فان كثرة الاطراء تحدث الزهو وتدنى من الغرة والاقرار بذلك يوجب المقت
من الله .
لا يكونن المحسن والمسئ عندك بمنزلة سواء فان في ذلك تزهيد لاهل
الاحسان في الاحسان ، وتدريب لاهل الاساءة ، فألزم كلا منهم ما ألزم نفسه(1)
أدبا منك ، ينفعك الله به وتنفع به أعوانك .
ثم اعلم أنه ليس شئ بأدعى لحسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم و
تخفيفه المؤونات عليهم وقلة استكراهه إيام على ما ليس له قبلهم ، فليكن في
ذلك أمر يجتمع لك به حسن ظنك برعيتك ، فان حسن الظن يقطع عنك نصبا
طويلا وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده(2)وأحق من ساء
ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده . فأعرف هذه المنزلة لك وعليك لتزدك بصيرة في
حسن الصنع واستكثار حسن البلاء عند العامة مع ما يوجب الله بها لك في المعاد .
ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الامة واجتمعت بها الالفة وصلحت
عليها الرعية . ولا تحدثن سنة تضر بشئ مما مضى من تلك السنن ، فيكون الاجر
لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها .
وأكثر مدارسة العلماء ومثافنة الحكماء(3)في تثبيت ما صلح عليه أهل بلادك
وإقامة ما استقام
به الناس من قبلك ، فان ذلك يحق الحق ويدفع الباطل ويكتفي
به دليلا ومثالا ، لان السنن الصالحة هي السبيل إلى طاعة الله .
أى تقرب . والزهو : العجب . والغرة - بالكسر - : الحمية والانفة . وهذا كله أمر بأن
يلازم أهل الورع والصدق منهم ثم أن يروضهم ويؤدبهم بالنهى عن الاطراء له أويو جبوا له
سرورا بقول باطل ينسبونه فيه إلى فعل لا يفعله .
(1)التدريب : الاعتياد والتجرى . وقوله : وما ألزم نفسه في مقابلة الاحسان
أو الاساءة بمثلها .
(2)أى اختبارك عنده .
(3)المثافنة : المجالسة والملازمة . وفى بعض نسخ النهج ومنافثة أى المحادثة .