ومما يدل على ذلك قوله تعالى : إنما يتقبل الله من المتقين (1)مع
أن عباة غير المتقين مجزية إجماعا ، وقوله تعالى حكاية عن إبراهيم واسماعيل :
ربنا تقبل منا (2)مع أنهما لايفعلان غير المجزي ، وقوله تعالى : فتقبل
من أحدهما ولم يتقبل من الآخر (3)مع أن كلا منهما فعل ما أمر به من
القربان ، وقوله صلى الله عليه وآله : إن من الصلاة ما يقبل نصفها وثلثها وربعها ، وإن منها
لما تلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها ، والتقريب ظاهر ، ولان
الناس لم يزالوا في ساير الاعصار والامصار يدعون الله تعالى بقبول أعمالهم بعد
الفراغ منها ، ولو اتحد القبول والاجزاء لم يحسن هذا الدعاء إلا قبل الفعل كما لا
يخفى ، فهذه وججوه خمسة تدل على انفكاك الاجزاء عن القبول .
وقد يجاب عن الاول بأن التقوى على مراتب ثلاث أولها التنزه عن الشرك
وعليه قوله تعالى : وألزمهم كلمة التقوى (4)قال المفسرون هي قول لا إله إلا الله
وثانيها التجنب عن المعاصي ، وثالثها التنزه عما يشغل عن الحق جل وعلا ولعل
المراد بالمتقين أصحاب المرتبة الاولى ، وعبادة غير المتقين بهذا المعنى غير مجزية ،
وسقوط القضاء ، لان الاسلام يجب ما قبله .
وعن الثاني بأن السؤال قد يكون للواقع ، والغرض منه بسط الكلام مع
المحبوب ، وعرض الافتقار لديه ، كما قالوه في قوله تعالى ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا
أو أخطانا (5)على بعض الوجوه .
وعن الثالث بأنه تعبير بعدم القبول عن عدم الاجزاء ، ولعله تخلل
في الفعل .
(1)المائدة : 27 .
(2)البقرة : 127 .
(3)المائدة : 27 .
(4)الفتح : 26 .
(5)البقرة : 286 .