أهل الكوفة حتى حضره في قصره ، وأخذ بكظمه وأغلق ابن زياد الابواب دونه خوفا
وجبنا ، حتى بث الناس في كل وجه يرغبون الناس ويرهبونهم ويخذلونهم
عن نصرة ابن عقيل ، فتقاعدوا وتفرق أكثرهم حتى أمسى في شرذمة ، وانصرف
وكان من أمره ماكان
وإنما أردنا بذكر هذه الجملة ، أن أسباب الظفر بالاعداء كانت لائحة
متوجهة ، وأن الاتفاق السيئ عكس الامر إلى مايروون من صبره واستسلامه
وقلة ناصره على الرجوع إلى الحق دينا أو حمية ، فقد فعل ذلك نفر منهم حتى
قتلوا بين يديه عليه السلام شهداء ، ومثل هذا يطمع فيه ويتوقع في أحوال الشدة
فأما الجمع بين فعله وفعل أخيه الحسن عليه السلام فواضح صحيح ، لان أخاه سلم
كفا للفتنة ، وخوفا على نفسه وأهله وشيعته ، وإحساسا بالغدر من أصحابه ، وهذا عليه السلام
لماقوي في ظنه النصرة ممن كاتبه ووثق له ، ورأى من أسباب قوة نصار الحق
وضعف نصار الباطل ، ماوجب معه عليه الطلب والخروج ، فلما انعكس ذلك
وظهرت أمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق ، رام الرجوع والمكافة والتسليم كما
فعل أخوه عليه السلام ، فمنع من ذلك ، وحيل بينه وبينه ، فالحالان متفقان إلا أن
التسليم والمكافة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه عليه السلام ولم يجب إلى الموادعه و
طلبت نفسه عليه السلام فمنع منها بجهده حتى مضى كريما إلى جنة الله تعالى ورضوانه
وهذا واضح لمتأمله انتهى
أقول : قد مضى في كتاب الامامة وكتاب الفتن أخبار كثيرة دالة على أن
كلا منهم عليهم السلام كان مأمورا بامور خاصة مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على
الرسول صلى الله عليه وآله فهم كانوا يعملون بها . ولاينبغي قياس الاحكام المتعلقة بهم على
أحكامنا ، وبعد الاطلاع على أحوال الانبياء عليهم السلام وأن كثيرا منهم كانوا يبعثون
فرادى على الوف من الكفرة ، ويسبون آلهتهم ، ويدعونهم إلى دينهم ، ولايبالون
بماينالهم من المكاره والضرب والحبس والقتل والالقاء في النار وغير ذلك ، لاينبغي
الاعتراض على أئمة الدين في أمثال ذلك ، مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين