فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله في يوم الدوح(1)ما بين به عن إراداته في خلصائه
وذوي اجتبائه ، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق ، وضمن له عصمته
منهم ، وكشف من خبايا أهل الريب ، وضمائر أهل الارتداد ما رمز فيه ، فعقله
المؤمن والمنافق فأعن معن(2)وثبت على الحق ثابت ، وازدادت جهالة المنافق
وحمية المارق ووقع العض على النواجد والغمر على السواعد ، ونطق ناطق و
نعق ناعق ونشق ناشق واستمر على ما رقيته مارق ، ووقع الاذعان من طائفة
باللسان دون حقائق الايمان ، ومن طائفة باللسان وصدق الايمان .
فكمل الله دينه ، وأقر عين نبيه والمؤمنين والمتابعين ، وكان ما قد شهده
بعضكم وبلغ بعضكم ، وتمت كلمة الله الحسنى على الصابرين ، ودمر الله ما
صنع فرعون وهامان وقارون وجنوده وماكانوا يعرشون .
وبقيت حثالة(3)من الضلال لا يألون الناس خبالا(4)يقصدهم الله في
ديارهم ، ويمحو آثارهم ويبيد معالمهم ، ويعقبهم عن قرب الحسرات ، ويلحقهم
بمن بسط أكفهم ، ومد أعناقهم ، ومكنهم من دين الله حتى بدلوه ، ومن حكمه
حتى غيروه ، وسيأتي نصر الله على عدوه لحينه ، والله لطيف خبير ، وفي دون
ما سمعتم كفاية وبلاغ ، فتأملوا رحمكم الله ما ندبكم الله إليه وحثكم عليه ، و
اقصدوا شرعه ، واسلكوا نهجه ، ولا تتبعوا السيل فتفرق بكم عن سبيله .
(1)يعنى يوم غدير خم ، أمر صلى الله عليه وآله بقم ما كان تحت الدوح فقم ما كان
ثمة من الشوك والحجارة ، قال الشاعر :
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا
(2)أعن : اى أعرض وانصرف .
(3)الحثالة في الاصل ما يسقط من قشر الشعير والارز والتمر ، ويطلق على سفلة الناس
ورذالهم ، والضلال : جمع ضال .
(4)الخبال : الفساد والعناء والشر ، ولا يألونكم خبالا : أى لا يقصرون في أمركم
الفساد والشر والشقة .