أبدانهم فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم فيصلح عليهم أمر دينهم ، وأنا
أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي المؤمنين .
وإن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده
فيجتهد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضر به بالنعاس الليلة والليلتين ، نظرا مني
إليه وإبقاء عليه ، فينام حتى يصبح ، فيقوم وهو ماقت لنفسه زار عليها ، ولو اخلى
بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك ، فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله
فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه حتى يظن انه قد فاق
العابدين وجاز في عبادته حد التقصير ، فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي .
فلا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي ، فانهم لو اجتهدوا
وأتعبوا أنفسهم وأعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي
فيما يطلبون عندي من كرامتي ، والنعيم في جناتي ، ورفيع درجات العلى في جواري
ولكن فبرحمتي فليثقوا ، وبفضلي فليفرحوا ، وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا
فان رحمتي عند ذلك تداركهم ، ومني يبلغهم رضواني ، ومغفرتي تلبسهم عفوي
فاني أنا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت(1).
توضيح : الغنا بالكسر والقصر وبالفتح والمد ضد الفقر ، والسعة بالفتح
والكسر مصدر وسعه الشئ بالكسر يسعه سعة وهي تأكيد للغنا أو المراد بها كثرة
الغنا ، وقد مر تأويل الاختبار مرارا فظهر أن اختلاف أحوالهم مبني على اختبارهم
فيختبر بعضهم بالغنا ليظهر شكره أو كفرانه ، ولعلمه بأنه أصلح لدينه ، وبعضهم
بالفقر ليظهر شكره أو شكايته ، ولعلمه بأنه أصلح لدينه ، وهكذا ، وبالجملة يختبر
كلا منهم بما هو أصلح لدينه ودنياه .
والرقاد بالضم النوم أو هو خاص بالليل ، والوساد بالفتح المتكأ والمخدة
كالوسادة مثلثة ، وإضافة اللذيذ إليه إضافة الصفة إلى الموصوف ، والاجتهاد السعي
والجد في العبادة ، والليالي منصوب بالظرفية فأضر به النعاس كأنه على الاستعارة