بحار الأنوار ج56

الحركة على السكون ، لانها وجود لا عدم وحيوة لا موت ، ويعارضونهم بنظائر
ما قاله اولئك ، كقولهم ، إن السماء أفضل من الارض ، وإن العامل والشاب
أصح ، والماء الجاري لا يقبل عفونة كالراكد . وأما أصحاب التنجيم فإن اليوم
بليلته عند جلهم والجمهور من علمائهم هو من لدن موافاة الشمس فلك نصف النهار
إلى موافاتها إياه في نهار الغد ، وهو قول بين القولين ، فصار ابتداء الايام بلياليها
عندهم من النصف الظاهر من فلك نصف النهار ، وبنوا على ذلك حسابهم واستخرجوا
عليها مواضع الكواكب بحركاتها المستوية ومواضعها المقومة في دفاتر السنة ، و
بعضهم آثر النصف الخفي من فلك نصف النهار ، فابتدؤوا به من نصف الليل كصاحب
زيج شهرياران ، ولا بأس بذلك ، فإن المرجع إلى أصل واحد .
والذي دعاهم إلى اختيار دائرة نصف النهار دون دائرة الافق هو امور كثيرة
منها : أنهم وجدوا الايام بلياليها مختلفة المقادير غير متفقة كما يظهر ذلك من
اختلافها عند الكسوفات ظهورا بينا للحس ، وكان ذلك من أجل اختلاف مسير
الشمس في فلك البروج وسرعته فيه مرة وبطئه اخرى ، واختلاف مرور القطع
من فلك البروج على الدوائر ، فاحتاجوا إلى تعديلها لازالة ما عرض لهم من الاختلاف
وكان تعديلها بمطالع فلك البروج على دائرة نصف النهار مطردا في جميع المواضع
إذ كانت هذه الدائرة بعض آفاق الكرة المنتصبة وغير متغيرة اللوازم في جميع
البقاع من الارض ، ولم يجدوا ذلك في دوائر الآفاق ، لاختلافها في كل موضع
وحدوثها لكل واحد من العروض على شكل مخالف لما سواه ، وتفاوت مرور قطع
فلك البروج عليها ، والعمل بها غير تام ولا جار على نظام .
ومنها : أنه ليس بين دوائر أنصاف نهار البلاد إلا ما بينهما من دائرة معدل
النهار والمدارات المشبهة بها ، فأما الآفاق فإن ما بينها مركب من ذلك ومن
انحرافها إلى الشمال والجنوب ، وتصحيح أحوال الكواكب ومواضعها إنما هو
بالجهة التي يلزم من فلك نصف النهار وتسمى الطول ليس له خط في الجهة
الاخرى اللازمة عن الافق وتسمى العرض ، فلاجل هذا اختاروا الدائرة التي

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه