بحار الأنوار ج64

الطينات المختلفة ، والخلق منها ، وتقدير الامور المذكورة فيهم ، ليس مما ينفي
اختيار الخير والشر ، أو من الامور الحتمية التي لا تقبل البداء .
" لا اسأل عما أفعل " إنما لا يسأل لانه سبحانه الكامل بالذات ، العادل
في كل ما أراد ، العالم بالحكم والمصالح الخفية التي لا تصل إليها عقول الخلق
بخلاف غيره فانهم مسؤلون عن أعمالهم وأحوالهم ، لان فيها الحسن والقبيح
والايمان والكفر ، لا بالمعنى الذي تذهب إليه الاشاعرة أنه يجوز أن يدخل
الانبياء عليهم السلام النار . والكافر الجنة ، ولا يجب عليه شئ .
وقيل : إن هذا إشارة إلى عدم الوجوب السابق ، وجواز تخلف المعلول عن
العلة التامة ، كما اختاره هذا القائل .
وقال بعض أرباب التأويل في شرح هذا الخبر : إنما ملؤا السماء لان
الملكوت إنما هو في باطن السماء وقد ملؤها ، وكانوا يومئذ ملكوتيين ، والسرفي
تفاوت الخلائق في الخيرات والشرور ، واختلافهم في السعادة والشقاوة ، اختلاف
استعداداتهم وتنوع حقائقهم ، لتباين المواد السفلية في اللطافة والكثافة ، واختلاف
أمزجتهم في القرب والبعد من الاعتدال الحقيقى ، واختلاف الارواح التي بازائها
في الصفاء والكدورة والقوة والضعف وترتب درجاتهم في القرب من الله سبحانه
والبعد عنه كما اشير إليه في الحديث :(1)الناس معادن كمعادن الذهب و
الفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام ، وأما أسر هذا السر أعني سر
اختلاف الاستعدادات وتنوع الحقائق ، فهو تقابل صفات الله سبحانه وأسمائه
الحسنى ، التي هي من أوصاف الكمال ، ونعوت الجلال وضرورة تباين مظاهرها
التي بها يظهر أثر تلك الاسماء ، فكل من الاسماء يوجب تعلق إرادته سبحانه
وقدرته إلى إيجاد مخلوق يدل عليه ، من حيث اتصافه بتلك الصفة ، فلا بد من


(1)رواه الكلينى في الكافى ج 8 ص 177 ولفظه : الناس معادن كمعادن الذهب
والفضة فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الاسلام أصل ، ورواه السيوطى في الجامع الصغير
ولفظه كما في المتن وبعده : " اذا تفقهوا " .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه