بحار الأنوار ج4

أو لاقبل أن يكون آخرا ، ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا ، كل مسمى بالوحدة
غيره قليل ، وكل عزيز غيره ذليل ، وكل قوي غيره ضعيف ، وكل مالك غيره مملوك ،
وكل عالم غيره متعلم ، وكل قادر غيره يقدر ويعجز ، وكل سميع غيره يصم عن لطيف
الاصوات ويصمه كبيرها ، ويذهب عنه ما بعد منها ، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الالوان
ولطيف الاجسام ، وكل ظاهر غيره غير باطن ، وكل باطن غيره غير ظاهر ، لم يخلق ما خلقه
لتشديد سلطان ، ولا تخوف من عواقب زمان ، ولا استعانة على ند مثاور ، ولا شريك
مكاثر ، ولاضد منافر ، ولكن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون ، لم يحلل في الاشياء
فيقال : هو فيها كائن ، ولم ينأعنها فيقال : هو منها بائن ، لم يؤده خلق ما ابتدأ ، ولا تدبير
ماذرأ ، ولا وقف به عجز عما خلق ، ولا ولجت عليه شبهة فيما قضى وقدر ، بل قضاء
متقن ، وعلم محكم ، وأمر مبرم ، المأمول مع النقم ، المرهوب مع النعم .
بيان : قوله عليه السلام : لم تسبق له حال حالا إما مبني على مامر من عدم كونه
تعالى زمانيا ، فإن السبق والتقدم والتأخر إنما تلحق الزمانيات المتغيرات ، وهو
تعالى خارج عن الزمان : أو المعنى أنه ليس فيه تبدل حال وتغير صفة بل كل ما
يستحقه من الصفات الذاتية الكمالية يستحقها أزلا وأبدا فلا يمكن أن يقال : كان
استحقاقه للاولية قبل استحقاقه للآخرية ، أو كان ظاهرا ثم صار باطنا بل ، كان أزلا
متصفا بجميع ما يستحقه من الكمالات ، وليس محلا للحوادث والتغيرات ، أو أنه
لايتوقف اتصافه بصفة على اتصافه باخرى بل كلها ثابتة لذاته بذاته من غير ترتيب بينها
ولعل الاوسط أظهر .
قوله عليه السلام : كل مسمى بالوحدة غيره قليل قيل : المعنى أنه تعالى لا يوصف
يالقلة وإن كان واحدا إذ المشهور من معنى الواحد كون الشئ مبدء‌ا لكثرة يكون عادا
لها ومكيالا ، وهو الذي تلحقه القلة والكثرة الاضافيتان ، فإن كل واحد بهذا المعنى
هو قليل بالنسبة إلى الكثرة التي تصلح أن تكون مبدء‌ا لها ، ولما كان تعالى منزها
عن الوصف بالقلة والكثرة لما يستلزمانه من الحاجة والنقصان اللازمين لطبيعة الامكان
أثبت القلة لكل ما سواه فاستلزم إثباتها لغيره في معرض المدح له نفيها عنه ، وقيل :

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه