بحار الأنوار ج3

ونخلا ، وحدائق غلبا ، وفاكهة وأبا ، بتدبير مؤلف مبين ، بتصوير الزهرة والثمرة حياة
لبني آدم ، ومعاشا يقوم به أجسادهم ، وتعيش بها أنعامهم التي جعل الله في أصوافها
وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ، والانتفاع بها والبلاغ على ظهورها معاشا
لهم لا يحيون إلا به ، وصلاحا لا يقومون إلا عليه ، وكذلك ما جهلت من الاشياء فلا تجهل
أن جميع ما في الارض شيئان : شئ يولد ، وشئ ينبت ، أحدهما آكل ، والآخر
مأكول ، ومما يدلك عقلك أنه خالقهم ما ترى من خلق الانسان وتهيئة جسده لشهوة
الطعام ، والمعدة لتطحن المأكول ، ومجاري العروق لصفوة الطعام ، وهيألها الامعاء ،
ولو كان خالق المأكول غيره لما خلق الاجساد مشتهية للمأكول وليس له قدرة عليه .
قال : لقد وصفت صفة أعلم أنها من مدبر حكيم لطيف قدير عليم ، قد آمنت
وصدقت أن الخالق واحد سبحانه وبحمده ، غير أني أشك في هذه السمائم القاتلة
أن يكون هو الذي خلقها لانها ضارة غير نافعة ، قلت : أليس قد صار عندك أنها من
غير خلق الله ؟ قال : نعم لان الخلق عبيده ولم يكن ليخلق ما يضرهم . قلت : سابصرك
من هذا شيئا تعرفه ولا انبئك إلا من قبل إهليلجتك هذه وعلمك بالطب ، قال : هات .
قلت : هل تعرف شيئا من النبت ليس فيه مضرة للخلق ؟ قال : نعم . قلت : ما هو ؟ قال :
هذه الاطعمة . قلت : أليس هذا الطعام الذي وصفت يغير ألوانهم ، ويهيج أوجاعهم
حتى يكون منها الجذام والبرص والسلال(1)والماء الاصفر ، وغير ذلك من الاوجاع ؟
قال : هو كذلك ؟ قلت : أما هذا الباب فقد انكسر عليه . قال : أجل . قلت : هل تعرف
شيئا من النبت ليس فيه منفعة ؟ قال : نعم .
قلت : أليس يدخل في الادوية التي يدفع بها الاوجاع من الجذام والبرص
والسلال وغير ذلك ، ويدفع الداء ويذهب السقم مما أنت أعلم به لطول معالجتك قال :
إنه كذلك .
قلت : فأخبرني أي الادوية عندكم أعظم في السمائم القاتلة ؟ أليس الترياق ؟


(1)السل بالكسر في اللغة الهزال ، وفي الطب القديم قرحة في الرية ، وانما سمى المرض به
لان من لوازمه هزال البدن ، ولان الحمى الدقيقة لازمة لهذه القرحة .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه