بحار الأنوار ج56

الكفروا سحر ، وقد تقدم ذكر السحر وتقدم أيضا ذكر ما يدل على الكفر
ويقتضيه في قوله تعالى " ولكن الشياطين كفروا " فدل " كفروا " على الكفر
والعطف عليه مع السحر جائز ، وإن كان التصريح وقع بذكر السحر دونه ، و
مثل ذلك قوله تعالى " ؟ ؟ ؟ من يخشى ويتجنبها الاشقى * الذي يصلى النار
الكبرى "(1)أي يتجنب الدكرى الاشقى ، ولم يتقدم تصريح بالذكرى لكن دل
عليها قوله " سيذكر " ويجوز أيضا أن يكون معنى " فيتعلمون منهما " أي بدلا
مما علمهم الملكان ، ويكون المعنى أنهم يعدلون عما علمهم ووقفهم عليه الملكان من
النهي عن السحر إلى تعلمه واستعماله ، كما يقول القائل : ليت لنا من كذا وكذا
كذاأي بدلا منه ، كما قال الشاعر :
جمعت من الخيرات وطبا وعلبة * وصرا لاخلاف المزممة البزل
ومن كل أخلاق الكرام تميمة * وسعيا على الجار المجاور بالبخل
يريد : جمعت مكان الخيرات ومكان أخلاق الكرام هذه الخصال الذميمة . و
قوله تعالى " ما يفرقون به بين المرء وزوجه " فيه وجهان : أحدهما أن يكونوا
يغوون أحد الزوجين ويحملونه على الشرك بالله تعالى ، فيكون بذلك قد فارق زوجه
الآخر المؤمن المقيم على دينه ، ليفرق بينهما اختلاف النحلة والملة ، والوجه
الآخر أن يسعوا بين الزوجين بالنميمة والوشاية والاغراء والتمويه بالباطل حتى
يؤول أمرهما إلى الفرقة والمباينة .
وثالث الوجوه في الآية أن تحمل " ما " في قوله تعالى " وما انزل على
الملكين " على الجحد والنفي ، فكأنه تعالى قال : واتبعوا ما تتلوا الشياطين على
ملك سليمان وما كفر سليمانوما أنزل الله السحر على الملكين ولكن الشياطين
كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت . ويكون قوله تعالى " ببابل
هاروت وماروت " من المؤخر الذي معناه التقديم ، فيكون على هذا التأويل هاروت
وماروت رجلين من جملة هذان اسماهما ، وإنما ذكرا بعد ذكر الناس تمييزا


(1)الاعلى : 10 12 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه