بحار الأنوار ج3

إلى المعدة فتطبخه ، وتبعث بصفوه إلى الكبد في عروق رقاق واشجة بينها قد جعلت
كالمصفى للغذاء لكيلا يصل إلى الكبد منه شئ فينكأها ، وذلك أن الكبد رقيقة لا
تحتمل العنف ، ثم إن الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دما ، وينفذ إلى البدن كله في
مجاري مهيأة لذلك ، بمنزلة المجاري التي تهيؤ للماء حتى يطرد في الارض كلها ، و
ينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول إلى مفائض قد اعدت لذلك ، فما كان منه من
جنس المرة الصفراء جرى إلى المرارة ، وما كان من جنس السواء جرى إلى المرارة ، وما كان من جنس السواء جرى إلى الطحال ،
وما كان من البلة والرطوبة جرى إلى المثانة ، فتأمل حكمة التدبير في تركيب البدن ، و
وضع هذه الاعضاء منه مواضعها ، وإعداد هذه الاوعية فيه لتحمل تلك الفضول ، لئلا
تنتشر في البدن فتسقمه وتنهكه ، فتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير ، وله الحمد
كما وأهله ومستحقه .
قال المفضل : فقلت : صف نشؤ(1)الابدان ونموها حالا بعد حال حتى تبلغ
التمام والكمال . فقال عليه السلام :
أول ذلك تصوير الجنين في الرحم حيث لاتراه عين ولاتناله يد ، ويدبره حتى
يخرج سويا مستوفيا جميع مافيه قوامه وصلاحه من الاحشاء والجواح والعوامل
إلى ما في تركيب أعضائه من العظام واللحم والشحم والمخ والعصب والعروق والغضاريف ،
فإذا خرج إلى العالم تراه كيف ينمي بجميع أعضائه وهو ثابت على شكل وهيئة لاتتزايد
ولا تنقص إلى أن يبلغ أشده إن مد في عمره أويستو في مدته قبل ذلك ، هل هذا إلا من
لطيف التدبير والحكمة ؟ .
يامفضل انظر إلى ما خص به الانسان في خلقه تشريفا وتفضيلا على البهائم ،
فإنه خلق ينتصب قائما ويستوي جالسا ، ليستقبل الاشياء بيديه وجوارحه ، ويمكنه
العلاج والعمل بهما فلو كان مكبوبا على وجهه كذات الاربع لما استطاع أن يعمل شيئا
من الاعمال .


(1)بالنون المفتوحة والشين الساكنة ثم الهمزة . أو بالنون والشين المضمومتين والواوالساكنة
ثم الهمزة .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه