ذلك ولكن أعرض نفسك على مافيكتاب الله ، فإن كنت سالكا سبيله ، زاهدا في
تزهيده ، راغبا في ترغيبه ، خائفا من تخويفه فاثبت وأبشر ، فإنه لا يضرك ما
قيل فيك . وإن كنت مبائنا للقرآن فماذا الذي يغرك من نفسك . إن
المؤمن معنى بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها فمرة يقيم أودها(1)ويخالف
هواها في محبة الله ، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش(2)ويقيل
الله عثرته فيتذكر ، ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد
فيه من الخوف ، وذلك بأن الله يقول : إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من
الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون(3)
يا جابر استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصا إلى الشكر ، واستقلل
من نفسك كثير الطاعة لله إزراء على النفس(4)وتعرضا للعفو ، وادفع عن نفسك
حاضر الشر بحاضر العلم ، واستعمل حاضر العلم بخالص العمل ، وتحرز في خالص
العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ ، واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف ، و
احذر خفي التزين(5)بحاضر الحياة ، وتوق مجازفة الهوى بدلالة العقل(6)وقف
عند غلبة الهوى باسترشاد العلم ، واستبق خالص الاعمال ليوم الجزاء ، وانزل ساحة
(1)الاود - محركة - : العوج . وقد يأتى بمعنى القوة .
(2)نعشه الله : رفعه وأقامه وتداركه من هلكة وسقطة . وينعش أى ينهض -
وينشط .
(3)سورة الاعراف : 200 . والطائف فاعل من طاف يطوف أى الخيال والوسوسة .
(4)أزرى على النفس : عابها وعاتبها . ويحتمل أن يكون : ازدراء - من باب
الافتعال - أى احتقارا واستخفافا .
(5)وفى بعض النسخ خفى الرين أى الدنس .
(6)جازف في كلامه : تكلم بدون تبصر وبلاروية . وجازف في البيع : بايعه بلاكيل
ولا وزن ولا عدد ، وجازف بنفسه : خاطر بها .