بحار الأنوار ج14

واحدا منهم في البحر لم يغرق الباقون ، وقيل : إن السفينة احتبست فقال الملاحون : إن
ههنا عبدا آبقا ، فإن من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لاتجري ، فلذلك اقترعوا فوقعت
القرعة على يونس ثلاث مرات فعلموا أنه المطلوب فألقى نفسه في البحر ، وقيل : إنه
لما وقعت القرعة عليه ألقوه في البحر " فالتقمه الحوت " اي ابتلعه ، وقيل : إن الله سبحانه
أوحى إلى الحوت : إني لم أجعل عبدي رزقا لك ، ولكني جعلت بطنك له مسجدا ، فلا
تكسرن له عظما ، ولاتخدشن له جلدا " وهو مليم " أي مستحق اللوم لوم العتاب ،
لا لوم العقاب على خروجه من بين قومه من غير أمر ربه ، وعندنا أن ذلك إنما وقع
منه تركا للمندوب ، وقد يلام الرجل على ترك المندوب ، ومن يجوز الصغيرة على الانبياء
قال : قد وقع ذلك صغيرة مكفرة .
واختلف في مدة لبثه في بطن الحوت فقيل : كان ثلاثة أيام ، عن مقاتل بن حيان ،
وقيل : سبعة أيام ، عن عطاء ، وقيل : عشرين يوما ، عن الضحاك ، وقيل : أربعين يوما ، عن
السدي ومقاتل بن سليمان والكلبي " فلولا أنه كان من المسبحين " أي كان من المصلين
في حال الرخاء فنجاه الله عند البلاء ، عن قتادة ، وقيل : كان تسبيحه أنه كان يقول : " لا إله
إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " عن سعيد بن جبير .
وقيل : " من المسبحين " أي من المنزهين الله عما لا يليق به " للبث في بطنه إلى يوم
يبعثون " أي لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة " فنبذناه بالعراء " أي طرحناه
بالمكان الخالي الذي لانبت فيه ولا شجر ، وقيل : بالساحل ، ألهم الله الحوت حتى قذفه
ورماه من جوفه على وجه الارض " وهو سقيم " أي مريض حين ألقاه الحوت " وأنبتنا عليه
شجرة من يقطين " وهو القرع ، عن ابن مسعود ، وقيل : هو كل نبت يبسط على وجه الارض
ولا ساق له ، عن ابن عباس والحسن .
وروى ابن مسعود(1)قال : خرج يونس من بطن الحوت كهيئة فرخ ليس عليه
ريش ، فاستظل بالشجرة من الشمس " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " قيل : إن الله
سبحانه أرسله إلى أهل نينوى من أرض الموصل ، عن قتادة ، وكانت رسالته هذه بعد مانبذه


(1)في المصدر : روى عن ابن مسعود .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه