بحار الأنوار ج72

وقال الراوندي رحمه الله في شرح هذا الخبر في ضوء الشهاب : السب الشتم
القبيح وسميت الاصبع التي تلي الابهام سبابة لاشارتها بالسب ، كما سميت
مسبحة لتحريكها في التسبيح ، يقول صلى الله عليه وآله : إن ما يتكلم به المتسابان
ترجع عقوبته على البادي لانه السبب في ذلك ، ولو لم يفعل لم يكن ، ولذلك
قيل : البادي أظلم ، والذي يجيب ليس بملوم كل الملامة كما قال تعالى : ولمن
انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل (1)على أن الواجب على المشتوم أن
يحتمل ويحلم ولا يطفئ النار بالنار ، فان النارين إذا اجتمعا كان أقوى لهما
فيقول تغليظا لامر الشاتم : إن ما يجري بينهما من التشاتم عقوبته تركب البادي
لكونه سببا لذلك ، هذا إذا لم يتجاوز المظلوم حده في الجواب ، فاذا تجاوز وتعدى
كانا شريكين في الوزر والوبال ، والكلام وارد مورد التغليظ وإلا فالمشتوم ينبغي
أن لا يجيب ولا يزيد في الشر ، ولا تكون عقوبة فعل المشتوم على الشاتم ، إن
للشاتم في فعله أيضا نصيبا من حيث كان سببه وإلا فكل مأخوذ بفعله انتهى .
وأقول : الحاصل أن إثم سباب المتسابين على البادي أما إثم ابتدائه فلان
السب حرام وفسق لحديث سباب المؤمن فسق ، وقتاله كفر ، وأما إثم سب الراد
فلان البادي هو الحامل له على الرد ، وإن كان منتصرا فلا إثم على المنتصر
لقوله تعالى : ولمن انتصر بعد ظلمه الاية لكن الصادر منه هو سب يترتب
عليه الاثم إلا أن الشرع أسقط عنه المؤاخذة ، وجعلها على البادي للعلة المتقدمة
وإنما أسقطها عنه ما لم يتعد فان تعدى كان هو البادي في القدر الزايد والتعدى
بالرد قد يكون بالتكرار مثل أن يقول البادي : يا كلب فيرد عليه مرتين ، وقد
يكون بالافحش كما لو قال له : يا سنور فيقول في الرد : يا كلب وإنما كان هذا
تعديا لان الرد بمنزلة القصاص ، والقصاص إنما يكون بالمثل ، ثم الراد أسقط
حقه على البادي ويبقى على البادي حق الله لقدومه على ذلك ، ولا يبعد تخصيص
تحمل البادي إثم الراد بما إذا لم يكن الرد كذبا والاول قذفا ، فانه إذا كان


(1)الشورى : 41 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه