بحار الأنوار ج14

سليمان عليه السلام نظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق ، وقال : ما وراء‌كم ؟ فأخبره رئيس القوم بما جاؤوا
به ، وأعطاه كتاب الملكة ، فنظر فيه وقال : أين الحقة ؟ فأتي بها فحركها ، وجاء‌ه جبرئيل
فأخبره بما في الحقة ، وقال : إن فيها درة يتيمة غير مثقوبة ، وخرزة مثقوبة معوجة الثقب ،
فقال الرسول : صدقت ، فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الخرزة ، فأرسل سليمان عليه السلام إلى
الارضة فجاء‌ت فأخذت شعرة في فيها فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر ، ثم
قال : من لهذه الخرزة يسلكها الخيط ؟ فقالت دودة بيضاء : أنا لها يا رسول الله ، فأخذت
الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر ، ثم ميز بين
الجواري والغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم ، فكانت الجارية تأخذ الماء
من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الاخرى ثم تضرب به الوجه ، والغلام يأخذ
من الآنية يضرب به وجهه ، وكانت الجارية تصب على باطن ساعدها والغلام على
ظهر الساعد ، وكانت الجارية تصب الماء صبا وكان الغلام يحدر الماء(1)على يده حدرا ،
فميز بينهم بذلك ، هذا كله مروي عن وهب(2)وغيره . وقيل : إنها أيضا أنفذت مع
هداياها عصا كانت تتوارثها ملوك حمير ، وقالت : أريد أن تعرفني رأسها من أسفلها ، و
بقدح ماء وقالت : تملاه ماء رواء(3)ليس من الارض ولا من السماء ، فأرسل سليمان
العصا إلى الهواء وقال : أي الرأسين سبق إلى الارض فهو أصلها ،(4)وأمر بالخيل
فأجريت حتى عرقت وملا القدح من عرقها ، وقال : هذا ليس من ماء الارض ولا من ماء
السماء .
" فلما جاء سليمان " أي فلما جاء الرسول سليمان " قال أتمدونني بمال " أي
أتزيدونني مالا ؟ وهذا استفهام إنكار ، يعني أنه لايحتاج إلى مالهم " فما آتاني الله خير
مما آتاكم " أي ما أعطاني الله من الملك والنبوة والحكمة خير مما أعطاكم من الدنيا و
أموالها " بل أنتم بهديتكم تفرحون " إذا أهدى بعضكم إلى بعض ، وأما أنا فلا أفرح بها ،


(1)حدر الشئ : أنزله من علو إلى أسفل .
(2)واحاديث وهب غير خالية من اساطير وأوهام .
(3)الرواء : الماء العذب .
(4)في المصدر : فهو أسفلها .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه