وقالت مشركو العرب : نحن نقول : إن أوثاننا آلهة وقد جئناك لننظر ما تقول ،
فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : آمنت بالله وحده لا شريك له ، وكفرت بالجبت وبكل
معبود سواه ، ثم قال لهم : إن الله تعالى قد بعثني كافة للناس بشيرا ونذيرا حجة على
العالمين ، وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره ، ثم قال لليهود : أجئتموني لاقبل قولكم
بغير حجة ؟ قالوا : لا ، قال : فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله ؟ قالوا :
لانه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ماذهبت ، ولم يفعل بها هذا إلا لانه ابنه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذي جاءهم
بالتوراة ورئي منه من المعجزات ما قد علمتم ؟ فإن كان عزير ابن الله لما أظهر من
الكرامة بإحياء التوراة فلقد كان موسى بالبنوة أحق وأولى ، ولئن كان هذا المقدار
من إكرامه لعزير يوجب أنه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل
من البنوة ، وإن كنتم إنما تريدون(1)بالبنوة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في
دنياكم هذه من ولادة الامهات الاولاد بوطي آبائهم لهن فقد كفرتم بالله وشبهتموه
بخلقه ، وأوجبتم فيه صفات المحدثين ، ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا ، وأن
يكون له خالق صنعه وابتدعه ، قالوا : لسنا نعني هذا ، فإن هذا كفر كما ذكرت ،
ولكنا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادة ، كما يقول بعض
علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة(2)عن غيره : يا بني ، وإنه ابني ، لا على
إثبات ولادته منه ، لانه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب بينه وبينه ، وكذلك
لما فعل الله بعزير ما فعل كان قد اتخده ابنا على الكرامة لا على الولادة ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله : فهذا ما قلته لكم : إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإن
هذه المنزلة لموسى أولى ، وإن الله يفضح كل مبطل بإقراره ويقلب عليه حجته .
(1)في المصدر : لانكم إن كنتم انما تريدون اه .
(2)في نسخة : بمنزلته .