بحار الأنوار ج38

مكة(1)، فأتيت مكة وأهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا ولو قدر أن يضع على كل
جبل مني إربا لفعل ، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله ، فبلغتهم رسالة النبي
صلى الله عليه وآله وقرأت عليهم كتابه ، فكلهم يلقاني بالتهدد والوعيد ، ويبدي إلي البغضاء(2)، و
يظهر الشحناء من رجالهم ونسائهم ، فكان مني في ذلك ما قدرأيتم ، ثم التفت عليه السلام إلى
أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى يا أميرالمؤمنين .
فقال عليه السلام يا أخا اليهود هذه المواطن التي امتحنني فيهن ربي عزوجل مع نبيه
صلى الله عليه وآله فوجدني فيها كلها بمنه مطيعا ليس لاحد فيها مثل الذي لي ، ولو شئت لو صفت
ذلك ، ولكن الله عزوجل نهى عن التزكية ، فقالوا : يا أميرالمؤمنين صدقت والله لقد
أعطاك الله عزوجل الفضيلة بالقرابة من نبينا ، وأسعدك بأن جعلك أخاه : تنزل منه
بمنزلة هارون من موسى ، وفضلك بالمواقف التي باشرتها والاحوال التي ركبتها ، و
ذخر لك الذي ذكرت وأكثر منه مما لم تذكره ومما ليس لاحد من المسلمين مثله ،
يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا ومن شهدك بعده ، فأخبرنا يا أميرالمؤمنين ما امتحنك
الله عزوجل به بعد نبينا فاحتملته وصبرت عليه ، فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه علما
منابه وظهورا منا عليه ، إلا أنا نحب أن نسمع منك ذلك كما سمعنا منك ما امتحنك
الله به في حياته فأطعته فيه .
فقال عليه السلام : يا أخا اليهود إن الله عزوجل امتحنني بعد وفاة نبيه صلى الله عليه وآله في سبعة
مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بمنه ونعمته صبورا ، أما أولهن يا أخا
اليهود فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد آنس به أو أعتمد عليه أو أستنيم
إليه أو أتقرب به غير رسول الله ، هو رباني صغيرا وبوأني كبيرا ، وكفاني العيلة وجبرني
من اليتم ، وأغناني عن الطلب ووقاني المكسب ، وعال لي النفس والوالد والاهل ، هذا في
تصاريف أمر الدنيا ، مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحظوة(3)


(1)في المصدر : إلى أهل مكة .
(2)في المصدر و(د): ويبدى لى البغضاء .
(3)في المصدر : إلى ممالى الحق .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه