بحار الأنوار ج56

الفن الواحد يكون أقوى من ذي الفنين ، ومن حاول الوقوف على حقيقة مسألة
من المسائل فإنه حال تفكره فيها لابد وأن يفرغ خاطره عما عداه(1)فإنه عند
تفريغ الخاطر يتوجه الخاطر بكليته إليه ، فيكون الفعل أسهل وأحسن ، وإذا
كان كذلك ، فإذا كان الانسان مشغول الهم والهمة بقضاء اللذات وتحصيل الشهوات
كانت القوة النفسانية مشغولة بها مستغرقة فيها ، فلا يكون انجذابها إلى تحصيل
الفعل الغريب الذي يحاوله انجذابا قويا ، لا سيما وهنا آفة اخرى ، وهي أن
مثل هذه النفس اعتادت الاشتغال باللذات من أول أمرها إلى آخره ولم تشتغل قط
باستحداث هذه الافعال الغريبة ، فهي بالطبع حنون إلى الاول عزوف للثاني(2)
فإذا وجدت مطلوبها من النمط الاول فأنى تلتفت إلى الجانب الآخر ؟ فقد ظهر
من هذا أن مزاولة هذه الاعمال لا تنأتى إلا مع التجرد عن الاحوال الجسمانية
وترك مخالطه الخلق والاقبال بالكلية على عالم الصفا والارواح ، وأما الرقى فإن
كانت معلومة فالامر فيها ظاهر ، لان الغرض منها أن حس البصر كما شغلناه
بالامور المناسبة لذلك الغرض فحس السمع نشغله أيضا بالامور المناسبة لذلك
الغرض ، فإن الحواس متى تطابقت نحو(3)التوجه إلى الغرض الواحد كان توجه
النفس إليه حينئذ أقوى ، وأما إذا كانت بألفاظ غير معلومة حصلت للنفس هناك
حالة شبيهة بالحيرة والدهشة(4)ويحصل للنفس في أثناء ذلك انقطاع عن المحسوسات
وإقبال على ذلك الفعل ، وجد عظيم ، فيقوى التأثير النفساني ، فيحصل الغرض .
وهكذا القول في الدخن ، قالوا : فقد ثبت أن هذا القدر من القوة النفسانية مستقل


(1)في المصدر : عما عداها .
(2)< < : عن الثانى .
(3)< < < < : على التوجه .
(4)< < < < : والدهشة فان الانسان إذا اعتقدان هذه الكلمات انما تقرأ للاستعانة
بشئ من الامور الروحانية ولا يدرى كيفية تلك الاستعانة حصلت للنفس هناك حالة شبيهة بالحيرة
والدهشة .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه