بحار الأنوار ج66

أن الاول نظري والثاني بديهي ، لكن لما كان النظري إنما يصير يقينيا بانتهائه
إلى البديهي ولم يبق فرق بين العلمين ، امتنع تغير ذلك العلم وتبدله كما يمتنع
تغير علمه بوجود نفسه .
والحاصل أن العلم إذا انطبق على المعلوم الحقيقي الذي لايتغير أصلا فمحال
تغيره ، وإلا لما كان منطبقا ، فعلم أن ما يحصل لبعض الناس من تغيير عقيدة الايمان
لم يكن بعد اتصاف أنفسهم بما ذكرناه من العلم ، بل كان الحاصل لهم ظنا غالبا
بتلك المعلومات ، لاالعلم بها ، والظن يمكن تبدله وتغيره ، وإن كان المظنون لا
يمكن تبدله ، لان الانطباق غير حاصل وإلا لصار علما .
إن قلت : يتصور زوال الايمان بصدور بعض الافعال الموجبة للكفر كما تقدم
وإن بقي التصديق اليقيني بالمعارف المذكورة فقد صح أن المؤمن قد يكفر بعد اتصافه
بالايمان .
قلت : لانسلم إمكان صدور فعل يوجب الكفر ممن اتصف بالعلم المذكور ، بل
صار ذلك الفعل ممتنعا بالغير الذي هو العلم اليقيني وإن أمكن بالذات ، وحينئذ
فصدور بعض الافعال المذكورة إنما كان لعدم حصول العلم المذكور ، وبالجملة
فكلام علم الهدى ومذهبه هنا رضي الله عنه في غاية القوة والمتانة ، بعد تدقيق النظر
وقد ظهر مما حررناه أن القائلين بامكان زوال الايمان بعروض الكفر إن أرادوا
به إمكان زوال العلم بالامور المذكورة ، فظاهر أنه ممتنع بالذات ، كانقلاب الحقائق
وإن أرادوا به إمكان انتفاء الايمان بعروض شئ من الافعال وإن بقي العلم فقد
بينا أنه ممتنع بالغير ، فان أرادوا بالامكان على هذا التقدير الامكان الذاتي فلا
نزاع لاحد فيه ، وإن أرادوا به عدم الامتناع ولو بالغير فقد بينا منعه وامتناعه .
وبالجملة فظواهر كثير من الايات الكريمة والسنة والمطهرة تدل على إمكان
طروء الكفر على الايمان ، وعلى هذا بناء أحكام المرتدين ، وهو مذهب أكثر
المسلمين ، نعم في الاعتبار ما يدل على عدم جواز طروئه عليه كما أشرنا إليه ، إن
جعلنا الايمان عبارة عن التصديق مع الاقرار أو حكمه ، لكن الاول هو الارجح

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه