بحار الأنوار ج6

هو النفس المتردد في مخارق الحيوان وهو أجزاء الجو فيقول : إنه يلطف أجزاء من
الانسان لا يمكن أن يكون الحي حيا بأقل منها ، يوصل إليها النعيم ، وإن لم تكن
تلك الجملة بكمالها لانه لا معتبر بالاطراف وأجزاء السمن في كون الحي حيا فإن الحي
لا يخرج بمفارقتها من كونه حيا ، وربما قيل : بأن الجثة يجوز أن تكون مطروحة
في الصورة ولا يكون ميتا فيصل إليها اللذات ، كما أن النائم حي وتصل إليه اللذات
مع أنه لا يحس ولا يشعر بشئ من ذلك ، فيرى في النوم ما يحدثه السرور والالتذاذ ،
حتى أنه يود أن يطول نومه ولا ينتبه ، وقد جاء في الحديث(1)أنه يفسح له مد بصره
ويقال له : نم نومة العروس ، وقوله : " ولكن لا تشعرون " أي لا تعلمون أنهم أحياء ،
وفي هذه الآية دلالة على صحة مذهبنا في سؤال القبر وإثابة المؤمن فيه وعقاب العصاة
على ما تظاهرت به الاخبار ، وإنما حمل البلخي الآية على حياة الحشر لانكاره عذاب
القبر . انتهى كلامه رفع الله مقامه .
وقال الرازي في تفسير تلك الآية بعد نقل ما ذكره الطبرسي رحمه الله من الاقوال
الاربعة واختيار القول الاول : وهذا قول أكثر المفسرين ، وهذا دليل على أن المطيعين
يصل ثوابهم إليهم وهم في القبر ، فإن قيل : نحن نشاهد أجسادهم ميتة في القبور فكيف
يصح ما ذهبتم إليه ؟ قلنا : أما عندنا فالبنية ليست شرطا في الحياة ، ولا امتناع في أن
الله تعالى يعيد الحياة إلى كل واحد من تلك الذرات والاجزاء الصغيرة من غير حاجة
إلى التركيب والتأليف ، وأما عند المعتزلة فلا يبعد أن يعيد الله الحياة إلى الاجزاء التي
لابد منها في مائية الحياة بغير الاطراف ، ويحتمل أن يحييهم إذا لم يشاهدوا . ثم قال :
وأكثر العلماء على ترجيح هذا القول ، ويدل عليه وجوه : أحدها أن الآيات الدالة
على عذاب القبر كثيرة كقوله تعالى : " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين "(2)و
الموتان لا يحصلان إلا عند حصول الحياة في القبر ، وقال تعالى : " اغرقوا فادخلوا
نارا "(3)والفاء للتعقيب ، وقال : " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة


(1)تقدم مسندا تحت رقم 52 .
(2)المؤمن : 11 .
(3)نوح : 25 .*

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه