بحار الأنوار ج35

صواعقه رواية عن الدار قطني أن عليا عليه السلام يوم الشورى احتج على أهلها فقال لهم :
انشدكم الله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في الرحم مني ؟ ومن جعله نفسه و
وأبناء‌ه أبناء‌ه ونساء‌ه نساء‌ه غيري ؟ قالوا : اللهم لا ، انتهى(1).
ولا يخفى أن تخصيص هؤلاء من بين جميع أقاربه صلى الله عليه وآله للمباهلة دون عباس وعقيل و
جعفر وغيرهم لايكون إلا لاحد شيئين : إما لكونهم أقرب الخلق إلى الله بعده حيث استعان
بهم في الدعاء على العدو دون غيرهم ، وإما لكونهم أعز الخلق عليه حيث عرضهم للمباهلة
إظهارا لوثوقه على حقيته ، حيث لم يبال بأن يدعو الخصم عليهم مع شدة حبه لهم ، وظاهر
أن حبه صلى الله عليه وآله لم يكن من جهة البشرية والامور الدنيوية ، بل لم يكن يحب إلا من
يحبه الله ، ولم يكن حبه إلا خالصا لله ، كيف لا وقد ذم الله تعالى ورسوله ذلك في كثير من
الآيات والاخبار ، وكل من يدعي درجة نازلة من الولاية والمحبة يتبرأ من حب الاولاد
والنساء والاقارب لمحض القربة أو للاغراض الفاسدة ، وقد نرى كثيرا من الناس يذمهم
العقلاء بأنهم يحبون بعض أولادهم مع أن غيرهم أعلم وأصلح وأتقى وأورع منهم ، وأيضا
معلوم من سيرته صلى الله عليه وآله أنه كان يعادي كثيرا من عشائره لكونهم أعداء الله ، ويقاتلهم ،
وكان يحب ويقرب الا باعد ومن ليس له نسب ولا حسب لكونهم أولياء الله ، كما قال :
سيد الساجدين : ووالى فيك الابعدين وعادى فيك الاقربين(2)، وأيضا استدل المخالفون
بخبرهم الموضوع المفترى : لو كنت متخذا خليلا لا تخذت أبابكر خليلا ! على فضله و
كيف يثبت له فضل لو كانت خلته منوطة بالاغراض الدنيوية(3)؟ فإذا ثبت ذلك فيرجع


(1)توجد مناشدة على عليه السلام يوم الشورى في الصواعق : 124 ، لكن اسقط منها كثير من
المناشدات ومن جملتها هذه ، ويوجد فيما عندنا من نسخته المطبوعة ما هذا لفظه : واخرج الدار قطنى
ان عليا قال للستة الذين جعل عمر الامر شورى بينهم كلاما طويلا من جملته اه‍ .
والظاهر أن ابن حجر ذكر هذا الكلام الطويل الحاوى لجميع المناشدات ، لكن القوم اسقطوا
عن كلامه ما اسقطوا ، وهيهات انهم يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا أن يتم نوره
ولوكره الكافرون .
(2)الدعاء الثانى من الصحيفة السجادية(ص 31 ط دار الكتب الاسلامية 1321).
(3)وخلاصة الكلام ان مدار الحب في رسول الله صلى الله عليه وآله التقوى والورع وسائر
الفضائل والملكات الحسنة لا الاغراض الدنيوية الفاسدة ، فتخصيصه صلى الله عليه وآله هؤلاء من
بين جميع أقاربه دليل على محبته اياهم ، ومحبته دليل على كونهم أتقى وأورع وأفضل
من غيرهم .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه