3 - وأخبرني الشيخ أيضا قال : أحب الرشيد أن يسمع كلام هشام بن الحكم
مع الخوارج ، فأمر بإحضار هشام بن الحكم وإحضار عبدالله بن يزيد الاباضي(1)
وجلس بحيث يسمع كلامهما ولايرى القوم شخصه ، وكان بالحضرة يحيى بن خالد ،
فقال يحيى لعبدالله بن يزيد : سل أبامحمد يعني هشاما عن شئ ، فقال هشام : لامسألة
للخوارج علينا ، فقال عبدالله بن يزيد : وكيف ذلك ؟ فقال هشام : لانكم قوم قد
اجتمعتم معنا على ولاية رجل وتعديله وتعديله والاقرار بإمامته وفضله ، ثم فارقتمونا في
عداوته والبراءة منه ، فنحن على إجماعنا وشهادتكم لنا ، وخلافكم علينا غير قادح في
مذهبنا ، ودعواكم غيرمقبولة علينا ، إذ الاختلاف لايقابل الاتفاق ، وشهادة الخصم
لخصمه مقبولة ، وشهادته عله مردودة .
قال يحيى بن خالد : لقد قربت قطعه يا أبامحمد ، ولكن جاره شيئا ، فإن
أميرالمؤمنين أطال الله بقاه يحب ذلك ، قال : فقال هشام : أنا أفعل ذلك ، غير أن الكلام
ربما انتهى إلى حد يغمض ويدق على الافهام ، فيعاند أحد الخصمين أويشتبه عليه ،
فإن أحب الانصاف فليجعل بيني وبينه واسطة عدلا إن خرجت عن الطريق ردني
إليه ، وإن جار في حكمه شهد عليه ، فقال عبدالله بن يزيد : لقد دعا أبومحمد إلى
الانصاف ، فقال هشام : فمن يكون هذه الواسطة ؟ وما يكون مذهبه ؟ أيكون من
أصحابي ، أومن أصحابك ، أومخالفا للملة لنا جميعا ؟ قال عبدالله بن يزيد : اختر من شئت
فقد رضيت به ، قال هشام : أما أنا فأرى أنه إن كان من أصحابي لم يؤمن عليه العصبية
لي ، وإن كان من أصحابك لم آمنه في الحكم علي ، وإن كان مخالفا لنا جميعا لم يكن
مأمونا علي ولا عليك ، ولكن يكون رجلا من أصحابي ، ورجلا من أصحابك ،
فينظران فيما بيننا ويحكمان علينا بموجب الحق ومحض الحكم بالعدل ، فقال عبدالله
ابن يزيد : فقد أنصفت يا أبا محمد ، وكنت أنتظر هذا منك .
فأقبل هشام على يحيى بن خالد فقال له : قد قطعته أيها الوزير ، ودمرت(2)على
(1)ترجمه ابن الحجر في لسان الميزان 3 : 378 بقوله : عبدالله بن يزيد الفزارى الكوفى
المتكلم ، ذكره ابن حزم في النحل : ان الاباضية من الخوارج اخذوا مذهبم عنه .
(2)دمر عليه : هجم عليه هجوم الشر . دمر عليه : أهلكه .(*)