رؤوسهم ينادون بأعلى أصواتهم : لا حكم إلا لله ، ثم تفرقوا فرقة بالنخيلة واخرى بحروراء
واخرى راكبة رأسها تخبط الارض شرقا حتى عبرت دجلة ، فلم تمر بمسلم إلا امتحنته
فمن تابعها استحيته ومن خالفها قتلته ، فخرجت إلى الاوليين واحدة بعد اخرى أدعوهم
إلى طاعة الله عزوجل والرجوع إليه ، فأبيا إلا السيف لا يقنعها غير ذلك ، فلما أعيت
الحيلة فيهما حاكمتهما إلى الله عزوجل فقتل الله هذه وهذه ، وكانوا يا أخا اليهود لو لا ما
فعلوا لكانواركنا قويا وسدا منيعا ، فأبى الله إلا ما صاروا إليه ، ثم كتبت إلى الفرقة
الثالثة ووجهت رسلي تترى(1)وكانوا من جلة أصحابي وأهل التعبد منهم والزهد في
الدنيا ، فأبت إلا اتباع اختيها والاحتذاء على مثالهما ، وشرعت(2)في قتل من خالفها من
المسلمين ، وتتابعت إلي الاخبار بفعلهم ، فخرجت حتى قطعت إليهم دجلة اوجه السفراء و
النصحاء ، وأطلب العتبى بجهدي(3)بهذا مرة وبهذا مرة وأومأ بيده إلى الاشتر والاحنف بن
قيس وسعيد بن قيس الارحبي والاشعث بن قيس الكندي فلما أبوا إلا تلك ركبتها منهم ،
فقتلهم الله يا أخا اليهود عن آخرهم وهم أربعة آلاف أو يزيدون حتى لم يفلت(4)منهم مخبر ،
فاستخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من ترى ، له ثدي كثدي المرأة ، ثم التفت عليه السلام
إلى أصحابه فقال ، أليس كذلك ؟ قالوا : بلى يا أميرالمؤمنين . فقال عليه السلام قدوفيت سبعا
وسبعا يا أخا اليهود وبقيت الاخرى واوشك بها فكان قد(5).
فبكى أصحاب علي عليه السلام وبكى رأس اليهود ، وقالوا : يا أميرالمؤمنين أخبرنا بالاخرى
فقال : الاخرى أن تخضب هذه وأومأ بيده إلى لحيته من هذه وأومأبيدء إلى هامته
قال : وارتفعت أصوات الناس في المسجد الجامع بالضجة والبكاء حتى لم يبق بالكوفة دارإلا
خرج أهلها فزعا ، وأسلم رأس اليهود على يدي علي عليه السلام من ساعته ، ولم يزل مقيما حتى
(1)تترى أصلها(وترى)ومعناها مجئ الواحد بعد الاخر نحو(أرسلنا رسلنا تترى)أى
واحدا بعد واحد .
(2)في المصدر : وأسرعت .
(3)في المصدر : لجهدى .
(4)في الاختصاص : لم يفلتنى .
(5)سيأتى معناه في البيان . وفي الاختصاص : وكان قد قربت .