والنبي صلى الله عليه وآله لا يزداد إلا بكاء ولا يسكن ، وكانت عاتكة تلعقه(1)عسلا صافيا مع الثريد ،
وهو لا يزداد إلا تماديا في البكاء .
قال الواقدي : فضجر عبدالمطلب(2)فقال لعاتكة : فلعله يقبل ثدي واحدة منهن
ويرضعن ولدي وقرة عيني فبعثت عاتكة بالجواري والعبيد نحو نسآء بني هاشم وقريش ودعتهن
إلى رضاع النبي صلى الله عليه وآله ، فجئن إلى عاتكة واجتمعن عندها في اربعمائة وستين جارية من
بنات صناديد قريش(3)، فتقدمت كل واحدة منهن ووضعن ثديهن في فم رسول الله صلى الله عليه وآله
فما قبل منهن أحدا ، وبقين متحيرات ، وكان عبدالمطلب جالسا فأمر بإخراجهن و النبي
صلى الله عليه وآله لا يزداد إلا بكاء وحزنا ، فخرج عبدالمطلب مهموما و قعد عند ستارة(4)الكعبة
ورأسه بين ركبتيه ، كأنه امرأه ثكلاء ، وإذا بعقيل بن أبي وقاص وقد أقبل وهو شيخ
قريش وأسنهم ، فلما رأى عبدالمطلب مغموما قال له : يا أبا الحارث ، ما لي أراك مغموما ؟
قال : يا سيد قريش إن نافلتي يبكي ولا يسكن شوقا إلى اللبن من حين ماتت امه ، و
أنا لا أتهنأ بطعام ولا شراب(5)، وعرضت عليه نسآء قريش وبني هاشم فلم يقبل ثدي
واحدة منهن(6)، فتحيرت وانقطعت حيلتي ، فقال عقيل : يا أبا الحارث إني لاعرف في
أربعة و أربعين صنديدا من صناديد العرب امرأة عاقبلة هي أفصح لسانا ، وأصبح وجها ، و أرفع
(1)ألعق ولعق فلانا العسل : جعله يلعقه ، أى يؤاكله العسل بأصبعه .
(2)في المصدر : فضجر عبدالمطلب ولا يتهنأ أن ينظر إلى النبى صلى الله عليه وآله وهو
في تلك الحال ، فقال لابنته عاتكة .
(3)في المصدر : صناديد قريش وأصل بنى هاشم ، فتقدمت كل واحد منهن ورفعن أكما مهن
عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، ووضعن خلف ثديهن في فم رسول الله اه قلت : الخلف
بالكسر : حلمة الضرع .
(4)الستار جمع السترة : ما يستر به . وفي المصدر : فخرج عبدالمطلب من الدار مهموما مغموما
وقر عند الكعبة ، وقعد عند ستارها .
(5)في المصدر : ولا بشراب محزونا على ولدى محمد .
(6)في المصدر زيادة هى : وذلك أنه ما من امرأة إلا وبها عيب ، وإن محمدا لا يقبل ثدى
من بها عيب ، فلهذا امتنع فتحيرت .