بحار الأنوار ج46

أجبته ، وإن لم أعلم قلت لا أدري ، وكان الصدق أولى بي ، فقال هشام : أخبرني
عن الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب بما استدل الغائب عن المصر الذي قتل
فيه علي ؟ وما كانت العلامة فيه للناس ؟ وأخبرني هل كانت لغيره في قتله عبرة .
فقال له أبي : إنه لما كانت الليلة التي قتل فيها علي صلوات الله عليه لم يرفع
عن وجه الارض حجر إلا وجد تحته دم عبيط حتى طلع الفجر .
وكذلك كانت الليلة التي فقد فيها هارون أخو موسى صلوات الله عليهما .
وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون .
وكذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم عليهما السلام .
وكذلك الليلة التي قتل فيها الحسين صلوات الله عليه .
فتربد وجه هشام وامتقع لونه ، وهم أن يبطش بأبي ، فقال له أبي : يا
أميرالمؤمنين الواجب على الناس الطاعة لامامهم والصدق له بالنصيحة ، وإن الذي
دعاني إلى ما أجبت به أميرالمؤمنين فيما سألني عنه معرفتي بما يجب له من الطاعة
فليحسن ظن أميرالمؤمنين ، فقال له هشام : أعطني عهد الله وميثاقه ألا ترفع هذا
الحديث إلى أحد ما حييت ، فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه ، ثم قال هشام : انصرف
إلى أهلك إذا شئت ، فخرج أبي متوجها من الشام نحو الحجاز ، وأبرد هشام
بريدا وكتب معه إلى جميع عماله ما بين دمشق إلى يثرب يأمرهم أن لا يأذنوا
لابي في شئ من مدينتهم ولا يبايعوه في أسواقهم ، ولا يأذنوا له في مخالطة أهل
الشام حتى ينفذ إلى الحجاز ، فلما انتهي إلى مدينة مدين ومعه حشمه ، وأتاه
بعضهم فأخبره أن زادهم قد نفد ، وأنهم قد منعوا من السوق ، وأن باب المدينة
أغلق ، فقال أبي : فعلوها أئتوني بوضوء فاتي بماء فتوضأ ثم توكأ على غلام له
ثم صعد الجبل حتى إذا صار في ثنية(1)استقبل القبلة فصلى ركعتين ، ثم قام و
أشرف على المدينة ثم نادى بأعلا صوته وقال :
(وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا


(1)الثنية : العقبة أو طريقها ، أو الجبل ، أو الطريقة فيه أو اليه(القاموس).

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه