بحار الأنوار ج70

واعلم أن الحسد من الامراض العظيمة للقلوب ، ولا تداوى أمراض القلوب
إلا بالعلم والعمل ، والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقا أن الحسد
ضرر عليك في الدنيا والدين ، وأنه لا ضرر به على المسحود في الدين والدنيا ، بل
ينتفع بها في الدنيا والدين ، ومهما عرفت هذا عن بصيرة ، ولم تكن عدو نفسك
وصديق عدوك ، فارقت الحسد لا محالة .
أما كونه ضررا عليك في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى
وكرهت نعمته التي قسمها لعباده ، وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته
واستنكرت ذلك واستبشعته ، وهذا جناية على حدقة التوحيد ، وقذى في عين الايمان
وناهيك بها جناية على الدين وقد انضاف إليه أنك غششت رجلا من المؤمنين
وتركت نصيحته ، وفارقت أولياء الله وأنبياء‌ه في حبهم الخير لعباد الله ، وشاركت
إبليس وساير الكفار في حبهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم ، وهذه خبائث في
القلب تأكل حسنات القلب والايمان فيه .
والحاصل أن الحسد مع كونه في نفسه صفة منافية للايمان ، يستلزم عقائد
فاسدة كلها منافية لكمال الايمان ، وايضا لاشتغال النفس بالنفكر في أمر المحسود
والتدبير لدفعه يمنعها عن تحصيل الكمالات ، والتوجه إلى العبادات ، وحضور
القلب فيها ، وتولد في النفس صفاتا ذميمة كلها توجب نقص الايمان ، وأيضا يوجب
عللا في البدن وضعفا فيها يمنع الاتيان بالطاعات على وجهها ، فينقص بل يفسد
الايمان على أي معنى كان ولذا قال عليه السلام : يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب .
وأما كونه ضررا في الدنيا عليك فهو أنه تتألم بحسدك وتتعذب به ، ولا
تزال في كدر وغم إذ أعداؤك لا يخليهم الله عن نعم يفيضها عليهم ، فلا تزال تتعذب
بكل نعمة تراها عليهم ، وتتأذى وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم ، فتبقى مغموما
محزونا متشعب القلب ، ضيق النفس ، كما تشتهيه لاعدائك ، وكما يشتهي أعداؤك
لك ، فقد كنت تريد المحنة لعدوك ، فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقدا كما
قال امير المؤمنين عليه السلام : لله در الحسد حيث بدأ بصاحبه فقتله .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه