بحار الأنوار ج60

الكلام في أقصى الدماغ ، أو في أقصى القلب ، حتى أن الانسان وإن كان في غاية الصمم
فانه يسمع هذه الحروف والاصوات .
ثم إن قلنا : بأن الشيطان والملك ذوات قائمة بأنفسها غير متحيزة البتة لم يبعد
كونها قادرة على مثل هذه الافعال ، وإن قلنا : بأنها أجسام لطيفة لم يبعد أيضا أن يقال :
إنها وإن كانت لا تتولج بواطن البشر إلا أنهم يقدرون على إيصال هذا الكلام إلى بواطن
البشر .
ولا يبعد أيضا أن يقال : إنها لغاية لطافتها يقدر على النفوذ في مضائق بواطن
البشر ومخارق جسمه ، وتوصل اللام إلى قلبه ودماغه ، ثم إنها مع لطافتها تكون
مستحكمة التركيب بحيث يكون اتصال بعض أجزآئه بالبعض اتصالا لا ينفصل ، فلا
جرم لا يقتضي نفوذها في هذه المضائق والمخارق انفصالها وتفرق أجزائها ، وكل هذه
الاحتمالات مما لا دليل على فسادها ، والامر في معرفة حقائقها عند الله تعالى ، ومما
يدل على إثبات إلهام الملائكة بالخير وقوله تعالى : " إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني
معكم فثبتوا الذين آمنوا(1)" أي ألهموهم بالثبات(2)، ويدل عليه من الاخبار قوله
صلى الله عليه وآله : " للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة " .
وفي الحديث أيضا : " إذا ولد المولود لبني آدم قرن إبليس به شيطانا وقرن الله به
ملكا فالشيطان جاثم على اذن قلبه الايسر ، والملك قائم(3)على اذن قلبه الايمن فهما
يدعوانه " .
ومن الصوفية والفلاسفة من فسر الملك الداعي إلى الخير بالقوة العقلية ، وفسر
الشيطان الداعي إلى الشر بالقوة الشهوانية والغضبية ، ودلت الآية على أن الشيطان
لا يأمر إلا بالقبائح لان الله تعالى ذكره بكلمة إنما وهي للحصر ، وقال بعض العارفين :
إن الشيطان قد يدعو إلى الخير لكن لغرض أن يجره منه إلى الشر ، وذلك إلى


(1)الانفال : 12 .
(2)في المصدر : بالثبات وشجعوهم على اعدائهم .
(3)في المصدر : والملك جاثم .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه