بحار الأنوار ج64

في الحكمة ، من حيث إجراء العادة ، والله قد منعنا من طرحه ، ونهانا عنه ، فصار
الطارح كأنه الموصل إليه الالم ، فلهذا كان العوض علينا دونه تعالى ، وكذلك
إذا شهد عند الامام شاهدا زور بالقتل ، فان العوض على الشهود ، وإن كان الله
تعالى قد أوجب القتل ، والامام تولاه ، وليس عليهما عوض ، لانهما أو جبا بشهادتهما
على الامام إيصال الالم إليه ، من جهة الشرع ، فصار كأنهما فعلاه ، لان قبول
الشاهدين عادة شرعية ، يجب إجراؤها على قانونها كالعادات الحسية .
واختلف أهل العدل في وجوب الانتصاف عليه تعالى ، فذهب قوم منهم إلى
أن الانتصاف للمظلوم من الظالم واجب على الله تعالى عقلا ، لانه هو المدبر لعباده
فنظره نظر الوالد لولده ، وقال آخرون منهم : أنه يجب سمعا ، والمصنف رحمه الله
اختار وجوبه عقلا وسمعا ، وهل يجوز أن يمكن الله تعالى من الظلم ، من لا عوض
له في الحال يوازي ظلمه ؟ فمنع منه المصنف قدس سره .
وقد اختلف أهل العدل هنا ، فقال أبوهاشم والكعبي : إنه يجوز ، لكنهما
اختلفا ، فقال الكعبي : يجوز أن يخرج من الدنيا ولا عوض له يوازي ظلمه ، وقال :
إن الله تعالى يتفضل عليه بالعوض المستحق عليه ، ويدفعه إلى المظلوم ، وقال
أبو هاشم : لا يجوز بل يجب التقية ، لان الانتصاف واجب ، والتفضل ليس بواجب
ولا يجوز تعليق الواجب بالجائز .
وقال السيد المرتضى رضي الله عنه : إن التقية تفضل أيضا ، فلا يجوز تعليق
الانتصاف بها ، فلهذا وجب العوض في الحال ، واختاره المصنف رحمه الله لما ذكرناه .
واعلم أن المستحق للعوض إما أن يكون مستحقا للجنة ، أو للنار ، فان
كان مسحقا للجنة ، فان قلنا : إن العوض دائم فلا بحث ، وإن قلنا : إنه منقطع
توجه الاشكال ، بأن يقال : لو أوصل العوض إليه ثم انقطع عنه حصل له الالم
بانقطاعه .
والجواب من وجهين : الاول : أنه يوصل إليه عوضه متفرقا على الاوقات
بحيث لا يتبين له انقطاعه ، فلا يحصل له الالم ، الثاني : أن يتفضل الله تعالى عليه

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه