بحار الأنوار ج5

على مثال واحد ، وقدر واحد ، وطبيعة واحدة ، وجبلة واحدة ، وألوان واحدة ، وأعمار
واحدة ، وأرزاق سواء لم يبغ بعضهم على بعض ، ولم يكن بينهم تحاسد ولا تباغض ولا
اختلاف في شئ من الاشياء ، فقال الله جل جلاله : يا آدم بروحي نطقت ، وبضعف
طبعك تكلفت مالا علم لك به وأنا الله الخلاق(1)العليم ، بعلمي خالفت بين خلقهم ،
وبمشيتي أمضي فيهم أمري وإلى تدبيري وتقديري هم صائرون ، لا تبديل لخلقي
وإنما خلقت الجن والانس ليعبدوني ، وخلقت الجنة لمن عبدني وأطاعني منهم واتبع
رسلي ولا أبالي ، وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني ولم يتبع رسلي ولا ابالي ، وخلقتك
وخلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك وإليهم ، وإنما خلقتك وخلقتهم لابلوك وأبلوهم
أيكم أحسن عملا في دار الدنيا في حياتكم وقبل مماتكم ، وكذلك خلقت الدنيا والآخرة
والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنة والنار ، وكذلك أردت في تقديري
وتدبيري وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم "(2)وألوانهم وأعمارهم
وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم ; فجعلت منهم السعيد والشقي ، والبصير والاعمى ،
والقصير والطويل ، والجميل والذميم ، والعالم والجاهل ، والغني والفقير ، والمطيع
والعاصي ، والصحيح والسقيم ، ومن به الزمانة ومن لا عاهة به ;(3)فينظر الصحيح إلى
الذي به العاهة فيحمدني على عافيته ، وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني
ويسألني أن اعافيه ويصبر على بلائه(4)فأثيبه جزيل عطائي ، وينظر الغني إلى الفقير
فيحمدني ويشكرني ، وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني ، وينظر المؤمن إلى الكافر
فيحمدني على ما هديته ، فلذلك خلقتهم لابلوهم في السراء والضراء وفيما عافيتهم
وفيما ابتليتهم وفيما أعطيتهم وفيما أمنعهم(5)وأنا الله الملك القادر ، ولي أن امضي
جميع ما قدرت على ما دبرت ، وإلي أن اغير عن ذلك ما شئت إلى ما شئت فأقدم من


(1)في نسخة : الخالق .(2)في نسخة : وأجسادهم
(3)الزمانة : عدم بعض الاعضاء ; تعطيل القوى . العاهة : الافة .
(4)في المصدر : على بلائى فاثيبه على جزيل عطائى . م
(5)وفى نسخة : وفيما اعافيهم ، وفيما ابتليهم ، وفيما اعطيهم ، وفيما منعتهم . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه