بحار الأنوار ج56

قال السيد المرتضى رحمه الله في كتاب الغرر والدرر : إن سأل سائل عن
قوله عزوعلا " واتبعوا ما تتلوا الشياطين إلى قوله تعالى ولبئس ما شروا
به أنفسهم لو كانوا يعلمون " فقال : كيف ينزل الله سبحانه السحر على الملائكة ؟
أم كيف تعلم الملائكة الناس السحر والتفريق بين المرء وزوجه ؟ وكيف نسب
الضرر الواقع عند ذلك إلى أنه بإذنه وهو تعالى قد نهى عنه وحذر من فعله ؟
وكيف أثبت العلم لهم ونفاه عنهم بقوله " ولقد علموا لمن اشتريه ماله في الآخرة
من خلاق " ثم بقوله " لو كانوا يعلمون " ؟
الجواب : قلنا : في الآية وجوه كل منها يزيل الشبهة الداخلة على من لم
يمعن النظر فيها :
أولها : أن يكون " ما " في قوله تعالى " وما انزل على الملكين " بمعنى
الذي ، فكأنه تعالى خبر(1)عن طائفة من أهل الكتاب بأنهم اتبعوا ما تكذب
فيه الشياطين على ملك سليمان وتضيفه إليه من السحر ، فبرأه الله عزوجل من
قرفهم وأكذبهم في قولهم فقال تعالى " وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا "
باستعمال السحر والتمويه على الناس ، ثم قال " يعلمون الناس السحر وما انزل
على الملكين " وأراد أنهم يعلمونهم السحر وما الذي انزل على الملكين ، وإنما
انزل على الملكين وصف السحر وماهيته وكيفية الاحتيال فيه ليعرفا ذلك و
يعرفاه الناس فيجتنبوه ويحذروا منه ، كما أنه تعالى قد أعلمنا ضروب المعاصي
ووصف لنا أحوال القبائح لنجتنبها لا لنواقعها ، إلا أن الشياطين كانوا إذا علموا
ذلك وعرفوه استعملوه وأقدموا على فعله ، وإن كان غيرهم من المؤمنين لما عرفه
اجتنبه وحارزه(2)وانتفع باطلاعه على كيفيته . ثم قال " وما يعلمان من أحد "
يعني الملكين ، ومعنى " يعلمان " يعلمان ، والعرب تستعمل لفظة " علمه " بمعنى
أعلمه ، قال القطامي :


(1)كذا ، والظاهر " اخبر " .
(2)حاذره(خ).

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه