بحار الأنوار ج7

خوف عليك ، وثالثها أن معناه : لا حقيقة لعلمنا إذ كنا نعلم جوابهم وما كان من أفعالهم
وقت حياتنا ، ولا نعلم ما كان منهم بعد وفاتنا ،(1)وإنما الثواب والجزاء يستحقان بما تقع
به الخاتمة مما يموتون عليه ، ورابعها أن المراد : لا علم لنا إلا ما علمتنا ، فحذف لدلالة
الكلام عليه ، وخامسها أن المراد به تحقيق فضيحتهم ، أي أنت أعلم بحالهم منا ، ولا تحتاج
في ذلك إلى شهادتنا .
وفي قوله تعالى : " فلنسئلن الذين ارسل إليهم ولنسئلن المرسلين " : أقسم الله
سبحانه أنه يسأل المكلفين الذين أرسل إليهم رسله ، وأقسم أيضا أنه يسأل المرسلين
الذين بعثهم ، فيسأل هؤلاء عن الابلاغ واولئك عن الامتثال ، وهو تعالى وإن كان
عالما بما كان منهم فإنما أخرج الكلام مخرج التهديد والزجر ليتأهب العباد بحسن
الاستعداد لذلك السؤال ، وقيل : إنه يسأل الامم عن الاجابة ، ويسأل الرسل ماذا
عملت اممهم فيما جاؤوا به ، وقيل : إن الامم يسألون سؤال توبيخ ، والانبياء يسألون
سؤال شهادة على الحق . وأما فائدة السؤال فأشياء : منها أن تعلم الخلائق أنه سبحانه
أرسل الرسل وأزاح العلة ، وأنه لا يظلم أحدا ، ومنها أن يعلموا أن الكفار استحقوا
العذاب بأفعالهم ، ومنها أن يزداد سرور أهل الايمان بالثناء الجميل عليهم ، ويزداد غم
الكفار بما يظهر من أعمالهم القبيحة ، ومنها أن ذلك لطف للمكلفين إذا اخبروا به .
ومما يسأل على هذا أن يقال : كيف يجمع بين قوله تعالى : " ولا يسئل عن
ذنوبهم المجرمون "(2)" فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان "(3)وقوله : " فلنسئن
الذين ارسل إليهم "(4)" فوربك لنسئلنهم أجمعين " ؟(5)
والجواب عنه من وجوه : أحدها أنه سبحانه نفى أن يسألهم سؤال استرشاد و


(1)يؤيد ذلك قول عيسى بن مريم لله تعالى : " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت
أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد " المائدة : 117 .
(2)القصص : 78 .
(3)الرحمن : 39 .
(4)الاعراف : 6 .
(5)الحجر : 92 .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه