بحار الأنوار ج18

وذلك أنهم جادلوه حين اسري به ، فقالوا : صف لنا بيت المقدس ، وأخبرنا عن عيرنا في
طريق الشام " ولقد رآه نزلة اخرى " أي جبرئيل في صورته نازلا(1)من السماء نزلة اخرى
وذلك أنه راه مرتين في صورته " عند سدرة المنتهى " أي رآه محمد وهو عند سدرة المنتهى ،
وهي شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة ، انتهى إليها علم كل ملك(2)وقيل : هي
شجرة طوبى " إذ يغشى السدرة ما يغشى " قيل : يغشاها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن
على الشجرة ، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال : رأيت على كل ورقة من أوراقها ملكا قائما
يسبح الله تعالى ، وقيل : يغشاها من النور والبهاء والحسن والصفاء الذي يروق الابصار
ما ليس لوصفه منتهى ، وقيل : يغشاها فراش(2)من ذهب عن ابن عباس ، وكأنها ملائكة
على صورة الفراش يعبدون الله تعالى ، والمعنى أنه رأى جبرئيل على صورته في الحال التي
يغشى فيها السدرة ، من أمر الله ومن العجائب المنبهة على كمال قدرة الله تعالى ما يغشاها .
" ما زاغ البصر وما طغى " لم يمل بصره يمينا وشمالا ، وما جاوز القصد ، ولا
الحد الذي حد له " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " مثل سدرة المنتهى ، وصورة جبريل
ورؤيته وله ستمائة جناح قد سد الافق بأجنحته ، وقيل : إنه رأى رفرفا أخضر من رفارف
الجنة قد سد الافق انتهى كلامه رفع الله مقامه(4).
وأقول : اعلم أن عروجه صلى الله عليه وآله إلى بيت المقدس ثم إلى السماء في ليلة واحدة بجسده
الشريف مما دلت عليه الآيات والاخبار المتواترة من طرف الخاصة والعامة ، وإنكار أمثال
ذلك أو تأويلها بالعروج الروحاني أو بكونه في المنام ينشأ إما من قلة التتبع في آثار
الائمة الطاهرين ، أو من قلة التدين وضعف اليقين ، أو الانخداع بتسويلات المتفلسفين ،
والاخبار الواردة في هذا المطلب لا أظن مثلها ورد في شئ من اصول المذهب ، فما أدري


(1)في المصدر : في صورته التى خلق عليها نازلا .
(2)في المصدر : بعد ذلك : وقيل اليها ينتهى ما يهبط به من فوقها من أمر الله عن ابن مسعود
والضحاك ، وقيل : إليها ينتهى أرواح الشهداء ، وقيل إليها ينتهى ما يهبط به من فوقها ويقبض
منها ، وإليها ينتهى ما يعرج من الارواح ويقبض منها ، والمنتهى : موضع الانتهاء .
(3)الفراش : طائر صغير يتهافت على السراج فيحترق ، يقال له بالفارسية : پروانه .
(4)مجمع البيان 9 : 174 و 175 .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه