بحار الأنوار ج5

والآخر أنه كلامه تعالى ابتداء‌ا وكلاهما محتمل ، وإذا كان محمولا على هذا فمعنى قوله :
يضل به كثيرا أن الكفار يكذبون به وينكرونه ، ويقولون : ليس هو من عند الله
فيضلون بسببه ، وإذا حصل الضلال بسببه أضيف إليه ، وقوله : " ويهدي به كثيرا " يعني
الذين آمنوا به وصدقوه ، وقالوا : هذا في موضعه ، فلما حصلت الهداية بسببه أضيف
إليه ، فمعنى الاضلال على هذا تشديد الامتحان الذي يكون عنده الضلال فالمعنى أن
الله يمتحن بهذه الامثال عباده فيضل بها قوم كثير ، ويهدي بها قوم كثير ، ومثله قوله :
" رب إنهن أضللن كثيرا من الناس(1)أي ضلوا عندها ، وهذا مثل قولهم : أفسدت فلانة
فلانا وأذهبت عقله ، وهي ربما لم تعرفه ولكن لما ذهب عقله وفسد من أجلها أضيف الفساد
إليها ، وقد يكون الاضلال بمعنى التخلية على وجه العقوبة وترك المنع بالقهر ومنع
الالطاف التي تفعل بالمؤمنين جزاء‌ا على إيمانهم ، وهذا كما يقال لمن لا يصلح سيفه :
أفسدت سيفك ; أريد به أنك لم تحدث فيه الاصلاح في كل وقت بالصقل والاحداد .
وقد يكون الاضلال بمعنى التسمية بالضلال والحكم به كما يقال : أضله إذا نسبه إلى
الضلال ، وأكفره : إذا نسبه إلى الكفر ، قال الكميت : وطائفة قد أكفروني بحبكم .
وقد يكون الاضلال بمعنى الاهلاك والعذاب والتدمير ، ومنه قوله تعالى : " إن المجرمين
في ضلال وسعر "(2)ومنه قوله تعالى : " ء‌إذا ضللنا في الارض "(3)أي هلكنا ، وقوله :
" والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم "(4)أي لم يبطل فعلى هذا يكون المعنى :
أن الله تعالى يهلك ويعذب بالكفر به كثيرا بأن يضلهم عن الثواب وطريق الجنة بسببه
فيهلكوا ويهدي إلى الثواب وطريق الجنة بالايمان به كثيرا ; عن أبي على الجبائي قال :
ويدل على ذلك قوله : " وما يضل به إلا الفاسقين " لانه لا يخلو من أن يكون أراد
العقوبة على التكذيب كما قلناه ، أو يكون أراد به التحيير والتشكيك ، فإن أراد الحيرة
فقد ذكر أنه لا يفعل إلا بالفاسق المتحير الشاك فيجب أن لا تكون الحيرة المتقدمة
التي بها صاروا فساقا من فعله إلا إذا وجدت حيرة قبلها أيضا ، وهذا يوجب وجود


(1)ابراهيم : 36 .(2)القمر : 47 .
(3)الم السجدة : 10 .(4)محمد : 4 . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه