الدهر ، وفحش تقلبه ، وتقلب الليالي والايام(1)وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكره
بما أصاب من كان قبلك من الاولين ، وسر في ديارهم ، واعتبر آثارهم ، وانظر ما فعلوا وأين
حلوا ونزلوا ، وعمن انتقلوا ، فانك تجدهم قد انتقلوا عن الاحبة ، وحلوا دار الغربة
وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم ، فأصلح متواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك ، ودع
القول فيما لاتعرف ، والنظر فيما لا تكلف ، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فان
الكف عند حيرة الضلالة خير من ركوب الاهوال ، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، و
أنكر المنكر بلسانك ويدك ، وباين من فعله بجهدك وجاهد في الله حق جهاده ولا تأخذك
في الله لومة لائم ، وخض الغمرات إلى الحق حيث كان ، وتفقه في الدين ، وعود نفسك
التصبر على المكروه(2)فنعم الخلق الصبر ، والجئ نفسك في الامور كلها إلى الهك
فانك تلجئها إلى كهف حريز(3)ومانع عزيز ، وأخلص في المسألة لربك ، فان بيده
العطاء والحرمان ، وأكثر الاستخارة(4)وتفهم وصيتي ولا تذهبن عنك صفحا ، فان
خير القول ما نفع(5)واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع ، ولا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه .
يا بني إني لما رأيتك قد بلغت سنا ، ورأيتني ازداد وهنا بادرت بوصيتي
إليك لخصال ، منها أن يعجل بي أجلي دون أن أفضى إليك بما في نفسي أو أنقص
في رأيي كما نقصت في جسمي ، أو أن يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا
وتكون كالصعب النفور(6)وإنما قلب الحدث كالارض الخالية ما القي فيها
(1)الصولة : السطوة والقدرة . والفحش بمعنى الزيادة والكثرة .
(2)التصبر : تكلف الصبر .
(3)الكهف : الملجأ . والحريز : الحصين .
(4)المراد بالاستخارة هنا : اجالة الرأى في الا مرقبل فعله لا ختيار أفضل الوجوه .
أوطلب الخير من الله تعالى . لا ما هو المشهور اليوم ويفعله أكثر المقدسين بالسبحة والمصحف .
(5)الصفح : الاعراض .
(6)اشارة إلى أن الصبى اذا لم يؤدب الاداب في حداثة سنه ولم ترض قواه لمطاوعة
العقل وموافقته ربما تميل به القوى الحيوانية إلى مشتهياتها وتصرفه عن وجه الصواب