ولم تطل يد أحد من الناس إليهم لناموس الملك وابهة السلطنة وقوة الرئاسة وحرمة
الامارة .
أفترى ذهب عن رسول الله هذا المعنى ؟ أم أحب أن يستأصل أهله وذريته من
بعده ؟ وأين موضع الشفقة على فاطمة العزيزة عنده الحبيبة إلى قلبه ؟ أتقول : أنه أحب
أن يجعلها كواحدة من فقراء المدينة تتكفف الناس(1)؟ ! وأن يجعل عليا المكرم المعظم
عنده الذي كانت حاله معه معلومة كأبي هريرة الدوسي وأنس بن مالك الانصاري ؟ ! يحكم
الامراء في دمه وعرضه ونفسه وولده ، فلا يستطيع الامتناع ، وعلى رأسه مائة ألف سيف
مسلول تتلظى أكباد أصحابها عليه : ويودون أن يشربوا دمه بأفواههم ويأكلوا لحمه
بأسنانهم قد قتل أبناءهم وإخوانهم وآباءهم وأعمامهم ، والعهد لم يطل والقروح لم تتعرف(2)
والجروح لم تندمل(3)؟
فقلت : لقد أحسنت فيما قلت إلا أنه لفظه عليه السلام يدل على أنه لم يكن
نص عليه ، ألا تراه يقول :(ونحن الاعلون نسبا والاشدون بالرسول نوطا)فجعل
الاحتجاج بالنسب وشدة القرب ، فلو كان عليه نص لقال عوض ذلك(وأنا المنصوص
علي المخطوب باسمي)فقال رحمه الله : إنما أتاه من حيث تعلم لامن حيث تجهل ، ألاترى
أنه سأله فقال :(كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به ؟)فهو إنما سأل
عن دفعهم عنه وهم أحق به من جهة اللحمة والقرابة ، ولم يكن الاسدي يتصور النص
ولا يعتقده ولا يخطر بباله ، لانه لو كان هذا في نفسه لقال له(لم دفعك الناس عن هذا
المقام وقد نص عليك رسول الله صلى الله عليه وآله)ولم يقل هذا ، فإنما قال كلاما عاما لبني هاشم
كافة(كيف دفعكم قومكم عن هذا وأنتم أحق به ؟)أي باعتبار الهاشمية والقربى ،
فأجابه بجواب أعاد قبله المعنى الذي تعلق به الاسدي بعينه تمهيدا للجواب ، فقال :
(إنما فعلوا ذلك مع أنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من غيرنا لانهم استأثروا علينا)ولو
(1)تكفف الناس : مديده اليهم يستعطى .
(2)كذا في النسخ : وفي المصدر(لم تنقرف)والصحيح : لم تتقرف وتقرف الجرح : تقشر .
(3)اندمل الجرح . تماثل وتراجع إلى البرء .