بحار الأنوار ج62

وقد عرفت ما ورد في الاخبار من تفسير هما ، والاضطرار يحصل بخوف التلف ، وهل
يشترط فيه الظن أو يكفى مجرد الخوف ؟ فيه إشكال ، وألحق الاكثر بخوف التلف
خوف المرض الذي ليس بيسير وكذا زيادته أو طوله ، وكذا خوف العجز بترك التناول
عن المشي الضروري أو مصاحبة الرفقة الضرورية حيث يخاف بالتخلف عنهم على نفسه
أو عرضه وكذا الخوف على من معه ، وربما يلحق بها الخوف على تلف المال على بعض
الوجوه لحصول معنى الاضطرار في هذه الصورة وقال الشيخ في النهاية : لا يجوز أن
يأكل الميتة إلا إذا خاف تلف النفس ، فان خاف ذلك أكل ما يمسك به الرمق ولا يمثلي
منه ، ووافقه جماعة من الاصحاب ، ولا يجب الامتناع إلى أن يشرف على الموت فان
التناول حينئذ لا ينفع ، ولا يختص جواز تناول المحرم في حال الاضطرار بنوع منه ،
لكن بعض المحرمات مقدم على بعض كما سيأتي ، ولا ريب ولا خلاف في أن المضطر
يجوز له أن يتناول قدر سد الرمق يعنى ما يحفظ نفسه عن الهلاك ، ولا يجوز له أن
يزيد على الشبع اتفاقا ، وهل يجوز له أن يزيد عن سد الرمق إلى الشبع ؟ ظاهر
الاكثر العدم ، وهو حسن إن اندفعت به الحاجة ، أما لو دعت الضرورة إلى الشبع
كما لو كان في بادية وخاف أن لا يقوى على قطعها لولم يشبع أو احتاج إلى المشي أو
العدو وتوقف على الشبع جاز تناول ما دعت الضرورة إليه ، ويجوز التزود منه إذا
خاف عدم الوصول إلى الحلال ، ثم هل التناول في موضع الضرورة على وجه الوجوب
أو على سبيل الرخصة فله التنزه عنه ؟ الاقرب الاول لان تركه يوجب إعانته على نفسه وقد
نهي عنه في الكتاب والسنة(1)، وإذا تمكن المضطر من أخذ مال الغير فان كان الغير
محتاجا مثله فلا يجوز الاخذ عنه ظلما ، وهو أحد معاني الباغي كما سبق ويحتمل
عدم جواز الاخذ عنه مطلقا لانه يوجب هلاكه فهو كاهلاك الغير لابقاء نفسه ، والاقرب
أنه لا يجوز إيثار الغير إذا كان ذلك موجبا لهلاك نفسه لقوله تعالى :(ولا تلقوا)(2)الآية .


(1)اوردنا ما يدل على ذلك عن الفقيه قبل ذلك .
(2)البقرة : 195 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه