بحار الأنوار ج12

يسيل دمه ودماغه وأخبره بذلك ، وقال : يا أيوب لو رأيت بنيك كيف عذبوا وكيف
قلبوا ؟ فكانوا منكسين على رؤوسهم يسيل دماؤهم ودماغهم من أنوفهم وأشفارهم وأجوافهم(1)
ولو رأيت كيف شقت بطونهم فتناثرت أمعاؤهم لتقطع قلبك ، فلم يزل يقول هذا ونحوه
ويرققه حتى رق أيوب عليه السلام فبكى وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه ، فاغتنم
إبليس ذلك فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به ، ثم لم يلبث أيوب أن
فاء(2)وأبصر فاستغفر(3)وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبته ، فبدروا إبليس إلى الله تعالى
- وهو أعلم - فوقف(4)إبليس خاسئا ذليلا فقال : يا إلهي إنما هون على أيوب خطر المال
والولد أنه يرى أنك ما متعته بنفسه فأنت تعيد له المال والولد ، فهل أنت مسلطي على
جسده فإني لك زعيم لئن ابتليته في جسده لينسينك وليكفرن بك وليجحدن نعمتك ،
فقال الله عزوجل : انطلق فقد سلطتك على جسده ، ولكن ليس لك سلطان على لسانه
ولا على قلبه ولا على عقله ، وكان الله هو أعلم به لم يسلطه عليه إلا رحمة ليعظم له الثواب
وجعله عبرة للصابرين ،(5)وذكرى للعابدين ، في كل بلاء نزل ليأنسوا به(6)بالصبر ورجاء
الثواب .
فانقض عدو الله تعالى سريعا فوجد أيوب عليه السلام ساجدا فعجل قبل أن يرفع رأسه
فأتاه من قبل الارض في موضع وجهه ، فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده ، فرهل(7)
وخرج به من فرقة إلى قدمه ثآليل مثل أليات الغنم ، ووقعت فيه حكة لا يملكها ، فحك
بأظفاره حتى سقطت كلها ، ثم حكها بالمسوح(8)الخشنة حتى قطعها ، ثم حكها بالفخار


(1)في المصدر : وكيف قلب بهم القصر ، وكيف نكسوا على رؤوسهم تسيل دماؤهم وأدمغتهم
من انوفهم وشفاهم .
(2)أى رجع وتاب .
(3)في المصدر : فاستغفر وشكر .
(4)في المصدر : فبادروا ابليس وسبقوه إلى الله والله أعلم بما كان ، فوقف اه‍ .
(5)في المصدر : يجعله عبرة للصابرين .
(6)هكذا في الكتاب ، والصحيح كما في المصدر : ليتأسوا به .
(7)في الصحاح : رهل لحمه أى اضطرب واسترخى . وفى المصدر : ذهل وهو مصحف .
(8)المسح : الكساء من شعر .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه