من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا(1)ولم تطله فيها ديمة رخاء إلا هتنت
عليه مزنة بلاء(2)وحري إذا أصبحت له متنصرة أن تمسى له متنكرة ، فإن
جانب منها اعذوذب لامرء واحلولى أمر عليه جانب فأوبي ، وإن لقى امرء من
غضارتها رغبا زودته من نوائبها تعبا ، ولا يمسي امرء منها في جناح أمن إلا أصبح في
خوافي خوف(3)غرارة غرور ما فيها ، فانية فان من عليها ، من أقل منها استكثر
مما يؤمنه(4)ومن استكثر منها لم يدم له وزال عما قليل عنه ، كم من واثق بها
قد فجعته ، وذي طمأنينة إليها قد صرعته ، وذي خدع قد خدعته ، وذي أبهة قد
صيرته حقيرا ، وذي نخوة قد صيرته خائفا فقيرا ، وذي تاج قد أكبته لليدين و
الفم . سلطانها دول ، وعيشها رنق(5)وعذبها اجاج ، وحلوها صبر ، وغذائها سمام
وأسبابها رمام(6)حيها بعرض موت وصحيحها بعرض سقم ، ومنيعها بعرض اهتضام
عزيزها مغلوب ، وملكها مسلوب ، وضيفها مثلوب ، وجارها محروب(7)ثم من وراء
(1)الحبرة بالفتح : النعمة . والعبرة : الدمعة . والسراء مصدر بمعنى المسرة و
والضراء : الشدة . ويختص البطن بالسراء والظهر بالضراء لان الاقبال يكون بالاول كما أن
الادبار بالثانى ، أولان الترس يكون بطنه اليك وظهره إلى عدوك .
(2)الطل - بالفتح - : المطر الضعيف . والديمة - بالكسر - : مطر يدوم في سكون
بلا رعد وبرق . وهتنت أى انصبت . والحرى : الجدير والخليق .
(3)الخوافى : ريشات من الجناح اذا ضم الطائر جناحيه خفيت . وفى المثل ليس
القوادم كالخوافى .
(4)أى من أخذ القليل من متاعها أخذ الكثير مما يؤمنه .
(5)الدولة - بالفتح - الانقلاب للزمان والجمع دول مثلثة . والرنق : الماء الكدر .
(6)السمام - بالكسر - جمع سم بالضم والفتح . والسبب في اصل الحبل الذى
يتوصل به إلى الماء ، ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى الشئ . والرمم - بالكسر - جمع
رمة - بالضم - وهى قطعة جبل بالية .
(7)المثلوب : الملوم ، وثلبه أى عابه ولامه . والمحروب : المسلوب ماله