بحار الأنوار ج46

صلى الله عليه وآله كالبعير الشارد ، يقاد كرها وعينه تدمع ، وأنفه ترمع ، وقلبه
يجزع ، هذا وكم له من يوم عصيب برز فيه إلى المشركين بنية صادقة ، وبرز
غيره وهو أكشف أميل أجم أعزل ، ألا وإني مخبركم بخبر على أنه مني بأوباش
كالمراطة بين لغموط وحجابه وفقامه ومغذمر ومهزمر ، حملت به شوهاء شهواء في
أقصى مهيلها ، فأتت به محضا بحتا ، وكلهم أهون على علي من سعدانة بغل ، أفمثل
هذا يستحق الهجاء ، وعزمه الحاذق ، وقوله الصادق ، وسيفه الفالق ، وإنما يستحق
الهجاء من سامه إليه ، وأخذ الخلافة ، وأزالها عن الوارثة ، وصاحبها ينظر إلى
فيئه ، وكأن الشبادع تلسبه ، حتى إذا لعب بها فريق بعد فريق ، وخريق بعد
خريق ، اقتصروا على ضراعة الوهز ، وكثرة الابز ، ولو ردوه إلى سمت الطريق
والمرت البسيط ، والتامور العزيز ، ألفوه قائما ، واضعا الاشياء في مواضعها ، لكنهم
انتهزوا الفرصة ، واقتحموا الغصة ، وباؤا بالحسرة .
قال : فاربد وجه الوليد وتغير لونه ، وغص بريقه ، وشرق بعبرته ، كأنما
فقئ في عينه حب المض الحاذق ، فأشار عليه بعض جلسائه بالانصراف وهو لايشك
أنه مقتول به ، فخرج فوجد بعض الاعراب الداخلين ، فقال له : هل لك أن تأخذ
خلعتي الصفراء وآخذ خلعتك السوداء وأجعل لك بعض الجائزة حظأ ؟ ففعل الرجل
وخرج الاعرابي فاستوى على راحلته ، وغاص في صحرائه ، وتوغل في بيدائه ، و
اعتقل الرجل الآخر فضرب عنقه ، وجيئ به إلى الوليد ، فقال : ليس هو هذا بل
صاحبنا ، وأنفذ الخيل السراع في طلبه فلحقوه بعد لاي ، فلما أحس بهم أدخل
يده إلى كنانته يخرج سهما سهما يقتل به فارسا ، إلى أن قتل من القوم أربعين و
انهزم الباقون ، فجاؤا إلى الوليد فأخبروه بذلك ، فاغمي عليه يوما وليلة أجمع
قالوا : ما تجد ؟ قال : أجد على قلبي غمة كالجبل من فوت هذا الاعرابي
فلله دره .
بيان : اسحنفر الرجل : مضى مسرعا ، ويقال : ثعجرت الدم وغيره فاثعنجر
أي صببته فانصب ، وذفري البعير أصل اذنيها ، وأغذ السير أسرع ، ويقال ألى يؤلي

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه