بحار الأنوار ج3

ودبرا العالم من أنفسهما ، فإن كان ذلك كذلك فمن أين جاء الموت والفنا ، وإن كانت
الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الازلي القديم والميت لا يجيئ منه حي .(1)هذه مقالة
الديصانية أشد الزنادقة قولا وأهملهم مثلا ، نظروا في كتب قد صنفتها أوائلهم ،
وحبروها(2)لهم بألفاظ مرخزفة من غير أصل ثابت ، ولا حجة توجب إثبات ماادعوا ،
كل ذلك خلافا على الله وعلى رسله ، وتكذيبا بما جاؤوا به عن الله .
فأما من زعم أن الابدان ظلمة والارواح نور وأن النور لا يعمل الشر والظلمة
لا تعمل الخير فلا يجب عليهم أن يلوموا أحدا على معصيته ، ولا ركوب حرمة ، ولا إتيان
فاحشة ، وأن ذلك على الظلمة غير مستنكر لان ذلك فعلها ، ولاله أن يدعوربا ، ولا
يتضرع إليه ، لان النور رب ، والرب لا يتضرع إلى نفسه ، ولا يستعيذ بغيره ، ولا لاحد
من أهل هذه المقالة أن يقول : أحسنت وأسأت ، لان الاساء‌ة من فعل الظلمة وذلك
فعلها ، والاحسان من النور ، ولا يقول النور لنفسه : أحسنت يا محسن ، وليس هناك
ثالث ، فكانت الظلمة على قياس قولهم أحكم فعلا وأتقن تدبيرا وأعز أركانا من النور
لان الابدان محكمة فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة ، وكل شئ
يرى ظاهرا من الظهر والاشجار والثمار والطير والدواب يجب أن يكون إلها ثم حبست
النور في حبسها والدولة لها ، وما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور فدعوى ، وينبغي
على قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل لانه أسير ، وليس له سلطان فلا فعل له ولا
تدبير ، وإن كان له مع الظلمة تدبير فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز فإن لم يكن كذلك
وكان أسير الظلمة فإنه يظهر في العالم إحسان وخير مع فساد وشر ، فهذا يدل
على أن الظلمة تحسن الخير وتفعله كما تحسن الشر وتفعله ، فإن قالوا : محال ذلك
فلا نور يثبت ولا ظلمة ، وبطلت دعواهم ويرج الامر إلى أن الله واحد وما سواه باطل
فهذه مقالة " ماني " الزنديق وأصحابه .
وأما من قال : النور والظلمة بينهما حكم فلا بد من أن يكون أكبر الثلاثة


(1)وفى نسخة : والميت لا يحيى منه حى .
(2)اى زينوها وحسنوها بألفاظ أباطيل مموهة .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه