بحار الأنوار ج56

في العرض ، فاشتد غضب الملك وقفز من مرقده قفزة اضطرارية لما ناله من شدة
ذلك الكلام ، فزالت تلك العلة المزمنة والمرضة المهلكة ! وإذا جاز كون التصورات
مبادئ لحدوث الحوادث في البدن فأي استبعاد من كونها مبادئ لحدوث الحوادث
خارج البدن . وسابعها أن الاصابة بالعين أمر قد اتفق عليها العقلاء ، وذلك أيضا
يحقق إمكان ما قلناه .
إذا عرفت هذا فنقول : النفوس التي تفعل هذه الافاعيل قد تكون قوية
جدا فتستغني في هذا الافعال عن الاستعانة بالآلات والادوات ، وقد تكون ضعيفة
فتحتاج إلى الاستعانة بهذه ، وتحقيقه أن النفس إذا كانت قوية مستعلية على البدن
شديدة الانجذاب إلى عالم السماوات كانت كأنها روح من الارواح السماوية
فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم ، أما إذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه اللذات البدنية فحينئذ لا يكون لها تصرف البتة إلا في هذا البدن ، فإذا أراد هذا
الانسان صيرورتها بحيث يتعدى تأثيرها من بدنها إلى بدن آخر اتخذ تمثال ذلك
الغير ، ووضعه عند الحس ليشتغل الحس به ، فيتبعه الخيال عليه ، وأقبلت النفس
الناطقة عليه ، فقويت التأثيرات النفسانية والتصرفات الروحانية ، ولذلك اجتمعت
الامم على أنه لابد لمزاول هذه الاعمال من الانقطاع عن المألوفات والمشتهيات
وتقليله الغذاء والانقطاع عن مخاطبة(1)القلب ، فكلما كانت هذه الامور أتم كان
ذلك التأثير أقوى ، فإذا اتفق أن كانت النفس مناسبة لهذا الامر نظرا إلى ماهيتها
وخاصيتها عظم التأثير . والسبب اللمي(2)فيه أن النفس إذا اشتغلت بالجانب
الواحد استعملت جميع قوتها في ذلك الفعل ، وإذا اشتغلت بالافعال الكثيرة تفرقت
قوتها وتوزعت على تلك الافعال ، فتصل إلى كل واحد من تلك الافعال شعبة
من تلك القوة ، وجدول من ذلك النهر ، ولذلك ترى أن إنسانين يستويان في
قوة الخاطر إذا اشتغل أحدهما بصناعة واحدة واشتغل الآخر بصناعتين ، فإن ذا


(1)في المصدر : " مخالطة الخلق " وهو الصواب .
(2)< < : المتعين .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه