بحار الأنوار ج57

تعالى مسبب الاسباب ، ومذلل الصعاب ، وليس لاحد أن ينكر هذا ، لان نبينا
صلى الله عليه وآله لما قرأ هذه السورة على أهل مكة لم ينكروا ذلك بل أقروا به
وصدقوه مع شدة حرصهم على تكذيبه واعتنائهم بالرد عليه ، وكانوا قريبي العهد
بأصحاب الفيل ، فلو لم يكن لذلك عندهم حقيقة وأصل لانكروه وجحدوه . وكيف وإنهم
قد أرخوا بذلك كما أرخوا ببناء الكعبة وموت قصي بن كعب وغير ذلك . وقد أكثر
الشعراء ذكر الفيل ونظموه ونقلته الرواة عنهم .
واقول : هذه الجناية على الدين ، وتشهير كتب الفلاسفة بين المسلمين ، من
بدع خلفاء الجور المعاندين لائمة الدين ، ليصرفوا الناس عنهم وعن الشرع المبين . و
يدل على ذلك ماذكره الصفدي في شرح لامية العجم : إن المأمون لما هادن بعض
ملوك النصارى - أظنه صاحب جزيرة قبرس - طلب منهم خزانة كتب اليونان - وكانت
عندهم مجموعة في بيت لايظهر عليه أحد - فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي
واستشارهم في ذلك فكلهم أشار بعدم تجهيزها إليه إلا مطران واحد فإنه قال : جهزها
إليهم ، مادخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت الاختلاف بين علمائها .
وقال في موضع آخر : إن المأمون لم يبتكر النقل والتعريب - أي لكتب الفلاسفة -
بل نقل قبله كثير ، فإن يحيى بن خالد بن برمك عرب من كتب الفرس كثيرا مثل
" كليلة ودمنة " وعرب لاجله كتاب " المجسطي " من كتب اليونان . والمشهور أن أول
من عرب كتب اليونان خالد بن يزيد بن معاوية لما اولع بكتب الكيمياء . ويدل على
أن الخلفاء وأتباعهم كانوا مائلين إلى الفلسفة ، وأن يحيى البرمكي كان محبا لهم
ناصرا لمذهبهم ما رواه الكشي بإسناده عن يونس بن عبدالرحمان ، قال : كان يحيى بن
خالد البرمكي قد وجد على هشام شيئا من طعنه على الفلاسفة ، فأحب أن يغري به
هارون ويضربه على القتل - ثم ذكر قصة طويلة في ذلك أوردنا ها في باب أحوال أصحاب
الكاظم عليه السلام وفيها : - انه أخفى هارون في بيته ودعا هشاما ليناظر العلماء وجروا
الكلام إلى الامامة وأظهر الحق فيها ، وأراد هارون قتله فهرب ومات من ذلك الخوف
- رحمه الله - . وعد أصحاب الرجال من كتبه " كتاب الرد على أصحاب الطبائع " و

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه