ثم اعلم أن من القوم من استدل بالخبر الذي نقله من الفقيه على جواز النسخ
قبل الفعل لانه عليه السلام نسخ السنة بالشهر ، والشهر باليوم ، وفيه نظر إذ يمكن أن يكون
هذا التدريج لبيان اختلاف مراتب التوبة ، فإن التوبة الكاملة هي ما كانت قبل الموت
بسنة ليأتي منه تدارك لما فات منه من الطاعات ، وإزالة لما أثرت فيه الذنوب من
الكدورات والظلمات ، ثم إن لم يتأت منه ولم يمهل لذلك فلابد من شهر لتدارك
شئ مما فات ، وإزالة قليل من آثار السيئات وهكذا ، وأما توبة وقت الاحتضار فهي
لاهل الاضطرار . والغرغرة : تردد الماء وغيره من الاجسام المائعة في الحلق ، والمراد هنا
تردد الروح وقت النزع .
1 - ك : أبي ، عن سعد ، وعبدالله بن جعفر الحميري ، عن أيوب بن نوح ، عن الربيع
ابن محمد المسلي ، وعبدالله بن سليمان العامري ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ما زالت الارض
إلا ولله تعالى ذكره فيها حجة يعرف الحلال والحرام ، ويدعو إلى سبيل الله عزوجل ،
ولا تنقطع الحجة من الارض إلا أربعين يوما قبل القيامة ، فإذا رفعت الحجة
اغلقت أبواب التوبة ، ولم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجة ،
اولئك شرار من خلق الله وهم الذين تقوم عليهم القيامة . " ص 133 "
2 - كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن بكير ، عن أبي
عبدالله ، أو عن أبي جعفر عليهما السلام قال : إن آدم عليه السلام قال : يارب سلطت علي الشيطان و
اجريته مني مجرى الدم(1)فاجعل لي شيئا ، فقال : يا آدم جعلت لك أن من هم من
(1)روى العامة أيضا(ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم)قال بعضهم : ذهب قوم
ممن ينتمى إلى ظاهر العلم إلى أن المراد به أن الشيطان لا يفارق ابن آدم ما دام حيا ، كما
لا يفارقه دمه ، وحكى هذا عن الازهرى ، وقال : هذا طريق ضرب المثل ، والجمهور من علماء
الامة أجروا ذلك على ظاهره ، وقالوا : إن الشيطان جعل له هذا القدر من التطرق إلى باطن
الادمي بلطافة هيئته ، لمحنة الابتلاء ، ويجري في العروق التي هي مجاري الدم من الادمي إلى
ان يصل إلى قلبه فيوسوسه على حسب ضعف إيمان العبد وقلة ذكره وكثرة غفلته ، ويبعد عنه ويقل
تسلطه وسلوكه إلى باطنه بمقدار قوة إيمانه ويقظته ودوام ذكره وإخلاص عمله ، وما رواه المفسرون
عن ابن عباس قال :(ان الله جعل الشياطين من بنى آدم مجرى الدم ، وصدور بنى آدم مساكن لهم)**