الحركة المشرقية والمغربية بل يؤيدها ، ويمكن أن يكون مراده أن العلة هي
المجموع من الامور الثلاثة ، ولعله جعل الطبيعية الارضية كافية في استقرارها في
مكانها ، وإنما احتاج إلى المانع عن حركتها بالاستدارة حركة وضعية ، ولذا قال
أخيرا : وكانت مانعة للارض عن الميد والاضطراب ، بمعنى أنها منعت الارض عن
الحركة المستديرة .
الوجه الثالث : ما يخطر بالبال وهو أن يكون مدخلية الجبال لعدم اضطراب
الارض بسبب اشتباكها واتصال بعضها ببعض في أعماق الارض بحيث تمنعها عن تفتت
أجزائها وتفرقها ، فهي بمنزلة الاوتاد المغروزة المثبتة في الابواب المركبة من قطع
الخشب الكثيرة بحيث تصير سببا لالتصاق بعضها ببعض وعدم تفرقها ، وهذا معلوم ظاهر
لمن حفر الابار في الارض فإنها تنتهي عند المبالغة في حفرها إلى الاحجار الصلبة ، و
أنت ترى أكثر قطع الارض واقعة بين جبال محيطة بها ، فكأنها مع مايتصل بها من
القطعة الحجرية المتصلة بها من تحت تلك القطعات كالظرف لها تمنعها عن التفتت
والتفرق والاضطراب عند عروض الاسباب الداعية إلى ذلك .
الوجه الرابع : ما ذكره بعض المتعسفين من أنه لما كانت فائدة الوتد أن يحفظ
الموتود في بعض المواضع عن الحركة والاضطراب حتى يكون قارا ساكنا ، وكان من
لوازم ذلك السكون في بعض الاشياء صحة الاستقرار على ذلك والتصرف عليه ، وكان
من فائدة وجود الجبال والتضريسات الموجودة في وجه الارض أن تكون مغمورة بالماء
ليحصل للحيوان الاستقرار والتصرف عليها ، لاجرم كان بين الاوتاد والجبال الخارجة
من الماء في الارض اشتراك في كونهما مستلزمين لصحة استقراره ما نعين من عدمه ، لاجرم
حسنت الايتاد إلى الصخور والجبال . وأما إشعاره بالميدان فلان الحيوان كما
يكون صادقا عليه أنه غير مستقر على الارض بسبب انغمارها في الماء لولم يوجد الجبال
كذلك يصدق على الارض أنها غير مستقرة تحته ومضطربة بالنسبة إليه ، فثبت حينئذ
أنه لولا وجود الجبال في سطح الارض لكانت مضطربة ومائدة بالنسبة إلى الحيوان ، لعدم
تمكنه من الاستقرار عليها .