العرض ، والذهاب بالعلم ، وعليك بالاعتصام بربك : والتوكل عليه ، وجاهد نفسك
لتردها عن هواها ، فإنه واجب عليك كجهاد عدوك . قال هشام : فأي الاعداء أوجبهم
مجاهدة ؟ قال : أقربهم إليك ، وأعداهم لك ، وأضرهم بك ، وأعظمهم لك عداوة ،
وأخفاهم لك شخصا مع دنوه منك ، ومن يحرض أعدائك عليك ، وهو إبليس(1)
الموكل بوسواس القلوب ، فله فلتشد عداوتك ، ولا يكونن أصبر على مجاهدتك
لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته ، فإنه أضعف منك ركنا في قوته ، وأقل منك
ضررا في كثرة شره إذا أنت اعتصمت بالله ، ومن اعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم .
بيان : الاختلاس : الاستلاب . وإخلاق الثوب : إبلاؤه . والدنس : الوسخ . و
الحمل في المواضع على المبالغة . وقوله : ومن يحرض يحتمل المعجمة والمهملة : الحث
والترغيب ، كما قال تعالى : وحرض المؤمنين على القتال(2).
يا هشام من أكرمه الله بثلاث فقه لطف له : عقل يكفيه مؤونة هواه ، وعلم يكفيه
مؤونة جهله ، وغنى يكفيه مخافة الفقر .
يا هشام احذر هذه الدنيا واحذر أهلها فإن الناس فيها على أربعة أصناف :
رجل مترد معانق لهواه ، ومتعلم متقرئ كلما ازداد علما ازداد كبرا يستعلن بقراءته وعلمه
على من هو دونه ، وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته ، يحب أن يعظم ويوقر ،
وذو بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به فهو عاجز أو مغلوب ، ولا يقدر على
القيام بما يعرف فهو محزون مغموم بذلك فهو أمثل أهل زمانه وأوجههم عقلا .
بيان : تردى في البئر أي سقط ، والمتردي أي الواقع في المهالك التي يعسر
التخلص منه . والمتقرئ : الناسك المتعبد أو المتفقه أي متعلم القراءة . قوله : يستعلن
بقراءته كأنه كان يستعلي ، ويمكن أن يضمن فيه معناه . والامثل : الافضل . وأوجههم
عقلا : لعل المراد أن عقلهم أوجه عند الله من عقول غيرهم ، أو هم أوجه الناس للعقل .
(1)ابلس : قل خيره من رحمة الله ، يئس . وإبليس : علم للشيطان فهو إما بمعنى قليل الخير ،
أو بمعنى المأيوس من رحمة الله تعالى .
(2)الانفال : 65(*)