بحار الأنوار ج18

الانبياء واحدا بعد واحد ، وأن عرج به إلى السماء ، وغير ذلك من العجائب التي أخبر بها
الناس " إنه هو السميع " لاقوال من صدق بذلك أو كذب " البصير " بما فعل من الاسراء
والمعراج انتهى(1).
وقال الرازي في تفسيره : اختلف المسلمون في كيفية ذلك الاسراء ، فالاكثرون
من طوائف المسلمين اتفقوا على أنه اسري بجسد رسول الله صلى الله عليه وآله ، والاقلون قالوا : إنه
ما اسري إلا بروحه .
حكى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن حذيفة أنه قال : كان ذلك رؤيا(2)،
وأنه ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإنما اسري بروحه ، وحكى هذا القول أيضا عن
عائشة وعن معاوية ، واعلم أن الكلام في هذا الباب يقع في مقامين :
أحدهما : في إثبات الجواز العقلي ، والثاني في الوقوع .
أما الاول فنقول : الحركة الواقعة في السرعة إلى هذا الحد ممكنة في نفسها ،
والله تعالى قادر على جميع الممكنات ، فنفتقر إلى مقدمتين :
أما الاولى فبوجوه :
الاول : أن الفلك الاعظم يتحرك من أول الليل إلى آخره ما يقرب من نصف
الدور ، وقد ثبت في الهندسة أن نسبة القطر إلى الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة وسبع ، فليزم
أن تكون نسبة نصف القطر إلى نصف الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة وسبع ، وبتقدير أن يقال : إن
رسول الله صلى الله عليه وآله ارتفع من مكة إلى ما فوق الفلك الاعظم فهو لم يتحرك إلا مقدار نصف


(1)مجمع البيان 6 : 395 و 396 .
(2)لا يناسب ذلك قوله : " سبحان " الذى هو في مقام تعظيم الامر واكباره ، أو في مقام التعجيب
ولا قوله : " أسرى " لانه حقيقة في التسيير بالليل ، ولا قوله : " بعبده " لانه حقيقة في الروح
والجسم ولا قوله : " لنريه " مع أنه لو كان ذلك في النوم لكان يمكن لكل أحد ، فلا معنى للتعظيم أو
الاعجاب ، والايات الواردة في سورة النجم صريحة أيضا في أنه رأى جبرئيل عند سدرة المنتهى حين
عرج به إلى السماء قال الله تعالى : ولقد رآه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى
إذ يغشى السدرة ما يغشى مازاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى " وفى قوله :
" ما زاغ البصر وما طغى " تصريح بأن ذلك لم يكن في النوم ، بل كان في الشهود حقيقة ، وما مال
بصره ولا تجاوز . بل رآه رؤية صحيحة حقيقية .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه