باطل لان قوله : " فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك " يدل
على أن ذلك الابن لما قدر على السعي ووصل إلى حد القدرة على الفعل أمر الله تعالى
إبراهيم بذبحه ، وهذه تنافي وقوع هذه القصة في زمان آخر ، فثبت أنه لا يجوز أن يكون
الذبيح هو إسحاق .
الحجة الخامسة : حكى الله تعالى عنه أنه قال : " إني ذاهب إلى ربي سيهدين " ثم
طلب من الله تعالى ولدا ليستأنس به في غربته قال : " رب هب لي من الصالحين " وهذا السؤال
إنما يحسن قبل أن يحصل له الولد ، لانه لوحصل له ولد واحد لما طلب الولد الواحد لان
طلب الحاصل محال ، وقوله : " هب لي من الصالحين " لا يفيد إلا طلب الواحد ، وكلمة من
للتبعيض ، وأقل درجات البعضية الواحد ، فكان قوله : " من الصالحين " لا يفيد إلا طلب
الولد الواحد ، فثبت أن هذا السؤال لا يحسن إلا عند عدم كل الاولاد فثبت أن هذا السؤال
وقع حال طلب الولد الاول ، وأجمع الناس على أن إسماعيل متقدم في الوجود على إسحاق
فثبت أن المطلوب بهذا الدعاء هو إسماعيل . ثم إن الله تعالى ذكر عقيبه قصة الذبح ،
فوجب أن يكون الذبيح هو إسماعيل .
الحجة السادسة : الاخبار كثيرة في تعليق قرني الكبش بالكعبة وكان الذبح بمكة
ولو كان الذبيح إسحاق لكان الذبح بالشام .
واحتج من قال بأنه إسحاق بأن أول الآية وآخرها يدل على ذلك ، أما أولها
فإنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام قبل هذه الآية أنه قال : " إني ذاهب إلى ربي
سيهدين " وأجمعوا على أن المراد مهاجرته إلى الشام ، ثم قال : " فبشرناه بغلام حليم "
فوجب أن يكون هذا الغلام الحليم قد حصل له في الشام ، وذلك الغلام ليس إلا إسحاق ،
ثم قال بعده : " فلما بلغ معه السعي " هو ذلك الغلام الذي حصل في الشام ، فثبت أن مقدمة
هذه الآية تدل على أن الذبيح هو إسحاق ; وأما مؤخرة الآية فهي أيضا تدل على ذلك
لانه تعالى لما تمم قصة الذبيح قال بعده : " وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين " و
معناه أنه بشره بكونه نبيا من الصالحين ، وذكر هذه البشارة عند حكاية تلك القصة
يدل على أنه تعالى إنما بشره بهذه النبوة لاجل أنه تحمل الشدائد في قصة الذبح