فإن قيل : كيف يصح تقليل الاعداد مع حصول الرؤية وارتفاع الموانع ؟
وهل هذا إلا قول من يجوز أن يكون عنده أجسام لا يدركها ، أو يدرك بعضها دون
بعض ؟ قلنا : يحتمل التقليل(1)في أعين المؤمنين بأن يظنوهم قليلي العدد ، لا أنهم
أدركوا بعضهم دون بعض ، لان العلم بما يدركه الانسان جملة غير العلم بما يدركه
مفصلا ، ولانا قد ندرك جمعا عظيما بأسرهم ، ونشك في أعدادهم حتى يقع الخلاف
في حرز عددهم .(2)
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " ولقد نصركم الله ببدر " أى بتقوية قلوبكم ، وبما
أمدكم به من الملائكة ، وبإلقاء الرعب في قلوب أعدائكم " وأنتم أذلة " أي ضعفاء
عن المقاومة قليلو العدد والعدة ، ويروى عن بعض الصادقين عليهم السلام أنه قرأو أنتم ضعفاء
وقال : لا يجوز وصفهم بأنهم أذلة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله " بثلاثة آلاف من الملائكة "
هو إخبار بأن النبي صلى الله عليه وآله قال لقومه ألن يكفيكم يوم بدر أن جعل ربكم ثلاثة
آلاف من الملائكة مددا لكم ، وقال ابن عباس وغيره : إن الامداد بالملائكة كان
يوم بدر ، وقال ابن عباس : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر وكانوا في غيره من الايام
عدة ومددا ، وقال الحسن : كان جميعهم خمسة آلاف ، فمعناه يمددكم ربكم بتمام
خمسة آلاف ، وقال غيره : كانوا ثمانية آلاف ، فمعناه بخمسة آلاف آخر ، وقيل :
إن الوعد بالامداد بالملائكة كان يوم احد ، وعدهم الله المدد إن صبروا " منزلين "
أنزلهم الله من السماء إلى الارض لنصرتكم .(3)
أقول : سيأتي تتمة تلك الآيات في غزوة احد .
وفي قوله : " مسومين(4)" قال عروة : نزلت الملائكة يوم بدر على خيل بلق
عليهم عمائم صفر ، وقال علي عليه السلام وابن عباس : كانت عليهم عمائم بيض أرسلوا
(1)في المصدر : يحتمل أن يكون التقليل .
(2)مجمع البيان 2 : 415 و 416 .
(3)مجمع البيان 2 : 498 و 499 ، والمصنف اختار منه .
(4)لم يذكر هذه الآية في الايات وهى : " بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم
هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " قال الطبرسى : " ويأتوكم " يعنى - >(*)