فقرأ كل أمير وقاض كتابه على الناس ، فأخذ الناس في الروايات في فضائل
معاوية على المنبر ، في كل كورة وكل مسجد زورا ، وألقوا ذلك إلى معلمي
الكتاتيب فعلموا ذلك صبيانهم ، كما يعلمونهم القرآن ، حتى علموه بناتهم ونساءهم
وحشمهم ، فلبثوا بذلك ماشاءالله .
وكتب زياد بن أبيه إليه في حق الحضرميين أنهم على دين علي وعلى
رأيه ، فكتب إليه معاوية : اقتل كل من كان على دين علي ورأيه ، فقتلهم ومثل بهم .
وكتب معاوية إلى جميع البلدان : انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب
عليا وأهل بيته فامحوه عن الديوان .
وكتب كتابا آخر : انظروا من قبلكم من شيعة علي واتهمتهوه بحبه
فاقتلوه وإن لم تقم عليه البينة ، فقتلوهم على التهمة والظنة والشبهة ، تحت كل
حجر ، حتى لو كان الرجل تسقط منه كلمة ضربت عنقه ، وحتى كان الرجل يرمى
بالزندقة والكفر كان يكرم ويعظم ، ولا يتعرض له بمكروه ، والرجل من الشيعة
لا يأمن على نفسه في بلد من البلدان ، لا سيما الكوفة والبصرة ، حتى لو أن
أحدا منهم أراد ان يلقي سرا إلى من يثق به لاتاه في بيته ، فيخاف خادمه ومملوكه
فلا يحدثه ، إلا بعد أن يأخذ عليه الايمان المغلظة ليتكمن عليه .
ثم لا يزداد الامر إلا شدة حتى كثر وظهر أحاديثهم الكاذبة ، ونشأ عليه
الصبيان يتعلمون ذلك ، ، وكان أشد الناس في ذلك القراء المراؤن المتصنعون
الذين يظهرون الخشوع والورع ، فكذبوا وانتحلوا الاحاديث وولدوها فيحظون
بذلك عند الولاة والقضاة ، ويدنون مجالسهم ، ويصيبون بذلك الاموال والقطائع
والمنازل ، حتى صارت أحاديثهم ورواياتهم عندهم حقا وصدقا فرووها وقبلوها
وتعلموها وعلموها ، وأحبوا عليها وأبغضوا من ردها أو شك فيها .
فاجتمعت على ذلك جماعتهم وصارت في يد المتنسكين والمتدينين منهم الذين
لا يستحلون الافتعال لمثلها ، فقبلوها وهم يرون أنها حق ، ولو علموا بطلانها
وتيقنوا أنها مفتعلة لاعرضوا عن روايتها ، ولم يدينوا بها ، ولم يبغضوا من خالفها