بحار الأنوار ج82

التمجيد ، وهو النسبة إلى المجد والكرم ، وذكر الالاء وهي هنا النعماء مطلقا على
جميع الخلق عند(الرحمن الرحيم)الدالين على إفاضة النعم الدقيقة والجليلة على
القوابل في الدنيا والاخرة ، إذ كل من ينسب إليه الرحمة فهو مستفيض من لطفه
وإنعامه ، ومرجع الكل إلى ساحل جوده وإكرامه ، وعند ذلك ينبعث الرجاء ، وهو
أحد المقامين العليين .
واستحضار الاختصاص لله تعالى بالخلق والملك عند(مالك يوم الدين)فانه
وإن كان مالكا لغيره من الايام وغيرها ، إلا أنه ربما يظهر على الجاهل مشاركة
غيره بواسطة تغلب ظاهري بخلاف ذلك اليوم ، فانه المنفرد فيه بنفوذ الامر ، وحقيقة
الملك بغير منازع ، لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار .
مع إحظار البعث والجزاء والحساب ، وملك الاخرة الواقعة في ذلك اليوم ،
فينبعث لذلك الخوف ، وهو المقام الثاني ويثبت في القلب الطروه وعدم المعارض
له ، فيغلب على الرجاء ، وهي الحالة اللائقة بالسالكين عند المحققين وفي هذا
الترتيب العجيب إشارة إلى برهانه ، وليعلم أن هذه الاوصاف الثلاثة جامعة لمراتب
الوجود من ابتدائه إلى انتهائه ، متصلا باليوم الاخر الذي هو الغاية الدائمة .
فالاول إشارة إلى وصف الابداع والايجاد ، وهو أول النعم المستحقة للحمد
والوصفان الوسطان إشارة إلى حالة دوامه وما يشتمل عليه من النعم في حالة بقائه ،
والثالث إشارة إلى آخر حالاته ونهاية أمره التي لاآخر لها ، وحقيق لمن جرت
عليه هذه الاوصاف - من كونه موجدا منعما بالنعم كلها ظاهرها وباطنها ، وعاجلها
وآجلها ، على جميع العالمين ، مالكا لامورهم يوم الدين ، من ثواب وعقاب - أن
يكون مختصا بالحمد ، لاأحد يشاركه فيه على الحقيقة .
وإذا أحطت بذلك وفزت بفضيلتي الرجاء والخوف ، فترق منه إلى استحضار
الاخلاص والرغبة إلى الله وحده عند(إياك نعبد)حيث قد خصصته تعالى بالعبادة
التي هي أقصى غاية الخضوع والتذلل ، ومن ثم لم تستعمل إلا في الخضوع لله تعالى
وارتقيت من مقام البعد عن مقاربة جنابه إلى مقام الفوز بلذيذ خطابه ، والاستزادة من

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه