يا هشام إياك والكبر على أوليائي ، والاستطالة بعلمك فيمقتك الله ، فلا تنفعك
بعد مقته(1)دنياك ولا آخرتك ، وكن في الدنيا كساكن الدار ليست له ، إنما ينتظر الرحيل .
يا هشام مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة ، ومشاورة العاقل الناصح
يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله ، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف
فإن في ذلك العطب .
بيان : أهل الدين هم العالمون بشرائع الدين العاملون بها . والعطب بالتحريك
الهلاك .
يا هشام إياك ومخالطة الناس والانس بهم إلا أن تجد منهم عاقلا مأمونا فأنس
به واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية ، وينبغي للعاقل إذا عمل عملا أن
يستحيي من الله إذ تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره ، وإذا حزبك(2)أمر
أن لا تدري أيهما خير وأصوب فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه ، فإن كثير الثواب
في مخالفة هواك ، وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في الجهالة . قال هشام : فقلت له :
فإن وجدت رجلا طالبا غير أن عقله لا يتسع لضبط ما القي إليه ؟ قال : فتلطف له في
النصيحة ، فإن ضاق قلبه فلا تعرضن نفسك للفتنة ، واحذر رد المتكبرين ، فان العلم
يدل على أن يحمل على من لا يفيق(3)قلت : فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها ؟
قال فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم فتنة القول ، وعظيم فتنة الرد ، واعلم : أن الله
لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده ، ولم يؤمن الخائفين
بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده ، ولم يفرح المحزونين بقدر حزنهم ولكن
(1)المقت بفتح الميم وسكون القاف : شدة البغض .
(2)في التخف المطبوع : وإذا مر بك .
(3)قوله يدل : يحتمل أن يكون من باب ضرب يضرب أي تغنج وتلوى أن يحمل على من لم يرجع
عن سكره وإغماءه وغفلته ، وفي التحف المطبوع " يجلى " بدل " يحمل " أي العلم تغنج وتلوى أن يعرض
على من لا يفيق . وظني أن " يحمل أو يجلى " يكون مصحف " ينجل " أي العلم يرشد إلى أن ينجل
على من لا يفيق ، أو أن في الجملة تصحيفا وغلطا والصحيح : فان العلم يدل ان يحمل على من لا يطيق .(*)