وخمدت نيران فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ورأى المؤبذان في تلك الليلة في
المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا(1)، قد قطعت دجلة ، وانسربت في بلادهم ، وانقصم طاق
الملك كسرى من وسطه ، وانخرقت عليه دجلة العورآء ، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل
الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق ، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح
منكوسا ، والملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك وانتزع علم الكهنة ، وبطل سحر السحرة ،
ولم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها ، وعظمت قريش في العرب ، وسموا آل الله
عزوجل .
قال أبوعبدالله الصادق عليه السلام : إنما سموا آل الله لانهم في بيت الله الحرام ، وقالت
آمنة : إن بني والله سقط فاتقى الارض بيده ، ثم رفع رأسه إلى السمآء فنظر إليها ، ثم
خرج مني نور أضاء له كل شئ ، وسمعت في الضوء قائلا يقول : إنك قد ولدت سيد
الناس فسميه محمدا ، وأتي به عبدالمطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت امه ، فأخذه فوضعه
في حجره ثم قال : الحمد لله الذي أعطاني ، هذا الغلام الطيب الاردان ، قد ساد في المهد
على الغلمان .
ثم عوذه بأركان الكعبة ، وقال فيه أشعارا ، قال : وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته
فاجتمعوا إليه ، فقالوا : ما الذي أفزعك يا سيدنا ؟ فقال لهم : ويلكم لقد أنكرت السمآء
والارض منذ الليلة ، لقد حدث في الارض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن
مريم عليه السلام ، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث ، فافترقوا ثم اجتمعوا إليه
فقالوا : ما وجدنا شيئا ، فقال إبليس لعنه الله : أنا لهذا الامر ، ثم انغمس في الدنيا فجالها
حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوظا بالملائكة ، فذهب ليدخل فصاحواب به ، فرجع
ثم صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حرى(2)، فقال له جبرئيل : وراك لعنك
الله ، فقال له : حرف أسألك عنه يا جبرئيل ، ما هذا الحديث الذي حدث منذ الليلة في الارض ؟
____________________________
(1)خيل عراب : كرائم سالمه من الهجنة .
(2)في المصدر : حراء ، وهو بالكسر والمد وهو اصح من القصر .
|