" في قلوب الذين اتبعوه "(1)في دينه ، يعني الحواريين وأتباعهم اتبعوا عيسى
عليه السلام " رأفة " وهي أشد الرقة " ورهبانية ابتدعوها " هي الخصلة من العبادة يظهر
فيها معنى الرهبة إما في لبسة ،(2)أو انفراد عن الجماعة ، أو غير ذلك من الامور التي يظهر
فيها نسك صاحبه ، والمعنى : ابتدعوا رهبانية لم نكتبها عليهم ، وقيل : هي رفض النساء ،
واتخاذ الصوامع ، وقيل : هي لحاقهم بالبراري والجبال في خبر مرفوع عن النبي صلى الله عليه وآله
فما رعاها الذين من بعدهم حق رعايتها ، وذلك لتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وآله وقيل : إن
الرهبانية هي الانقطاع عن الناس للانفراد بالعبادة " ما كتبناها " أي مافرضناها عليهم .
وروي عن ابن مسعود قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وآله على حمار فقال : ياابن أم
عبد هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية ؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، فقال :
ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه السلام يعملون بمعاصي الله فغضب أهل الايمان فقاتلوهم ،
فهزم أهل الايمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلا القليل ، فقالوا : إن ظهرنا هؤلاء
أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه فتعالوا نتفرق في الارض إلى أن يبعث الله النبي
الذي وعدنا به عيسى عليه السلام يعنون محمدا صلى الله عليه وآله فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا
رهبانية ، فمنهم من تمسك بدينه ، ومنهم من كفر ، ثم تلا هذه الآية : " ورهبانية
ابتدعوها " الآية ، ثم قال : ياابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي ؟ قلت : الله ورسوله
أعلم ، قال : الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة .(3)
" من أنصاري إلى الله " أي مع الله ، أو فيما يقرب إلى الله " نحن أنصار الله " أي أنصار
دينه " فآمنت طائفة " أي صدقت بعيسى عليه السلام " وكفرت طائفة " أخرى به ، قال ابن
عباس : يعني في زمن عيسى عليه السلام ، وذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق : فرقة
قالت : كان الله فارتفع ، وفرقة قالت : كان ابن الله فرفعه إليه ، وفرقة قالوا : كان عبدالله و
رسوله فرفعه إليه وهم المؤمنون ، واتبع كل فرقة طائفة من الناس فاقتتلوا وظهرت
(1)في المصدر : وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه .
(2)في المصدر : إما في كنيسة .
(3)مجمع البيان 9 : 243 .