بحار الأنوار ج5

فإن قيل : فإذا كان لا ظاهر للآية يشهد بمذهب المخالف فما المراد بها عندكم ؟
قلنا : قد ذكر أبوعلي أن المراد أنهم لا يستطيعون إلى بيان تكذيبه سبيلا لانهم
ضربوا الامثال ظنا منهم بأن ذلك يبين كذبه ، فأخبر تعالى أن ذلك غير مستطاع لان
تكذيب صادق وإبطال حق مما لا تتعلق به قدرة ولا تتناوله استطاعة . وقد ذكر أبوهاشم
أن المراد بالآية أنهم لاجل ضلالهم بضرب المثل وكفرهم لا يستطيعون سبيلا إلى الخير
الذي هو النجاة من العقاب والوصول إلى الثواب ، وليس يمكن على هذا أن يقال : كيف
لا يستطيعون سبيلا إلى الخير والهدى وهم عندكم قادرون على الايمان والتوبة ؟ ومتى
فعلوا ذلك استحقوا الثواب ، لان المراد أنهم مع التمسك بالضلال والمقام على الكفر
لا سبيل لهم إلى خير وهدى ، وإنما يكون لهم سبيل إلى ذلك بأن يفارقوا ما هم عليه ،
وقد يمكن أيضا في معنى الآية ما تقدم ذكره من أن المراد بنفي الاستطاعة عنهم أنهم
مستثقلون للايمان ، فقد يخبر عمن يستثقل شيئا بأنه لا يستطيعه على ما تقدم ذكره ،
كذا في كتاب الغرر للسيد رحمه الله .
أما قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام : " إنك لا تستطيع معي صبرا " فظاهره
يقتضي أنك لا تستطيع ذلك في المستقبل ، ولا يدل على أنه غير مستطيع للصبر في الحال أن
يفعله في الثاني ، وقد يجوز أن يخرج في المستقبل من أن يستطيع ما هو في الحال مستطيع
له ، غير أن الآية تقتضي خلاف ذلك ، لانه قد صبر عن المسألة أوقاتا ، وإن لم يصبر عنها
في جميع الاوقات فلم تنتف الاستطاعة للصبر عنه في جميع الاحوال المستقبلة ؟ .
على أن المراد بذلك واضح ، وأنه تعالى خبر عن استثقاله الصبر عن المسألة عما
لا يعرف ولا يقف عليه لان مثل ذلك يصعب على النفس ، ولهذا يجد أحدنا إذا جرى بين
يديه ما ينكره ويستبدعه تنازعه نفسه إلى المسألة عنه والبحث عن حقيقته ، ويثقل عليه
الكف عن الفحص عن أمره ، فلما حدث من صاحب موسى عليه السلام ما يستنكر ظاهره
استثقل الصبر عن المسألة عن ذلك ، ويشهد لهذا الوجه قوله تعالى : " وكيف تصبر على
ما لم تحط به خبرا " فبين أن العلة في قلة صبره ما ذكرناه دون غيره ، ولو كان الامر على
ما ظنوا لوجب أن يقول : وكيف تصبر وأنت غير مطيق للصبر ؟ .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه