من حبل الوريد ، لو لا أن يقول قائل : إن المأمون ترك الجواب عجزا لما أجبتكم
من سوء أخلاقكم ، وقلة أخطاركم ، وركاكة عقولكم ، ومن سخافة ما تأوون إليه
من آرائكم ، فليستمع مستمع فليبلغ شاهد غائبا .
اما بعد : فان الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله على فترة من الرسل ، وقريش
في أنفسها وأموالها لا يرون أحدا يساميهم ولا يباريهم ، فكان نبينا صلى الله عليه وآله أمينا من
أوسطهم بيتا وأقلهم مالا ، وكان أول من آمنت به خديجة بنت خويلد فواسته
بمالها ثم آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سبع سنين لم يشرك بالله شيئا طرفة
عين ، ولم يعبد وثنا ولم يأكل ربا ، ولم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم ، وكانت
عمومة رسول الله صلى الله عليه وآله إما مسلم مهين أو كافر معاند إلا حمزة فانه لم يمتنع من
الاسلام ، ولا يمتنع الاسلام منه ، فمضى لسبيله على بينة من ربه .
وأما أبوطالب فانه كفله ورباه ، ولم يزل مدافعا عنه ومانعا منه ، فلما
قبض الله أبا طالب فهم القوم وأجمعوا عليه ليقتلوه فهاجر إلى القوم الذين تبوؤا الدار
والايمان من قبلهم ، يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما
اوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك
هم المفلحون .
فلم يقم مع رسول الله صلى الله عليه وآله أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالب عليه السلام
فانه آزره ووقاه بنفسه ، ونام في مضجعه ، ثم لم يزل بعد متمسكا بأطراف الثغور
وينازل الابطال ، ولا ينكل عن قرن ، ولا يولي عن جيش ، منيع القلب ، يؤمر
على الجميع ولا يؤمر عليه أحد ، أشد الناس وطأة على المشركين ، وأعظمهم جهادا
في الله ، وأوفقههم في دين الله ، وأقرأهم لكتاب الله ، وأعرفهم بالحلال والحرام ، وهو
صاحب الولاية في حديث غدير خم ، وصاحب قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى
إلا أنه لا نبي بعدي ، وصاحب يوم الطائف(1).
(1)أى حين ناجاه من دون الناس ، ولما قالوا في ذلك قال صلى الله عليه وآله :
ما أنا ناجيته بل الله ناجاه .