وأما قوله : تخلية السرب فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه ويمنعه العمل
بما أمره الله به وذلك قوله في من استضعف وحظر عليه العمل فلم يجد حيلة ولم يهتد
سبيلا(1): " من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا " فأخبر
أن المستضعف لم يخل سربه وليس عليه من القول شئ إذا كان مطمئن القلب بالايمان .
وأما المهلة في الوقت فهو العمر الذى يمتع به الانسان(2)من حد ما يجب
عليه المعرفة إلى أجل الوقت ، وذلك من وقت تمييزه وبلوغ الحلم إلى أن يأتيه أجله ،
فمن مات على طلب الحق ولم يدرك كماله فهو على خير وذلك قوله : " ومن يخرج من
بيته مهاجرا إلى الله ورسوله " الآية ، وإن كان لم يعمل بكمال شرائعه لعلة ما لم يمهله
في الوقت إلى استتمام أمره ، وقد حظر على البالغ ما لم يحظر على الطفل إذا لم يبلغ الحلم
في قوله تعالى : " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن " الآية فلم يجعل عليهن حرجا في
إبداء الزينة للطفل وكذلك لا تجري عليه الاحكام .
وأما قوله : الزاد فمعناه الجدة والبلغة(3)التي يستعين بها العبد على ما أمره
الله به ، وذلك قوله : " ما على المحسنين من سبيل " الآية ألا ترى أنه قبل عذر من لم
يجد ما ينفق ، وألزم الحجة كل من أمكنته البلغة ، والراحلة للحج والجهاد وأشباه
ذلك ، كذلك قبل عذر الفقراء وأوجب لهم حقا في مال الاغنياء بقوله : " للفقراء الذين
احصروا في سبيل الله " الآية ، فأمر بإعفائهم ، ولم يكلفهم الاعداد لما لا يستطيعون ولا
يملكون .
وأما قوله : في السبب المهيج ، فهو النية التي هي داعية الانسان إلى جميع
الافعال ، وحاستها القلب ، فمن فعل فعلا وكان بدين لم يعقد قلبه على ذلك لم يقبل
(1)في المصدر : ولا يهتدى سبيلا كما قال الله تعالى " الا المستضعفين من الرجال والنساء
والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا " . م
(2)في التحف المطبوع : يبلغ به الانسان .
(3)الجدة بكسر الجيم وفتح الدال المخففة كعدة : الغنى . البلغة بضم الباء وسكون اللام : ما
يكفى من العيش . *