جناحا(1)لما أراد من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد والامتحان الذي هو مضمار
التكليف ، وله في كل شئ حكمة وعنوان ، وما يذكر إلا اولو الالباب انتهى .
وقد تأملت الذباب فوجدته يتقي بجناحه الايسر وهو مناسب للدآء ، كما
أن الايمن مناسب للشفاء ، وقد استفيد من الحديث أنه إذا وقع في المايع لا ينجسه
لانه ليست له نفس سائلة .
ولو وقع الزنبور أو الفراش أو النحل أو أشباه ذلك في الطعام فهل يؤمر بغمسه
لعموم قوله صلى الله عليه وآله : " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم " الحديث ، وهذه الانوع كلها
يقع عليها اسم الذباب في اللغة كما تقدم ، وقد قال على عليه السلام في العسل : " إنه مذقة
ذبابة " وقد مر أن الذباب كله في النار إلا النحل ، فسمي الكل ذبابا ، فاذا كان كذلك
فالظاهر وجوب حمل الامر بالغمس على الجميع إلا النحل ، فان الغمس قد يؤدي
إلى قتله .
وفي شفاء الصدور وتاريخ ابن النجار مسندا أن النبي صلى الله عليه وآله كان لا يقع على جسده
ولا على ثيابه ذبابا أصلا .
والذباب أجهل الخلق لانه يلقي نفسه في الهلكة(2).
وقال : البق المعروف هو الفسافس ، يقال : إنه يتولد من النفس الحار و
(1)اعلم انه قد أورد حديث الذباب كل من الخاصة والعامة في كتبهم المعتبرة وتكلم
عليه كثير ممن شأنهم الاعتراض بكل مالم يوافق نظره ، واعترض على سابقا بعض الاطباء
ايضا فاجبته بانك ما جريت هذا حتى يمكنك نفيه ، واستنكارك ليس الاصرف الاستبعاد والعلم
لم يكشف عن ذلك قناعه فاى مانع في ان الله جعل فيه مادة مضرة يقال لها : ميكروب ، وجعل
فيه ضده ودافعه ، ولعل تقديمه الجناح الذى فيه الداء لازالته عن نفسه . وظفرت بعد هذه المحاورة
بكتاب كل مافى صحيح البخارى صحيح ورأيت انه تكلم على هذا الحديث وما اعترض
عليه ، واجاب بأن بعض الاطباء العصرى استكشف أن في الذباب مادة يوجب الداء وفيه ما يدفعه
أقول : ولعله يستفاد من تقديم الجناح الذى فيه الداء أن الماء يدفع ذلك الداء وهو ضده
ورافعه .
(2)حياة الحيوان 1 : 254 - 259 .