فرحهم بقدر رأفته ورحمته ، فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه
بأولياءه ؟ فكيف بمن يؤذي فيه ؟ وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه ؟
فكيف بمن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه ؟ .
بيان : السباع الضارية أي المولعة بالافتراس المعتادة له . وحزبه أمر أي نزل
به وأهمه .
قوله عليه السلام : وإياك أن تغلب الحكمة كذا في النسخة التي عندنا ، ولعل فيه
حذفا وإيصالا ، أي تغلب على الحكمة ، أي يأخذها منك قهرا من لا يستحقها بأن
يقرأ على صيغة المجهول ، أو على المعلوم أي تغلب على الحكمة فإنها تأبى عمن لا
يستحقها ، ويحتمل أن يكون بالفاء من الافلات بمعنى الاطلاق ، فإنهم يقولون : انفلت
مني كلام أي صدر بغير روية . قوله : فتلطف له في النصيحة أي تذكر له شيئا
من تلك الحكمة بلطف على وجه الامتحان . والافاقة : الرجوع عن السكر والاغماء
والغفلة إلى حال الاستقامة . قوله : يؤذيه بأولياءه أي بسبب إيذاءهم ، وترضاه أي طلب
رضاه .
يا هشام من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما اوتي عبد علما فازداد
للدنيا حبا إلا ازداد من الله بعدا وازداد الله عليه غضبا .
يا هشام إن العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به ، وأكثر الصواب في خلاف
الهوى ، ومن طال أمله ساء عمله .
يا هشام لو رأيت مسير الاجل لالهاك عن الامل .
بيان : اللبيب : العاقل(1)والتوصيف للتوضيح والتأكيد ، وألهاك : أي أغفلك .
يا هشام إياك والطمع ، وعليك باليأس مما في أيدي الناس ، وأمت الطمع من
المخلوقين ، فان الطمع مفتاح الذل ، واختلاس(2)العقل ، وإخلاق المروات ، وتدنيس
(1)اللب : العقل الخالص من الشوائب ، أو ما ذكا من العقل ، فكل لب عقل ولا يعكس ، واللبيب
من كان ذا لب ، فكل لبيب عاقل ، ولا يعكس .
(2)الاختلاس : الاختطاف بسرعة على غفلة بخلاف الاستلاب فانه لا يشترط فيه الغفلة .(*)