الفقير إذا نظر إلى شدة حاجته ، وحاجة عياله ، ورأى نعمة جزيلة مع الظلمة
والفسقة وغيرهم ، ربما يقول : ما هذا الانصاف من الله ، وماهذه القسمة التي لم تقع
على العدل ، فان لم يعلم شدة حاجتي ففي علمه نقص ، وإن علم ومنع مع القدرة
على الاعطاء ففي جوده نقص ، وإن منع لثواب الآخرة ، فان قدر على إعطاء الثواب
بدون هذه المشقة الشديدة فلم منع ؟ وإن لم يقدر ففي قدرته نقص .
ومع هذا يضعف اعتقاده بكونه عدلا جوادا كريما مالكا لخزائن السماوات
والارض ، وحينئذ يتسلط عليه الشيطان ، ويذكر له شبهات حتى يسب الفلك
والدهر وغيرهما ، وكل ذلك كفر أو قريب منه ، وإنما يتخلص من هذه الامور
من امتحن الله قلبه للايمان ، ورضي عن الله سبحانه في المنع والاعطاء ، وعلم أن
كل ما فعله بالنسبة إليه فهو خير له ، وقليل ما هم .
الثالث ماذكره الراوندي قدس سره في كتاب شرح الشهاب كما سيأتي
حيث قال : معنى الحديث والله أعلم أنه إشارة إلى أن الفقير يسف إلى المآكل
الدنية والمطاعم الوبية ، وإذا وجد أولاده يتضورون من الجوع والعرى ، ورأى
نفسه لا يقدر على تقويم أودهم ، وإصلاح حالهم ، والتنفيس عنهم ، كان بالحري
أن يسرق ويخون ، ويغصب وينهب ، ويستحل أموال الناس ، ويقطع الطريق
ويقتل المسلم ، أو يخدم بعض الظلمة ، فيأكل مما يغصبه ويظلمه ، وهذا كله من
افعال من لا يحاسب نفسه ولا يؤمن بيوم الحساب ، فهو قريب إلى أن يكون كافرا
بحتا وفي الاثر : عجبت لمن له عيال وليس له مال كيف لا يخرج على الناس بالسيف
انتهى .
وأقول : المعاني متقاربة ، والمآل واحد ، وأما قوله عليه السلام : وكاد الحسد
أن يغلب القدر فيه ايضا وجوه : الاول ما ذكره الراوندي ره في الكتاب المذكور
على ما سيجئ أيضا حيث قال : المعنى أن للحسد تأثيرا قويا في النظر في إزالة
النعمة عن المحسود ، أو التمني لذلك ، فانه ربما يحمله حسده على قتل المسحود
وإهلاك ماله ، وإبطال معاشه ، فكأنه سعى في غلبة المقدور ، لان الله تعالى