بحار الأنوار ج44

عفت الديار ، ومحبت الآثار ، وقل الاصطبار ، فلا قرار على همزات الشياطين وحكم
الخائنين ، الساعة والله صحت البراهين ، وفصلت الآيات ، وبانت المشكلات ، ولقد
كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال الله عزوجل : وما محمد إلا رسول قد خلت
من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن
يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (1).
فلق مات والله جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وقتل أبي عليه السلام وصاح الوسواس الخناس
في قلوب الناس ، ونعق ناعق الفتنة ، وخالفتم السنة ، فيالها من فتنة صماء عمياء ، لا
يسمع لداعيها ، ولا يجاب مناديها ، ولا يخالف واليها ، ظهرت كلمة النفاق ، وسيرت
رايات أهل الشقاق ، وتكالبت جيوش أهل المراق ، من الشام والعراق ، هلموا
رحمكم الله إلى الافتتاح ، والنور الوضاح ، والعلم الجحجاح ، والنور الذي لا يطفى
والحق الذي لا يخفى .
أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ، ومن تكاثف الظلمة ، فو الذي فلق الحبة
وبرأ النسمة ، وتردى بالعظمة ، لئن قام إلي منكم عصبة بقلوب صافية ، ونيات
مخلصة ، لا يكون فيها شوب نفاق ، ولا نية افتراق لاجاهدن بالسيف قدما قدما
ولاضيقن من السيوف جوانبها ، ومن الرماح أطرافها ، ومن الخيل سنابكها
فتكلموا رحمكم الله .
فكأنما الجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة إلا عشرون رجلا فانهم
قاموا إلي فقالوا : يا ابن رسول الله ما نملك إلا أنفسنا وسيوفنا ، فها نحن بين يديك
لامرك طائعون ، وعن رأيك صادرون ، فمرنا بما شئت ، فنظرت يمنة ويسرة ، فلم
أر أحدا غيرهم .
فقلت : لي اسوة بجدي رسول الله صلى الله عليه وآله حين عبدالله سرا ، وهو يومئذ في تسعة
وثلاثين رجلا ، فلما أكمل الله له الاربعين صار في عدة وأظهر أمر الله فلو كان معي
عدتهم جاهدت في الله حق جهاده .


(1)آل عمران : 144 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه