بحار الأنوار ج78

مجئ من للبدلية ، فقالوا : التقدير أرضيتم بالحياة الدنيا بدلا من الآخرة ،
فالمفيد للبدلية متعلقها المحذوف ، وكذا الاخيران ، وإن كان هذا أيضا يجري
ههنا لكنه خلاف الظاهر .
والظاهر أن حملها على التبعيض أقرب من الجميع ، مع موافقته للاخبار
الصحيحة ، ولذا اختاره صاحب الكشاف الذي هو المقتدى في العربية وخالف
الحنفية القائلين بعدم اشتراط العلوق ، مع توغله في متابعة أقوالهم وتهالكه في نصرة

مذاهبهم ، قال في الكشاف :
فان قلت : قولهم إنها لابتداء الغاية ، قول متعسف ، فلا يفهم أحد من
العرب من قول القائل : مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب ،
الا معنى التبعيض ؟ قلت : هو كما تقول ، والاذعان للحق أحق من المراء .
وقد يقال : عدم فهم العرب من هذه الامثلة إلا ما ذكره ، قد يكون
للغرض المعروف عندهم من التدهين والتنظيف ، ونحو ذلك ، مع إمكان المنع
عند الاطلاق في قوله من التراب ، على أنه يمكن أن يقال : إنها في الامثلة كلها
للابتداء ، كما هو الاصل فيها ، وأما التبعيض فانما جاء من لزوم تعلق شئ من
الدهن والماء باليد ، فيقع المسح به ، ونحوه التراب إن فهم ، فلا يلزم مثله في
الصعيد الاعم من التراب والصخر .
قيل : والانصاف أنها إن استعملت فيما يصلح للعلوق ، وإن كان باعتبار
غالب أفراده ، كان المتبادر منها التبعيض ، وإن استعملت فيما لا يصلح لذلك كان
المفهوم منها الابتدائية ، وعدم صلاحية المقام لغيرها قرينة عليها .
وما يقال من أن حملها على التبعيض غير مستقيم ، لان الصعيد يتناول
الحجر كما صرح به ائمة اللغة والتفسير ، وحملها على الابتداء تعسف ، وليس
ببعيد حملها على السببية ، وقد جعل التعليل من معاني من صاحب مغني اللبيب
وعلى تقدير أن لا يكون حقيقة فلا أقل من أن يكون مجازا ، ولا بد من
ارتكاب المجاز هنا ، لما في الصعيد أو في من ولا ريب أن التوسع في حروف

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه