فتعجبت منه ، وكنت ربما أتيت غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السمآء ،
ثم لم أرمنه كذبة قط ، ولا جاهلية قط ، ولا رأيته يضحك في موضع(1)الضحك ، ولا
وقف مع صبيان في لعب ، ولا التفت إليهم ، وكان الوحدة أحب إليه والتواضع .
وكان النبي ابن سبع سنين فقالت اليهود : وجدنا في كتبنا أن محمدا يجنبه ربه من
الحرام والشبهات فجربوره ، فقدموا إلى أبي طالب دجاجة مسمنة ، فكانت قريش يأكلون
منها ، والرسول تعديل يده عنها ، فقالوا : مالك ؟ قال : أراها حراما يصونني ربي عنها ،
فقالوا : هي حلال فنلقمك ، قال : فافعلوا إن قدرتم ، فكانت أيديهم يعدل بها إلى الجهات ،
فجاؤه بدجاجة اخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن يؤدوا ثمنها إذا جاء ، فتناول
منها لقمة فسقطت من يده ، فقال عليه السلام : وما أراها إلا من شبهة يصونني ربي عنها ، فقالوا :
ناقمك منها ، فكلما تناولوا منها ثقلت في أيديهم ، فقالوا : لهذا شأن عظيم .
ولما ظهر أمره صلى الله عليه وآله عاداه أبوجهل ، وجمع صبيان بني مخزوم وقال : أنا أميركم ،
وانعقد صبيان بني هاشم وبني عبدالمطلب على النبي وقالوا : أنت الامير ، قالت ام علي عليه السلام :
وكان في صحن داري شجرة قد يبست وخاست ، ولها زمان يابسة ، فأتى النبي صلى الله عليه وآله يوما
إلى الشجرة فمسها بكفه فصارت من وقتها وساعتها خضرآء ، وحملت الرطب ، فكنت في
كل يوم أجمع له الرطب في دوخلة ، فإذا كانت وقت ضاحي النهار يدخل يقول : يا اماه
أعطيني ديوان العسكر ، وكان يأخذ الدوخلة ثم يخرج ويقسم الرطب على صبيان
بني هاشم ، فلما كان بعض الايام دخل وقال : يا اماه أعطيني ديوان العسكر ، فقلت :
يا ولدي اعلم أن النخلة ما اعطتنا اليوم شيئا ، قالت : فوحق نور وجهه لقد رأيته وقد
تقدم نحو النخله وتكلم بكلمات وإذا بالنخلة قد أنحنت حتى صار راسها عنده ، فأخذ من
الرطب ما أراد ، ثم عادت النخلة إلى ما كانت ، فمن ذلك اليوم قلت : اللهم رب السمآء
ارزقني ولدا ذكرا يكون أخا لمحمد ، ففي تلك الليلة واقعني أبوطالب فحملت بعلي بن
أبي طالب فرزقته ، فما كان يقرب صنما ولا يسجد لوثن ، كل ذلاك ببركة محمد صلى الله عليه وآله(2).
(1)غير موضع خ ل .
(2)مناقب آل أبى طالب 1 : 26 و 27 .