بحار الأنوار ج5

وثالثها أن تكون بمعنى الاثابة : ومنه قوله تعالى : " يهديهم ربهم بإيمانهم تجري
من تحتهم الانهار في جنات النعيم "(1)وقوله تعالى : " والذين قتلوا في سبيل الله فلن
يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم "(2)والهداية التي تكون بعد قتلهم هي إثابتهم لا محالة .
ورابعها : الحكم بالهداية كقوله تعالى : " ومن يهدي الله فهو المهتد "(3)وهذه

الوجوه الثلاثة خاصة بالمؤمنين دون غيرهم لانه تعالى إنما يثيب من يستحق الاثابة
وهم المؤمنون ، ويزيدهم ألطافا بإيمانهم وطاعتهم ، ويحكم لهم بالهداية لذلك أيضا .
وخامسها أن تكون الهداية بمعنى جعل الانسان مهتديا ، بأن يخلق الهداية فيه
كما يجعل الشئ متحركا بخلق الحركة فيه ، والله تعالى يفعل العلوم الضرورية في
القلوب فذلك هداية منه تعالى ، وهذ الوجه أيضا عام لجميع العقلاء كالوجه الاول ،
فأما الهداية التي كلف الله تعالى العباد فعلها كالايمان به وبأنبيائه وغير ذلك فإنها
من فعل العباد ، ولذلك يستحقون عليها المدح والثواب ، وإن كان الله سبحانه قد أنعم
عليهم بدلالتهم على ذلك وإرشادهم إليه ودعاهم إلى فعله وتكليفهم إياه وأمرهم به ،
فهو من هذا الوجه نعمة منه سبحانه عليهم ، ومنة منه واصلة إليهم ، وفضل منه وإحسان
لديهم ، فهو مشكور على ذلك محمود ، إذ فعله بتمكينه وألطافه وضروب تسهيلاته و
معوناته .
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم "(4):
إن المراد به البيان والدلالة ، والصراط المستقيم هو الاسلام ; أو المراد به : يهديهم باللطف
فيكون خاصا بمن علم من حاله أنه يصلح به ; أو المراد به : يهديهم إلى طريق الجنة .
وقال في قوله تعالى : " متى نصر الله "(5)قيل : هذا استعجال للموعود كما
يفعله الممتحن ، وإنما قاله الرسول استبطاء‌ا للنصر على جهة التمني . وقيل : إن معناه
الدعاء لله بالنصر . وقيل : إنه ذكر كلام الرسول والمؤمنين جملة وتفصيلا : قال المؤمنون
متى نصر الله ؟ وقال الرسول : إلا إن نصر الله قريب .


(1)يونس : 9 .(2)محمد : 4 و 5 .
(3)اسرى : 97 .(4)النور : 46 .
(5)البقرة : 214 . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه