بحار الأنوار ج14

جعل الله الشهور لها ساعات ، ثم ناداها جبرئيل : " وهزي إليك بجذع النخلة " أي هزي
النخلة اليابسة ، فهزت وكان ذلك اليوم سوقا فاستقبلها الحاكة وكانت الحياكة أنبل
صناعة في ذلك الزمان ، فأقبلوا على بغال شهب ، فقالت لهم مريم : أين النخلة اليابسة ؟
فاستهزؤوا بها وزجروها ، فقالت لهم : جعل الله كسبكم نزرا ،(1)وجعلكم في الناس عارا ، ثم
استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة فقالت لهم : جعل الله البركة في كسبكم ، و
أحوج الناس إليكم ، فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت بعيسى ، فلما نظرت إليه قالت :
" ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " ماذا أقول لخالي ؟ وماذا أقول لبني إسرائيل ؟ فناداها
عيسى من تحتها : " ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا " أي نهرا " وهزي إليك بجذع
النخلة " أي حركي النخلة " تساقط عليك رطبا جنيا " أي طيبا ، وكانت النخلة قد يبست منذ
دهر طويل فمدت يدها إلى النخلة فأورقت وأثمرت وسقط عليها الرطب الطري وطابت
نفسها ، فقال لها عيسى : قمطيني وسويني ثم افعلي كذا وكذا ، فقمطته وسوته ، وقال
لها عيسى : " فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت
للرحمن صوما " وصمتا كذا نزلت " فلن أكلم اليوم إنسيا " ففقدوها في المحراب فخرجوا
في طلبها ، وخرج خالها زكريا عليه السلام فأقبلت وهو في صدرها وأقبلن مؤمنات بني إسرائيل
يبزقن في وجهها ، فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها ، فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا
فقالوا لها : " يامريم لقد جئت شيئا فريا *(2)يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما
كانت أمك بغيا " ومعنى قولهم : يا أخت هارون أن هارون كان رجلا فاسقا زانيا
فشبهوها به ،(3)من أين هذا البلاء الذي جئت به والعار الذي ألزمته بني إسرائيل ؟
فأشارت إلى عيسى في المهد فقالوا لها : " كيف نكلم من كان في المهد صبيا " فأنطق الله
عيسى عليه السلام فقال : " إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما
كنت وأوصاني بالصلوة والزكوة مادمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا


(1)النزر : القليل أي جعل الله ربحه قليلا .
(2)في المصدر : أي عظيما من المناهى .
(3)راجع ماسيأتي عن الطبرسي في ذلك .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه