بحار الأنوار ج11

لتذهب إليه فدعا عليهم فماتوا ، فبلغ الجبار ذلك فبعث إليه خمسمائة رجل ليأتوه به فقالوا
له : يا إدريس إن الجبار بعثنا إليك لنذهب بك إليه ، فقال لهم إدريس : انظروا إلى
مصارع أصحابكم ، فقالوا له : يا إدريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد أن تدعو
علينا بالموت ! أمالك رحمة ؟ فقال : ما أنا بذاهب إليه ، ولا أنا بسائل الله أن يمطر السماء
عليكم حتى يأتيني جباركم ما شيا حافيا وأهل قريتكم ، فانطلقوا إلى الجبار فأخبروه
وبقول إدريس واسألوه أن يمضي معهم وجميع أهل قريتهم إلى إدريس حفاة مشاة ، فأتوه
حتى وقفوا بين يديه خاضعين له طالبين إليه أن يسأل الله لهم أن يمطر السماء عليهم ، فقال
لهم إدريس : أما الآن فنعم ، فسأل الله تعالى إدريس عند ذلك أن يمطر السماء عليهم و
على قريتهم ونواحيها فأظلتهم سحابة من السماء وأرعدت وأبرقت وهطلت(1)عليهم من ساعتهم
حتى ظنوا أنها الغرق فما رجعوا إلى منازلهم حتى أهمتهم أنفسهم من الماء .(2)
ص : بإسناده إلى الصدوق مثله .(3)
بيان : فسمني أي بعني . أثمن لك : اعطيك الثمن . قبل فعلك أي إتيانك بما غضبت له .
فلن تسبقني بنفسك هو تهديد بالقتل ، أي لا يمكنك الفرار بنفسك والتقدم بحيث
لا يمكنني اللحوق بك لاهلاكها ، أو لا تغلبني في أمر نفسك بأن تتخلصها مني ، ويحتمل
أن يكون المراد : لا تغلبني متفردا بنفسك من غير معاون فلم تتعرض لي . حتى أهمتهم
أنفسهم أي خوف أنفسهم أوقعهم في الهموم ، أولم يهتمهم إلا هم أنفسهم وطلب خلاصها .
ثم اعلم أن الظاهر أن أمره تعالى إدريس عليه السلام بالدعاء لهم لم يكن على سبيل
الحتم والوجوب بل على الندب والاستحباب ، وكان غرضه عليه السلام في التأخير وفي طلب القوم
أن يأتوه متذللين تنبيههم وزجرهم عن الطغيان والفساد ولئلا يخالفوا ربهم بعد دخوله
بينهم ،(4)وأن أولياء الله يغضبون لربهم أكثر من سخطه تعالى لنفسه لسعة رحمته وعظم
حمله تعالى شأنه .


(1)هطل المطر : نزل متتابعا متفرقا عظيم القطر .
(2)كمال الدين : 76 - 78 . م
(3)مخطوط . م
(4)وليكون ذلك تنبيها للملك الجبار وأتباعه ورجوعهم إلى الله مسلمين ، ولو كان يدعو قبل
أن يسلموا ويتوبوا لكانوا يجبرون الناس على الضلال بعد أن رفهوا(*).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه