بحار الأنوار ج4

وقد ذكر في معنى التمثيل وجوه :
الاول : أنه تمثيل للهدى الذي دل عليه الآيات البينات في جلاء مضمونها و
ظهور ما تضمنته من الهدى بالمشكاة المنعوتة . أو تشبيه للهدى من حيث إنه محفوظ من
ظلمات أوهام الناس وخيالاتهم بالمصباح ، وإنما ولى الكاف المشكاة لاشتمالها عليها ،
وتشبيهه به أوفق من تشبيهه بالشمس . أو تمثيل لما نور الله به قلب المؤمن من المعارف
والعلوم بنور المشكاة المثبت فيها من مصباحها ، ويؤيده قراء‌ة ابي مثل نور المؤمن . أو
تمثيل لما منح الله عباده من القوي الدراكة الخمس المترتبة التي بها المعاش والمعاد ،
وهي الحاسة التي تدرك المحسوسات بالحواس الخمس ، والخيالية التي تحفظ صورة
تلك المحسوسات لتعرضها على القوة العقلية متى شاء‌ت ، والعلمية التي تدرك الحقائق
الكلية ، والمفكرة وهي التي تؤلف المعقولات لتستنتج منها علم مالم تعلم ، والقوة
القدسية التي يتجلى فيها لوائح الغيب وأسرار الملكوت المختصة بالانبياء والاولياء
المعنية بقوله تعالى : " ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا " بالاشياء الخمسة
المذكورة في الآية ، وهي المشكاة ، والزجاجة ، والمصباح ، والشجرة ، والزيت ، فإن
الحاسة كالمشكاة لان محلها كالكوة ، ووجهها إلى الظاهر لا يدرك ماوراء‌ها وإضاء‌تها
بالمعقولات لابالذات ، والخيالية كالزجاجة في قبول صور المدركات من الجوانب وضبطها
للانوار العقلية ، وإنارتها بما يشتمل عليها من المعقولات ، والعاقلة كالمصباح لاضاء‌تها
بالادراكات الكلية ، والمعارف الالهية ، والمفكرة كالشجرة المباركة لتأديتها إلى ثمرات
لانهاية لها ، والزيتونة المثمرة بالزيت الذي هو مادة المصابيح التي لاتكون شرقية
ولاغربية ، لتجردها عن اللواحق الجسمية ، أو لوقوعها بين الصور والمعاني متصرفة
في القبيلتين ، منتفعة من الجانبين ، والقوة القدسية كالزيت فإنها لصفائها وشدة ذكائها
تكاد زيتها تضيئ بالمعارف من غير تفكر ولا تعليم .
أو تمثيل للقوة العقلية في مراتبها بذلك فإنها في بدء أمرها خالية عن العلوم ،
مستعدة لقبولها كالمشكاة ، ثم ينتقش بالعلوم الضرورية بتوسط إحساس الجزئيات ،
بحيث يتمكن من تحصيل النظريات فتصير كالزجاجة متلالئة في نفسها قابلة للانوار ،

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه