به اتضاعهم بالجهالة عما علمه إياه وعلو خطره وقدره ، واختصاصه(1)إياه بعلم
لم يخصهم به ، فالتزموا الجواب بأن قالوا : " سبحانك لاعلم لنا إلا ما علمتنا(2)"
ثم جعل الله عزوجل آدم عليه السلام معلم الملائكة بقوله " أنبئهم " لان الانباء من النبأ
تعليم ، والامر بالانباء من الامر تكليف يقتضي طاعة وعصيانا ، والا صغاء من الملائكة
للتعليم والتوقيف والتفهيم والتعريف تكليف يقتضي طاعة وعصيانا ، فمن ذهب منكم
إلى فضل المتعلم على المعلم ، والموقف على الموقف ، والمعرف على المعرف ، كان في
تفضيله تعكيس لحكمة الله عزوجل ، وقلب لترتيبها التي رتبها الله عزوجل ، فإنه
على قياد مذهبه أن تكون الارض التي هي المركز أعلى من النامي الذي هو عليها الذي
فضله الله عزوجل بالنمو ، والنامى أفضل وأعلى من الحيوان الذي فضله الله جل
جلاله بالحياة والنمو والروح ، والحيوان الاعجم الخارج عن التكليف والامرو
الزجر أعلى وأفضل من الحيوان الناطق المكلف للامر والزجر ، والحيوان الذي هو
المحجوج أعلى من الحجة التي هي حجة الله عزوجل فيها ، والمتعلم أعلى من المعلم
وقد جعل الله عزوجل آدم حجة على كل من خلق روحاني وجسماني إلا من
جعل له أولية الحجة . فقد روي لنا أن حبيب بن مظاهر الاسدي - بيض الله وجهه -
أنه قال للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام : أي شئ كنتم قبل أن يخلق الله عزو
جل آدم عليه السلام ؟ قال : كنا أشباح نور ندور حول عرش الرحمن ، فنعلم للملائكة التسبيح
والتهليل والتحميد . ولهذا تأويل دقيق ليس هذا مكان شرحه ، وقد بيناه في غيره
قال مفضلوا الملائكة : إن مدار الخلق روحانيا كان أو جسمانيا على الدنو
من الله عزوجل والرفعة والعلو ، والزلفة والسمو ، وقد وصف الله جلت عظمته
الملائكة من ذلك بمالم يصف به غيرهم ، ثم وصفهم بالطاعة التي عليها موضع الامر و
الزجر والثواب والعقاب ، فقال عزوجل " لا يعصون الله ما أمر هم ويفعلون ما يؤمرون(3)"
(1)باختصاصه(خ)
(2)البقرة : 32 .
(3)التحريم : 6 .