بحار الأنوار ج58

وعلى الثالث أنه لايلزم من ذلك وجود حس مشترك ، غاية الامر أن لا تكفي
الحواس الظاهرة لمشاهدة الصور حالتي الغيبة والحضور بل يكون لكل حس ظاهر
حس باطن .
الثانى الخيال وهي قوة مرتبة في مؤخر التجويف الاول من الدماغ بحسب
المشهور ، وعند المحققين الروح المصبوب في التجويف الاول آلة للحس المشترك
والخيال ، إلا أن المشاهدة اختص بما في مقدمه والتخيل بما في مؤخره . وهويحفظ
جميع صور المحسوسات ويمثلها بعد الغيبة عن الحواس المختصة والحس المشترك
وهي خزانة الحس المشترك لبقاء الصور المحسوسة فيها بعد زوالها عنه . وإنما جعلت
خزانة للحس المشترك مع أن مدركات جميع الحواس الظاهرة تختزن فيها ، لان
الحواس الظاهرة لا تدرك شيئا بسبب الاختزان بالخيال بل بإحساس جديد من خارج
فيفوت معنى الخزانة بالقياس إليها بخلاف الحس المشترك ، فإنا إذا شاهدنا صورة
في اليقظة أو النوم ذهلنا عنها ثم شاهدناها مرة اخرى نحكم عليها بأنها هي التي
شاهدناها قبل ذلك ، فلو لم تكن الصور محفوظة لم يكن هذا الحكم ، كما لو صارت
منسية . وإنما احتيج إلى الحفظ لئلا يختل نظام العالم ولا يشتبه الضار بالنافع
إذا لم يعلم أنه المبصر أولا ، وينفسد المعاملات وغيرها .
والدليل على مغايرتها للحس المشترك وجهان : أحدهما أن قوة القبول غير
قوة الحفظ ، فرب قابل النقش كالماء لم يحفظ ، لوجود رطوبة فيه هي شرط سرعة
القبول ، وعدم اليبس الذي هو شرط الحفظ . وثانيهما أن استحضار الصور ، والذهول
عنها من غير نسيان ، والنسيان يوجب تغاير القوتين ، ليكون الاستحضار حصول
الصورة فيهما ، والذهول حصولها في إحداهما دون الاخرى ، والنسيان زوالها عنهما .
واعترض عليهما بوجوه وأجابوا منها وهي مذكورة في محالها .
واحتج الرازي على إبطال الخيال بأن من طاف في العالم ورأى البلاد
والاشخاص الغير المعدودة فلو انطبقت صورها في الروح الدماغي فإما أن يحصل جميع
تلك الصور في محل واحد فليزم الاختلاط وعدم التمايز ، وإنما أن يكون لكل صورة

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه