بحار الأنوار ج14

تعلوا علي وأتوني مسلمين " فإن هذا القدر جملة ما في الكتاب " يا أيها الملا أفتوني
في أمري " اي أشيروا علي بالصواب " ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون " أي ما كنت
ممضية أمرا حتى تحضرون ،(1)وهذا ملاطفة منها لقومها ، قالوا لها في الجواب : " نحن
أولوا قوة " أي أصحاب قوة وقدرة وأهل عدد " وأولوا بأس شديد " أي وأصحاب شجاعة
شديدة " والامر إليك " أي أن الامر مفوض إليك في القتال وتركه " فانظري ماذا تأمرين "
أي ماالذي تأمريننا به لنمتثله ، فإن أمرت بالصلح صالحنا وإن أمرت بالقتال قاتلنا ،
قالت مجيبة لهم عن التعريض بالقتال : " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها " أي إذا
دخلوها عنوة عن قتال وغلبة أهلكوها وخربوها " وجعلوا أعزة أهلها أذلة " أي أهانوا
أشرافها وكبراء‌ها كي يستقيم لهم الامر ، والمعنى أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم و
دخوله بلادهم وانتهى الخبر عنها وصدقها الله فيما قالت فقال : " وكذلك " أي وكما قالت
هي " يفعلون " وقيل : إن الكلام متصل بعضه ببعض " وكذلك يفعلون " من قولها " وإني
مرسلة إليهم " أي إلى سليمان عليه السلام وقومه " بهدية " أصانعه بذلك عن ملكي " فناظرة "
أي منتظرة " بم يرجع المرسلون " بقبول أم رد ، وإنما فعلت ذلك لانها عرفت عادة
الملوك في حسن موقع الهدايا عندهم ، وكان غرضها أن يتبين لها بذلك أنه ملك أو
نبي ، فإن قبل الهدية تبين أنه ملك وعندها مايرضيه ، وإن ردها تبين أنه نبي .
واختلف في الهدية فقيل : أهدت إليه وصفاء ووصائف(2)ألبستهم لباسا واحدا
حتى لايعرف ذكر من أنثى ، عن ابن عباس ، وقيل : أهدت مائتي غلام ومائتي جارية
ألبست الغلمان لباس الجواري وألبست الجواري لباس الغلمان ، عن مجاهد ، وقيل : أهدت
له صفائح الذهب في أوعية الديباج ، فلما بلغ ذلك سليمان عليه السلام أمر الجن فموهوا له
الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق ، فلما جاؤوا رأوه ملقى في الطريق في كل
مكان فلما رأوا ذلك صغر في أعينهم ما جاؤوا به ، عن ثابت البناني ، وقيل : إنها عمدت


(1)في المصدر هنا زيادة وهي : تريد : الا بحضرتكم ومشورتكم ، وهذا ملاطفة منها لقومها في
الاستشارة منهم لما تعمل عليه .
(2)وصفاء جمع الوصيف : الغلام دون المراهق . ووصائف جمع الوصيفة مؤنث الوصيف .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه