بحار الأنوار ج94

إصلاح الرعية على إصلاح ذاته ، وكيف أخر مقدما وقدم مؤخرا ، وخاطر مع
المطلع على إرادته .
وصنف دخلوا في الصيام بطهارة العقول والقلوب ، على أقدامالمراقبة لعلام
الغيوب حافظين ما استحفظهم إياه ، فحالهم حال عبد تشرف برضا مولاه .
وصنف ما قنعوا لله جل جلاله بحفظ العقول والقلوب والجوارح عن الذنوب
والعيوب والقبائح ، حتى شغلوها بما وفقهم له من عمل راجح صالح ، فهولاء أصحاب
التجارة المربحة والمطالب المنجحة .
أقول : وقد يدخل في نيات أهل الصيام أخطار بعضها يفسد حال الصيام ، و
بعضها ينقصه عن التمام ، وبعضها يدنيه من باب القبول ، وبعضها يكمل له الشرف
المأمول ، وهم أصناف صنف منهم الذين يقصدون بالصوم طلب الثواب ولولاه ما صاموا
ولا عاملوا به رب الارباب ، فهؤلاء معدودون من عبيد سوء الذين أعرضوا عما سبق
لمولاهم من الانعام عليهم ، وعما حضر من إحسانه إليهم ، وكأنهم إنما يعبدون
الثواب المطلوب ، وليسوا في الحقيقة عابدين لعلام الغيوب ، وقد كان العقل قاضيا
أن يبذلوا ما يقدرون عليه من الوسائل حتى يصلحوا للخدمة لمالك النعم الجلائل .
وصنف قصدوا بالصوم السلامة من العقاب ، ولو لا التهديد والوعيد بالنار
وأهوال يوم الحساب ، ما صاموا . فهؤلاء من لئام العبيد ، حيث لم ينقادوا بالكرامة
ولا رأوا مواليهم أهلا للخدمة ، فيسلكون معه سبل الاستقامة ، ولو لم يعرفوا أهوال
عذابه ما وقفوا على مقدس بابه ، فكأنهم في الحقيقة عابدون لذاتهم ، ليخلصوها من
خطر عقوباتهم .
وصنف صاموا خوفا من الكفارات ، وما يقتضيه الافطار من الغرامات ، و
لو لا ذلك ما رأوا مولاهم أهلا للطاعات ، ولا محلا للعبادات ، فهؤلاء متعرضون
لرد صومهم عليهم ، ومفارقون في ذلك مراد الله ومراد المرسل إليهم .
وصنف صاموا عبادة لا عبادة ، وهم كالساهين في صومهم عما يراد الصوم
لاحله ، وخارجون عن مراد مولاهم ومقدس ظله . فحالهم كحال الساهى واللاهى
والمعرض عن القبول والتناهي .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه