إرادته ، بل مع إرادة إمساكه في فمه . وأيضا إن الحلو يخرج بالقئ بعد غيره وإن
تناوله أولا ، وما ذلك إلا بجذب المعدة اللذيذة إلى قعرها . وأيضا الرحم إذا كانت
خالية عن الفضول بعيدة العهد من الجماع يحس الانسان وقت الجماع أن إحليله
ينجذب إلى الداخل .
وأما إلى الماسكة فلان الغذاء لابد فيه من الاستحالة حتى يصير شبيها بجوهر
المغتذي ، والاستحالة حركة ، وكل حركة في زمان ، فلابد من زمان في مثله يستحيل
الغذاء إلى جوهر المغتذي . ولان الخلط جسم رطب سيال استحال أن يقف بنفسه
زمانا ، فلابد من قاسر يقسره على الوقوف ، وذلك القاسر هو الماسكة . ووجودها في
بعض الاعضاء معلوم بالحس ، فإن أرباب التشريح قالوا : إذا شرحنا الحيوان حال
ما تناول الغذاء وجدنا معدته محتوية على الغذاء بحيث لا يمكن أن يسيل من ذلك
الغذاء شئ . وأيضا قالوا : إذا شققنا بطن الحامل من تحت السرة وجدنا رحمها منضمة
انضماما شديدا بحيث لا يسع أن يدخل فيها طرف الميل . وأيضا فإن المني إذا استقر
في الرحم لا ينزل عنها مع ثقله .
وأما إلى الهاضمة فلان إحالة القوة المغيرة إنما يكون لما هو متقارب
الاستعداد للصورة العضوية ، وإنما يكون ذلك بعد فعل القوة التي تجعله متقارب
الاستعداد ، وتلك هي القوة الهاضمة .
ومراتب الهضم أربع : أولها في المعدة ، فإن الغذاء يصير فيها كيلوسا أي
جوهرا شبيها بماء الكشك الثخين إما بمخالطة المشروب وذلك في أكثر الحيوانات
وإما بلا مخالطة المشروب كما في جوارح الصيد . وابتداء ذلك الهضم في الفم ، ولهذا
كانت الحنطة الممضوغة تفعل في إنضاج الدماميل مالا تفعله المطبوخة ولا المدقوقة
المخلوط باللعاب . وثانيها في الكبد ، فإن الكيلوس إذا تم انهضامه في المعدة انجذبت
لطائفة بالعروق المسماة بالماساريقا إلى الكبد ، وتداخلت في العروق المتصغرة المتضائلة
المنتشرة في جميع أجزاء الكبد بحيث يلاقي الكبد بكلية الكيلوس ، فينهضم هناك
انهضاما ثانيا ، وتتخلع صورته النوعية الغذائية ويستحيل إلى الاخلاط ويسمى