بحار الأنوار ج67

فعل فعلا لطلب الثواب أو خوف العقاب ، فانه لايستحق بذلك ثوابا .
وأقول : لهاتين النيتين أيضا مراتب شتى بحسب اختلاف أحوال الناس
فان من الناس من يطلب الجنة لحصول مشتهياته الجسمانية فيه ، ومنهم من يطلبها
لكونها دار كرامة الله ومحل قرب الله ، وكذا منهم من يهرب من النار لالمها
ومنهم من يهرب منها لكونها دار البعد والهجران والحرمان ومحل سخط الله كما
قال أمير المؤمنين عليه السلام في الدعاء الذي علمه كميل بن زياد النخعي : فلئن صيرتني
في العقوبات مع أعدائك ، وجمعت بيني وبين أهل بلائك ، وفرقت بيني وبين
أحبائك وأوليائك ، فهبني ياإلهي وسيدي صبرت على عذابك ، فكيف أصبر على
فراقك ؟ وهبني صبرت على حر نارك ، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك ؟
إلى آخر ماذكر في هذا الدعاء المشتمل على جميع منازل المحبين ، ودرجات
العارفين ، فظهر أن هاتين الغايتين وطلبهما لاتنافيان درجات المقربين .
الثالثة نية من يعبد الله تعالى شكرا له ، فانه يتفكر في نعم الله التي لاتحصى
عليه فيحكم عقله بأن شكر المنعم واجب ، فيعبده لذلك كما هو طريقة المتكلمين
وقد قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار
وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك
عبادة الاحرار(1).
الرابعة نية من يعبده حياء فانه يحكم عقله بحسن الحسنات وقبح السيئات
ويتذكر أن الرب الجليل مطلع عليه في جميع أحواله ، فيعبده ويترك معاصيه
لذلك ، وإليه يسير قول النبي صلى الله عليه وآله الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فان لم تكن
تراه فانه يراك(2).


(1)راجع نهج البلاغة ج 2 ص 197 تحت الرقم 237 من الحكم .
(2)راجع الدر المنثور ج 1 ص 93 في حديث ابن عباس قال جلس رسول الله صلى الله
عليه وآله مجلسا فأتاه جبرئيل فجلس بين يدى رسول الله واضعا كفيه على ركبتى رسول الله
فقال : حدثنى عن الاسلام إلى أن قال : قال يارسول الله حدثنى ماالاحسان ؟ قال :
الاحسان أن تعمل لله(أن تعبد الله)كانك تراه الحديث .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه