بحار الأنوار ج18

كرام ، قال : فاسألهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها ؟ فقال : لا مالنا عليكم ديون ، قال :
فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بذحول ؟ فقال عمرو : لا ، قال ، فما تريدون منا ؟ آذيتمونا
فخرجنا من بلادكم ، فقال عمرو بن العاص : أيها الملك خالفونا في ديننا ، وسبوا آلهتنا ،
وأفسدوا شباننا ، وفرقوا جماعتنا ، فردهم إلينا لنجمع أمرنا ، فقال جعفر : نعم أيها
الملك خالفناهم : بعث الله فينا نبيا أمرنا بخلع الانداد ، وترك الاستقسام بالازلام ، وأمرنا
بالصلاة والزكاة ، وحرم الظلم والجور وسفك الدماء بغير حقها ، والزنا والربا والميتة
والدم ، وأمرنا بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى ، ونهانا عن الفحشاء والمنكر و
البغي ، فقال النجاشي : بهذا بعث الله عيسى بن مريم عليهما السلام ، ثم قال النجاشي : يا جعفر
هل تحفظ مما أنزل الله على نبيك شيئا ؟ قال : نعم ، فقرأ عليه سورة مريم(1)، فلما بلغ
إلى قوله : " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري
عينا(2)" فلما سمع النجاشي بهذا بكى بكاء شديدا ، وقال : هذا والله هو الحق ، وقال
عمروبن العاص : إيها الملك إن هذا مخالف لنا فرده إلينا ، فرفع النجاشي يده فضرب
بها وجه عمرو ، ثم قال : اسكت ، والله لئن ذكرته بسوء لافقدنك نفسك ، فقام عمروبن
العاص من عنده والدماء تسيل على وجهه وهو يقول : إن كان هذا كما تقول أيها الملك
فإنا لا نتعرض له ، وكانت على رأس النجاشي وصيفة له تذب عنه ، فنظرت إلى عمارة
بن الوليد وكان فتى جميلا فأحبته ، فلما رجع عمرو بن العاص إلى منزله قال لعمارة :
لو راسلت(3)جارية الملك ، فراسلها فأجابته ، فقال عمرو : قل لها : تبعث إليك من طيب
الملك شيئا ، فقال لها . فبعثت إليه ، فأخذ عمرو من ذلك الطيب ، وكان الذي فعل به عمارة
في قلبه حين ألقاه في البحر ، فأدخل الطيب على النجاشي فقال : أيها الملك إن حرمة
الملك عندنا وطاعته علينا عظيم ، ويلزمنا إذا دخلنا بلاده ونأمن فيه أن لا نغشه ولا نريبه ،
وإن صاحبي هذا الذي معي قد راسل إلى حرمتك وخدعها وبعثت إليه من طيبك ، ثم


(1)السورة : 19 .
(2)الاية : 25 و 26 .
(3)راسله : بعث اليه رسالة(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه