ثم قمن النسوة وخرجن ، فإذا أنا بأثواب من الديباج قد نشرت بين السمآء
ولاأرض وسمعت قائلا يقول : خذوه وغيبوه عن أعين الناظرين والحاسدين ، فإنه
ولي(1)رب العالمين ، قالت آمنة : فداخلني الجزع والفزع ، وإذا أنا بخفقان(2)أجنحة
الملائكة ، وإذا بهاتف قد نزل ، وسمعت تسبيحا وتقديسا وأرياشا مختلفة(3)هذا ولم يكن
في البيت أحد إلا أنا ، فبينما أنا أقول في نفسي : أنا نائمة أو يقظانة ؟ إذ لمع نور أضاء لاهل
السمآء والارض حتى شق سقف البيت ، وسمعت تسبيح الملائكة ، فبينما أنا متعجبة من
ذلك إذ وضعت ولدي محمدا صلى الله عليه وآله ، فلما سقط إلي الارض سجد تلقاء الكعبة رافعا يديه
إلى السمآء كالمتضرع إلى ربه ، وسمعت من داخل البيت جلبة عظيمة ، وقائلا يقول
شعرا :
كم آية منأجله ظهرت فما * تخفى وزادت في الانام ظهورا
ورأته آمنة يسبح ساجدا * عند الولادة للسمآء مشيرا
قالت آمنة : وسمعت أصواتا مختلفة ، وإذا بسحابة بيضآء قد نزلت على ولدي ،
فأخذته وغيبته عني ، فلم أره فصحت خوفا على ولدي ، وإذا بقائل يقول لي : لا تخافي ، و
سمعت قائلا يقول : طوفوا بمحمد مشارق(4)الارض ومغاربها ، وبرها ، وبحرها ، ووعرها(5)،
واعرضوه على الجن والانس ، ليعرفوا نعته ، قالت آمنة : كان ما بين غيبته ورجوعه أسرع
من طرفة عين ، وإذا هو قد جاؤابه إلي وهو مدرج في ثوب أبيض من صوف(6)، وهو
قابض على مفاتيح ثلاثة ، ورجل قائم على رأسه وهو يقول : قبض محمد على مفاتيح النصر ، و
مفاتيح النبوة ، ومفاتيح الكعبة ، فبينا أنا كذلك وإذا أنا بسحابة اخرى أعظم من الاولى ،
(1)في المصدر : حبيب .
(2)أى صوت أجنحتها .
(3)في المصدر : أرباش مختلفة الالوان ، حمر المناقير .
(4)على مشارق خ ل .
(5)في المصدر : وسهلها وجبلها .
(6)وهو مكحل مختون مدهون خ .