بحار الأنوار ج59

وقد جاء في أحاديث كثيرة النهي عن الكي ، فقيل : إنما نهي عنه من أجل أنهم كانوا
يعظمون أمره ويرون أنه يحسم الداء ، وإذا لم يكو العضو عطب وبطل . فنهاهم
إذا كان على هذا الوجه ، وأباحه إذا جعل سببا للشفاء لاعلة له ، فإن الله تعالى هو
الذي يبرئه ويشفيه لا الكي والدواء ، وهذا أمر تكثر فيه شكوك الناس ، يقولون :
لو شرب الدواء لم يمت ، ولو أقام ببلده لم يقتل ، وقيل : يحتمل أن يكون نهيه عن
الكي إذا استعمل على سبيل الاحتراز من حدوث المرض وقبل الحاجة إليه ، وذلك
مكروه ، وإنما أبيح للتداوي والعلاج عند الحاجة ، ويجوز أن يكون النهي عنه
من قبيل التوكل ، كقوله هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون
والتوكل درجة اخرى غير الجواز ، والله أعلم .
الثانية : روى الخطابي أيضا عن جابر بن عبدالله قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله
يقول : إن كان في شئ من أدويتكم خير ففي شرطة حجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق
الداء وما أحب أن أكتوي .
ثم قال : الطب على نوعين : الطب القياسي ، وهو طب اليونانيين الذي
يستعمله أكثر الناس في أوسط بلدان أقاليم الارض ، وطب العرب والهند ، وهو
الطب التجاربي .
وإذا تأملت أكثر ما يصفه النبي صلى الله عليه وآله من الدواء إنما
هو على مذهب العرب إلا ما خص به من العلم النبوي الذي طريقه الوحي ، فإن
ذلك فوق كل ما يدركه الاطباء أو يحيط به حكمه الحكماء والالباء ، وقد
يكون بعض تلك الاشفية من ناحية التبرك بدعائه وتعويذه ونفثه ، وكل ما قاله
من ذلك وفعل صواب ، وحسن جميل ، يعصمه الله أن يقول إلا صدقا وأن يفعل إلا
حقا - انتهى - .
وقد أومأنا إلى علة تخصيص الحجامة في أكثر الاخبار بالذكر وعدم التعرض
للفصد فيها ، لكون الحجامة في تلك البلاد أنفع وأنجح من الفصد ، وإنما ذكر الفصد
في بعض الاخبار عن بعضهم عليهم السلام بعد تحولهم عن بلاد الحجاز إلى البلاد التي الفصد

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه