3 - ج : روي عن هشام بن الحكم أنه قال : كان من سؤال الزنديق الذي أتى
أبا عبدالله عليه السلام قال : ما الدى على صانع العالم ؟ فقال أبوعبدالله عليه السلام : وجود الافاعيل
التى دلت على أن صانعها صنعها ، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبنى علمت
أن له بانيا وإن كنت لم تر البانى ولم تشاهده . قال : وما هو ؟ قال : هو شئ بخلاف
الاشياء ، أرجع بقولي : شئ إى إثباته وأنه شئ بحقيقة الشيئية ، غير أنه لا جسم
ولا صورة ولا يحس ولا يجس ، ولا يدرك بالحواس الخمس ، لا تدركه الاوهام ، ولا تنقصه
الدهور ، ولا يغيره الزمان .
قال السائل : فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا ، قال أبوعبدالله عليه السلام : لو كان ذلك
كما تقول لكان التوحيد منا مرتفعا(1)فإنا لم نكلف أن نعتقد غير موهوم ، لكنا
نقول : كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس ممثلا فهو مخلوق ، ولا بد من
إثبات صانع الاشياء خارجا من الجهتين المذمومتين : إحديهما النفى إذا كان النفي هو
الابطال والعدم ، والجهة الثانية التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف ، فلم
يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار منهم زيه أنهم مصنوعون ، و
أن صانعهم غيرهم وليس مثلهم ، إذا كان مثلهم شبيها بهم(2)في ظاهر التركيب والتأليف
وفيما يجري عليهم من حدوثم بعد أن لم يكونوا ، وتنقلهم من صغر إى كبر ، وسواد إلى
بياض ، وقوة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيره لثباتها ووجودها .
قال السائل : فأنت قد حددته إذا ثبتت وجوده ، قال أبوعبدالله عليه السلام : لم احدده
ولكن اثبته ، إذ لم يكن بين الاثبات وانفي منزلة . قال السائل : فقوله : الرحمن على
على العرض استوى ؟ قال أبوعبدالله عليه السلام : بذلك وصف نفسه وكذلك هو مستول على
العرش ، بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له ، ولا أن العرش محل له ، لكنا
نقول : هو حامل للعرش وممسك للعرش ، ونقول في ذلك : ما قال : وسع كرسيه السموات
والارض . فثبتنا من العرش والكرسى ما ثبته ، ونفينا أن يكون العرش والكرسي
(1)وفي نسخة : لكان التوحد عنا مرتفعا .
(2)وفي نسخة : إذ كان مثلهم شبيها لهم .