بحار الأنوار ج1

الاخوان ، ضربوا في البلاد لتحصيلها ، وطلبوها في الاصقاع والاقطار طلبا حثيثا
حتى اجتمع عندي بفضل ربي كثير من الاصول المعتبرة التي كان عليها معول العلماء
في الاعصار الماضية ، وإليها رجوع الافاضل في القرون الخالية ، فألفيتها مشتملة
على فوائد جمة خلت عنها الكتب المشهورة المتداولة ، واطلعت فيها على مدارك
كثير من الاحكام اعترف الاكثرون بخلو كل منها عما يصلح أن يكون مأخذا له
فبذلت غاية جهدي في ترويجها وتصحيحها وتنسيقها وتنقيحها .
ولما رأيت الزمان في غاية الفساد ووجدت أكثر أهلها حائدين(1)عما يؤدي
إلى الرشاد خشيت أن ترجع عما قليل إلى ما كانت عليه من النسيان والهجران ،
وخفت أن يتطرق إليها التشتت ، لعدم مساعدة الدهر الخوان ، ومع ذلك كانت
الاخبار المتعلقة بكل مقصد منها متفرقا في الابواب ، متبددا في الفصول ، قلما
يتيسر لاحد العثور على جميع الاخبار المتعلقة بمقصد من المقاصد منها ، ولعل هذا
أيضا كان أحد أسباب تركها ، وقلة رغبة الناس في ضبطها .
فعزمت بعد الاستخارة من ربي والاستعانة بحوله وقوته ، والاستمداد من تأييده
ورحمته ، على تأليفها ونظمها وترتيبها وجمعها ، في كتاب متسقة(2)الفصول
والابواب ، مضبوطة المقاصد والمطالب ، على نظام غريب وتأليف عجيب لم يعهد مثله
في مؤلفات القوم ومصنفاتهم ، فجاء بحمد الله كما أردت على أحسن الوفاء ، وأتاني
بفضل ربي فوق ما مهدت وقصدت على أفضل الرجاء . فصدرت كل باب بالآيات
المتعلقة بالعنوان ثم أوردت بعدها شيئا مما ذكره بعض المفسرين فيها إن احتاجت
إلى التفسير والبيان . ثم إنه قد حاز كل باب منه إما : تمام الخبر المتعلق بعنوانه ،
أو : الجزء الذي يتعلق به مع إيراد تمامه في موضع آخر أليق به ، أو : الاشارة إلى
المقام المذكور فيه لكونه أنسب بذلك المقام ، رعاية لحصول الفائدة المقصودة مع
الايجاز التام . وأوضحت ما يحتاج من الاخبار إلى الكشف ببيان شاف على غاية الايجاز


(1)حاد عن الشئ : مال عنه وعدل .
(2)اتسق الامر : انتظم .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه