بحار الأنوار ج75

الدنيا لنفسك ثمنا ، ومما لك عندالله عوضا .
ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الاخرة ولا يطلب الاخرة بعمل الدنيا ، قد
طأمن من شخصه ، وقارب من خطوه ، وشمر من ثوبه(1)وزخرف من نفسه الامانة
واتخذ سر الله تعالى ذريعة إلى المعصية .
ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه(2)وانقطاع سببه ، فقصرته
الحال على حاله ، فتحلى باسم القناعة ، وتزين بلباس أهل الزهادة ، وليس من
ذلك في مراح ، ولا مغدى(3)
وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع ، وأراق دموعهم خوف المحشر ، فهم
بين شريد ناء ، وخائف مقموع ، وساكت مكعوم(4)وداع مخلص ، وثكلان موجع
قد أخملتهم التقية ، وشملتهم الذلة فهم في بحر اجاج ، أفواههم خامرة(5)وقلوبهم
قرحة ، قد وعظوا حتى ملوا ، وقهروا حتى ذلوا ، وقتلوا حتى قلوا ، فلتكن
الدنيا عندكم أصغر من حثالة القرظ ، وقراضة الجلم(6).
واتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم ، وارفضوها ذميمة
فانها رفضت من كان أشغف بها منكم ، فياما أغر خداعها مرضعة ، وياما أضر نكالها
فاطمة .
55 - وقد نقل عنه عليه السلام أنه قال وقد اجتمع حوله خلق كثير : اتقوا الله فما


(1)طأمن مقلوب طمأن أى سكن ، وطأمن منه أى سكنه ، وشمر ثوبه أى رفعه عن
ساقيه للتنزه والحتراز من النجاسة والقذارة .
(2)الضؤولة - بالضم - : الحقارة . ورجل ضئيل أى ضعيف نحيف .
(3)المراح موضع يروح القوم منه أواليه . والمغدى اسم مكان من الغدو .
(4)المقموع : المقهور . والمكعوم : الملحم .
(5)خمر - كضرب ونصر - : سكت ولم يتكلم .
(6)الحثالة - بالضم - ما يسقط من قشر الشعير والارز . والقرظ - بالتحريك - ورق
السلم يدبغ به الاديم . وقراضة الجلم يعنى ريزه دم قيچى .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه