قال ابن عباس : ما خلق الله عزوجل ولا ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه واله ، وما
سمعت الله أقسم بحياة أحد إلا بحياته(1).
قوله تعالى : " وما منعنا أن نرسل بالآيات " أي التي اقترحتها قريش : من قلب
الصفا ذهبا ، وإحياء الموتى وغير ذلك " إلا أن كذب بها الاولون " من الامم السابقة فعذبوا
بعذاب الاستيصال ، إذ عادة الله تعالى في الامم أن من اقترح منهم آية فاجيب إليها ثم
لم يؤمن أن يعاجل بعذاب الاستيصال ، وقد صرفه الله تعالى عن هذه الامة ببركة النبي
صلى الله عليه وآله " وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " أي لا نرسل الآيات المقترحة إلا
تخويفا من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له ، فإن لم يخافوا وقع عليهم ، و
يحتمل أن يكون المراد القرآن والمعجزات الواقعة ، فإنها تخويف ، وإنذار بعذاب
الآخرة .
" ومن الليل فتهجد به " قال الطبرسي رحمه الله : خطاب للنبي صلى الله عليه وآله ،
أي فصل القرآن ، ولا يكون التهجد إلا بعد النوم عن مجاهد وأكثر المفسرين ، وقال
بعضهم : ما يتقلب به في كل الليل يسمى تهجدا ، والمتهجد : الذي يلقى الهجود أي
النوم عن نفسه ، كما يقال : المتحرج والمتأثم " نافلة لك " أي زيادة لك على الفرائض ،
لان صلاة الليل كانت فريضة على النبي صلى الله عليه واله وفضيلة لغيره ، وقيل : كانت واجبة عليه
فنسخ وجوبها بهذه الآية ، وقيل : إن معناه فضيلة لك وكفارة لغيرك(2)، وقيل : نافلة
لك ولغيرك ، وإنما اختصه بالخطاب لما في ذلك من دعاء الغير للاقتداء به(3)" عسى أن
يبعثك ربك مقاما محمودا " عسى من الله واجبة ، والمقام بمعنى البعث ، فهو مصدر من غير
جنسه ، أي يبعثك يوم القيامة بعثا أنت محمود فيه ، ويجوز أن يجعل البعث بمعنى الاقامة ،
أي يقيمك ربك مقاما تحمدك فيه الاولون والآخرون وهو مقام الشفاعة ، يشرف فيه
(1)مجمع البيان 6 : 342 .
(2)في المصدر : لان كل إنسان يخاف أن لا يقبل فرضه فيكون نفله كفارة ، والنبي صلى الله
عليه وآله لا يحتاج إلى كفارة .
(3)في المصدر : إلى الاقتداء به ، والحث على الاستنان بسنته .(*)