بحار الأنوار ج58

وقالوا : ليس ههنا إلا أجسام مؤتلفة موصوفة بصفة الحياة ، وبهذه الاعراض المخصوصة
وهي الحياة والعلم والقدرة ، وهذا مذهب أكثر شيوخ المعتزلة .
والقول الثالث : أن الانسان عبارة عن أجسام مخصوصة بأشكال مخصوصة وبشرط
أن تكون أيضا موصوفة بالحياة والعلم والقدرة ، والانسان إنما يمتاز عن سائر
الحيوانات بشكل جسده وهيئة أعضائه وأجزائه ، إلا أن هذامشكل ، فإن الملائكة
قد يتشبهون بصورالناس ، فهنا صورة الانسان حاصلة مع عدم الانسانية ، وفي صورة
المسخ معنى الانسانية حاصلة مع أن هذه الصورة غير حاصلة ، فقد بطل اعتبار هذا
الشكل والصورة في حصول معنى الانسانية طردا وعكسا .
اما القسم الثالث : وهو أن يقال : الانسان موجود ليس بجسم ولاجسماني ،
وهذا قول أكثر الالهيين من الفلاسفة القائلين ببقاء النفس المثبتين للنفس معادا روحانيا
وثوابا وعقابا روحانيا ، ذهب إليه جماعة من علماء المسلمين ، مثل الشيخ أبي القاسم
الراغب الاصفهاني ، والشيخ أبي حامد الغزالي ، ومن قدماء المعتزلة معمربن عباد
السلمي ، ومن الشيعة الملقب عند هم بالشيخ المفيد ، ومن الكرامية جماعة .
واعلم أن القائلين بإثبات النفس فريقان : الاول وهم المحققون منهم قالوا :
الانسان عبارة عن هذا الجوهر المخصوص ، وهذا البدن آلته ومنزله ومركبه ، وعلى
هذا التقدير فالانسان غير موجود في داخل العالم ولا في خارجه وغير متصل بالعالم
ولا منفصل عنه ، ولكنه متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف ، كما أن إله العالم لا
تعلق له بالعالم إلا على سبيل التصرف والتدبير .
والفريق الثاني الذين قالوا : النفس إذا تعلقت بالبدن اتحدت بالبدن ، فصارت
النفس عين البدن والبدن عين النفس ، ومجموعهما عند الاتحاد هو الانسان ، فإذا
جاء وقت الموت بطل هذا الاتحاد وبقيت النفس وفسد البدن . فهذا جملة مذاهب
الناس في الانسان ، وكان " ثابت بن قرة " يثبت النفس ويقول : إنها متعلقة بأجسام
سماوية نورانية لطيفة غير قابلة للكون والفساد والتفرق والتمزق ، وأن تلك
الاجسام تكون سارية في البدن ، وهن موجودات في داخل البدن(1). وأما أن


(1)مفاتيح الغيب : ج 21 ، ص 45 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه