" إن ذلك لحق تخاصم أهل النار " وقال : " لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد "
وقال : " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون "
فمرة يخبر أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ،(1)ومرة يخبر
أن الخلق ينطقون ،(2)ويقول عن مقالتهم : " والله ربنا ما كنا مشركين " ومرة يخبر
أنهم يختصمون .
فأجاب عليه السلام بأن ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان
مقداره خمسين ألف سنة ، يجمع الله عزوجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ويكلم
بعضهم بعضا ، ويستغفر بعضهم لبعض ، اولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا من
الرؤساء والاتباع ، ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا على الظلم و
العدوان في دار الدنيا المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضا ، و
الكفر في هذه الآية : البراءة ، يقول : فيتبرء بعضهم من بعض ، ونظيرها في سورة إبراهيم
قول الشيطان : " إني كفرت بما أشركتمون من قبل " وقول إبراهيم خليل الرحمن : " كفرنا
بكم " يعني تبرأنا منكم ، ثم يجتمعون في مواطن آخر ، فيستنطقون فيه ، ويبكون فيه ، فلو
أن تلك الاصوات بدت لاهل الدنيا لاذهلت جميع الخلق من معائشهم ، ولتصدعت
قلوبهم إلا ما شاءالله ، فلا يزالون يبكون الدم ، ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون
فيه فيقولون : " والله ربنا ما كنا مشركين " فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم ، و
يستنطق الايدي والارجل والجلود ، فتشهد بكل معصية كانت منهم ، ثم يرفع عن
ألسنتهم الختم ، فيقولون لجلودهم : " لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل
شئ " ويجتمعون في موطن آخر فيستنطقون ، فيفر بعضهم من بعض ، فذلك قوله عزو
جل : " يوم يفر المرء من أخيه وامه وأبيه وصاحبته وبنيه " فيستنطقون فلا يتكلمون
إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فنقوم الرسل - صلى الله عليهم - فيشهدون في هذا
الموطن ، فذلك قوله تعالى : " فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء
(1)في التوحيد المطبوع : فمرة يخبر انهم يتكلمون ، ومرة يخبر أنهم لا يتكلمون . اه .
(2)في المصدر : لا ينطقون . وما في المتن أنسب بقوله : ويقول اه . م(*)