العظيم كعدمه حتى تاب فاعل القبيح عن العظيم فإنه تقبل توبته ، ومثال ذلك أن
الانسان إذا قتل ولد غيره وكسر له قلما ثم تاب وأظهر الندم على قتل الولد دون كسر
القلم فإنه تقبل توبته ، ولا يعتد العقلاء بكسر القلم وإن كان لابد من أن يندم على جميع
إساءته ، وكما أن كسر القلم حال قتل الولد لا يعد إساءة فكذا العزم .
ثم قال رحمه الله : ولما فرغ من تقرير كلا م أبي هاشم ذكر التحقيق في هذا المقام ،
وتقريره أن نقول : الحق أنه يجوز التوبة عن قبيح دون قبيح لان الافعال تقع بحسب
الدواعي ، وتنتفي الصوارف فإذا ترجح الداعي وقع الفعل . إذا عرفت هذا فنقول : يجوز
أن يرجح فاعل القبائح دواعيه إلى الندم على بعض القبائح دون بعض ، وإن كانت القبائح
مشتركة في أن الداعي يدعو إلى الندم عليها ، وذلك بأن يقترن ببعض القبائح قرائن
زائدة كعظم الذنب ، أو كثرة الزواجر عنه ، أو الشناعة عند العقلاء عند فعله ، ولا تقترن
هذه القرائن ببعض القبائح فلا يندم عليها ، وهذا كما في دواعي الفعل فإن الافعال
الكثيرة قد تشترك في الدواعي ، ثم يؤثر صاحب الدواعي بعض تلك الافعال على بعض ،
بأن يترجح دواعيه إلى ذلك الفعل بما يقترن به من زيادة الدواعي ، فلا استبعاد في
كون قبح الفعل داعيا إلى العدم ثم يقترن ببعض القبائح زيادة الدواعي إلى الندم عليه
فيرجح لاجلها الداعي إلى الندم على ذلك البعض ، ولو اشتركت القبائح في قوة
الدواعي اشتركت في وقوع الندم عليها ولم يصح الندم على البعض دون الآخر ، وعلى هذا
ينبغي أن يحمل كلام أميرالمؤمنين علي عليه السلام وكلام أولاده كالرضا وغيره عليهم السلام حيث نقل
عنهم نفي تصحيح التوبة عن بعض القبائح دون بعض ، لانه لولا ذلك لزم خرق الاجماع
والتالى باطل فالمقدم مثله ، بيان الملازمة أن الكافر إذا تاب عن كفره وأسلم وهو مقيم
على الكذب إما أن يحكم بإسلامه وتقبل توبته من الكفر أولا ، والثاني خرق الاجماع
لاتفاق المسلمين على إجراء حكم المسلم عليه ، والاول هو المطلوب ، وقد التزم أبو هاشم
استحقاقه عقاب الكفر وعدم قبول توبته وإسلامه ، ولكن لا يمتنع إطلاق اسم
الاسلام عليه .