الموقف الاول على رؤوس الجمع ونادى بأعلى صوته : يا معاشر العرب ، وذوي المعالي
والرتب ، فوالله ما أظلت الخضرآء ولا أقلت الغبراء بأفضل من محمد ، ولقد رضيته لابنتي بعلا
وكفوا ، فكونوا على ذلك من الشاهدين ، ثم قال العباس وقال : يا معاشر العرب لم تنكرون
الفضل لاهله ، هل سقيتم الغيث إلا بابن أخي ؟ وهل اخضر زرعكم إلا به ؟ وكم له عليكم
من أياد كتمتموها ، ولزمتم له الحسد والعناد ؟ وبالله اقسم ما فيكم من يعادل صيانته ولا
أمانته ، واعلموا أن محمدا صلى الله عليه واله لم يخطب خديجة لمالها ولا جمالها ، إن المال زائل وإلى نفاد ،
ثم إن خويلدا(1)أقبل وجلس إلى جانب رسول الله صلى الله عليه واله ، وأمسك الناس عن الكلام حتى
يسمعوا ما يقول خويلد ، فقال خويلد : يا أبا طالب ما الانتظار عما طلبتم ؟ اقضوا الامر ،
فإن الحكم لكم ، وأنتم الرؤسآء(2)والخطبآء ، والبلغآء والفصحآء ، فليخطب خطيبكم ،
ويكون العقد لنا ولكم ، فنهض أبوطالب وأشار إلى الناس أن انصتوا ، فأنصتوا فقال :
" الحمد لله الذي جعلنا من نسل إبراهيم الخليل ، وأخرجنا من سلالة إسماعيل ، وفضلنا
وشرفنا على جميع العرب ، وجعلنا في حرمه ، وأسبغ علينا من نعمه ، وصرف عنا شر
نقمه(3)، وساق إلينا الرزق من كل فج عميق ، ومكان سحيق ، والحمد لله على ما أولانا ،
وله الشكر على ما أعطانا ، وما به حبانا وفضلنا على الانام ، وعصمنا عن الحرام ، وأمرنا
بالمقاربة والوصل ، وذلك ليكثر(4)منا النسل ، وبعد فاعلموا يا معاشر من حضر ، أن
ابن أخينا محمد بن عبدالله خاطب كريمتكم الموصوفة بالسخآء والعفة ، وهي فتاتكم المعروفة ،
المذكور فضلها ، الشامخ(5)خطبها ، وهو قد خطبها من أبيها خويلد على ما يحب
من المال " .
(1)في المصدر : اعلموا أن المال يزول ، والفخر لا يزول ، فلا تظهروا الشر ، ولا تطلبوا
الفكر ، قال : وكان قد ألجمهم بلجام واستكهم من الكلام ، قال : ثم ان خويلد اه .
(2)في المصدر : يا أبا طالب ما الذي يؤخركم عما انتم له طالبون ، افصلوا الامر ، فلكم الحكم
وأنتم الاحباء ، ولابن أخيكم الرضى وانتم الرؤساء اه .
(3)زاد في المصدر : وجعلنا في الباد القفر .
(4)سقط من نسختى الانوار من قوله : وذلك ليكثر إلى قوله : وفي رجليها خلخالان من
الذهب .
(5)الشائع خ ل قلت : الخطب : الشأن .(*)