بحار الأنوار ج22

فكانت توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا الاب ابنه ، والابن أباه ، والاخ أخاه ، والام
ولدها ، ومن فر من القتل أو دفع عن نفسه أو اتقى السيف بيده أو أن ترحم على
ذي رحمه لم تقبل توبته ، ثم أمرهم الله بالكف عن القتل بعد أن قتلوا سبعين ألفا في
مكان واحد ، فهذا توبتهم ، وجعل توبتنا الاستغفار باللسان ، والندم بالجنان ، و
ترك العود بالابدان ، فقال عزوجل : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم
ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا
وهم يعلمون(1)" وقال : " أفلا يتوبون إلى الله(2)" وقال : " ألم يأن للذين آمنوا
أن تخشع قلوبهم لذكر الله(3)" .
ومن الامم السالفة من ينظر إلى امرأة بريبة فيؤمر بقلع العين ليقبل عنه
التوبة ، وكفارتنا فيه غض البصر ، والتوبة بالقلب ، والعزم على ترك العود إليه
وكان منهم من يلاقي بدنه بدن امرأة حراما فيكون التوبة منه إبانة ذلك العضو من
نفسه ، وتوبتنا فيه الندم وترك العود عليه ، ومن يرتكب منهم الخطيئة في خفية و
خلوة فيخرج وخطيئته مصورة على باب داره : ألا إن فلان بن فلا ارتكب البارحة
خطيئة كذا وكذا ، وكان ينادى عليه من السماء بذلك فيفتضح وينتهك ستره ، ومن
يرتكب منا الخطيئة ويخفيها عن الابصار فيطلع عليه ربه فيقول للملائكة : عبدي
قد ستر ذنبه عن أبناء جنسه ، لقلة ثقته بهم ، والتجأ إلي لعله يتبعه رحمتي ، اشهدوا
أني قد غفرتها له لثقته برحمتي ، فإذا كان في يوم القيامة وأوقف للعرض والحساب
يقول : عبدي أنا الذي سترتها عليك في الدنيا ، وأنا الذي أسترها عليك اليوم ، ومما
فضل الله به هذه الامة أن قيض لهم الاكرمين من الملائكة يستغفرون لهم ويسترحمون
لهم منه الرحمة ، فقال سبحانه : " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد
ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا(4)" ومنها أنه جعلهم شهداء على الناس
في الدنيا ، وشهداء وشفعاء في الآخرة ، قال صلى الله عليه وآله : " المؤمنون شهداء في الارض


(1)آل عمران : 135 .(2)المائدة : 74 .
(3)الحديد : 16 .(4)غافر : 7 .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه