بحار الأنوار ج58

فقالوا : ههنا ملموسات مختلفة الاجناس متضادة الاجناسفلابد لها من قوى مدركة
مختلفة تحكم بالتضاد بينها ، فأثبتوا لكل ضد ين منها قوة واحدة هي الحاكمة بين
الحرارة والبرودة ، والحاكمة بين الرطوبة واليبوسة ، والحاكمة بين الخشونة والملاسة
والحاكمة بين اللين والصلابة . ومنهم من زاد الحاكمة بين الثقل والخفة . قالوا :
ويجوز أن يكون لهذه القوى بأسرها آلة واحدة مشتركة بينها وأن يكون هناك في
الآلات انقسام غير محسوس ، فلذا توهم اتحاد القوى .
ويرد عليه أن المدرك بالحس هو المتضاد ان كالحرارة والبرودة دون التضاد
فإنه من المعاني المدركة بالعقل أو الوهم ، وإذا جاز إدراك قوة واحدة للضدين فقد
صدر عنها اثنان . فلم لا يجوز أن يصدر عنها ما هو أكثر من ذلك ؟ وأيضا فإن الطعوم
والروائح والالوان أجناس مختلفة متضادة مع اتحاد القوى المدركة لها ، وكون
التضاد في ما بين الملموسات أكثر وأقوى لا يجدي نفعا .
واما الحواس الباطنة فهي أيضا خمس عندهم بشهادة الاستقراء :
الاول الحس المشترك ويسمى باليونانية " بنطاسيا " أي لوح النفس ، وهي
قوة مرتبة في مقدم التجويف الاول من التجاويف الثلاثة التي في الدماغ تقبل جميع
الصور المنطبعة في الحواس الظاهرة بالتأدي إليها من طريق الحواس ، فهو كحوض
ينصب فيه أنهار خمسة . واستدلوا على وجوده بوجوه :
الاول : أنا نشاهد القطرة النازلة خطا مستقيما ، والنقطة الدائرة بسرعة
خطا مستديرا ، وليس ارتسامها(1)في البصر ، إذ لا يرتسم فيه إلا المقابل وهو القطرة
والنقطة ، فإذن ارتسامها(2)إنما يكون في قوة اخرى غير البصر حصل فيها الارتسامات
المتتالية بعضها ببعض فيشاهد خطا .
الثانى : أنا نحكم ببعض المحسوسات الظاهرة على بعض ، كالحكم بأن هذا
الابيض هو هذا الحلو ، وهذا الاصفر هو هذا الحار ، وكل من الحواس الظاهرة


(1 و 2)ارتسامهما(خ).

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه