بحار الأنوار ج70

أراد أن يستضئ بنور عقله ، وراجع نفسه ، لم يقدر على ذلك ، إذ ينفئ نور العقل
وينمحي في الحال بدخان الغضب ، فان معدن الفكر الدماغ ، ويتصاعد عند شدة
الغضب من غليان دم القلب دخان إلى الدماغ مظلم مستول على معادن الفكر .
وربما يتعدى إلى معادن الحس ، فيظلم عينه ، حتى لا يرى بعينه ، ويسود
عليه الدنيا بأسرها ، ويكون دماغه على مثال كهف اضرمت فيه نار فاسود جوه
وحمي مستقره ، وامتلا بالدخان جوانبه ، وكان فيه سراج ضعيف فانطفى وانمحى
نوره ، فلا يثبت فيه قدم ، ولا يسمع فيه كلام ، ولا ترى فيه صورة ، ولا يقدر
على إطفائه لا من داخل ولا من خارج ، بل ينبغي أن يصبر إلى أن يحترق جميع
ما يقبل الاحتراق ، فكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ ، وربما تقوى نار الغضب
فتفني الرطوبة التي بها حياة القلب فيموت صاحبه غيظا ، كما تقوى النار في الكهف
فيتشقق وتنهد أعاليه على أسافله ، وذلك لابطال النار ما في جوانبه من القوة
الممسكة الجامعة لاجزائه ، فهكذا حال القلب مع الغضب .
ومن آثار هذاالغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الاطراف
وخروج الافعال عن الترتيب والنظام ، واضطراب الحركة والكلام حتى يظهر
الزبد على الاشداق ، وتحمر الاحداق ، وتنقلب المناخر ، وتستحيل الخلقة
ولو رأى الغضبان في حال غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته
واستحالة خلقته ، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره ، فان الظاهر عنوان الباطن
وإنما قبحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا .
فهذا أثره في الجسد وأما اثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش ، وقبيح
الكلام الذي يستحيي منه ذووالعقول ، ويستحيي منه قائله عند فتور الغضب ، وذلك
مع تخبط النظم ، واضطراب اللفظ ، وأما أثره على الاعضاء فالضرب والتهجم
والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن من غير مبالات ، فان هرب منه المغضوب عليه
أو فاته بسبب وعجز عن التشفي ، رجع الغضب على صاحبه ، فيمزق ثوب نفسه
ويلطم وجهه ، وقد يضرب يده على الارض ، ويعدو عدوالواله السكران ، والمدهوش

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه