وعندها يعرف العارفون الله ،(1)إن الدار قد رجعت إلى بدئها - أي إلى الكفر بعد
الايمان -(2)
أيها السائل فلاتغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم
شتى ، أيها الناس إنما الناس ثلاثة : زاهد ، وراغب ، وصابر ، فأما الزاهد فلايفرح
بشئ من الدنيا أتاه ولا يحزن على شئ منها فاته ، وأما الصابر فيتمناها بقلبه فإن
أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها ، وأما الراغب فلايبالي من
حل أصابها أم من حرام .
قال : يا أميرالمؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان ؟ قال : ينظر إلى ما أوجب
الله عليه من حق فيتولاه ، وينظر إلى ماخالفه فيتبرء منه وإن كان حبيبا قريبا .(3)قال :
صدقت والله يا أميرالمؤمنين . ثم غاب الرجل فلم نره فطلبه الناس فلم يجدوه ، فتبسم
علي عليه السلام على المنبر ثم قال : مالكم هذا أخي الخضر عليه السلام
ثم قال عليه السلام : سلوني قبل أن تفقدوني ، فلم يقم إليه أحد ، فحمدالله وأثنى عليه ،
وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله ، ثم قال للحسن عليه السلام : ياحسن قم فاصعد المنبر فتكلم بكلام
لايجهلك قريش من بعدي فيقولون : الحسن لايحسن شيئا . قال الحسن عليه السلام : يا أبه
كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى ؟ قال له : بأبي وامي اوادي نفسي
عنك وأسمع وأرى ولاتراني .(4)
فصعد الحسن عليه السلام المنبر فحمدالله بمحامد بليغة شريفة ، وصلى على النبي
وآله صلاة موجزة ، ثم قال : أيها الناس سمعت جدي رسول الله - صلى الله عليه وآله - يقول :
أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وهل تدخل المدينة إلا من بابها ثم نزلت فوثب إليه
علي عليه السلام فتحمله وضمه إلى صدره . ثم قال للحسين عليه السلام : يا بني قم فاصعد فتكلم
(1)في التوحيد : العارفون بالله
(2)في الاحتجاج : وكادت الارض أن ترجع إلى الكفر بعدالايمان
(3)في الاحتجاج : وان كان حميما قريبا وفى الاحتجاج : ينظر إلى ولى الله فيتولاه ، وإلى
عدوالله فيتبرء وان كان حميما قريبا
(4)في التوحيد : وأنت لاترانى(*)