بحار الأنوار ج77

على خلافه ، فان إطلاق الحكم بطهارة سؤر الهر فيها من دون الاشتراط بشئ
مع كون الغالب فيه عدم الانفكاك من أمثال هذه الملاقاة ، دليل على عدم اعتبار
أمر آخر غير ذهاب العين ، ولو فرضنا عدم دلالة الاخبار على العموم فلا ريب أن
الحكم بتوقف الطهارة في مثلها على التطهير المعهود شرعا منفي قطعا ، والواسعة بين
ذلك وبين زوال العين يتوقف على الدليل ، ولا دليل .
وقداكتفى في المنتهى بزوال العين عن فمها فقال بعد أن ذكر كراهة سؤر
آكل الجيف ، وبين وجهه : وهكذا سؤر الهرة وإن أكلت الميتة وشربت ، قل
الماء أو كثر ، غابت عن العين أو لم تغب ، لعموم الاحاديث المبيحة ، وحكى ما
ذكره في النهاية عن بعض أهل الخلاف .
وقال الشيخ في الخلاف : إذاأكلت الهرة فأرة ثم شربت من الاناء فلا بأس
بالوضوء من سؤرها ، وحكى عن بغض العامة أنه قال : إن شربت قبل أن تغيب عن
العين لا يجوز الوضوء به ، ثم قال الشيخ : والذي يدل على ما قلناه إجماع الفرقة على
أن سؤر الهرة طاهر ولم يفصلوا انتهى .
وبالجملة مقتضى الاخبار المتضمنة لنفى البأس عن سؤر الهرة وغيرها من
السباع طهارتها بمجرد زوال العين ، لانها لا تكاد تنفك عن النجاسات خصوصا الهرة
فان العلم بمباشرتها للنجاسة متحقق في أكثر الاوقات ولولا ذلك للزم صرف اللفظ
الظاهر إلى الفرد النادر ، بل تأخير البيان عن وقت الحاجة كماذكره بعض المحققين .
وقد قطع جمع من المتأخرين بطهارة الحيوان غير الادمى بمجرد زوال العين
وهو حسن للاصل ، وعدم ثبوب التعبد بغسل النجاسة عنه ، ولا يعتبر فيه الغيبة ، وأما
الادمى فقد قيل إنه يحكم بطهارته بغيبة زمانا يمكن فيه إزالة النجاسة ، واستشكله
بعض المحققين وقال : الاصح عدم الحكم بطهارته بذلك إلا مع تلبسه بما يشترط
فيه الطهارة عنده ، على تردد في ذلك أيضا ، والله يعلم .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه