بحار الأنوار ج38

ثم قال :(وهلم الخطب)هذا يقوي رواية من يروي عنه عليه السلام أنه لم يستشهد
إلا بصدر البيت ، لانه قال : دع عنك ما مضى وهلم ما نحن الآن فيه من أمر معاوية ،
فجعل(هلم ما نحنالآنفيه من أمر معاوية)قائما مقام قول امرئ القيس(ولكن حديثا
ما حديث الرواحل)وهلم لفظ يستعمل لازما ومتعديا ، فاللازم بمعنى تعال ، وأما
المتعدي فهي بمعنى هات ، تقول : هلم كذا وكذا ، قال الله تعالى :(هلم شهداء‌كم(1))
يقول : ولكن هات ذكر الخطب ، فحذف المضاف ، والخطب : الحادث الجليل يعني الاحوال
التي أدت إلى أن صار معاوية منازعا له في الرئاسة ، قائما عند كثير من الناس مقامه ،
صالحا لان يقع في مقابلته وأن يكون ندا له ! ثم قال :(فلقد أضحكني الدهر بعد
إبكائه)يشير إلى ما كان عنده من الكآبة لتقدم من سلف عليه ، فلم يقنع الدهر له بذلك
حتى جعل معاوية نظيرا له ، فضحك مما يحكم به الاوقات ويقتضيه تصرف الدهر وتقلبه
وذلك ضحك تعجب واعتبار .
ثم قال :(ولا غرو والله)أي ولا عجب والله . ثم فسر ذلك فقال :(ياله خطبا
يستفرغ العجب)أي يستنفده ويفنيه يقول : قد صار العجب لا عجب لان هذا الخطب
استغرق التعجب فلم يبق منه ما يطلق عليه لفظ التعجب ، وهذا من باب الاغراق والمبالغة
في المبالغة. والاود : العوج .
ثم ذكر تمالؤ قريش عليه فقال :(حاول القوم إطفاء نور الله من مصباحه)يعني ما
تقدم من منابذة طلحة والزبير وأصحابهما له وما شفع ذلك من معاوية وعمرو وشيعتهما . و
فوار الينبوع : ثقب البئر . قوله :(وجدحوا بيني وبينهم شربا)أي خلطوه ومزجوه و
أفسدوه . والوبئ : ذو الوباء والمرض وهذا استعارة ، كأنه جعل الحال التي كانت بينه و
بينهم قد أفسدها القوم وجعلوها مظنة الوباء والسقم كالشرب الذي يخلط بالسم أو
بالصبر فيفسدويوبئ ، ثم قال : فإن كشف الله تعالى هذه المحن التي يحصل منها ابتلاء
الصابرين والمجاهدين وحصل لي التمكن من الامر حملتهم على الحق المحض الذي لا
يمازجه باطل ، كاللبن المحض الذي لا يخالطه شئ من الماء .(وإن تكن الاخرى)أي


(1)سورة الانعام : 150 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه