بحار الأنوار ج11

الدين خوفا وتقية فلم يعتدبهم ، وقال آخرون : إنهم كانوا على الحق ، فقال ابن عباس
كانوا بين آدم ونوح على شريعة من الحق فاختلفوا بعد ذلك ، وقيل : هم أهل سفينة نوح
عليه السلام ، فالتقدير حينئذ : كانوا امة واحدة فاختلفوا وبعث الله النبيين ، وقال المجاهد :
المراد به آدم كان على الحق إماما لذريته فبعث الله النبيين في ولده ، وروى أصحابنا
عن الباقر عليه السلام أنه قال : إنه كانوا قبل نوح امة واحدة على فطرة الله لامهتدين ولاضلالا
فبعث الله النبيين ، وعلى هذا فالمعنى أنهم كانوا متعبدين بما في عقولهم غير مهتدين إلى
نبوة ولا شريعة .(1)
" ثم بعث الله النبيين " بالشرائع لما علم أن مصالحهم فيها " مبشرين " لمن أطاعهم
بالجنة " ومنذين " لمن عصاهم بالنار " وأنزل معهم الكتاب " أي مع بعضهم " ليحكم " أي
الرب تعالى ، أو الكتاب " إلا الذين اوتوه " أي اعطوا العلم بالكتاب " من بعد ما جاء‌تهم
البينات " أي الحجج الواضحة ، وقيل : التوراة والانجيل ، وقيل : معجزات محمد صلى الله عليه وآله
" بغيا " أي ظلما وحسدا " لما اختلفوا فيه " أي للحق الذي اختلف فيه من اختلف " بإذنه "
أي بعلمه أو بلطفه .(2)
" منهم من كلم الله " وهو موسى عليه السلام أو موسى ومحمد صلى الله عليه وآله " ورفع بعضهم درجات "


(1)وقيل : ان لفظة(كان)يحتمل أن تكون للثبوت دون المضى ، والمراد الاخبار عن الناس
انهم امة واحدة في خلوهم عن خلوهم عن الشرائع وجهلهم بالحقائق لولا أن الله من عليهم بارسال الرسل
وانزال الكتب تفضلا منه .
وقيل : ان المراد من وحدة الامة ليس وحدة العقيدة والعمل بل المراد أن الله خلق الانسان
بطبيعته وفطرته امة واحدة مدنيا بالطبع يرتبط بعضه ببعض في المعاش ، ويحتاج في توفية جميع
ما يحتاج اليه إلى مشاركة غيره ومعاضدة افراد بنى نوعه ، لايستغنى بعضه عن بعض ، وكانوا مع
ذلك ينحون في أعمالهم نحو المنافع التى يرونها لازمة لقوام معيشتهم ، ولم يمنحوا من قوة الالهام
ما يعرف كلا منهم وجه المصلحة في حفظ حق غيره ليتوفر المنفعة بذلك لنفسه ، فكان لابد لهم من
الاختلاف في امور معاشهم ، فأرسل الله من رحمته بهم الرسل مبشرين ومنذرين ، يبشرونهم بالخير
والسعادة في الدنيا والاخرة اذا لزم كل واحد منهم ما حدد له واكتفى بماله من الحق ولم يعتد
على غيره ، وينذرونهم بخينة الامل وحبوط العمل وعذاب الاخرة اذا اتبعوا شهواتهم الحاضرة و
لم ينظروا العاقبة .
(2)مجمع البيان 2 : 306 و 307 مع حذف ونقل بعضها بالمعنى . م(*).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه