" قال له موسى إنك لغوي مبين " أي ظاهر الغواية ، قاتلت بالامس رجلا وتقاتل اليوم
آخر ، ولم يرد الغواية في الدين ، والمراد أن من خاصم آل فرعون مع كثرتهم فإنه غوي
أي خائب فيما يطلبه ، عادل عن الصواب فيما يقصده .
" فلما أراد أن يبطش " أي فلما أخذته الرقة على الاسرائيلي وأراد أن يدفع
القبطي الذي هو عدو لموسى والاسرائيلي عنه ويبطش به ، أي يأخذه بشدة ظن
الاسرائيلي أن موسى قصده لما قال له : " إنك لغوي مبين " فقال : " أتريد أن تقتلني "
وقيل : هو من قول القبطي لانه قد اشتهر أمر القتل بالامس وأنه قتله بعض بني إسرائيل
" إن تريد إلا أن تكون جبارا في الارض " أي ما تريد إلا أن تكون جبارا عاليا في
الارض بالقتل والظلم ، ولما قال الاسرائيلي ذلك علم القبطي أن القاتل موسى ، فانطلق
إلى فرعون فأخبره به ، فأمر فرعون بقتل موسى وبعث في طلبه .
" فخرج منها " أي من مدينة فرعون " خائفا " من أن يطلب فيقتل " يترقب " الطلب
قال ابن عباس : خرج متوجها نحو مدين وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه ، و
قيل : إنه خرج بغير زاد ولا حذاء ولا ظهر(1)وكان لا يأكل إلا من حشيش الصحراء حتى
بلغ ماء مدين " ولما توجه تلقاء مدين " قال الزجاج : أي لما سلك في الطريق الذي
يلقى مدين فيها ، وهي على مسيرة ثمانية أيام من مصر ، نحو ما بين الكوفة إلى البصرة ،
ولم يكن له بالطريق علم ولذلك قال : " عسى ربي أن يهديني سواء السبيل " أي يرشدني
قصد السبيل إلى مدين ، وقيل : إنه لم يقصد موضعا بعينه ولكنه أخذ في طريق مدين .
وقال عكرمة : عرضت لموسى أربع طرق فلم يدر أيتها يسلك ، ولذلك قال : " عسى ربي
أن يهديني " فلما دعا ربه استجاب له ودله على الطريق المستقيم إلى مدين ، وقيل : جاء
ملك على فرس بيده عنزة(2)فانطلق به إلى مدين ، وقيل : إنه خرج حافيا ولم يصل
إلى مدين حتى وقع خف قدميه(3)عن ابن جبير " فلما ورد ماء مدين " وهو بئر كانت لهم
(1)الظهر : الركاب التى تحمل الاثقال .
(2)العنزة : أطول من العصا وأقصر من الرمح وفيه زج كزج الرمح .
(3)الخف من الانسان : ما أصاب الارض من باطن قدمه .(*)