بحار الأنوار ج69

شئ فكرهت أن تكذب فقل إن الله ليعلم ما قلت من ذلك من شئ ، فيكون قوله
ما حرف النفي عند المستمع وعنده للابهام .
وكان النخعي لا يقول لابنته أشتري لك سكرا بل يقول أرايت لو اشتريت سكرا
فانه ربما لا يتفق وكان إبراهيم إذا طلبه في الدار من يكرهه قال للجارية : قولي له
اطلبه في المسجد ، وكان لا يقول ليس ههنا لئلا يكون كاذبا ، وكان الشعبي إذا
طلب في البيت وهو يكرهه فيخط دائرة ويقول للجارية ضع الاصبع فيها وقولي ليس ههنا .
وهذا كله في موضع الحاجة فأما مع عدم الحاجة فلا ، لان هذا تفهيم
للكذب ، وإن لم يكن اللفظ كذبا ، وهو مكروه على الجملة ، كما روي عن عبدالله
ابن عتبة قال : دخلت مع أبي على عمر بن عبدالعزيز فخرجت وعلي ثوب فجعل
الناس يقولون : هذا كساء أميرالمؤمنين ! فكنت أقول جزى الله أميرالمؤمنين
خيرا ، فقال لي يا بني اتق الكذب إياك والكذب وما أشبه فنهاه عن ذلك لان
فيه تقريرا لهم على ظن كاذب لاجل غرض المفاخرة . وهو غرض باطل ، فلا
فائدة فيه .
نعم المعاريض مباح لغرض خفيف كتطييب قلب الغير بالمزاح كقوله صلى الله عليه وآله
لا تدخل الجنة عجوز ، وفي عين زوجك بياض ، ونحملك على ولد البعير . وأما
الكذب الصريح فكما يعتاده الناس من مداعبة الحمقى بتغريرهم بأن امرأة قد رغبت
في تزويجك ، فان كان فيه ضرر يؤديه إلى إيذاء قلب فهو حرام ، وإن لم يكن إلا
مطايبة فلا يوصف صاحبها بالفسق ، ولكن ينقص ذلك من درجة إيمانه ، وقال
رسول الله صلى الله عليه وآله : لا يستكمل المرء الايمان حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه وحتى
يجتنب الكذب في مزاحه .
وأما قوله صلى الله عليه وآله إن الرجل يتكلم بالكلمة يضحك بها الناس يهوي بها أبعد
من الثريا أراد به ما فيه غيبة مسلم أو إيذاء قلب ، دون محض المزاح .
ومن الكذب الذي لا يوجب الفسق ما جرت به العادة في المبالغة كقوله قلت

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه