صلى الله عليه وآله ، فعمد لثقيف بالطائف رجاء أن يؤووه ، فوجد ثلاثة نفر منهم هم سادة ،
وهم إخوة عبد ياليل ، ومسعود ، وحبيب بنو عمرو ، فعرض عليهم نفسه فقال أحدهم : أنا
أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشئ قط ، وقال الآخر : أعجز الله أن يرسل غيرك ؟
وقال الآخر : والله لا اكلمك بعد مجلسك هذا أبدا ، ولئن كنت رسولا كما تقول فلانت
أعظم خطرا من أن يرد عليك الكلام ، وإن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن اكلمك
بعد ، وتهزؤا به ، وأفشوا في قومهم(1)ما راجعوه به ، فقعدوا له صفين على طريقه ، فلما
مر رسول الله صلى الله عليه وآله بين صفيهم جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة
حتى أدموا رجليه ، فخلص منهم وهما يسيلان دما ، فعمد فجاء إلى حائط من حيطانهم
فاستظل في ظل نخلة(2)منه وهو مكروب موجع تسيل رجلاه دما ، فإذا في الحائط عتبة
ابن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله ،
فلما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عداس معه عنب وهو نصراني من أهل نينوى ،
فلما جاءه قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : من أي أرض أنت ؟ قال : من أهل نينوى ، قال : من
مدينة العبد الصالح يونس بن متى ؟ فقال له عداس : وما يدريك من يونس بن متى ؟ فقال صلى الله عليه وآله :
أنا رسول الله ، والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متى ، فلما أخبره بما أوحى الله
إليه من شأن يونس خر عداس ساجدا لله ، ومعظما لرسول الله صلى الله عليه وآله ، وجعل يقبل
قدميه وهما تسيلان الدماء ، فلما بصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا ، فلما أتاهما
قالا : ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه ولم نرك فعلت ذلك بأحد منا ؟ قال : هذا
رجل صالح أخبرني بشئ عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متى ، فضحكا
وقالا : لا يفتننك عن نصرانيتك ، فإنه رجل خداع ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مكة حتى
إذا كان بنخلة قام في جوف الليل يصلي ، فمر به نفر من أهل نصيبين من اليمن
فوجدوه يصلي صلاة الغداة ، ويتلو القرآن ، فاستمعوا له ، وهذا معنى قول سعيد بن جبير
وجماعة .
(1)في قومهم خ ل .
(2)في المصدر : في ظل : حبلة . أقول : حبلة : شجر العنب .(*)