بحار الأنوار ج66

جبل بعض المؤمنين على الايمان فلا يرتدون أبدا ، ومنهم من يعير الايمان عارية
فاذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الايمان(1).
بيان : في القاموس جبلهم الله يجبل ويجبل خلقهم وعلى الشئ طبعه وجبره
كأجبله(2)(فاذا هودعا)فيه حث على الدعاء لحسن العاقبة ، وعدم الزيغ ، كما
كان دأب الصالحين قبلنا ، وفيه دلالة أيضا على أن الاتمام والسل مسببان عن فعل
الانسان لانه يصير بذلك مستحقا للتوفيق والخذلان .
وجملة القول في ذلك أن كل واحد من الايمان والكفر قد يكون ثابتا ، وقد
يكون متزلزلا يزول بحدوث ضده ، لان القلب إذا اشتد ضياؤه وكمل صفاؤه
استقر الايمان وكل ما هو حق فيه ، وإذا اشتدت ظلمته وكملت كدورته استقر
الكفر وكل ماهو باطل فيه ، وإذا كان بين ذلك باختلاط الضياء والظلمة فيه ، كان مترددا
بين الاقبال والادبار ، ومذبذبا بين الايمان والكفر ، فان غلب الاول دخل الايمان فيه
من غير استقرار ، وإن غلب الثاني دخل الكفر فيه كذلك ، وربما يصير الغالب مغلوبا فيعود
من الايمان إلى الكفر ومن الكفر إلى الايمان ، فلابد للعبد من مراعاة قلبه ، فان رآه
مقبلا إلى الله عزوجل شكره ، وبذل جهده ، وطلب منه الزيادة لئلا يستدبر وينقلب و
يزيغ عن الحق كما ذكر سبحانه عن قوم صالحين(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذهديتنا
وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)(3)وإن رآه مدبرا زائغا عن الحق تاب
واستدرك مافرط فيه ، وتوكل على الله ، وتوسل إليه بالدعاء والتضرع لتدركه
العناية الربانية ، فتخرجه من الظلمات إلى النور ، وإن لم يفعل ربما سلط عليه
عدوه الشيطان ، واستحق من ربه الخذلان ، فيموت مسلوب الايمان كما قال
سبحانه(فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)(4)أعاذنا الله من ذلك وسائر أهل الايمان .


(1)الكافى ج 2 ص 419 .
(2)القاموس ج 3 ص 345 .
(3)آل عمران : 8 .
(4)الصف : 5 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه