بحار الأنوار ج13

فإنه سخي ، فعلنه موسى وقال : " اذهب فإن لك في الحيوة أن تقول لا مساس وإن لك
موعدا " لعذابك في القيامة " لن تخلفه " وأمر موسى عليه السلام بني إسرائيل أن لا يخالطوه
ولا يقربوه ، فصار السامري وحشيا لا يألف ولا يؤلف ، ولا يدنو من الناس ولا يمس أحدا
منهم ، فمن مسه قرض ذلك الموضع بالمقراض ، فكان كذلك حتى هلك .
قالوا : ثم إن الله سبحانه أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من خيار بني إسرائيل
يعتذرون إليه من عبادة قومهم العجل ، فاختار موسى سبعين رجلا فأمر عليه السلام أن يصوموا ويتطهروا
ويطهروا ثيابهم ويتطيبوا . ثم خرج موسى عليه السلام بهم إلى طور سيناء فلما دنا موسى عليه السلام
الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا موسى عليه السلام ودخل فيه ، وقال
للقوم : ادنوا ، وكان عليه السلام إذا كلم ربه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد من بني
إسرائيل أن ينظر إليه ، فضرب دونه بالحجاب ودخل القوم في الغمام فخروا سجدا ،
فسمعوا الله سبحانه وهو يكلم موسى ويأمره وينهاه ، وأسمعهم الله تعالى : إني أنا الله لا
إله إلا أنا ذو بكة ، أخرجتكم من أرض مصر فاعبدوني ولا تعبدوا غيري . فلما فرغ موسى
من الكلام وانكشف الغمام أقبل إليهم فقالوا : " لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
فأخذتهم الصاعقة " وهي نار جاء‌ت من السماء فأحرقتهم جميعا . وقال وهب : بل أرسل الله
إليهم جندا من السماء فلما سمعوا حسهم ماتوا يوما وليلة ، فقال موسى : " رب لو شئت
أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا " يا رب كيف أرجع إلى بني
إسرائيل وقد أهلكت خيارهم ؟ فلم يزل موسى يناشد ربه عزوجل حتى أحياهم الله جميعا
رجلا بعد رجل ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون ، فذلك قوله تعالى : " ثم بعثناكم
من بعد موتكم لعلكم تشكرون " .(1)
قالوا : فلما رجع موسى عليه السلام إلى قومه وقد أتاهم بالتوراة أبوا أن يقبلوها و
يعملوا بما فيها للآصار(2)والاثقال والاغلال التي كانت فيها ، فأمر الله تعالى جبرئيل
فقلع جبلا على قدر عسكرهم وكان فرسخا في فرسخ ورفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرجل


(1)العرائس 117 - 119 .
(2)جمع الاصر وهو الثقل . العهد .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه