بحار الأنوار ج56

المعاني أيضا عجيب وعن السدي أنه تعالى يرسل الرياح فيأتي بالسحاب ، ثم
إنه تعالى يبسطه في السماء كيف يشاء ، ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على
السحاب ، ثم يمطر السحاب بعد ذلك ، ورحمته هو المطر .
إذا عرفت هذا فنقول : اختلاف الرياح في الصفات المذكورة مع أن طبيعة
الهواء واحدة وتأثيرات الطبائع والانجم والافلاك واحدة تدل على أن هذه
الاحوال لم تحصل إلا بتدبيرالفاعل المختار سبحانه وتعالى . ثم قال تعالى " سفناه
لبلد ميت " والمعنى أنا نسوق ذلك السحاب إلى بلد ميت لم ينزل فيه غيث ولا
تنبت فيه خضرة ، والسحاب لفظه مذكر ، وهو جمع " سحابة " فيجوز فيه التذكير
والتأنيث ، فلذا أتى بهما في الآية ، واللام في قوله " لبلد " إما بمعنى إلى ، أو المعنى
سقناه لاجل بلد ميت ليس فيه حب نسقيه ، والضمير في قوله " به " إما راجع إلى
البلد ، أو إلى السحاب ، وفي قوله " أخرجنا به " عائد إلى الماء ، وقيل : إلى البلد
وعلى القول الاول فالله تعالى إنما يخلق الثمرات بواسطة الماء .
وقال أكثر المتكلمين : إن الثمار غير متولدة من الماء ، بل الله تعالى أجرى
عادته بخلق النبات ابتداء عقيب اختلاط الماء بالتراب . وقال جمهور الحكماء : لا يمتنع
أن يقال : إنه تعالى أودع في الماء قوة وطبيعة ، ثم إن تلك القوة والطبيعة
توجبان حدوث الاحوال المخصوصة . والمتكلمون احتجوا على فساد هذا القول
بأن طبيعة الماء والتراب واحدة ، ثم إنا نرى أنه يتولد في النبات الواحد الاحوال
المختلفة مثل العنب ، فإن قشره بارد يابس ، ولحمه وماؤه حار رطب ، وعجمه
بارد يابس ، فتولد الاجسام الموصوفة بالصفات المختلفة من الماء والتراب يدل على
أنها إنما حدثت بإحداث الفاعل المختار لا بالطبع والخاصية(1)(انتهى).
" خوفا وطمعا " قال الزمخشري : في انتصابهما وجوه : الاول أنه لا يصح
أن يكونا مفعولا لهما ، لانهما ليسا بفاعل الفعل المعلل به إلا على تقدير حذف
المضاف ، أي إرادة خوف وطمع ، أو على معنى : إخافة وإطماعا الثانى يجوز أن


(1)مفاتيح الغيب : ج 4 ، ص 355 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه