بحار الأنوار ج62

إباحة جميع ما يعده العقل طيبا ولا يجدفيه ضررا وخبثا مما يسمى رزقا لبني آدم ، أي
ينتفع به في الاكل ، أصرح مما تقدم ففهم كون الاشيآء على أصل الحلية منها أولى .
أقول : على سياق ما قدمنا يكون الحاصل كلوا مما لم يدل دليل شرعي على
تحريمه فيما رزقناكم ومكناكم من التصرف فيه ، أو مما لم يكن فيه جهة قبح واقعي
فيرجع إلى الاول ، لاأنه يعلم ذلك ببيان الشارع أو مما لم يكن مضرا بالنفس والبدن
أو مما يستلذه الطبع المستقيم ولا يتنفرعنه ، إما بناء على الغالب من أنه لا يرغب
إلى غير ذلك ، أوبناء على أن سياق الآية مشتمل على الامتنان وعمدة الامتنان به
لا بما تتنفر الطباع عنه ، أو لمرجوحية أكل الخبائث غير المحرمة بناء على أن
الامر للاباحة الصرفة أو لرجحان التصرف في الطيبات وأكلها ، بناء على أن الامر
للاستحباب .
وبالجملة يشكل الاستدلال بأمثال على تحريم ما تتنفر عنه عامة الطباع .
وقال الرازي : اعلم أن الاكل قديكون واجبا وذلك عند دفع الضرر ، وقد
يكون مندوبا وذلك أن الضيف قد يمتنع من الاكل إذا انفرد وينبسط إذا سوعد فهذا
مندوب ، وقد يكون مباحا إذا خلا عن هذه العوارض ، والاصل في الشئ أن يكون
خاليا عن العوارض فلا جرم كان مسمى الاكل مباحا ، وإذا كان الامر كذلك كان
الامر كذلك .
ثم قال : احتج الاصحاب على أن الرزق قد يكون حراما بقوله :(من طيبات
ما رزقناكم)بأن الطيب هو الحلال ، فلو كان رزق حلالا لكان المعنى كلوا من
محللات ما حللنا لكم فيكون تكرارا ، وهو خلاف الاصل ، وأجابوا عنه بأن الطيب
في اللغة عبارة عن المستلذ المستطاب ، ولعل أقواما ظنوا أن التوسع في المطاعم
والاستكثار من طيباتها ممنوع منه فأباح الله تعالى ذلك بقوله : كلوا من لذائدما
أحللنالكم ، فكان تخصيصه بالذكر لهذا المعنى انتهى(1).


(1)تفسير الرازى .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه