تفسير : الآيات في ذالك كثيرة وقد مر أكثرها بتفاسير فمنها : ما يدل على
بركة ماء السماء ونفعه ، ومنها : ما تضمن الامتنان بجميع المياه ، وأنها من السماء
فتدل على جواز الانتفاع بها وشربها واستعمالها فيما يحتاج الناس إليه ، فالاصل
فيها الاباحة ، ولكل من الناس في كل ماء حق الانتقاع إلا ما خرج بالدليل ، و
يؤيده ما روي بطرق عديدة : " ثلاثة أشياء الناس فيها شرع سواء : الماء والكلاء
والنار " ويونسه أن المنع من ذالك يوجب حرجا عظيما لاسيما في الاسفار ، فاذا
ورد قوم مسافرون عطاش على ماء وكان استعمالهم موقوفا على استرضاء أهل القرية ،
لم يحصل لهم إلا بعد مرور أيام ، فلم يمكنهم الشرب منه إلا بقدر سد الرمق ، و
يلزمهم إيقاع الصلاة بالتيمم ومع النجاسة في مدة مديدة ، مع أنه قلما تتيسر
قرية لم تكن فيها جماعة من الغيب والايتام ، فكيف يمكن تحصيل الرضا منهم ، وإنا
نعرف من عادة السلف أنهم لم يكونوا يحترزون عن مثل ذالك .
وأيضا وردت أخبار كثيرة سألوا فيها أئمتنا عليهم السلام أنا نرد قرية فيها ماء و
سألوا عن خصوصياته وأجابوهم بجواز استعماله ولم يأمروهم باستيذان أهل القرية
وما تمسكوا به من أن قراين الاحوال تشهد برضا أربابها ، فكثير من الموارد ليست
فيها تلك القراين ، على أنه مع احتمال الايتام والمجانين لا تنفع تلك القراين ، فظهر
أن كمال الامتنان الذي تدل عليه تلك الآيات لايتم إلا بكون الحقوق الضرورية
مشتركة بين جميع المؤمنين في تلك المياه والله أعلم بحقايق الاحكام وحججه الكرام .
" فأسقيناكموه " أي مكناكم من استعماله ، " لكم منه شراب " أي لكم من
ذالك الماء شراب تشربونه " فأسكناه في الارض " ظاهره أن جميع مياه الارض من
السماء كما مر تقريره . " فيصيب به " أي بالبرد وضرره " من يشاء " فيهلك زرعه وماله
" ويصرفه عمن يشاء " أي ضرره فإصابته نقمة وصرفه رحمة . " ماء طهورا " أي مطهرا
والامتنان به وبما بعده من الشرب وسقي الانعام إنما يتم بجواز استعماله فيها وفي
أشباهها . " ماء مباركا " يدل على بركة ماء السماء كما ورد في الخبر :
وروى الكليني رحمه الله عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد