بحار الأنوار ج58

يرتضيه العقل الصحيح بقدر الطاقة البشرية ، وسمي حكمة عملية . وفسروا الحكمة
على ما يشمل القسمين بأنها خروج النفس من القوة إلى الفعل في كمالها الممكن علما
وعملا . إلا أنه لما كثر الخلاف وفشا الباطل والضلال في شأن الكمال ، وفي كون الاشياء
كما هي والامور على ما ينبغي ، لزم الاقتداء في ذلك بمن ثبت بالمعجزات الباهرة أنهم على
هدى من الله تعالى ، وكانت الحكمة الحقيقية هي الشريعة ، لكن لا بمعنى مجرد الاحكام
العملية ، بل بمعنى معرفة النفس مالها وما عليها والعمل بها ، على ما ذهب إليه أهل
التحقيق : من أن المشار إليها في قوله " ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا "(1)
هو الفقه ، وأنه اسم للعلم والعمل جميعا .
وقد تقسم الحكمة المفسرة بمعرفة الاشياء كما هي إلى النظرية والعملية ، لانها
إن كانت علما بالاصول المتعلقة بقدرتنا واختيارنا فعملية ، وغايتها العمل وتحصيل
الخير ، وإلا فنظرية وغايتها إدراك الحق وكل منهما ينقسم بالقسمة الاولية إلى
ثلاثة أقسام ، فالنظرية إلى الالهى والرياضي والطبيعي ، والعملية إلى علم الاخلاق
وعلم تدبير المنزل وعلم سياسة المدينة . لان النظرية إن كان علما بأحوال الموجودات
من حيث يتعلق بالمادة تصورا وقواما فهي العلم الطبيعي ، وإن كان من حيث يتعلق بها قواما
لا تصورا فالرياضي ، كالبحث عن الخطوط والسطوح وغيرهما مما يفتقر إلى المادة في
الوجود لا في التصور ، وإن كان من حيث لا يتعلق بها لا قواما ولا تصورا فالالهي
ويسمى العلم الاعلى وعلم ما بعد الطبيعة ، كالبحث عن الواجب والمجردات وما يتعلق
بذلك .
والحكمة العملية إن تعلقت بآراء ينتظم بها حال الشخص وذكاء نفسه فالحكمة
الخلقية ، وإلا فإن تعلقت بانتظام المشاركة الانسانية الخاصة فالحكمة المنزلية
والعامة فالحكمة المدنية والسياسة .
ثم قال : للانسان قوة شهوية هي مبدأ جذب المنافع ودفع المضار من المآكل
والمشارب وغيرها ، وتسمى القوة البهيمية والنفس الامارة ، وقوة غضبية هي


(1)البقرة : 269 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه