بحار الأنوار ج44

فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه ، فكتب الحسن من فوره ذلك إلى معاوية :
أما بعد فان خطبي انتهى إلى اليأس من حق احييه وباطل اميته ، وخطبك خطب
من انتهى إلى مراده ، وإنني أعتزل هذا الامر ، واخليه لك ، وإن كان تخليتي
إياه شرا لك في معادك ، ولي شروط أشترطها ، لا تبهظنك إن وفيت لي بها بعهد
ولا تخف إن غدرت وكتب الشروط في كتاب آخر فيه يمنيه بالوفاء ، وترك
الغدر وستندم يا معاوية كما ندم غيرك ممن نهض في الباطل ، أو قعد عن الحق
حين لم ينفع الندم ، والسلام .
فان قال قائل : من هو النادم الناهض ؟ والنادم القاعد ؟ قلنا : هذا الزبير ذكره
أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ما أيقن بخطاء ما أتاه ، وباطل ما قضاه . وبتأويل ما
عزاه ، فرجع عنه القهقرى ، ولو وفا بما كان في بيعته لمحانكثه ، ولكنه أبان ظاهرا
الندم والسريرة إلى عالمها .
وهذا عبدالله بن عمر بن الخطاب ، روى أصحاب الاثر في فضائله أنه قال :
مهما آسا عليه من شئ فاني لا آسا على شئ أسفي على أني لم اقاتل الفئة الباغية
مع علي .(1)فهذا ندم القاعد .
وهذه عائشة روى الرواة أنها لما أنبها مؤنب فيما أتته ، قالت : قضي القضاء
وجفت الاقلام ، والله لو كان لي من رسول الله صلى الله عليه وآله عشرون ذكرا كلهم مثل
عبدالرحمن بن الحارث بن هشام فثكلتهم بموت وقتل ، كان أيسر علي من خروجي
على علي ، ومسعاي التي سعيت ، فالى الله شكواي لا إلى غيره(2).
وهذا سعد بن أبي وقاص لما انهى إليه أن عليا صلوات الله عليه قتل ذا الثدية
أخذه ما قدم وما أخر ، وقلق ونزق ، وقال : والله لو علمت أن ذلك كذلك


(1)تراه في الاستيعاب لابن عبدالبر المالكى بذيل الاصابة ج 2 ص 337 ، بألفاظ
مختلفة وفى بعضها أنه قال ذلك حين حضرته الوفاة .
(2)روى مثله ابوالفرج الاصبهانى في كتاب مرج البحرين على ما نقله في تذكرة
الخواص ص 61 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه