ولا ريب أن التماثيل التى كانوا يعبدونها - وعبر عنها ثانيا بالاصنام وجعلها
جذاذا - ليس الا المجسمة ، ولا معنى لان يكون التماثيل في آية بمعنى تصوير المجسمة ،
وفى الاخرى بمعنى نقش الصور أو مجسمة الاشجار .
مع أن الاول وهو أن يكون المراد بالتماثيل نقش الصور ، لا يناسب قوله : يعملون
له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات فان التماثيل عد من
معمولاتهم في مقابل المحاريب والجفان والقدور ، فاذا كانت التماثيل هى النقوش في تلك
المعمولات لم يحسن عدها عليحدة .
وأما المعنى الثانى وهو أن يكون المراد بالتماثيل مجسمة الاشجار ، كما روى
في أخبار ضعاف ، فهو غير معهود ولا مطلوب ، فان تصوير الاشجار مجسمة بيد الجن و
الشيطان ، ونصبها في الجنان والبساتين ، عمل لغو بعد ما يقدر كل أحد على عمل الجنان
الحقيقى باذن الله تعالى وانما كان المطلوب لسليمان وقد سمى حشمة الله بناء مالا يقدر عليه
أحد غيره ، لكون الجن والشياطين أعوانه وعملته .
قال الله عزوجل وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس فهم يوزعون * حتى
اذا أتوا على واد النمل إلى أن قال - فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعنى أن أشكر
نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه لما رأى حشمته و
شوكته التى أعطاها الله ولم يعطها أحدا غيره ، خلد في باله أن يبنى بيتا لله ذا حشمة
وشوكة لا يقدر على ايجاده غيره ، شكرا لما وهبه من الملك الذى لا ينبغى لاحد
من بعده .
ولذلك سأل الله عزوجل أن يوزعه في الدنيا ويكف عنه الموت والمرض وكل ما
يشغله عن بناء البيت حتى يفرغ وينجز ما جعله على نفسه ، فشرع في بناء البيت
المقدس :
فجمع الشياطين وأرسل فرقة في تحصيل الرخام والمها الابيض الصافى من معادته