فقال له آخر : فأنا له ، قال : من أين تأتيه ؟ قال : من ناحية الشراب واللذات ، قال :
لست له ، ليس هذا بهذا ، قال آخر : فأنا له ، قال : من أين تأتيه ؟ قال : من ناحية البر
قال : انطلق فأنت صاحبه ، فانطلق إلى موضع الرجل فأقام حذاءه يصلي ، قال : وكان الرجل
ينام والشيطان لا ينام ، ويستريح والشيطان لايستريح ، فتحول إليه الرجل وقد تقاصرت
إليه نفسه واستصغر عمله .
فقال : ياعبدالله بأي شئ قويت على هذه الصلاة ؟ فلم يجبه ، ثم أعاد عليه فلم يجبه
ثم أعاد عليه فقال : يا عبدالله إني أذنبت ذنبا وأنا تائب منه ، فإذا ذكرت الذنب قويت
على الصلاة ، قال : فأخبرني بذنبك حتى أعمله وأتوب فإذا فعلته قويت على الصلاة ،
قال : ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فأعطها درهمين ونل منها ، قال : ومن أين لي
درهمين ؟ ماأدري ما الدرهمين ،(1)فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين فناوله إياهما .
فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية ، فأرشده الناس ، وظنوا
أنه جاء يعظها ، فأرشدوه فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين وقال : قومي ، فقامت فدخلت
منزلها وقالت : ادخل ، وقالت : إنك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها ، فأخبرني
بخبرك ، فأخبرها ، فقالت له : يا عبدالله إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة ، وليس
كل من طلب التوبة وجدها ، وإنما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثل لك ، فانصرف
فإنك لاترى شيئا ، فانصرف ، وماتت من ليلتها ، فأصبحت فإذا على بابها مكتوب : احضروا
فلانة فإنها من أهل الجنة ، فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا لا يدفنونها ارتيابا في أمرها ،
فأوحى الله عزوجل إلى نبي من الانبياء لا أعلمه إلا موسى بن عمران عليه السلام : أن ائت
فلانة فصل عليها ، ومر الناس أن يصلوا عليها ، فإني قد غفرت لها ، وأوجبت لها الجنة
بتثبيطها(2)عبدي فلانا عن معصيتي .(3)
ايضاح :(فنخر إبليس)أي مد الصوت في خياشيمه . وقوله :(تقاصرت إليه نفسه)
أي ظهر له التقصير من نفسه يقال : تقاصر أي أظهر القصر . والجلباب القميص . وثوب
(1)كذا في النسخ والمصدر ، والصواب : الدرهمان .
(2)ثبطه عن الامر : عوقه وشغله عنه .
(3)روضة الكافي : 384 و 385 .