بحار الأنوار ج5

والقول الثاني باطل بالاجماع ، وفي القول الاول فنقول : إما أن يقال : إنهم بقوا فهماء ،
عقلاء ، قادرين حال ما كانوا نطفة وعلقة ومضغة ، أو ما بقوا كذلك ، والاول باطل
ببديهة العقل . والثاني يقتضي أن يقال : الانسان حصل له الحياة أربع مرات ; أولها وقت
الميثاق ، وثانيها في الدنيا ، وثالثها في القبر ، ورابعها في القيامة ، وأنه حصل له الموت
ثلاث مرات : موت بعد الحياة الحاصلة في الميثاق الاول ، وموت في الدنيا ، وموت في القبر ،
وهذا العدد مخالف للعدد المذكور في قوله تعالى : " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " .(1)
الثاني عشر قوله تعالى : " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين "(2)فلو كان القول
بهذا الذر صحيحا لكان ذلك الذر هو الانسان ، لانه هو المكلف المخاطب ، المثاب
المعاقب ، وذلك باطل لان الذر غير مخلوق من النطفة والعلقة والمضغة ، ونص الكتاب
دليل على أن الانسان مخلوق من النطفة والعلقة والمضغة ، وهو قوله : " ولقد خلقنا
الانسان من سلالة من طين " وقوله : " قتل الانسان ما أكفره من أي شئ خلقه من نطفة
خلقه فقدره "(3)فهذه جملة الوجوه المذكورة في بيان أن هذا القول ضعيف .
والقول الثاني في تفسير هذه الآية قول أصحاب النظر وأرباب المعقولات أنه
أخرج الذر وهم الاولاد من أصلاب آبائهم ، وذلك الاخراج أنهم كانوا نطفة فأخرجها
الله تعالى في أرحام الامهات ، وجعلها علقة ، ثم مضغة ، ثم جعلهم بشرا سويا ، وخلقا
كاملا ، ثم أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيته ، وعجائب خلقه و
غرائب صنعه ، فبالاشهاد صاروا كأنهم قالوا : بلى وإن لم يكن هناك قول باللسان
لذلك نظائر .
منها قوله تعالى : " فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " .
ومنها قوله تعالى : " إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " .
وقول العرب : قال الجدار للوتد : لم تشقني ؟ قال : سل من يدقني ، فإن الذي
ورائي ما خلاني ورأيي . وقال الشاعر :
امتلا الحوض وقال قطني .


(1)المؤمن : 11 .(2)المؤمنون : 12 .
(3)عبس : 19 .(4)فصلت : 11 .(5)النحل : 42 . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه