بحار الأنوار ج56

الخير وأنهما كانا يعلمان الناس ذلك مع قولهما إنما نحن فتنة توكيدا لبعثهم
على القبول والتمثل ، فكانت طائفة تتمثل واخرى تخالف وتعدل عن ذلك " و
يتعلمون منهما " أي من الفتنة والكفر مقدار ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، و
هذا تقرير مذهب أبي مسلم .
الوجه الثانى : أن يكون " ما " بمعنى الجحد ، ويكون معطوفا على قوله
" وما كفر سليمان " كأنه قال : لم يكفر سليمان ولم ينزل على الملكين سحر
لان السحرة كانت تضيف السحر إلى سليمان وتزعم أنه مما انزل على الملكين
ببابل هاروت وماروت ، فرد الله عليهم في القولين . وقوله " وما يعلمان من أحد "
جحد أيضا ، أي لا يعلمان أحدا بل ينهيان عنه أشد النهي ، وأما قوله " حتى يقولا
إنما نحن فتنة " أي ابتلاء وامتحان " فلا تكفر " فهو كقولك ما أمرت فلانا بكذا
حتى قلت له : إن فعلت كذا نالك كذا ، أي ما أمرته به ، بل حذرته عنه .
واعلم أن هذه الاقوال وإن كانت حسنة إلا أن القول الاول أحسن منها
وذلك لان عطف قوله " وما انزل " على مايليه أولى من عطفه على ما بعد عنه
إلا لدليل منفصل . أما قوله لو نزل السحر عليهما لكان منزل ذلك السحر هو الله
تعالى ، قلنا : تعريف صفة الشئ قد يكون لاجل الترغيب في إدخاله في الوجود ، وقد
يكون لاجل أن يقع الاحتراز عنه ، كما قال الشاعر :
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
قوله ثانيا : إن تعليم السحر كفر لقوله تعالى " ولكن الشياطين كفروا
يعلمون الناس السحر " فالجواب أنا بينا أنه واقعة حال فيكفي في صدقها صورة
واحدة ، وهي ما إذا اشتغل بتعليم سحر من يقول بإلهية الكواكب ويكون قصده
من ذلك التعليم إثبات أن ذلك المذهب حق . قوله ثالثا : إنه لا يجوز بعثة الانبياء
لتعليم السحر فكذا الملائكة . قلنا : لا نسلم أنه لا يجوز بعثة الانبياء لتعليمه بحيث
يكون الغرض من ذلك التعليم التنبيه على إبطاله . قوله رابعا : إنما يضاف السحر
إلى الكفرة أو المردة فكيف يضاف إلى الله ما ينهى عنه ؟ قلنا : فرق بين العمل وبين

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه