فلما وافى كان سعد بن الربيع وعبدالله بن رواحة يكسران أصنام الخزرج
وكان كل رجل شريف في بيته صنم يمسحه ويطيبه ، ولكل بطن من الاوس والخزرج
صنم في بيت لجماعة يكرمونه ويجعلون عليه منديلا ، ويذبحون له ، فلما قدم(1)
الاثنا عشر من الانصار أخرجوها من بيوتهم وبيوت من أطاعهم ، فلما قدم السبعون
كثر الاسلام وفشا ، وجعلوا يكسرون الاصنام .
قال : وبقي رسول الله صلى الله عليه وآله بعد قدوم علي عليه السلام يوما أو يومين ثم ركب
راحلة فاجتمعت إليه بنو عمرو بن عوف(2)فقالوا : يا رسول الله أقم عندنا فإنا أهل
الجد والجلد والحلقة(3)والمنعة ، فقال صلى الله عليه وآله : خلوا عنها فانها مأمورة ، وبلغ
الاوس والخزرج خروج رسول الله صلى الله عليه وآله فلبسوا السلاح وأقبلوا يعدون حول ناقته
صلى الله عليه وآله الودائع التى كانت عنده ، وبعد ما كان يسير الليل ويكمن النهار حتى تقطرت
قدماه ، فاعتنقه النبى صلى الله عليه وآله وبكى رحمة لما بقدميه من الورم ، وتفل في يديه و
امرهما على قدميه فلم يشتكهما بعد ذلك حتى قتل رضى الله عنه ، ونزل على كلثوم بن الهدم و
قيل : على امرأة ، والراجح انه نزل مع النبى صلى الله عليه وآله انتهى . أقول : لعل الصحيح
أن عليا عليه السلام قدم للنصف من الربيع على ما في كلام المقريزى ، ويؤيده ما في سيرة ابن
هشام وتاريخ الطبرى من ان عليا عليه السلام اقام بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى الودائع ثم
لحق برسول الله صلى الله عليه وآله فنزل معه على كلثوم بن هدم ويؤيده أيضا ما ذكره ابن هشام
والطبرى أن النبى صلى الله عليه وآله أقام في بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين ويوم الثلثاء ويوم
الاربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده مع انهما صرحا بأن عليا عليه السلام شاركه في بناء المسجد
وكان يرتجز ويقول :
لا يستوى من يعمر المساجدا * يدأب فيها قائما وقاعدا
ومن يرى عن الغبار حائدا
وسيأتى في الاخبار التصريح به أيضا .
(1)إى إلى مكة قبل هجرة النبى صلى الله عليه وآله .
(2)قال اليعقوبى فنزل على كلثوم بن الهدم فلم يلبث الا أياما حتى مات كلثوم ، وانتقل
فنزل على سعد بن خيثمة في بنى عمرو بن عوف فمكث أياما ، ثم كان سفهاء بنى عمرو ومنافقوهم
يرجمونه في الليل ، فلما رأى ذلك قال : ما هذا الجوار ؟ فارتحل عنهم .
(3)في نسخة : الحلفة بالفاء .