قول أمير المؤمنين عليه السلام : " ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال : يأكل خضرتكم
ويذيب شحمتكم " ويقول لغيره : أما إنه سيظهر علكيم بعدي رجل رحب البلعوم ،
مند حق البطن ، واسع السرم ، يأكل ما يجد " كل ذلك تعبير بالرغب ، وقد قيل :
الرغب شؤم .
وهذا إعلام منه عليه السلام أن المؤمن يشغله دينه وخوفه من الله عن الدنيا ، والاتساع
فيها ، وفائدة الحديث الحث على الرغبة عن الدنيا ، والاجتناب من الوقوع في مصائد
من شهواتها ، وراوي الحديث جابر ، ورواه ابن عمر انتهى .
وفي النهاية هذا مثل ضربه للمؤمن وزهده في الدنيا ، والكافر وحرصه عليها و
ليس معناه كثرة الاكل دون الاتساع في الدنيا ، ولهذا قيل : الرغب شؤم لانه يحمل
صاحبه على اقتحام النار ، وقيل : هو تحضيض للمؤمن على قلة الاكل وتحامي ما يجره
الشبع من القسوة وطاعة الشهوة ، ووصف الكافر بكثرة الاكل إغلاظ على المؤمن ،
وتأكيد لما رسم له ، وقيل : هو خاص في رجل بعينه كان يأكل كثيرا فأسلم فقل أكله
والمعى واحد الامعاء ، وهي المصارين انتهى .
وقال في فتح الباري بعد ما ذكر بعض ما مر : وقيل : بل هو على ظاهره ثم
اختلف في ذالك على أقوال : الاول أنه ورد في شخص بعينه ، واللام عهدية لاجنسية
ويؤيده ما رواه عن الطبراني بسند جيد بزعمه عن ابن عمر(1)قال : جاء إلى النبى
صلى الله عليه وآله سبعة رجل فأخذ كل واحد من الصحابة رجلا وأخذ النبى صلى الله عليه وآله
رجلا فقال له : ما اسمك قال : أبوغزوان ، قال : فحلب له سبع شياة فشرب لبنها كله
فقال له النبى صلى الله عليه وآله : هل لك يا أبا غزوان أن تسلم ؟ قال : نعم فأسلم ، فمسح رسول
الله صلى الله عليه وآله صدره فلما أصبح حلب له شاة واحدة فلم يتم لبنها ، فقال : مالك يا أبا
غزوان ؟ فقال : والذي بعثك بالحق لقد رويت قال : إنك أمس كان لك سبعة أمعاء ،
وليس لك اليوم إلا معى واحد : ثم ضعف هذا الحمل .
(1)أخرجه الهيتمى في مجمع الزوائد 5 ر 32 عن الطبرانى وقال رجاله رجال
الصحيح .