بحار الأنوار ج57

تعالى(1)في إيجاد الناس وتكوين أجسادهم دفعة واحدة ، ونفخ أرواحهم في أجسادهم
المتكونة نفخة واحدة ، بتوسط بعض ملائكته . فرد الله تعالى بواسطة واهب الصور تلك
الصور إلى موادها لحصول المزاج الخاص مرة اخرى كما تتكون الوف كثيرة من
أصناف الحيوانات كالذباب وغيرها في الصيف من العفونات تكونا دفعيا ، ولايلزم أن
يكون نحو التعلق واحدا في المبدء ولا عادة ، بل يجوز أن يكون التعلق الاخري إلى
البدن على وجه لايكون مانعا من حصول الافعال الغريبة والاثار العجيبة ، ومشاهدة
امور غيبية لم يكن من شأن النفس مشاهدتها إياها في النشأة الدنيوية ، وكذا اقتدارها
على إيجاد صور عجيبة غريبة حسنة أو قبيحة مناسبة لاوصافها وأخلاقها - انتهى - .
وأنت تعلم إذا تأملت في مجاري كلامه أنه مع إعمال التقية فيه لوح إلى مرامه .
ونقل بعض قدماء الاطباء عن جالينوس في بيان تشريح الاعضاء وفوائدها أنه
قال : وشعر الحاجبين أيضا مما لم يقصر فيه ولم يتوان عنه ، وهو والاشفار دون سائر
الشعر جعل له مقدار يقف عنده فلا يطول أكثر منه ، وأما شعر الرأس واللحية فإنه يطول
كثيرا ، والسبب في ذلك أن شعر الر أس واللحية له منفعتان : إحديهما تغطية ماتحته
من الاعضاء وسترها والاخرى إفناء الفضول الغليظة . ومنفعته من جهة التغطية والستر
تختلف على وجوه شتى ، وذلك لان حاجتنا إلى التغطية والستر تختلف بقدر اختلاف


= = على حدودها ، وتعين الحدود والقيود من شؤون الموجود بأمر الله تعالى لامن قيود أمره و
ايجاده فافهم .
إذا عرفت هذه الامور علمت ان قواعد الفلسفة لاتنفى خوارق العادات وتكون الاشياء
من غير طريق اسبابها المتعارفة ، كما لا توجب محدودية قدرته تعالى وتوقفها على حصول
استعدادات للمواد ، وان انكر ذلك منكر فلا يعاب به على القواعد العقلية كما لا يعاب بغلط
المحاسب على قواعد الحساب ، فنفس القواعد امر واجراؤها في مواردها امر آخر . والله يهدى
من يشاء إلى صراط مستقيم .
(1)لا يخفى مافى هذه العبارة ، فارادة الله تعالى قاهرة للاشياء لامقهورة لها ومترجحة
بها ، إلا أن يكون مراده ما أشرنا إليه سابقا .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه