بحار الأنوار ج13

تبتلعها ، وجعلت تتلمظ وتترمرم كأنها تطلب شيئا تأكل وكان تكون في عظم الثعبان
وخفة الجان ، ولى الحية ، وذلك موافق لنص القرآن حيث قال في موضع : " فإذا هي
ثعبان مبين " وقال في موضع آخر : " كأنها جان " وقال في موضع آخر : " فإذا هي حية تسعى "
قالوا : فلما ألقاها صارت شعبتاها فمها ، ومحجنها عرفا لها في ظهرها وهي تهتز لها أنياب
وهي كما شاء الله أن يكون ، فرأى موسى أمرا فظيعا فولى مدبرا ولم يعقب ، فناداه ربه
تعالى : أن يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين . قالوا : وكان على موسى جبة من
صوف فلف كمه على يده وهو لها هائب فنودي : أن احسر عن يدك ، فحصر كمه عن
يده ثم أدخل يده بين لحييها ، فلما قبض فإذا هو عصاه في يده ويده بين شعبتيها حيث كان
يضعها ، ثم قال له : " أدخل يدك في جيبك " فأدخلها ثم أخرجها فإذا هي نور تلتهب يكل
عنه البصر ، ثم ردها فخرجت كما كانت على لون يديه .
ثم قال له : " اذهب إلى فرعون إنه طغى " فقال موسى : " رب إني قتلت منهم نفسا
فأخاف أن يقتلون * وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردء‌ا يصدقني إني
أخاف أن يكذبون " قال الله تعالى : " سنشد عضدك بأخيك " الآية ، وكان على موسى يومئذ
مدرعة قد خلها بخلال وجبة من صوف ، وثياب من صوف ، وقلنسوة من صوف ، والله سبحانه
يكلمه ويعهد إليه ويقول له : يا موسى انطلق برسالتي وأنت بعيني وسمعي ، ومعك قوتي و
نصرتي ، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي ، بطر من نعمتي وآمن مكري ، وغرته الدنيا حتى
جحد حقي ، وأنكر ربوبيتى ، وزعم أنه لا يعرفني ، وعزتي وجلالي لولا الحجة والعذر
اللذان جعلتهما بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار تغضب لغضبه السماوات والارض
والبحار والجبال والشجر والدواب ، فلو أذنت للسماء لحصبته ،(1)أو للارض لابتلعته
أو للجبال لدكدكته ، أو للبحار لغرقته ، ولكن هان علي وصغر عندي ووسعه حلمي ،
وأنا الغني عنه وعن جميع خلقي ، وأنا خالق الغني والفقير ، لا غني إلا من أغنيته ، ولا
فقير إلا من أفقرته ، فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وتوحيدي والاخلاص لي ، وحذره
نقمتي وبأسي ، وذكره أيامي ، وأعلمه أنه لا يقوم لغضبي شئ وقل له فيما بين ذلك


(1)أى رمته بالحصباء .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه