بحار الأنوار ج48

فاذا أنا بأنهار ، فنمت تحت ظل شجرة ، فبينا أنا نائم إذ سمعت صوتا
هائلا ، فانتبهت فزعا مذعورا فاذا أنا بدابتين يقتتلان على هيئة الفرس ، لا احسن
أن أصفهما ، فلما بصرا بي دخلتا في البحر ، فبينما أنا كذلك إذ رأيت طائرا عظيم
الخلق ، فوقع قريبا مني بقرب كهف في جبل ، فقمت مستترا في الشجر حتى دنوت
منه لاتأمله فلما رآني طار وجعلت أقفو أثره .
فلما قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا وتهليلا وتكبيرا وتلاوة القرآن ، و
دنوت من الكهف فناداني مناد من الكهف : ادخل ياعلي بن صالح الطالقاني ، رحمك
الله ، فدخلت وسلمت فاذا رجل فخم ضخم غليظ الكراديس(1)عظيم الجثة أنزع
أعين ، فرد علي السلام وقال : يا علي بن صالح الطالقاني أنت من معدن الكنوز
لقد أقمت ممتحنا بالجوع والعطش والخوف ، لولا أن الله رحمك في هذا اليوم
فأنجاك وسقاك شرابا طيبا ، ولقد علمت الساعة التي ركبت فيها ، وكم أقمت في
البحر ، وحين كسر بك المركب ، وكم لبثت تضربك الامواج ، وما هممت به
من طرح نفسك في البحر لتموت اختيارا للموت ، لعظيم مانزل بك ، والساعة التي
نجوت فيها ، ورؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين ، واتباعك للطائر الذي
رأيته واقعا ، فلما رآك صعد طائرا إلى السماء ، فهلم فاقعد رحمك الله .
فلما سمعت كلامه قلت : سألتك بالله من أعلمك بحالي ؟ فقال : عالم الغيب
والشهادة ، والذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ، ثم قال : أنت جائع
فتكلم بكلام تململت به شفتاه ، فاذا بمائة عليها منديل ، فكشفه وقال : هلم إلى
مارزقك الله فكل ، فأكلت طعاما مارأيت أطيب منه ، ثم سقاني ماء‌ا مارأيت ألذ منه
ولا أعذب ، ثم صلى ركعتين ثم قال : يا علي أتحب الرجوع إلى بلدك ؟ فقلت :
ومن لي بذلك ؟ ! فقال : وكرامة لاوليائنا أن نفعل بهم ذلك ، ثم دعا بدعوات و
رفع يده إلى السماء وقال : الساعة الساعة ، فاذا سحاب قد أظلت باب الكهف قطعا
قطعا ، وكلما وافت سحابة قالت : سلام عليك ياولي الله وحجته فيقول : و


(1)الكراديس : جمع كردوس وهو كل عظمين التقيا في مفصل .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه