صنعوا "(1)وإنما أراد أن العصا تلقف الحبال التي أظهروا سحرهم فيها ، وهي التي
حلتها صنعتهم وإفكهم فقال : " ما صنعوا وما يأفكون " وأراد ما صنعوا فيه ، وما يأفكون
فيه ، ومثله قوله تعالى : " يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان "(2)وإنما أراد
المعمول فيه دون العمل - وهذا الاستعمال أيضا سائع شائع - لانهم يقولون : هذا الباب
عمل النجار ; وفي الخلخال : هذا من عمل الصائغ ; وإن كانت الاجسام التي أشير إليها
ليست أعمالا لهم ، وإنما عملوا فيها فحسن إجراء هذه العبارة .
فإن قيل : كل الذي ذكرتموه وإن استعمل فعلى وجه المجاز والاتساع ، لان
العمل في الحقيقة لا يجري إلا على فعل الفاعل دون ما يفعل فيه ، وإن استعير في بعض
المواضع . قلنا : ليس نسلم لكم أن الاستعمال الذي ذكرناه على سبيل المجاز ، بل نقول :
هو المفهوم الذي لا يستفاد سواه لان القائل إذا قال : هذا الثوب عمل فلان لم يفهم منه
إلا أنه عمل فيه ، وما رأينا أحدا قط يقول في الثوب بدلا من قوله : هذا من عمل فلان : هذا
مما حله عمل فلان ; فالاول أولى بأن يكون حقيقة ، وليس ينكر أن يكون الاصل في
الحقيقة ما ذكروه ، ثم انتقل بعرف الاستعمال إلى ما ذكرناه ، وصار أخص به ومما لا يستفاد
من الكلام سواه كما انتقلت ألفاظ كثيرة على هذا الحد ، ولا اعتبار بالمفهوم من الالفاظ
إلا بما استقر عليه استعمالها دون ما كانت عليه في الاصل فوجب أن يكون المفهوم .
والظاهر من الآية ما ذكرناه على أنا لو سلمنا أن ذلك مجاز لوجب المصير إليه
من وجوه ، فمن ذلك(3)أنه تعالى أخرج الكلام مخرج التهجين لهم ، والتوبيخ لافعالهم ،
والازراء على مذاهبهم ، فقال " أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون " ومتى لم
يكن قوله : " وما تعملون " المراد به تعملون فيه ليصير تقدير الكلام أتعبدون الاصنام
التي تنحتونها ، والله خلقكم وخلق هذه الاصنام التي تفعلون فيها التخطيط والتصوير
لم يكن للكلام معنى ولا مدخل في باب التوبيخ ، ويصير على ما يذكره المخالف كأنه
(1)طه : 69 أقول : لقف الشئ : تناوله بسرعة .
(2)سبا : 13 .
(3)في الامالى المطبوع هكذا : منها ما يشهد به ظاهر الاية ويقتضيه ولا يسوغ سواه ، ومنها
ما تقتضيه الادلة القاطعة الخارجة عن الاية ، فمن ذلك أنه تعالى أخرج إه*