بحار الأنوار ج70

فهذا هو الحب دون الاول ، فكذلك الجاه والمال قد يحب كل واحد منهما
من هذين الوجهين ، فحبهما لاجل التوسل إلى مهمات البدن غير مذموم ، وحبهما
لاعيانهما فيما يجاوز ضرورة البدن وحاجته مذموم ، ولكنه لا يوصف صاحبه بالفسق
والعصيان ، ما لم يحمله الحب على مباشرة معصية ، وما لم يتوصل إلى اكتسابه
بعبادة فان التوصل إلى المال والجاه بالعبادة خيانة على الدين ، وهو حرام ، وإليه
يرجع معنى الرياء المحظور كما مر .
فان قلت : طلب الجاه والمنزلة في قلب استاذه وخادمه ورفيقه وسلطانه
ومن يرتبط به أمره مباح على الاطلاق ، كيف ما كان ؟ أو مباح إلى حد مخصوص
أو على وجه مخصوص ؟ فأقول : يطلب ذلك على ثلاثة أوجه : وجهان منها مباح
ووجه منها محظور .
أما المحظور ، فهو أن يطلب قيام المنزلة في قلوبهم باعتقادهم فيه صفة هو
منفك عنها ، مثل العلم والورع والنسب ، فيظهر لهم أنه علوي أو عالم أوورع ، ولا
يكون كذلك ، فهذا حرام لانه تلبيس وكذب ، إما بالقول وإما بالفعل .
وأما المباح فهو أن يطلب المنزلة بصفة وهو متصف بها كقول يوسف عليه السلام : اجعلني
على خزائن الارض إني حفيظ عليم (1)فانه طلب المنزلة في قلبه بكونه حفيظا
عليما ، وكان محتاجا إليه ، وكان صادقا فيه .
والثاني أن يطلب إخفاء عيب من عيوبه ، ومعصية من معاصيه ، حتى لا يعلمه
فلا تزول منزلته به ، فهذا أيضا مباح لان حفظ الستر على القبايح جايز ، ولا
يجوز هتك الستر ، وإظهار القبح ، فهذا ليس فيه تلبيس ، بل هو سد لطريق العلم
بما لا فائدة في العلم به ، كالذي يخفي عن السلطان أنه يشرب الخمر ، ولا يلقى
إليه أنه ورع ، فان قوله : إني ورع تلبيس ، وعدم إقراره بالشرب لا يوجب
اعتقاده الورع ، بل يمنع العلم بالشرب .
ومن جملة المحظورات تحسين الصلاة بين يديه لان تحسن فيه اعتقاده ، فان


(1)يوسف : 55 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه