وفي الليل بالعكس لانهم لما كلوا وملوا من حركات النهار وأعماله اغتنموا شيئا
من الظلمة لتركهم ذلك ، فلذا اختلف الامر في أول النهار وآخره ، وما وقع في
الشرع من أن الزوال نصف النهار فهو على التقريب والتخمين ، وما ذكره من
استواء الليل والنهار في الاعتدالين فمعلوم أنه مبني على اصطلاح المنجمين ، وسيأتي
الكلام في جميع ذلك في كتاب الصلاه إن شاء الله تعالى .
الفائدة الثالثة : لا ريب في أن الليل بحسب الشرع مقدم على اليوم فما
ورد في ليلة الجمعة مثلا إنما هي الليلة المتقدمة لاالمتأخرة ، وما يعتبره المنجمون
وبعض العرب من تأخير الليلة فهو محض اصطلاح منهم ، ولا يبتني عليه شئ من أحكام
الشريعة . ومما يدل عليه ما رواه الكليني في الروضة بسند موثق عن عمر بن يزيد
قال : قلت لابي عبدالله عليه السلام : إن المغيرية يزعمون أن هذا اليوم لهذه الليلة
المستقبلة ، فقال : كذبوا ، هذا اليوم لليلة الماضية ، إن أهل بطن نخلة حيث رأوا
الهلال قالوا : قد دخل الشهر الحرام(1)
وتوضيحه : أن المغيرية هم أتباع المغيرة بن سعد البجلي ، وهو من
المذمومين المطعونين ، وقد روى الكشي أخبارا كثيرة في أنه كان من الكذابين
على أبي جعفر عليه السلام وروي أنه كان يدعو الناس إلى محمد بن عبدالله بن الحسن ، و
كان من الزيدية التبرية . وفي بعض النسخ " المغيرة " أي الذين غيروا دين الله
من المخالفين . وقصة بطن نخلة هي ما ذكره المفسرون والمورخون أن النبي
صلى الله عليه وآله بعث عبدالله بن جحش ومعه ثمانية رهط من المهاجرين ، وقيل
اثنا عشر ، وأمره أن ينزل " نخلة " بين مكة والطائف ، فيرصد قريشا ويعلم أخبارهم
فانطلقوا حتى هبطوا نخلة ، فوجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة قريش
في آخر يوم من جمادى الآخرة ، وكانوا يرون أنه من جمادى وهو رجب ، فاختصم
المسلمون ، فقال قائل منهم ، هذا غرة من عدو ، وغنم(1)رزقتموه ، فلا ندري أمن
(1)روضة الكافى : 332 .
(2)الفرة : الغفلة ، والغنم كالقفل الغنيمة .