بحار الأنوار ج10

ولاجرم سلف منه ؟ قال : إن المرض على وجوه شتى : مرض بلوى ، ومرض العقوبة ، ومرض
جعل عليه الفناء(1)وأنت تزعم أن ذلك من أغذية رديئة ، وأشربة وبيئة ،(2)أومن علة
كانت بامه ، وتزعم أن من أحسن السياسة لبدنه وأجمل النظر في أحوال نفسه وعرف
الضار مما يأكل من النافع لم يمرض ، وتميل في قولك إلى من يزعم أنه لايكون المرض
والموت إلا من المطعم والمشرب ، قدمات أرسطاطا ليس معلم الاطباء ، وأفلاطون رئيس
الحكماء ، وجالينوس شاخ(3)ودق بصره ، وما دفع الموت حين نزل بساحته ، ولم
يألوا حفظ نفسهم والنظر لما يوافقها ، كم من مريض قد زاده المعالج سقما ! وكم من
طبيب عالم وبصير بالا دواء والادوية ماهر مات ، وعاش الجاهل بالطب بعده زمانا !
فلا ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته وحضور أجله ، ولاهذا ضره الجهل بالطب
مع بقاء المدة وتأخر الاجل .
ثم قال عليه السلام : إن أكثر الاطباء قالوا : إن علم الطب لم يعرفه الانبياء ، فما
نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الانبياء الذين كانوا حجج الله على خلقه ،
وامناء‌ه في أرضه ، وخزان علمه وورثة حكمته ، والا دلاء عليه ، والدعاة إلى طاعته ؟
ثم إني وجدت أكثرهم يتنكب في مذهبه سبل الانبياء(4)ويكذب الكتب المنزلة
عليهم من الله تبارك وتعالى ، فهذا الذي أزهدني في طلبه وحامليه .
قال فكيف تزهد في(5)قوم وأنت مؤد بهم وكبيرهم ؟ قال : إني لما رأيت الرجل
منهم الماهر في طبه إذا سألته لم يقف على حدود نفسه ، وتأليف بدنه وتركيب أعضائه ،
ومجرى الاغذية في جوارحه ومخرج نفسه ، وحركة لسانه ، ومستقر كلامه ، ونور


(1)في المصدر : ومرض جعل علة للفناء .
(2)أى ماكثر فيه الوباء . والوباء : كل مرض عام . وفى الحديث دلالة أن جرثوم الوباء
وميكروبه يكون في المياه ، كما أن ذلك يستفاد من الامام السجاد زين العابدين عليه السلام في
الدعا 27 من الصحيفة في دعائه على المخالفين حيث قال : وامزج مياههم بالوباء ، وأطعمتهم
بالادواء .
(3)شاخ : صار شيخا . والشيخ : من استبانت فيه السن وظهر عليه الشيب .
(4)أى تجنبها وعدل عنها .
(5)اى فكيف ترغب عنهم وتتركهم ؟ .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه