الذي قدمناه وبين الشيخ محمد بن يعقوب في رسالة أبيك أمير المؤمنين عليه السلام إلى ولده تفاوتا
فنحن نوردها برواية محمد بن يعقوب الكليني فهو أجمل وأفضل فيما قصدناه ، فذكر محمد بن
يعقوب الكليني في كتاب الرسائل باسناده إلى جعفر بن عنبسة عن عبادبن زياد الاسدي
عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما أقبل أمير المؤمنين عليه السلام من صفين
كتب إلى ابنه الحسن عليه وعلى جده وأبيه وامه وأخيه الصلاة والسلام .
بسم الله الرحمن الرحيم من الوالد الفان ، المقر للزمان(1)المدبر العمر
المستسلم للدهر(2)الذام للدنيا ، الساكن مساكن الموتى ، الظاعن عنها غدا(3)
إلى الولد المؤمل ما لا يدرك(4)السالك سبيل من قدهلك ، غرض الاسقام ، ورهينة
الايام ، ورمية المصائب(5)وعبد الدنيا ، وتاجر الغرور ، وغريم المنايا(6)وأسير الموت
(1)حذفت الياء ههنا للازدواج بين الفان والزمان . وقوله المقر للزمان أى المقر
له بالغلبة والقهر ، المعترف بالعجز في يد تصرفاته كانه قدره خصما ذابأس . وقوله المدبر
العمر لانه عليه السلام حين ذاك مضى من عمره ازيد من ستين سنة ولم يبق من عمره عليه السلام
الا أقل قليل .
(2)عبارة اخرى عن قوله المقر للزمان وهو آكد منه . لانه قد يقر الانسان
لخصمه ولا يستسلم .
(3)يريد عليه السلام قرب الرحيل ، والظاعن : الراحل .
(4)أى يؤمل البقاء في الدنيا وهو مما لا يدر كه احد من أبناء آدم وغيره من موجودات
هذا العالم .
(5)الرهينة : المرهونة أى أنه في قبضتها وحكمها : والرمية في الاصل اسم للصيد و
يجوزان يكون اسما لما يرمى وما أصابه السهم . ولهذا الحق به الهاء كالذبيحة والانسان
كالهدف لافات الدنيا ولا محالة يدركه الموت .
(6)قال ابن أبى الحديد قوله عبدالدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا لان الانسان
طوع شهواته فهو عبدالدنيا ، وحركاته فيها مبنية على غرور لا أصل له ، فهو تاجر الغرور
لامحالة ، ولما كانت المنايا(أى الموت والهلاك)تطالبه بالرحيل عن هذه الدار كانت غريما
له يقتضيه ما لا بد له من أدائه . انتهى .