وقال البيضاوي في قوله تعالى " أين شركاؤكم " : أي آلهتكم التي جعلتموها
شركاء لله " الذين كنتم تزعمون " أي تزعمونهم شركاء فحذف المفعولان ، والمراد من
الاستفهام التوبيخ ، ولعله يحال بينهم وبين آلهتهم حينئذ ليفقدوها في الساعة التي علقوا
بها الرجاء فيها ، ويحتمل أن يشاهدوهم ولكن لما لم ينفعوهم فكأنهم غيب عنهم
" ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا " أي كفرهم ، والمراد عاقبته ، وقيل : معذرتهم التي
يتوهمون أن يتخلصوا بها ، من فتنت الذهب : إذا خلصته ، وقيل : جوابهم . وإنما
سماه فتنة لانه كذب ، أو لانهم قصدوا بها الخلاص " والله ربنا ما كنا مشركين "
يكذبون ويحلفون عليه مع علمهم أنه لا ينفع من فرط الحيرة والدهشة كما يقولون :
" ربنا أخرجنا منها " وقد أيقنوا بالخلود ، وقيل : معناه : ما كنا مشركين عند أنفسنا ،
وهو لا يوافق قوله : " انظر كيف كذبوا على أنفسهم " أي بنفي الشرك عنها ، وحمله على
كذبهم في الدنيا تعسف " وضل عنهم ما كانوا يفترون " من الشركاء .
وفي قوله تعالى : " ولو ترى إذ وقفوا على النار " : جوابه محذوف ، أي لو تراهم
حين يوقفون على النار حتى يعاينوها ، أو يطلعون عليها ، أو يدخلونها فيعرفون مقدار
عذابها لرأيت أمرا شنيعا " فقالوا ياليتنا نرد " تمنيا للرجوع إلى الدنيا " ولا نكذب
بآيات ربنا ونكون من المؤمنين " استيناف كلام منهم على وجه الاثبات كقولهم : دعني
ولا أعود أي أنا لا أعود تركتني أو لم تتركني ، أو عطف على " نرد " أو حال من الضمير
فيه فيكون في حكم المتمني ، وقوله : " وإنهم لكاذبون " راجع إلى ماتضمنه
التمني من الوعد ، ونصبهما حمزة ويعقوب وحفص على الجواب بإضمار أن بعد الواو
إجراءا لها مجرى الفاء ، وقرأ ابن عامر برفع الاول على العطف ونصب الثاني على
الجواب " بل بدالهم ما كانوا يخفون من قبل " الاضراب عن إرادة الايمان المفهوم من
التمني ، والمعنى أنه ظهر لهم ما كانوا يخفون من نفاقهم وقبائح أعمالهم فتمنوا ذلك
ضجرا لا عزما على أنهم لو ردوا لآمنوا " ولوردوا " إلى الدنيا بعد الظهور والوقوف
" لعادوا لما نهوا عنه " من الكفر والمعاصي " وإنهم لكاذبون " فيما وعدوا من أنفسهم ،
" وقالوا " عطف على " لعادوا " أو على " إنهم لكاذبون " أو على " نهوا " أو استيناف بذكر