وتبيينا ، ويكون الملكان المذكوران اللذان نفى تعالى عنهما السحر جبرئيل و
ميكائيل ، لان سحرة اليهود فيما ذكر كانت تدعي أن الله تعالى أنزل السحر على
لسان جبرئيل ومكائيل إلى سليمان ، فأكذبهما الله تعالى بذلك ، ويجوز أن يكون
هاروت وماروت يرجعان إلى الشياطين ، كأنه تعالى قال : ولكن الشياطين هاروت
وماروت كفروا ، ويسوغ ذلك كما ساغ في قوله " وكنا لحكمهم شاهدين " يعني
تعالى حكم داود وسليمان ، ويكون قوله تعالى على هذا التأويل " وما يعلمان
من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة " راجعا إلى هاروت وماروت اللذين هما من
الشياطين أو من الانس المتعلمين للسحر من الشياطين والعاملين به ، ومعنى قولهما
" إنما نحن فتنة فلا تكفر " يكون على طريق الاستهزاء أو التماجن والتخالع
كما يقول الماجن من الناس إذا فعل قبيحا أو قال باطلا : هذا فعل من لا يفلح ، و
قول من لا ينجو ، والله لا حصلت إلا على الخسران . وليس ذلك منه على سبيل
النصيحة للناس وتحذيرهم من مثل فعل فعله ، بل على جهة المجون والتهالك . و
يجوز أيضا على هذا التأويل الذي تضمن الجحد والنفي أن يكون هاروت وماروت
اسمين للملكين ، ونفى عنهما إنزال السحر بقوله تعالى " وما انزل على الملكين " ويكون
قوله تعالى " وما يعلمان من أحد " يرجع إلى قبيلتين من الجن أو إلى شياطين الجن والانس
فتحسن التثنية لهذا . وقد روي هذا التأويل في حمل " ما " على النفي عن ابن عباس وغيره
من المفسرين ، وحكي عنه أيضا أنه كان يقرأ " على الملكين " بكسر اللام ، ويقول :
متى كان العلجان ملكين إنما كانا ملكين وعلى هذا القراءة لا ينكر أن يرجع قوله تعالى
" وما يعلمان من أحد " إليهما ، ويمكن على هذه القراءة في الآية وجه آخر وهو
أن لا يحمل قوله تعالى : " وما انزل على الملكين " على الجحد والنفي ، وهو أن
لا يكون هؤلاء الذين أخبر عنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين وتدعيه على ملك سليمان
واتبعوا ما انزل على هذين الملكين من السحر ، ولا يكون الانزال مضافا إلى الله
تعالى ، وإن اطلق لانه عزوجل لا ينزل السحر بل يكون منزله إليهما بعض
الضلال والعصاة ، وأن يكون معنى " انزل " وإن كان من الارض حمل إليهما لامن