بحار الأنوار ج6

إليه المعتزلة ، فإن قالوا : قد يكون الفعل الواجب نعمة إذا كان منعما بسببه كالثواب
والعوض لما كان منعما بالتكليف وبالآلام التي يستحق بها الاعواض جاز أن يطلق
عليهما اسم النعمة ، فالجواب أن ذلك إنما قلناه في الثواب والعوض ضرورة ، ولا ضرورة
ههنا تدعو إلى ارتكابه .
وقال رحمه الله في قوله تعالى " إنما التوبة " : معناه لا توبة مقبولة على الله ، أي
عند الله إلا " للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب " واختلف في معنى قوله
بجهالة على وجوه : أحدها أن كل معصية يفعلها العبد جهالة وإن كانت على سبيل العمد
لانه يدعو إليها الجهل ويزينها للعبد ، عن ابن عباس وعطاء ومجاهد وقتادة ، وهو
المروي عن أبي عبدالله عليه السلام .
وثانيها أن معنى قوله تعالى : " بجهالة " أنهم لا يعلمون كنه ما فيه من العقوبة كما
يعلم الشئ ضرورة ، عن الفراء .
وثالثها أن معناه أنهم يجهلون أنها ذنوب ومعاص فيفعلونها ، إما بتأويل
يخطؤون فيه ، وإما بأن يفرطوا في الاستدلال على قبحها عن الجبائي . وضعف الرماني
هذا القول لانه بخلاف ما أجمع عليه المفسرون ، ولانه يوجب أن لا يكون لمن علم أنها
ذنوب توبة لان قوله : " إنما التوبة " يفيد أنها لهؤلاء دون غيرهم . وقال أبوالعالية وقتادة
أجمعت الصحابة على أن كل ذنب أصابه العبد فبجهالة . وقال الزجاج : إنما قال :
بجهالة لانهم في اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية جهال فهو جهل في الاختيار
ومعنى " يتوبون من قريب " أي يتوبون قبل الموت لان ما بين الانسان وبين الموت قريب ،
فالتوبة مقبولة قبل اليقين بالموت . وقال الحسن والضحاك وابن عمر : القريب ما لم يعاين
الموت . وقال السدي : هو ما دام في الصحة قبل المرض والموت .
وروي عن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه أنه قيل : فإن عاد وتاب مرارا ؟ قال :
يغفر الله له ، قيل : إلى متى ؟ قال : حتى يكون الشيطان هو المحسور . وفي كتاب من لا
يحضره الفقيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله في آخر خطبة خطبها : من تاب قبل موته بسنة
تاب الله عليه ، ثم قال : وإن السنة لكثيرة من تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه ، ثم قال

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه