من المشي عليه لو كان موضوعا على الارض لا يمكنه المشي عليه لو كان كالجسر على
هاوية تحته ، وما ذاك إلا لان تخيل السقوط متى قوي أوجبه . وثانيها أجمعت
الاطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الاشياء الحمر ، والمصروع عن النظر إلى
الاشياء القوية اللمعان والدوران ، وما ذاك إلا لان النفوس خلقت مطيعة للاوهام
وثالثها حكى صاحب الشفاء عن أرسطو في طبائع الحيوان أن الدجاجة إذا تشهت
كثيرا بالديكة في الصوت وفي الجواب مع الديكة نبت على ساقيها مثل الشئ النابت
على ساق الديك . ثم قال صاحب الشفاء : وهذا يدل على أن الاحوال الجسمانية
تابعة للاحوال النفسانية .
ورابعها أجمعت الامم على أن الدعاء مظنة للاجابة وأجمعوا على أن الدعاء اللساني
الخالي عن المطلب النفساني قليل البركة عديم الاثر ، فدل ذلك على أن للهمم
والنفوس آثارا ، وهذا الاتفاق غير مختص بملة معينة ، ونحلة مخصوصة . وخامسها
أنك لو أنصفت لعلمت أن المبادئ القريبة للافعال الحيوانية ليست إلا التصورات
النفسانية . لان القوة المحركة المخلوقة المطبوعةالمغروزة(1)في العضلات
صالحة للفعل وتركه أو ضده ، ولن يترجح أحد الطرفين على الآخر إلا لمرجح
وما ذاك إلا تصور كون الفعل جميلا أو لذيذا ، أو تصور كونه قبيحا أو مؤلما
فتلك التصورات هي المبادئ لصيرورة القوى العضلية مبادئ بالفعل لوجود الافعال
بعد أن كانت كذلك بالقوة ، وإذا كانت هذه التصورات هي المبادئ لمبادئ هذه
الافعال فأي استبعاد في كونها مبادئ للافعال بأنفسها(2)وإلغاء الواسطة عن درجة
الاعتبار . وسادسها التجربة والعيان شاهدان بأن هذه التصورات مبادئ قريبة
لحدوث الكيفيات في الابدان ، فإن الغضبان يشتد سخونة مزاجه حتى أنه يفيد
سخونة قوية . يحكى عن بعض الملوك أنه عرض له فالج فأعيى الاطباء مزاولة
علاجه ، فدخل عليه بعض الحذاق منهم على حين غفله منه ، وشافهه بالشتم والقدح
(1)المفروزة(خ).
(2)في المصدر : انفسها .