ثم انتبهت هكذا ، والذي نفس علي بيده ، لقد حدثنى الصادق المصدق أبوالقاسم
صلى الله عليه وآله أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا ، وهذه أرض كرب
وبلاء ، يدفن فيها الحسين عليه السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمة وإنها لفي
السماوات معروفة ، تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين ، وبقعة
بيت المقدس .
ثم قال لي : يا ابن عباس اطلب في حولها بعر الظباء فو الله ما كذبت ولا كذبت
وهي مصفرة لونها لون الزعفران ، قال ابن عباس فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديتة
يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي ، فقال علي عليه السلام : صدق الله
ورسوله .
ثم قام عليه السلام يهرول إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي بعينها ، أتعلم يا ابن
عباس ما هذه الابعار ؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم ، وذلك أنه مربها ومعه
الحواريون فرأى ههنا الظباء مجتمعة وهي تبكي فجلس عيسي ، وجلس الحواريون
معه ، فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى .
فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك ؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ؟
قالوا : لا ، قال : هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد صلى الله عليه وآله وفرخ الحرة
الطاهرة البتول ، شبيهة امي ، ويلحد فيها طينة أطيب من المسك لانها طينة الفرخ
المستشهد ، وهكذا يكون طينة الانبياء وأولاد الانبياء ، فهذه الظباء تكلمني و
تفول : إنها ترعى في هذه الارض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك وزعمت أنها آمنة
في هذه الارض .
ثم ضرب بيده إلى هذه الصيران(1)فشمها وقال : هذه بعر الظباء على هذه
الطيب لمكان حشيشها اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه فيكون له عزاء وسلوة
(1)الصيران : جمع صوار كغراب وكتاب ومن معانيها وعاء المسك ، كأنه أراد
تشبيه البعر بنافجة المسك لطيبها ، ويحتمل أن يكون جمع صور بالفتح وأراد به الحشيش
الملتف النابت في تلك الارض .