بحار الأنوار ج64

تعالى : " وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون "(1).
واورد على ظاهر الآية أن بعض الجن والانس لا يعبدون أصلا ، إما لكفر
أو جنون أو موت قبل البلوغ أو نحو ذلك ، وعدم ترتب العلة الغائية على فعل الحكيم
ممتنع ، واجيب بوجوه أربعة :
الاول : أنه أراد سبحانه بالجن والانس اللذين بلغوا حد التكليف قبل
الممات ، والتعليل المفهوم من اللام ، أعم من العلة الغائية ، كما روى الصدوق
في التوحيد عن أبي الحسن الاول عليه السلام أنه قال : معنى قول النبي صلى الله عليه وآله " اعملوا

فكل ميسر لما خلق له "(2)أن الله عزوجل خلق الجن والانس ليعبدوه ، ولم
يخلقهم ليعصوه ، وذلك قوله عزوجل " وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون "
فيسر كلا لما خلق الجن له . فالويل لمن استحب العمى على الهدى .
الثانى : أنه إن سلمنا أن المراد بالجن والانس ما هو أعم من المكلفين
وأن اللام للعلية الغائية ، لا نسلم العموم في ضمير الجمع في قوله " ليعبدون " إذ
لعل المراد عبادة بعض الجن والانس .
الثالث : إن سلمنا عموم ضمير يعبدون أيضا ، فلا نسلم رجوع الضمير إلى
الجن والانس ، إذ يمكن عوده إلى المؤمنين المذكورين قبل هذه الاية ، في قوله
تعالى : " فذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين " فتدل على أن خلق غير المؤمنين
لاجل المؤمنين ، كما يومئ إليه قوله تعالى في هذا الخبر ، " وينظر المؤمن إلى
الكافر فيحمدني فلذلك خلقتهم " الخ .
الرابع : لو سلمنا جميع ذلك ، نقول : ترتب الغاية على فعل الحكيم ووجوبه


(1)الذاريات : 56 .
(2)قال رسول الله صلى الله عليه وآله مامنكم من أحد الا وقد كتب مقعده من النار
ومقعده من الجنة قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ، قال اعملوا فكل ميسر
لما خلق له اما من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاوة
فسييسر لعلم الشقاوة ، متفق عليه ، كما في مشكاة المصابيح ص 20 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه