إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفا في العين ، لكن اختلفوا
كيف يصنع به على رأيين :
أحدهما أنه يخلط في الادوية التي يكتحل بها . حكاه أبوعبيد . قال ويصدق
هذا الذي حكاه أبوعبيد أن بعض الاطباء قالوا : أكل الكمأة يجلو البصر .
وثانيهما أن يؤخذ فيشق ويوضع على الجمر حتى يغلى ماؤها ، ثم يؤخذ
الميل فيجعل في ذلك الشق وهو فاتر ، فيكتحل بمائها ، لان النار تلطفه وتذهب
فضلاته الرديئة وتبقي النافع منه ، ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة
فلا ينجع .
وقد حكى إبراهيم الجرفي(1)عن صالح وعبدالله ابني أحمد بن حنبل أنهما
اشتكت أعينهما ، فأخذا كمأة وعصراها واكتحلا بمائها فهاجت أعينهما ورمدا .
قال ابن الجوزي : وحكى شيخنا أبوبكر بن عبدالباقي أن بعض الناس عصر ماء
كمأة فاكتحل به فذهبت عينه .
والقول الثاني أن المراد ماؤها الذي ينبت به ، فإنه أول مطر يقع في الارض
فتربى به الاكحال . قال ابن التميم : وهذا أضعف الوجوه .
قلت : وفيما ادعاه ابن الجوزي من الاتفاق على أنها لا تستعمل صرفا نظر فحكى عياض عن بعض أهل الطب في التداوي بماء الكمأة تفصيلا ، وهو : إن كان
لتبريد ما يكون بالعين من الحرارة فتستعمل مفردة ، وإن كان لغير ذلك فتستعمل
مركبة .
وبهذا جزم ابن العربي فقال : الصحيح أنه ينفع بصورته في حال ، وبإضافته
في اخرى ، وقد جرب ذلك فوجد صحيحا . نعم جزم الخطابي بما قال ابن الجوزي
فقال : يربى بها التوتيا وغيرها من الاكحال ، ولا يستعمل صرفا فإن ذلك يؤذي
العين .