بحار الأنوار ج17

أقول : على أنه يحتمل أن يكون من قبيل الخطاب العام ، أو يكون الخطاب
متوجها إليه صلى الله عليه وآله والمراد به امته كما مر مرارا ، وسيأتي تأويل قوله تعالى : " ما كان
لنبي أن يكون له أسرى " في باب قصة بدر .
قوله تعالى : " عفا الله عنك " قال الرازي في تفسيره : احتج بعضهم بهذه الآية على
صدور الذنب عن الرسول صلى الله عليه وآله من وجهين :
الاول : أنه تعالى قال : " عفى الله عنك " والعفو يستدعي سابقة الذنب .
والثاني : أنه تعالى قال : " لم أذنت لهم " وهذا استفهام بمعنى الانكار ، فدل هذا
على أن ذلك الاذن كان معصية .
والجواب عن الاول لا نسلم أن قوله : " عفا الله عنك " يوجب الذنب " ولم لا يجوز
أن يقال : إن ذلك يدل على مبالغة الله تعالى في تعظيمه وتوقيره ، كما يقول الرجل لغيره
إذا كان معظما عنده : عفا الله عنك ما صنعت في أمري ، ورضي الله عنك ما جوابك عن
كلامي ، وعافاك الله لاعرفت حقي ، فلا يكون غرضه من هذا الكلام إلا مزيد التبجيل و
التعظيم ، وقال علي بن الجهم فيما يخاطب به المتوكل وقد أمر بنفيه :
عفا الله عنك ألا حرمة * يجوز بفضلك عن ابعدا
والجواب عن الثاني : أن نقول : لا يجوز أن يكون المراد بقوله : " لم أذنت لهم(1)"
الانكار ، لانا نقول : إما أن يكون صدر عن الرسل ذنب في هذه الواقعة أو لم يصدر عنه
ذنب ، فإن قلنا : إنه ما صدر عنه امتنع على هذا التقدير أن يكون قوله : " لم أذنت لهم "
انكارا عليه ، وإن قلنا : إنه كان قد صدر عنه ذنب فقوله : " عفا الله عنك لم إذنت لهم " يدل
على حصول العفو عنه ، وبعد حصول العفو عنه يستحيل أن يتوجه الانكار عليه ، فثبت ،
أن على جميع التقادير يمتنع أن يقال : إن قوله : " لم أذنت لهم " يدل على كون الرسول
صلى الله عليه وآله مذنبا ، وهذا جواب شاف قاطع ، وعند هذا يحمل قوله : لم " أذنت لهم "


(1)معنى الاية : أنك لم أذنت لهم وكان الاولى أن لا تأذن لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا و
تعلم الكاذبين ، وليس فيها عتاب عليه ، بل فيها إشارة إلى أنك لو لم تكن أذنت لهم لكان يظهر
لك المنافقون والكاذبون .*

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه