بحار الأنوار ج18

حيث كان اميا وكانوا يكتبون ، فلو لقي عليه جملة لتعيي(1)بحفظه ، ولان نزوله بحسب
الوقائع يوجب مزيد بصيرة وخوض في المعنى ، ولانه إذا نزل منجما(2)ويتحدي بكل
نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه ، ولانه إذا نزل به جبرئيل حالا بعد حال
يثبت به فؤاده ، ومن فوائد التفريق معرفة الناسخ والمنسوخ ، ومنها انضمام القرائن الحالية
إلى الدلالات اللفظية ، فإنه يعين على البلاغة " ورتلناه ترتيلا " أي وقرأنا عليك شيئا
بعد شئ على توء‌دة وتمهل في عشرين سنة ، أو ثلاث وعشرين سنة(3).
قوله تعالى : " ما كان لبشر " أي لا يصح له " أن يكلمه الله إلا وحيا " أي إلهاما و
قذفا في القلوب ، أو إلقاء في المنام " أو من وراء حجاب " أي يكلمه من وراء حجاب كما
كلم موسى عليه السلام بخلق الصوت في الطور ، وكما كلم نبينا صلى الله عليه وآله في المعراج ، وهذاإما
على سبيل الاستعارة والتشبيه ، فإن من يسمع الكلام ولا يرى المتكلم ، يشبه حاله بحال
من يكلم من وراء حجاب ، أو المراد بالحجاب الحجاب المعنوي من كماله تعالى ، ونقص
الممكنات ، ونوريته تعالى ، وظلمانية غيره ، كما سبق تحقيقه في كتاب التوحيد " أو
يرسل رسولا ، أي ملكا " فيوحي بإذنه ما يشاء " ، فظهر أن وحيه تعالى منحصر في أقسام
ثلاثة : إما بالالهام والالقاء في المنام ، أو بخلق الصوت بحيث يسمعه الموحى إليه ، أو بإرسال
ملك ، وعلم الملك أيضا يكون على هذه الوجوه(4)، والملك الاول(5)لا يكون علمه إلا
بوجهين منها ، وقد يكون بأن يطالع في اللوح ، وسيأتي تحقيقه في الاخبار " إنه علي "
عن أن يدرك بالابصار " حكيم " في جميع الافعال " وكذلك أوحينا إليك روحا " قيل :
المراد القرآن ، وقيل جبرئيل وسيأتي في الاخبار أن المراد به روح القدس ، فعلى الاخيرين
المراد ب‍ " أوحينا " أرسلنا " من أمرنا " أي بأمرنا " أو أنه من عالم الامر ، وقد مر تحقيقه و


(1)عى وعيى وتعيى بأمره : عجز عنه ، ولم يطق إحكامه .
(2)أى في أوقات معينة .
(3)أنوار التنزيل 2 : 162 .
(4)أى بالالهام ، أو بخلق الصوت ، أو بتوسيط ملك ، وأما الالقاء في المنام فلا يكون في
ملك .
(5)أى الملك الذى يأخذ عن الله بلا واسطة لا يكون عليه الا بالالهام أو بخلق الصوت .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه