بحار الأنوار ج56

مركب من كل تلك الالوان .
وثالثها أن النفس إذا كانت مشغولة بشئ فربما حضر عند الحس شئ آخر
فلا يشعر الحس به البتة ، كما أن الانسان عند دخوله على السلطان قد يلقاه
إنسان(1)ويتكلم معه فلا يعرفه ولا يفهم كلامه ، لما أن قلبه مشغول بشئ آخر
وكذا الناظر في المرآة فإنه ربما قصد أن يرى قذاة في عينه فيراها ولا يرى ما
هو أكثر(2)منها إن كان بوجهه أثر أو بجبهته أو بسائر أعضائه التي تقابل المرآة
وربما قصد أن يرى سطح المرآة هل هو مستوأم لا فلا يرى شيئا مما في المرآة إذا
عرفت هذه المقدمات سهل عند ذلك تصور كيفية هذا النوع من السحر ، وذلك
لان المشعبذ الحاذق يظهر عمل شئ يشغل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه
حتى إذا استفز عنهم(3)الشغل بذلك الشئ والتحديق نحوه عمل شيئا آخر عملا
بسرعة شديدة ، فيبقى ذلك العمل خفيا لتعلمون(4)الشيئين أحدهما اشتغالهم بالامر
الاول ، والثاني سرعة الاتيان بهذا العمل الثانى ، وحينئذ يظهر لهم شئ آخر
غير ما انتظروه ، فيتعجبون منه جدا ، ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر
إلى ضد ما يريد أن يعمل ولم تتحرك النفوس والاوهام إلى غير ما يريد إخراجه
لفطن الناظرون لكل ما يفعله . فهذا هو المراد من قولهم إن المشعبذ يأخذ بالعيون
لانه بالحقيقة يأخذ بالعيون إلى غير الجهة التي يحتال ، وكلما كان أخذه للعيون
والخواطر وجذبه لها إلى سواء(5)مقصوده أقوى كان أحذق في عمله ، وكلما كانت
الاحوال التي تفيد حس البصر نوعا من أنواع الخلل أشد كان هذا العمل أحسن
مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضئ جدا ، فإن الضوء الشديد يفيد البصر كلالا


(1)في الصمدر : انسان آخر .
(2)< < : اكبر منها .
(3)< < : اذا استغرقهم .
(4)< < : لتفاوت .
(5)< < : سوى .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه