بحار الأنوار ج56

أتم وأشد من المشاكلة بين نفوسنا وبين الارواح السماوية ، وأما أن القوة الحاصلة
بسبب الاتصال بالارواح السماوية أقوى فلان الارواح السماوية بالنسبة إلى الارواح
الارضية كالشمس بالنسبة إلى الشعلة والبحر بالنسبة إلى القطرة والسلطان بالنسبة إلى
الرعية قالوا : وهذه الاشياء وإن لم يقم على وجودها برهان قاهر فلا أقل من الاحتمال
والامكان . ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الارواح
الارضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد ، فهذا النوع هو
المسمى بالعزائم وعمل تسخير الجن .

(النوع الرابع) (من السحر التحيلات والاخذ بالعيون)

فهذا النوع مبني على مقدمات أحدها أن أغلاط البصر كثيرة ، فإن راكب
السفينة إذا نظر إلى الشط رأى السفينة واقفة والشط متحركا ، وذلك يدل على
أن الساكن يرى متحركا والمتحرك يرى ساكنا ، والقطرة النازلة ترى خطا
مستقيما ، والزبالة التي تدار بسرعة ترى دائرة ، والقبة ترى في الماء
كالاجاصة ، والشخص الصغير يرى في الضباب عظيما ، وكبخار الارض الذي يريك
قرص الشمس عند طلوعها عظيما ، فإذا فارقته وارتفعت صغرت ، وأما رؤية العظم
من البعيد صغيرا فظاهر ، فهذه الاشياء قدهدت العقول إلى أن القوة الباصرة قد
تبصر الشئ على خلاف ما هو عليه في الجملة لبعض الاسباب العارضة .
وثانيها : أن القوة الباصرة إنما تقف على المحسوس وقوفا تاما إذا أدركت
المحسوس في زمان له مقدرا فأما إذا أدركت المحسوس في زمان صغير جدا ثم
أدركت بعده محسوسا آخر وهكذا فإنه يختلط البعض بالبعض ، ولا يتميز بعض
المحسوسات عن البعض ، ولذلك فإن الرحى إذا أخرجت من مركزها إلى محيطها
خطوطا كثيرة بألوان مختلفة ثم استدارت فإن الحس يرى لونا واحدا كأنه

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه