المرة الاخيرة " عند سدرة المنتهى " التي ينتهي إليها علم الخلائق وأعمالهم ، أوما ينزل
من فوقها ويصعد من تحتها إليها ولعلها شبهت بالسدرة ، وهي شجرة النبق " ، لانهم
يجتمعون في ظلها ، وروي مرفوعا أنها في السماء السابعة " عندها جنة المأوى " الجنة
التي يأوي إليها المتقون ، أو أرواح الشهداء " إذ يغشى السدرة ما يغشى " تعظيم وتكثير
لما يغشاها بحيث لا يكتنهها نعت ولا يحصيها عدد ، وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة
يعبدون الله عندها " ما زاع البصر " ما مال بصر رسول الله عما رآه " وما طغى " وما
تجاوزه ، بل أثبته إثباتا صحيحا مستيقنا ، أو ما عدل عن رؤية العجائب التي امر برؤيتها
وما جاوزها " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " أى والله لقد رأى الكبرى من آياته و
عجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج ، وقد قيل : إنها المعنية بما رأى ، ويجوز أن
تكون الكبرى صفة للآيات ، على أن المفعول محذوف ، أي شيئا من آيات ربه ، أو " من "
مزيدة(1).
وقال الطبرسي - رضي الله عنه - في قوله تعالى : " ما كذب الفؤاد ما رأى " أي لم
يكذب فؤاد محمد صلى الله عليه وآله ما رآه بعينه ، قال ابن عباس : رأى محمد ربه فؤاده ، وروي ذلك عن
محمد بن الحنفية ، عن علي عليه السلام ، أي علمه علما يقينا بما رآه من الآيات الباهرات ، و
قيل : إن الذي رآه هو جبرئيل على صورته التي خلقه الله عليها ، وقيل : هو ما رآه من
ملكوت الله وأجناس مقدوراته عن الحسن ، قال : وعرج بروح محمد إلى السماء وجسده في
الارض ، وقال الاكثرون وهو الظاهر من مذاهب أصحابنا والمشهور في أخبارهم : إن الله
تعالى صعد بجسمه إلى السماء حيا سليما حتى رأى ما رأى من ملكوت السماوات بعينه
ولم يكن ذلك في المنام ، وعن أبي العالية قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وآله هل رأيت ربك ليلة
المعراج ؟ قال : رأيت نهرا ، ورأيت وراء النهر حجابا ، ورأيت وراء الحجاب نورا ، لم أر
غير ذلك .
وروي عن أبي ذر وأبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن قوله : " ما كذب
الفؤاد ما رأى " قال : رأيت نورا ، وروي ذلك عن مجاهد وعكرمة " أفتمارونه على ما يرى " .
(1)أنوار التنزيل 2 : 472 و 473 .(*)
بحار الانوار - 18 -