والانف(1)يبسط الله عليك أكناف رحمته(2)ويوجب لك ثواب أهل طاعته ، فأعط
ما أعطيت هنيئا(3)وامنع في إجمال وإعذار وتواضع هناك ، فان الله يحب المتواظعين
وليكن أكرم أعوانك عليك ألينهم جانبا ، وأحسنهم مراجعة ، وألطفهم بالضعفاء ، إن
شاءالله .
ثم إن امورا من امورك لا بد لك من مباشرتها ، منها إحابة عمالك ما
يعيى عنه كتابك(4)، ومنها إصدار حاجات الناس في قصصهم ، ومنها معرفة ما يصل
إلى الكتاب والخزان مما تحت أيديهم ، فلا تتوان فيما هنالك ولا تغتنم تأخيره
واجعل لكل أمر منها من يناظر فيه ولاته بتفريح لقلبك وهمك ، فكلما أمضيت
أمرا فأمضه بعد التروية(5)ومراجعة نفسك ومشاورة ولي ذلك ، بغير احتشام ولا
رأي(6)يكسب به عليك نقيضه .
ثم أمض لكل يوم علمه فان لكل يوم ما فيه ، واجعل لنفسك فيما بينك
وبين الله أفضل تلك المواقيت ، وأجزل تلك الاقسام(7)وإن كانت كلها لله إذا صحت
فيها النية(8)وسلمت منها الرعية ، وليكن في خاص ما تخلص لله به دينك إقامة
فرائضه التي هي له خاصة ، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ما يجب ، فان الله
جعل النافلة لنبيه خاصة دون خلقه فقال : ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى
(1)المراد بالضيق : ضيق الصدر من هم أوسوء خلق . والانف - بالتحريك - : الاستكبار
والترفع . أى بعد عن نفسك هذا وذلك .
(2)الاكناف : الاطراف .
(3)هنيئا : سهلا لينا أى لا تخشنه واذا منعت فامنع بلطف وعذر .
(4)أى يعجز عنه .
(5)التروية : النظر في الامر والتفكر فيه .
(6)الاحتشام من الحشمة - بالكسر - : الاستحياء والانقباض والغضب .
(7)أجزل : أعظم .
(8)في النهج اذا صلحت .