بحار الأنوار ج5

فاحتج تعالى عليهم في المنع من عبادة الآلهة دونه بأنها مخلوقة لا تخلق شيئا ولا تدفع
عن أنفسها ضرا ولاعنهم ، وهذاواضح على أنه لو ساوى ما ذكروه ما ذكرناه في التعلق
بالاول لم يسغ حمله على ما أدعوه لان فيه عذرا لهم في الفعل الذي عنفوا به وقرعوا
من أجله ، وقبيح أن يوبخهم بما يعذرهم ، ويذمهم بما ينزههم على ما تقدم ; على أنا
لا نسلم أن من يفعل أفعال العباد ويخلقها يستحق العبادة لان من جملة أفعالهم القبائح ،
ومن فعل القبائح لا يكون إلها ولا تحق العبادة له ، فخرج ما ذكروه من أن يكون مؤثرا
في انفراده بالعبادة ; على أن إضافته العمل إليهم بقوله تعالى : " تعملون " يبطل تأويلهم
هذه الآية ، لانه لو كان خالقا له لم يكن عملا لهم لان العمل إنما يكون عملا لمن
يحدثه ويوجده ، فكيف يكون عملا لهم والله خلقه ؟ ! هذه مناقضة لهم ، فثبت بهذا
أن الظاهر شاهد لنا أيضا ; على أن قوله : " وما تعملون " يقتضي اللاستقبال ، وكل فعل
لم يوجد فهو معدوم ، ومحال أن يقول تعالى : إني خالق للمعدوم .
فإن قالوا : اللفظ وإن كان للاستقبال فالمراد به الماضي فكأنه قال : والله خلقكم
وما عملتم . قلنا : هذا عدول منكم عن الظاهر الذي أدعيتم أنكم متمسكون به ، وليس
أنتم بأن تعدلوا عنه بأولى منا ، بل نحن أحق لانا نعدل عنه بدلالة ، وأنتم تعدلون
بغير حجة .
فإن قالوا : فأنتم تعدلون عن هذا الظاهر بعينه على تأويلكم ، وتحملون لفظ الاستقبال
على لفظ الماضي . قلنا : نحن لا نحتاج في تأويلنا إلى ذلك لانا إذا حملنا قوله : " وما تعملون "
على الاصنام المعمول فيها ومعلوم أن الاصنام موجودة قبل عملهم فيها فجاز أن يقول تعالى :
" إنى خلقتها " ولا يجوز أن يقول : " إني خلقت ما سيقع من العمل في المسبقبل " على
أنه لو أراد بذلك أعمالهم لا ما عملوا فيه على ما ادعوه لم يكن في الظاهر حجة على ما
يريدون لان الخلق هو التقدير والتدبير ، وليس يمتنع في اللغة أن يكون الخالق خالقا
لفعل غيره إذا قدره ودبره ألا ترى أنهم يقولون : خلقت الاديم وإن لم يكن الاديم
فعلا لمن يقول ذلك فيه ؟ ويكون معنى خلقه لافعال العباد أنه مقدر لها ومعرف لنا
مقاديرها ومراتبها ، وما به نستحق عليها من الجزاء .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه