المخصوص ، وقال الفريقان : إذا ثبت أنه خارق للعادة بفصاحته ، دل على نبوته
لانه لو كان من قبل الله فهو دال على نبوته ومعجز ، وإن كان من فعل النبي
صلى الله عليه وآله ولم نتمكن من ذلك مع خرقه العادة لفصاحته لان الله خلق
فيه علوما خرق بها العادة ، فاذا علمنا بقوله : إن القرآن من فعل الله دون فعله
قطعنا على ذلك دون غيره .
وأما القول الثالث والرابع فكلاهما مأخوذ من قوله تعالى :(ولو كان من
عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)(1)فحمل الاولون ذلك على المعنى
والاخرون على اللفظ ، والاية مشتملة عليهما عامة فيهما ، ويجوز أن يكون كلا
القولين معجزا على بعض الوجوه ، لا رتفاع التناقض فيه ، والاختلاف فيه ، على وجه
مخالف للعادة .
وأما من جعل جهة إعجازه ما تضمنه من الاخبار عن الغيوب فذلك لا شك
أنه معجز ، لكن ليس هو الذي قصد به التحدي لان كثيرا من القرآن خال من
الاخبار بالغيب ، والتحدي وقع بسورة غير معينة .
وأما الذين قالوا إنما كان معجزا لاختصاصه باسلوب مخصوص ، ليس بمعهود
فان النظم دون الفصاحة ، لا يجوز أن يكون جهة إعجاز القرآن على الاطلاق
لان ذلك لا يقع فيه التفاضل ، وفي ذلك كفاية ، لان السابق إلى ذلك لابد أن
يقع فيه مشاركة لمجرى العادة كما تبين .
وأما من قال : إن القرآن نظمه وتأليفه مستحيلان من العباد ، كخلق الجواهر
والالوان ، فقولهم به على الاطلاق باطل ، لان الحروف كلها من مقدورنا ، والكلام
كله يتركب من الحروف التي يقدر عليها كل متكلم وأما التأليف فاطلاقه مجاز
في القرآن لان حقيقته في الاجسام وإنما يراد من القرآن حدوث بعضه في أثر
بعض ، فان اريد ذلك فهو إنما يتعذر لفقد العلم بالفصاحة وكيفية إيقاع الحروف
لا أن ذلك مستحيل كما أن الشعر يتعذر على العجم لعدم علمه بذلك ، لا أنه