بحار الأنوار ج58

بل لابد من المشاركة حتى يخبز هذا لذاك ، وينسج ذاك لهذا ، فلهذه الاسباب احتاج
الانسان إلى أن تكون له قدرة على أن يعرف الاخر الذي هو شريكه ما في نفسه بعلامة
وضعية ، وهي أقسام : فالاول أصحلها وأشرفها الاصوات المركبة ، والسبب في شرفها
أن بدن الانسان لا يتم ولا يكمل إلا بالقلب الذي هو معدن الحرارة الغريزية ، ولابد
من وصول النسيم البارد إليه ساعة فساعة حتى يبقى على اعتداله ولا يحترق ، فخلقت
آلات في بدنه بحيث يقدر الانسان على استدخال النسيم البارد في قلبه ، فإذا مكث ذلك
النسيم لحظة تسخن وفسد فوجب إخراجه ، فالصانع الحكيم جعل النفس الخارج
سببا لحدوث الصوت ، فلا جرم سهل تحصيل الصوت بهذا الطريق ، ثم إن ذلك الصوت
سهل تقطيعه في المحابس المختلفة فحصلت هيآت مخصوصة بسبب تقطيع ذلك الصوت في
تلك المحابس ، وتلك الهيئات المخصوصة هي الحروف ، فحصلت الحروف والاصوات
بهذا الطريق ، ثم تركب الحروف فحصلت الكلمات بهذا الطريق ، ثم جعلوا كل كلمة
مخصوصة معرفة لمعنى مخصوص ، فلا جرم صار تعريف المعاني المخصوصة بهذا الطريق
في غاية السهولة من وجوه : الاول : أن إدخالها في الوجود في غاية السهولة . والثاني أن
تكون الكلمات الكثيرة الواقعة في مقابلة المعلومات الكثيرة في غاية السهولة . والثالث :
أن عند الحاجة إلى التعريف تدخل في الوجود وعند الاستغناء عن ذكرها تعدم ،
لان الاصوات لا تبقى .
والقسم الثاني من طرق التعريف الاشارة ، والنطق أفضل بوجوه : الاول :
أن الاشارة إنما تكون إلى موجود حاضر عند المشير محسوس ، وأما النطق فإنه يتناول
المعدوم يتناول مالا يصح الاشارة إليه ، ويتناول ما يصح الاشارة إليه أيضا . والثاني : أن
الاشارة عبارة عن تحريك الحدقة إلى جانب معين ، فالاشارة نوع واحد . أو نوعان
فلا يصح لتعريف الاشياء المختلفة ، بخلاف النطق ، فإن الاصوات والحروف البسيطة
والمركبة كثيرة . والثالث : أنه إذا أشار إلى شئ فذلك الشئ ذات قامت به صفات
كثيرة ، فلا يعرف بسبب تلك الاشارة أن المراد تعريف الذات وحدها أو الصفة الفلانية

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه