على الرصف(1) أيسر عليه من أن يكتسب درهما من غير حله ، أو يمنعه من
حقه ، أو يكون له خازنا إلى يوم موته ، فاولئك الذين إن نوقش عنهم عذبوا
وإن عفي عنهم سلموا .
وأما الطبق الثالث : فانهم يحبون جمع المال مما حل وحرم ومنعه مما افترض ووجب إن أنفقوه إسزافا وبدارا ، وإن أمسكوه أمسكوا بخلا واحتكارا
اولئك الذين ملكت الدنيا زمام قلوبهم حتى أوردتهم النار بذنوبهم(1) .
27 - وعن النبي صلى الله عليه وآله : احذروا المال فإنه كان فيما مضى رجل قد جمع
مالا وولدا وأقبل على نفسه وجمع لهم فأوعى ، فأتاه ملك الموت فقرع بابه وهو
في زي مسكين فخرج إليه الحجاب فقال لهم : ادعوا لي سيدكم ، قالوا : أو
يخرج سيدنا إلى مثلك ودفعوه حتى نحوه عن الباب ، ثم عاد إليهم في مثل
تلك الهيئة وقال : ادعوا لي سيدكم وأخبروه أني ملك الموت فلما سمع سيدهم
هذا الكلام قعد فرقا وقال لاصحابه : لينوا له في المقال وقولوا له لعلك تطلب
غير سيدنا بارك الله فيك ، قال لهم : لا ، ودخل عليه وقال له : قم فأوص ما كنت
موصيا فإني قابض روحك قبل أن أخرج فصاح أهله وبكوا فقال : افتحوا
الصناديق واكتبوا ما فيها من الذهب والفضة ثم أقبل على المال يسبه ويقول له :
لعنك الله يا مال أنت أنسيتني ذكر ربي وأغفلتني عن أمر آخرتي حتى بغتني من
أمر الله ما قد بغتني ، فأنطلق الله مال فقال له : لم تسبني وأنت الام مني ؟ ألم
تكن في أعين الناس حقيرا فرفعوك لما رأوا عليك من أثرى ؟ ألم تخطب
الملوك والسادة ويحضرهما الصالحون وتدخل قبلهم ويؤخرون ؟ ألم تخطب
بنات الملوك والاسادة ويخطبهن الصالحون فتنكح ويردون ؟ فلو كنت تنفقني في
سبيل الخيرات لم أمتنع عليك ولو كنت تنفقني في سبيل الله لم أنقص عليك فلم
تسبني وأنت الام مني ؟ إنما خلقت أنا أنت من تراب فأنطلق تراثا وانطلق
(1) الرصف : الحديدة المحاة على النار نهاية ابن الاثير .
(2) عدة الداعى ص 73 .