بحار الأنوار ج56

النبي صلى الله عليه وآله مغشيا عليه ، فنزل جبرئيل في صورة الآدميين فضمه إلى نفسه ، وهو
قوله " ثم دنى فتدلى " وتقديره : ثم دنى أي قرب بعد بعده وعلوه في الافق
الاعلى ، فدنى من محمد صلى الله عليه وآله قال الحسن وقتادة : ثم دنا جبرئيل بعد استوائه بالافق
الاعلى من الارض فنزل إلى محمد صلى الله عليه وآله وقال الزجاج : معنى دنى وتدلى واحد
لان معنى دنى قرب ، وتدلى زاد في القرب . وقيل : إن المعنى استوى جبرئيل
أي ارتفع وعلا إلى السماء بعد أن علم محمدا صلى الله عليه وآله عن ابن مسيب ، وقيل : استوى
أي اعتدل واقفا في الهواء بعد أن كان ينزل بسرعة ليراه النبي صلى الله عليه وآله وقيل : معناه
استوى جبرئيل عليه السلام ومحمد بالافق الاعلى يعني السماء الدنيا ليلة المعراج " فكان
قاب قوسين " أي كان ما بين جبرئيل عليه السلام وبين رسول الله صلى الله عليه وآله قاب قوسين ، والقوس
ما يرمى به ، وخصت بالذكر على عادتهم يقال قاب قوس(1)وقاد قوس ، وقيل : معناه كان
قدر ذراعين كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله فمعنى القوس ما يقاس به والذراع يقاس به " أوأدنى "
قال الزجاج . إن العباد قد خوطبوا على لغتهم ومقدار فهمهم ، وقيل لهم في هذا ما
يقال للذي يحزز(2)فالمعنى : فكان على ما تقدرونه أنتم قدر قوسين أو أقل من ذلك
وقال عبدالله بن مسعود : إن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى جبرئيل وله ستمائة جناح(3)
وقال في قوله تعالى " إنه لقول رسول كريم " أى إن القرآن قول رسول كريم على
ربه ، وهو جبرئيل عليه السلام وهو كلام الله أنزله على لسانه " ذي قوة " أي فيما كلف وأمر
به من العلم والعمل وتبليغ الرسالة وقيل : ذي قدرة في نفسه ، ومن قوته قلع
ديار قوم لوط بقوادم جناحه حتى بلغ بها السماء ثم قلبها " عند ذي العرش مكين "
معناه متمكن عندالله صاحب العرش وخالقه ، رفيع المنزلة ، عظيم القدر عنده ، كما
يقال " فلان مكين عند السلطان " والمكانة : القرب " مطاع ثم " أي في السماء
تطيعه ملائكة المساء ، قالوا : ومن طاعة الملائكة لجبرئيل عليه السلام أنه أمر خازن
الجنة ليلة المعراج حتى فتح لمحمد صلى الله عليه وآله أبوابها فدخلها ، ورأى ما فيها ، وأمر


(1)في المصدر : وقيد قوس وقادقوس .
(2)< < < < : يحدد .(3)مجمع البيان : ج 9 ، ص 173 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه