بحار الأنوار ج36

المخالفين أنها نزلت في علي عليه السلام لا عبرة بإخفاء حثالة(1)من متعصبي المتأخرين
كالزمخشري والبيضاوي(29 ، واقتصارهم على رواية نزولها في صهيب وتركهم أبا ذر
أيضا لحبه لامير المؤمنين عليه السلام ! مع أنهم فسروا الشراء بالبيع وإعطاء المال فدية ليس
بيعا للنفس بل اشتراء لها ، والشراء بمعنى البيع أكثر استعمالا لا سيما في القرآن ، بل
لم يرد فيه إلا بهذا المعنى كقوله تعالى : " وشروه بثمن بخس دارهم معدودة(3)" وقوله
تعالى : " لبئس ما شروا به أنفسهم(4)" وقوله عزوجل : " فليقاتل في سبيل الله الذين
يشرون الحياة الدنيا بالآخرة(5)، وأيضا الانسب بمقام المدح بيع النفس وبذلها في
طلب رضى الله تعالى لا اشتراؤها واستنقاذها واستخلاصها ، فإن ذلك يفعله كل أحد ،
مع أن راويها عكرمة وهو من الخوارج ، وسعيد بن المسيب وكان منحرفا عن أهل البيت
عليهم السلام حتى أنه لم يصل على علي بن الحسين عليهما السلام كما سيأتي ، فلا عبرة بروايتهما
سيما فيما إذا عارضت الاخبار الكثيرة المعتبرة .
ثم إنه استدل بها على إمامته عليه السلام لان هذه الخلة الحميدة فضيلة جزيلة عظيمة
لا يساويها فضل ، لان بذل النفس في رضى الله تعالى أعلى درجات الكمال ، وقد مدح الله
تعالى ذبيحه بتسلمه للقتل بيد خليله عليه السلام ، وهذا علي قد استسلم للقتل تحت مائة سيف من
سيوف الاعادي ، وليس لسائر الصحابة مثل تلك الفضيلة ، فهو أحق بالامامة ، لان
تفضيل المفضول قبيح عقلا ، وأيضا يدل عليها قول جبرئيل عليه السلام له : من مثلك ، لان
يدل على انتفاء مثل له في العالم ولا أقل في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فإذا ثبت فضله عليهم
ثبتت إمامته بما مر من التقرير .
فائدة : قال الشيخ المفيد - قدس الله روحه في كتاب الفصول : لما أراد رسول الله
صلى الله عليه وآله الاختفاء من قريش والهرب منهم إلى الشعب لخوفه على نفسه استشار أبا طالب


(1)حثالة الناس رذالتهم .
(2)راجع تفسير البيضاوى 1 . 53 : ، والكشاف : 1 : 258 .
(3)يوسف : 20 .
(4)البقرة : 102 .
(5)النساء : 74 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه