بحار الأنوار ج13

وقال بقلبه : سمعنا وعصينا مخالفا لما قال بلسانه ، وعفروا خدودهم اليمنى(1)وليس قصدهم
التذلل لله تعالى والندم على ما كان منهم من الخلاف ، ولكنهم فعلوا ذلك ينظرون هل يقع عليهم
الجبل أم لا ، ثم عفروا خدودهم اليسرى ينظرون كذلك ، ولم يفعلوا ذلك كما امروا .
فقال جبرئيل لموسى عليه السلام : أما إن أكثرهم لله تعالى عاصون ، ولكن الله
تعالى أمرني أن ازيل عنهم هذا الجبل عند ظاهر اعترافهم في الدنيا فإن الله إنما يطالبهم
في الدنيا بظواهرهم لحقن دمائهم ، وإبقاء الذمة لهم ،(2)وإنما أمرهم إلى الله في الآخرة
يعذبهم على عقودهم وضمائرهم ، فنظر القوم إلى الجبل وقد صار قطعتين : قطعة منه صارت
لؤلؤة بيضاء فجعلت تصعد وترقى حتى خرقت السماوات وهم ينظرون إليها إلى أن صارت
إلى حيث لا يلحقها أبصارهم ، وقطعة صارت نارا ووقعت على الارض بحضرتهم فخرقتها و
دخلتها وغابت عن عيونهم ، فقالوا : ما هذان المفترقان من الجبل ؟ فرق صعد لؤلؤا وفرق
انحط نارا ؟(3)قال لهم موسى : أما القطعة التي صعدت في الهواء فإنها وصلت إلى السماء
فخرقتها إلى أن لحقت بالجنة فأضعفت أضعافا كثيرة لا يعلم عددها إلا الله ، وأمر الله أن
يبنى منها للمؤمنين بما في هذا الكتاب قصور ودور ومنازل ومساكن مشتملة على أنواع النعمة
التي وعدها المتقين من عباده ، من الاشجار والبساتين والثمار والحور الحسان والمخلدين
من الولدان كاللآلي المنثورة ، وسائر نعيم الجنة وخيراتها ، وأما القطعة التي انحطت
إلى الارض فخرقتها ثم التي تليها إلى أن لحقت بجهنم فأضعفت أضعافا كثيرة ، وأمر الله
تعالى أن يبنى منها للكافرين بما في هذا الكتاب قصور ودور ومساكن ومنازل مشتملة على
أنواع العذاب التي وعدها الكافرين من عباده ، من بحار نيرانها وحياض غسلينها وغساقها
وأودية قيحها ودمائها وصديدها وزبانيتها بمرزباتها وأشجار زقومها وضريعها(4)وحياتها


(1)في المصدر : وعفروا خدودهم اليمنى بالتراب .
(2)الذمة : الامان والعهد والضمان .
(3)في المصدر : فرقة صعدت لؤلؤا وفرقة انحطت نارا ؟ .
(4)الغسلين : ما يسيل من جلود أهل النار . الغساق : ماء بارد منتن أو ما يسيل من صديد أهل
النار الصديد : قيح ودم ، وهو ما يسيل من جوف أهل جهنم . أو الحميم اغلى حتى خثر . مرازب
جمع المرزبة : عصية من حديد . الزقوم : شجرة في جهنم ومنها طعام أهل النار . ونبات بالبادية له
زهر ياسمينى الشكل . الضريع : شئ في جهنم أمر من الصبر وأنتن من الجيفة وأحر من النار . و
نبات منتن يرمى به البحر . ونوع من الشكوك لا تأكله الدواب لخبثه وهو يبيس الشبرق .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه