بحار الأنوار ج61

إيجاب الطبيعة ، وبأن فيه شفاء للناس وفيه قولان : الاول وهو الصحيح أنه صفة
للعسل .
فان قالوا : كيف يكون شفاء للناس وهو يضر بالصفراء ويهيج المرار ؟ قلنا : إنه تعالى لهم يقل : إنه شفاء‌لكل الناس ولكل داء وفي كل حال ، بل لما كان شفاء
في الجملة ، إنه قل معجون من المعاجين إلا وتمامه وكماله يحصل بالعجن بالعسل
وأيضا فالاشربة المتخذة منه في الامراض البلغمية عظيمة النفع .
والقول الثاني : وهوقول مجاهد أن المراد أن القرآن فيه شفاء للناس ، و
على هذا التقدير فقصة تولد العسل من النحل تمت عند قوله : " مختلف ألوانه " ثم
ابتدأ وقال : " فيه شفاء للناس " أي في هذا القران حصل ما هو شفاء للناس من الكفر
والبدعة مثل هذا الذي مر في قصة النحل ، وعن ابن مسعود أن العسل شفاء من
كل داء ، والقرآن فيه شفاء لما في الصدور . واعلم أن هذا القول ضعيف من وجهين
الاول أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات ، وماذاك إلا قوله : " شراب
مختلف ألوانه " وأما الحكم بعوده إلى القرآن مع أنه غير مذكور فيما سبق فهو غير
مناسب . الثاني ما روي أبوسعيد الخدري أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال : إن
أخي يشتكي بطنه ، فقال : اسقه عسلا ، فذهب ثم رجع فقال : قد سقيته فلم تغن عنه
فقال عليه السلام : " اذهب فاسقه عسلا " وقال : " صدق الله وكذب بطن أخيك " فسقاة فبرأ
كانما نشط من عقال .
وحملوا قوله : " صدق الله " على قوله تعالى : " فيه شفاء للناس " وذلك إنما
يصح لوكان هذا صفة للعسل .
فان قال قائل : فما المراد من قوله عليه السلام : صدق الله وكذب بطن أخيك ؟ قلنا :
العلة أنه عليه السلام علم بنور الوحي أن ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك ، فلما لم يظهر
في الحال مع أنه عليه السلام كان عالما بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك كان هذا جاريا مجرى
الكذب ، فلهذا السبب أطلق عليه هذا اللفظ انتهى(1).


(1)تفسير الرازى .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه