يقتضي وجوبها في ذلك الوقت دون ما قبله ، وقد قالوا إن في أفعال الحج مثل أفعال
المجانين ، وقالوا في وجوب غسل الجنابة أنه مشقة وشبهوه بمن نجس طرف من
أطراف ثوبه فوجب غسل كله فانه يعد سفها .
وقالوا في المحرمات الشرعية كشرب الخمر أو الزناء أنه ظلم ، إلى غير ذلك
مما يقوله القائلون بالاباحة وغيرها ، كيف يمكن أن يدعى أن يمكن الوصول
إلى معرفة وجوبها أو قبحها بطريقة عقلية ، فلا يمكن أن يعرف تلك المصالح بقول
النبي إلا بعد العلم بصدقه من جهة المعجز ، فصح أنه لا طريق إلى العلم بذلك
إلا من جهة المعجز .
فصل : وأما تشبيههم ذلك بمن ادعى حفظ القرآن أو صنعة من الصنايع
الدنيوية إذا أتى بها على الوجه الذي حفظ غيره أو علم تلك الصناعة ، فليس بنظير
مسئلتنا لان ذلك من جملة المعرفة بالمشاهدات ، لان بالمشاهدة تعلم الصنعة
بعد وقوعها على ترتيب وإحكام ، ومطابقته لما سبق من العلم بذلك الصنعة ، والحفظ
لذلك المقرو ، وليس كذلك ما أتى به النبي لانه لا طريق إلى المعرفة بكونه
مصلحة في أوقاتها ، دون ما قبلها وما بعدها ، وفي مكان دون مكان ، وعلى شرائطها
دون تلك الشرايط لا بمشاهدة ولا طريقة عقلية ، ألا ترى أن المخالفين من القائلين
بالمعقولات المنكرين للنبوات والشرائع ، لما لم ينظروا في الطريقة التي سلكها
المسلمون ، في تصديق الرسل ، من النظر في المعجزات ، دفعوا النبوة والقول
بالشرائع ، لما لم يجدوا طريقة عقلية إلى معرفة شرائعهم ، ومطابقتها للمصالح
الدنياوية .
فصل : وقولهم : المعرفة بصدقهم من جهة المعجزات معرفة غير يقينية
لانه يجوز أن يكون فيها من باب السحر ، فيقال لهم : جوزتم في المعجزات أن
يكون من باب السحر ، ولا يحصل لكم العلم اليقيني بصدق النبي ، فجوزوا فيمن
قرأ القرآن أنه ساحر ، وفي كل صنعة من الصنائع أن صانعها ساحر لايحكمها .
لكنه يرى السحرة أنه أحكمها ، وفي ذلك سد الطريق عليكم إلى معرفة صدق