بحار الأنوار ج58

الانسان جسم موجود خارج البدن فلا أعراف أحدا ذهب إلى ذلك .
اقول : ثم ذكر حججا عقلية طويلة الذيل على إثبات النفس ومغارتها للبدن .
منها : أن النفس واحدة ومتى كانت واحدة وجب أن تكون مغائرة لهذا البدن
ولكل واحد من أجزائه ، أما كونها واحدة فتارة ادعى البداهة فيه ، وتارة استدل
عليه بوجوه : منها أنا إذا فرضنا جوهرين مستقلين ، يكون كل واحد منهما مستقلا
بفعله الخاص ، امتنع أن يصير اشتغال أحدهما بفعله الخاص به مانعا لاشتغال الآخر
بفعله الخاص به ، وإذا ثبت هذا فنقول : لوكان محل إلا دراك والفكر جوهرا ومحل
الغضب جوهرا آخر ومحل الشهوة جوهرا ثالثا ، وجب أن لايكون اشتغال القوة
الغضبية بفعلها مانعا للقوة الشهوانية من الاشتغال بفعلها ولا بالعكس ، لكن التالي
باطل ، فإن اشتغال الانسان بالشهوة وانصبابه إليها يمنعه من الاشتغال بالغضب
والانصباب إليه وبالعكس ، فعلمنا أن هذه الامور الثلاثة ليست مبادئ مستقلة ، بل
هي صفات مختلفة لجوهر واحد ، فلاجرم كان اشتغال ذلك الجوهر بأحد هذه الافعال
عائقا له عن الاشتغال بالفعل الآخر .
ومنها : أن حقيقة الحيوان أنه جسم ذو نفس حساسة متحركة بالارادة
فالنفس لايمكنها أن تتحرك بالارادة إلا عند حصول الداعي ، ولا معنى للداعي إلا الشعور
بخير يرغب في جذبه ، أوبشر يرغب في دفعه ، وهذا يقتضي أن يكون المتحرك بالارادة
هو بعينه مدركا للخير والشر والملذ والموذي والنافع والضار ، فئبت بما ذكرنا أن
النفس الانسانية شئ واحد ، وثبت أن ذلك الشئ هوالمبصر والسامع والشام والذائق
واللامس والمتفكر ، والمتذكر والمشتهي والغاضب ، وهوالموصوف بجميع
الادراكات لكل المدركات ، وهو الموصوف بجميع الافعال الاختيارية والحركات
الارادية .
ثم قال : وأماالمقدمة الثانية فهى في بيان أنه لما كانت النفس شيئا واحدا
وجب أن لايكون النفس هذا البدن ولا شيئا من أجزائه ، وأما امتناع كونها جملة
هذا البدن فتقريره : أنا نعلم بالضرورة أن القوة الباصرة غير سارية في كل البدن

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه