بحار الأنوار ج69

لك كذا مائة مرة ، وطلبتك مائة مرة فانه لا يراد بها تفهيم المرات بعددها ، بل
تفهيم المبالغة فان لم يكن طلب إلا مرة واحدة كان كاذبا وإن طلب مرات
لا يعتاد مثلها في الكثرة ، فلا يأثم ، وإن لم يبلغ مائة ، وبينهما درجات يتعرض
مطلق اللسان بالمبالغة فيها لخطر الكذب .
وربما يعتاد الكذب فيه ويتساهل به أن يقال كل الطعام لاحد فيقول : لا أشتهيه
وذلك منهي عنه ، وهو حرام ، إن لم يكن فيه غرض صحيح قال مجاهد : قالت
أسماء بنت عميس : كنت صاحبة عائشة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وآله
ومعي نسوة قال : فوالله ماوجدنا عنده قوتا إلا قدحا من لبن فشرب ثم ناوله
عائشة قال : فاستحييت الجارية فقلت : لا تردين يد رسول الله خذي منه ، قالت : فأخذته
على حياء فشربت منه ثم قال : ناولي صواحبك فقلن : لا نشتهيه ، فقال : لا تجمعن
جوعا وكذبا قالت : فقلت : يا رسول الله إن قالت أحدنا لشئ يشتهيه : لا نشتهيه أيعد
ذلك كذبا ؟ قال : إن الكذب ليكتب حتى يكتب الكذيبة كذيبة .
وقد كان أهل الورع يحترزون عن التسامح بمثل هذا الكذب ، قال الليث
ابن سعد : كانت ترمص عينا سعيد بن المسيب حتى يبلغ الرمص خارج عينيه فيقال له : لو مسحت هذا الرمص فيقول : فاين قول الطبيب وهو يقول لي : لا تمس عينيك
فأقول : لا أفعل ، وهذه من مراقبة أهل الورع ، ومن تركه انسل لسانه عن اختياره
فيكذب ولا يشعر .
وعن خوات التيمي قال : قد جاء‌ت اخت الربيع بن خثيم عائدة إلى بني
لي فانكبت عليه فقالت : كيف أنت يا بني ، فجلس الربيع فقال : أرضعته ؟ فقالت
لا ، قال : ما عليك لو قلت يا ابن أخي فصدقت .
ومن العادة أن يقول يعلم الله فيما لا يعلمه قال عيسى : إن من أعظم الذنوب
عند الله أن يقول العبد إن الله يعلم لما لا يعلم ، وربما يكذب في حكاية المنام والاثم
فيه عظيم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن من أعظم الفري أن يدعي الرجل إلى غير
أبيه أو يرى عينيه في المنام ما لم تريا أو يقول على ما لم أقل ، وقال صلى الله عليه وآله : من

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه