بحار الأنوار ج4

فإن قيل : فلم أضاف السؤال إلى نفسه ووقع الجواب مختصا به ؟ قلنا : لا يمتنع
وقوع الاضافة على هذا الوجه ، مع أن السؤال كان لاجل الغير إذا كانت هناك دلالة
تؤمن من اللبس ، فلهذا يقول أحدنا - إذا شفع في حاجة غيره - للمشفوع إليه : أسألك أن
تفعل بي كذا وتجيبنى إلى ذلك ، ويحسن أن يقول المشفوع إليه : قد أجبتك وشفعتك ، وما
جرى مجرى ذلك ، على أنه قد ذكر في الخبر ما يغني عن هذا الجواب .
وأما ما يورد في هذا المقام من أن السؤال إذا كان للغير فأي جرم كان لموسى حتى
تاب منه ؟ فأجاب عليه السلام بحمل التوبة على معناه اللغوي أي الرجوع أي كنت قطعت
النظر عما كنت أعرفه من عدم جواز رؤيتك ، وسألت ذلك للقوم فلما انقضت المصلحة
في ذلك تركت هذا السؤال ورجعت إلى معرفتي بعدم جواز رؤيتك وما تقتضيه من عدم
السؤال .
وأجاب السيد قدس الله روحه عنه بأنه يجوز أن يكون التوبة لامر آخر غير
هذا الطلب ، أو يكون ما أظهره من التوبة على سبيل الرجوع إلى الله تعالى ، وإظهار
الانقطاع إليه ، والتقرب منه ، وإن لم يكن هناك ذنب . والحاصل أن الغرض من ذلك
إنشاء التذلل والخضوع ، ويجوز أن يضاف إلى ذلك تنبيه القوم المخطئين على التوبة
مما التمسوه من الرؤية المستحيلة عليه ، بل أقول : يحتمل أن يكون التوبة من قبلهم كما
كان السؤال كذلك .
الثانى : أنه عليه السلام لم يسأل الرؤية بل تجوز بها عن العلم الضروري لانه لازمها ،
وإطلاق اسم الملزوم على اللازم شائع سيما استعمال رأى بمعنى علم وأرى بمعنى أعلم
والحاصل أنه سأله أن يعلمه نفسه ضرورة بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره
إلى المعرفة ، فتزول عنه الدواعي والشكوك ، ويستغني عن الاستدلال كما سأل إبراهيم
عليه السلام : " رب أرني كيف تحيي الموتي "
الثالث : أن في الكلام مضافا محذوفا أي أرني آية من آياتك أنظر إلى آيتك ، و
حاصلة يرجع إلى الثاني .
الرابع : أنه عليه السلام سأل الرؤية مع علمه بامتناعها لزيادة الطمأنينة بتعاضد دليل

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه