وثالثها : أنا لو جوزنا أن يكون في الناس من يقدر على خلق الجسم و
الحياة والالوان لقدر ذلك الانسان على تحصيل الاموال العظيمة من غير تعب
لكنا نرى يدعي السحر متوسلا إلى اكتساب الحقير من المال بجهد جهيد
فعلمنا كذبه ، وبهذا الطريق يعلم فساد ما يدعيه قوم من الكيمياء . فانا نقول لو
أمكنهم ببعض الادوية أن يقلبوا غير الذهب ذهبا لكان إما أن يمكنهم ذلك بالقليل
من الاموال فكان ينبغي أن يغنوا أنفسهم بذلك عن المشقة والذلة ، أو لا يمكن إلا
بالآلات العظام والاموال الخطيرة ، فكان يجب أن يظهروا ذلك للملوك المتمكنين
من ذلك ، بل كان يجب أن يفطن الملوك لذلك ، لانه أنفع لهم من فتح البلاد التي
لا يتم إلا بإخراج الاموال والكنوز ، وفي علمنا بانصراف النفوس والهمم عن ذلك
دلالة على فساد هذا القول . قال القاضي : فثبت بهذه الجملة أن الساحر لا يصح أن
يكون فاعلا لشئ من ذلك .
واعلم أن هذا الدلائل ضعيفة جدا ، أما الوجه الاول فنقول : ما الدليل
على أن كل ما سوى الله تعالى إما أن يكون متحيزا أو قائما بالمتحيز ، أما علمتم
أن الفلاسفة مصرون على إثبات العقول والنفوس الفلكية والنفوس الناطقة ، و
زعموا أنها في أنفسها ليست بمتحيزة ولا قائمة بالمتحيز ، فما الدليل على فساد
القول بها ؟
فإن قالوا : لو وجد موجود هكذا لزم أن يكون مثلا لله تعالى :
قلنا : لا نسلم ، وذلك لان الاشتراك في السلوب لا يقتضي الاشتراك في الماهية
سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يكون بعض الاجسام يقدر على ذلك لذاته ؟ قوله
" الاجسام متساوية(1)فلو كان جسم كذلك لكان كل جسم كذلك " قلنا : ما
الدليل على تماثل الاجسام ؟
فان قالوا : إنه لا معنى للجسم إلا الممتد في الجهات ، الشاغل للاحياز ، فلا
تفاوت بينها في هذا المعنى .