حتى أنظر إلى منزلتي منك " فأقبلت أمه فلما رأته أم يحيى دنت منه فأخذت برأسه فوضعته
بين ثدييها وهي تناشده بالله أن ينطلق معها إلى المنزل فانطلق معها حتى أتى المنزل ، فقالت
له أم يحيى : هل لك أن تخلع مدرعة الشعر وتلبس مدرعة الصوف فإنه ألين ؟ ففعل ، وطبخ
له عدس فأكل واستوفى فنام فذهب به النوم فلم يقم لصلاته ،(1)فنودي في منامه : يايحيى بن
زكريا أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري ؟ فاستيقظ فقام فقال : يارب
أقلني عثرتي ، إلهي فوعزتك لا أستظل بظل سوى بيت المقدس ، وقال لامه : ناوليني
مدرعة الشعر فقد علمت أنكما ستورداني المهالك ، فتقدمت أمه فدفعت إليه المدرعة و
تعلقت به ، فقال لها زكريا : ياأم يحيى دعيه فإن ولدي قد كشف له عن قناع قلبه ولن
ينتفع بالعيش ، فقام يحيى عليه السلام فلبس مدرعته ووضع البرنس على رأسه ، ثم أتى بيت
المقدس فجعل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى كان من أمره ما كان .(2)
بيان : المدرعة بكسر الميم : القميص . والبرنس : قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها
في صدر الاسلام ، واللبود جمع اللبد ، وغمار الناس بالضم والفتح : زحمتهم وكثرتهم ، و
ثنية الجبل : منعطفه .
5 من خط الشهيد قدس سره نقلا من كتاب زهد الصادق عنه عليه السلام قال :
بكى يحيى بن زكريا عليه السلام حتى ذهب لحم خديه من الدموع ، فوضع على العظم لبودا
يجري عليها الدموع ، فقال له أبوه : يابني إني سألت الله تعالى أن يهبك لي لتقر عيني
بك ، فقال : يا أبه إن على نيران ربنا معاثر(3)لايجوزها إلا البكاؤون من خشية الله
عزوجل ، وأتخوف أن آتيها فأزل منها ، فبكى زكريا عليه السلام حتى غشي عليه
من البكاء .
6 فس : أبي ، عن حنان بن سدير ، عن عبدالله بن الفضل الهمداني ،(4)عن
(1)فيه غرابة وكذا في قوله : علمت انكما ستورداني المهالك ، والحديث مروى من طرق
العامة وهم في فسحة من ذلك وامثاله .
(2)امالي الصدوق : 18 20 .
(3)المعاثر : المساقط والمهالك .
(4)في المصدر : عبدالله بن الفضيل الهمداني .