تعلم أن الاهليلجة نابتة في الارض وأن عروقها مؤلفة إلى أصل ، وأن الاصل متعلق
بساق متصل بالغصون ، والغصون متصلة بالفروع ، والفروع منظومة بالاكمام والورق ،
وملبس ذلك كله الورق ، ويتصل جميعه بظل يقيه حر الزمان وبرده ؟ .
قال : أما الاهليجة فقد تبين لي اتصال لحائها وما بين عروقها وبين ورقها
ومنبتها من الارض ، فأشهد أن خالقها واحد لا يشركه في خلقها غيره لاتقان الصنع
واتصال الخلق وايتلاف التدبير وإحكام التقدير . قلت : إن أريتك التدبير مؤتلفا
بالحكمة والاتقان معتدلا بالصنعة ، محتاجا بعضه إلى بعض ، متصلا بالارض التي
خرجت منه الاهليلجة في الحالات كلها أتقر بخالق ذلك ؟ قال : إذن لا أشك في
الوحدانية . قلت : فافهم وافقه ما أصف لك : ألست تعلم أن الارض متصلة بإهليلجتك
وإهليلجتك متصلة بالتراب ، والتراب متصل بالحر والبرد ، والحر والبرد متصلان بالهواء
والهواء متصل بالريح ، والريح متصلة بالسحاب ، والسحاب متصل بالمطر ، والمطر
متصل بالازمة ، والازمنة متصلة بالشمس والقمر ، والشمس والقمر متصلتان بدوران
الفلك ، والفلك متصل بما بين السماء والارض صنعة ظاهرة ، وحكمة بالغة ، وتأليف
متقن ، وتدبير محكم ، متصل كل هذا ما بين السماء والارض ، لا يقوم بعضه إلا ببعض ،
ولا يتأخر واحد منهما عن وقته ، ولو تأخر عن وقته لهلك جميع من في الارض من الانام
والنباتات ؟ قال : إن هذه لهي العلامات البينات ، والدلالات الواضحات التي يجري
معها أثر التدبير ، بإتقان الخلق والتأليف مع إتقان الصنع ، لكني لست أدري لعل
ما تركت غير متصل بما ذكرت . قلت : وما تركت ؟ قال : الناس . قلت : ألست تعلم أن
هذا كله متصل بالناس ، سخره لها المدبر الذي أعلمتك أنه إن تأخر شئ مما عددت
عليك هلكت الخليقة ، وباد جميع ما في الحديقة ، وذهبت الاهليلجة التي تزعم أن فيها
منافع الناس ؟ .
قال : فهل تقدر أن تفسر لي هذا الباب على ما لخصت لي غيره ؟ قلت : نعم ابين
لك ذلك من قبل إهليلجتك ، حتى تشهد أن ذلك كله مسخر لبني آدم . قال : وكيف
ذلك ؟ قلت : خلق الله السماء سقفا مرفوعا ، ولولا ذلك اغتم خلقه لقربها ، وأحرقتهم