بحار الأنوار ج55

الكلف الحاصل في وجه القمر فهو أيضا برهان قاطع على صحة قول المسلمين في
المبدء والمعاد ، أما دلالته على صحة قولهم في المبدء فلان جرم القمر جرم بسيط
عند الفلاسفة فوجب أن يكون متشابه الصفات ، فحصول الاحوال المختلفة الحاصلة
بسبب المحو يدل على أنه ليس بسبب الطبيعة بل لاجل أن الفاعل المختار خصص
بعض أجزائه بالنور القوي وبعض أجزائه بالنور الضعيف ، وذلك يدل على أن
مدبر العالم فاعل مختار لاموجب بالذات . وآخر(1)ما ذكره الفلاسفة في الاعتذار
عنه أنه ارتكز في وجه القمر أجسام قليلة الضوء مثل ارتكاز الكواكب في أجرام
الافلاك ، فلما كانت تلك الاجرام أقل ضوء‌ا من جرم القمر لاجرم شوهدت تلك
الاجرام في وجه القمر كالكلف في وجه الانسان . وهذا لايفيد مقصود الخصم لان
جرم القمر لما كان متشابه الاجزاء فلم ارتكزت تلك الاجرام الظلمانية في بعض
أجزاء القمر دون سائر الاجزاء ، وبمثل هذا الطرق يتمسك في أحوال الكواكب
وذلك لان الفلك جرم بسيط متشابه الاجزاء فلم يكن حصول جرم الكواكب في
بعض جوانبه أولى من حصوله في سائر الجوانب ، وذلك يدل على أن اختصاص
ذلك الكواكب بذلك الموضع المعين من الفلك لاجل تخصيص الفاعل المختار الحكيم .
وأما قوله(وجعلنا آية النهارمبصرة)ففيه وجهان : الاول أن معنى كونها
مبصرة أي مضيئة ، وذلك لان الاضاء‌ة سبب لحصول الابصار ، فاطلق اسم الابصار
على الاضاء‌ة إطلاقا لاسم المسبب على السبب . والثانى قال أبوعبيدة : يقال قد
أبصر النهار إذا صار الناس يبصرون فيه ، كقوله(رجل مخبث)إذا كان أصحابه
خبثاء ، و(رجل مضغف)إذا كان دوابه(1)ضغافا ، فكذا قوله(والنهار مبصرا)
أي أهله بصراء(لتبتغوا فضلا من ربكم)أي لتبصروا كيف تتصرفون في أعمالكم
(ولتعلموا عدد السنين والحساب)أعلم أن الحساب يبنى على أربع مراتب : الساعات


(1)في المصدر : واحسن .
(2)في المصدر : اذا كان ذراريه صغافا .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه