فقيل له : ما فعلت قصيد تاك ؟ قال : أبدلني الله بهما سورتي البقرة وآل عمران .
قالوا : ومن خالفنا في هذا الباب يقول : إن الطريق إلى النبوة ليس إلا
المعجز ، وزعموا أن المعجز يلتبس بالحيلة ، والشعوذة ، وخفه اليد ، فلا يكون
طريقا إلى النبوة ، فقوله باطل ، لان هذا إنما كان لو لم يكن طريق إلى الفصل
بين المعجز والحيلة ، وههنا وجوه من الفصل بينه وبينها : منها أن المعجز لا يدخل
جنسه تحت مقدور العباد كقلب العصاحية وإحياء الموتى وغير ذلك ، ومنها أن
المعجز يكون ناقضا للعادة بخلاف الحيلة ، فانه يحتاج فيها إلى التعليم ، ومنها أن
الاسلام قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله في وقدبنى كلاب بعد وفاة أخيه أربد وعامر بن
الطفيل فأسلم وهاجر وحسن اسلامه ، ونزل الكوفة أيام عمر بن الخطاب فأقام بها ومات
في آخر خلافة معاوية .
كتب عمر بن الخطاب إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة : أن استنشد من قبلك
من شعراء مصرك ما قالوا في الاسلام ، فأرسل إلى الاغلب الراجز العجلى فقال له :
أنشدنى ، فقال :
أرجزا تريد أم قصيدا * لقد طلبت هينا موجودا
ثم أرسل إلى لبيد فقال : أنشدنى ، فقال : ان شئت ما عفى عنه يعنى الجاهلية
فقال : لا ، أنشدنى ما قلت في الاسلام ، فانطلق فكتب سورة البقرة وآل عمرانفي صحيفة
ثم أتى بها وقال : لقد أبدلنى الله هذه في الاسلام مكان الشعر . فكتب بذلك المغيرة إلى
عمر ، فنقص من عطاء الاغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد فكان عطاؤه ألفين وخمسمائة
فكتب الاغلب : يا أميرالمؤمنين أتنقص من عطائى أن أطعتك ؟ فرد عليه خمسمائته وأقر عطاء
لبيد على ألفين وخمسمائة .
وأراد معاوية أن ينقصه من عطائه لما ولى الخلافة ، وقال : هذان الفودان يعنى
الالفين فما بال العلاوة ؟ يعنى الخمسمائة ، فقال له لبيد : انما أنا هامة اليوم أو غد فأعرنى
اسمها ، فعلى لا أقبضها أبدا ، فتبقى لك العلاوة والفودان ، فرق له وترك عطاءه على حاله
فمات ولم يقبضه .