واقول : التخصيص بعد التعميم أيضا شائع كعطف جبرئيل على الملائكة كما
ذكره البيضاوي ، وماذكره من عدم جواز استعمال المشترك في معنييه على تقدير تسليمه
لا حاجة في التعميم على حمله على ذلك ، بل يمكن حمله على معنى الانقياد والتواضع ، وهو
يشمل الانقياد لارادته وتأثيره طبعا ، والانقياد لتكليفه وأمره طوعا كماحمل عليه
البيضاوي . وقال بعضهم : هذه الاية تدل على أن العالم كله في مقام الشهود والعبادة
إلا كل مخلوق له قوة التفكر ، وليس إلا النفوس الناطقة الانسانية والحيوانية
خاصة من حيث أعيان أنفسهم لامن حيث هيا كلهم ، فإن هيا كلهم كسائر العالم في التسبيح
له والسجود ، فأعضاء البدن كلها مسبحة ناطقة ، ألا تراها تشهد على النفوس المسخرة
لها يوم القيامة من الجلود ووالا يدي والارجل والالسنة والسمع والبصر وجميع
القوى ، فالحكم لله العلي الكبير - انتهى - .
وأقول : والارواح والنفوس أيضا لهاجهتان : فمن جهة مسخرة منقادة لربها
في جميع ما أراد منها ، ومن جهة اخرى عاصية مخالفة لربها ، بل من هذه الجهة أيضا
مسخرة ساجدة خاضعة لارادة ربها أقدرها على ما أرادت ، ودالة على وجود
صانعها الذي جعلها مختارة مريدة قادرة على الاتيان بماأرادت ، فهي من هذه الجهة
أيضا مسبحة لربها ذاكرة لهادالة عليها منادية بلسان حالها من جهة إمكانها وحدوثها
وافتقارها بأن لي ربا جعلني مريدا مختارا لحكمته وكماله وعنايته الازلية كما
قال بعض العارفين بالفارسية " عين إنكار منكر إقراراست " والكلام في هذا المقام دقيق
لا يمكن إجراء أكثر من ذلك منه على الاقلام ، ويصعب دركها على الافهام ، وقد
أو مأت إلى شئ منه في شرح كتاب توحيد الكافي في توضيح أخبار إرادة الله تعالى وبيان
معانيها .
قوله سبحانه " تسبح له السموات " قال النيسابوري : قالت العقلاء : تسبيح
الحي المكلف يكون تارة باللسان بأن يقول " سبحان الله " واخرى بدلالة أحواله
على وجود الصانع الحكيم ، وتسبيح غيره لايكون إلا من القبيل الثاني . وقد تقرر
في الاصول أن اللفظ المشترك لايحمل على معنييه معا في حالة واحدة ، فتعين التسبيح