مكرهين ، ولا إليه مضطرين ، لعلك ظننت أنه قضاء حتم وقدر لازم ، ولو كان ذلك كذلك
لبطل الثواب والعقاب ، ولسقط الوعد والوعيد ، ولما ألزمت الاشياء أهلها على الحقائق ،
ذلك مقالة عبدة الاوثان وأولياء الشياطين(1)إن الله عزوجل أمر تخييرا ، ونهى تحذيرا ،
ولم يطع مكرها ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يخلق السماوات والارض وما بينهما باطلا ذلك
ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار . فقام الشيخ فقبل رأس أميرالمؤمنين عليه السلام
وأنشأ يقول :
أنت الامام الذي نرجو بطاعته * يوم النجاة من الرحمن غفرانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا * جزاك ربك عنا فيه رضوانا
فليس معذرة في فعل فاحشة * عندي لراكبها ظلما وعصيانا
فقد دل قول أميرالمؤمنين عليه السلام على موافقة الكتاب ونفي الجبر والتفويض اللذين
يلزمان من دان بهما وتقلدهما الباطل والكفر وتكذيب الكتاب ، ونعوذ بالله من
الضلالة والكفر ، ولسنا ندين بجبر ولا تفويض ، لكنا نقول بمنزلة بين المنزلتين ، وهو
الامتحان والاختبار بالاستطاعة التي ملكنا الله وتعبدنا بها على ما شهد به الكتاب ودان
به الائمة الابرار من آل الرسول صلوات الله عليهم .
ومثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبدا وملك مالا كثيرا أحب أن يختبر
عبده على علم منه بما يؤول إليه ، فملكه من ماله بعض ما أحب ، ووقفه على امور عرفها
العبد ، فأمره أن يصرف ذلك المال فيها ; ونهاه عن أسباب لم يحبها ، وتقدم إليه أن
يجتنبها ، ولا ينفق من ماله فيها ، والمال يتصرف في أي الوجهين ; فصرف المال أحدهما
في اتباع أمر المولى ورضاه ، والآخر صرفه في اتباع نهيه وسخطه ، وأسكنه دار اختبار
أعلمه أنه غير دائم له السكنى في الدار ، وأن له دارا غيرها ، وهو مخرجه إليها فيها
ثواب وعقاب دائمان ، فإن أنفذ العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي أمره
به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي أعلمه أنه مخرجه إليها ، وإن أنفق
المال في الوجه الذي نهاه عن إنفاقه فيه جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود ،
(1)في المصدر : الشيطان . م*