الثانى : ما خطر ببالي وهو أنه لم يصرح في الحديث بالمبعث ، بل قال :
هبط فيه جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله ولا تلازم بينهما إذا لمبعث هو أمر الرسول بتبليغ
الرسالة إلى القوم ، ويمكن أن يكون نزول جبرئيل عليه صلى الله عليه وآله قبل ذلك بسنين
كما يومئ إليه بعض الاخبار أيضا .
وأما كون كسر الاصنام في فتح مكة فلا يظهر من هذا الخبر ولا من أكثر
الاخبار الواردة فيه ، بل صريح بعض الاخبار وظاهر بعضها كون ذلك قبل الهجرة
فيمكن الجمع بينهما بالقول بتعدد وقوع ذلك ، ويكون أحدهما موافقا للنيروز
كما روي من كشف الغمة من مسند أحمد بن حنبل ، عن أبي مريم ، عن علي عليه السلام
قال : انطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وآله حتى أتينا الكعبة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله :
اجلس واصعد على منكبي ، فنهضت به فرأى بي ضعفا ، وجلس لي نبي الله صلى الله عليه وآله و
قال لي : اصعد على منكبي ، فصعدت على منكبيه ، قال : فنهض بي ، قال : فانه
يختل إلي أني لو شئت لنلت افق السماء ، حتى صعدت على البيت وعليه تمثال
صفر أو نحاس ، فجعلت ازاوله عن يمينه وشماله ومن بين يديه ومن خلفه ، حتى
إذا استمكنت منه قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : اقذف به ، فقذفت به فتكسر كما تكسر
القوارير . ثم نزلت وانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله نستبق حتى توارينا بالبيوت
خشية أن يلقانا أحد من الناس . والاخبار بهذا المضمون كثيرة ، وقد تقدمت و
كلها دالة على أن ذلك كان قبل الهجرة ، وإلا لم يكن لخوفهما وإخفائهما من
القوم معنى ، فارتفع التنافي على أي تفسير كان ، لعدم معلومية تاريخ نزول جبرئيل
عليه السلام ولا كسر الاصنام .
فإن قيل : قد صرح في الخبر بأنه اليوم الذي حمل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله
الخ فحمله على ما وقع في الليل بعيد .
قلنا : حمل اليوم على ما يشمل الليل شائع ، وسراية فضل الليلة وبركاتها
إلى اليوم كثيرة كمواليد النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام وغير ذلك .
فان قيل : تاريخ فتح نهروان وقتل ذي الثدية أيضا مضبوط في مناقب ابن