فعاش يوما أو بعض يوم ومات رحمه الله .
قال : وحكي أن موسى بن عمران رآه إسرائيلي مستعجلا وقد كسته الصفرة
واعترى بدنه الضعف ، وحكم بفرائصه الرجف ، وقد اقشعر جسمه ، وغارت عيناه
ونحف ، لانه كان إذا دعاه ربه للمناجاة يصير عليه ذلك من خيفة الله تعالى ، فعرفه
الاسرائيلي وهو ممن آمن به ، فقال له : يا نبي الله أذنبت ذنبا عظيما فاسأل ربك
أن يعفو عني فأنعم ، وسار ،
فلما ناجى ربه قال له : يا رب العالمين أسألك وأنت العالم قبل نطقي به
فقال تعالى : يا موسى ما تسألني اعطيك ، وما تريد أبلغك ، قال : رب إن فلانا
عبدك الاسرائيلي أذنب ذنبا ويسألك العفو ، قال : يا موسى أعفو عمن استغفرني
إلا قاتل الحسين ،
قال موسى : يا رب ومن الحسين ؟ قال له : الذي مر ذكره عليك بجانب
الطور ، قال : يا رب ومن يقتله ؟ قال يقتله امة جده الباغية الطاغية في أرض كربلا
وتنفر فرسه وتحمحم وتصهل ، وتقول في صهيلها : الظليمة الظليمة من امة قتلت ابن
بنت نبيها فيبقى ملقى على الرمال من غير غسل ولا كفن ، وينهب رحله ، ويسبى
نساؤه في البلدان ، ويقتل ناصره ، وتشهر رؤسهم مع رأسه على أطراف الرماح
يا موسى صغيرهم يميته العطش ، وكبيرهم جلده منكمش ، يستغيثون ولا ناصر ويستجيرون ولا خافر(1).
قال : فبكى موسى عليه السلام وقال : يارب وما لقاتليه من العذاب ؟ قال : يا
موسى عذاب يستغيث منه أهل النار بالنار ، لا تنالهم رحمتي ، ولا شفاعة جده ، ولو
لم تكن كرامة له لخسفت بهم الارض .
قال موسى برئت إليك اللهم منهم وممن رضي بفعالهم ، فقال سبحانه :
يا موسى كتبت رحمة لتابعيه من عبادي ، واعلم أنه من بكا عليه أو أبكا أو تباكى
حرمت جسده على النار .
(1)خفره وبه وعليه خفرا : أجاره ومنعه وحماه وأمنه .