وقلقلوا ورجفوا حتى كادت تبين منه مفاصلهم وتنقض ظهورهم ، فلما رأى موسى ذلك رحمهم
وخاف عليهم الموت ، واشتد عليه فقدهم ، وكانوا وزراءه على الخير ، سامعين له مطيعين ،
فعند ذلك دعا وبكى وناشد ربه فكشف الله عنهم تلك الرجفة والرعدة ، فسكنوا واطمأنوا
وسمعوا كلام ربهم " قال " أي موسى : " رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي " أي لو شئت
أهلكت هؤلاء السبعين من قبل هذا الموقف وأهلكتني معهم ، فالآن ماذا أقول لبني إسرائيل
إذا رجعت إليهم ؟ " أتهلكنا بما فعل السفهاء منا " معناه النفي وإن كان بصورة الانكار ،
والمعنى أنك لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا ، فبهذا نسألك رفع المحنة بالاهلاك عنا ، وما
فعله السفهاء هو عبادة العجل ، ظن موسى أنهم اهلكوا لاجل عبادة بني إسرائيل العجل ،
وقيل : هو سؤال الرؤية " إن هي إلا فتنتك " أي إن الرجفة إلا اختبارك وابتلاؤك ومحنتك ،
أي تشديدك التعبد والتكليف علينا بالصبر على ما أنزلته بنا ، وقيل : المراد : إن هي إلا
عذابك " تضل بها من تشاء " أي تهلك بهذه الرجفة من تشاء " وتهدي من تشاء " أي تنجي ،
وقيل : تضل بترك الصبر على فتنتك وترك الرضى بها من تشاء عن نيل ثوابك ودخول جنتك ،
وتهدي بالرضى بها والصبر عليها من تشاء " أنت ولينا " أي ناصرنا والاولى بنا تحوطنا
وتحفظنا " في هذه الدنيا حسنة " أي نعمة ، وقيل : الثناء الجميل ، وقيل : التوفيق للاعمال
الصالحة " وفي الآخرة " أي حسنة أيضا ، وهي الرفعة والمغفرة والرحمة والجنة " فسأكتبها "
أي فساوجب رحمتي ، وهذه بشارة ببعثة نبينا صلى الله عليه وآله(1)
" وإذ نتقنا الجبل " أي قلعناه من أصله فرفعناه فوق بني إسرائيل ، وكان عسكر موسى
فرسخا في فرسخ فرفع الله الجبل فوق جميعهم " كأنه ظلة " أي غمامة أو سقيفة " وظنوا
أنه واقع بهم " أي علموا أو الظن بمعناه " خذوا " أي وقلنا لهم : خذوا .(2)
" وواعدناكم جانب الطور الايمن " هو أن الله وعد موسى بعد أن أغرق فرعون
ليأتي جانب الطور الايمن فيؤتيه التوراة " ولا تطغوا فيه " أي ولا تتعدوا فيه فتأكلوه
(1)مجمع البيان 4 : 484 و 485 و 486 وفيه : فساوجب رحمتى للذين يتقون الشرك اى
يجتنبونه ، وقيل يجتنبون الكبائر والمعاصى . وقوله : هذه بشارة اه لم نجده في المصدر . م
(2)مجمع البيان 4 : 496 .(*)