بحار الأنوار ج12

وأما الذين نسبوا المعصية إلى يوسف عليه السلام فقد ذكروا في تفسير ذلك البرهان
امورا :
الاول : قالوا : إن المرأة قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت
فسترته بثوب ، فقال يوسف : ولم ؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني على المعصية ،
فقال يوسف : تستحى من صنم لا يعقل ولا يسمع ، ولا أستحي من إلهي القائم على كل
نفس بما كسبت ؟ ! فوالله لا أفعل ذلك أبدا ، قالوا : فهذا هو البرهان .
الثاني : نقلوا عن ابن عباس أنه مثل له يعقوب فرآه عاضا على أصابعه ويقول له :
أتعمل عمل الفجار وأنت مكتوب في زمرة الانبياء ؟ فاستحيى منه ، قالوا : هو قول عكرمة
ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك ومقاتل وابن سيرين ، قال سعيد بن جبير :
تمثل له يعقوب فضرب في صدره فخرجت شهوته من أنامله .
الثالث : قالوا : إنه سمع في الهواء قائلا يقول : ياابن يعقوب لا تكن كالطير يكون
له ريش فإذا زنى ذهب ريشه .
والرابع : نقلوا عن ابن عباس أن يوسف لم يزدجر برؤية صورة يعقوب حتى ركضه
جبرئيل عليه السلام فلم يبق فيه شئ من الشهوة إلا خرج .
ولما نقل الواحدي هذه الروايات تصلف(1)وقال : هذا الذي ذكرناه قول أئمة
التفسير الذين أخذوا التأويل عمن شاهد التنزيل ، فيقال له : إنك لا تأتينا البتة إلا بهذه
التصلفات التي لا فائدة فيها ، فأين الحجة والدليل ؟ وأيضا فإن ترادف الدلائل على الشئ
الواحد جائز ، وإنه عليه السلام كان ممتنعا عن الزنا بحسب الدلائل الاصلية ، فلما أنضاف إليها هذه
الزواجر قوي الانزجار وكمل الاحتراز ، والعجب أنهم نقلوا أن جروا(2)دخل تحت حجرة
رسول الله صلى الله عليه وآله وبقي هناك بغير علمه ، قالوا : فامتنع جبرئيل من الدخول عليه أربعين يوما ،
وههنا زعموا أن يوسف حال اشتغاله بالفاحشة ذهب إليه جبرئيل ، والعجب أيضا أنهم
زعموا أنه لم يمتنع عن ذلك العمل بسبب حضور جبرئيل ! ولو أن أفسق الخلق وأكفرهم


(1)أى تكلف الصلف ، وهو التمدح بما ليس فيه او عنده وادعاء فوق ذلك اعجابا وتكبرا .
(2)الجرو : ولد الكلب .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه