له قال : فكيف أتولى من لم أره ولم أعرفه وذهب مغتاظا ، فأوحى الله تعالى إلي
أن التقمي يونس ولاتوهني له عظما ، فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي
البحار في ظلمات ثلاث ينادي أنه لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
قد قبلت ولاية علي بن أبي طالب ، والائمة الراشدين من ولده ، فلما أن آمن
بولايتكم أمرني ربي فقذفته على ساحل البحر ، فقال زين العابدين عليه السلام : ارجع
أيها الحوت إلى وكرك ! واستوى الماء(1).
حماد بن حبيب الكوفي القطان قال : انقطعت عن القافلة عند زبالة(2)فلما
أن أجنني الليل أويت إلى شجرة عالية ، فلما اختلط الظلام إذا أنا بشاب قد
أقبل عليه أطمار بيض يفوح منه رائحة المسك ، فأخفيت نفسي ما استطعت ، فتهيأ
للصلاة ، ثم وثب قائما وهو يقول : يا من حاز كل شئ ملكوتا ، وقهر كل شئ
جبروتا ، أولج قلبي فرح الاقبال عليك ، وألحقني بميدان المطيعين لك ، ثم دخل
في الصلاة فلما رأيته وقد هدأت أعضاؤه ، وسكنت حركاته ، قمت إلى الموضع
الذي تهيأ فيه إلى الصلاة ، فاذا أنا بعين تنبع فتهيأت للصلاة ثم قمت خلفه
فاذا بمحراب كأنه مثل في ذلك الوقت ، فرأيته : كلما مر بالآية التي فيها
الوعد والوعيد يرددها بانتحاب وحنين ، فلما أن تقشع الظلام ، وثب قائما
وهو يقول : يا من قصده الضالون فأصابوه مرشدا ، وأمه الخائفون فوجدوه معقلا
ولجأ إليه العابدون فوجدوه موئلا ، متى راحة من نصب لغيرك بدنه ، ومتى فرح
من قصد سواك بنيته ، إلهي قد تقشع الظلام ولم أقض من خدمتك وطرا ، ولامن
حياض مناجاتك صدرا ، صل على محمد وآله وافعل بي أولى الامرين بك يا أرحم
الراحمين ، فخفت أن يفوتني شخصه وأن يخفى علي أمره ، فتعلقت به ، فقلت :
بالذي أسقط عنك هلاك التعب ، ومنحك شدة لذيذ الرهب ، إلا ما لحقتني منك
جناح رحمة وكنف رقة فاني ضال ، فقال : لو صدق توكلك ما كنت ضالا ، ولكن
(1)مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 281 .
(2)زبالة : اسم موضع بطريق مكة .