بحار الأنوار ج44

من المواضع .
ولم يسلم أيضا الامر إلى معاوية ، بل كف عن المحاربة والمغالبة ، لفقد
الاعوان وعوز الانصار ، وتلاقي الفتنة على ما ذكرناه ، فيغلب عليه معاوية بالقهر
والسلطان ، مع ما أنه كان متغلبا على أكثره ، ولو أظهر عليه السلام له التسليم قولا لما كان
فيه شئ إذا كان عن إكراه واضطهاد .
فأما البيعة فان اريد بها الصفقة وإظهار الرضا والكف عن المنازعة ، فقد كان
ذلك ، لكنا قد بينا جهة وقوعه ، والاسباب المحوجة إليه ، ولا حجة في ذلك
عليه صلوات الله عليه كما لم يكن في مثله حجة على أبيه صلوات الله عليهما لما بايع
المتقدمين عليه ، وكف عن نزاعهم ، وأمسك عن غلابهم .
وإن اريد بالبيعة الرضا وطيب النفس ، فالحال شاهد بخلاف ذلك ، وكلامه
المشهور كله يدل على أنه أحوج وأحرج ، وأن الامر له وهو أحق الناس به
وإنما كف عن المنازعة فيه للغلبة والقهر والخوف على الدين والمسلمين .
فأما أخذ العطاء فقد بينا في هذا الكتاب عند الكلام فيما فعله أمير المؤمنين
صلوات الله عليه من ذلك أن أخذه من يد الجابر الظالم المتغلب جائز ، وأنه لا لوم
فيه على الاخذ ولا حرج ، وأما أخذ الصلات فسائغ بل واجب ، لان كل مال
في يد الغالب الجابر المتغلب على أمر الامة ، يجب على الامام وعلى جميع
المسلمين انتزاعه من يده كيف ما أمكن ، بالطوع أو الاكراه ، ووضعه في مواضعه .
فاذا لم يتمكن عليه السلام من انتزاع جميع ما في يد معاوية من أموال الله تعالى
وأخرج هو شيئا منها إليه على سبيل الصلة ، فواجب عليه أن يتناوله من يده ، ويأخذ
منه حقه ويقسمه على مستحقه ، لان التصرف في ذلك المال بحق الولاية عليه
لم يكن في تلك الحال إلا له عليه السلام .
وليس لاحد أن يقول : إن الصلاة التي كان يقبلها من معاوية أنه كان
ينفقها على نفسه وعياله ، ولا يخرجها إلى غيره ، وذلك أن هذا مما لا يمكن أن يدعى
العلم به والقطع عليه ، ولا شك أنه عليه السلام كان ينفق منها لان فيها حقه وحق

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه