يا عم لا تتكلم فإن أبا وهب قد أجار محمدا ، فوقف أبوجهل على مطعم بن عدي
فقال : أبا وهب أمجير أم صابئ(1)؟ قال : بل مجير ، قال : إذا لا نخفر جوارك ،
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من طوافه وسعيه جاء إلى مطعم فقال :
أبا وهب ! قد أجرت وأحسنت ، فرد علي جواري ، قال : وما عليك أن تقيم في
جواري ؟ قال : أكره أن اقيم في جوار مشرك أكثر من يوم ، قال مطعم : يا معشر
قريش إن محمدا قد خرج من جواري .
قال علي بن إبراهيم : قدم أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس في موسم من مواسم
العرب وهما من الخزرج ، وكان بين الاوس والخزرج حرب قد بقوا فيها دهرا طويلا
وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار ، وكان آخر حرب بينهم يوم بعاث ،
وكانت للاوس على الخزرج ، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكة في عمرة رجب
يسألون الحلف على الاوس ، وكان أسعد بن زرارة صديقا لعتبة بن ربيعة فنزل عليه
فقال له : إنه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناك نطلب الحلف عليهم ، فقال له
عتبة : بعدت دارنا من داركم ، ولنا شغل لا نتفرغ لشئ ، قال : وما شغلكم وأنتم
في حرمكم وأمنكم ؟ قال له عتبة : خرج فينا رجل يدعي أنه رسول الله ، سفه أحلامنا
وسب آلهتنا ، وأفسد شباننا ، وفرق جماعتنا ، فقال له أسعد : من هو منكم ؟ قال :
ابن عبدالله بن عبدالمطلب من أوسطنا شرفا ، وأعظمنا بيتا ، وكان أسعد وذكوان و
جميع الاوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم : النضير وقريظة وقينقاع
أن هذا أوان نبي يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلنكم به يا معشر العرب
فلما سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود ، قال : فأين هو ؟ قال :
جالس في الحجر ، وإنهم لا يخرجون من شعبهم إلا في الموسم ، فلا تسمع منه ولا
تكلمه فإنه ساحر يسحرك بكلامه ، وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب
فقال له أسعد : فكيف أصنع وأنا معتمر لابد لي أن أطوف بالبيت ؟ قال : ضع في
اذنيك القطن ، فدخل أسعد المسجد وقد حشا أذنيه بالقطن ، فطاف بالبيت ورسول الله
(1)صبأ فلان ، إذا خرج من دين إلى دين آخر .