بحار الأنوار ج63

الطفل الصغير .
إذا عرفت هذا فنقول : ظهر أن السبب الذي لاجله يتولد اللبن من الدم في
حق الانثى غير حاصل في حق الذكر ، فظهر الفرق .
وإذا عرفت هذا فنقول : المفسرون قالوا : المراد من قوله " من بين فرث ودم "
هو أن هذه الثلاثة تتولد في موضع واحد ، فالفرث يكون في أسفل الكرش ، والدم
يكون في أعلاه ، واللبن يكون في الوسط ، وقد دللنا على أن هذا القول على خلاف
الحس والتجربة .
وأما نحن فنقول : المراد به من الآية هو أن اللبن إنما يتولد من بعض أجزاء
الدم ، والدم إنما يتولد من الاجزاء اللطيفة التي في الفرث ، وهو الاشياء المأكولة
الحاصلة في الكرش ، فهذا اللبن متولد من الاجزاء التي كانت حاصلة فيما بين الفرث
أولا ثم كانت حاصلة فيما بين الدم ثانيا ، وصفاه الله تعالى عن تلك الاجزاء الكثيفة
الغليظة ، وخلق فيها الصفات التي باعتبارها صارت لبنا يكون موافقا لبدن الطفل ،
فهذا ما حصلناه في هذا المقام .
ثم اعلم أن حدوث اللبن في الثدى واتصافه بالصفات التي باعتبارها يكون
موافقا(1)لتغذية الصبي مشتمل على حكمة عجيبة وأسرار بديعة ، يشهد صريح
العقل بأنا لا تحصل إلا بتدبير الفاعل الحكيم ، المدبر الرحيم ، وبيانه من وجوه :
الاول أنه تعالى خلق في أسفل المعدة منفذا يخرج منه ثقل الغذاء ، فاذا تناول الانسان
غذاء أو شربة رقيقة انطبق ذلك المنفذ انطباقا كليا لا يخرج منه شئ من ذلك المأكول
والمشروب إلى أن يكمل انهضامه في المعدة ، وينجذب ماصفي منه إلى الكبد ، ويبقى
الثفل هناك فحينئذ ينفتح ذلك المنفذ ، وينزل منه ذلك الثفل ، وهذا من العجائب
التي لا يمكن حصولها إلا بتدبير الفاعل الحكيم ، لانه متى كانت الحاجة إلى خروج
ذلك الجسم عن المعدة انفتح ، ويحصل الانطباق تارة ، والانفتاح اخرى بحسب


(1)ما بين العلامتين ساقط من ط الكمبانى .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه