بحار الأنوار ج5

كان لو حاسبه بالعدل لم يكن له عليه بعد النعم التي أسلفها حق ، لانه تعالى ابتدأ
خلقه بالنعم ، وأوجب عليهم بها الشكر ، وليس أحد من الخلق يكافئ نعم الله تعالى عليه
بعمل ، ولا يشكره أحد إلا وهو مقصر بالشكر عن حق النعمة ، وقد أجمع أهل القبلة
على أن من قال : إني وفيت جميع ما لله علي وكافأت نعمه بالشكر فهو ضال ، وأجمعوا
على أنهم مقصرون عن حق الشكر ، وأن لله عليهم حقوقا لو مد في آعمارهم إلى آخر
مدى الزمان لما وفوا الله سبحانه بما له عليهم ، فدل ذلك على أنه ما جعله حقا لهم
فإنما جعله بفضله وجوده وكرمه ، ولان حال العامل الشاكر خلاف حال من لا عمل
له في العقول ، وذلك أن الشاكر يستحق في العقول الحمد ، ومن لا عمل له فليس له في
العقول حمد ، وإذا ثبت الفصل بين العامل ومن لا عمل له كان ما يجب في العقول من حمده
هو الذي يحكم عليه بحقه ويشار إليه بذلك ، وإذا أوجبت العقول له مزية على من
لا عمل له كان العدل من الله تعالى معاملته بما جعل في العقول له حقا ، وقد أمر
تعالى بالعدل ونهى عن الجور فقال تعالى : " إن الله يأمر بالعدل والاحسان "(1)
الآية انتهى .
وقال العلامة رحمه الله في شرحه على التجريد : ذهب جماعة من معتزلة بغداد إلى
أن العفو جائز عقلا ، غير جائز سمعا ، وذهب البصريون إلى جوازه سمعا وهو الحق ،
واستدل المصنف رحمه الله بوجوه ثلاثة :
الاول أن العقاب حق الله تعالى فجاز تركه ، والمقدمتان ظاهرتان .
الثاني أن العقاب ضرر بالمكلف ، ولا ضرر في تركه على مستحقه ، وكل ما كان
كذلك كان تركه حسنا ، أما أنه ضرر بالمكلف فضروري ، وأما عدم الضرر في تركه
فقطعي ، لانه تعالى غني بذاته عن كل شئ ، وأما إن ترك مثل هذا حسن فضرورية ،
وأما السمع فالآيات الدالة على العفو كقوله تعالى : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر
ما دون ذلك " فإما أن يكون هذان الحكمان مع التوبة أو بدونها ، والاول باطل
لان الشرك يغفر من التوبة فتعين الثاني ، وأيضا المعصية مع التوبة يجب غفرانها ،


(1)النحل : 90 . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه