يستسعد بالقرب من الله تعالى فيفلح إذا زكاه ، وهو الذي يخيب ويشقى إذا دنسه
ودساه .
وهو المطيع لله بالحقيقة به ، وإنما الذي ينتشر على الجوارح من العبادات
أنواره ، وهو العاصي المتمرد على الله ، وإنما الساري على الاعضاء من الفواحش
آثاره ، وباظلامه واستنارته تظهر محاسن الظاهر ومساويه إذ كل إناء يترشح
بما فيه .
وهو الذي إذا عرفه الانسان فقد عرف نفسه ، وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه
وهو الذي إذا جهله الانسان فقد جهل نفسه ، وإذا جهل نفسه فقد جهل ربه
ومن جهل بقلبه فهو بغيره أجهل ، وأكثر الخلق جاهلون بقلوبهم وأنفسهم ، وقد
حيل بينهم وبين أنفسهم ، فان الله يحول بين المرء وقلبه ، وحيلولته بأن لايوفقه
لمشاهدته ومراقبته ومعرفة صفاته وكيفية تقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن
وأنه كيف يهوى مرة إلى أسفل السافلين ، ويتخفض إلى افق الشياطين ، وكيف
يرتفع اخرى إلى أعلى عليين ، ويرتقي إلى عالم الملائكة المقربين .
ومن لم يعرف قلبه ليراقبه ويراعيه ، ويترصد مايلوح من خزائن الملكوت
عليه وفيه ، فهو ممن قال الله تعالى فيه : ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم
أنفسهم اولئك هم الفاسقون (1)فمعرفة القلب وحقيقة أوصافه أصل الدين
وأساس طريق السالكين .
فاذا عرفت ذلك فاعلم أن النفس والروح والقلب والعقل ألفاظ متقاربة المعاني
فالقلب يطلق لمعنيين أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الايسر
من الصدر ، وهو لحم مخصوص ، وفي باطنه تجويف ، وفي ذلك التجويف دم أسود
وهو منبع الروح ومعدنه ، وهذا القلب موجود للبهائم ، بل هو موجود للميت .
والمعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحانية ، لها بهذا القلب الجسماني تعلق
وقد تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه علاقته ، فان تعلقها به يضاهي تعلق