بحار الأنوار ج102

الحفيرة لفارقته ولم أصبر المقام معه تحت التراب .
ثم لما حملوه إليها وأدخلوه القبر لم أصبر المفارقة عنه لشدة انسي به ، و
دخلت على أثره الحفيرة من غير اختيار فاذا بمناد ينادي : ياعبدي يا محمد باقر ماذا
أعددت للقاء مثل هذا اليوم ؟ فجعلت اعدد له ما صدر مني من الاعمال الحسنة ، و
الباقيات الصالحات ، وهو لايقبل مني ، ويعيد علي هذا النداء ، وأنا مضطرب ولهان
لاأجد مفرا مما كان مني ، ولا مفزعا أتوجه إليه في أمري .
فبينا أنا في هذه الدهشة العظمى إذ تذكرت أني كنت يوما راكبا إلى بعض
المواضع مارا من السوق الكبير من اصبهان فرأيت الناس قد اجتمعوا حول رجل من
المؤمنين كان متهما عند أهل البلد بفساد المذهب مع أني كنت أعلم بصلاحه وسداده
ولا افشيه عند أحدا تقاء لموضع الريبة .
فلما رأيت الناس يضربونه ويسبونه ، ويطالبون منه حقوقهم ، وهو لايقدر على
إعطائهم شيئا ، ويستمهلهم وهم لايمهلونه ويقعون في عرضه وبدنه ، وواحد منهم يدق
على رأس ذلك المؤمن بباطن نعله ، ويقول : أدري أنك عاجز عن قضاء ديونك ،
ولكن أدق على رأسك حتى اطفئ نايرة قلبي منك ، فلم أصبر عن ذلك وقلت : متى
أتقي عن هذا الخلق المنكوس ، ولا أتقى الخالق الجليل في إعانة أضعف عبيده
الملهوف .
فوقفت عند رأسه وصحت على وجوه المتعرضين له ، وقلت لهم : ويحكم هلموا
معي حتى أقضي ماكان لكم عليه من الدين ، وحملته معي إلى المنزل وأخذت في إعزاره
وإجلاله ، وتدارك مافات منه ، وقضيت ديونه ، وكفيت شئونه ، وحققت له الرجاء
بما لامزيد عليه له .
ثم إني عرضت ذلك على ربي فتقبله مني وغفرلي ، وسكن النداء ، وأمرلي
بفتح باب من الرحمة تلقاء وجهي إلى جنات الخلود ، يجيئني منه الروح والريحان ،
وطريف هواء الجنان في كل حين ، ووسع لي في مضجعي الذي تراه إلى حيث شاء الله ،
وأنا متنعم منذ ذلك الوقت بأنواع النعم متمتع من عند إلهي الارحم الاجل الاگرم

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه