بحار الأنوار ج59

وقال ابن حجر في فتح الباري : لم يرد النبي صلى الله عليه وآله الحصر في الثلاثة ، فإن
الشفاء قد يكون في غيرها ، وإنما نبه على اصول العلاج وذلك أن الامراض الامتلائية
تكون دموية ، وصفرواية ، وبلغمية ، وسوداوية . وشفاء الدموية بإخراج الدم
وإنما خص الحجم بالذكر لكثرة استعمال العرب والفتهم له بخلاف الفصد ، وان كان
في معنى الحجم لكنه لم يكن معهودا لها غالبا ، على أن في التعبير بقوله شرطة
محجم ما قد يتناول الفصد أيضا ، فالحجم في البلاد الحارة أنجح من الفصد ، والفصد
في الباردة أنجح من الحجم .
وأما الامتلآء الصفراوي وما ذكر معه فدواؤه بالمسهل . وقد نبه عليه بذكر
العسل . وأما الكي فإنه يقع أخيرا لاخراج ما يتعسر إخراجه من الفضلات ، وما
نهى عنه مع إثبات الشفاء فيه إما لكونهم كانوا يرون أنه يحسم الداء بطبعه وكرهه
لذلك ، ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل حصول الداء ، لظنهم أنه يحسم الداء فيتعجل
الذي يكتوى التعذيب بالنار لامر مظنون ، وقد لا يتفق أن يقع له ذلك المرض الذي
يقطعه الكي . ويؤخذ من الجمع بين كراهيته صلى الله عليه وآله للكي وبين استعماله أنه لا
يترك مطلقا ولا يستعمل مطلقا ، بل يستعمل عند تعينه طريقا إلى الشفاء مع مصاحبة
اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى .
وقد قيل : إن المراد بالشفاء في هذا الحديث الشفاء من أحد قسمى المرض ،
لان الامراض كلها إما مادية أو غيرها ، والمادة كما تقدم حارة أو باردة ، وكل
منهما وإن انقسم إلى رطبة ويابسة ومركبة فالاصل الحرارة والبرودة ، فالحار
يعالج بإخراج الدم ، لما فيه من استفراغ المادة وتبريد المزاج ، البارد بتناول العسل
لما فيه من التسخين والانضاج والتقطيع والتلطيف والجلاء والتليين ، فيحصل بذلك
استفراغ المادة برفق ، وأما الكي فخاص بالمرض المزمن ، لانه يكون عن مادة باردة
قد تغير مزاج العضو ، فإذا كوى خرجت منه ، وأما الامراض التي ليس بمادية فقد
أشير إلى علاجها بحديث الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء انتهى .
وقال الجزري في النهاية : الكي بالنار من العلاج المعروف في كثير من الامراض

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه