بحار الأنوار ج53

وأخذنا العطش فجزعنا أشد الجزع ، وإذا بالفارسين قد أقبلا وفعلا كما فعلا
بالامس ، فلما أرادا مفارقتنا قلنا له : بالله عليك إلا أوصلتنا إلى أهلنا ، فقال :
ابشرا فسيأتيكما من يوصلكما إلى أهليكما ثم غابا .
فلما كان آخر النهار إذا برجل من فراسنا ، ومعه ثلاث أحمرة ، قد أقبل
ليحتطب فلما رآنا ارتاع منا وانهزم ، وترك حميره فصحنا إليه باسمه ، وتسمينا
له فرجع وقال : يا ويلكما إن أهاليكما قد أقاموا عزاء كما ، قوما لا حاجة لي
في الحطب ، فقمنا وركبنا تلك الاحمرة ، ك فلما قربنا من البلد ، دخل أمامنا ، وأخبر
أهلنا ففرحوا فرحا شديدا وأكرموه وأخلعوا عليه .
فلما دخلنا إلى أهلنا سألونا عن حالنا ، فحكينا لهم بما شاهدناه ، فكذبونا
وقالوا : هو تخييل لكم من العطش .
قال محمود : ثم أنساني الدهر حتى كأن لم يكن ، ولم يبق على خاطري شي ء
منه حتى بلغت عشرين سنة ، وتزوجت وصرت أخرج في المكاراة ولم يكن في
أهلي أشد مني نصبا لاهل الايمان ، سيما زوار الائمة عليهم السلام بسر من رأى فكنت
أكريهم الدواب بالقصد لاذيتهم بكل ما أقدر عليه من السرقه وغيرها وأعتقد
أن ذلك مما يقربني إلى الله تعالى .
فاتفق أني كريت دوابي مرة لقوم من أهل الحلة ، وكانوا قادمين إلى
الزيارة منهم ابن السهيلي وابن عرفة وابن حارب ، وابن الزهدري ، وغيرهم من أهل
الصلاح ، ومضيت إلى بغداد ، وهم يعرفون ما أنا عليه من العناد ، فلما خلوا بي
من الطريق وقد امتلاؤا علي غيظا وحنقا لم يتركوا شيئا من القبيح إلا فعلوه بي
وأنا ساكت لا أقدر عليهم لكثرتهم ، فلما دخلنا بغداد ذهبوا إلى الجانب الغربي
فنزلوا هناك ، وقد امتلا فؤادي حنقا .
فلما جاء أصحابي قمت إليهم ، ولطمت على وجهي وبكيت ، فقالوا : مالك ؟
وما دهاك ؟ فحكيت لهم ما جرى علي من أولئك القوم ، فأخذوا في سبهم ولعنهم
وقالوا : طب نفسا فانا نجتمع معهم في الطريق إذا خرجوا ، ونصنع بهم أعظم

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه