بحار الأنوار ج5

قوله تعالى : " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا " استدلال على البعث بان لذات هذه
الدار الفانية لا تليق بأن تكون مقصودة لخلق هذه العالم مع هذه الالآم والمشاق و
المصائب المشاهدة فيها فلو لم يكن لاستحقاق دار اخرى باقية خالية عن المحن والآلام
لكان الخلق عبثا ولذا قال بعده : " وأنتم إلينا لا ترجعون " .
قوله تعالى : قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم "(1)أي ما يصنع بكم أولا
يعتد بكم لولا دعاؤكم إلى الدين ، أو لولا عبادتكم ، أو لولا دعاؤكم لله عند الشدائد ، وهو
المروي عن أبي جعفر عليه السلام .
قوله تعالى : " إنا عرضنا الامانة " قيل : هي التكليف بالاوامر والنواهي ، و
المعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الاجرام العظام وكانت ذا شعور و
إدراك " لابين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان " مع ضعف بنيته ورخاوة قوته
لا جرم فإن الراعى لها بخير الدارين " إنه كان ظلوما " حيث لم يراع حقها " جهولا "
بكنه عاقبتها . وقيل : المراد الطاعة التي تعم الاختيارية والطبيعية ، وعرضها :
استدعاؤها الذى يعم طلب الفعل من المختار وإرادة صدوره من غيره ، وبحملها الخيانة
فيها والامتناع عن أدائها . والظلم والجهالة : الخيانة والتقصير . وقيل : إنه تعالى لما
خلق هذه الاجرام خلق فيها فهما وقال لها : إني فرضت فريضة ونارا لمن عصاني ،
فقلن : نحن مسخرات على ما خلقنا لا نحتمل فريضة ، ولا نبغي ثوابا ولا عقابا ; ولما
خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فحمله ، وكان ظلوما لنفسه بتحمل ما يشق عليها ، جهولا
بوخاومة عاقبته وقيل : المراد بالامانة العقل أو التكليف ، وبعرضها عليهن اعتبارها
بالاضافة إلى استعدادهن ، وبإبائهن الاباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد
وبحمل الانسان قابليته واستعداده لها ، وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة


(1)قال الراغب في مفرداته : ما عبأت به أى لم ابال به ، وأصله من العب‌ء أى الثقل ، كأنه
قال : ما أرى له وزنا وقدرا ، قال : " قل ما يعبؤ بكم ربى " وقيل : أصله من عبأت الطيب ، كانه
قيل : ما يبقيكم لولا دعاؤكم . *

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه