وهو قول أكثر المفسرين ، ويؤيده ما روي عن سلام بن مسكين ، عن أبي يزيد المدني
أن رسول الله صلى الله عليه وآله لقي أبا جهل فصافحه أبوجهل ، فقيل له في ذلك فقال : والله إني لاعلم
أنه صادق ، ولكن متى كنا تبعا لعبد مناف ؟ ! فأنزل الله هذه الآية .
وثانيها : أن المعنى لا يكذبونك بحجة ولا يتمكنون من إبطال ما جئت به ببرهان ،
ويؤيده ما روي عن علي عليه السلام أنه كان يقرأ لا يكذبونك ويقول : إن المراد بها أنهم لا
يؤتون بحق هو أحق من حقك .
وثالثها : أن المراد لا يصادفونك كاذبا .
ورابعها : أن المراد لاينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به ، لانك كنت عندهم
أمينا صدوقا ، وإنما يدفعون ما أتيت به ويقصدون التكذيب بآيات الله .
وخامسها : أن المراد أن تكذيبك راجع إلي ، ولست مختصا به لانك رسول ،
فمن رد عليك فقد رد علي(1).
قوله تعالى : " قل لا أسألكم عليه " أي على التبليغ ، وقيل : القرآن " أجرا " أي
جعلا من قبلكم " إن هو " أي التبليغ ، وقيل : القرآن ، أو الغرض " إلا ذكرى للعالمين "
تذكير وعظة لهم(2).
قوله تعالى : " ولا تسبوا " قال الطبرسي رحمه الله : قال ابن عباس : لما نزلت " إنكم
وما تعبدون من دون الله حصب جهنم(3)" الآية ، قال المشركون : يا محمد لتنتهين عن سب
آلهتنا ، أو لنهجون ربك ؟ فنزلت الآية ، وقال قتادة : كان المسلمون يسبون أصنام الكفار
فنهاهم الله عن ذلك لئلا يسبوا الله ، فإنهم قوم جهلة ، وسئل أبوعبدالله عليه السلام عن قول
النبي صلى الله عليه وآله : " إن الشرك أخفى من دبيب النمل على صفوانة سوداء في ليلة ظلماء " فقال :
كان المؤمنون يسبون ما يعبد المشركون من دون الله ، وكان المشركون يسبون ما يعبد
المؤمنون ، فنهى الله المؤمنين عن سب آلهتهم لكيلا يسبوا - الكفار - إله المؤمنين ، فيكون
(1)مجمع البيان 4 : 293 و 294 .
(2)أنوار التنزيل 1 : 390 .
(3)الانبياء : 98 .(*)