بحار الأنوار ج42

إلى يدي علي وهي على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه ثم شده وجعل يبكي و
يقول : اللهم اغفر للحسين فإنه لم يعلم .
فقال معاوية : ذكرت من لا ينكر فضله ، رحم الله أبا حسن فلقد سبق من كان
قبله وأعجز من يأتي بعده ، هلم حديث الحديدة ، قال : نعم ، أقويت(1)وأصابتني
مخمصة شديدة ، فسألته فلم تند صفاته(2)فجمعت صبياني وجئته بهم والبؤس والضر
ظاهران عليهم ، فقال : ائتني عشية لادفع إليك شيئا ، فجئته يقودني أحد ولدي
فأمره بالتنحي ثم قال : ألا فدونك ، فأهويت حريصا قد غلبني الجشع(3)أظنها
صرة ، فوضعت يدي على حديد تلتهب نارا ، فلما قبضتها نبذتها وخرت كما يخور(4)
الثور تحت جازره ، فقال لي : ثكلتك امك هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا
فكيف بك وبي غدا أن سلكنا في سلاسل جهنم ؟ ثم قرأ " إذ الاغلال في أعناقهم و
السلاسل يسحبون "(5)ثم قال : ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا
ما ترى ، فانصرف إلى أهلك ، فجعل معاوية يتعجب ويقول : هيهات عقمت النساء
أن تلد بمثله(6).
أقول : روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن قتادة أن أروى بنت الحارث بن
عبدالمطلب دخلت على معاوية بن أبي سفيان وقد قدم المدينة وهي عجوز كبيرة
فلما رآها معاوية قال : مرحبا بك يا خالة كيف كنت بعدي ؟ قالت : كيف أنت يا
ابن اختي ؟ لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسميت بغير اسمك


(1)أى افتقرت .
(2)الصفاة : الحجر الصلد الضخم . يقال " فلان لا تندى صفاته " أى انه بخيل . والجملة
كناية عن امساكه عليه السلام عن بذل بيت المال لا خيه عقيل .
(3)الجشع : اشد الحرص .
(4)خار البقر : صاح .
(5)سورة المؤمن : 71 .
(6)شرح النهج 3 : 120 - 122 . وفيه : هيهات هيهات عقمت النساء أن يلدن بمثله . *

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه