بحار الأنوار ج58

لا يحضر عندها إلا نوع مدركاتها ، فلا بد من قوة يحضر عندها جميع الانواع ليصح
الحكم بينها .
الثالث : أن المبرسم أي من به المرضى المسمى بذات الجنب إذا قوي مرضه
وتعطلت حواسه الظاهرة بغلبة المرض يرى أشياء لا تحقق لها في الخارج على سبيل
المشاهدة دون التخيل ، فإنه قديرى سباعا وأشخاصا حاضرة عنده ولايراها أحد ممن
سلم حواسه وليست هذه الصور مرتسمة في بصره ، إذ لايرتسم فيه إلا ما هو موجود
مقابل إياه . ولما كان إدراكها كإدراك ما يرتسم من الخارج بلا فرق عند المدرك دل
ذلك أيضا على أن الابصار إنما هو بالحس المشترك ، ولما كان الابصار بارتسام
الصورة في الحس المشترك لم يتميز الحال عند المدرك بين أن يرد عليه الصورة من
الخارج كما هو الغالب وبين أن ترد عليه من داخل كما في المبرسم ، فإنه لما اشتغل
نفسه بمزاولة المرض بحيث تعطلت حواسه الظاهرة استولت المتخيلة ونقشت في لوح
الحس المشترك صورا كانت مخزونة في الخيال ، وصورا ركبتها من الصور المخزونة
على طريق انتقاشها فيه من الخارج ، ولما لم يكن لها شعور بانتقاشها فيه من داخل
لم يفرق بينها وبين الصور المنتقشة فيه من خارج ، فيحسب الاشياء التي هذه صورها
موجودة في الخارج حاضرة عنده كما في الصحة بلا فرق .
اعترض على الاول بأنه يجوز أن يكون اتصال الارتسام في الباصرة بأن
يرتسم المقابل الآخرقبل أن يزول المرتسم قبله ، بسرعة لحوق الثاني وقوة ارتسام
الاول ، فيكونان معا . قيل : وهذا مكابرة للقطع بأنه لا ارتسام في البصر عند زوال
المقابلة .
وعلى الثانى بأنه لايلزم من عدم كون الارتسام في الباصرة كونه في قوة اخرى
جسمانية ، لجواز أن يكون في النفس . ألاترى أنانحكم بالكلي على الجزئي
كحكمنا بأن زيدا إنسان مع القطع بأن مدرك الكلي هو النفس ، ويجوز أن يكون
حضور هما عند النفس وحكمها بينهما لارتسامهما في آلتين كما أن الحكم بين الكلي
والجزئي تكون لارتسام الكلي في النفس والجزئي في الآلة .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه