وخجلتك وخزيك ، يوم تحمل سيئات من استهزأت به ، وتساق إلى النار لادهشك
ذلك عن إخزاء صاحبك ، ولو عرفت حالك لكنت أولى أن يضحك منك ، فانك
سخرت به عند نفر قليل ، وعرضت نفسك لان يأخذ بيدك في القيامة على ملاء من
الناس ، ويسوقك تحت سيئاته كما يساق الحمار إلى النار مستهزئا بك ، وفرحا
بخزيك ، ومسرورا بنصرالله إياه ، وتسله على الانتقام منك ، وأما الرحمة على
إثمه فهو حسن ، ولكن حسدك إبليس واستنطقك بما ينقل من حسناتك إليه بما هو
أكثر من رحمتك ، فيكون جبرا لاثم المرحوم ، فيخرج عن كونه مرجوما وتنقلب
أنت مستحقا لان تكون مرجوما إذ أحبط أجرك ، ونقصت من حسناتك .
وكذلك الغضب لله لا يوجب الغيبة ، وإنما حبب إليك الشيطان الغيبة
ليحبط أجر غضبك ، وتصير متعرضا لغضب الله بالغيبة ، وبالجملة فعلاج جميع ذلك
المعرفة ، والتحقيق لها بهذه الامور التي هي من أبواب الايمان ، فمن قوي إيمانه
بجميع ذلك انكف عن الغيبة لا محالة ، ثم ذكر رحمه الله الاعذار المرخصة في
الغيبة ، فقال : اعلم أن المرخص في ذكر مساءة الغير هو غرض صحيح في الشرع
لا يمكن التوصل إليه إلا به ، فيدفع ذلك إثم الغيبة ، وقد حصروها في عشرة :
الاول : الظلم فان من ذكر قاضيا بالظلم والخيانة ، وأخذ الرشوة ، كان
مغتابا عاصيا ، وأما المظلوم من جهة القاضي فله أن يتظلم إلى من يرجو منه إزالة
ظلمه ، وينسب القاضي إلى الظلم إذ لا يمكنه استيفاء حقه إلا به ، وقد قال
صلى الله عليه وآله : لصاحب الحق مقال ، وقال صلى الله عليه واله : مطل الغني ظلم ، وقال
صلى الله عليه وآله : مطل الواجد يحل عرضه وعقوبته .
الثانى : الاستعانة على تغيير المنكر ، ورد المعاصي إلى نهج الصلاح
ومرجع الامر في هذا إلى القصد الصحيح ، فان لم يكن ذلك هو المقصود كان حراما .
الثالث : الاستفتاء كما تقول للمفتي ظلمني أبي وأخي فكيف طريقي في
الخلاص ، والاسلم في هذا التعريض بأن تقول ما قولك في رجل ظلمه أبوه أو أخوه
وقد روي ان هندا قالت للنبي صلى الله عليه واله : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما