ونحوهما وإما غير متساوية من جميع الوجوه وكلاهما باطل .
أما الاول فلانه إما أن يكون ترك كل منهما لذلك المعلول مستلزما لفعل
الآخر وإياه لحكمة كل منهما أم لا ، فعلى الاول إحداث أحدهما ذلك المعلول
يستلزم الترجيح بلا مرجح ، لان إحداث كل منهما ذلك المعلول ليس أولى بوجه من
تركه إياه وإحداث الآخر إياه ، وعلى الثاني إما أن يكون ترك التارك له مع تجويزه
الترك على الآخر قبيحا وخلاف الحكمة أم لا ، والاول يستلزم النقص ، والثاني يستلزم
عدم إمكان رعاية المصالح التي لا تحصى في خلق العالم ، لانه اتفاقي حينئذ ، ومعلوم
بديهة أن الاتفاقي لا يكون منتظما في أمرسهل ، كصدور مثل قصيدة من قصائد البلغاء
المشهورين عمن لم يمارس البلاغة ، وإن كان يمكن أن يصدر عنه اتفاقا مصراع بليغ ،
أو مصراعان فضلا عما نحن فيه .
وأما بطلان الثاني فلانه يستلزم أن يكون مختلفة من جميع الوجوه بأن لا يكون
أحدهما قادرا عليه أصلا لان اختلاف نسبة قادرين إلى معلول واحد شخصى إنما يتصور
فيما يمكن أن يكون صدوره عن أحدهما أصلح وأنفع من صدوره عن الآخر ، وهذا
إنما يتصور فيما كان نفع فعله راجعا إليه كالعباد ، وأما إذا كان القادران بريئين من
الانتفاع كما فيما نحن فيه فلا يتصور ذلك فيه بديهة ، وينبه عليه أن الغني المطلق
إنما يفعل ما هو الخير في نفسه من غير أن يكون له فيه نفع سواء كان لغيره فيه نفع كما
في ثواب المطيع أولم يكن ، ومثاله عقاب الكافر إن لم يكن للمطيعين فيه نفع .
وتقرير الثالث أنه إن كان المدبر اثنين فنسبة معلول معلول إليهما إما متساوية من
جميع الوجوه أولا وكلاهما باطل ، أما الاول فلان صدور بعض المعلومات عن أحدهما
وبعض آخر منهما عن الآخر منهما حينئذ يحتاج إلى ثالث هو الفرجة بينهما أي ما يميز
ويعين كل معلول معلول لواحد معين منهما حتى يكون المدبران اثنين لامتناع الترجيح
من جهة الفاعلين بلا مرحج أي بلاداع أصلا كما هو المفروض فيلزم خلاف الفرض ، و
هو أن يكون المدبر ثلاثة ثم ننقل الكلام إلى الثلاثة وهكذا إلى مالا نهاية له في الكثرة
ويلزم التسلسل . وإنما لم يكتف عليه السلام بعد نقل الكلام إلى الثلاثة بالاحتياج إلى فرجة