ومن ذلك أن أباجهل عمرو بن هشام المخزومي أتاه وهو نائم خلف جدار ، ومعه
حجر يريد أن يرميه به ، فالتصق بكفه .
ومن ذلك أن أعرابيا باع ذودا له من أبي جهل فمطله(1)بحقه ، فأتى قريشا فقال :
أعدوني على أبي الحكم فقد لوى بحقي ، فأشاروا إلى محمد صلى الله عليه وآله وهو يصلي في الكعبة ،
فقالوا : ائت هذا الرجل فاستعديه عليه ، وهم يهزؤون بالاعرابي ، فأتاه فقال له ، ياعبدالله
أعدني على عمرو بن هشام فقد منعني حقي ، قال : نعم ، فانطلق معه فدق على أبي جهل
بابه ، فخرج إليه متغيرا فقال له ما حاجتك ؟ قال : أعط الاعرابي حقه ، قال : نعم ، وجاء
الاعرابي إلى قريش فقال : جزاكم الله خيرا ، انطلق معي الرجل الذي دللتموني عليه
فأخذ حقي ، وجاء أبوجهل فقالوا : أعطيت الاعرابي حقه ؟ قال : نعم ، قالوا : إنما أردنا
أن نغريك بمحمد(2)ونهزأ بالاعرابي ، فقال : ما هو إلا دق(3)بابي فخرجت إليه ، فقال :
أعط الاعرابي حقه ، وفوقه مثل الفحل فاتحا فاه كأنه يريدني ، فقال : أعطه حقه ،
فلو قلت : لا ، لابتلع رأسي ، فأعطيته .
ومن ذلك أن قريشا أرسلت النضر بن الحارث وعلقمة بن أبي معيط بيثرب إلى
اليهود ، وقالوا لهما : إذا قدمتما عليهم فسائلوهم عنه ، وهما قد سألوهم عنه فقالوا : صفوا لنا
صفته ، فوصفوه ، وقالوا : من تبعه منكم ؟ قالوا : سفلتنا ، فصاح حبر منهم فقال : هذا النبي
الذي نجد نعته في التوراة ، ونجد قومه أشد الناس عداوة له .
ومن ذلك أن قريشا أرسلت سراقة بن جعشم حتى يخرج إلى المدينة في طلبه فلحق
به ، فقال صاحبه ، هذا سراقة يانبي الله ، فقال : اللهم اكفنيه ، فساخت قوائم ظهره(4)،
فناداه يامحمد خل عني بموثق اعطيكه أن لا اناصح غيرك ، وكل من عاداك لا اصالح ،
(1)مطله بحقه : سوفه بوعد الوفاء مرة بعد الاخرى . وأعدى فلانا على فلان : نصره واعانه
عليه واستعدى الرجل : استعان به .
(2)أغرى الرجل بكذا : حضه عليه .
(3)قال : ياهؤلاء دق خ ل وهو الموجود في المصدر .
(4)ساخ في الطين : غاص فيه وغاب والظهر : الركاب التى تحمل الاثقال . وفى طبعة
أمين الضرب والحروفية : قوائم فرسه .*