بحار الأنوار ج12

ثم دعا دهقان(1)الاسكندرية فقال له : اعمر مسجدي ، وعز عني امي ، فلما
رأى الدهقان جزع امه وطول بكائها احتال ليعزيها بما أصاب الناس قبلها وبعدها من
المصائب والبلاء ، فصنع عيدا عظيما ثم أذن مؤذنه : أيها الناس إن الدهقان يؤذنكم
أن تحضروا يوم كذا وكذا ، فلما كان ذلك اليوم أذن مؤذنه : اسرعوا(2)واحذروا أن
يحضر هذا العيد إلا رجل قد عرى من البلاء والمصائب ، فاحتبس الناس كلهم وقالوا : ليس
فينا أحد عرى من البلاء والمصائب ، مامنا أحد إلا وقد اصيب ببلاء أو بموت حميم ، فسمعت
أم ذي القرنين فأعجبها ولم تدر ما أراد الدهقان .
ثم إن الدهقان بعث مناديا ينادى فقال : أيها الناس إن الدهقان قد أمركم أن
تحضروا يوم كذا وكذا ولا يحضر إلا رجل قد ابتلي واصيب وفجع ولا يحضره أحد عرى
من البلاء ، فإنه لا خير فيمن لايصيبه البلاء ، فلما فعل ذلك قال الناس : هذا رجل قد
بخل(3)ثم ندم واستحيى فتدارك أمره ومحا عيبه ، فلما اجتمعوا خطبهم ثم قال ؟ إني
لم أجمعكم لما دعوتكم له ، ولكني جمعتكم لاكلمكم في ذي القرنين وفيما فجعنا به من فقده
وفراقه ، فاذكروا آدم إن الله عزوجل خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ،
وأسكنه جنته وأكرمه بكرامة لم يكرم بها أحدا ثم ابتلاه بأعظم بلية كانت في الدنيا و
ذلك الخروج من الجنة ، وهي المصيبة التي لاجبر لها ، ثم ابتلي إبراهيم من بعده بالحريق ،
وابتلى ابنه بالذبح ، ويعقوب بالحزن والبكاء ، ويوسف بالرق ، وأيوب بالسقم ، ويحيى
بالذبح ، وزكريا بالقتل ، وعيسى بالاسر ، وخلقا من خلق الله كثيرا لا يحصيهم إلا
الله عزوجل .
فلما فرغ من هذا الكلام قال لهم : انطلقوا وعزوا ام الاسكندروس لننظر كيف
صبرها ، فإنها أعظم مصيبه في ابنها ، فلما دخلوا عليها قالوالها : هل حضرت الجمع اليوم ؟
وسمعت الكلام ؟ قالت لهم : ما غاب(4)عني من أمركم شئ ، ولاسقط عني من كلامكم
شئ ، وما كان فيكم أحد أعظم مصيبة بالاسكندروس مني ، ولقد صبرني الله وأرضاني وربط(1)الدهقان : رئيس اقليم .
(2)في المصدر : احضروا واسرعوا اه‍ . م
(3)في المصدر : قد كان بخل . م
(4)في المصدر : ما خفى عنى . م(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه