بحار الأنوار ج13

اختلفوا فيها فقيل : العوسجة ، وقيل : العناب ، فتحير موسى وارتعدت مفاصله حيث رأى نارا
عظيمة ليس لها دخان ، تلتهب وتشتعل من جوف شجرة خضراء ، لا تزداد النار إلا عظما ، ولا
الشجرة إلا خضرة ونضرة ، فلما دنا استأخرت عنه ، فخاف عنها ورجع ، ثم ذكر حاحته إلى
النار فرجع إليها فدنت منه فنودي من شاطئ الوادي الايمن في البقعة المباركة من الشجرة :
" أن يا موسى " فنظر فلم ير أحدا فنودي : " إني أنا الله رب العالمين " فلما سمع ذلك علم أنه
ربه ، فناداه ربه أن ادن واقترب ، فلما قرب منه وسمع النداء ورأى تلك الهيبة خفق قلبه و
كل لسانه وضعفت متنه ،(1)وصار حيا كميت ، فأرسل الله سبحانه إليه ملكا يشد ظهره ،
ويقوي قلبه ، فلما تاب إليه(2)نودي : " اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى " ثم قال الله
سبحانه تسكينا لقلبه وإذهابا لدهشته : " وما تلك بيمينك " إلى قوله تعالى : " مآرب
اخرى " .
واختلف في اسم العصا قال ابن جبير : اسمها ما شاء الله ،(3)وقال مقاتل : اسمها نفعة ،
وقيل غياث ، وقيل عليق . وأما صفتها والمآرب التي فيها لموسى عليه السلام فقال أهل العلم بأخبار
الماضين : كان لعصا موسى شعبتان ومحجن في أصل الشعبتين ، وسنان حديد في أسفلها ، فكان
موسى عليه السلام إذا دخل مفازة ليلا ولم يكن قمر تضئ شعبتاها كالشعبتين من نور ، تضيئان
له مد البصر ، وكان إذا أعوز الماء أدلاها في البئر فجعلت تمتد إلى مقدار قعر البئر وتصير
في رأسها شبه الدلو يستقي ، وإذا احتاج إلى الطعام ضرب الارض بعصاه فيخرج ما يأكل
يومه ، وكان إذا اشتهى فاكهة من الفواكه غرزها في الارض(4)فتغصنت أغصان تلك
الشجرة التي اشتهى موسى فاكهتها وأثمرت له من ساعتها ، ويقال : كان عصاه من اللوز ،
فكان إذا جاع ركزها(5)في الارض فأورقت وأثمرت وأطعمت فكان يأكل منها اللوز ،
وكان إذا قاتل عدوه يظهر على شعبتيها تنينان يتناضلان ،(6)وكان يضرب على الجبل


(1)المتن : الظهر .
(2)أى فلما رجع اليه الصحة .
(3)في المصدر : ماسا .
(4)أى أدخلها واثبتها فيها .
(5)أى اثبتها فيها .
(6)التنين كسجين : الحية العظيمة . وفى المصدر : تنينان يقاتلان .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه