بحار الأنوار ج5

احتضاره وانقطاع التكليف عنه مع أنه حي - من العذاب الدائم الذي قد أعد له ، و
إعلامه أنه صائر إليه .
ورابعها أن يكون المراد بذلك ما ألزمه هؤلاء الكفار من الفرائض والحقوق
في أموالهم لان ذلك يؤخذ منهم على كره ، وهم إذا أنفقوا فيه أنفقوا بغير نية ولا عزيمة
فتصير نققتهم غرامة وعذابا من حيث لا يستحقون عليها أجرا ، وفي هذا الوجه نظر .(1)


(1)قال قدس الله روحه : وهذا وجه غير صحيح ، لان الوجه في تكليف الكافر اخراج الحقوق
من ماله ، كالوجه في تكليف المؤمن ذلك ، ومحال أن يكون انما كلف اخراج هذه الحقوق على سبيل
العذاب والجزاء ، لان ذلك لا يقتضى وجوبه عليه ، والوجه في تكليف الجميع هذه الامور هو المصلحة
واللطف في التكليف ، ولا يجرى ذلك مجرى ما قلناه في الجواب الذى قبل هذا من أن المصائب
والغموم تكون للمؤمنين محنة وللكافرين عقوبة ، لان تلك الامور مما يجوز أن يكون وجه حسنها
للعقوبة والمحنة جميعا ، ولا يجوز في هذه الفرائض أن يكون لوجوبها على المكلف إلا وجه واحد
وهو المصلحة في الدين ، فافترق الامران ، وليس لهم أن يقولوا : ليس التعذيب في إيجاب الفرائض
عليهم ، وإنما هو في إخراجهم لاموالهم على سبيل التكره والاستثقلال ، وذلك أنه اذا كان الامر على
ما ذكروه خرج الامر من أن يكون مرادا لله تعالى ، لانه عزوجل ما أراد منهم اخراج المال
على هذا الوجه بل على الوجه الذى هو طاعة وقربة ، فاذا أخرجوها متكرهين مستثقلين لم يرد
ذلك ، فكيف يقول : إنما يريد الله ليعذبهم بها ؟ ويجب أن يكون ما يعذبون به شيئا يصح أن يريده
الله تعالى .
أقول : أورد شيخ الطائفة في التبيان وجوها اخر ، أولها ما حكى عن ابن زيد أن المعنى : انما
يريد الله ليعذبهم يحفظها والمصائب فيها مع حرمان المنفعة بها .
ثانيها : أن مفارقتها وتركها والخروج عنها بالموت صعب عليهم شديد ، لانهم يفارقون النعم ،
لا يدرون إلى ماذا يصيرون بعد الموت ، فيكون حينئذ عذابا عليهم ، بمعنى أن مفارقتها غم وعذاب ;
ومعنى تزهق أنفسهم أى تهلك وتذهب بالموت ، يقال : زهق بضاعة فلان أى ذهبت أجمع .
وأورد وجوها اخر متقاربة مع ما ذكره السيد رحمه الله وقال بعد ذلك : وليس في الاية ما يدل
على ان الله تعالى أراد الكفر على ما يقوله المجبرة ، لان قوله : " وهم كافرون " في موضع الحال ،
كقولك : اريد أن نذمه فهو كافر ، وأريد أن نضربه وهو عاص ، وأنت لا تريد كفره ولا عصيانه ،
بل تريد ذمه في حال كفره وعصيانه ، وتقدير الاية : انما يريد الله عذابهم وازهاق أنفسهم ، أى
أى اهلاكها في حال كونهم كافرين . " التبيان ج 1 ص 837 " . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه