بحار الأنوار ج44

ولا أمضى عزيمة(1)ولكني أرى غير ما رأيتم ، وما أردت بما فعلت إلا حقن الدماء
فارضوا بقضاء الله ، وسلموا لامره ، والزموا بيوتكم وأمسكوا .
أو قال : كفوا أيديكم حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر ، وهذا كلام
منه عليه السلام يشفي الصدور ، ويذهب بكل شبهة في هذا الباب .
وقد روي أنه عليه السلام لما طالبه معاوية بأن يتكلم على الناس ، ويعلمهم ما عنده
في هذا الباب ، قام فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : إن أكيس الكيس
التقى ، وأحمق الحمق الفجور ، أيها الناس إنكم لو طلبتم بين جابلق وجابرس
رجلا جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما وجدتموه غيري ، وغير أخي الحسين ، وإن الله قد
هداكم بأولياء محمد صلى الله عليه وآله(2)وإن معاوية نازعني حقا هو لي ، فتركته لصلاح الامة
وحقن دمائها ، وقد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت ، فقد رأيت أن اسالمه
ورأيت أن ما حقن الدماء خير مما سفكها ، وأردت صلاحكم ، وأن يكون ما صنعت
حجة على من كان يتمنى هذا الامر ، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين .
وكلامه عليه السلام في هذا الباب الذي يصرح في جميعه بأنه مغلوب مقهور ملجأ
إلى التسليم ، ودافع بالمسالمة الضرر العظيم عن الدين والمسلمين ، أشهر من الشمس
وأجلى من الصبح ، فأما قول السائل إنه خلع نفسه من الامامة فمعاذ الله لان
الامامة بعد حصولها للامام لا يخرج عنه بقوله ، وعند أكثر مخالفينا أيضا في الامامة
أن خلع الامام نفسه لا يؤثر في خروجه من الامامة ، وإنما ينخلع من الامامة
عندهم بالاحداث والكبائر ، ولو كان خلعه في نفسه مؤثرا لكان إنما يؤثر إذا
وقع اختيارا فأما مع الالجاء والاكراه فلا تأثير له ، ولو كان مؤثرا في موضع


(1)الشكيمة : الانفة والانتصار من الظلم يقال : فلان شديد الشكيمة : أى أنوف
أبى لا ينقاد .
(2)كذا في النسخ ، والمروى من الخطبة أنه قال : فان الله هداكم باولنا محمد
صلى الله عليه وآله وحقن دماء‌كم بآخرنا . سيجيئ الخطبة بألفاظها المروية في
الباب الاتى .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه