ذلك ينشق أعلاها وأسفلها ، فيخرج من الشق الاعلى الشجرة الصاعدة ، ومن الشق
الاسفل العروق الغائصة في أسفل الارض . وهذا من العجائب(1)ان طبيعة تلك الحبة
واحدة وتأثير الطبائع والا فلاك والكواكب فيها واحد ، ثم إنه خرج من الجانب
الا على من تلك الحبة جرم صاعد إلى الهواء ، ومن الجانب الاسفل منه جرم غائص
في الارض ، ومن المحال أن يتولد من الطبيعة الواحدة طبيعتان متضاد تان ، فعلمنا أن
ذلك كان سبب تدبير المدبر الحكيم والمقدر القديم لابسبب الطبع والخاصية .
ثم إن الشجرة النابتة في تلك الحبة بعضها يكون خشبة ، وبعضها نورا ، وبعضها
ثمرة . ثم إن تلك الثمرة أيضا تحصل فيها أجسام مختلفة الطبائع ، فالجوز له أربعة
أنواع من القشور : القشر الاعلى ، وتحته القشرة الخشبية ، وتحته القشرة المحيطة
باللب ، وتحت تلك القشرة اخرى في غاية الرقة تمتاز عما فوقها حال كون
الجوز واللوز رطبا . وأيضا فقد تحصل في الثمرة الواحدة الطبائع المختلفة ، فالا ترج
قشرة حار يابس ، ولحمه حار رطب ، وحماضه بارد يابس ، وبذره حار يابس ، وكذلك
العنب قشره وعجمه باردان يابسان ، ولحمه وماؤه حار رطب(2)، فتولد هذه الطبائع
المختلفة من الحبة الواحدة مع تساوي تأثيرات الطبائع وتأثيرات الانجم والافلاك
لابد وأن يكون لاجل الحكيم القديم(3).
والمراد بزوجين اثنين صنفين اثنين ، والاختلاف إما من حيث الطعم كالحوو
الحامض ، أو الطبيعة كالحار والبارد ، أو اللون كالا بيض والاسود . وفائدة قوله
" اثنين " بيان أن كل نوع حصل من فردين كالا نسان من آدم وحواء ، وهكذا
إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون " إنما قال ذلك لان الفلاسفة يسندون
الحوادث إلى اختلافات الاشكال الكوكبية ، فما لم تقم الدلالة على دفع هذا السؤال
لايتم المقصود ، ودفعه بوجهين : الاول أنه إن سلمنا جوار ذلك فلا بد من استناد
(1)فيه : لان .
(2)في المصدر : حاران رطبان .
(3)فيه : لاجل تدبير الحكيم القادر القديم .