بحار الأنوار ج70

الشيطان اللعين ، فمن اسعرته نار الغضب ، فقد قويت فيه قرابة الشيطان ، حيث قال :
خلقتني من نار وخلقته من طين (1)فمن شأن الطين السكون والوقار ، وشأن
النار التلظي والاستعار ، والحركة والاضطراب والاصطهار ، ومنه قوله تعالى :
يصهر به ما في بطونهم والجلود (2)ومن نتائج الغضب الحقد والحسد ، وبهما
هلك من هلك ، وفسد من فسد .
ثم قال : اعلم أنالله تعالى لما خلق الانسان معرضا للفساد والموتان ، بأسباب
في داخل بدنه ، واسباب خارجة منه ، أنعم عليه بما يحميه الفساد ، ويدفع عنه الهلاك
إلى أجل معلوم ، سماه في كتابه .
أما السبب الداخل فانه ركبه من الرطوبة ، والحرارة ، وجعل بين الرطوبة
والحرارة عداوة ومضادة ، فلا تزال الحرارة تحلل الرطوبة ، وتجففها وتبخرها
حتى يتفشى أجزاؤها بخارا يتصاعد منها ، فلو لم يتصل بالرطوبة مدد من الغذاء
يجبر ما انحل وتبخر من أجزائها لفسد الحيوان ، فخلق الله الغذاء الموافق لبدن
الحيوان ، وخلق للحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكل به في جبر ما انكسر
وسد ما انثلم ، ليكون حافظا له من الهلاك ، بهذه الاسباب .
وأما الاسباب الخارجة التي يتعرض لها الانسان فكالسيف والسنان ، وسائر
المهلكات التي يقصد بها ، فافتقر إلى قوة وحمية تثور من باطنه ، فيدفع المهلكات
عنه فخلق الله الغضب من النار ، وغرزه في الانسان ، وعجنه بطينته ، فمهما قصد في
غرض من أغراضه ، ومقصود من مقاصده ، اشتعلت نار الغضب ، وثارت ثورانا
يغلى به دم القلب ، وينتشر في العروق ، ويرتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار
وكما يرتفع الماء الذي يغلى في القدر .
ولذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين ، والبشرة بصفائها تحكي لون
ما وراء‌ها من حمرة الدم ، كما تحكي الزجاجة لون ما فيها ، وإنما ينبسط
الدم إذا غضب على من دونه ، واستشعر القدرة عليه ، فان صدر الغضب على من هو فوقه


(1)الاعراف : 12 ص 76 .(2)الحج : 20 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه