بحار الأنوار ج58

أقول : ثم ذكر بعض دلائلهم على ذلك ، لا حاجة بنا إلى إيرادها .
الرابعة : في كيفية تعقل النفس وإدراكها . قال في التجريد : وتعقل بذاتها و
تدرك بالآلات . وقال شارح المقاصد : لا نزاع في أن مدرك الكليات من الانسان هو
النفس ، وأما مدرك الجزئيات على وجه كونها جزئيات فعندنا النفس وعند الفلاسفة
الحواس(1). ثم قال بعد إيراد الحجج من الجانبين : لما كان إدراك الجزئيات مشروطا
عند الفلاسفة بحصول الصورة في الآلات ، فعند مفارقة النفس وبطلان الآلات لا تبقى
مدركة للجزئيات ، ضرورة ، انتفاء المشروط بانتفاء الشرط . وعندنا لما لم تكن الآلات
شرطا في إدراك الجزئيات ، إما لانه ليس بحصول الصورة لا في النفس ولا في الحس ،
وإما لانه لا يمتنع ارتسام صورة الجزئي في النفس ، بل الظاهر من قواعد الاسلام أنه
يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات متجددة جزئية ، واطلاع على بعض جزئيات أحوال
الاحياء ، سيما الذين كان بينهم وبين الميت تعارف في الدنيا ، ولهذا ينتفع بزيارة
القبور والاستعانة بنفوس الاخيار من الاموات ، في استنزال الخيرات ، واستدفاع الملمات
فان النفس بعد المفارقة تعلقا ما بالبدن ، وبالتربة التي دفنت فيها ، فإذا زار الحي
تلك التربة وتوجهت تلقاء‌ه نفس الميت حصل بين النفسين علاقات وإفاضات .
الخامسة : في كمالات النفس ومراتبها . قال في شرح المقاصد : قد سبق أن لفظ
القوة كما يطلق على مبدأ التغيير والفعل فكذا يطلق على مبدأ التغير والانفعال ، فقوة
النفس باعتبارها تأثرها عما فوقها من المبادئ للاستكمال بالعلوم والادراكات يسمى
عقلا نظريا ، وباعتبار تأثيرها في البدن لتكميل جوهره - وإن كان ذلك أيضا عائدا إلى


(1)ذهب المشاؤن إلى أن النفس تدرك الجزئيات بتوسط الظاهرة والباطنة
وذهب شيخ الاشراق إلى أن حصول الاوضاع والاضافات الخاصة بين الحواس والمحسوسات شروط
لادراك النفس لمدركانها الجزئية المحسوسة في عالم المثال ، وذهب صدر المتألهين إلى أن للنفس مرتبة
مثالية تدرك الجزئيات المحسوسة فيها ، والحواس إنما هى آلات لادراك المحسوسات المادية ومعدات
تعد النفس لادراكها في عالمها المثالى ، واما الجزئيات المتخيلة والموجودة في عالم المثال الاعظم
فتدركها بنفسها من دون حاجة إلى آلة وتبعه على ذلك أتباع مدرسته وأصحاب الحكمة المتعالية .
وعليه يصح ادراك النفس للجزئيات بعد مفارقة البدن أيضا .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه