فافتقرا إلى اسمين مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاما ، والخاطر المذموم أعني
الداعي إلى الشر يسمى وسواسا .
ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة ، وكل حادث لابد له من سبب
ومهما اختلفت الحوادث دل على اختلاف الاسباب ، هذا ما عرف من سنة الله عز
وجل في ترتيب المسببات على الاسباب فمهما استنار حيطان البيت بنور النار ، وأظلم
سقفه واسود بالدخان علمت أن سبب السواد غير سبب الاستنارة ، كذلك لانوار
القلب وظلماته سببان مختلفان فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكا وسبب
الخاطر الداعي إلى الشر يسمى شيطانا ، واللطف الذي به يتهيأ القلب لقبول إلهام
الملك يسمى توفيقا والذي به يتهيأ لقبول وسواس الشيطان يسمى إغواء وخذلانا
فان المعاني المختلفة تفتقر إلى أسامي مختلفة .
والملك عبارة عن خلق خلقه الله ، شأنه إفاضة الخير ، وإفادة العلم ، وكشف
الحق ، والوعد بالمعروف ، وقد خلقه الله وسخره لذلك ، والشيطان عبارة عن خلق
شأنه ضد ذلك ، وهو الوعد بالشر ، والامر بالفحشاء ، والتخويف عند الهم بالخير
بالفقر . والوسوسة في مقابلة الالهام ، والشيطان في مقابلة الملك ، والتوفيق في مقابلة
الخذلان ، وإليه الاشارة بقوله تعالى : ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم
تذكرون (1)فان الموجودات كلها متقابلة مزدوجة إلا الله تعالى ، فانه لا مقابل
له ، بل هو الواحد الحق الخالق للازواج كلها .
والقلب متجاذب بين الشيطان والملك ، فقد قال صلى الله عليه وآله : للقلب
لمتان لمة من الملك إيعاد بالخير ، وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه
من الله فليحمد الله ، ولمة من العدو إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، ونهي عن الخير
فمن وجد ذلك فليتعوذ من الشيطان ثم تلا الشيطان يعدكم الفقر (2)الآية .
ولتجاذب القلب بين هاتين اللمتين قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قلب المؤمن بين
(1)الذاريات : 49 .
(2)البقرة : 268 .