بحار الأنوار ج9

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقعد في الحجر ويقرء القرآن ، فاجتمت قريش إلى الوليد بن
المغيرة فقالوا : يا أبا عبدشمس ما هذا الذي يقول محمد ؟ شعر أم كهانة أم خطب ؟ فقال :
دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد أنشدني من شعرك ، قال :
ما هو شعر ولكنه كلام الله الذي ارتضاه الملائكة وأنبياؤه ورسله ، فقال : اتل علي
منه شيئا ، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله حم السجدة ، فلما بلغ قوله : " فإن أعرضوا "
يا محمد قريش " فقل " لهم " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " قال : فاقشعر
الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته ، ومر إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك
فمشوا إلى أبي جهل فقالوا : يا أبا الحكم إن أبا عبدشمس صبأ إلى دين محمد(1)أما تراه
لم يرجع إلينا ؟ فعدا أبوجهل إلى الوليد فقال له : يا عم نكست رؤوسنا وفضحتنا ، و
أشمت بنا عدونا ، وصبوت إلى دين محمد ، قال : ما صبوت إلى دينه ، ولكني سمعت
كلاما صعبا تقشعر منه الجلود ! فقال له أبوجهل : أخطب هي(هو خ ل)؟ قال : لا ، إن
الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور ولا يشبه بعضه بعضا ، قال : فشعر هو ؟ قال :
لا ، أما أني قد سمعت أشعار العرب بسيطها ومديدها ورملها ورجزها وما هو بشعر ،
قالوا : فما هو ؟ قال : دعني افكر فيه ، فلما كان من الغد قالوا له : يا أبا عبدشمس ما
تقول فيما قلناه ؟ قال : قولوا : هو سحر فإنه أخذ بقلوب الناس ، فأنزل الله على رسوله
في ذلك : " ذرني ومن خلقت وحيدا " وإنما سمي وحيدا لانه قال لقريش : أنا
أوحد بكسوة البيت سنة وعليكم في جماعكتم سنة ، وكان له مال كثير وحدائق ، و
كان له عشر بنين بمكة ، وكان له عشر عبيد عند كل عبد ألف دينار يتجر بها ، وتلك
القنطار في ذلك الزمان ، ويقال : إن القنطار جلد ثور مملوء ذهبا ، فأنزل الله : " ذرني
ومن خلقت وحيدا " إلى قوله : " صعودا " قال : جبل يسمى صعودا(الصعود خ ل)" إنه
فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر " يعني قدره ، كيف سواه وعدله " ثم نظر ثم
عبس وبسر " قال : عبس وجهه وبسر ، قال لوى شدقه(2)" ثم أدبر واستكبر فقال إن


(1)أى خرج من ديننا إلى دين محمد صلى الله عليه وآله .
(2)الشدق بالكسر والفتح : زاوية الفم من باطن الخدين ، يقال : لوى شدقه لمن توسع في
الكلام من غير احتياط واحتراز ولمن استهزأ بالناس .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه