بحار الأنوار ج14

إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه(1)" والتضييق(2)الذي قدره الله عليه هو مالحقه من الحصول في
بطن الحوت ، وما لحقه في ذلك من المشقة الشديدة إلى أن نجاه الله تعالى منها . وأما
قوله تعالى : " فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " فهو
على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخضوع بين يديه ، وليس لاحد أن يقول : كيف
يعترف بأنه كان من الظالمين ولم يقع منه ظلم ؟ وذلك أنه يمكن أن يريد أني من الذين
يقع منهم الظلم ، فيكون صدقا وإن ورد على سبيل الخشوع والخضوع ، لان جنس البشر
لا يمتنع منه وقوع الظلم ، والفائدة في ذلك التطأمن(3)لله تعالى والتخاضع ونفي التكبر
والتجبر كما يقول الانسان إذا أراد أن يكسر نفسه : إنما أنا من البشر ولست من
الملائكة ، وأنا ممن يخطئ ويصيب ، وهو لا يريد إضافة الخطاء إلى نفسه . انتهى .(4)
أقول : على ماذكره رحمه الله يحتمل أن يكون الغرض عد نعمه تعالى عليه بأني
مع كوني ممن يقع منه الظلم عصمتني عنه ، فلو وكلتني إلى نفسي لكنت مثلهم ظالما ، ولكن
بعصمتك نجيتني ، ومن آداب الدعاء والمسألة عد النعم السالفة للمنعم على السائل .
ثم قال رحمه الله : ووجه آخر وهو أنا قد بينا في قصة آدم عليه السلام أن المراد بذلك
أنا نقصنا الثواب وبخسنا حظنا منه ، لان الظلم في أصل اللغة : النقص والثلم ، ومن
ترك المندوب فقد ظلم نفسه من حيث نقصها ثواب ذلك .(5)وأما قوله تعالى : " فاصبر
لحكم ربك ولاتكن كصاحب الحوت " فليس على ماظنه الجهال من أنه ثقل عليه أعباء
النبوة لضيق خلقه فقذفها ، وإنما الصحيح أن يونس لم يقو على الصبر على تلك المحنة
التي ابتلاه الله بها لغاية الثواب ، فشكا إلى الله تعالى منها وسأله الفرج والخلاص ،


(1)الفجر : 16 .
(2)في المصدر : أي ضيق ، والتضييق إه‍ .
(3)التطأمن : الانخفاض والخشوع .
(4)تنزيه الانبياء : 99 و 100 .
(5)في المصدر : ومن ترك المندوب إليه وهو لو فعله لاستحق الثواب يجوز أن يقول : إنه
ظلم نفسه من حيث نقصها ذلك الثواب .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه