تركه ، ولا أمره بشئ إلا وقد علم أنه يستطيع فعله ، لانه ليس من صفته الجور
والعبث والظلم وتكليف العباد مالا يطيقون .
قال : فمن خلقه الله كافرا يستطيع الايمان وله عليه بتركه الايمان حجة ؟
قال عليه السلام : إن الله خلق خلقه جميعا مسلمين ،(1)أمرهم ونهاهم ، والكفراسم يلحق
الفعل حين يفعله العبد ، ولم يخلق الله العبد حين خلقه كافرا ، إنه إنماكفر من بعدان
بلغ وقتا لزمته الحجة من الله تعالى ، فعرض عليه الحق فجحده ، فبإنكار الحق صار
كافرا .
قال : فيجوز أن يقدر على العبدالشر ويأمره بالخير وهو لايستطيع الخيرأن يعمله
ويعذبه عليه ؟ قال : إنه لايليق بعدل الله ورأفته أن يقدر على العبد الشر ويريده منه ،
ثم يأمره بما يعلم أنه لايستطيع أخذه والانتزاع(2)عما لايقدر على تركه ، ثم يعذبه
على تركه أمره الذي علم أنه لايستطيع أخذه .
قال : فبماذا استحق الذين أغناهم وأوسع عليهم من رزقه الغنى والسعة ؟ وبماذا
استحق الفقراء التقتير والضيق ؟ قال : اختبر الاغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم ،
والفقراء إنما منعهم لينظر كيف صبرهم ،(3)ووجه آخرأنه عجل لقوم في حياتهم ،
ولقوم آخرليوم حاجتهم إليه ، ووجه آخر أنه علم احتمال كل قوم فأعطاهم على
قدر احتمالهم ، ولو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا وفسد التدبير وصارأهلها
إلى الفناء ، ولكن جعل بعضهم لبعض عونا ، وجعل أسباب أرزاقهم في ضروب الاعمال
وأنواع الصناعات ، وذلك أدوم في البقاء وأصح في التدبير ، ثم اختبر الاغنياء باستعطاف
الفقراء(4)كل ذلك لطف ورحمة من الحكيم الذي لايعاب تدبيره .
قال : فبما استحق الطفل الصغير مايصيبه من الاوجاع والامراض بلاذنب عمله
(1)أى كانوا في أصل خلقتهم وطبيعتهم الاولى منقادين لما يأمر وينهى ، حيث لم تكن
نفوسهم متصفة لما يستدعى الخلاف والطغيان ، بل كانوا على فطرة الله التى فطر الناس عليها
(2)في نسخة ، والنزع . وفى اخرى : الانزاع .
(3)في المصدر : والفقراء بما منعهم لينظركيف صبرهم .
(4)في المصدر : ثم اختبر الاغنياء بالاستعطاف على الفقراء .(*)