(لقد علمت ما أنزل هؤلاء)(1)الاية أنه يجوز أن يكون نسب إلى فرعون العلم
على طريق الملاطفة والملاءمة ، حيث كان مأمورا عليه السلام بذلك بقوله(فقولا له
قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)(2)وهذا شائع في الاستعمال كما يقال في
المحاورات كثيرا(وأنت خبير بأنه كذا وكذا)مع أن المخاطب بذلك قد لايكون
عارفا بذلك المعنى أصلا ، بل قد لايكون هناك مخاطب أصلا كما يقع في المؤلفات
كثيرا ، وعلى هذا فلا تدل الاية على ثبوت العلم لفرعون ، ولو سلم ثبوته كان
الحكم بكفره للجحد ، لالعدم الاقرار مطلقا كما سبق بيانه .
واعلم أن المحقق الطوسي قدس سره اختار في فصوله الاكتفاء بالتصديق
القلبي في تحقق الايمان ، فكأنه رحمه الله لحظ ماذكرناه ، وقد استدل له بعض
الشارحين بقوله تعالى(اولئك كتب في قلوبهم الايمان)(3)وبقوله تعالى(ولما
يدخل الايمان في قلوبكم)(4)فيكون حقيقة فيه ، فلواطلق على غيره لزم الاشتراك
أو المجاز ، وهما خلاف الاصل ، والاقرار باللسان كاشف عنه ، والاعمال الصالحة
ثمراته .
أقول : الذي ظهر مما قررناه أن الايمان هو التصديق بالله وحده وصفاته
وعدله وحكمته ، وبالنبوة وبكل ماعلم بالضرورة مجئ النبي صلى الله عليه وآله وسلم به مع الاقرار
بذلك ، وعلى هذا أكثر المسلمين بل ادعى بعضهم إجماعهم على ذلك ، والتصديق
بامامة الائمة الاثنى عشر عليهم السلام وبامام الزمان وهذا عند الامامية .
(1)أسرى : 102 .
(2)طه : 44 .
(3)المجادلة : 22 .
(4)الحجرات : 13 .