بحار الأنوار ج17

بجميع ذلك قطعي كسائر العاديات ، لا يقدح فيه احتمال أنهم تركوا المعارضة مع القدرة
عليها . أو عارضوا ولم ينقل إلينا لمانع ، كعدم المبالات ، وقلة الالتفات ، والاشتغال
بالمهمات .
وأما وجه إعجازه فالجمهور من العامة والخاصة ومنهم الشيخ المفيد قدس الله روحه
على أن إعجاز القرآن بكونه في الطبقة العليا من الفصاحة ، والدرجة القصوى من البلاغة ،
على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم ، وعلماء الفرق بمهارتهم في فن البيان ، وإحاطتهم
بأساليب الكلام ، هذا مع اشتماله على الاخبار عن المغيبات الماضية والآتية ، وعلى دقائق
العلوم الالهية ، وأحوال المبدء والمعاد ، ومكارم الاخلاق ، والارشاد إلى فنون الحكمة
العلمية والعملية ، والمصالح الدينية والدنيوية ، على ما يظهر للمتدبرين ، ويتجلى
للمتفكرين ، وقيل : وجه إعجازه اشتماله على النظم الغريب ، والاسلوب العجيب المخالف
لنظم العرب ونثرهم في مطالعه ومقاطعه وفواصله ، فإنها وقعت في القرآن على وجه لم
يعهد في كلامهم ، وكانوا عاجزين عنه ، وعليه بعض المعتزلة ، وقال الباقلاني : وجه الاعجاز
مجموع الامرين : البلاغة ، والنظم الغريب ، وقيل : هو اشتماله على الاخبار بالغيب ، وقيل :
عدم اختلافه وتنافضه مع ما فيه من الطول والامتداد ، وذهب السيد المرتضى منا وجماعة
من العامة منهم النظام إلى الصرفة ، على معنى أن العرب كانت قادرة على كلام مثل
القرآن قبل البعثة ، لكن الله صرفهم عن معارضته ، واختلفوا في كيفيته ، فقال النظام
وأتباعه : صرفهم الله تعالى عنها مع قدرتهم عليها وذلك بصرف دعاويهم إليها مع توفر
الاسباب الداعية في حقهم كالتقريع بالعجز ، والاستنزال عن الرياسات ، والتكليف
بالانقياد ، فهذا الصرف خارق للعادة فيكون معجزا ، وقال السيد رحمه الله فيما نسب إليه : ،
كان عندهم العلم بنظم القرآن والعلم بأنه كيف يؤلف كلام يساويه أو يدانيه ، والمعتاد
أن من كان عنده هذان العلمان يتمكن من الاتيان بالمثل ، إلا أنهم كلما حاولوا ذلك
أزال الله تعالى عن قلوبهم تلك العلوم ، والحق هو الاول(1).


(1)ويؤيد ذلك أن فصحاء العرب كانوا يستعظمون فصاحته ، ولهذا أراد النابغة الاسلام حين
سمع القرآن وعرف فصاحته فصده أبوجهل وقال له : يحرم عليك الاطيبين ، وأن المشركين لما*

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه