غيره ولما أنفذه لاداء سورة براءة إلى أهل مكة عزله وبعث عليا عليه السلام ليأخذها منه و
يقرأها على الناس ، فمن لم يستطح لاداء سورة واحدة إلى بلدة كيف يستصلح للرئاسة
العامة المتضمنة لاداء جميع الاحكام إلى عموم الرعايا في سائر البلاد ؟ .
وبعبارة اخرى نقول : لا يخلو إما أن يكون بعث أبي بكر أولا بأمر الله تعالى
كما هو الظاهر ، لقوله تعالى :(وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى(1))
أو بعثه الرسول بغير وحي منه تعالى ، فعلى الاول نقول : لا ريب في أنه تعالى منزه عن
العبث والجهل ، فلا يكون بعثه وعزله قبل وصوله إلا لبيان رفعة شأن أميرالمؤمنين عليه السلام
وفضله وأنه خاصة يصلح للتبليغ عن الرسول الله صلى الله عليه وآله دون غيره ، وأن المعزول لا يصلح لهذا
ولا لما هو أعلا منه من الخلافة والرئاسة العامة ، ولوكان دفع براءة أولا إلى علي عليه السلام
لجاز أن يجول بخواطر الناس أن في الجماعة غير علي من يصلح لذلك .
وعلى الثاني فنقول : إن الرسول الله صلى الله عليه وآله إما أن يكون لم يتغير علمه - حين بعث أبابكر
أولا وحين عزله ثانيا - بحال أبي بكر وما هو المصلحة في تلك الواقعة أو تغير علمه ،
فعلى الاول عاد الكلام الاول بتمامه(2)، وعلى الثاني فنقول : لا يريب عاقل في أن
الامر المستور أولا لا يجوز أن يكون شيئا من العادات والمصالح الظاهرة ، لا ستحالة أن
يكون خفي على الرسول الله صلى الله عليه وآله - مع وفور علمه - وعلى جميع الصحابة مثل ذلك ؟ فلا بد أن
يكون أمرا مستورا لا يطلع عليه إلا بالوحي الالهي : من سوء سريرة أبي بكر ونفاقه ، أوما
علم الله من أنه سيدعي الخلافة ظلما ، فيكون هذا(3)حجة وبرهانا على كذبه وأنه
لا يصلح لذلك ، ولو فرضنا في الشاهد أن سلطانا من السلاطين بعث رجلا لامر ثم أرجعه
(1)النجم : 3 و 4 .
(2)لانا اذ علمنا ان الرسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلى عليه السلام حين عزل أبابكر :
(لا يبلغها الا أنا وأنت)كما يستفاد من روايات الباب نستكشف على هذا القول - أى عدم
تغير علمه صلى الله عليه وآله اولا وثانيا بحال أبى بكر - أن عدم صلاحيته لذلك كان معلوما عند
رسول الله صلى الله عليه وآله وانما فعل ذلك لئلا يتوهم أحد ان في القوم من يصلح لذلك سوى
أميرالمؤمنين عليه السلام .
(3)اى نزول الوحى الالهى على النبى وأمره بعزل أبى بكر .