يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط فأوحي الله عزوجل إليه إنما أنت عبد مأمور فأبلغه
ذلك والله لا يسأل عما يفعل .(2)
ثم التفت إلى سليمان فقال له : أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب ، قال أعوذ
بالله من ذلك ، وما قالت اليهود ؟ قال : قالت اليهود : " يد الله مغلولة " يعنون أن الله قد
فرغ من الامر فليس يحدث شيئا فقال الله عزوجل : " غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا " ولقد
سمعت قوما سألو أبي موسى بن جعفر عليه السلام عن البداء فقال : وما ينكر الناس من البداء وأن
يقف الله قوما يرجئهم لامره .
قال سليمان : ألا تخبرني عن إنا أنزلناه في ليلة القدر في أي شئ أنزلت ؟ قال :
يا سليمان ليلة القدر يقدرالله عزوجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة
أو موت ، أو خير أو شر ، أو رزق فما قدره في تلك اللية فهو من المحتوم .
قال سليمان : الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني . قال : يا سليمان إن من الامور
امورا موقوفة عند الله تبارك وتعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، يا سليمان إن
عليا عليه السلام كان يقول : العلم علمان : فعلم علمه الله ملائكته ورسله فما علمه ملائكته
ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون لم
يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم منه ما يشاء ويوخر ما يشاء ، ويمحو ويثبت ما يشاء .
قال سليمان للمأمون : يا أمير المؤمنين لا انكر بعد يومي هذا البداء ولا اكذب به
إن شاء الله .
بيان : لعل استدلاله عليه السلام أولا بالآيات لرفع الاستبعاد عما هو مبنى البداء من
أن الله تعالى أن يحدث شيئا لم يكن ، ويغير ماقد كان ، وليس على ما قالت اليهود ومن
يضاهيهم : إن الله فعل ما فعل ، وقدر ما قدر في أول الامر فلا يغير شيئا من خلقه ولا
أحكامه ، وإن لله كتابا يمحوفيه ما قد ثبت ، ويثبت فيه ما لم يكن . على ما سيأتي تحقيقه ،
وذكر بعض ما يدل على النسخ إما على التنظير والتمثيل لمشابهة البداء النسخ في أن
(1)سيأتى مثله تحت رقم 33 وفيه : أن النبى هو حزقيل وسيأتى مثله أيضا في قصة شعيا على
نبينا وآله وعليهما السلام .(*)