بحار الأنوار ج12

حيث تعبدون ما لايقدر الدفع عن نفسه ; وقيل : معناه : فرجعوا إلى عقولهم وتدبروا في ذلك
إذ علموا صدق إبراهيم عليه السلام فيما قاله وحاروا عن جوابه فأنطقهم الله تعالى بالحق " فقالوا
إنكم أنتم الظالمون " لهذا الرجل في سؤاله ، وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها " ثم نكسوا
على رء‌وسهم " إذ تحيروا وعلموا أنها لا تنطق .(1)
وقال البيضاوي : أى انقلبوا إلى المجادلة بعد ما استقاموا بالمراجعة ، شبه عودهم
إلى الباطل بصيرورة أسفل الشئ مستعليا على أعلاه .(2)
قال الطبرسي : " فقالوا لقد علمت " يا إبراهيم " ما هؤلاء ينطقون " فكيف نسألهم ؟
فأجابهم إبراهيم عليه السلام بعد اعترافهم بالحجة " أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا "
إن عبدتموه " ولا يضركم " إن تركتموه لانها لو قدرت لدفعت عن أنفسها " أف لكم "
تضجر منه على إصرارهم بالباطل البين " قالوا حرقوه " أي لما سمعوا منه هذا القول
قال بعضهم لبعض : " حرقوه " بالنار " وانصروا آلهتكم " أى وادفعوا عنها وعظموها
" إن كنتم فاعلين " أي إن كنتم ناصريها ، قيل : إن الذي أثار بتحريق إبراهيم بالنار
رجل من أكراد فارس فخسف الله به الارض فهو يتخلخل فيها إلى يوم القيامة ، وقال وهب :
إنما قاله نمرود ، وفي الكلام حذف ، قال السدي : فجمعوا الحطب حتى أن الرجل
ليمرض فوصي بكذا وكذا من ماله فيشترى به حطب ، وحتى أن المرأة لتغزل فتشتري
به حطبا ، حتى بلغوا من ذلك ما أرادوا ، فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار لم يدروا
كيف يلقونه فجاء إبليس فدلهم على المنجنيق ، وهو أول منجنيق صنعت فوضعوه فيها ثم
رموه " قلنا يا نار " أي لما جمعوا الحطب والقوه في النار قلنا للنار : " كوني بردا وسلاما
على إبراهيم " وهذا مثل فإن النار جماد لا يصح خطابه ، والمراد : إنا جعلنا النار بردا عليه
وسلامة لا يصيبه من أذاها شئ ; وقيل : يجوز أن يتكلم الله سبحانه بذلك ويكون ذلك

صلاحا للملائكة ولطفالهم .(3)
وقال الرازي : اختلفوا في أن النار كيف بردت على ثلاثة أوجه : أحدها أن الله


(1)- مجمع البيان 7 : 52 - 54 . م
(2)انوار التنزيل 2 : 33 . م
(3)مجمع البيان 7 : 54 - 55 . م(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه