بحار الأنوار ج62

وفي الكلب من اقتفاء الاثر وشم الرائحة ما ليس لغيره من الحيوانات و
الجيفة أحب إليه من اللحم الغريض ، ويأكل العذرة ويرجع في قيئه ، وبينه وبين
الضبع عداوة شديدة ، وذلك إذا كان في موضع مرتفع ووطئع الضبع ظله في القمر
رمى بنفسه إليها مخذولا فتأكله ، وإذا دهن كلب بشحمها جن واختلط ، وإذا حمل
إنسان لسان ضبع لم تنبح عليه الكلاب ، ومن طبعه أنه يحرس ربه ويحمي حرمه
شاهدا وغائبا ذاكرا وغافلا نائما ويقظانا ، وهو أيقظ الحيوان عينا في وقت حاجته
إلى النوم ، وإنما غالب نومه نهارا عند الاستغناء عن الحراسة ، وهو في نومه أسمع
من فرس وأحذر من عقعق ، وإذا نام كسر أجفان عينيه ولا يطبقهما وذلك لخفة نومه
وسبب خفته أن دماغه بارد بالنسبة إلى ذماغ الانسان ، ومن عجيب طباعه أنه
يكرم الجلة من الناس وأهل الوجاهة ولا ينبح على أحد منهم وربما حاد عن طريقه
وينبح على الاسود من الناس والدنس الثياب والضعيف الحال ، ومن طباعه البصبصة
والترضي والتودد والتألف بحث إذا دعي بعد الضرب وطرد رجع ، وإذا لاعبه
ربه عضه العض الذي لا يؤلم ، وأضراسه لو أنشبها في الحجر لنشبت ، ويقل التأديب
والتلقين والتعليم حتى لو وضعت على رأسه مسرجة وطرح له مأكول لم يلتفت إليه
ما دام على تلك الحالة ، فاذا أخذت المسرجة عن رأسه وثب إلى مأكوله ، وتعرض له
أمراض سودارية في زمن مخصوص ويعرض للكلب الكلب وهو بفتح اللام ، وهو داء
يشبه الجنون .
وعلامة ذلك أن تحمر عيناه وتعلوهما غشاوة وتسترخي اذناه ويندلع لسانه
ويكثر لعابه وسيلان أنفه ويطاطئ رأسه وينحدب ظهره ويتعوج صلبه إلى
جانب ، ولا يزال يدخل ذنبه بين رجليه ويمشي خائفا مغموما كأنه سكران ويجوع
فلا يأكل ويعطش فلا يشرب ، وربما رأى الماء فيفزع منه ، وربما يموت منه خوفا
وإذا لاح له شبح حمل عليه من غير نبح والكلاب تهرب منه فان دنا منها غفلة بصبصت
له وخضعت وخشعت بين يديه ، فاذا عقر هذا الكلب إنسانا عرض له أمراض ردية :

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه