بحار الأنوار ج12

ورابعها : أن معنى قوله : " إني سقيم " إني سقيم القلب أوالرأي حزنا من
إصرار القوم على عبادة الاصنام وهي لا تسمع ولا تبصر ، ويكون على هذا معنى نظره في
النجوم فكرته في آنها محدثة مخلوقة مدبرة ، وتعجبه في أنه كيف ذهب على العقلاء ذلك
من حالها حتى عبدوها .
وخامسها : أن معناه : نظر في النجوم نظر تفكر فاستدل بها كما قصه الله في سورة الانعام
على كونها محدثة غير قديمة ولا آلهة ، وأشار بقوله : " إني سقيم " إلى أنه في حال مهلة النظر ،
وليس على يقين من الامر ولا شفاء من العلم ، وقد يسمى الشك بأنه سقم كما يسمى العلم بأنه
شفاء ذكره أبومسلم ، ولا يخفى ضعفه . هذا ما ذكره القوم من الوجوه ، وقد عرفت مما أوردنا من
الاخبار في هذا الباب وباب العصمة أن الظاهر منها أنه عليه السلام أوهمهم بالنظر في النجوم موافقتهم
وقال : " إني سقيم " تورية ، وقد وردت أخبار كثيرة في تجويز الكذب والتورية عند
التقية وفيها الاستدلال بهذه الآية وبيان أنها لكونها على جهة التورية والمصلحة ليست
بكذب ، وما ذكر من الوجوه يصلح للتورية ; وقد مر أنه كان مراده حزن القلب بما يفعل
بالحسين عليه السلام ; وقيل : يمكن أن يكون على وجه التعريض بمعنى أن كل من كتب عليه
الموت فهو سقيم وإن لم يكن به سقم في الحال .
الثالثه قوله عليه السلام : " هذا ربي " وفي تأويله وجوه :
الاول : أنه عليه السلام إنما قال ذلك عند كمال عقله في زمان مهلة النظر فإنه تعالى
لما أكمل عقله وحرك دواعيه على الفكر والتأمل رأى الكوكب فأعظمه وأعجبه نوره و
حسنه وبهاؤه ، وقد كان قومه يعبدون الكواكب فقال : " هذا ربي " على سبيل الفكر ، فلما
غاب علم أن الافول لايجوز على الاله ، فاستدل بذلك على أنه محدث مخلوق ، وكذلك
كانت حاله في رؤية القمر والشمس ، وقال في آخر كلامه : " ياقوم إني برئ مما تشركون "
وكان هذا القول منه عقيب معرفته بالله تعالى وعلمه بأن صفات المحدثين لاتجوز عليه ، و
يحتمل أن يكون هذا قبل البلوغ والتكليف وبعده ، والاول هو مختار الاكثر وهو
أظهر ، وإلى هذا الوجه يشير بعض الاخبار السالفة ، ويمكن حملها على بعض الوجوه الآتية
كما لا يخفى .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه