بحار الأنوار ج5

والفرس لا يشتكي قولا ، لكنه ظهر منه علامة الخوف والجزع ، فسمى ذلك
قولا . ومنه قول الآخر :
وشكى إلي جملي طول السرى .(1)
والجمل لا يتكلم ، لكنه لما ظهر منه النصب والوصب لطول السرى عبر عن
هذه العلامة بالشكوى التي تكون كالنطق والكلام ، ومنه قولهم أيضا :
امتلا الحوض وقال قطني(2)* حسبك مني قد ملات بطني .
والحوض لم يقل قطني ، لكنه لما امتلا بالماء عبر عنه بأنه قال : حسبي ، ولذلك
أمثال كثيرة في منثور كلام العرب ومنظومه ، وهو من الشواهد على ما ذكرناه في تأويل
الآية والله تعالى نسأل التوفيق .
فصل : فأما الخبر أن الله تعالى خلق الارواح قبل الاجساد بألفي عام فهو
من أخبار الآحاد ، وقد روته العامة كما روته الخاصة ، وليس هو مع ذلك مما يقطع
على الله بصحته ، ، وإنما نقله رواته لحسن الظن به ، وإن ثبت القول فالمعنى فيه أن الله
تعالى قدر الارواح في علمه قبل اختراع الاجساد ، واخترع الاجساد واخترع لها الارواح
فالخلق للارواح قبل الاجساد خلق تقدير في العلم كما قدمناه ، وليس بخلق لذواتها
كما وصفناه ، والخلق لها بالاحدات والاختراع بعد خلق الاشسام ، والصور التي
تدبرها الارواح ، ولولا أن ذلك كذلك لكانت الارواح تقوم بأنفسها ، ولا تحتاج
إلى آلات يعتملها ، ولكنا نعرف ما سلف لنا من الاحوال قبل خلق الاجساد ، كما نعلم
أحوالنا بعد خلق الاجساد ، وهذا محال لا خفاء بفساده .
وأما الحديث بأن الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر
منها اختلف ، فالمعنى فيه أن الارواح التي هي الجواهر البسائط تتناصر بالجنس
وتتخاذل بالعوارض ، فما تعارف منها باتفاق الرأي والهوى ائتلف ، وما تناكر منها


(1)بضم السين : سير الليل .
(2)أى حسبى . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه