بحار الأنوار ج54

بأنفسها غير مركبة ، فمن امتزاج الحرارة واليبس حصلت النار ، ومن الرطوبة و البرد حدث الماء ، ومن الحرارة والرطوبة حدث الهواء ، ومن امتزاج البرد و اليبس حصلت الارض ، ثم قال : إن الحرارة لما حركت طبيعة الماء والارض تحرك الماء للطفه عن ثقل الارض ، وانقلب ما أصابه من الحر فصار بخارا لطيفا هوائيا رقيقا روحانيا ، وهو أول دخان طلع من أسفل الماء وامتزج بالهواء فسما إلى العلو لخفته ولطافته ، وبلغ الغاية في صعوده على قدر قوته ونفرته من الحرارة ، ثم وقف فكان منه الفلك الاعلى ، وهو فلك زخل ، ثم حركت النار الماء أيضا فطلع منه دخان هو أقل لطفا مما صعد أو لا وأضعف ، فلما صار بخارا سما إلى العلو بجوهره ولطافته ولم يبلغ فلك زحل لقلة لطافته عما قبله فكان منه الفلك الثاني ، وهو فلك المشتري ، وهكذا بين طلوع الدخان مرة مرة وتكون الافلاك الخمسة الباقية عنه . ثم قال : والافلاك السبعة بعضها في جوف بعض ، وبين كل فلكين منها هواء واسع مملو أجزاء لا تتحرك . ونقل صاحب الملل والنحل عن(فلو طرخيس)أيضا من الحكماء القدماء أنه قال : أصل المركبات هو الماء ، فإذا تخلخل صافيا وجدت النار ، وإذا تخلخل وفيه بعض الثقل صار هواء ، وإذا تكاثف تكاثقا مبسوطا بالغا صار أرضا . وقد مر نقلا من التورية أن مبدء الخلق جوهر خلقه الله ثم نظر إليه نظر الهيبة فذابت أجزاؤه فصارت ماء إلى آخر ما مر ، وقريب منه ما رواه العامة عن كعب أنه قال : إن الله خلق ياقوتة خضراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ، ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ، ثم وضع العرش على الماء ، كما قال تعالى(وكان عرشه على الماء). وقيل : أول المخلوقات الهواء ، كما دل عليه ما ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره ، والظاهر أنه اخذ من خبر ، لكن لا تعارض به الاخبار الكثيرة المسندة ومع صحته يمكن الجمع بحمل أولية الماء على التقدم الاضافي بالنسبة إلى الاجسام المشاهدة المحسوسة التي يدركها جميع الخلق ، فإن الهواء ليس منها ، و

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه