بحار الأنوار ج96

ذللا ، يهلون لله حوله ، ويرملون(1)على أقدامهم ، شعثا غبرا له ، قد نبذوا السرابيل(2)
وراء ظهورهم ، وشوهوا باعفاء الشعور محاسن خلقهم ، إبتلاء عظيما وامتحانا شديدا
واختبارا مبينا وتمحيصا بليغا جعله الله تعالى سببا لرحمته ، ووصلة لى جنته ، و
لو أراد الله سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام ، بين جنات وأنهار وسهل
وقرار ، جم الاشجار ، داني الثمار ملتف البنى(3)متصل القرى ، بين برة
سمراء(4)وروضة خضراء ، وأرياف محدقة ، وعراص مغدقة ، وزروع ناضرة
وطرق عامرة ، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء ، ولو كان الاساس
المحمول عليها ، والاحجار المرفوع بهابين زمردة خضراء وياقوته حمراء ونور
وضياء لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور ، ولو مجاهدة إبليس عن القلوب
ولنفى معتلج(5)الريب من الناس ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد ، ويتعبدهم
بألوان المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره ، إخراجا للتكبر من قلوبهم ، و
إسكانا للتذلل في نفوسهم ، وليجعل ذلك أبوابا فتحا(6)إلى فضله ، وأسبابا
ذللا لعفوه(7).
أقول : قد مر بتمامه مشروحا في كتاب النبوة .
36 - دعائم الاسلام : روينا ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام أنه قال
في قول الله : وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل


(1)الرمل : بالتحريك ضرب من السير فوق المشى ودون الجرى وهو الهرولة .
(2)السرابيل : الثياب واحدها سربال بكسر السين المهملة فسكون الراء .
(3)ملتف البنى : كثير العمران .
(4)البرة : الحنطة والسمراء أجودها .
(5)الاعتلاج الالتطام ومنه اعتلجت الامواج اذا التطمت ، والمراد زال تلاطم الريب
والشك من صدور الناس .
(6)فتحا وذللا بضمتين ، والاولى بمعنى مفتوحة واسعة ، والثانية مذللة ميسرة .
(7)نهج البلاغه - محمد عبده ج 2 ص 170 - 173 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه