قال ياسر : فبينا نحن عنده يوما إذ سمعنا وقع القفل الذي كان على الباب
المأمون إلى دار أبي الحسن عليه السلام فقال لنا الرضا أبوالحسن عليه السلام : قوموا تفرقوا
فقمنا عنه فجاء المأمون ومعه كتاب طويل فأراد الرضا عليه السلام أن يقوم فأقسم عليه
المأمون بحق رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا يقوم إليه .
ثم جاء حتى انكب على أبي الحسن عليه السلام وقبل وجهه ، وقعد بين يديه
على وسادة ، فقرأ ذلك الكتاب عليه فاذا هو فتح لبعض قرى كابل فيه : إنا فتحنا قرية
كذا وكذا ، فلما فرغ قال له الرضا عليه السلام : وسرك فتح قرية من قرى الشرك ؟
فقال له المأمون : أو ليس في ذلك سرور ؟ فقال : يا أمير المؤمنين اتق الله في امة
محمد صلى الله عليه وآله وما ولاك الله من هذا الامر وخصك به فانك قد ضيعت امور المسلمين
وفوضت ذلك إلى غيرك ، يحكم فيهم بغير حكم الله عزوجل ، وقعدت في هذه
البلاد ، وتركت بيت الهجرة ، ومهبط الوحي ، وإن المهاجرين والانصار يظلمون
دونك ، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، ويأتي على المظلوم دهر يتعب فيه نفسه
ويعجز عن نفقته ، فلا يجد من يشكو إليه حاله ، ولا يصل إليك .
فاتق الله يا أمير المؤمنين في امور المسلمين وارجع إلى بيت النبوة ، ومعدن
المهاجرين والانصار ، أما علمت يا أمير المؤمنين أن والي المسلمين مثل العمود
في وسط الفسطاط ، من أراده أخذه .
قال المأمون : يا سيدي فما ترى ؟ قال أرى أن تخرج من هذه البلاد ، وتتحول
إلى موضع آبائك وأجدادك ، وتنظر في امور المسلمين ، ولا تكلهم إلى غيرك فان
الله عزوجل سائلك عما ولاك .
فقام المأمون فقال : نعم ما قلت يا سيدي هذا هو الراي وخرج وأمر أن تقدم
النوائب ، وبلغ ذلك ذا الرئاستين فغمه غما شديدا وقد كان غلب على الامر ، ولم
يكن المأمون عنده رأي ، فلم يجسر أن يكاشفه ، ثم قوي الرضا عليه السلام جدا فجاء
ذو الرئاستين إلى المأمون فقال ، يا أمير المؤمنين ما هذا الرأي الذي أمرت به ؟
فقال : أمرني سيدي أبوالحسن بذلك ، وهو الصواب .