بحار الأنوار ج58

وقال الكرماني في شرح البخاري : " فقدر آني " أي رؤيته ليست أضغاث أحلام
ولا تخييلات الشيطان ، كما روي : فقد رأى الحق . ثم الرؤية بخلق الله لايشترط
فيها مواجهة ولا مقابلة . فإن قيل : كثيرا مايرى على خلاف صفته ، ويراه شخصان في
حالة في مكانين . قلت : ذلك ظن الرائي أنه كذلك ، وقد يظن الظان بعض الخيالات
مرئيا لكونه مرتبطا بما يراه عادة ، فذاته الشريفة هي مرئية قطعا لاخيال فيه ولا ظن
فإن قلت : الجزاء هو الشرط . قلت : أراد لازمه ، أي فليستبشر فإنه رآني . وقال
الطيبي : اتحاد الشرط والجزاء يدل على المبالغة ، أي رأى حقيقتي على كمالها .
قال : وقال القاضي : لعله مقيد بما رآه على صفته ، فإن خالف كان رؤيا تأويل رؤيا
حقيقة ، وهو ضعيف . انتهى كلماتهم الواهية .
والظاهر أنها ليست رؤية بالحقيقة ، إنما هو بحصول الصورة في الحس المشترك
أو غيره بقدرة الله تعالى . والغرض من هذه العبارة بيان حقيقة الرؤيا وأنها من الله
لامن الشيطان ، وهذا المعنى هو الشائع في مثل هذه العبارة ، كأن يقول رجل : من
أراد أن يراني فلير فلانا ، أومن رأى فلانا فقد رآني ، أو من وصل فلانا فقد وصلني
فإن كل هذه محمولة على التجوز والمبالغة ، ولم يرد بها معناها حقيقة .
وأما التأويل الذي ذكره المفيد - قدس الله روحه - فيما نقلنا عنه في الباب
السابق فلا يخفى بعده ، مع أنه غير محتمل في خبر الرضا عليه السلام أصلا ، بل في بعض ألفاظ
الروايات العامية أيضا .
بقي الكلام في أنه هل يكون حجة في الاحكام الشرعية ؟ فيه إشكال ، فإنه
قدورد بأسانيد صحيحة عن الصادق عليه السلام في حديث الاذان أن دين الله تبارك وتعالى
أعز من أن يرى في النوم . ويمكن أن يقال : المراد أنه لا يثبت أصل شرعية الاحكام
بالنوم ، بل إنما هي بالوحي الجلي ، ومع ذلك ينبغي أن يخص بنوم غير الانبياء
والائمة عليهم السلام لمامر أن نومهم بمنزلة الوحي ، لكن هذه الاخبار ليست بصريحة
في وجوب العمل به ، إذ لعله مع العلم بكونه منهم عليهم السلام لم يجب العمل به ، إذ مناط
الاحكام الشرعية العلوم الظاهرة ، كما أن النبي والائمة عليهم السلام كانوا يعرفون كفر

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه