بحار الأنوار ج3

المسخر بين السماء والارض بمنزلة الدخان لا جسد له يلمس بشئ من الارض و
الجبال ، يتخلل الشجرة فلا يحرك منها شيئا ، ولا يهصر منها غصنا ، ولا يعلق منها بشي
يعترض الركبان فيحول بعضهم من بعض من ظلمته وكثافته ، ويحتمل من ثقل الماء و
كثرته ما لا يقدر على صفته ، مع ما فيه من الصواعق الصادعة ، والبروق اللامعة ، والرعد
والثلج والبرد والجليد ما لا تبلغ الاوهام صفته ولا تهتدي القلوب إلى كنه عجائبه ، فيخرج
مستقلا في الهواء يجتمع بعد تفرقه ويلتحم بعد تزايله ، تفرقه الرياح من الجهات
كلها إلى حيث تسوقه بإذن الله ربها ، يسفل مرة ويعلو اخرى ، متمسك بما فيه من
الماء الكثير الذي إذا أزجاه صارت منه البحور ، يمر على الاراضي الكثيرة والبلدان
المتنائية لا تنقص منه نقطة ، حتى ينتهي إلى ما لا يحصى من الفراسخ فيرسل ما فيه قطرة
بعد قطرة ، وسيلا بعد سيل ، متتابع على رسله حتى ينقع البرك وتمتلي الفجاج ، و
تعتلي الاودية بالسيول كأمثال الجبال غاصة بسيولها ، مصمخة الآذان لدويها و
هديرها فتحى بها الارض الميتة فتصبح مخضرة بعد أن كانت مغبرة ، ومعشبة بعد
أن كانت مجدبة ، قد كسيت ألوانا من نبات عشب ناضرة زاهرة مزينة معاشا للناس و
الانعام ، فإذا أفرغ الغمام ماء أقلع وتفرق وذهب حيث لا يعاين ولا يدرى أين توارى ،
فادت العين ذلك إلى القلب فعرف القلب أن ذلك السحاب لو كان بغير مدبر وكان ما
وصفت من تلقاء نفسه ما احتمل نصف ذلك من الثقل من الماء ، وإن كان هو الذي يرسله
لما احتمله ألفي فرسخ أو أكثر ، ولارسله فيما هو أقرب من ذلك ، ولما أرسله قطرة بعد
قطرة ، بل كان يرسله إرسالا فكان يهدم البنيان ويفسد النبات ، ولما جاز إلى بلد و


(1)وفى نسخة : ينفجر بعد تمسكه .
(2)وفى نسخة : تصفقه الرياح .)
(3)ازجاه أى دفعه برفق .)
(4)وفى نسخة : لا تقطر منه قطرة .)
(5)بكسر الباء وفتح الراء جمع بركة : مستنقع الماء الحوض .)
(6)وفى نسخة : ومصمة الاذان لدويها وهديرها .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه