وقوله : " مسلمين " فيه وجهان : أحدهما أنه أراد مؤمنين موحدين ، والآخر
مستسلمين منقادين على مامر بيانه " قال عفريت(1)من الجن " أي مارد قوي ، عن ابن
عباس " أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك " أي من مجلسك الذي تقضي فيه ، عن قتادة
" وإني عليه لقوي أمين " أي وإني على حمله لقوي ، وعلى الاتيان به في هذه المدة
قادر ، وعلى مافيه من الذهب والجواهر أمين ، وفي هذا دلالة على أن القدرة قبل الفعل ،
لانه أخبر بأنه قوي عليه قبل أن يجئ به ، وكان سليمان عليه السلام يجلس في مجلسه للقضاء
غدوة إلى نصف النهار ، فقال سليمان عليه السلام : أريد أسرع من ذلك ، فعند ذلك " قال الذي
عنده علم من الكتاب " وهو آصف بن برخيا(2)وكان وزير سليمان وابن أخته ، وكان صديقا
يعرف اسم الله الاعظم الذي إذا دعي به أجاب ، عن ابن عباس ، وقيل : إن ذلك الاسم
" الله " والذي يليه " الرحمن " وقيل : هو " ياحي ياقيوم " وبالعبرانية " اهيا شراهيا "(3)وقيل :
هو " ياذا الجلال والاكرام " عن مجاهد ، وقيل إنه قال : يا إلهنا وإله كل شئ إلها واحدا
لا إله إلا أنت ، عن الزهري ، وقيل : إن الذي عنده علم من الكتاب كان رجلا من الانس يعلم
اسم الله الاعظم اسمه بلخيا ، عن مجاهد ، وقيل : اسمه اسطوم ، عن قتادة ، وقيل : هو الخضر
عليه السلام ، عن أبي لهيعة ، وقيل : إن الذي عنده علم من الكتاب هو جبرئيل عليه السلام ،
أذن الله له في طاعة سليمان ، وأن يأتيه بالعرش الذي طلبه ، وقال الجبائي : هو سليمان عليه السلام
قال ذلك للعفريت ليريه نعمة الله عليه ، وهذا قول بعيد لم يؤثر عند أهل التفسير ،(4)وأما
الكتاب المعرف في الآية بالالف واللام فقيل : إنه اللوح المحفوظ ، وقيل : إن المراد به
جنس كتب الله المنزلة على أنبيائه وليس المراد به كتاب بعينه ، والجنس قد يعرف بالالف و
اللام ، وقيل : المراد به كتاب سليمان عليه السلام إلى بلقيس " أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك
طرفك " اختلف في معناه ، فقيل : يريد : قبل أن يصل إليك من كان منك على قدر مد البصر ،
(1)قال البغدادي في المحبر : اسمه كودن .
(2)" " " : هو آصف بن برخيا بن شمعياء واسمه ناطورا .
(3)قد تقدم أن صحيحه : إهيه أشر إهيه ، وفي المصدر : إهى أشر إهى ، وإهيه بمعنى واجب
الوجود . وقيل : معنى الجملة : الذي كان ويكون وهو الكائن .
(4)في المصدر : لم يؤثر عن أهل التفسير ، أي لم ينقل عنهم .