركات للناس ؟
قلنا البخارات احتقنت في داخل قطعة صغيرة من الارض ، فلما حصلت الحركة في تلك
القطعة ظهرت تلك الحركة ، فإن ظهور الحركة في تلك القطعة المعينة يجري مجرى
اختلاج عضومن بدن الانسان ، أما لوتحركت كلية الارض تظهر ، ألا ترى أن
الساكن في سفينة لا يحس بحركة كلية السفينة وإن كانت على أسرع الوجوه وأقواها(1).
(انتهى كلامه).
ويمكن أن يجاب عنها : أما عن الاشكال الاول فبأن يختار أنها طالبة
بطبعها للمركز لكن إذا كانت خفيفة كان الماء يحركها بأمواجه حركة قسرية
ويزيلها عن مكانها الطبيعي بسهولة ، فكانت تميد وتضطرب بأهلها وتغوص قطعة منها
وتخرج قطعة منها ، ولما أرساها الله تعالى بالجبال وأثقلها قاومت الماء وأمواجه بثقلها
فكانت كالا وتاد مثبتة لها . ومنه يظهر الجواب عن الاشكال الثاني ، على أن توقف
إرساء الارض الجبال على سكون الماء في حيز معين ممنوع . وأما عن الاشكال الثالث
فبأن يقال : ليس الامتنان بمجرد عدم ظهور حركة الارض حتى يقال : إنه على
تقدير حركتها بكليتها لايظهر للناس بل بخروج البقاع من الماء وعدم غرقها بحركة
الارض وميدانهابأهلها ، على أن الظاهر أن الحركة التي لاتحس إنما هي إذا كانت
في جهة مخصوصة وعلى وضع واحد كحركة وضعية مستمرة أو حركة أينية على جهة
(1)مفاتيح الغيب : ج 20 ، ص 8