بحار الأنوار ج6

37 - وقال أيضا في خطبته : فما ينجو من الموت من يخافه ، ولا يعطى البقاء من
أحبه ، ومن جرى في عنان أمله عثر به أجله ، وإذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما
أسرع الملتقى ! الحذر الحذر ! فوالله لقد ستر حتى كأنه غفر .
38 - وتبع أمير المؤمنين جنازة فسمع رجلا يضحك فقال : كأن الموت فيها على
غيرنا كتب ، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب ، وكأن الذي نرى من الاموات سفر
عما قليل إلينا راجعون نبوؤهم أجداثهم ونأكل تراثهم ، قد نسينا كل واعظ وواعظة ،
ورمينا بكل جائحة ، وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى الموت ! ومن أكثر ذكر الموت رضي
من الدنيا باليسير .(1)
39 - قال الصادق عليه السلام مكتوب في التوراة : نحنا لكم فلم تبكوا ، وشوقناكم
فلم تشتاقوا ، أعلم القتالين أن الله سيفا لا ينام وهو جهنم ، أبناء الاربعين أوفوا للحساب ،
أبناء الخمسين زرع قد دنا حصاده ، أبناء الستين ماذا قدمتم وماذا أخرتم ؟ أبناء السبعين
عدوا أنفسكم في الموتى ، أبناء الثمانين تكتب لكم الحسنات ولا تكتب عليكم
السيئات ، أبناء التسعين أنتم اسراء الله في أرضه ! ثم قال : ما يقول كريم أسر رجلا ؟ ماذا
يصنع به ؟ قلت : يطعمه ويسقيه ويفعل به ، فقال : ما ترى الله صانعا بأسيره ؟ .
بيان : الغاية : الموت أو الجنة والنار . قوله عليه السلام : ينتظر بأولكم أي إنما
ينتظر ببعث الاولين ونشرهم مجئ الآخرين وموتهم . لقد ستر أي الذنوب حتى


* بالتخفيف لغاية اللحوق في كلمتين فالاولى منهما قوله : " تخففوا " وكنى بهذا الامر عن الزهد الحقيقى
الذى هو أقوى أسباب السلوك إلى الله سبحانه ، وهو عبارة عن حذف كل شاغل عن التوجه إلى القبلة
الحقيقة ، والاعراض عن متاع الدنيا وطيباتها ، فان ذلك تخفيف للاوزار المانعة عن الصعود في
درجات الابرار ، والموجبة لحلول دار البوار ، وهى كناية باللفظ المستعار وهذا الامر في معنى
الشرط . والثانية قوله : " تلحقوا " وهو جزاء الشرط ، أى إن تتخففوا تلحقوا إلى آخر كلامه
ومن شاء فليراجعه .
(1)أورده السيد في نهج البلاغة في باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام . والسفر بفتح
السين وسكون الفاء : مسافرون . نبوؤهم أى ننزلهم . في أجداثهم أى قبورهم . الجائحة : الافة
تهلك الاصل والفرع .*

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه