بحار الأنوار ج11

الوجه الثالث : أنه عليه السلام تاب والتائب مذنب ، أما أنه تائب فلقوله تعالى :
" فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " وأما أن التائب مذنب فلان التائب هو النادم
على فعل الذنب ، والنادم على فعل الذنب مخبر عن كونه فاعلا للذنب ، فإن كذب
في ذلك الاخبار فهو مذنب بالكذب ، وإن صدق فيه فهو المطلوب . وأجاب عنه السيد
رضي الله عنه : بأن التوبة عندنا وعلى اصولها غير موجبة لاسقاط العقاب ، وإنما يسقط
الله تعالى العقاب عندنا تفضلا ، والذي توجبه التوبة هو استحقاق الثوب ، فقبولها على هذا الوجه هو ضمان الثواب عليها ، فمعنى قوله : " تاب عليه " أنه ضمن ثوابها ، ولابد
لمن ذهب إلى أن معصية آدم على نبينا وآله وعليه السلام صغيرة من هذه الوجه ، لانه إذا قيل
له : كيف تقبل توبته ويغفر له ومعصيته في الاصل وقعت مكفرة لا يستحق عليها شيئا من
العقاب ؟ لم يكن له بد من الرجوع إلى ما ذكرناه ، والتوبة قد يحسن أن يقع ممن لم يعهد
من نفسه قبيحا على سبيل الانقطاع إلى الله والرجوع إليه ويكون وجه حسنها في هذا الموضع
استحقاق الثواب بها أو كونها لطفا ، كما يحسن أن يقع ممن يقطع على أنه غير مستحق
للعقاب ، وأن التوبة لا تؤثر في إسقاط شئ يستحقه من العقاب ، ولهذا جوزوا التوبة
من الصغائر وإن لم تكن مؤثرة في إسقاط ذم ولا عقاب انتهى .
ويدل على أن التوبة لا توجب إسقاط العقاب كثير من عبارات الادعية المأثورة ، ثم
إنا لو سلمنا أن التوبة مما يوجب إسقاط العقاب نحمل التوبة ههنا على المجاز لما عرفت سابقا .
الوجه الرابع : أنه تعالى سماه ظالما بقوله : " فتكونا من الظالمين " وهو سمى نفسه
ظالما في وقوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا " والظالم ملعون لقوله : " ألا لعنه الله على الظالمين "(1)

ومن استحق اللعن فهو صاحب الكبيرة .
وأجاب السيد رحمه الله : بأن معنى قولهما : " ربنا ظلمنا أنفسنا "(2)أنا نقصنا أنفسنا
وبخسناها ما كنا نستحقه من الثواب فعل ما اريد منا ، وحرمنا تلك الفائدة الجليلة من
التعظيم ، وذلك الثواب وإن لم يكن مستحقا قبل أن يفعل الطاعة التي يستحق بها فهو
في حكم المستحق ، فيجوز أن يوصف من فوته نفسه بأنه ظالم لها ، كما يوصف بذلك


(1)هود : 18 .
(2)الكهف : 33(*).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه