بحار الأنوار ج27

وأفهمه معاني أصواتها على سبيل المعجز له ، وليس هذا بمنكر ، فان النطق بمثل هذا
الكلام المسموع منا لايمتنع وقوعه ممن ليس بمكلف ولا كامل العقل ، ألا ترى أن
المجنون ومن لم يبلغ الكمال من الصبيان قد يتكلفون(1)بالكلام المتضمن للاغراض
وإن كان التكليف والكمال عنهم زائلين ، والقول فيما حكي عن الهدهد يجري على
الوجهين اللذين ذكرناهما في النملة ، فلا حاجة بنا إلى إعادتهما .
وأما حكايته أنه قال : " لاعذبنه عذابا شديدا أولا ذبحنه أو ليأتيني بسلطان
مبين "(2)وكيف يجوز أن يكون ذلك في الهدهد وهو غير مكلف ولا يستحق مثله
العذاب ؟
والجواب عنه أن العذاب اسم للضرر الواقع وإن لم يكن مستحقا ، فليس
يجري مجرى العقاب الذي لايكون إلا جزاء على أمر تقدم فليس يمتنع أن يكون
معنى لاعذبنه أي لاولمنه ، ويكون الله تعالى قد أباحه الايلام له كما أباحه الذبح
له لضرب من المصلحة ، كما سخر له الطير يصرفها في منافعه وأغراضه ، وكل هذا
لاينكر في النبي المرسل تخرق له العادات وتظهر على يده المعجزات ، وإنما يشتبه
على قوم يظنون أن هذه الحكايات تقتضي كون النمل والهدهد مكلفين ، وقد بينا أن
الامر بخلاف ذلك(3).

انتهى كلامه رحمه الله . ففي بعض ماذكر فيه ، وقد أشرنا لمن له غرام(4)إلى فهم
المرام فيما مضى وما سيأتي إلى ما يكفيه ولم نتعرض للرد والقبول حذرا من أن ينتهي القول
إلى مالا يرتضيه من يعرف الحق بالرجال ، ويمكن تأويل كلامه بحيث لاينافي ما
نظن فيه ونعتقده من غاية العرفان ، والله أعلم بحقيقة الحال ، وسيأتي الاخبار الكثيرة
في ذلك في أبواب المعجزات ومضى بعضها .


(1)في نسخة : قد يتكلمون .
(2)النمل : 21 .
(3)الغرر والدرر ج 2 ص 349 353 .
(4)الغرام : الولوع .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه