فضمت ماكان لهم من متاع ، وألقى الله عزوجل عليهم السبات ،(1)ثم حفت الرياح(2)
الاربع المتاع أجمع فهبته(3)في رؤوس الجبال وبطون الاودية ، فأما ماكان من حلي
أو تبر أو آنية فإن الله تعالى أمر الارض فابتلعته فأصبحوا ولا شاة عندهم ولا بقرة ، ولا مال
يعودون إليه ، ولا ماء يشربونه ، ولا طعام يأكلونه ، فآمن بالله تعالى عند ذلك قليل منهم ،
وهداهم إلى غار في جبل له طريق إلى خلفه فنجوا ، وكانوا أحدا وعشرين رجلا وأربع
نسوة وصبيين ، وكان عدة الباقين من الرجال والنساء والذراري ستمائة ألف فماتوا عطشا
وجوعا ، ولم يبق منهم باقية ، ثم عاد القوم إلى منازلهم فوجدوها قد صار أعلاها أسفلها ،
فدعا القوم عند ذلك مخلصين أن يجيئهم بزرع وماء وماشية ويجعله قليلا لئلا يطغوا ،
فأحابهم الله تعالى إلى ذلك لما علم من صدق نياتهم وعلم منهم الصدق ،(4)وآلوا أن لايبعث
رسولا ممن قاربهم إلا أعانوه وعضدوه ، وعلم الله تعالى منهم الصدق فأطلق الله لهم نهرهم
وزادهم على ماسألوا ، فأقام أولئك في طاعة الله ظاهرا وباطنا حتى مضوا وانقرضوا ، وحدث
بعدهم من نسلهم قوم أطاعوا الله في الظاهر ونافقوه في الباطن ، فأملى الله تعالى لهم ، وكان
عليهم قادرا ، ثم كثرت معاصيهم وخالفوا أولياء الله تعالى فبعث الله عزوجل عدوهم ممن
فارقهم وخالفهم فأسرع فيهم القتل ، وبقيت منهم شرذمة فسلط الله عليهم الطاعون فلم يبق
منهم أحدا ، وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحد ، ثم أتى الله بقرن(5)بعد
ذلك فنزلوها وكانوا صالحين سنين ، ثم أحدثوا فاحشة جعل الرجل يدعو بنته وأخته و
زوجته فينيلها(6)جاره وأخاه وصديقه يلتمس بذلك البر والصلة ، ثم ارتفعوا من ذلك
إلى نوع آخر : ترك الرجال النساء حتى شبقن واستغنوا بالرجال ،(7)فجاءت النساء
(1)السبات بالضم : النوم أو أوله .
(2)في نسخة : ثم جمعت الرياح .
(3)في نسخه : فبثته ، وفي المصدر : فرمته .
(4)المصدر خلى عن قوله . وعلم منهم الصدق . قوله : آلوا اي حلفوا . وفي المصدر : و
قالوا : انه لايبعث الله رسولا الا ما يليهم ويقاربهم الا أعانوه وصدقوه وعضدوه .
(5)القرن : أهل زمان واحد . وفي المصدر : ثم أتى الله بقوم بعد ذلك فنزلوها وكانوا صالحين
فاقاموا فيها ستين سنة .
(6)في المصدر : فيبيت معها .
(7)في المصدر : واستغنى الرجال بالرجال .