بحار الأنوار ج74

الدهر ، وفحش تقلبه ، وتقلب الليالي والايام(1)وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكره
بما أصاب من كان قبلك من الاولين ، وسر في ديارهم ، واعتبر آثارهم ، وانظر ما فعلوا وأين
حلوا ونزلوا ، وعمن انتقلوا ، فانك تجدهم قد انتقلوا عن الاحبة ، وحلوا دار الغربة
وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم ، فأصلح متواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك ، ودع
القول فيما لاتعرف ، والنظر فيما لا تكلف ، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فان
الكف عند حيرة الضلالة خير من ركوب الاهوال ، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، و
أنكر المنكر بلسانك ويدك ، وباين من فعله بجهدك وجاهد في الله حق جهاده ولا تأخذك
في الله لومة لائم ، وخض الغمرات إلى الحق حيث كان ، وتفقه في الدين ، وعود نفسك
التصبر على المكروه(2)فنعم الخلق الصبر ، والجئ نفسك في الامور كلها إلى الهك
فانك تلجئها إلى كهف حريز(3)ومانع عزيز ، وأخلص في المسألة لربك ، فان بيده
العطاء والحرمان ، وأكثر الاستخارة(4)وتفهم وصيتي ولا تذهبن عنك صفحا ، فان
خير القول ما نفع(5)واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع ، ولا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه .
يا بني إني لما رأيتك قد بلغت سنا ، ورأيتني ازداد وهنا بادرت بوصيتي
إليك لخصال ، منها أن يعجل بي أجلي دون أن أفضى إليك بما في نفسي أو أنقص
في رأيي كما نقصت في جسمي ، أو أن يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا
وتكون كالصعب النفور(6)وإنما قلب الحدث كالارض الخالية ما القي فيها


(1)الصولة : السطوة والقدرة . والفحش بمعنى الزيادة والكثرة .
(2)التصبر : تكلف الصبر .
(3)الكهف : الملجأ . والحريز : الحصين .
(4)المراد بالاستخارة هنا : اجالة الرأى في الا مرقبل فعله لا ختيار أفضل الوجوه .
أوطلب الخير من الله تعالى . لا ما هو المشهور اليوم ويفعله أكثر المقدسين بالسبحة والمصحف .
(5)الصفح : الاعراض .
(6)اشارة إلى أن الصبى اذا لم يؤدب الاداب في حداثة سنه ولم ترض قواه لمطاوعة
العقل وموافقته ربما تميل به القوى الحيوانية إلى مشتهياتها وتصرفه عن وجه الصواب

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه