والزعفران بمنزلة الرمل(1)في تلك القصور والغرف كلها ، فأخذ منها ما أراد وخرج
حتى أتى ناقته وركبها ، ثم سار يقفو أثره حتى رجع إلى اليمن وأظهر ما كان معه وأعلم
الناس أمره ، وباع بعض ذلك اللؤلؤ وكان قد اصفار وتغير من طول ما مر عليه الليالي
والايام ، فشاع خبره وبلغ معاوية بن أبي سفيان فأرسل رسولا إلى صاحب صنعاء وكتب
بإشخاصه ، فشخص حتى قدم على معاوية فخلا به وسأله عما عاين فقص عليه أمر المدينة
وما رأى فيها وعرض عليه ما حمله منها من اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران ، فقال : والله ما
أعطي سليمان بن داود مثل هذه المدينة ، فبعث معاوية إلى كعب الاحبار فدعاه فقال له :
يا أبا إسحاق هل بلغك أن في الدنيا مدينة مبنية بالذهب والفضة ، وعمدها زبرجد و
ياقوت ، وحصى قصورها وغرفها اللؤلؤ ، وأنهارها في الازقة تجري تحت الاشجار ، قال
كعب : أما هذه المدينة صاحبها شداد بن عاد الذى بناها ، وأما المدينة فهي إرم ذات
العماد وهي التي وصفها الله عزوجل في كتابه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله ، وذكر أنه
لم يخلق مثلها في البلاد ، قال معاوية : حدثنا بحديثها ، فقال : إن عاد الاولى وليس
بعاد قوم هود - كان له ابنان سمى أحدهما شديدا ، والآخر شدادا ، فهلك عاد وبقيا وملكا
وتجبرا وأطاعهما الناس في الشرق والغرب ، فمات شديد وبقي شداد فملك وحده لم ينازعه
أحد ، وكان مولعا بقراءة الكتب ، وكان كلما سمع يذكر الجنة وما فيها من البنيان والياقوت
والزبرجد واللؤلؤ رغب أن يفعل مثل ذلك في الدنيا عتوا على الله عزوجل ، فجعل على
صنعتها مائة رجل تحت كل واحد منهم ألف من الاعوان فقال : انطلقوا إلى أطيب فلاة
في الارض وأوسعها فاعملوا لي فيها مدينة من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ ، و
اصنعوا تحت تلك المدينة أعمدة من زبرجد ، وعلى المدينة قصورا ، وعلى القصور غرفا ،
وفوق الغرف غرفا ، واغرسوا تحت القصور في أزقتها أصناف الثمار كلها ، وأجروا
فيها الانهار حتى تكون تحت أشجارها فإني أرى في الكتاب صفة الجنة وأنا احب أن
أجعل مثلها في الدنيا ، قالوا له : كيف نقدر على ما وصفت لنا من الجواهر والذهب والفضة
حتى يمكننا أن نبني مدنية كما وصفت ؟ قال شداد : ألا تعلمون أن ملك الدنيا
(1)في المصدر : منثورا بمنزلة الرمل . م(*).