الكلام الكلي في السحر ، ولنرجع إلى التفسير :
أما قوله تعالى " ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر " فظاهر
الآية يقتضي أنهم إنما كفروا لاجل أنهم كانوا يعلمون الناسالسحر لان ترتيب
الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، وتعليم ما لا يكون كفرا لا يوجب الكفر فصارت
الآية دالة على أن تعليم السحر كفر ، وعلى أن السحر أيضا كفر ، ولمن منع ذلك أن
يقول : لا نسلم أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، بل المعنى أنهم كفرواوهم
مع ذلك يعلمون السحر .
فان قيل : هذا مشكل لان الله أخبر في آخر الآية أن الملكين يعلمان السحر
فلو كان تعليم السحر كفرا لزم تكفير الملكين ، وإنه غير جائز لما ثبت أن الملائكة
بأسرهم معصومون ، وأيضا فلانكم دللتم على أنه ليس كلما يسمى سحرا فهو كفر .
قلنا : اللفظ المشترك لا يكون عاما في جميع مسمياته ، فنحن نحمل هذا
السحر الذي هو كفر على النوع الاول من الاشياء المسماة بالسحر ، وهو اعتقاد
إلهية الكواكب والاستعانة بها في إظهار المعجزات وخوارق العادات ، فهذا السحر
كفر ، والشياطين إنما كفروا بإتيانهم بهذا السحر لا بسائر الاقسام ، وأما الملكان
فلا نسلم أنهما إنما علما هذا النوع من السحر ، بل لعلهما يعلمان سائر الانواع
على ما قال تعالى " فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه " وأيضا فبتقدير
أن يقال إنهما علما هذا النوع إنما يكون كفرا إذا قصد المعلم أن يعتقد المتعلم
حقيته وكونه صوابا ، فأما أن يعلمه ليحترر عنه فهذا التعليم لا يكون كفرا ، وتعليم
الملائكة كان لاجل أن يصير المكلف محترزا عنه على ما قال تعالى حكاية عنهما " وما
يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة " وأما الشياطين الذين علموا السحر
الناسفكان مقصودهم اعتقاد حقية هذه الاشياء ، فظهر الفرق .
المسالة الخامسة عشر(1): قرأ نافع وابن كثير وعاصم وأبوعمرو بتشديد
" لكن " و " الشياطين " بالنصب ، على أنه اسم لكن ، والباقون " لكن " بالتخفيف
(1)في المصدر : المسألة الثامنة .