بحار الأنوار ج89

معناه ليس منا من لم يستغن به ، ولا يذهب به إلى الصوت .
وقد روي : أن من قرأ القرآن فهو غني لا فقر بعده ، وروي : أن من
اعطي القرآن فظن أن أحدا اعطي أكثر مما اعطي ، فقد عظم صغيرا وصغر
كبيرا ، فلا ينبغي لحامل القرآن أن يرى أحدا من أهل الارض أغنى منه ولو ملك
الدنيا برحبها . ولو كان كما يقوله قوم : إنه الترجيع بالقراء‌ة ، وحسن الصوت
لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك أن يكون من لم يرجع صوته بالقرء‌ة فليس
من النبي صلى الله عليه وآله حين قال : ليس منا من لم يتغن بالقرآن(6).


بطول المقام أشبه منه بالاستغناء لان المقام يوصف بالطول ولا يوصف الاستغناء بذلك
فيكون معنى الخبر على هذا الوجه : من لم يقم على القرآن فلى منا ، أى فلا يتجاوزه
إلى غيره ، ولا يتعداه إلى سواه ، ويتخذه مغنى ومنزلا ومقاما .
أقول وقد أنشد بيت الاعشى(طويل الثواء طويل التغن)كما في شرح شواهد الكشاف
ص 146 ، واستدل به على أن التغنى قد يجئ بمعنى الاقامة ، ولكن استشهد به في التاج
على أنه بمعنى الاستغناء كما في أقرب الموارد .
(6)في كلام أبى عبيد هذا ظر ، فان قوله صلى الله عليه وآله(من لم يتغن بالقرآن
فليس منا)على أن يكون أراد به الغناء ، ليس أنه كل من لم يرجع صوته بغناء القرآن
فليس منه ، بل من كان حسن الصوت قادرا على الغناء ، ومعذلك لم يرجع صوته بغناء القرآن
زعما منه أن ذلك خطاء وبدعة أو لهو لا يليق بالقرآن الكريم . فكلامه صلى الله عليه وآله
هذا كقوله(من ترك الحية خوفا من تبعتها فليس منى)يعنى حية الوادى ، فمن تركها
ولم يقتلها زعما منه أنها مخلوقة لله تعالى لها حياة وروح شاعرة ، وقتلها ابادة لخلقة وأذية
وألم لها فليس منه ، لا أن من رأى الحية ولم يجسر أن يقتلها خوفا على نفسه ، او لغير ذلك
من الاعذار ، فليس منه ، ومثل هذا في الاخبار كثير والذى عندى أن العرب في قوله(تغنى)
يذهب إلى معنى الصوت وطنينه ولا يلتفت إلى معناه الاصلى وهو ضد الفقر ، فكانه مأخوذ
من الكلمة الجامدة وهى الغنة : طنين صوت الذباب والنحل ، وهى من الانسان صوته من
قبل خيشومه فاذا قيل : تغنى أو غنى بالشعر يعنى أنه رفع صوته بالشعر ونحوه حتى طن

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه