بحار الأنوار ج58

كذلك بل كانت متوقفة على علوم سابقة عليها - ولا محالة تنتهي إلى البديهيات قطعا
للدور أو التسلسل - فهي علوم كسبية . فظهر أن السبب الاو ل لحدوث هذه المعارف
في النفوس الانسانية هو أنه تعالى أعطى الحواس والقوى الداركة للصور الجزئية .
وعندي أن النفس قبل البدن موجودة عالمة بعلوم جمة هي التي ينبغي أن تسمى
بالبديهيات ، وإنما لايظهر آثارها عليها ، حتى إذا قوي وترقى ظهرت آثارها شيئا فشيئا
وقد برهنا على هذه المعاني في كتبنا الحكمية ، فالمراد بقوله " لا تعلمون شيئا " أنه لايظهر
أثر العلم عليهم ، ثم إنه بتوسط الحواس الظاهرة والباطنة يكتسب سائر العلوم ، ومعنى
" لعلكم تشكرون " أن تصرفوا كل آلة في ما خلق لاجله ، وليس الوا وللترتيب حتى يلزم
من عطف " جعل " على " أخرج " أن يكون جعل السمع والبصر والافئدة متأخرا عن
الاخراج من البطن .
" واختلاف ألسنتكم وألوانكم " قال الرازي : لما أشار إلى دلائل الانفس والآفاق
ذكر ما هو من صفات الانفس بالاختلاف الذي بين ألوان الانسان فإن واحدا منهم مع
كثرة عددهم وصغر حجمهم ، خدودهم وقدودهم لا تشتبه بغير هم . والثاني اختلاف كلامهم
فإن عربيين هما أخوان إذا تكلما بلغة واحدة يعرف أحدهما من الآخر ، حتى أن
من يكون محجوبا عنهما لا يبصر هما يقول : هنا صوت فلان . وفيه حكمة بالغة ، وذلك
لان الانسان يحتاج إلى التمييز بين الاشخاص ليعرف صاحب الحق من غيره ، والعدو
من الصديق ، ليحتزر قبل وصول العدو إليه ، وليقبل علي الصديق(1)قبل أن يفوته
الاقبال عليه ، وذلك قديكون بالبصر فخلق اختلاف الصور ، وقد يكون بالسمع فخلق
اختلاف الاصوات وأما اللمس والشم والذوق فلا يفيد فائدة في معرفة العدو والصديق
فلا يقع التمييز(2)ومن الناس من قال : إن المراد اختلاف اللغات كالعربية والفارسية
والرومية وغيرها ، والاول أصح - انتهى - .
وعلى الثاني المراد أنه علم كل صنف لغته ، أو ألهمه وضعها وأقدره عليها .


(1)في اكثر النسخ " ليحترز قبل . . " وهو خطا من النساخ ظاهر .
(2)في اكثر النسخ " التمييز " .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه