بحار الأنوار ج66

أرض موسى بن عمران وضعا رفيقا .
قال : فلما بلغ موسى بلاده قال : يارب بما بلغت هذا ما أرى ؟ قال : إن
عبدي هذا يصبر على بلائي ، ويرضى بقضائي ، ويشكر نعمائي .
39 - نهج من كلام له عليه السلام عند تلاوته :(رجال لاتلهيهم تجارة
ولابيع عن ذكرالله)(1)قال : إن الله سبحانه جعل الذكر جلاء للقلوب ، تسمع
به بعد الوقرة ، وتبصر به بعد العشوة ، وتنقاد به بعد المعاندة ، وما
برح لله عزت آلاؤه في البرهة بعد البرهة ، وفي أزمان الفترات ، عباد ناجاهم
في فكرهم ، وكلمهم في ذات عقولهم ، فاستصبحوا بنور يقظة في الاسماع
والابصار والافئدة ، يذكرون بأيام الله ، ويخوفون مقامه ، بمنزلة
الادلة في الفلوات ، من أخذ القصد حمدوا إليه طريقة ، وبشروه بالنجاة
ومن أخذ يمينا وشمالا ذموا إليه الطريق وحذروه من الهلكة .
وكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات وأدلة تلك الشبهات وإن للذكر لاهلا
أخذوه من الدنيا بدلا ، فلم تشغلهم تجارة ولابيع عنه ، يقطعون به أيام الحياة
ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين ، ويأمرون بالقسط ، ويأتمرون
به ، وينهون عن المنكر ، ويتناهون عنه ، فكأنما قطعوا الدنيا إلى الاخرة
وهم فيها ، فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول
الاقامة فيه ، وحققت القيامة عليهم عداتها ، فكشفوا غطاء ذلك لاهل الدنيا
حتى كأنهم يرون ما لايرى الناس ، ويسمعون مالايسمعون .
فلو مثلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة ، ومجالسهم المشهودة ، وقد نشروا
دواوين أعمالهم ، وفرغوا لمحاسبة أنفسهم على كل صغيرة وكبيرة ، امروا بها
فقصروا عنها ، ونهوا عنها ففرطوا فيها ، وحملوا ثقل أوزارهم ظهورهم ، فضعفوا
عن الاستقلال بها ، فنشجوا نشيجا وتجاوبوا نحيبا يعجون إلى ربهم من مقام
ندم واعتراف ، لرأيت أعلام هدى ، ومصابيح دجى ، قد حفت بهم الملائكة


(1)النور : 37 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه