قد أيس من عبادته ، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير
وإنك لعلى خير . ولقد كنت معه صلى الله عليه وآله لما أتاه الملا من قريش فقالوا له : يا محمد إنك قد
ادعيت عظيما لم يدعه آباؤك ولا أحد من بيتك ، ونحن نسألك أمرا إن أجبتنا إليه و
أريتناه علمنا أنك نبي ورسول ، وإن لم تفعل علمنا أنك ساحر كذاب ، فقال صلى الله عليه وآله
لهم : وما تسألون ؟ قالوا : تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك .
فقال صلى الله عليه وآله : إن الله على كل شئ قدير وإن فعل الله ذلك لكم(1)أتؤمنون وتشهدون
بالحق ؟ قالوا : نعم . قال : فإني ساريكم ما تطلبون وإني لاعلم أنكم لا تفيؤون إلى
خير ، وإن فيكم من يطرح في القليب(2)ومن يحزب الاحزاب ، ثم قال صلى الله عليه وآله : يا أيتها
الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر وتعلمين أني رسول الله فانقلعي بعروقك حتى
تقفي بين يدي بإذن الله ، فو الذي بعثه بالحق لا نقلعت بعروقها وجاءت ولها دوي شديد
وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله مرفرفة ، وألقت بغصنها الاعلى على
رسول الله صلى الله عليه وآله وببعض أغصانها على منكبي وكنت عن يمينه ، فلما نظر القوم إلى ذلك
قالوا علوا واستكبارا : فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها ، فأمرها بذلك فأقبل إليه نصفها
كأعجب إقبال وأشده دويا ، فكارت تلتف برسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالوا كفرا وعتوا : فمر
هذا النصف فليرجع إلى نصفه كما كان ، فأمره فرجع : فقلت أنا : لا إله إلا الله إني أول
مؤمن بك يا رسول الله وأول من أقر بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تعالى تصديقا
لنبوتك وإجلالا لكلمتك ، فقال القوم كلهم : بل ساحر كذاب عجيب السحر خفيف
فيه ، وهل يصدقك في أمرك إلا مثل هذا ؟ يعنونني .
وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم ، سيماهم سيماء الصديقين وكلامهم كلام
الابرار ، عمار الليل ومنهار النهار ، متمسكون بحبل القرآن ، يحيون سنن الله وسنن
رسوله ، لا يستكبرون ولا يعلون ولا يغلون(3)ولا يفسدون ، قلوبهم في الجنان وأجسادهم
(1)في المصدر : فان فعل الله لكم ذلك .
(2)القليب : البئر ، والمراد منه قليب بدر طرح فيه نيف وعشرون من أكابر قريش .
(3)يمكن أن يقرأ بتشديد اللام من(غل بغل)أى لا يخونون ، ويمكن أن يقرأ بتخفيفها
من(غلا يغلو).