طلع البدر علينا من ثنيات(1)الوداع * وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
وكان سلمان الفارسي عبدا لبعض اليهود وقد كان خرج من بلاده من فارس
يطلب الدين الحنيف الذي كان أهل الكتب يخبرونه به ، فوقع إلى راهب من
رهبان النصارى بالشأم ، فسأله عن ذلك وصحبه ، فقال : اطلبه بمكة فثم مخرجه
واطلبه بيثرب فثم مهاجره ، فقصد يثرب فأخذه بعض الاعراب فسبوه ، واشتراه
رجل من اليهود ، فكان يعمل في نخله ،(2)وكان في ذلك اليوم على النخلة يصرمها(3)
فدخل على صاحبه رجل من اليهود فقال : يا با فلان أشعرت أن هؤلاء المسلمة قد
قدم عليهم نبيهم ؟ فقال سلمان : جعلت فداك ما الذي تقول ؟ فقال له صاحبه : مالك
وللسؤال عن هذا ؟ اقبل على عملك ، قال : فنزل وأخذ طبقا فصير عليه من ذلك
الرطب وحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ما هذا ؟ قال : هذه صدقة
تمورنا ، بلغنا أنكم قوم غرباء قدمتم هذه البلاد فأحببت أن تأكلوا من صدقاتنا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : سموا وكلوا ، فقال سلمان في نفسه وعقد بأصبعه : هذه واحدة
يقولها بالفارسية ، ثم أتاه بطبق آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ما هذا ؟ فقال له
سلمان : رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أهديتها إليك ، فقال صلى الله عليه وآله : سموا و
كلوا ، وأكل عليه السلام ، فعقد سلمان بيده اثنتين ، وقال : هذه آيتان ،(4)يقولها بالفارسية
(1)قال ياقوت في معجم البلدان 2 : 85 : الثنية في الاصلا : كل عقبة في الجبل مسلوكه
وثنية الوداع بفتح الواو : وهو اسم من التوديع عند الرحيل ، وهى ثنية مشرفة على المدينة
يطؤها من يريد مكة ، واختلف في تسميتها بذلك ، فقيل : لانها موضع وداع المسافرين من
المدينة إلى مكة ، وقيل : لان النبى صلى الله عليه وآله ودع بها بعض من خلفه بالمدينة في
آخر خرجاته ، وقيل : في بعض سراياه المبعوثة عنه ، وقيل : الوداع : اسم واد بالمدينة ، والصحيح
انه اسم قديم جاهلى سمى لتوديع المسافرين انتهى . أقول : ويؤيد الاخير البيت ، ويظهر منه
انها كانت معروفة عندهم بذلك .
(2)في المصدر : فكان يعمل في نخلة .
(3)صرم النخل والشجر : جزه .
(4)في المصدر : هذه اثنان .