بحار الأنوار ج75

بكتاب كتبه إلي علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه كتب إلي :
أما بعد(1)فان المرء قد يسره درك مالم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت مالم
يكن ليدركه ، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، وليكن أسفك على ما فاتك
منها ، وما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحا ، وما فاتك منه فلا تأس عليه جزعا ،
وليكن همك فيما بعد الموت . والسلام .
62 - وقال عليه السلام لجماعة : خذوا عني هذه الكلمات فلور كبتم المطي حتى تنضوها
ما صبتم مثلها(2): لا يرجون عبد إلا ربه ، ولا يخافن إلا ذنبه ، ولا يستحي
إذا لم يعلم أن يتعلم ، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول : لا أعلم ، واعلموا
أن الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس له ،
فاصبروا على ما كلفتموه رجاء ما وعدتموه .
63 - وقال عليه السلام : الشئ شيئان شئ قصر عني لم ارزقه فيما مضى ولا أرجوه
فيما بقي ، وشئ لا أناله دون وقته ولو استعنت عليه بقوة أهل السماوات والارض ،
فما أعجب أمر هذا الانسان يسره درك ما لم يكن ليدركه ، ولو أنه فكر لابصر
ولعلم أنه مدبر ، واقتصر على ما تيسر ، ولم يتعرض لما تعسر ، واستراح قلبه مما
استوعر ، فبأي هذين أفنى عمري ، فكونوا أقل ما يكونون في الباطن أموالا ،
أحسن ما يكونون في الظاهر أحوالا ، فان الله تعالى أدب عباده المؤمنين العارفين
أدبا حسنا فقال : جل من قائل : يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم
بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا (3).
64 - وقال عليه السلام : لا يكون غنيا حتى يكون عفيفا ، ولا يكون زاهدا حتى
يكون متواضعا ، ولا يكون حليما حتى يكون وقورا ، ولا يسلم لك قلبك حتى تحب
للمؤمنين ما تحب لنفسك ، وكفى بالمرء جهلا أن يرتكب ما نهي عنه ، وكفى به عقلا


(1)المصدر ص 55 . وفى النهج مثله .
(2)أنضى البعير : هزله .
(3)البقرة : 273 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه