بحار الأنوار ج5

يشاء إلا الجميل من الاعمال ، ولا يريد القبائح ، ولا يشاء الفواحش ، تعالى الله عما يقول
المبطلون علوا كبيرا ، قال الله تعالى : " وما الله يريد ظلما للعباد " وقال : " يريد الله
بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " وقال : " يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين
من قبلكم " الآية " والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن
تميلوا ميلا عظيما ; يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا " فخبر سبحانه أنه
لا يريد لعباده العسر ، بل يريد بهم اليسر ، وأنه يريد لهم البيان ، ولا يريد لهم الضلال ،
ويريد التخفيف عنهم ، ولا يريد التثقيل عليهم ، فلو كان سبحانه مريدا لمعاصيهم لنا في ذلك
إرادة البيان لهم ، أو التخفيف عنهم واليسر لهم ، فكتاب الله تعالى شاهد بضد ما ذهب
إليه الضالون المفترون على الله الكذب ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
فأما ما تعلقوا به من قوله تعالى : " فمن يرد الله أن يهديه " الآية فليس للمجبرة
به تعلق ولا فيه حجة ، من قبل أن المعنى فيه من أراد الله تعالى أن ينعمه ويثيبه جزاء‌ا
على طاعته شرح صدره للاسلام بالالطاف التي يحبوه بها ، فييسر له بها استدامة أعمال
الطاعات ، والهداية في هذا الموضع هي التنعيم ، قال الله تعالى - فيما خبر به عن أهل
الجنة - : " الحمد لله الذي هدانا لهذا "(1)الآية أي نعمنا به وأثابنا إياه ، والضلال
في هذه الآية هو العذاب ، قال الله تعالى : " إن المجرمين في ضلال وسعر "(2)فسمي العذاب
ضلالا والنعيم هداية ، والاصل في ذلك أن الضلال هو الهلاك ، والهداية هي النجاة ،
قال الله تعالى - حكاية عن العرب - : " أئذا ضللنا في الارض أئنا لفي خلق جديد "(3)

يعنون إذا هلكنا فيها ، وكأن المعنى في قوله : " فمن يرد الله أن يهديه " ما قدمناه " ومن
يرد أن يضله " ما وصفناه ، والمعنى في قوله : " يجعل صدره ضيقا حرجا " يريد سلبه
التوفيق عقوبة له على عصيانه ، ومنعه الالطاف جزاء‌ا له على إساء‌ته ، فشرح الصدر :
ثواب الطاعة بالتوفيق ، وتضييقه : عقاب المعصية بمنع التوفيق ، وليس في هذه الآية على
ما بيناه شبهة لاهل الخلاف فيما ادعوه من أن الله تعالى يضل عن الايمان ، ويصد


(1)الاعراف : 43 .
(2)القمر : 47 .
(3)الم السجدة : 10 . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه