بحار الأنوار ج55

تحقيق وتوفيق : اعلم أن ملوك الدنيا لما كان ظهورهم وإجراء أحكامهم
على رعيتهم إنما يكون عند صعودهم على كرسي الملك وعروجهم على عرش السلطنة
ومنهما تظهر آثارهم وتتبين أسرارهم ، والله سبحانه لتقدسه عن المكان لايوصف
بمحل ولا مقر وليس له عرش ولا كرسي يستقر عليهما ، بل يطلقان على أشياء من
مخلوقاته أو صفاته الكمالية على وجه المناسبة ، فالكرسي والعرش يطلقان على معان :
أحدها جسمان عظيمان خلقهما الله تعالى فوق سبع سماوات ، وظاهر أكثر الاخبار
أن العرش أرفع وأعظم من الكرسي ، ويلوح من بعضها العكس ، والحكماء يزعمون
أن الكرسي هو الفلك الثامن ، والعرش هو الفلك التاسع ، وظواهر الاخبار تدل
على خلاف ذلك من كونهما مربعين ذاتي قوائم وأركان ، وربما يؤولان بالجهات
والحدود والصفات التي بها استحقا التعظيم والتكريم ، ولا حاجة لنا إلى هذه
التكلفات ، وإنما سميا بالاسمين لبروز أحكامه وتقديراته من عندهما ، وإحاطة
الكروبيين والمقربين وأرواح النبيين والاوصياء بهما ، وعروج من قربه من
جنابه إليهما ، كما أن أوامر الملوك وأحكامهم وآثار سلطنتهم وعظمتهم تبدو منهما ، و
تطيف مقربوا جنابهم وخواص ملكهم بهما ، وأيضا لما كانا أعظم مخلوقاته الجسمانية
وفيهما من الانوار العجيبة والآثار الغريبة ما ليس في غيرهما من الاجسام فدلالتهما
على وجوده وعلمه وقدرته وحكمته سبحانه أكثر من سائر الاجسام ، فلذا خصا
بهذين الاسمين من بينهما ، وحملتهما في الدنيا جماعة من الملائكة كما عرفت ، وفي الآخرة
إما الملائكة أو اولوالعزم من الانبياء مع صفوة الاوصياء عليهم السلام كما عرفت ، و


= خزائنه)وقال(هو الباب الباطن الذى ويجد فيه علم الكيف والكون . وهما(يعنى العرش
والكرسى)غيبان وهما في العلم مقرونان)فبالنظر إلى هذه الخواص لايبعد استظهار كونه
من الموجودات النورانية العالية والجواهر المجردة العقلية ، وكونه رابعها بحسب المرتبة
الوجودية ، مشتملا على اربع حيثيات مختلفة يبقى اشكال وهو انه ربما يظهر من بعض الروايات
كونه جسما عظيما فوق السماء السابعة فلو كان المراد غير ذلك لم لم يصرح به ؟ والجواب قوله
عليه السلام في رواية حنان المتقدمة(بمثل صرف العلماء)والله العالم .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه