بحار الأنوار ج4

بيان : اعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات قوله تعالي : " ما كذب
الفؤاد ما رأي " يحتمل كون ضمير الفاعل في رأي راجعا إلى النبي صلى الله عليه واله ، وإلي الفؤاد .
قال البيضاوي : ما كذب الفؤاد ما رأي ببصره من صورة جبرئيل ، أو الله أي ما كذب الفؤاد
بصره بما حكاه له ، فإن الامور القدسية تدرك أولا بالقلب ، ثم ينتقل منه إلي البصر ،
أوما قال فؤاده لما رأه : لم أعرفك ، ولو قال ذلك كان كاذبا لانه عرفه بقلبه كما رآه
بصره ، أو ما رآه بقلبه ، والمعنى لم يكن تخيلا كاذبا ، ويدل عليه أنه سئل عليه السلام هل رأيت
ربك ؟ فقال : رأيته بفؤادي ، وقرئ ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه . " أفتمارونه
على ما يرى " أفتجادلونه عليه من المراء وهو المجادلة . انتهى قوله تعالى : " ولقد رآه نزلة
اخرى " قال الرازي : يحتمل الكلام وجوها ثلاثة : الاول الرب تعالى(1)والثاني
جبرئيل عليه السلام ، والثالث الآيات العجيبة الالهية . انتهى . أي ولقد رآه نازلا نزلة اخرى
فيحتمل نزوله صلى الله عليه واله ونزول مرئية .
فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية
ووقوعها بوجوه : الاول أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل ، إذا المرئي غير مذكور
في اللفظ ، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلي هذا الوجه في الخبر السابق . وروى مسلم
في صحيحه بإسناده عن زرعة ،(2)عن عبدالله " ما كذب الفؤاد ما رأى " قال : رأي جبرئيل
عليه السلام له ستمائة جناح . وروى أيضا بإسناده عن أبي هريرة " ولقد رآه نزلة اخرى " قال :


(1)قال البغوى في معالم التنزيل : هو قول انس والحسن وعكرمة ، قالوا : رأى محمد ربه ، وروى
عكرمة عن ابن عباس قال : إن الله اصطفى ابراهيم بالخلة ، واصطفى موسى بالكلام ، واصطفى محمدا صلى
الله عليه واله بالرؤية ، ونسب القول الثانى إلى ابن مسعود وعائشة وروى بطريقه عن مسروق قيل : قلت
لعائشة : يا اماه هل رأى محمد صلى الله ربه ؟ فقالت : لقد تكلمت بشئ وقف له شعرى مما قلت ، أين أنت من ثلاث
من حد ثكهن فقد كاذب : من حدثك أن محمد رأى ربه فقد كذب ثم قرأت : لا تدركه الابصار وهو اللطيف الخبير
وما كان لبشر أن يكلمه الله وحيا أو من وراء حجاب " إلى أن قالت : ولكنه رأي جبرئيل في صورته مرتين
أقول أخرجه البخارى في صحيحه ص 175 والمسلم في ج 1 ص 110 من صحيحه ونسب القول الثانى
الشيخ في التبيان إلى مجاهد والربيع أيضا .
(2)الصحيح كما في نسخة : عن زر " أى ابن جيش " عن عبدالله . أخرجه المسلم في ج 1 ص
109 وكذا حديث أبي هريرة .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه