بحار الأنوار ج12

فبادرت امرأة العزيز فقالت للعزيز : " ماجزاء من أراد بأهلك سوء إلا أن يسجن أو عذاب أليم "
فقال يوسف للعزيز : " هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها "(1)فألهم الله يوسف أن قال
للملك : سل هذا الصبي في المهد فإنه يشهد أنها راودتني عن نفسي ، فقال العزيز للصبي
فأنطق الله الصبي في المهد ليوسف حتى قال : " إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من
من الكاذبين * وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين " فلما رأى العزيز
قميص يوسف قد تخرق من دبر قال لامرأته : " إنه من كيد كن إن كيد كن عظيم "
ثم قال ليوسف : " أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين " وشاع الخبر


(1)قوله تعالى : " وشهد شاهد " قال ابن عباس وابن جبير : انه كان صبى في المهد ، قيل :
وكان الصبى ابن اخت زليخا وهو ابن ثلاثة أشهر ، وقيل : شهد رجل حكيم من أهلها " وقال
نسوة " قيل : هن أربع نسوة ، امرأة ساقى الملك ، وامرأة الخباز ، وامرأة صاحب الدواب ، وامرأة
صاحب السجن ، وزاد مقاتل امرأة الحاجب " بمكرهن " سماه مكرالان قصدهن كان ان تريهن يوسف ;
لانها استكتمهن ذلك فأظهرته " وأعتدت لهن متكأ " أى وسائد تتكين عليها ، وقيل : أراد به
الطعام لان من دعى إلى طعام يعد له المتكا وقيل : الطعام الزماورد .
وقال عكرمة : هو كل مايجز بسكين لانه يؤكل في الغالب على متكاء ، وقيل : انه كان طعام و
شراب على عمومه .
وروى عن ابن عباس وغيره " متكأ " خفيفة ساكنة التاء ، وقالوا : المتك : الاترج .
أقول : لعل على بن ابراهيم هكذا رواه فلذا فسره بذلك ، أو فسره بمطلق الطعام ،
ولما كان الواقع ذلك فسره به " فلما رأينه أكبرنه " أعظمنه وتحيرن في جماله " وقطعن
أيديهن " بتلك السكاكين على جهة الخطاء بدل قطع الفواكه ، فما أحسسن الا بالدم ، لم يجدن ألم
القطع لاشتغال الموبهن بيوسف ، والمعنى : جرحن أيديهن ; وقيل : أبنتها وقلن حاش لله " أى صار
يوسف في حشا ، أى في ناحية مما قذف به لخوفه لله ومراقبة أمره ، أو تنزيها له عما رمته به
امرأة العزيز ، أو تنزيها لله من صفات العجز وتعجبا من قدرته على خلق مثله " ماهذا بشرا ان هذا
الا ملك كريم " أى هذا الجمال غير معهود من البشر بل ملك كريم لحسنه ولطافته أو لجمعه بين
الحسن الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة ، وروى عن النبى صلى الله عليه وآله أنه قال :
رأيت ليلة المعراج يوسف في السماء الثانية وصورته صورة القمر ليلة البدر " ثم بدالهم " انما لم
يقل " لهن " لانه أراد به الملك او زليخا بأعوانها فغلب المذكر . منه رفع الله درجاته .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه