بحار الأنوار ج8

يكون نفوسا لها وهذا هو القول بالتناسخ ، وإما أن لا تصير وهذا هوالذي مال إليه
ابن سينا والفارابي من أنها تتعلق بأجرام سماوية لا على أن يكون نفوسا لها مدبرة
لامورها ، بل على أن يستعملها لامكان التخيل ، ثم تتخيل ، الصور التي كانت معتقدة
عندها وفي وهمها فيشاهد الخيرات الاخروية على حسب ما يخيلها ، قالوا : ويجوز
أن يكون هذا الجرم متولدا من الهواء والادخنة من غير أن يقارن مزاجا يقتضي
فيضان نفس إنسانية .
ثم إن الحكماء وإن لم يثبتوا المعاد الجسماني والثواب والعقاب المحسوسين
فلم ينكروها غاية الانكار بل جعلوها من الممكنات لا على وجه إعادة المعدوم ، وجوزوا
حمل الآيات الواردة فيها على ظواهرها ، وصر حوا بأن ليس مخالفا للاصول الحكمية
والقواعد الفلسفية ، ولا مستبعد الوقوع في الحكمة الالهية ، لان للتبشير والانذار
نفعا ظاهرا في أمر نظام المعاش وصلاح المعاد ، ثم الايفاء بذلك التبشير والانذار
بثواب المطيع وعقاب العاصي تأكيد لذلك وموجب لازدياد النفع فيكون خيرا بالقياس
إلى الاكثرين ، وإن كان ضرا في حق المعذب ، فيكون من جملة الخير الكثير الذي
يلزمه شر قليل ، بمنزلة قطع العضو لصلاح البدن انتهى .
ونحوا من ذلك ذكر الشيخ ابن سينا في رسالة المبدء والمعاد ولم يذكر هذا
التجويز ، وإنما جوزه في الشفاء خوفا من الديانين في زمانه ، ولا يخفى على من راجع
كلامهم وتتبع اصولهم أن جلها لا يطابق ماورد في شرائع الانبياء ، وإنما يمضغون
ببعض اصول الشرائع وضروريات الملل على ألسنتهم في كل زمان حذرا من القتل
والتكفير من مؤمني أهل زمانهم ، فهم يؤمنون بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم كافرون ولعمري من قال : بأن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ، وكل حادث مسبوق بمادة ،
وماثبت قدمه امتنع عدمه ، وبأن العقول والافلاك وهيولى العناصر قديمة ، وأن
الانواع المتوالدة كلها قديمة وأنه لا يجوز إعادة المعدوم ، وأن الافلاك متطابقة ، ولا
تكون العنصريات فوق الافلاك ، وأمثال ذلك كيف يؤمن بما أتت به الشرائع ونطقت
به الآيات وتواترت به الروايات من اختيار الواجب وأنه يفعل مايشاء ويحكم ما

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه