فأقبل(1)علي رسول الله بصفحة وجهه المبارك شمت منه ضياء لامعا ساطعا
كوميض(2)البرق ، فقال : يا حارود لقد تأخربك وبقومك الوعد(3)وقد كنت وعدته
قبل عامي ذلك أن أفدإليه بقومي فلم آته ، وآتيته في عام الحديبية فقلت : يا رسول الله
بأبي أنت ما كان إبطائي عنك إلا أن جله قومي أبطاؤا عن إجابتي حتى ساقها الله إليك
لما أراد لها به إليك من الخير ، فأما من تأخر(4)فحظه فات منك ، فتلك أعظم حوبة(5)،
وأكبر عقوبة ، ولو كانوا ممن سمع بك أو رآك لما ذهبوا عنك ، فإن برهان الحق في
مشهدك محتدك(6)، وقد كنت على دين النصرانية قبل أتيتي إليك الاولى ، فها أناتاركه بين
يديك ، إذ ذلك مما يعظم الاجر ، ويمحو المآثم والحوب ، ويرضى الرب عن المربوب ،
فقال رسول الله صلى الله عليه واله : أناضامن لك يا جارود ، قلت : أعلم يا رسول الله أنك مذكنت
ضمين قمين(7)، قال : فدن الآن بالوحدانية ، ودع عنك النصرانية ، قلت : أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك عبده ورسوله ، ولقد أسلمت على علم بك ونباء فيك ،
علمته من قبل ، فتبسم صلى الله عليه واله كأنه علم ما أردته من الانبآء فيه ، فأقبل علي وعلى قومي ،
فقال : أفيكم من يعرف قس بن ساعدة اللايادي ؟ قلت : يا رسول الله كلنا نعرفه ، غير
أني من بينهم عارف بخبره ، واقف على أثره ، كان قس بن ساعدة يا رسول الله سبطا من
أسباط العرب ، عمر خمسمأة عام ، تقفر منها في البرارى خمسة أعمار ، يضج بالتسبيح على
منهاج المسيح ، لا يقره قرار ، ولا يكنه جدار ، ولا يستمع(8)منه جار ، لا يفتر من
(1)في المصدر والكنز : قال : فأقبل .
(2)وميض البرق : لمعانه .
(3)في المصدر : الموعد .
(4)في المصدر : لما أرادها به من الخير لديك ، فأمامن تأخر عنه .
(5)الحوبة : الاثم .
(6)المحتد : الاصل .
(7)القمين : الخليق الجدير . وفى المصدر : إنك بذلك ضمين قمين .
(8)واستظهر المصنف في الهامش أن الصحيح : لا يستمتع . قلت : هو كذلك في المصدر .