بحار الأنوار ج14

تذنيب : قال الطبرسي رحمه الله : اختلف في استغفار داود عليه السلام من أي شئ كان ؟
فقيل : إنه حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى ، والخضوع له ، والتذلل بالعبادة
والسجود ، كما حكى سبحانه عن إبراهيم عليه السلام بقوله : " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي
يوم الدين "(1)وأما قوله : " فغفرنا له ذلك " فالمعنى أنا قبلناه منه وأثبناه عليه ،
فأخرجه على لفظ الجزاء مثل قوله : " يخادعون الله وهو خادعهم "(2)وقوله : " الله
يستهزئ بهم "(3)فلما كان المقصود من الاستغفار والتوبة القبول قيل في جوابه : " غفرنا "
وهذا قول من ينزه الانبياء عن جميع الذنوب من الامامية وغيرهم ،(4)ومن جوز على
الانبياء الصغائر قال : إن استغفاره عليه السلام كان لصغيرة .
ثم إنهم اختلفوا في ذلك على وجوه : أحدها أن اوريا بن حنان خطب امرأة فكان
أهلها أرادوا أن يزوجوها منه ، فبلغ داود جمالها فخطبها أيضا فزوجوها منه وقدموه على
اوريا ، فعوتب داود عليه السلام على الحرص على الدنيا ، عن الجبائي .
وثانيها : أنه أخرج اوريا إلى بعض ثغوره فقتل فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله
من جنده(5)إذ مالت نفسه إلى نكاح امرأته ، فعوتب على ذلك بنزول الملكين .(6)
وثالثها : أنه كان في شريعته أن الرجل إذا مات وخلف امرأة فأولياؤه أحق بها
إلا أن يرغبوا عن التزويج بها ، فحينئذ يجوز لغيرهم أن يتزوج بها ، فلما قتل اوريا
خطب داود امرأته ومنعت هيبة داود وجلالته أولياء‌ه أن يخطبوها فعوتب على ذلك .
ورابعها : أن داود كان متشاغلا بالعبادة فأتاه رجل وامرأة محاكمين(7)إليه فنظر
إلى المرأة ليعرفها بعينها وذلك نظر مباح ، فمالت نفسه(8)ميل الطباع ، ففصل بينهما


(1)الشعراء : 82 .
(2)النساء : 142 .
(3)البقرة : 15 .
(4)وهو الذي اختاره الشريف المرتضى في تنزيه الانبياء وغيره في غيره .
(5)أو قل جزعه على ذلك على ماقيل .
(6)ذكره وما قبله الثعلبي أيضا في العرائس .
(7)في المصدر : متحاكمين .
(8)في المصدر : فمالت نفسه إليها .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه