بحار الأنوار ج6

" يغشى الناس " يعني أن الدخان يعم جميع الناس ، وعلى القول الاول المراد
بالناس أهل مكة ، فقالوا ، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون بمحمد صلى الله عليه واله والقرآن
قال سبحانه : " أنى لهم الذكرى " أي من أين لهم التذكر والاتعاظ ، وقد جاء‌هم رسول
مبين أي وحالهم أنهم قد جاء‌هم رسول ظاهر الصدق والدلالة " ثم تولوا عنه " أي أعرضوا
عنه ولم يقبلوا قوله وقالوا : " معلم مجنون " ثم قال سبحانه : " إنا كاشفوا العذاب " أي الجوع
والدخان " قليلا " أي زمانا يسيرا إلى يوم بدر " إنكم عائدون " في كفركم وتكذيبكم ، أو
عائدون إلى العذاب الاكبر وهو عذاب جهنم ، والقليل مدة بين العذابين " يوم نبطش
البطشه الكبرى " أي واذكر ذلك اليوم يعني يوم بدر على القول الاول وعلى القول الآخر
يوم القيامة ، والبطش : هو الاحذ بشدة " إنا منتقمون " منهم ذلك اليوم .
وقال رحمه الله في قوله تعالى : " فهل ينظرون إلا الساعة " : أي فليس ينتظرون إلا
القيامة " أن تأتيهم بغتة " أي فجاء‌ة " فقد جاء أشراطها " أي علاماتها " فأنى لهم إذا جائتهم
ذكراهم أي " فمن أين لهم الذكرى والاتعاظ والتوبة إذا جاء‌تهم الساعة ؟ .
وقال الرازي في تفسيره : إن موضع السدين في ناحية الشمال ، وقيل : جبلان
بين أرمينية وبين آذربيجان ، وقيل : هذا المكان في مقطع عرض الترك .
وحكى محمد بن جرير الطبري في تاريخه أن صاحب آذربيجان أيام فتحها وجه
إنسانا من ناحية الخزر فشاهده ووصف أنه بنيان رفيع وراء خندق عميق وثيق متسع .
وذكر ابن خرداد في كتاب المسالك والممالك أن الواثق بالله رأى في المنام كأنه
فتح هذا الردم فبعث بعض الخدم إليه ليعاينوه فخرجوا من باب الابواب حتى وصلوا إليه و
شاهدوه ، فوصفوا أنه بناء من اللبن من حديد مشدود بالنحاس المذاب ، وعليه باب
مقفل ، ثم إن ذلك الانسان لما حاول الرجوع أخرجهم الدليل إلى البقاع المحاذية
لسمرقند .
قال أبوالريحان : مقتضى هذا أن موضعه في الربع الشمالي في الغربي من المعمورة
والله أعلم بحقيقة الحال . ثم قال : عند الخروج من وراء السد يموجون مزدحمين في
البلاد يأتون البحر فيشربون ماء‌ه ، ويأكلون دوابه ، ثم يأكلون الشجر ، ويأكلون

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه