والثاني : المعنى أنهم وإن سعوا في إلقائك في الباطل فأنت ما وقعت في الباطل لانك
بنيت الامر على ظاهر الحال ، وأنت ما امرت إلا ببناء الاحكام على الظواهر " وأنزل الله
عليك الكتاب والحكمة " فعلى الاول المعنى لما انزل عليك الكتاب والحكمة
وأمرك بتبليغ الشريعة إلى الخلق فكيف يليق بحكمته أن لا يعصمك عن الوقوع
في الشبهات والضلالات ؟ وعلى الثاني المعنى أنزل عليك الكتاب والحكمة ، وأوجب
فيهما بناء أحكام الشرع على الظاهر ، فكيف يضرك بناء الامر على الظاهر " وعلمك ما
لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما " فيه وجهان : الاول أن يكون المراد ما يتعلق
بالدين ، أي أنزل الله عليك الكتاب والحكمة واطلعك على سرائرهما(1)، وأوقفك
على حقائقهما ، مع أنك ما كنت قبل ذلك عالما بشئ منها ، فكذلك يفعل بك في
مستأنف أيامك ما لا يقدر أحد من المنافقين على إضلالك وإزلالك(2).
الثاني أن يكون المراد وعلمك ما لم تكن تعلم من أخبار الاولين ، فكذلك يعلمك
من حيل المنافقين ، ووجوه كيدهم ما تقدر على الاحتراز عن وجوه كيدهم ومكرهم انتهى
ملخص كلامه(3)، وسيأتي شرح تلك القصة في باب ما جرى بينه صلى الله عليه وآله وبين المنافقين
وأهل الكتاب .
وقال البيضاوي في قوله تعالى : " وإن كان كبر عليك " أي عظم وشق إعراضهم
عنك وعن الايمان بما جئت به " فإن استطعت " إلى قوله : " بآية " أي منفذا تنفذ فيه إلى
جوف الارض فتطلع لهم آية أو مصعدا تصعد إلى السماء فتنزل منها آية ، وجواب الشرط
الثاني محذوف ، تقديره فافعل ، والجملة هو جواب الاول ، والمقصود بيان حرصه البالغ
على إسلام قومه ، وإنه لو قدر أن يأتيهم بآية من تحت الارض أو من فوق السمآء لاتي بها
رجآء إيمانهم " ولو شآء الله لجمعهم على الهدى " بأن يأتيهم بآية ملجئة ، ولكن لم يفعل
لخروجه عن الحكمة " فلا تكونن من الجاهلين " بالحرص على ما لا يكون ، والجزع في
(1)في المصدر : على أسرارهما وهو الصحيح
(2)أزله أى حمله على الزلل .
(3)مفاتيح الغيب 3 : 310 .*