بحار الأنوار ج6

تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : قوله تعالى : " بل أحياء " فيه أقوال : أحدها - وهو
الصحيح - أنهم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم الساعة ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة ،
وإليه ذهب الحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء ، واختاره الجبائي الرماني وجميع
المفسرين .
الثاني : أن المشركين كانوا يقولون : أصحاب محمد يقتلون نفوسهم في الحروب بغير
سبب ، ثم يموتون فيذهبون ، فأعلمهم الله أنه ليس الامر على ما قالوه وأنهم سيحيون
يوم القيامة ويثابون ، عن البلخي ، ولم يذكر ذلك غيره .
والثالث : معناه : لا تقولوا : هم أموات في الدين بل هم أحياء بالطاعة والهدى ، ومثله
قوله سبحانه : " أو من كان ميتا فأحييناه " فجعل الضلال موتا والهداية حياة ، عن الاصم .
والرابع : أن المراد أنهم أحياء لما نالوا من جميل الذكر والثناء ، كما روي عن
أمير المؤمنين عليه السلام من قوله : هلك خزان الاموال والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم
مفقودة ، وآثارهم في القلوب موجودة . والمعتمد هو القول الاول لان عليه إجماع
المفسرين ، ولان الخطاب للمؤمنين وكانوا يعلمون أن الشهداء على الحق والهدى و
أنهم ينشرون ويحيون يوم القيامة ، فلا يجوز أن يقال لهم : " ولكن لا تشعرون " من
حيث إنهم كانوا يشعرون بذلك ويقرون به ، ولان حمله على ذلك يبطل فائدة تخصيصهم
بالذكر ، ولو كانوا أيضا أحياء‌ا بما حصل لهم من جميل الثناء لما قيل أيضا : " ولكن لا
تشعرون " لانهم كانوا يشعرون بذلك ، ووجه تخصيص الشهداء بكونهم أحياء‌ا - وإن
كان غيرهم من المؤمنين قد يكونون أحياء‌ا في البرزخ - أنه على جهة البشارة بذكر
حالهم ثم البيان لما يختصون به من أنهم يرزقون كما في الآية الاخرى ، فإن قيل :
فنحن نرى جثث الشهداء مطروحة على الارض لا يتصرف ولا يرى فيها شئ من علامات
الاحياء ! فالجواب - على مذهب من يقول بأن الانسان هو الروح من أصحابنا - أن
الله تعالى جعل لهم أجساما كأجسامهم في دار الدنيا يتنعمون فيها دون أجسامهم التي
في القبور فإن النعيم والعذاب إنما يصل عنده إلى النفس التي هي الانسان المكلف
عنده ، دون الجثة ويؤيده كثير من الاخبار .
وأما على مذهب من قال من أصحابنا إن الانسان هذه الجثة المشاهدة وأن الروح

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه