بحار الأنوار ج49

وجعلهم معدن الامامة والخلافة ، وأوجب ولايتهم ، وشرف منزلتهم ، فأمر رسوله
ب‍ مسألة إمته مودتهم إذ يقول :(قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)(1)وما وصفهم به من إذهاب الرجس عنهم ، وتطهيره إياهم في قوله(إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(2).
ثم إن المأمون بررسول الله صلى الله عليه وآله في عترته ، ووصل أرحام أهل بيته ، فرد
الفتهم ، وجمع فرقتهم ، ورأب صدعهم ، ورتق فتقهم ، وأذهب الله به الضغائن و
الاجن بينهم ، وأسكن التناصر والتواصل والمحبة والمودة قلوبهم ، فأصبحت بيمنه
وحفظه وبركته وبره وصلته أيديهم واحدة ، وكلمتهم جامعة ، وأهواؤهم متفقة
ورعى الحقوق لاهلها ، ووضع المواريث مواضعها ، وكافأ إحسان المحسنين ، و
حفظ بلاء المبلين ، وقرب وباعد على الدين ، ثم اختص بالتفضيل والتقديم والتشريف
من قدمته مساعيه ، فكان ذلك ذا الرئاستين الفضل بن سهل إذ رآه له مؤازرا ، و
بحقه قائما ، وبحجته ناطقا ، ولنقبائه نقيبا ولخيوله قائدا ، ولحروبه مدبرا ، و
لرعيته سائسا ، وإليه داعيا ، ولمن أجاب إلى طاعته مكافئا ، ولمن عند(3)عنها مبائنا
وبنصرته منفردا ، ولمرض القلوب والنيات مداويا .
لم ينهه عن ذلك قلة مال ، ولا عوز رجال ، ولم يمل به طمع ، ولم يلفته عن نيته
وبصيرته وجل ، بل عندما يهوله المهولون ، ويرعد ويبرق به المبرقون المرعدون
وكثرة المخالفين والمعاندين من المجاهدين والمخاتلين ، أثبت ما يكون عزيمة
وأجرا جنانا ، وأنفذ مكيدة ، وأحسن تدبيرا ، وأقوى تثبتا في حق المأمون
والدعاء إليه ، جتى قصم أنياب الضلالة ، وفل حدهم ، وقلم أظفارهم ، وحصد شوكتهم
وصرعهم مصارع الملحدين في دينه ، الناكثين لعهده ، الوانين في أمره ، المستخفين
بحقه ، الآمنين لما حذر من سطوته وبأسه ، مع آثار ذي الرئاستين في صفوف الامم


(1)الشورى : 23 ،
(2)الاحزاب : 33 .
(3)في المصدر : ولمن عدل .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه