بحار الأنوار ج47

صباح ولا مساء ، ولله في مالي حق أمرني أضعه موضعا إلا وضعته ، قال : وأتاه
قوم ممن يظهرون التزهد ويدعون الناس أن يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه
من التقشف فقالوا له : إن صاحبنا حصر عن كلامك ، ولم يحضره حججه فقال لهم :
فهاتوا حججكم ! فقالوا له : إن حججنا من كتاب الله فقال لهم فأدلوا بها فإنها
أحق ما اتبع وعمل به .
فقالوا : يقول الله تبارك وتعالى ، مخبرآ عن قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله :
(ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون)(1)
فمدح فعلهم .
وقال في موضع آخر(ويطعمون الطعام على جبه مسكينا ويتيما وأسيرا)(2)
فنحن نكتفي بهذا ، فقال رجل من الجلساء : إنا رأينا كم تزهدون في الاطعمة الطيبة
ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تمتعوا أنتم منها ، فقال له
أبوعبدالله عليه السلام : دعوا عنكم ما لانتفع به ، أخبروني أيها النفرأ لكم علم بناسخ
القرآن من منسوخه ، ومحكمه من متشابهه الذي في مثله ضل من ضل ، وهلك من
هلك من هذه الامة ؟ فقالوا له : أو بعضه ، فأما كله فلا ، فقال لهم : فمن ههنا اتيتم
وكذلك أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأما ما ذكرتم من إخبار الله عزوجل إيانا
في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم ، فقد كان مباحا جائزا ، ولم
يكونوا نهوا عنه ، وثوابهم منه على الله عزوجل ، وذلك أن الله جل وتقدس
أمر بخلاف ما عملوا به ، فصار أمره ناسخا لفعلهم ، وكان نهي الله تبارك وتعالى
رحمة منه للمؤمنين ونظرا ، لكي لا يضروا بأنفسهم وعيالاتهم ، منهم الضعفة
الصغار ، والولدان ، والشيخ الفاني ، والعجوزة الكبيرة ، الذين لا يصبرون على
الجوع ، فان تصدقت برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا جوعا ، فمن ثم
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خمس تمرات أو خمس قرص ، أو دنانير أو درهم يملكها الانسان


(1)سورة الحشر الاية : 9 .
(2)سورة الدهر الاية : 8 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه