بحار الأنوار ج14

أعلمنا الله(1)سبحانه أنه يبقى إلى حال الكهولة ، وفي ذلك إعجاز لكون المخبر في وفق الخبر ،(2)
وقيل : المراد به الرد على النصارى بما كان فيه من التقلب في الاحوال لان ذلك مناف لصفة
الاله " ومن الصالحين " أي ومن النبيين مثل إبراهيم وموسى عليهما السلام ، وقيل : إن المراد
بالآية : ويكلمهم في المهد دعاء إلى الله ، وكهلا بعد نزوله من السماء ليقتل الدجال وذلك
لانه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وذلك قبل الكهولة ، عن زيد بن أسلم .
وفي ظهور المعجزة في المهد قولان :
أحدهما : أنها كانت مقرونة بنبوة المسيح عليه السلام لانه سبحانه أكمل عقله في تلك
الحال وجعله نبيا ، وأوحى إليه بما تكلم به ، عن الجبائي ، وقيل : كان ذلك على التأسيس
والارهاص لنبوته ،(3)عن ابن الاخشيد ، ويجوز عندنا الوجهان ، ويجوز أن يكون معجزة
لمريم تدل على طهارتها وبراء‌ة ساحتها إذ لا مانع لذلك ، وقد دلت الادلة الواضحة على
جوازه ، وإنما جحدت النصارى كلام المسيح في المهد مع كونه آية ومعجزة لان في ذلك
إبطال مذهبهم(4)لانه قال : " إني عبدالله " وهو ينافي قولهم : إنه ابن الله ، فاستمروا على
تكذيب من أخبر بذلك(5)" قالت مريم أنى يكون لي " أي كيف يكون لي " ولد ولم يمسسني
بشر " لم تقل ذلك استبعادا واستنكارا ، بل إنما قالت استفهاما واستعظاما لقدرة الله تعالى ، لان
في طبع البشر التعجب مما خرج عن المعتاد ، وقيل : إنما قالت ذلك لتعلم أن الله سبحانه
يرزقها الولد وهي على حالتها لم يمسسها بشر ، أو يقدر لها زوجا ثم يرزقها الولد على
مجرى العادة " قال كذلك الله يخلق مايشاء " أي يخلق مايشاء مثل ذلك ، فهي حكاية ماقال
لها الملك ، أي يرزقك الولد وأنت على هذه الحالة لم يمسك بشر " إذا قضى أمرا " أي خلق
أمرا ، وقيل : إذا قدر أمرا " فإنما يقول له كن فيكون " وقيل في معناه قولان : أحدهما
أنه إخبار بسرعة حصول مراد الله تعالى في كل شئ أراد حصوله من غير مهلة ولا معاناة


(1)في المصدر : أعلمها الله .
(2)" " : لكون المخبر على وفق الخبر .
(3)أرهصه : أسسه وأثبته .
(4)في المصدر : لان في ذلك ابطالا لمذهبهم .
(5)" " : فاستمروا على تكذيب من أخبر انه شاهده كذلك .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه