وصنف صاموا خوفا من أهل الاسلام ، وجزعا من العار بترك الصيام ، إما
للشك أو الجحود أو طلب الراحه في خدمة المعبود ، فهؤلاء أموات المعنى أحياء
الصورة ، وكالصم الذين لا يسمعون داعي صاحب النعم الكثيرة ، وكالعميان الذين
لا يرون أن نفوسهم بيد مولاهم ذليلة مأسورة ، وقد قاربوا أن يكونوا كالدواب
بل زادوا عليها ، لانها تعرف من يقوم بمصالحها وبما يحتاج إليه من الاسباب .
وصنف صاموا لاجل أنهم سمعوا أن الصوم واجب في الشريعة المحمدية صلى الله عليه وآله
فكان صومهم بمجرد هذه النية من غير معرفة بسبب الايجاب ، ولا ما عليهم لله جل
جلاله من المنة في تعريضهم لسعادة الدنيا ويوم الحساب ، فلا يستبعد أن يكونوا
متعرضين للعتاب .
وصنف صاموا وقصدوا بصومهم أن يعبدوا الله كما قدمناه لانه أهل للعبادة
فحالهم حال أهل السعادة .
وصنف صاموا معتقدين أن المنة لله جل جلاله عليهم في صيامهم ، وثبوت
أقدامهم ، عارفين بما في طاعته من إكرامهم ، وبلوغ مرامهم ، فهؤلاء أهل الظفر
بكمال العنايات ، وجلال السعادات .
أقول : واعلم أن لاهل الصيام مراقبةمع استمرار الساعات واختلاف
الحركات والسكنات في أنهم ذاكرون أنهم بين يدي الله ، وأنه مطلع عليهم ، وما يلزمهم
لذلك من إقبالهم عليه ، ومعرفة حق إحسانه إليهم ، فحالهم في الدرجات على قد استمرار
المراقبات ، فهم بين متصل الاقبال ، مكاشف بذلك الجلال ، وبين متعثر بأذيال
الاهمال ، وناهز من تعثره بامساك يد الرحمة له والافضال ، ولا يعلم تفصيل مقدار
مراقباتهم وتكميل حالاتهم إلا المطلع على اختلاف إراداتهم ، فارحم روحك أيها
العبد الضعيف الذي قد أحاط به التهديد والتخويف ، وعرض عليه التعظيم والتبجيل
والتشريف .
فصل(1)فيما نذكره من فضل الخلوة بالنساء ، لمن قدر على ذلك أول
ليلة من شهر رمضان ، ونية ذلك .