بحار الأنوار ج27

فان قيل : فلم نهي عن اتخاذ بعض هذه الاجناس إذا كان الذم لا يتعلق باتخاذها
وإنما يتعلق ببعض متخذيها لكفرهم وضلالهم ؟
قلنا : يجوز أن يكون في اتخاذ هذه البهائم المنهي عن اتخاذها وارتباطها مفسدة
وليس يقبح خلقها في الاصل لهذا الوجه ، لانها خلقت لينتفع بها من سائر وجوه الانتفاع
سوى الارتباط والاتخاذ الذي لايمتنع تعلق المفسدة به ، ويجوز أيضا أن يكون في اتخاذ
هذه الاجناس المنهي عنها شوم وطيرة ، فللعرب في ذلك مذهب معروف ، ويصح هذا
النهي أيضا على مذهب من نفى الطيرة على التحقيق ، لان الطيرة والتشأم وإن كان
لاتأثير لهما على التحقيق فان النفوس تستشعر ذلك(1)ويسبق إليها ما يجب على كل
حال تجنبه والتوقي منه ، وعلى هذا يحمل معنى قوله عليه السلام : " لايورد ذو عاهة على
مصح " . فأما تحريم السمك الجري وما أشبهه فغير ممتنع لشئ يتعلق بالمفسدة في تناوله
كما نقول في سائر المحرمات ، فأما القول بأن الجري نطق بأنه مسخ لجحده الولاية
فهو مما يضحك منه ويتعجب من قائله والملتفت إلى مثله ، فأما تحريم الدب والقرد
والفيل فكتحريم كل محرم في الشريعة ، والوجه في التحريم لايختلف ، والقول بأنها
ممسوخة إذا تكلفنا حملناه على أنها كانت على خلق حميدة غير منفور عنها ، ثم جعلت
على هذه الصورة الشنيئة على سبيل التنفير عنها والزيادة عن الصد في الانتفاع بها لان
بعض الاحياء لايجوز أن يكون غيره على الحقيقة ، والفرق بين كل حيين معلوم
ضرورة ، فكيف يجوز أن يصير حي حيا آخر غيره ؟ وإذا اريد بالمسخ هذا فهو باطل
وإن اريد غيره نظرنا فيه .
وأما البطيخة فقد يجوز أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام لما ذاقها ونفر عن طعمها
وزادت كراهيته لها قال : " من النار إلى النار " أي هذا من طعام أهل النار وما يليق
بعذاب أهل النار ، كما يقول أحدنا ذلك فيما يستوبيه ويكرهه ، ويجوز أن يكون
فوران الدخان عند الالقاء لها على سبيل التصديق لقوله عليه السلام : " من النار إلى النار "
وإظهار معجز له .


(1)في نسخة : بذلك .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه