بحار الأنوار ج72

ذولسانين : لسان منه مع الله ، والاخر مع ما سواه ، فهذا أولى بالذم من ذي
اللسانين .
وتحقيقه أن بدن الانسان بمنزلة مدينة كبيرة لها حصن منيع هو القلب
بل هو العالم الصغير من جهة والعالم الكبير من جهة اخرى والله سبحانه هو سلطان
القلب ومدبره ، بل القلب عرشه ، وحصنه بالعقل والملائكة ، ونوره بالانوار
الملكوتية ، واستخدمه القوى الظاهرة والباطنة والجوارح والاعضاء الكثيرة
ولهذا الحصن أعداء كثيرة من النفس الامارة ، والشياطين الغدارة ، وأصناف
الشهوات النفسانية ، والشبهات الشيطانية ، فاذا مال العبد بتأييده سبحانه إلى عالم
الملكوت ، وصفي قلبه بالطاعات والرياضات عن شوك الشكوك والشبهات ، وقذارة
الميل إلى الشهوات ، استولى عليه حبه تعالى ومنعه عن حب غيره ، فصارت القوى
والمشاعر وجميع الالات البدنية مطيعة للحق ، منقادة له ، ولايأتي شئ منها
بما ينافي رضاه ، وإذا غلبت عليه الشقوة ، وسقط في مهاوي الطبيعة استولى
الشيطان على قلبه ، وجعله مستقر ملكه ونفرت عنه الملائكة ، وأحاطت به
الشياطين ، وصارت أعماله كلها للدنيا ، وإراداته كلها للهوى ، فيدعي أنه
يعبدالله ، وقد نسي الرحمان ، وهو يعبد النفس والشيطان .
فظهر أنه لايجتمع حب الله وحب الدنيا ، ومتابعة الله ومتابعة الهوي
في قلب واحد ، وليس للانسان قلبان حتى يحب بأحدهما الرب تعالى ويقصده
بأعماله ، ويحب بالاخرة الدنيا وشهواتها ، ويقصدها في أفعاله ما قال
سبحانه : ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه (1)ومثل سبحانه لذلك باللسان
والسيف ، فكما لايكون في فم لسانان ، ولا في غمد سيفان ، فكذلك لايكون
في صدر قلبان ، ويحتمل أن يكون اللسان لما مر في ذي اللسانين .
وأما قوله : فكذلك الاذهان فالفرق بينها وبين القلب مشكل ، ويمكن
أن يكون القلب للحب والعزم ، والذهن للاعتقاد الجزم ، أي لا يجتمع في القلب
حب الله وحب ما ينا في حبه سبحانه ، من حب الدنيا وغيره ، وكذلك لا يجتمع


(1)الاحزاب : 4 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه