بحار الأنوار ج70

الفقر والحسد ، وإن لم يكونا يغلبان القدر ، ويقال : إن كاد إذا أوبج به الفعل
دل على النفي ، وإذا نفي دل على الوقوع ، وقال شاعرهم :
أنحوي هذا الدهر ما هي لفظة * جرت بلساني جرهم وثمود
إذا نفيت والله أعلم أوجبت * وإن أوجبت قامت مقام جحود
وهذا كما قال عزوجل : كادوا يكونون عليه لبدا والمعنى أنهم لم
يكونوا ، وقال تعالى : وما كادوا يفعلون (1)وقد ذبحوا .
وهذه من أعبج القصص في السحد وهي من أعاجيب الدنيا ، كان أيام
موسى الهادي ببغداد رجل من أهل النعمة ، وكان له جار في دون حاله ، وكان يحسده
ويسعى بكل مكروه يمكنه ، ولا يقدر عليه ، قال : فلما طال عليه أمره وجعلت
الايام لا تزيده فيه إلا غيظا ، اشترى غلاما صغيرا فرباه وأحسن إليه فلما شب
الغلام واشتدت وقوي غضبه ، قال له مولاه : يا بني إني أريدك لامر من الامور
جسيم ، فليت شعري كيف لي أنت عند ذلك ؟ قال : كيف يكون العبد لمولاه ، والمنعم
عليه المحسن إليه ، والله يا مولاي لو علمت أن رضاك في أن أتقحم النار لرميت
بنفسي فيها ، ولو علمت أن رضاك في أن أغرق نفسي في لجة البحر لفعلت ذاك
وعدد عليه اشياء ، فسر بذلك من قوله ، وضمه إلى صدره وأكب عليه يترشفه
ويقبله ، وقال : أرجو أن تكون ممن يصلح لما أريد ، قال : يا مولاي إن رأيت
أن تمن على عبدك فتخبره بعزمك هذا ليعرفه ويضم عليه جوانحه ، قال : لم
يأن لذلك بعد ، وإذا كان ذلك فأنت موضع سري ومستودع أمانتي .
فتركه سنة فدعاه فقال : أي بني قد أردتك للامر الذي كنت أرشحك له
قال له : يا مولاي مرني بما شئت ، فوالله لا تزيدني الايام إلا طاعة لك ، قال :
إن جاري فلانا قد بلغ مني مبلغا أحب قتله ، قال : فأنا افتك به الساعة ، قال :
لا أريد هذا ، وأخاف ألا يمكنك ، وإن أمكنك أحالوا ذلك علي ، ولكني
دبرت أن تقتلني أنت وتطرحني على سطحه ، فيؤخذ ويقتل بي .


(1)البقرة : 71 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه