بحار الأنوار ج70

أومفعول مطلق لفعل محذوف ، اي أعجب عجبا فعلى الاول للمتكبر (1)صفة
لقوله عجبا وعلى الثاني خبر مبتدأ محذوف بتقدير هو للمتكبر ، والضمير
المحذوف راجع إلى عجبا .
وقال النحويون لا يمكن أن يكون صفة لعجبا لان الفعل كما لا يكون
موصوفا فكذلك النائب الوجوبي له لا يكون موصوفا ، وحذف الفعل وإقامة المصدر
مقامه في تلك المواضع واجب .
وأقول : هذا الخبر وأمثاله نسخ أدوية من الحكماء الربانية ، لمعالجة أعظم
الادواء الروحانية ، وهو الفخر المترتب على الكبر ، وحاصلها أن في الانسان كثير
من صفات النقصان ، وإن كان فيه كمال فمن رب الانس والجان ، فلا يليق به أن
يفتخر على غيره من الاخوان ، وفيها إشعار بأن دفع هذا المرض باختياره ، وعلاجة
مركب من أجزاء علمية وعملية .
فأما العلمية فبأن يعرف الله سبحانه بجلاله ، ويوحده في ذاته وصفاته وأفعاله
وأن يعلم أن كل موجود سواه مقهور مغلوب عاجز لا وجود له إلا بفيض جوده
ورحمته ، وأن الانسان مخلوق عن أكثف الاشياء وأخسها وهو التراب ، ثم النطفة
النجسة القذرة ، ثم العلقة ، ثم المضغة ، ثم العظام ، ثم الجنين الذي غذاؤه دم
الحيض ، ثم يصير في القبر جيفة منتنة يهرب منه اقرب الناس إليه .
وهو فيما بين ذلك ينقلب من طور إلى طور ، ومن حال إلى حال ، من مرض
إلى صحة ، ومن صحة إلى مرض ، إلى غير ذلك من اأحوال المتبادلة ، وهو لا
يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا حياة ولا نشورا ، وإلى هذا أشار عليه السلام بقوله :
وهو فيما بين ذلك مايدري ما يصنع به ثم لا يعلم ما يأتي عليه في البرزخ
والقيامة ، كما ذكرنا سابقا في باب الكبر(1).
وأنه يعلم أن استكمال كل شئ سواء كان طبيعيا أو إراديا لا يتحقق إلا
بالانكسار والضعف ، فان العناصر ما لم ينكسر صورة كيفياتها الصرفة ، لم تقبل
صورة كمالية معدنية أو نباتية أوحيوانية ، أو إنسانية ، والبذر ما لم يقع في


(1)يريد باب الكبر من الكافي ، وقد مر في صدر الباب .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه