بحار الأنوار ج3

جسما ولا روحا ، وليس لاحد في خلق الروح الحساس الدرك أثر ولاسبب ، هو
المتفرد بخلق الارواح والاجسام ، فمن نفى عنه الشبهين : شبه الابدان وشبه الارواح
فقد عرف الله بالله ، ومن شبهه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف الله بالله .
أقول : قال الصدوق رحمه الله في كتاب التوحيد : القول الصواب في هذا الباب
هو أن يقال : عرفناالله بالله ،(1)لانا إن عرفناه بعقولنا فهو عزوجل واهبها ، وإن عرفناه
عزوجل بأنبيائه ورسله وحججه عليهم السلام فهو عزوجل باعثهم ومرسلهم ومتخذهم
حججا ، وان عرفناه بأنفسنا فهوعزوجل محدثنا فبه عرفناه ، وقد قال الصادق عليه السلام :
لولا الله ما عرفناه ، ولولا نحن ما عرف الله . ومعناه : لولا الحجج ماعرف الله حق معرفته ، و
ولولا الله ما عرف الحجج . وقد سمعت بعض أهل الكلام يقول : لوأن رجلا ولد في فلاة
من الارض ولم ير أحدا يهديه ويرشده حتى كبر وعقل ونظر إلى السماء والارض لدله
ذلك على أن لهما صانعا ومحدثا . فقلت : إن هذا شئ لم يكن ، وهو إخبار بمالم يكن
ان لو كان كيف كان يكون ، ولو كان ذلك لكان لا يكون ذلك الرجل إلا حجة الله - تعالى
ذكره - على نفسه كما في الانبياء عليهم السلام ، منهم من بعث إلى نفسه ، ومنهم من بعث إلى أهله
وولده ، ومنهم من بعث إلى أهل محلته ، ومنهم من بعث إلى أهل بلده ، ومنهم من بعث
إلى الناس كافة .
وأما استدلال إبراهيم الخليل عليه السلام بنظره إلى الزهرة ، ثم إلى القمر ، ثم إلى الشمس ،
وقوله - فلما أفلت - : يا قوم إني برئ مما تشركون فإنه عليه السلام كان نبيا ملهما مبعوثا
مرسلا ، وكان جميع قوله إلى آخره بإلهام الله عزوجل إياه ، وذلك قوله عزوجل : " وتلك
حجتنا آتيناهم إبراهيم على قومه " وليس كل أحد كإبراهيم عليه السلام ، ولو استغني في معرفة
التوحيد بالنظر عن تعليم الله عزوجل وتعريفه لما أنزل الله عزوجل ما أنزل من قوله : فاعلم
أنه لا إله إلا الله ، ومن قوله : قل هو الله أحد إلى آخره ، ومن قوله : بديع السموات و
الارض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ، إلى قوله : وهو اللطيف الخبير ، وآخر
الحشر وغيرها من آيات التوحيد .


(1)سيجيئ حق معنى معرفة الله بالله في رواية عبدالاعلى على نوالاشارة ، وأما ماذكره رحمه الله
زعما منه أن المعرفة مستنده إلى الله وليست بمكتسبة فبمعزل عن مراد الرواية . ط

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه