بيان : الذي أخرجني لعل المعنى أنه لما أمر الله تعالى بعد الركوع
الذي هو تذلل العبد واستكانته عند ربه برفع الرأس ، فمعناه أنه رفعك الله عن المذلة
في الدارين ، ونجاك من الهلكة فيهما ، ولايقدر على ذلك إلا الذي خلقه ، وأخرجه
من العدم إلى الوجود ، فهذا مستلزم للاقرار بالخلق .
وأما السجدة الاولى فانما تدل على الخلق ، لان مثل هذا التذلل لايليق
إلا بالخالق ، وإنما أمره بالسجدة بالتراب لانه مبدء خلقه ، وكذا الرفع يدل
على أن الذي خلقه من التراب قادر على أن يخلصه من تعلقات هذه الدنيا الدنية ، و
يجعله جليس رب الارباب ، ثم يسجد للاقرار بأن له بعد هذه الرفعة مذلة تحت التراب
ثم يرفعه عنها رفعة لامذلة بعدها يوم الحساب .
وأما التورك فلما كانت اليسرى أضعف الجانبين وأخسهما فناسبت الباطل ،
واليمنى أقوى الجانبين وأشرفهما ناسبت الحق ، فلما رفع اليمنى على اليسرى أشعر
بذلك بأني أقمت الحق وأمت الباطل ، مع أن فيه مخالفة العامة أيضا في الاقعاء
فقد أقام هذا الحق وأمات هذا الباطل الذي ابتدعوه ، ولما كانت الصلاة معراج المؤمن
فإذن السلام كناية عن دخوله المجلس الخاص للمعبود ، وهو دار الامن والامان ،
فكأنه بشارة بالامن من عذاب يوم القيامة ، أو أن الامام إذا سلم على المأمومين بأمره
تعالى فكأنه بشرهم بالسلامة والرحمة والبركات من مفيض الخيرات .
ويؤيد الاخير أنه روي في الفقيه (1)قال رجل لامير المؤمنين عليه السلام : ياابن عم
خير خلق الله مامعنى رفع رجلك اليمنى وطرحك اليسرى في التشهد ؟ قال : تأويله
اللهم أمت الباطل وأقم الحق ، قال فما معنى قول الامام السلام عليكم ؟ فقال : إن
الامام يترحم عن الله عزوجل ويقول في ترجمته لاهل الجماعة : أمان لكم من عذاب
الله يوم القيامة ، وتحت كل منها أسرار لاتخفى على العارفين ، وذكرها يوجب
ملال الغافلين .
وقال الشهيدان في النفلية وشرحها : واول في الرواية التي رواها أحمد بن
(1)فقيه من لايحضره الفقيه ج 1 ص 210 .