فما عيشة إلا تزيد مرارة * ولا ضيقة إلا ويزداد ضيقها
فكيف يرقا دمع لبيب أو يهدأ طرف متوسم(1)على سوء أحكام الدنيا وما
تفجأ به أهلها من تصرف الحالات ، وسكون الحركات ، وكيف يسكن إليها من
يعرفها وهي تفجع الاباء بالابناء ، وتلهى الابناء عن الاباء ، تعدمهم أشجان
قلوبهم(2)وتسلبهم قرة عيونهم .
وترمي قساوات القلوب بأسهم وجمر فراق لا يبوخ حريقها(3)
وما عسيت أن أصف عن محن الدنيا ، وأبلغ من كشف الغطاء عما وكل به
دور الفلك من علوم الغيوب ولست أذكر منها إلا قتيلا أفنته ، أو مغيب ضريح
تجافت عنه(4)فاعتبر أيها السامع بهلكات الامم ، وزوال النقم ، وفظاعة ما تسمع
وترى من سوء آثارها في الديار الخالية ، والرسوم الفانية ، والربوع
الصموت(5).
وكم عاقل أفنت فلم تبك شجوه(6)* ولابد أن تفنى سريعا لحوقها
فانظر بعين قلبك إلى مصارع أهل البذخ(7)وتأمل معاقل الملوك ، ومصانع
الجبارين(8)، وكيف عركتهم الدنيا بكلا كل الفناء(9)وجاهرتهم بالمنكرات
(1)رقأ الدمع : سكن وجف . وهدأ : سكن .
(2)الاشجان جمع الشجن وهو الهم والحزن .
(3)باخ النار أى سكن وخمد .
(4)تجافى : أى تنحى ولم يلزم مكانه - وبالفارسية يعنى پهلو خالى كرد .
(5)أى الدور الخاليات .
(6)في المصدر وكم عالم أفنت . والشجو : الهم والحزن ، والحاجة يقال
له عندى شجو أى حاجة ، والشوط من البكاء .
(7)البذخ : الترفع والتكبر .
(8)معاقل الملوك يحتمل أن يكون المراد كبراء الملوك وسادتهم ويحتمل أن يكون
المراد القصور والحصون . ويحتمل كليهما . وقوله مصانع الجبارين معناه القصور والقرى
والحصون والدور .
(9)عركته الدنيا أى حنكه . والكلا كل جمع الكلكل : الصدر أومابين الترقوتين .