" قلنا اهبطوا " قيل : الهبوط الاول من الجنة إلى السماء ، وهذا من السماء إلى الارض
وقيل : إنما كرر للتأكيد ، وقيل : لاختلاف الحالين فقد بين بالاول أن الاهباط
إنما كان حال عداوة بعضهم لبعض ، وبهذا أن الاهباط للابتلاء والتكليف " فإما يأتينكم
مني هدى " أى بيان ودلالة ، وقيل : أنبياء ورسل ، وعلى الاخير يكون الخطاب في
" اهبطوا " لآدم وحواء وذريتهما " فمن تبع هداي " أي اقتدى برسلي " فلا خوف عليهم " في
القيامة من العقاب " ولاهم يحزنون " على فوات الثواب .(1)
" ليبدي لهما " قال البيضاوي : أي ليظهر لهما ، واللام للعاقبة أو للغرض ، على
أنه أراد أيضا بوسوسته أن يسوأهما بانكشاف عورتهما ، ولذلك عبر عنها بالسوءة " ما
وري عنهما من سوآتهما " أي ما غطي عنهما من عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا
أحدهما من الآخر " إلا أن تكونا " إلا كراهة أن تكونا " ملكين أو تكونا من الخالدين "
الذين لا يموتون أو يخلدون في الجنة ، واستدل به على فضل الملائكة على الانبياء ،
وجوابه أنه كان من المعلوم أن الحقائق لا تنقلب ، وإنما كان رغبتهما في أن يحصل لهما
أيضا ما للملائكة من الكمالات الفطرية والاستغناء عن الاطعمة والاشربة ، وذلك لا يدل
على فضلهم مطلقا " وقاسمهما " أي أقسم لهما ، وأخرجه على زنة المفاعلة للمفاعلة للمبالغة ، وقيل :
أقسم لهما بالقبول ، وقيل : أقسما عليه بالله : " إنه لمن الناصحين " وأقسم لهما فجعل ذلك
مقاسمة " فدلهما " فنزلهما " فنزلهما إلى الاكل من الشجرة نبه به على أنه أهبطهما بذلك من
درجة عالية إلى رتبة سافلة ، فإن التدلية والادلاء إرسال الشئ من أعلى إلى أسفل
" بغرور " بما غرهما به من القسم ، فإنها ظنا أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا ، أو متلبسين
بغرور .(2)
" فلما ذاقا الشجرة " قال الطبرسي : أي ابتدآ بالاكل ونالا منها شيئا يسيرا على
خوف شديد " بدت لهما سوآتهما " قال الكلبي : فلما أكلا منها تهافت لباسهما عنهما ،
فأبصر كل منهما سوأة صاحبه فاستحيا " وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة " أي أخذا
(1)مجمع البيان ج 1 : 84 - 91 . م
(2)انوار التنزيل ج 1 : 161 . م(*).