بحار الأنوار ج36

لرسول الله صلى الله عليه وآله دونه ، فكان على ثقة من السلامة ، وإسماعيل عليه السلام كان متحققا لحلول
الذبح به من حيث امتثل الامر بالذي نزل به الوحي ، فشتان بين الامرين !
قيل له : إن أمير المؤمنين عليه السلام وإن كان عالما بأن قريشا إنما تقصد رسول الله دونه
فقد كان يعلم - بظاهل الحال وما يوجب غالب الظن من العادة الجارية بشدة غيظ قريش
على من فوتهم غرضهم في مطلبهم ، ومن حال بينهم وبين مرادهم من عدوهم ، ومن لبس
عليهم الامر حتى ضلت حيلتهم ، وخابت آمالهم ، أنهم يعاملونه بأضعاف ما كان في أنفسهم
أن يعاملوا به صاحبه لتزايد حنقهم(1)وحقدهم ، واعتراء الغضب لهم ، فكان الخوف منهم عند
هذه الحال أشد من خوف الرسول الله صلى الله عليه وآله ، واليأس من رجوعهم عن إيقال الضرر به أقوى من
يأس النبي صلى الله عليه وآله ، وهذا هو المعروف الذي لا يختلف فيه اثنان ، لانه قد كان يجوز منهم
عند ظفرهم بالنبي صلى الله عليه وآله أن تلين قلوبهم له ، ويتعطفوا بالنسب والرحم التي بينهم
وبينه ويلحقهم من الرقة عليه ما يلحق الظافر بالمظفور به ، فتبرد قلوبهم ويقل غيظهم و
تسكن نفوسهم ، وإذا فقدوا المأمول من الظفر به وعرفوا وجه الحيلة عليهم في فوتهم غرضهم
وعلموا أنه بعلي عليه السلام تم ذلك ، ازدادت الدواعي لهم إلى الاضرار به ، وتوفرت عليه ،
فكانت البلية أعظم على ما شرحناه .
وعلى أن إسماعيل عليه السلام قد كان يعلم أن قتل الوالد لولده لم تجربه عادة من
الانبياء والصالحين ، ولا وردت به فيما مضى عبادة ، فكان يقوى في نفسه أنه على ما قدمناه
من الاختبار ، ولو لم يقع له ذلك لجوز نسخه لغرض توجبه الحكمة أو كان يجوز أن يكون
في باطن الكلام خلاف ما في ظاهره ، أو يكون تفسير المنام بضد حقيقته ، أو يحول الله
تعالى بين أبيه وبين مراده بالاخترام ، أو شغل يعوقه عنه ، ولا محالة أنه قد خطر بباله
ما فعله الله تعالى من فدائه وإعفائه من الذبح ، ولو لم يخطر ذلك بباله لكان مجوزا عنده ،
إذ لو لم يجز في عقله لما وقع من الحكيم سبحانه(2).


(1)الحنق - بفتح النون وكسره - شدة الاغتياظ .
(2)أى الاعفاء من الذبح لو لم يكن جائزا عقلا لما وقع من الله تعالى أيضا .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه