بحار الأنوار ج74

المكتسب فإنه رب طلب قد جر إلى حرب ، وليس كل طالب بناج وكل مجمل
بمحتاج . وأكرم نفسك كل دنية ، وإن ساقتك إلى رغبة ، فإنك لن تعتاض بما
تبذل من نفسك عوضا ، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا ، وما خير خير لا
ينال إلا بشر ويسر لاينال إلا بعسر .
وإياك أن توجف بك مطايا الطمع ، فتوردك مناهل الهلكة ، وإن استطعت
أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل ، فانك مدرك قسمك ، وآخذ سهمك .
وإن اليسير من الله تبارك وتعالى أكثر وأعظم من الكثير من خلقه ، وإن كان كل
منه ولو نظرت - ولله المثل الاعلى - فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة
لعرفت أن لك في يسير ما تصيب من الملوك افتخارا ، وأن عليك في كثير ما تصيب
من الدناة عارا . فاقتصد في أمرك تحمد . مغبة علمك(1)إنك لست بائعا شيئا من
دينك وعرضك بثمن ، والمغبون من غبن نصيبه من الله ، فخذ من الدنيا ما أتاك
واترك ما تولى ، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب
.
وإياك ومقارنة من رهبته على دينك وباعد السلطان ولا تأمن خدع الشيطان(2)
وتقول : متى أرى ما أنكر نزعت ، فإنه كذا هلك من كان قبلك من أهل القبلة وقد
أيقنوا بالمعاد ، فلو سمعت بعضهم بيع آخرته بالدنيا لم يطب بذلك نفسا ، ثم قد
يتخيله الشيطان بخدعه ومكره حتى يور طه في هلكته بعرض من الدنيا حقير
وينقله من شر إلى شر حتى يؤيسه من رحمة الله ويدخله في القنوط ، فيجد الوجه
إلى ما خالف الاسلام وأحكامه ، فإن أبت نفسك إلا حب الدنيا وقرب السلطان
فخالفت مات نهيتك عنه بما فيه رشدك ، فأملك عليك لسانك فإنه لا بقية للموك
عند الغضب ، ولا تسأل عن أخبار هم ، ولا تنطق عند أسرارهم ، ولا تدخل فيما بينك
وبينهم .
وفي الصمت السلامة من الندامة ، وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك


(1)كذا والمغبة : عاقبة الشئ .
(2)كذا . والخدع - بضمتين - جمع الخدوع وهو الكثير الخداع .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه