بحار الأنوار ج44

فالتفت يمينا وشمالا وإذا هو بحوض عظيم الطول والعرض ، قال : قلت
في نفسي : هذا هو الكوثر فإذا فيه ماء أبرد من الثلج وأحلى من العذب ، وإذا عند
الحوض رجلان وامرأة أنوارهم تشرق على الخلائق ، ومع ذلك لبسهم السواد
وهم باكون محزونون فقلت : من هؤلاء ؟ فقيل لي : هذا محمد المصطفى ، وهذاالامام
علي المرتضى ، وهذه الطاهرة فاطمة الزهراء فقلت : ما لي أراهم لا بسين السواد
وباكين ومحزونين ؟ فقيل لي : أليس هذا يوم عاشورا ، يوم مقتل الحسين ؟ فهم
محزونون لاجل ذلك .


فمن كان يبكى على الحسين أو يرثيه أو يزوره في ذاك الظرف لم يكن فعله ذلك
حسرة وعزاء وتسلية فقط ، بل محاربة لاعداء الدين وجهادا في سبيل الله مع ما يقاسونه من
الجهد والبلاء والتشريد والتنكيل فحق على الله ان يثيب المجاهد في سبيله ويرزقه الجنة
بغير حساب .
ذلك بأنهم يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ، ولا يطأون موطئا بغيظ الكفار
ولا ينالون من عدو نيلا الاكتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع أجر المحسنين .
ففى مثل ذاك الزمان كما رأينا قبل عشرين سنة في ايران لم يكن ليبكى على
الحسين وينشد فيه الرثاء الا كل مؤمن وفى ، أهل التقوى واليقين ، لما في ذلك من العذاب
والتنكيل ، لا كل فاسق وشارب حتى يستشكل في الاحاديث .
بل كان هؤلاء الفساق في ذاك الظرف مستظهرين بسلطان بنى أمية ، منحازين إلى
الفئة الباغية يتجسسون خلال الديار ليأخذوا على أيدى الشيعة ، ويمنعوهم من احياء ذكر
الحسين ، كما اقتحموا دار أبى عبدالله الصداق بعد ما سمعوا صراخ الويل والبكاء من
داره عليه السلام .
وأما في زمان لامحاربة بين أهل البيت وأعدائهم كزماننا هذا فلا يصدق على ذكر
الحسين والبكاء عليه عنوان الجهاد ، كما أنه لا يلقى ذاكر الحسين الا الذكر الجميل والثناء
الحسن . بل يأخذ بذلك اجرة ، والباكى على ا لحسين يشرف ويكرم ويقال له قدمت خير
مقدم ويقدم اليه ما يشرب ويتفكه .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه