" وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى " قال الله تعالى : " تلك أمانيهم
قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " ؟ فجعل علم الصدق الاتيان بالبرهان ، وهل يؤتى
بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن ؟ قيل : يا ابن رسول الله فما الجدال بالتي
هي أحسن والتي ليست بأحسن ؟ .
قال : أما الجدال الذي بغير التي هي أحسن فأن تجادل مبطلا فيورد عليك
باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله ، ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك
المبطل أن يعين به باطله ، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة ، لانك لا تدري كيف المخلص منه ، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء
إخوانهم وعلى المبطلين ، أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته
وضعف ما(من خ ل)في يده حجة له على باطله ، وأما الضعفاء منكم فتعمى قلوبهم(1)
لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل .
وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من
جحد البعث بعد الموت وإحياءه له ، فقال الله تعالى حاكيا عنه : " وضرب لنا مثلا و
نسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم " فقال الله تعالى في الرد عليه : " قل " يا محمد
" يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من الشجر
الاخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال :
كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم ؟ فقال الله : " قل يحييها الذي أنشأها أول
مرة " أفيعجز من ابتدأ به لا من شئ أن يعيده بعد أن يبلى ؟ بل ابتداؤه أصعب عندكم
من إعادته ، ثم قال : " الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا " أي إذا كان قد كمن
النار(2)الحارة في الشجر الاخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة من
بلي أقدر ، ثم قال : " أوليس الذي خلق السموات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم
بلى وهو الخلاق العليم " أي إذا كان خلق السموات والارض أعظم وأبعد في أوهامكم
(1)في المصدر وكذا في الاحتجاج : إذا تعاطى مجادلتهم وضعف ما في يده حجة له على باطلهم
وأما الضعفاء فتغم قلوبهم .
(2)كمن الشئ : أخفاه .