من طين متغير " مسنون " أي مصبوب . كأنه افرغ حتى صار صورة ، كما يصب الذهب و
الفضة ، وقيل : إنه الرطب ، وقيل : مصور ، عن سيبويه قال : اخذ منه سنة الوجه " والجنان "
أي إبليس ، أو هو أب الجن ، وقيل : هم الجن نسل إبليس " من قبل " خلق آدم " من نار
السموم " أي من نار لها ريح حارة تقتل ، وقيل : نار لادخان لها والصواعق تكون منها ،
وقيل : السموم : النار الملتهبة ، وأصل آدم كان من تراب وذلك قوله : " خلقه من تراب "
ثم جعل التراب طينا ، وذلك قوله : " وخلقته من طين " ثم ترك ذلك الطين حتى تغير
واسترخى وذلك قوله : " من حمأ مسنون " ثم ترك حتى جف وذلك قوله : " من صلصال "
فهذه الاقوال لا تناقض فيها إذ هي إخبار عن حالاته المختلفة . " بشرا " يعني آدم وسمي
بشرا لانه ظاهر الجلد لا يواريه شعر ولا صوف " فإذا سويته " بإكمال خلقه .(1)
" ونفخت فيه من روحي " قال البيضاوي : أصل النفخ إجراء الريح في تجويف
جسم آخر ، ولما كان الروح يتعلق أولا بالبخار الطيف المنبعث من القلب ويفيض
عليه القوة الحيوانية فيسري حاملا لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن جعل
تعليقه بالبدن نفخا ، وإضافة الروح إلى نفسه للتشريف " فاخرج منها " أي من الجنة
أو من السماء ، أو زمر الملائكة " فإنك رجيم " مطرود من الخير والكرامة ، أو شيطان
يرجم بالشهب " وأن عليك اللعنة " هذا الطرد والابعاد " إلى يوم الدين " فإنه منتهى أمد
اللعن ، لانه يناسب أيام التكليف ، وقيل : إنما حد اللعن به لانه أبعد غاية تضربها الناس ،
أو لانه يعذب فيه بما ينسي اللعن معه فيصير كالزائل " إلى يوم الوقت المعلوم " المسمى فيه أجلك
عندالله أو انقراض الناس كلهم وهو النفخة الاولى ، أو يوم القيامة " رب بما أغويتني " الباء
للقسم ، وما مصدرية ، وجوابه " لازينن لهم في الارض " والمعنى : اقسم بإغوائك إياي
الازينن لهم المعاصي في الدنيا التي هي دار الغرور ، وقيل : للسببية ، والمعتزلة أولوا
الاغواء بالنسبة إلى الغي أو التسبب له بأمره إياه بالسجود ، أو بالاضلال عن طريق
الجنة ، واعتذروا عن إمهال الله تعالى له وهو سبب لزيادة غيه وتسليطه له على بني آدم
بأن الله علم منه وممن تبعه أنهم يموتون على الكفر أمهل أولم يمهل ، وإن في إمهاله
(1)مجمع البيان ج 6 : 335 - 343(*).