بالله تعالى وظلم الناس ويخوفهم بالعذاب ، فلجوا(1)وكانوا يسكنون أحقاف الرمال ،
وإنه لم يكن امة أكثر من عاد ولا أشد منهم بطشا ، فلما رأوا الريح قد أقبلت عليهم قالوا
لهود : أتخوفنا بالريح ؟ فجمعوا ذراريهم وأموالهم في شعب من تلك الشعاب ، ثم قاموا
على باب ذلك الشعب يردون الريح عن أموالهم عن وأهاليهم ، فدخلت الريح من تحت أرجلهم
بينهم وبين الارض حتى قلعتهم فهبت بهم صعدا ، ثم رمت بهم من الجو ، ثم رمت بهم
الريح في البحر ، وسلط الله عليهم الذر فدخلت في مسامعهم ، وجاءهم من الذر مالا يطاق
قبل أن يأخذم الريح ، فسيرهم من بلادهم وحال بينهم وبين موادهم حتى أتاهم الله ،
فقد كان سخرلهم من قطع الجبال والصخور والعمد والقوة على ذلك والعمل به شيئا لم
يستخره لاحد كان قبله ولا بعدهم ، وإنما سميت ذات العماد من أجل أنهم يسلخون
العمد من الجبال فيجعلون طول العمد مثل طول الجبل الذي يسلخونه منه من أسفله إلى
أعلاه ، ثم ينقلون تلك العمد فينصبونها ، ثم يبنون فوقها القصور ، وقد كانوا ينصبون تلك
العمد أعلاما في الارض على قوارع الطريق : وكان كثرتهم بالدهناء ويبرين وعالج(2)إلى
اليمن إلى حضرموت .
وسئل وهب عن هود أكان أبا اليمن الذي ولدهم ؟ فقال : لا ولكنه أخواليمن الذي
في التوراة تنسب إلى نوح عليه السلام ، فلما كانت العصبية بين العرب وفخرت مضر بأبيها
إسماعيل ادعت اليمن هودا أبا ليكون لهم أب ووالد من الانبياء ، وليس بأبيهم ولكنه
أخوهم ، ولحق هود ومن آمن معه بمكة فلم يزالوا بها حتى ماتوا ، وكذلك فعل صالح
عليه السلام بعده وقد سلك فج الروحاء(3)سبعون ألف نبي حجاجا عليهم ثياب الصوف
(1)أى تمادوا في العناد إلى الفعل المزجور عنه .
(2)دهناء بالفتح ثم السكون تمد وتقصر من ديار بنى تميم معروفة ، وقيل : هى سبعة أجبل من
الرمل في عرضها ، بين كل جبلين شقيقة ، وطولها من حزن ينسوعة إلى رمل يبرين . ويبرين بالفتح
فالسكون وكسر الراء قيل : هو رمل لا تدرك أطرفه عن يمين مطلع الشمس من حجر اليمامة . و
قيل : يبرين : باعلى بلاد بنى سعد . وقيل فيه غير ذلك راجع معجم البلدان . وعالج بكسر اللام :
رملة بالبادية . رمال بين قيد والقريات وهو متصلة بالثعلبية على طريق مكة وهو مسير اربع ليال .
وقيل : هو متصل بوبار .
(3)الروحاء : موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلامن المدينة(*).