بحار الأنوار ج60

وقال أيضا في قوله " فيتعلمون " : أي فيتعلم الناس من الملكين ما
يفرقون به بين المرء وزوجه ، إما لانه إذا اعتقد أن السحر حق كفر فبانت منه
امرأته ، وإما لانه يفرق بينهما بالتمويه والاحتيال ، كالنفث في العقد ونحو ذلك
مما يحدث الله عنده الفرك والنشوز ابتلاء منه ، لان السحر له أثر في نفسه بدليل
قوله " وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله " أي بإراداته وقدرته ، لانه إن شاء
أحدث عند ذلك شيئا من أفعاله ، وإن شاء لم يحدث . وكان الذي يتعلمون منهما لم
يكن مقصورا على هذه الصورة ، ولكن سكون المرء وركونه إلى زوجه لما كان أشد
خصت بالذكر ليدل بذلك على أن سائر الصور بتأثير السحر فيها أولى - انتهى - .
وقد مر من تفسير الامام عليه السلام " فيتعلمون " يعني طالبي السحر " منهما "
يعني مما كتبت الشياطين على ملك سليمان من النيرنجات ، ومما انزل على الملكين
ببابل هاروت وماروت ، يتعلمون من هذين الصنفين " ما يفرقون به بين المرء وزوجه "
هذا من يتعلم للاضرار بالناس ، يتعلمون التضرب بضروب الحيل والنمائم والايهام
أنه قد دفن في موضع كذا وعمل كذا ليحبب المرأة إلى الرجل ، والرجل إلى المرأة ،
أو يؤدي إلى الفراق بينهما . " وما هم بضارين به " أي ما المتعلمون لذلك بضارين
به " من أحد إلا بإذن الله " يعني بتخلية الله وعلمه ، فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر .
وقال الطبرسي - رحمه الله - في قوله تعالى " فلما ألقوا " أي فلما ألقى السحرة
ما عندهم من السحر احتالوا في تحريك العصي والحبال بما جعلوا فيها من الزئبق ،
حتى تحركت بحرارة الشمس وغير ذلك من الحيل وأنواع التمويه والتلبيس ، وخيل
إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية . وإنما سحروا أعين الناس لانهم
أروهم شيئا لم يعرفوا حقيقته ، وخفي ذلك عليهم لبعده منهم ، لانهم لم يخلوا الناس
يدخلون فيما بينهم . وفي هذا دلالة على أن السحر لا حقيقة له ، لانه لو صارت
حيات حقيقة لم يقل الله سبحانه " سحروا أعين الناس " بل كان يقول " فلما ألقوا
صارت حيات " - انتهى -(1).


(1)مجمع البيان : ج 4 ، ص 461 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه