بحار الأنوار ج55

بالكرسي والعرش هنا نوعان من علمه سبحانه ، فالكرسي العلم المتعلق بأعيان
الموجودات ، ومنه يطلع ويظهر جميع الموجودات بحقائقها وأعيانها ، والامور
البديعة في السماوات والارض وما بينهما ، والعرش العلم المتعلق بكيفيات الاشياء
ومقاديرها وأحوالها وبدئها وعودها ، ويمكن أن يكون أحدهما عبارة عن كتاب
المحو والاثبات ، والآخر عن الحوح المحفوظ . قوله عليه السلام(لان علم الكيفوفية)
أي إنهما إنما صارا جارين مقرونين لان أحدهما عبارة عن العلم المتعلق بالاعيان
والآخر عن العلم المتعلق بكيفيات تلك الاعيان فهما مقرونان ، ومن تلك الجهة
صح جع كل منها ظرفا للآخر ، لان الاعيان لما كانت محال للكيفيات فهي
ظروفها وأوسع منها ، ولما كانت الكيفيات محيطة بالاعيان فكأنها ظرفها وأوسع منها
وبهذا الوجه يمكن الجمع بين الاخبار ولعله اشير إلى هذا بقوله(أحدهما جعل صاحبه
في الظرف)بالظاء المعجمة أي بحسب الظرفية ، وفي بعض النسخ بالمهملة أي حيث
ينتهي طرف أحدهما بصاحبه إذا قرئ بالتحريك ، وإذا قرئ بالسكون فالمراد
نظر القلب .(وبمثل صرف العلماء)أي علماء أهل البيت عليهم السلام عبروا عن هذه
الامور بالعبارات المتصرفة المتنوعة على سبيل التمثيل والتشبيه ، فتارة عبروا عن
العلم بالعرش ، وتارة بالكرسي ، وتارة جعلوا العرش وعاء الكرسي ، وتارة
بالعكس ، وتارة أرادوا بالعرش والكرسي الجسمين العظيمين ، وإنما عبروا
بالتمثيل ليستدلوا على صدق دعواهما ، أي دعواهم لهما ، وما ينسبون إليهما و
يبينون من غرائبهما وأسرارهما ، وفي أكثر النسخ(وليستدلوا)فهو عطف على
مقدر أي لتفهيم أصناف الخلق وليستدلوا ، ولعل الاظهر(دعواهم).
قوله عليه السلام(فمن اختلاف صفات العرش)أي معانيه قال في سورة الانبياء
(فسبحان الله رب العرش عما يصفون)فالمراد بالعرش هنا عرش الوحدانية ، إذ
هي أنسب بمقام التنزيه عن الشريك ، إذا المذكور قبل ذلك(أم اتخذوا آلهة من
الارض هم ينشرون * لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما
يصفون ، وقال سبحانه في سورة الزخرف(قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه