هذا الوجه من الجبارين " وتعز من تشاء " بالايمان والطاعة " وتذل من تشاء "
بالكفر والمعاصي ، وقيل : تعز المؤمن بتعظيمه والثناء عليه ، وتذل الكافر بالجزية
والسبي ، وقيل : تعز محمدا وأصحابه ، وتذل أبا جهل وأضرابه من المقتولين يوم بدر
في القليب ، وقيل : تعز من تشاء من أوليائك بأنواع العزة في الدنيا والدين ، و
تذل من تشاء من أعدائك في الدنيا والآخرة ، لانه سبحانه لا يذل أولياءه وإن
أفقرهم وابتلاهم ، فإن ذلك ليس على سبيل الاذلال ، بل ليكرمهم بذلك في الآخرة
" بيدك الخير " أي الخير كله في الدنيا والآخرة(1).
وقال في قوله تعالى : " الذين عاهدت منهم " أي من جملتهم ، أو عاهدتهم ، قال
مجاهد : أراد به يهود بني قريظة ، فأنهم كانوا قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وآله على أن لا
يضروا به ولا يمالوا عليه عدوا ، ثم مالوا(2)عليه الاحزاب يوم الخندق وأعانوهم
عليه بالسلاح ، وعاهدوا مرة بعد أخرى فنقضوا ، فانتقم الله منهم " ثم ينقضون
عهدهم في كل مرة " أي كلما عاهدتهم نقضوا العهد ولم يفوا به " وهم لا يتقون "
نقض العهد أو عذاب الله " فإما تثقفنهم " أي تصادفنهم في الحرب ، أي ظفرت بهم
" فشرد بهم من خلفهم " أي فنكل بهم تنكيلا يشرد بهم من بعدهم ويمنعهم من
نقض العهد ، والتشريد : التفريق " لعلهم يذكرون " أي لكي يتذكروا وينزجروا
" وإما تخافن من قوم خيانة " أي إن خفت يا محمد من قوم بينك وبينهم عهد خيانة
" فأنبذ إليهم على سواء " أي فألق ما بينك وبينهم من العهد ، وأعلمهم بأنك نقضت
ما شرطت لهم لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء ، وقيل : معنى " على
سواء " على عدل ، قال الواقدي : هذه الآية نزلت في بني قينقاع ، وبهذه الآية سار
النبي صلى الله عليه وآله إليهم(3).
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " إذ جاءتكم جنود " وهم الذين تحزبوا على
(1)مجمع البيان 2 : 427 - 428 .
(2)في المصدر : ولا يمالئوا عليه عدوا ثم مالئوا .
(3)مجمع البيان 4 : 552 و 553 ،