بحار الأنوار ج44

بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، ومنهم من انشق له القمر وكلمه البهائم مثل
البعير والذئب وغير ذلك .
فلما أتوا بمثل هذه المعجزات ، وعجز الخلق من اممهم عن أن يأتوا بمثله
كان من تقدير الله عزوجل ، ولطفه بعباده وحكمته ، أن جعل أنبياء‌ه مع هذه
المعجزات في حال غالبين ، وفي اخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين ، وفي حال
مقهورين ، ولو جعلهم عزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم
يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عزوجل ، ولما عرف فضل صبرهم على
البلاء والمحن الاختبار .
ولكنه عزوجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ، ليكونوا في حال
المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الاعداء شاكرين
ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين ، غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد
أن لهم عليهم السلام إلها هو خالقهم ومدبرهم ، فيعبدوه ويطيعوا رسله وتكون حجة الله
تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم ، وادعى لهم الربوبية ، أو عاند وخالف وعصى
وجحد بما أتت به الانبياء والرسل ، وليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي
عن بينة .
قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق : فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن الحسين
ابن روح قدس الله روحه من الغد وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم
أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني فقال لي : يا محمد بن إبراهيم لان أخر من السماء
فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين
الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الاصل ، ومسموع عن الحجة
صلوات الله عليه(1).
بيان : فتخطفني : أي تأخذني بسرعة ، والسحيق : البعيد .


(1)راجع الاحتجاج ص 243 . علل الشرائع ج 1 ص 230 : باب 177 تحت
الرقم 1 ، كمال الدين ج 2 ص 184 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه