بحار الأنوار ج16

وتترك إيوائه إليك ، ومضاجعته بقرينة قسيمه ، وهو قوله : " وتؤوي إليك من تشاء " أي
تضمه إليك وتضاجعه ، ثم لا يتعين ذلك عليك ، بل لك بعد الارجاء أن تبتغي ممن
عزلت ما شئت ، وتؤويه إليك ، وهذا ظاهر في عدم وجوب القسمة عليه صلى الله عليه واله ، حتى روي
أن بعد نزول الآية ترك القسمة لجماعة من نسائه ، وآوى إليه جماعة منهن معينات ،
وقال آخرون : بل تجب القسمة عليه كغيره لعموم الادلة الدالة عليها ، ولانه لم يزل
يقسم بين نسائه حتى كان يطاف به وهو مريض عليهن ، ويقول : هذا قسمي فيما أملك ،
وأنت أعلم بما لا أملك ، يعني قلبه صلى الله عليه واله ، والمحقق رحمه الله استضعف الاستدلال بالآية
على عدم وجوب القسمة ، بأنه كما يحتمل أن يكون المشية في الارجاء والايواء لجميع
نسائه يحتمل أن يكون متعلقا بالواهبات أنفسهن خاصة ، فلا يكون دليلا على التخيير
مطلقا ، وحينئذ فيكون اختيار قول ثالث وهو وجوب القسمة لمن تزوجهن بالعقد ، و
عدمها لمن وهبت نفسها ، وفي هذا عندي نظر ، لان ضمير الجمع المؤنث في قوله : ترجي
من تشاء منهن " واللفظ العام في قوله : " ومن ابتغيت " لا يصح عوده للواهبات ، لانه لم
يتقدم ذكر الهبة إلا لامرأة واحدة ، وهي قوله : " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن
أراد النبي أن يستنكحها " فوجد ضمير الهبة في مواضع من الآية ، ثم عقبه بقوله : " ترجي
من تشاء منهن " فلا يحسن عوده إلى الواهبات ، إذ لم يسبق لهن ذكر على وجه الجمع ، بل إلى

جميع الازواج المذكورات في هذه الآية ، وهي قوله تعالى : " يا أيها النبي إنا أحللنا لك
أزواجك اللاتي آتيت اجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك و
بنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي(1)"
الآية ، ثم عقبها بقوله : " ترجي من تشاء منهن " الآية ، وهذا هو ظاهر في عود ضمير
النسوة المخير فيهن إلى من سبق من أزواجه جمع ، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه واله لم يتزوج
بالهبة إلا امرأة واحدة على ما ذكره المحدثون والمفسرون ، وهو المناسب لسياق الآية ،
فكيف يجعل ضمير الجمع عائدا إلى الواهبات ، وليس له منهن إلا واحدة ، ثم لو تنزلنا
وسلمنا جواز عوده إلى الواهبات لما جاز حمله عليه بمجرد الاحتمال ، مع وجود اللفظ العام


(1)الاحزاب : 50 .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه