الارض من خلقي من الجن والنسناس ، فلما رأوا ما يعلمون فيها من المعاصي وسفك الدماء
والفساد في الارض بغير الحق ، عظم ذلك عليهم وغضبوا لله وأسفوا على أهل الارض ولم
يملكوا غضبهم أن قالوا : يا رب أنت العزيز القادر الجبار(1)القاهر العظيم الشأن ،
وهذا خلقك الضعيف الذليل في أرضك يتقلب(2)في قبضتك ، ويعيشون برزقك ، ويستمتعون
بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذا الذنوب العظام ، لا تأسف ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك
لما تسمع منهم وترى ! وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك . فلما سمع الله عزوجل من
الملائكة قال : إني جاعل في الارض خليفة لي عليهم ، فيكون حجة لي عليهم في أرضي
على خلقي ، فقالت الملائكة : سبحانك ! أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن
نسبح بحمدك ونقدس لك . قالوا :(3)فاجعله منا فإنا لا نفسد في الارض ولا نسفك
الدماء . قال الله - جل جلاله - : يا ملائكتي إني أعلم مالا تعلمون ، إني اريد أن
أخلق خلقا بيدي ، أجعل ذريته أنبياء مرسلين ، وعبادا صالحين ، وأئمة مهتدين ،
أجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي ، ينهونهم عن معاصي(4)، وينذرونهم عذابي ، و
يهدونهم إلى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلي ، وأجعلهم حجة لي عذرا أو نذرا ،
وابين(5)النسناس من أرضي فاطهرها منهم ، وأنقل مردة الجن العصاة عن بريتي و
خلقي وخيرتي ، واسكنهم في الهواء وفي أقطار الارض لا يجاورون نسل خلقي ، وأجعل
بين الجن وبين خلقي حجابا ، ولا يرى نسل خلقي الجن ولا يؤانسونهم ولا يخالطونهم
فمن(6)عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم لنفسي أسكنتهم مساكن العصاة وأوردتهم
مواردهم ولا ابالي .
(1)المختار(خ).
(2)في المصدر : يتقلبون .
(3)في المصدر : وقالوا .
(4)فيه : المعاصى .
(5)سيأتى في البيان عن بعض النسخ " ابير " وعن بعضها " ابيد " .
(6)زاد في المصدر : ولا يجالسونهم