ويجري هذا مجرى قوله تعالى : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله "(1)ومعلوم
أن معنى قوله : " ليس لها " في هذه الآية هو ما ذكرناه ، وإن كان الاشبه في الآية التي فيها
ذكر الموت أن يكون المراد بالاذن العلم .
ومنها أن يكون الاذن هو التوفيق والتيسير والتسهيل ، ولا شبهة في أن الله تعالى
يوفق لفعل الايمان ويلطف فيه ويسهل السبيل إليه .
ومنها أن يكون الاذن : العلم ، من قولهم : أنت أذنت لكذا وكذا : إذا سمعته
وعلمته ، وأذنت فلانا بكذا وكذا : إذا أعلمته ، فتكون فائدة الآية الاخبار عن علمه
تعالى بسائر الكائنات وأنه مما لا تخفى عليه الخفيات ، وقد أنكر بعض من لا بصيرة له
أن يكون الاذن - بكسر الالف وتسكين الذال - عبارة عن العلم ، وزعم أن الذي
هو العلم الاذن - بالتحريك - واستشهد بقول الشاعر : إن همي في سماع وأذن . وليس
الامر على ما توهمه هذا المتوهم لان الاذن هو المصدر والاذن هو اسم الفعل ويجري
مجرى الحذر في أنه مصدر والحذر - بالتسكين - الاسم ; على أنه لو لم يكن مسموعا
إلا الاذن - بالتحريك - لجاز التسكين ، مثل مثل ومثل وشبه وشبه ونظائر ذلك كثيرة .
ومنها أن يكون الاذن : العلم ، ومعناه إعلام الله المكلفين بفضل الايمان وما
يدعو إلى فعله ، فيكون معنى الآية : وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإعلام الله تعالى لها
ما يبعثها على الايمان ويدعوها إلى فعله ، فأما ظن السائل دخول الارادة في محتمل
اللفظ فباطل ، لان الاذن لا يحتمل الارادة في اللغة ، ولو احتملها أيضا لم يجب ما توهمه
لانه إذا قال : إن الايمان لم يقع إلا وأنا مريد له لم ينف أن يكون مريدا لما لم يقع ، و
ليس في صريح الكلام ولا في دلالته شئ من ذلك .(2)
(1)آل عمران : 145
(2)قال الشيخ قدس سره في التبيان ومعنى قوله : " وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله "
أنه لا يمكن لاحد أن يؤمن إلا باطلاق الله له في الايمان وتمكينه منه ودعاؤه إليه بما خلق فيه من العقل
الموجب لذلك . وقال الحسن وأبوعلى الجبائى : إذنه ههنا : أمره ، وحقيقة إطلاقه في الفعل بالامر
وقد يكون الاذن بالاطلاق في الفعل برفع التبعية . وقيل : معناه : وما كان لنفس أن تؤمن إلا بعلم
الله ، وأصل الاذن : الاطلاق في الفعل ، فأما الاقدار على الفعل فلا يسمى إذنا فيه ، لان النهى ينافى
الاطلاق . انتهى . *