بحار الأنوار ج67

والجوارح كالرعايا والاتباع ، والمقصود من أعمالها حصول ثمرة القلب .
فلا تظن أن في وضع الجبهة على الارض غرضا من حيث إنه جمع بين الجبهة
والارض ، بل من حيث إنه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب ، فان من
يجد في نفسه تواضعا فاذا استعان بأعضائه وصورها بصورة التواضع ، تأكد بذلك
تواضعه ، وأما من يسجد غافلا عن التواضع ، وهو مشغول القلب بأغراض الدنيا
فلا يصل من وضع جبهته على الارض أثر على قلبه ، بل سجوده كعدمه نظرا إلى
الغرض المطلوب منه ، فكانت النية روح العمل وثمرته ، والمقصد الاصلي من
التكليف به ، فكانت أفضل .
وهذا الوجه قريب مما ذكره الغزالي في إحيائه ، وهو أن كل طاعة
تنتظم بنية وعمل ، وكل منهما من جملة الخيرات إلا أن النية من الطاعتين خير
من العمل ، لان أثر النية في المقصود أكثر من أثر العمل ، لان صلاح القلب هو
المقصود من التكليف ، والاعضاء آلات موصلة إلى المقصود ، والغرض من حركات
الجوارح أن يعتاد القلب إرادة الخير ، ويؤكد الميل إليه ، ليتفرغ عن شهوات
الدنيا ، ويقبل على الذكر والفكر ، فبالضرورة يكون خيرا بالاضافة إلى الغرض
قال الله تعالى : لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم (1)
والتقوى صفة القلب وفي الحديث إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح لها سائر
الجسد .
العاشرأن نية المؤمن هي الباعثة له على عمل الخير ، فهي أصل العمل وعلته
والعمل فرعها ، لانه لايحصل العمل ولا يوجد إلا بتصور المقصود الحقيقي
والتصديق بحصوله ، وانبعاث النفس إليه ، حتى يشتد العزم ، ويوجد الفعل
فبهذه الجهة هي أشرف ، وكذانية الكافر سبب لعمله الخبيث فهي شر منه .
الحادي عشر أن النية روح العمل ، والعمل بمثابة البدن لها ، فخيريته
وشريته تابعتان لخيرية النية وشريتها ، كما أن شرافة البدن وخباثته تابعتان


(1)الحج : 37 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه