بحار الأنوار ج58

متحيز ، أو حال في المتحيز ، أو موجود غير متحيز ولا حال في المتحيز ؟ وثانيها أن يقال :
الارواح قديمة أو حادثة ؟ وثالثها أن يقال : الارواح هل تبقى بعد موت الاجساد
أو تفنى ؟ ورابعها أن يقال : ما هى حقيقة سعادة الارواح وشقاوتها ؟
وبالجملة فالمباحث المتعلقة بالروح كثيرة ، وقول " ويسألونك عن الروح "
ليس فيه ما يدل على أنهم عن أي هذه المسائل سألوا . إلا أن جوابه تعالى لا يليق
إلا بمسألتين من المسائل التي ذكرناها : إحديهما السؤال عن ماهية الروح ، والثانية
عن قدمها وحدثها .
أما البحث الاول فهو أنهم قالوا : ما حقيقة الروح وماهيته ؟ أهو عبارة عن
أجسام موجودة في داخل هذا البدن متولدة من امتزاج الطبائع والاخلاط ، أو عبارة
عن نفس هذا المزج والتركيب ، أو هو عبارة عن عرض آخر قائم بهذا الاجسام ، أو هو
عبارة عن موجود مغائر لهذه الاجسام ولهذا الاعراض ؟ فأجاب الله عنه بأنه موجود
مغائر لهذا الاجسام ولهذا الاعراض ، وذلك لان هذه الاجسام وهذه الاعراض أشياء
تحدث من امتزاج الاخلاط والعناصر ، وأما الروح فإنه ليس كذلك ، بل هو جوهر
بسيط مجرد لا يحدث إلا بمحدث قوله كن فيكون : فقالوا : لم كان شيئا مغائرا لهذه
الاجسام ولهذه الاعراض ؟ فأجاب الله بأنه موجود يحدث بأمر الله وتكوينه وتأثيره في
إفادة الحياة لهذا الجسد ، ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه ، فإن أكثر
حقائق الاشياء وماهياتها مجهولة ، ولم يلزم من كونها مجهولة نفيها ، وهذا هو المراد
بقوله " وما اوتيتم من العلم إلا قليلا " .
وأما البحث الثاني فهو أن لفظ الامر قد جاء بمعنى الفعل ، قال تعالى " وما أمر
فرعون برشيد " وقال " لما جاء أمرنا " أي فعلنا ، فقوله " قل الروح من أمر ربي "
من فعل ربي ، وهذا الجواب يدل على أنهم سألوا أن الروح قديمة أو حادثة ؟ فقال :
بل هي حادثة ، وإنما حصلت بفعل الله وتكوينه وإيجاده . ثم احتج على حدوث الروح
بقوله " وما اوتيتم من العلم إلا قليلا " بمعنى أن الارواح في مبدأ الفطرة تكون خالية
عن العلوم ، ثم تحصل فيها المعارف والعلوم ، فهي لا تزال تكون في التغير من حال

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه