لايشكرون عند الرخاء ، ولا يصبرون عند البلاء ، كثير الناس عندهم قليل ، يحمدون
أنفسهم بما لا يفعلون ، ويدعون بما ليس لهم ، ويتكلمون بما يتمنون ، ويذكرون
مساوي الناس ، ويخفون حسناتهم .
قال : يا رب هل يكون سوى هذا العيب في أهل الدنيا ؟ قال : يا أحمد
إن عيب أهل الدنيا كثير فيهم الجهل ، والحمق ، لا يتواضعون لمن يتعلمون منه
وهم عند أنفسهم عقلاء وعند العارفين حمقاء .
يا أحمد إن أهل الخير وأهل الاخرة رقيقة وجوههم ، كثير حياؤهم ، قليل
حمقهم ، كثير نفعهم ، قليل مكرهم ، الناس منهم في راحة وأنفسهم منهم في تعب
كلامهم موزون ، محاسبين لانفسهم ، متعبين لها ، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ،
أعينهم باكية وقلوبهم ذاكرة ، إذا كتب الناس من الغافلين كتبوا من الذاكرين ،
في أول النعمة يحمدون وفي آخرها ، ويشكرون ، دعاؤهم عند الله مرفوع ، وكلامهم
مسموع ، تفرح الملائكة بهم ، يدور دعاؤهم تحت الحجب ، يحب الرب أن يسمع
كثرة الطعام ، ولا كثرة الكلام ، ولا كثرة اللباس ، الناس عندهم موتى ، والله
عندهم حي قيوم كريم ، يدعون المدبرين كرما ، ويريدون المقبلين تلطفا ،
قد صارت الدنيا والآ خرة عندهم واحدة ، يموت الناس مرة ويموت أحدهم في
كل يوم سبعين مرة من مجاهدة أنفسهم ومخالفة هواهم ، والشيطان الذي يجري
في عروقهم ، ولو تحركت ريح لز عز عتهم ، وإن قاموا بين يدي كأنهم بنيان
مرصوص(1)لا أرى في قلبهم شغلا لمخلوق ، فو عزتي وجلالي لا حيينهم حياة
طيبة ، إذا فارقت أرواحهم من جسدهم ، لا اسلط عليهم ملك الموت ، ولا يلي قبض
روحهم غيري ولا فتحن لروحهم أبواب السماء كلها ، ولا رفعن الحجب كلها
دوني ، ولآمرن الجنان فلتزينن ، والحور العين فلتزفن(2)والملائكة فلتصلين
(1)اى مزلق بعضه إلى بعض ثابت ، من الرص وهو اتصال بعض البناء ببعض .
(2)زففت العروص إلى زوجها أزف - بالضم - زفا وزفافا ، وأزففتها أى أهديتها
إلى زوجها .