عمر وعثمان يجدون في أنفسهم أن ولي غيرهم من أبناء الطلقاء ولم يول أحد منهم
فأحببت أن أصل رحمهم وازيل ما كان في أنفسهم ، وبعد فإن علمت أحدا هو خير
منهم فائتني به ، فخرج الاشتر وقد زال ما في نفسه .
وقد روى المحدثون حديثا يدل على فضيلة عظيمة للاشتر ، وهي شهادة
قاطعة من النبي صلى الله عليه واله بأنه مؤتمن(1)، روى هذا الحديث أبوعمر بن عبدالبر في
كتاب الاستيعاب في حرف الجيم في باب جندب ، قال أبوعمر : لما حضرت أباذر
الوفاة وهو بالربذة بكت زوجته ام ذر ، قالت : فقال لي :(2)ما يبكيك ؟ فقالت :
مالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الارض ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا ، ولا بد
لي من القيام بجهازك ، فقال : ابشري ولا تبكي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول :
" لا يموت بين امر أين مسلمين ولدان أو ثلاث فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبدا "
وقد مات لنا ثلاثة من الولد . وسمعت أيضا رسول الله صلى الله عليه واله يقول لنفر أنا فيهم :
" ليموتن أحدكم بفلاة من الارض ، يشهده عصابة من المؤمنين " وليس من اولئك
النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة ، فأنا لا أشك أني ذلك الرجل ، والله ما
كذبت ولا كذبت ، فانظري الطريق ، قالت ام ذر : فقلت : أنى وقد ذهب الحاج
وتقطعت الطرق ؟ فقال : اذهبي فتبصري ، قالت : فكنت أشتد إلى الكثيب فأصعد
فأنظر ثم أرجع إليه فامرضه ، فبينا أنا وهو على هذه الحالة إذا أنا برجال على
ركابهم كأنهم الرخم(3)تخب بهم رواحلهم ، فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي وقالوا :
يا أمة الله مالك ؟ فقلت : امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه ؟ قالوا : ومن هو ؟ قلت :
أبوذر ، قالوا : صاحب رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قلت : نعم ، ففدوه بآبائهم وامهاتهم و
أسرعوا إليه حتى دخلوا عليه ، فقال لهم : ابشروا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول
لنفر أنا فيهم : " ليموتن رجل منكم بفلاة من الارض تشهده عصابة من المؤمنين " و
(1)في المصدر : مؤمن .
(2)" : فقال لها .
(3)الرخم : طائر من الجوارح الكبيرة الجثة الوحشية الطباع . خب الفرس في عدوه :
راوح بين يديه ورجليه أى قام على احداهما مرة وعلى الاخرى مرة . *