بحار الأنوار ج5

وقيل : هو من المدرجة وهي الطريق ، ودرج : إذا مشى سريعا ، أي سنأخذهم
من حيث لا يعلمون أي طريق سلكوا ؟ فإن الطريق كلها إلي ومرجع الجميع إلي ، ولا
يغلبني غالب ولا يسبقني سابق ولا يفوتني هارب .
وقيل : إنه من الدرج ، أي سنطويهم في الهلاك ونرفعهم عن وجه الارض ، يقال
طويت فلانا وطويت أمر فلان : إذا تركته وهجرته . وقيل : معناه : كلما جددوا خطيئة
جددنا لهم نعمة .
وروي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : إذا أحدث العبد ذنبا جدد له نعمة فيدع
الاستغفار فهو الاستدراج . ولا يصح قول من قال : إن معناه يستدرجهم إلى الكفر و
الضلال ، لان الآية وردت في الكفار وتضمنت أنه يستدرجهم في المستقبل ، فإن
السين يختص المستقبل ، ولانه جعل الاستدراج جزاء‌ا على كفرهم وعقوبة فلابد أن
يريد معنى آخر غير الكفر .(1)
وقوله : " واملي لهم " معناه وأمهلهم ولا أعاجلهم بالعقوبة ، فإنهم لا يفوتوني ولا
يفوتني عذابهم " إن كيدي متين " أي عذابي قوي منيع لا يدفعه دافع ، وسماه كيدا
لنزوله بهم من حيث لا يشعرون . وقيل : أراد أن جزاء كيدهم متين ، وقال : " إنهم
يكيدون كيدا " أي يحتالون في الايقاع بك وبمن معك ، ويريدون إطفاء نورك " وأكيد
كيدا " أي أريد أمرا آخر عى ضد ما يريدون ، وادبر ما ينقض تدابيرهم ، فسماه كيدا
من حيث يخفى عليهم .(2)


(1)فيه ان الكفر كالايمان ذو مراتب قال تعالى : " ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا " الاية فالمعنى :
ان الله يخرجهم من كفر إلى كفر هو أشد منه ، وما ذكره في الرواية لا ينافيه . ط
(2)النهج : قال عليه السلام : لا يقولن أحدكم : اللهم أعوذ بك من الفتنة ، لانه ليس أحد إلا
وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن ، فان الله سبحانه يقول : " واعلموا
أنما أموالكم وأولادكم فتنة " ومعنى ذلك أنه يختبرهم بالاموال والاولاد ليتبين الساخط لرزقه ،
والراضى بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الافعال التى بها يستحق الثواب
والعقاب ، لان بعضهم يحب الذكور ويكره الاناث ، وبعضه يحب تثمير المال ويكره انثلام الحال .
قال الرضى : وهذا من غريب ما سمع منه في التفسير . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه