بحار الأنوار ج6

فإن قال : لم أمر الله الخلق(1)بالاقرار بالله وبرسله(2)وحججه وبما جاء من
عند الله عزوجل ؟ قيل : لعلل كثيرة : منها أن من لم يقر بالله عزوجل لم يجتنب معاصيه
ولم ينته عن ارتكاب الكبائر ، ولم يراقب أحدا فيما يشتهي ويستلذ من الفساد و
الظلم ، فإذا فعل الناس هذه الاشياء وارتكب كل إنسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة
لاحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين ، ووثوب بعضهم على بعض ، فغصبوا الفروج والاموال

وأباحوا الدماء والنساء(والسبي ع)وقتل بعضهم بعضا من غير حق ولا جرم ، فيكون
في ذلك خراب الدنيا ، وهلاك الخلق ، وفساد الحرث والنسل .
ومنها أن الله عزوجل حكيم ، ولا يكون الحكيم ولا يوصف(3)بالحكمة إلا
الذي يحظر الفساد ، ويأمر بالصلاح ، ويزجر عن الظلم ، وينهى عن الفواحش ، ولا يكون
حظر الفساد والامر بالصلاح والنهي عن الفواحش إلا بعد الاقرار بالله عزوجل ومعرفة
الآمر والناهي ، فلو ترك الناس بغير إقرار بالله ولا معرفته لم يثبت أمر بصلاح ، ولا نهي
عن فساد إذ لا آمر ولا ناهي .
ومنها أنا وجدنا الخلق قد يفسدون بامور باطنة ، مستورة عن الخلق ، فلولا
الاقرار بالله عزوجل وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وإرادته يراقب أحدا
في ترك معصية ، وانتهاك حرمة ، وارتكاب كبيرة ، إذا كان فعله ذلك مستورا(4)عن الخلق ،
غير مراقب لاحد ، وكان يكون في ذلك هلاك الخلق أجمعين ، فلم يكن قوام الخلق و
صلاحهم إلا بالاقرار منهم بعليم خبير ، يعلم السر وأخفى ، آمر بالصلاح ، ناه عن الفساد ،
لا تخفى عليه خافية ، ليكون في ذلك انزجار لهم عما يخلون(5)به من أنواع الفساد .
فإن قال : فلم وجب عليهم(6)معرفة الرسل والاقرار بهم والاذعان لهم بالطاعة ؟
قيل : لانه لما لم يكن(7)في خلقهم وقولهم وقواهم ما يكملون لمصالحهم ،(8)وكان


(1)في العلل : لم امر الخلق . م(2)في العلل : برسوله . م
(3)في المصدر : ولا يكون حكيما ولا يوصف . م
(4)في العلل : اذا فعل ذلك مستورا . م(5)في العلل عما يحلون به . م
(6)في العلل : فان قال قائل : فلم وجب عليكم . م
(7)في العيون : لما إن لم يكن ، وفى العلل : لما لم يكتف . م
(8)في العلل بعد قوله : وقواهم : ما يثبتون به لمباشرة الصانع عزوجل حتى يكلمهم ويشافههم
وكان الصانع اه‍ . م*

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه