علمهم كتاب الله وأحسن أدبهم على الاخلاق الصالحة ، وأنزل الناس منازلهم خيرهم
وشرهم(1)وأنفذ فيهم أمر الله ولا تحاش في أمره ولا ماله أحدا(2)فانها ليست
بولايتك ولا مالك ، وأد إليهم الامانة في كل قليل وكثير ، وعليك بالرفق والعفوفي
غير ترك للحق(3)يقول الجاهل : قد تركت من حق الله ، واعتذر إلى أهل عملك
من كل أمر خشيت أن يقع إليك منه عيب(4)حتى يعذروك ، وأمت أمر الجاهلية
إلا ما سنه الاسلام ، وأظهر أمر الاسلام كله صغيره وكبيره ، وليكن أكثر همك
الصلاة فانها رأس الاسلام بعد الاقرار بالدين ، وذكر الناس بالله واليوم الاخر
واتبع الموعظة فانه أقوى لهم على العمل بما يحب الله ، ثم بث فيهم المعلمين واعبد
الله الذي إليه ترجع ، ولا تخف في الله لومة لائم .
واوصيك بتقوى الله ، وصدق الحديث ، والوفاء بالعهد ، وأداء الامانة ، وترك
الخيانة ، ولين الكلام ، وبذل السلام ، وحفظ الجار ، ورحمة اليتيم ، وحسن العمل
وقصر الامل ، وحب الآخرة ، والجزع من الحساب ، ولزوم الايمان ، والفقه في
القرآن ، وكظم الغيظ ، وخفض الجناح(5)وإياك أن تشتم مسلما ، أو تطيع آثما
أو تعصي إماما عادلا ، أو تكذب صادقا ، أو تصدق كاذبا ، واذكر ربك عند كل
شجر وحجر ، وأحدث لكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية .
يا معاذ لولا أنني أرى ألا نلتقي إلى يوم القيامة لقصرت في الوصية ولكنني
(1)أى أنزل الناس منازلهم على قدرهم وشؤونهم من الخير وشر .
(2)لا تحاش من حاش يحاش أى نزه والمراد أنك لا تكترت بما تفعله ولا تخاف من
أحد ولا تستوحش منهم .
(3)في بعض النسخ من غير ترك للحق .
(4)يعنى أن في كل أمر خشيت أن يسرع اليك عيب منه تقدم العذر قبل أن يعذروك .
(5)الخفض : الغض والاخفاء وأيضا خفض ضد رفع وبمعنى اللين والسهل ، والجناح
ما يطير به الطائر وخفض الجناح كناية عن التواضع .