بحار الأنوار ج11

نسبح بحمدك ونقدس لك " حال مقررة لجهة الاشكال ، وكأنهم علموا أن المجعول خليفة
ذو ثلاث قوى عليها مدار أمره : شهوية وغضبية تؤديات به إلى الفساد وسفك الدماء ، و
عقلية تدعوه إلى المعرفة والطاعة ، ونظروا إليها مفردة وقالوا : ما الحكمة في استخلافه
وهو باعتبار تينك القوتين لا تقتضى الحكمة إيجاده فضلا عن استخلافه ؟ وأما باعتبار القوة
العقلية فنحن نقيم بما يتوقع منها سليما عن معارضة تلك المفاسد ، وغفلوا عن فضيلة كل
واحدة من القوتين إذا صارت مهذبة مطواعة للعقل متمرنة على الخير كالعفة والشجاعة
ومجاهدة الهوى والانصاف ، ولم يعلموا أن التركيب يفيد ما يقصر عنه الآحاد كالاحاطة
بالجزئيات ، واستنباط الصناعات ، واستخراج منافع الكائنات من القوة إلى الفعل الذي
هو المقصود من الاستخلاف ، وإليه أشار تعالى إجمالا بقوله : " قال إني أعلم مالا تعلمون "
والتسبيح تبعيد الله عن السوء ، وكذلك التقديس ، و " بحمدك " في موضع الحال ، أي متلبسين
بحمدك على ما ألهمتنا معرفتك ووفقتنا لتسبيحك " وعلم آدم الاسماء كلها " إما بخلق
علم ضروري بها فيه ، أو إلقاء في روحه ، ولا يفتقر إلى سابقة اصطلاح ليتسلسل ، والاسم :
ما يكون علامة للشئ ودليلا يرفعه إلى الذهن من الالفاظ والصفات والافعال ، واستعماله
عرفا في اللفظ الموضوع لمعنى ، سواء كان مركبا أو مفردا مخبرا عنه أو خبرا أو رابطة
بينهما ، واصطلاحا في المعنى المعروف ، والمراد في الآية إما الاول أو الثاني وهو يستلزم
الاول ، لان العلم بالالفاظ من حيث الدلالة متوقف على العلم بالمعاني ، والمعنى أنه تعالى
خلقه من أجزاء مختلفة ، وقوى متباينة ، مستعد الادراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات
والمتخيلات والموهوبات ، وألهمه معرفة ذوات الاشياء وخواصها وأسمائها واصول العلم
وقوانين الصناعات وكيفية آلاتها " ثم عرضهم على الملائكة " الضمير للمسميات المدلول
عليها ضمنا " فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء " تبكيت لهم(1)وتنبيه على عجزهم عن أمر الخلافة
فإن التصرف والتدبير وإقامة المعدلة قبل تحقق المعرفة والوقوف على مراتب الاستعدادات
وقدر الحقوق محال ، وليس بتكليف ليكون من باب التكليف بالمحال " إن كنتم صادقين "
في زعمكم أنكم أحقاء بالخلافة لعصمتكم ، أو أن خلقهم واستخلافهم وهذه صفتهم لا يليق


(1)التبكيت : الغلبة بالحجة . التعنيف والتقريع(*).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه