بحار الأنوار ج12

به ، ولعله تعالى سبب ذلك تأييدا للعصمة وإلقاء للحجة التي يحتج بها يوسف عليه السلام
عليها كما أوما إليه الرازي أيضا .
الفصل الثالث : في معنى سجودهم له عليه السلام .
اقول : قد ذكرنا بعض مايناسب هذا المقام في باب سجود الملائكة لآدم عليه السلام
وقد أوردنا في هذا الباب الذي نحن فيه الاخبار الواردة في توجيه ذلك ، ولذكر هنا ما
ذكره الرازي في هذا المقام لكمال الايضاح ، قال : وأما قوله : " وخروا له سجدا " ففيه
إشكال ، وذلك لان يعقوب كان أبا يوسف وحق الابوة حق عظيم ، قال تعالى : " وقضى
ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا "(1)فقرن حق الوالدين بحق نفسه ، وأيضا
أنه كان شيخا والشاب يجب عليه تعظيم الشيخ . والثالث : أنه كان من أكابر الانبياء ،
ويوسف وإن كان نبيا إلا أن يعقوب كان أعلى حالا منه . والرابع : أن جده واجتهاده
في تكثير الطاعات أكثر من جد يوسف ، ولما اجتمعت هذه الجهات الكثيرة فهذا يوجب أن
يبالغ يوسف في خدمة يعقوب ، فكيف استجاز يوسف أن يسجد له يعقوب ؟ هذا تقرير
السؤال . والجواب عنه من وجوه :
الاول وهو قول ابن عباس في رواية عطا : أن المراد بهذه الآية أنهم خروا له ، أي
لاجل وجدانه سجدا لله ، وحاصله أنه كان ذلك سجود الشكر ، فالمسجود له هو الله إلا
أن ذلك السجود إنما كان لاجله ، والدليل على صحة هذا التأويل أن قوله : " ورفع
أبويه على العرش وخروا له سجدا " مشعر بأنهم صعدوا ذلك السرير ثم سجدوا ، ولو
أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قبل الصعود على السرير ، لان ذلك أدخل في التواضع .
فإن قالوا : هذا التأويل لا يطابق قوله : " يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل " والمراد
منه قوله : إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " قلنا : بل
هذا مطابق له ، ويكون المراد من قوله : " والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " أي رأيتهم
ساجدين لاجلي ، أي أنها سجدت لله لطلب مصلحتي والسعي في إعلاء منصبي ، وإذا كان هذا


(1)الاسرا : 23 .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه