بحار الأنوار ج18

يمنعونه من الله " اولئك في ضلال مبين " أي عدول عن الحق ظاهرا انتهى كلامه رفع
مقامه(1).
وقال الرازي : روي عن الحسن أن هؤلاء من الجن كانوا يهودا لان في الجن
مللا كما في الانس ، والمحققون على أن الجن مكلفون ، سئل ابن عباس هل للجن
ثواب ؟ قال : نعم لهم ثواب وعليهم عقاب يلتقون في الجنة ، ويزدحمون على أبوابها ، ثم
قال : واختلفوا في أن الجن هل لهم ثواب أم لا ؟ فقيل : لا ثواب لهم إلاالنجاة من
النار ، ثم يقال لهم : كونوا ترابا مثل البهائم ! واحتجوا بقوله تعالى : " ويجركم من
عذاب أليم " وهو قول أبي حنيفة ، والصحيح أنهم في حكم بني آدم في الثواب والعقاب
وهذا قول ابن أبي ليلى ومالك ، وكل دليل يدل على أن البشر يستحقون الثواب على الطاعة
فهو بعينه قائم في حق الجن ، والفرق بين البابين بعيد جدا(2).
وقال الطبرسي في قوله تعالى : " قل اوحي إلي أنه استمع نفر من الجن " أي
استمع القرآن طائفة من الجن وهم جيل رقاق الاجسام ، خفية(3)على صورة مخصوصة
بخلاف صورة الانسان والملائكة ، فإن الملك مخلوق من النور ، والانس من الطين ، والجن
من النار " فقالوا " أي الجن بعضها لبعض : " إنا سمعنا قرآنا عجبا " العجب ما يدعو إلى
التعجب منه لخفاء سببه وخروجه عن العادة(4)" يهدي إلى الرشد " أي الهدى " فآمنا
به " أي بأنه من عند الله " ولن نشرك " فيما بعد " بربنا أحدا " فنوجه العبادة إليه ،
وفيه دلالة على أنه صلى الله عليه وآله كان مبعوثا إلى الجن أيضا ، وأنهم عقلاء مخاطبون ، وبلغات
العرب عارفون ، وأنهم يميزون بين المعجز وغير المعجز ، وأنهم دعوا قومهم إلى الاسلام
وأخبروهم بإعجاز القرآن وأنه كلام الله تعالى .


(1)مجمع البيان 9 : 91 - 94 .
(2)مفاتيح الغيب : تفسير سورة الاحقاف ج 28 ص 31 .
(3)في المصدر : خفيفة .
(4)في المصدر : زيادة لم يوردها المصنف وهي : وخروجه عن العادة في مثله ، فلما كان القرآن
قد خرج بتأليفه المخصوص عن العادة في الكلام وخفى سببه عن الانام كان عجبا لا محالة ، وأيضا فانه
مباين لكلام الخلق في المعنى والفصاحة والنظام ، لا يقدر أحد على الاتيان بمثله ، وقد تضمن أخبار
الاولين والاخرين وما كان وما يكون أجراه الله على يد رجل امى فاستعظموه وسموه عجبا .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه