بحار الأنوار ج75

زبره وشتمه(1)وقال له : بينا أنت من عبيدي وعيون أهل مملكتي ووجههم وأشرافهم
إذ فضحت نفسك وضيعت أهلك ومالك واتبعت أهل البطالة والخسارة حتى صرت
ضحكة ومثلا ، وقد كنت أعددتك لمهم اموري ، والاستعانة بك على ما ينوبني ،
فقال له : أيها الملك إن لم يكن لي عليك حق فلعقلك عليك حق ، فاستمع قولي
بغير غضب ، ثم ائمر بما بدالك بعد الفهم والتثبيت ، فإن الغضب عدو العقل ، ولذلك

يحول ما بين صاحبه وبين الفهم ، قال له الملك : قل ما بدالك .
قال الناسك : فإني أسألك أيها الملك أفي ذنبي على نفسي عتبت علي أم
في ذنب مني إليك سالف ؟ .
قال الملك : إن ذنبك إلى نفسك أعظم الذنوب عندي ، وليس كلما أراد
رجل من رعيتي أن يهلك نفسه أخلي بينه وبين ذلك ، ولكني أعد إهلاكه لنفسه
كإهلاكه لغيره ممن أنا وليه والحاكم عليه وله ، فأنا أحكم عليك لنفسك وآخذ
لها منك إذ ضيعت أنت ذلك ، فقال له الناسك : أراك أيها الملك لا تأخذني إلا
بحجة ولا نفاذ لحجة إلا عند قاض ، وليس عليك من الناس قاض ، لكن عندك
قضاة وأنت لاحكامهم منفذ ، وأنا ببعضهم راض ، ومن بعضهم مشفق .
قال الملك : وما أولئك القضاة ، قال : أما الذي أرضى قضاء‌ه فعقلك ، وأما
الذي أنا مشفق منه فهواك ، قال الملك : قل ما بدالك وأصدقني خبرك ومتى كان
هذا رأيك ؟ ومن أغواك ؟ قال : أما خبري فإني كنت سمعت كلمة في حداثة سني
وقعت في قلبي فصارت كالحبة المزروعة ثم لم تزل تنمي حتى صارت شجرة إلى ما ترى ،
وذلك ؟ أني كنت قد سمعت قائلا يقول : يحسب الجاهل الامر الذي هو لا شئ شيئا
والامر الذي هو الشئ لا شئ ، ومن لم يرفض الامر الذي هو لا شئ لم ينل الامر
الذي هو شئ ، ومن لم يبصر الامر الذي هو الشئ لم تطب نفسه برفض الامر الذي
هو لا شئ ، والشئ هو الاخرة ، ولا شئ هو الدنيا ، فكان لهذه الكلمة عندي قرار
لاني وجدت الدنيا حياتها موتا وغناها فقرا ، وفرحها ترحا ، وصحتها سقما ، و


(1)النساك : العباد . وزبره أى زجره .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه