دخل ما أحسه ولا ينفعني ، ذهبت قوه رجلي فكأنهما قربتا ماء لاأطيق حملهما ، ذهب المال
فصرت أسأل بكفي فيطعمني من كنت أعوله اللقمة الواحدة فيمنها علي ويعيرني ، هلك
أولادي(1)ولو بقي أحد منهم أعانني على بلائي ونفعني ، وقد ملني أهلي ، وعقني أرحامي ،
وتنكرت معارفي ، ورغب عني صديقي ، وقطعني أصحابي ، وجحدت حقوقي ، ونسيت
صنائعي ، أصرخ فلا يصرخونني ، وأعتذر فلا يعذرونني ، دعوت غلامي فلم يجبني ، وتضرعت
لامتي فلم ترحمني ، وإن قضاءك هو الذي أذلني وأقمأني ،(2)وإن سلطانك هو الذي
أسقمني وانحل جسمي ، ولو أن ربي نزع الهيبة التي في صدري وأطلق لساني حتى
أتكلم بملء فمي بمكان ينبغي(3)للعبد أن يحاج عن نفسه لرجوت أن يعافيني عند
ذلك ممابي ، ولكنه ألقاني وتعالى عني(4)فهو يراني ولا أراه ، ويسمعني ولا أسمعه ،
لا نظر إلي فرحمني ، ولا دنا مني ولا أدناني فأتكلم ببراءتي وأخاصم عن نفسي .
فلما قال ذلك أيوب عليه السلام وأصحابه عنده أظله غمام حتى ظن أصحابه أنه عذاب
ثم نودي : يا أيوب إن الله عزوجل يقول لك : ها أنا قد دنوت منك ولم أزل منك
قريبا فقم فأدل بعذرك ،(5)وتكلم ببراءتك ، وخاصم عن نفسك ، واشدد إزارك ، وقم مقام
جبار فإنه لا ينبغي أن يخاصمني إلا جبار مثلي ، ولا ينبغي أن يخاصمني إلا من يجعل
الزيار(6)في فم الاسد ، والسحال في فم العنقاء ، واللجام في فم التنين ،(7)ويكيل مكيالا
من النور ، ويزن مثقالا من الريح ، ويصر صرة من الشمس ، ويرد أمس ، لقد منتك
نفسك أمرا ما تبلغ بمثل قوتك ، ولو كنت إذ منتك ذلك ودعتك إليه تذكرت أي مرام
(1)في المصدر : الهى هلك أولادي .
(2)في المصدر : أذلنى وادنانى وأهاننى وأقامنى .
(3)في المصدر : ولو كان ينبغى للعبد .
(4)في المصدر : وتخلى عنى .
(5)أى احضره واحتج به .
(6)في المصدر : الامن يجعل الزمام في فم الاسد . قلت : الزيأر : خشبتان يضغط بهما البيطار
جحفلة الفرس أى شفتيه فيذل فيتمكن من بيطرته . والسحال : اللجام .
(7)التنين كسكين : حية عظيمة .(*)