بحار الأنوار ج53

بنو بكر ، وأهل فارس مشهورون بشدة التسنن والنصب والعداوة لاهل الايمان
وكان محمود هذا أشدهم في الباب ، وقد وفقه الله تعالى للتشيع دون أصحابه .
فقلت لها : واعجباه كيف سمح أبوك بك ؟ وجعلك مع هؤلاء النواصب ؟ وكيف اتفق
لزوجك مخالفة أهله حتى ترفضهم ؟ فقالت : يا أيها المقرئ إن له حكاية عجيبة
إذا سمعها أهل الادب حكموا أنها من العجب ، قلت : وما هي ؟ قال : سله عنها
سيخبرك .
قال الشيخ : فلما حضرنا عنده قلت له : يا محمود ماالذي أخرجك عن ملة
أهلك ، وأدخلك مع الشيعة ؟ فقال : يا شيخ لما اتضح لي الحق تبعته ، اعلم انه
قد جرت عادة أهل الفرس(1)أنهم إذا سمعوا بورود القوافل عليهم ، خرجوا
يتلقونهم ، فاتفق أناسمعنا بورود قافلة كبيرة ، فخرجت ومعي صبيان كثيرون
وأنا إذ ذاك صبي مراهق ، فاجتهدنا في طلب القافلة ، بجهلنا ، ولم نفكر في عاقبة
الامر ، وصرنا كلما انقطع مناصبي من التعب خلوه إلى الضعف ، فضللنا عن
الطريق ، ووقعنا في واد لم نكن نعرفه ، وفيه شوك ، وشجر ودغل ، لم نر مثله
قط فأخذنا في السير حتى عجزنا وتدلت ألسنتنا على صدورنا من العطش ، فأيقنا
بالموت ، وسقطنا لوجوهنا .
فبينما نحن كذلك إذا بفارس على فرس أبيض ، قد نزل قريبا منا ، وطرح
مفرشا لطيفا لم نر مثله تفوح منه رائحة طيبة ، فالتفتنا إليه وإذا بفارس آخر على
فرس أحمر عليه ثياب بيض ، وعلى رأسه عمامة لها ذؤابتان ، فنزل على ذلك المفرش
ثم قام فصلى بصاحبه ، ثم جلس للتعقيب .
فالتفت إلي وقال : يا محمود ! فقلت : بصوت ضعيف لبيك يا سيدي ، قال :


(1)الظاهر أنه بالفتح ، موضع للهذيل أو بلد من بلدانهم كما في القاموس منه رحمه الله .
أقول : بل هو بالضم لما سبق قبل أسطر من قوله وأهل فارس مشهورون بشدة التسنن
النصب والعداوة .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه