واحد في مكانين ، وأن يحيى(1)الآن ، ويخرج من قبره ، ويمشي في الاسواق ، ويخاطب
الناس يخاطبونه ، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره عن جسده فلا يبقى فيه منه شئ
ويزار مجرد القبر ويسلم على غائب ، لانه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال
الاوقات على حقيقته في غير قبره ، وهذه جهالات لايلتزمها من له أدنى مسكة من
العقل(2). وقالت طائفة : معناه أن من رآه على صورته التي كان عليها ، ويلزم منه
أن من رآه على غير صفته أن يكون رؤياه من الاضغاث ، ومن المعلوم أنه يرى في
النوم على حالة تخالف حاله في الدنيا من الاحوال اللائقة ، وتقع تلك الرؤيا حقا ، كما
لورأى امتلاء دارا(3)بجسمه مثلا ، فإنه يدل على امتلاء تلك الدار بالخير ، ولو تمكن
الشيطان من التمثل بشئ مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله " فإن الشيطان
لا يتمثل بي " فالاولى تنزه رؤياه ، وكذا رؤيا شئ منه أو مما ينسب إليه عن
ذلك ، فهو أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في يقظته . قال : و
الصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصودة أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ، ولا
أضغاث أحلام ، بل هي حق في نفسها ، ولو رأى على غير صورته ، فتصور تلك الصورة
ليس من الشيطان ، بل هو من قبل الله . قال : وهذا قول القاضي أبي بكر وغيره ، و
يؤيده قوله " فقد رأى الحق " أي رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي فيه ، فإن
كانت على ظاهرها وإلا سعى في تأويلها ولا يهمل أمرها ، لانها إما بشرى بخير أو إنذار
من شر ، وإما تنبيه على حكم ينفع له في دينه أودنياه .
وقال الغزالي : لا يرد أنه رأى ، بل رأى مثالا صار آلة يتأدى بها معنى في
نفسي إليه وصار واسطة بيني وبينه في تعريف الحق إياه ، بل البدن في اليقظة أيضا ليس
إلا آلة النفس ، والحق أن مايراه حقيقة روحه المقدس صلى الله عليه وسلم ويعلم الرائي كونه صلى الله عليه وسلم
بخلق علم لا غير .
(1)في اكثر النسخ : يجئ .
(2)عقل(خ).
(3)دار(ظ).