بحار الأنوار ج37

وقالت فرقة اخرى : إن الامام بعد أبي عبدالله ابنه عبدالله بن جعفر ، واعتلوا
في ذلك بأنه كان أكبر ولد أبي عبدالله ، وأن أبا عبدالله عليه السلام قال : الامامة لا تكون
إلا في الاكبر من ولد الامام ! وهذه الفرقة تسمى الفطحية ، وإنما سميت بذلك
لان رئيسا لها يقال له عبدالله بن أفطح ، ويقال : إنه كان أفطح الرجلين(1)، ويقال :
بل كان أفطح الرأس ، ويقال : إن عبدالله كان هو الافطح .
قال الشيخ أدام الله عزه : فأما الناووسية فقد ارتكبت في إنكارها وفاة أبي عبدالله
عليه السلام ضربا من دفع الضرورة وإنكار المشاهدة ، لان العلم بوفاته كالعلم بوفاة أبيه من
قبله ، ولا فرق بين هذه الفرقة وبين الغلاة الدافعين لوفاة أمير المؤمنين عليه السلام وبين من
أنكر مقتل الحسين عليه السلام ودفع ذلك وادعى أنه كان مشبها للقوم ، فكل شئ جعلوه
فصلا بينهم وبين من ذكرناه فهو دليل على بطلان ما ذهبوا إليه في حياة أبي عبدالله
عليه السلام ، وأما الخبر الذي تعلقوا به فهو خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ، ولو رواه
ألف إنسان وألف ألف لما جاز أن يجعل ظاهره حجة في دفع الضرورات وارتكاب
الجهالات بدفع المشاهدات ، على أنه يقال لهم : ما أنكرتم أن يكون هذا القول إنما
صدر من أبي عبدالله عند توجهه إلى العراق ليؤمنهم من موته في تلك الاحوال ،
ويعرفهم رجوعه إليهم من العراق ، ويحذرهم من قبول أقوال المرجفين به(2)المؤدية
إلى الفساد ، ولا يجب أن يكون ذلك مستغرقا لجميع الازمان ، وأن يكون على العموم
في كل حال ، ويحتمل أن يكون أشار إلى جماعة علم أنهم لا يبقون بعده وأنه يتأخر
عنهم فقال : " من جاء‌كم من هؤلاء " فقد جاء في بعض الاسانيد " من جاء‌كم منكم " وفي
بعضها " من جاء‌كم من أصحابي " وهذا يقتضي الخصوص .
وله وجه آخر وهو أنه عنى بذلك كل الخلق ما سوى الامام القائم من بعده
لانه ليس يجوز أن يتولى غسل الامام وتكفينه ودفنه إلا الامام القائم مقامه عليه السلام
إلا أن تدعو ضرروة إلى غير ذلك ، فكأنه أنبأهم بأنه لا ضرورة تمنع القائم من بعده عن


(1)الافطح : العريض .
(2)أرجف : خاض في الاخبار السيئة والفتن قصد أن يهيج الناس .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه