بحار الأنوار ج18

قال : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وأنا عنده ، قال : مررت عليه وهو بفناء بابه
فجلست إليه ، فبينا هو يحدثني إذ رأيت بصره شاخصا إلى السماء حتى رأيت طرفه قد
انقطع ، ثم رأيته خفضه حتى وضعه عن يمينه ، ثم ولاني ركبته وجعل ينفض برأسه
كأنه الهم شيئا فقال : ثم رأيته أيضا رفع طرفة إلى السماء ، ثم خفضه عن شماله ثم أقبل
إلي محمر الوجه يفيض عرقا(1)، فقلت : يا رسول الله ما رأيتك فعلت الذي فعلت اليوم ! ؟ ما حالك
قال : ولقد رأيته ؟ قلت : نعم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ذاك جبرئيل لم يكن لي همة غيره ،
ثم تلا عليه الآيتين ، قال عثمان : فقمت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله معجبا بالذي رأيت ،
فأتيت أبا طالب - رضي الله عنه - فقرأتهما عليه فعجب أبوطالب ، وقال : ياآل غالب اتبعوه .
ترشدوا وتفحلوا ، فوالله ما يدعو إلا إلى المكارم الاخلاق ، لئن كان صادقا أو كاذبا(2)ما
يدعو إلا إلى الخير .
قال السيد : ورأيت في غير هذا التفسير أن هذاالعبد الصالح قال : كان أول إسلامي


(1)ظاهر الحديث ينافى مامر من أن تلك الحالة كانت عند مخاطبة الله عزوجل اياه بلا ترجمان
وواسطة ، وأما جبرئيل فكان لم يدخل عليه حتى يستأذنه وكان يقعد بين يديه قعدة العبد ، ولعله
يحمل تلك الحالة بالغشية فقط أو يحمل هذا الحديث بابتداء النبوة ونزول الوحى ، وأما بعده فيقال
بمضمون ما تقدم من الاخبار ، أو وقعت زيادة في الحديث . إذ الطبرسى رواه في مجمع البيان وألفاظه
يغاير ذلك ، قال : وجاء‌ت الرواية أن عثمان بن مظعون قال أسلمت استحياء من رسول الله صلى الله
عليه وآله لكثرة ما كان يعرض على الاسلام ، ولم يقر الاسلام في قلبى ، فكنت ذات يوم عنده حال
تأمله فشخص بصره نحو السماء كانه يستفهم شيئا ، فلما سرى عنه سألته عن حاله ، فقال نعم بينا أنا
احدثك اذ رأيت جبرئيل في الهواء فأتانى بهذه الاية : " إن الله يأمر بالعدل والاحسان " وقرأها
على إلى آخرها ، فقر الاسلام في قلبى : وأتيت عمه أباطالب فأخبرته فقال يا آل قريش اتبعوا
محمدا ترشدوا ، فانه لا يأمركم الا بمكارم الاخلاق ، وأتيت الوليد بن المغيرة وقرأت عليه هذه
الاية فقال : ان كان محمد قاله فنعم ماقال ، وان قال ربه فنعم ماقال : قال فأنزل الله : " أفرأيت الذى
تولى وأعطى قليلا وأكدى " يعنى قوله فنعم ما قال ، ومعنى قوله : " واكدى " انه لم يقم على ما
قاله وقطعه .
(2)ذلك مبالغة يريد أن دعوته صلى الله عليه وآله لا تكون لكم الا الخير والرشاد ، يقال
نحو ذلك فيمن قطع على صدقه وجزم بسداده .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه