الاولى " قلت : جعلت فداك يا أبا جعفر وهل يتكلم القرآن ؟ فتبسم ثم قال : رحم الله
الضعفاء من شيعتنا إنهم أهل تسليم ، ثم قال : نعم يا سعد والصلاة تتكلم ولها صورة
وخلق تأمر وتنهى ،(1)قال سعد : فتغير لذلك لوني وقلت : هذا شئ لا أستطيع أتكلم
به في الناس ! فقال أبوجعفر عليه السلام : وهل الناس إلا شيعتنا ؟ فمن لم يعرف بالصلاة فقد
أنكر حقنا ، ثم قال : يا سعد اسمعك كلام القرآن ؟ قال سعد : فقلت : بلى صلى الله
عليك ، فقال : " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر " فالنهي كلام ،
والفحشاء والمنكر رجال ، ونحن ذكر الله ونحن أكبر . " ج 2 ص 596 - 598 "
* بيان : قوله عليه السلام : إن هذا الرجل من المسلين لما توجه إلى صفهم ظنوا
أنه منهم ، وأما قولهم : نعرفه بنعته وصفته فيحتمل وجوها : الاول أن يكون يأتيهم بصورة
من يعرفونه من حملة القرآن ، الثاني أن يكون المراد أنا إنما نعرف أنه من المسلمين
لكون نعته وصفته شبيهة بهم ، ولعل زيادة نوره لقراءته القرآن أكثر من سائر المسلمين ،
(1)ولعل صورة الصلاة هى الملكة الحاصلة للنفس بعد مزاولتها واتيانها بحدودها وشرائطها ،
وهذه الملكة تستلزم صفاتا من الخضوع والخشوع لله والخوف منه تعالى ، وهذه الصفات خلقها
التى تستلزم اتيان الطاعات ومزاولة الحسنات ، واجتناب المعاصى والسيئات ، فالصلاة أدعى
الدواعى إلى الطاعات ، وأقوى الصوارف عن المقبحات ، ولاستلزامه ذلك كأنها تأمر وتنهى
وتتكلم .
(*)قوله عليه السلام في اول الخبر : القرآن يأتى يوم القيامة في أحسن صورة لعله اشارة إلى أن القرآن
بما هو المثل العليا للفضائل والكمالات ولاصول الخير وقوانين السعادات ، به يتدرج العامل مدارج
الكمالات ويفوز نعيم الاخرة يتمثل في القيامة بصورة جامعة لتلك الكمالات التى يدعو الانسان اليها ،
ويتشكل بما يمكن أن يحصل من الصفات للانسان من العمل بها ، فلجامعيته لتلك الخلق والصفات ما يمر بصف
من صفوف أهل الخير والصلاح الا أنهم يرون فيه صفة مشابهة لاوصافهم مع زيادة فيظن القراء و
الشهداء والنبيون والملائكة أنه منهم وأنه أفضلهم . وأما تمثله بصورة رجل شاحب متغير فلعله تمثل
بصورة قاريه وعامليه في الدنيا كما يوعز اليه قوله : أنا الذى أسهرت ليلك ، وأنصبت عيشك اه .
ومغزى ذلك أن رئاضة النفس في الدنيا بالاسهار والجوع وردع النفس عن الشهوات والزامها
بالطاعات والقربات وغيرها من قوانين القرآن تخلف سعادة باقية خالدة ، وتستلزم حصول كمالات
وفضائل شوهدت في صورته الاولى .(*)