بحار الأنوار ج5

" ولا تطع من أغفلنا قلبه "(1)وبالاقساء في قوله تعالى " وجعلنا قلوبهم قاسية "(2)وهي من حيث
إن الممكنات بأسرها مستندة إلى الله واقعة بقدرته استندت إليه ، ومن حيث إنها مسببة
مما اقترفوه بدليل قوله : " بل طبع الله عليها بكفرهم "(3)وقوله تعالى : " ذلك بأنهم آمنوا
ثم كفروا فطبع على قلوبهم "(4)وردت الآية ناعية عليهم(5)شناعة صفتهم ووخامة
عاقبتهم ، واضطرت المعتزلة فيه فذكروا وجوها من التأويل :
الاول : أن القوم لما أعرضوا عن الحق وتمكن ذلك في قلوبهم حتى صار
كالطبيعة لهم شبه بالوصف الخلقي المجبول عليه .
الثاني : أن المراد به تمثيل حال قلوبهم بقلوب البهائم التي خلقها الله تعالى خالية
عن الفطن أو قلوب مقدر ختم الله عليها ; ونظيره : سال به الوادي : إذا هلك ، وطارت به
العنقاء : إذا طالت غيبته .
الثالث : أن ذلك في الحقيقة فعل الشيطان ، أو الكافر لكن لما كان صدوره عنه
بإقداره تعالى إياه أسنده إليه إسناد الفعل إلى السبب .
الرابع : أن أعراقهم لما رسخت في الكفر واستحكمت بحيث لم يبق طريق إلى
تحصيل إيمانهم سوى الالجاء والقسر ثم لم يقسرهم إبقاء‌ا على غرض التكليف عبر
عن تركه بالختم ، فإنه سد لايمانهم ، وفيه إشعار على ترامي أمرهم في الغي وتناهي
انهماكهم في الضلال والبغي .
الخامس : أن يكون حكاية لما كانت الكفرة يقولون مثل : " قلوبنا في أكنة مما
تدعوننا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب "(6)تهكما واستهزاء‌ا بهم ، كقوله
تعالى : " لم يكن الذين كفروا "(7)الآية .


(1)الكهف : 28(2)المائدة : 13 .(3)النساء : 155 .(4)المنافقون : 3 .
(5)نعى عليه شهواته : عابه بها . ونعى عليه ذنوبه : ظهرها وشهرها .
(6)حم السجدة : 5 أقول : أكنة جمع الكن ، وهو وقاء كل شئ وستره ، قال الشيخ الطوسى
في التبيان : وانما قالوا : ذلك ليؤيسوا النبى صلى الله عليه وآله من قبولهم دينه ، فهو على التمثيل
فكأنهم شبهوا قلوبهم بما يكون في غطاء فلا يصل اليه شئ مما وراء‌ه ، وفيه تحذير من مثل حالهم
في كل من دعى إلى أمر لا يمتنع أن يكون هو الحق ، فلا يجوز أن يدفعه بمثل هذا الدفع ، " وفى
آذاننا وقر " أى ثقل عن استماع هذا القرآن " ومن بيننا وبينك حجاب " قيل : الحجاب : الخلاف
الذى يقتضى أن نكون بمعزل عنك ، قال الزجاج : معناه : حاجز في النحلة والدين ، أى لا نوافقك
في مذهب .(7)البينة : 1 . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه