بحار الأنوار ج11

انتهى . وقال الجوهري : الغي : الضلال والخيبة . وقال : خاب الرجل يخيب
خيبة : إذا لم ينل ما طلب ، وفي المثل : الهيبة خيبة . وقال الجزري : في حديث موسى وآدم على
نبينا وآله وعليهما السلام :(لاغويت الناس)أي خيبتهم . يقال : غوى الرجل : إذا خاب و
أغواه غيره ، وحينئذ لا يكون قوله تعالى : " فغوى " تأكيد اللعصيان ، بل يكون المعنى : ترك
ما امر به ندبا فحرم من الثواب الذي كان يستحقه لوفعله .
ويمكن أن يجاب على تقدير كون الغواية بمعنى الضلال وضد الرشاد بأن الرشد
هو التوصل بشئ إلى شئ ، وسلوك طريقة موصلة إلى المطلوب ، فمن ارتكاب ما يبعده عن
مطلوبه كان ضالا غاويا ، ولو كان بمخالفة أمر ندبي أو ارتكاب نهي تنزيهي ، ولذا يقال لكل
من بعد عن الطريق : إنه ضل ، ولو سلم أن الغواية لا يستعمل حقيقة إلا فيما زعمه المستدل
نقول : لابد من حمله في الآية على ما ذكرناه ولو على سبيل المجاز لدلائل العصمة . واجيب
أيضا بأن " غوى " ههنا بمعنى بشم(1)من كثرة الاكل أي اتخم .
وقال السيد رضي الله عنه في جواب المسائل التي وردت عليه من الري : فإن قالوا :
ما المانع من أن يريد(وعصى)أي لم يفعل الواجب من الكف عن الشجرة والواجب
يستحق بالاخلال به حرمان الثواب كالفعل المندوب إليه فكيف رجحتم ما ذهبتم إليه على
ما ذهبنا نحن ؟ قلنا : الترجيح لقولنا ظاهر ، إذا الظاهر من قوله تعالى : " عصى فغوى " أن الذي
دخلته الفاء جزاء على المعصية ، وأنه كل الجزاء المستحق بالمعصية ، لان الظاهر من
قول القائل : سرق فقطع ، وقذف فجلد ثمانين أن ذلك جميع الجزاء لا بعضه ، وكذلك إذا
قال القائل : من دخل داري فله درهم حملناه على أن الدرهم جميع جزائه ، ولا يستحق
بالدخول سواه ، ومن لم يفعل الواجب استحق الذم والعقاب وحرمان الثواب ، ومن
لم يفعل المندوب إليه فهو غير مستحق لشئ كان تركه للندب سببا فيه إلا حرمان
الثواب فقط ، وبينا أن من لم يفعل الواجب ليس كذلك ، وإذا كان الظاهر يقتضي أن
ما دخلته الفاء جميع الجزاء على ذلك السبب لم يلق إلا بما قلناه دون ما ذهبوا إليه وهذا
واضح لمن تدبره .


(1)قال الفيروز آبادى في القاموس : غوى الفصيل كرضى ورمى : بشم من اللبن او منع الرضاع
فهزل فكاد يهلك(*).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه