بحار الأنوار ج70

وأقول : يمكن أن يفرض فيها فرد حرام كأن يتمنى منصبا حراما أو مالا
حلالا ليصرفه في الحرام ، بل مكروه أيضا كأن يتمنى مال شبهة أو مالا حلالا
ليصرفها في المصارف المكروهة .
وقيل : للحسد اسباب كثيرة يحصر جملتها سبعة : العداوة ، والتعزز ، والكبر
والتعجب ، والخوف من فوت المقاصد المحبوبة ، وحب الرياسة ، وخبث النفس
وبخلها فانه إنما يكره النعمة عليها إما لانه عدوه ، فلا يريد له الخير ، وإما أن
يكون من حيث يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره
لعزة نفسه ، وهو المراد بالتعزز ، وإما أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود
ويمتنع ذلك عليه بنعمته ، وهو المراد بالتكبر .
وإما أن يكون النعمة عظيمة والمنصب كبيرا فيتعجب من فوز مثله بمثل
تلك النعمة كما أخبر الله تعالى عن الامم الماضية إذ قالوا : ما أنتم إلا بشر
مثلنا (1) وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا (2)وأمثال ، ذلك كثيرة فتعجبوا من
أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب ، مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم وهو
المراد بالتعجب .
وإما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمة بأن يتوصل بها إلى مزاحمته
في أغراضه وإما أن يكون بحب الرياسة التي يبتني على الاختصاص بنعمة لا
يساوى فيها ، وإما أن لا يكون بسبب من هذه الاسباب ، بل لخبث النفس وشحها
بالخير لعباد الله .
فهذه اسباب الحسد وقد يجتمع بعض هذه الاسباب أو أكثرها أو جميعها في
شخص واحد ، فيعظم الحسد لذلك ، ويقوى قوة لا يقدر معها على الاخفاء والمجاملة
بل يهتك حجاب المجاملة ، ويظهر العداوة بالمكاشفة ، وأكثر المحاسدات يجتمع
فيها جملة من هذه الاسباب .


(1)يس : 15 .
(2)المؤمنون : 48 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه