بحار الأنوار ج81

الثواب والخلاص من العقاب فلا ينافي الاخلاص لانهما بأمره تعالى وتكليف أكثر
الخلق باخلاص النية منهما قريب من التكليف بالمحال ، بل هو عينه ، نعم ذلك درجة
المقربين من الانبيآء والاوصياء والصديقين صلوات الله عليهم أجمعين ، ومن ادعى
ذلك من غيرهم فلعله لم يفهم معنى النية ، وجعلها محض حضور البال ، وهو ليس
من النية في شئ ، والنية هو الغرض الواقعي الباعث على الفعل .
وهذا مثل أن يقال : في طريقك أسد ولا تخف منه ، وأعدنا لك مائة ألف
تومان للعمل الفلاني ، ولا يكن باعثك على العمل ذلك ، وهذا إنما يصدق في دعواه
إذا علم من نفسه أنه لو أيقن أن الله يدخله بطاعته النار وبمعصيته الجنة يختار الطاعة
ويترك المعصية تقربا إلى الله تعالى ، وأين عامة الخلق من هذه الدرجة القصوى و
المنزلة العليا ؟ وقد مر تحقيق ذلك وساير مايتعلق به في باب الاخلاص (1)من هذا
الكتاب ، وفي بعض مؤلفاتنا العربية والفارسية ، نعم يمكن أن يراد في هذه الآية
ذلك بناء على أن من خوطب به صلى الله عليه وآله صاحب هذه الدرجة الجليلة ، لكن الظاهر أن
الخطاب لتعليم الامة .
ثم اعلم أنه ربما يستدل بهذه الآية على كون الاخلاص المذكور من أحكام
الاسلام ، وأن كل مسلم مأمور بذلك ، لقوله : وأنا أول المسلمين فانه يدل
على أن غيره أيضا مكلف مأمور بذلك ، وأنه أولهم ، مع ماثبت من عموم التأسي
وعلى أن صحة الصلاة بل سائر العبادات موقوفة على الاخلاص المذكور ، وماتضمنه
من معرفة الله ووحدانيته وكونه ربا للعالمين ، أي منشئا ومريبا لهم ، فيستلزم ذلك
وجوب العلم بكونه قادرا وعالما وحكيما ، إذ الاخلاص يستلزم ذلك .
وقد يناقش في استلزام وجوب الاخلاص المذكور توقف صحة العبادة على
الاخلاص نفسه ، وما يستلزمه من المعرفة لان كل ما كان واجبا لشئ لا يجب أن
يبطل ذلك عند عدمه بالكلية ، ويجاب بأنه إذا ثبت كون العبادة مأمورا بها على
هذا الوجه ، فاذا لم يأت بها على الوجه الخاص لم يأت بالمأمور به ، فتكون باطلة ، و


(1)راجع ج 70 ص 213 250 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه