بحار الأنوار ج89

متى قرأ الانسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه مع أهل الخلاف ، وأغرى به
الجبارين ، وعرض نفسه الهلاك ، فمنعونا عليهم السلام من قراء‌ة القرآن بخلاف ما
يثبت بين الدفتين لما ذكرناه .
فصل : فان قال قائل : كيف تصح القول بأن الذي بين الدفتين هو كلام
الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان ، وأنتم تروون عن الائمة عليهم السلام
أنهم قرؤا(كنتم خير أئمة اخرجت للناس)(وكذلك جعلناكم أئمة وسطا)
وقرؤا(يسئلونك الانفال)وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس .
قيل له : قد مضى الجواب عن هذا ، وهو أن الاخبار التي جائت بذلك
أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحتها ، فلذلك وقفنا فيها ، ولم نعدل عما في
المصحف الظاهر على ما امرنا به حسب ما بيناه ، مع أنه لا ينكر أن تأتي القراء‌ة
على وجهين منزلتين أحدهما ما تضمنه المصحف والثاني ما جاء به الخبر كما يعترف
مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتى ، فمن ذلك قوله تعالى :(وما هو
على الغيب بظنين)(1)يريد بمتهم ، وبالقراء‌ة الاخرى(وما هو على الغيب
بضنين)يريد به ببخيل ومثل قوله :(جنات عدن تجري من تحتها الانهار)على
قراء‌ة ، وعلى قراء‌ة اخرى(تجري تحتها الانهار)ونحو قوله تعالى :(إن
هذان لساحران)(2)وفي قراء‌ة اخرى(إن هذين لساحران)وما أشبه ذلك
مما يكثر تعداده ، ويطول الجواب باثباته ، وفيما ذكرناه كفاية إنشاء الله تعالى .
أقول : روى البخاري والترمذي في صحيحيهما وذكره في جامع الاصول
في حرف التاء في باب ترتيب القرآن وتأليفه وجمعه ، عن زيد بن ثابت قال : أرسل
إلى أبوبكر بعد مقتل أهل اليمامة فاذا عمر جالس عنده ، فقال أبوبكر : إن عمر
جاء‌ني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن ، وإني أخشى أن
يستحر القتل بالقراء في كل المواطن ، فيذهب من القرآن كثير وإني أرى أن


(1)التكوير : 24 .
(2)طه : 63 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه