بحار الأنوار ج57

وقال آخرون : بل الارض أفضل ، لانه تعالى وصف بقاعا من الارض بالبركة
أن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " " في البقعه المباركة " " إلى المسجد
الاقصى الذي باركنا حوله " مشارق الارض ومغاربها التي باركنا حولها " يعنى أرض
الشام ، ووصف جملة الارض بالبركة " وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام "
فإن قيل : أي بركه في المفاوز المهلكة ؟ قلت : إنها مساكن الوحوش ومراعيها
ومساكن الناس إذا احتاجوا إليها ، ومساكن خلق لايعلمهم إلا الل تعالى . فلهذه
البركات قال " وفي الارض آيات للموقنين " تشريفا لهم ، لانهم هم المنتفعون بها كما
قال " هدى للمتقين " وخلق الانبياء منها " منها خلقنا كم " وأودعهم فيها " وفيها نعيدكم "
وأكرم نبيه المصطفي فجعل الارض كلها له مسجدا وطهورا .
ومعنى إخراج الثمرات بالماء - وإنما خرجت بقدرته ومشيته - أنه جعل
الماء سببا في خروجها ومادة لها كالنطفة في خلق الولد ، وهو قادر على إنشاء الاشياء
بلا أسباب ومواد ، كما أنشأ نفوس الاسباب والمواد ، ولكن له في هذا التدريج والتسبيب
حكما يتبصر بها من يستبصر ، ويتفطن لهامن يعتبر .
" ومن " في " من الثمرات " للتبعيض ، كما أنه قصد بتنكير " ماء " و " رزقا "
معنى البعضية ، فكأنه قيل : وأنزلنا من السماء بعض الماء فأخرجنا به بعض الثمرات
ليكون بعض رزقكم . ويجوز أن يكون للبيان ، كقولك : أنفقت من الدراهم ألفا
والند : المثل المناوي . " وأنتم تعلمون " حال من ضمير " فلا تجعلوا " ومفعول " تعلمون
مطروح ، أى حالكم أنكم من أهل العلم والنظر وإصابة الرأي ، فلو تأملتم أدنى تأمل
اضطر عقلكم إلى إثبات موجد للممكنات ، منفرد بوجود الذات ، متعال عن مشابهة
المخلوقات . أو منوي ، وهو : أنها تماثله ولا تقدر على مثل ما يفعله .
وهو الذي مد الارض " قال الرازي : أي جعل الارض(1)بذلك المقدار
المعين الحاصل لا أزيد ولا أنقص ، والدليل عليه هو أن كون الارض أزيد مقدارا مما
هو الان أو أنقص منه أمر جائز ، فاختصاصه بذلك المقدار المعين لابد وأن يكون


(1)في المصدر : مختصة بذلك . .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه