الجواب لازدادوا عنادا وقيل : إن اليهود قالت لقريش(1): سلوا محمدا عن الروح ،
فإن أجابكم فليس بنبي ، وإن لم يجبكم فهو نبي ، فإنا نجد في كتبنا ذلك ، فأمر
الله سبحانه بالعدول عن جوابهم ، وأن يكلمهم(2)في معرفة الروح إلى ما في عقولهم ،
ليكون ذلك علما على صدقه ودلالة لنبوته .
وثانيها : أنهم سألوه عن الروح : أهي مخلوقة محدثة أم ليست كذلك ؟ فقال
سبحانه " قل الروح من أمر ربي " أي من فعله وخلقه ، وكان هذا جوابا لهم عما
سألوه عنه بعينه . وعلى هذا فيجوز أن يكون الروح الذي سألوه عنه هو الذي به قوام
الجسد على قول ابن عباس وغيره ، أم جبرئيل على قول الحسن وقتادة ، أم ملك من الملائكة
له سبعون ألف وجه ، لكل وجه سبعون ألف لسان ، يسبح الله تعالى بجميع ذلك
على ما روي عن على عليه السلام ، أم عيسى عليه السلام فإنه سمي بالروح .
وثالثها : أن المشركين سألوه عن الروح الذي هو القرآن كيف يلقاك به الملك ؟
وكيف صار معجزا ؟ وكيف صار نظمه وترتيبه مخالفا لانواع كلامنا من الخطب و
الاشعار ؟ وقد سمى الله سبحانه القرآن روحا في قوله " وكذلك أوحينا إليك روحا من
أمرنا(3)" فقال سبحانه : قل يا محمد إن الروح الذي هو القرآن من أمر ربي ، أنزله
علي دلالة على نبوتي ، وليس من فعل المخلوقين ، ولا مما يدخل في إمكانهم . وعلى
هذا فقد وقع الجواب أيضا موقعه ، وأما على القول الاول فيكون معنى قوله " الروح
من أمر ربي " هو الامر الذي يعلمه ربي ولم يطلع عليه أحدا .
واختلف العلماء في مهية الروح ، فقيل : إنه جسم رقيق هوائي متردد في
مخارق الحيوان ، وهو مذهب أكثر المتكلمين ، واختاره المرتضى - قدس الله روحه - .
وقيل : هو جسم هوائي على بنية حيوانية في كل جزء منه حياة ، عن علي بن عيسى ، قال :
فلكل حيوان روح وبدن ، إلا أن منهم من الاغلب عليه الروح ، ومنهم من الاغلب
(1)في المجمع : لكفار قريش
(2)فيه : ويكلهم .
(3)الشورى : 52 .