بحار الأنوار ج57

وذهب آخرون من أهل الديانات : أن كل ما لا يعلم له : في الطبيعة مجرى ولا يوجد
له فيها قياس فله فعل إلهى يدل على توحيد الله عزوجل وحكمته وليس للمد والجزر
علة في الطبيعة البتة ولا قياس . وقال آخرون : ما هيجان ماء البحر إلا كهيجان بعض
الطبائع ، فإنك ترى صاحب الصفراء وصاحب الدم وغيرهما تهتاج طبيعته وتسكن
ولذلك مواد تمدها حالا بعد حال ، فإذا قويت هاجت ثم تسكن قليلا قليلا حتى
تعود . وذهب طائفة إلى إبطال سائر ما وصفنا من القول وزعموا أن الهواء المطل
على البحر يستحيل دائما ، فإذا استحال عظم ماء البحر وفار(1)عند ذلك ، فإذا فار فاض
وإذا فاض فهو المد ، فعند ذلك يستحيل ماؤه ويتفشى واستحال هواء فعاد(2)إلى ما كان عليه
وهو الجزر وهو دائم لا يفتر ، متصل مترادف متعاقب ، لان الماء يستحيل هواء والهواء
يستحيل ماء ، وقد يجوز أن يكون ذلك عند امتلاء القمر أكثر لان القمر إذا امتلا استحال
ماء أكثر مما كان يستحيل قبل ذلك وإنما القمر علة لكثرة المد لاللمد نفسه ، لانه
قد يكون والقمر في محاقه والمد والجزر في بحر فارس يكون على مطالع الفجر في أغلب
الاوقات . وقد ذهب أكثر من أرباب السفن ممن يقطع هذا البحر ويختلف إلى جزائره
أن المد والجزر لا يكون في معظم هذا البحر إلا مرتين في السنة ، مرة يمد في شهور
الصيف شرقا بالشمال ستة أشهر ، فإذا كان ذلك طما الماء في مشارق البحر والصين وما
ولى ذلك الصقع ، ومرة يمد في شهور الشتاء غربا بالجنوب ستة أشهر ، وإذا كان
ذلك طما الماء في مغارب البحر والجزر بالصين ، وقد يتحرك البحر بتحريك الرياح
فإن الشمس إذا كانت في الجهة الشمالية تحرك الهواء إلى الجهة الجنوبية ، فلذلك
تكون البحار في جهة الجنوب في الصيف لهبوب الشمال طامية عالية ، وتقل المياه في
جهة البحور(3)
الشمالية وكذلك إذا كانت الشمس في الجنوب وسار(4)الهواء من
الجنوب إلى جهة الشمال فسال(5)معه ماء البحرمن الجهة الجنوبية إلى الجهة الشمالية


(1)في المصدر : وفاض عند ذلك ، وإذا فاض البحر فهو المد .
(2)في المصدر : يتنفس فيستحيل هواء فيعود . .
(3)في المصدر : البحار .
(4 و 5)في المصدر : سال .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه