بحار الأنوار ج5

ثم اعلم أن جيمع الوجوه التي حكيناها في هذه الآية إلا جواب التقديم والتأخير
مبنية على أن الحياة الدنيا ظرف للعذاب ، وما يحتاج عندنا إلى جميع ما تكلفوه إذا لم
نجعل الحياة ظرفا للعذاب ، بل جعلناها ظرفا للفعل الواقع بالاموال والاولاد المتعلق
بهما ، لانا قد علمنا أولا أن قوله : ليعذبهم بها لابد من الانصراف عن ظاهره لان
الاموال والاولاد أنفسهما لا تكون عذابا ، فالمراد على سائر وجوه التأويل الفعل المتعلق
بها والمضاف إليها ، سواء كان إنفاقها ، أو المصيبة بها والغم عليها ، أو إباحة غنيمتها و
إخراجها عن أيدي مالكيها ، وكان تقدير الآية : إنما يريد الله ليعذبهم بكذا وكذا
مما يتعلق بأموالهم وأولادهم ويتصل بها ، وإذا صح هذا جاز أن تكون الحياة الدنيا
ظرفا لافعالهم القبيحة في أموالهم وأولادهم التي تغضب الله وتسخطه كإنفاقهم الاموال
في وجوه المعاصي ، وحملهم الاولاد على الكفر ، فتقدير الكلام : إنما يريد الله ليعذبهم
بفعلهم في أموالهم وأولادهم الواقع ذلك في الحياة الدنيا .
وأما قوله تعالى : " وتزهق أنفسهم وهم كافرون " فمعنا تبطل وتخرج أي
أنهم يموتون على الكفر ، ليس يجب إذا كان مريدا لان تزهق أنفسهم وهم على هذه
الحال أن يريد الحال نفسها على ما ظنوه .(1)وقد ذكر في ذلك وجه آخر وهو أن لا
يكون قوله : وهم كافرون ، حالا لزهوق أنفسهم بل يكون كأنه كلام مستأنف ، و
التقدير فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا
وتزهق أنفسهم وهم مع ذلك كله كافرون صائرون إلى النار ، وتكون الفائدة أنهم
مع عذاب الدنيا قد اجتمع عليهم عذاب الآخرة ، ويكون معنى تزهق أنفسهم المشقة
الشديدة والكلفة الصعبة .
أقول : قد مضى بعض الاخبار في معنى القدر والقضاء في باب البداء .


(1)قال : لان الواحد منا قد يامر غيره ويريد منه أن يقاتل أهل البغى وهم محاربون ، ولا يقاتلهم
وهم منهزمون ، ولا يكون مريدا لحرب أهل البغى للمؤمنين وان أراد قتلهم على هذه الحالة ، وكذلك
قد يقول لغلامه : اريد أن تواظب على المصير إلى في السجن وأنا محبوس ، وللطبيب : صرالى ولازمنى
وأنا مريض وهو لا يريد المرض ولا الحبس ، وان كان قد أراد ما هو متعلق بهاتين الحالتين . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه