بحار الأنوار ج64

كل كافر لو خلي وطبعه ، وترك العصبية ومتابعة الاهواء ، وتقليد الاسلاف والآباء
لاقر بذلك ، كما ورد ذلك في الاخبار الكثيرة .
قال بعض المحققين : الدليل على ذلك ما ترى أن الناس يتوكلون بحسب
الجبلة على الله ، ويتوجهون توجها غريزيا إلى مسبب الاسباب ، ومسهل الامور
الصعاب ، وإن لم يتفطنوا لذلك ، ويشهد لهذا قول الله عزوجل " قال : أرأيتكم
إن أتيكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه
تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون " .(1)
وفي تفسير مولانا العسكري عليه السلام أنه سئل مولانا الصادق عن الله فقال للسائل
يا باعبدالله هل ركبت سفينة قط قال : بلى ، قال : فهل كسربك حيث لا سفينة
تنجيك ، ولا سباحة تغنيك ؟ قال : بلى ، قال : فهل تعلق قلبك هناك أن شيئا من
الاشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟ قال : بلى ، قال الصادق : فذلك الشئ
هو الله القادر على الانجاء حين لا منجي ، وعلى الاغاثة حين لا مغيث .
ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله عزوجل
متروكين على ما فطروا عليه ، مرضيا عنهم بمجرد الاقرار بالقول ، ولم يكلفوا
الاستدلال العلمية في ذلك ، وإنما التعمق لزيادة البصيرة ولطائفة مخصوصة ، وأما
الاستدلال فللرد على أهل الضلال .
ثم إن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان ، وتحصيل
الاطمينان ، كما وكيفا ، شدة وضعفا ، سرعة وبطئا ، حالا وعلما ، وكشفا وعيانا
وإن كان أصل المعرفة فطريا ، إما ضروري أو يهتدى إليه بأدنى تنبيه ، فلكل
طريقة هداه الله عزوجل إليها إن كان من أهل الهداية ، والطرق إلى الله بعدد
أنفاس الخلائق ، وهم درجات عند الله يرفع الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم
درجات .


(1)الانعام : 40 و 41 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه