بحار الأنوار ج12

" وفديناه بذبح عظيم " فدل هذا على أنه لما أتى بالمأمور به وقد ثبت أنه أتى بكل مقدمات
الذبح ، فهذا يدل على أنه تعالى كان قد أمره بنفس الذبح ، فإذا ثبت هذا فنقول : إنه
تعالى نسخ ذلك الحكم قبل إثباته ، وذلك يدل على المقصود .
وقالت المعتزلة : لا نسلم أن الله تعالى أمره بذبح الولد ، بل نقول : إنه تعالى أمره
بمقدمات الذبح ، ويدل عليه وجوه :
الاول : أنه ما أتى بالذبح وإنما أتى بمقدمات الذبح ، ثم إن الله تعالى أخبر
عنه بأنه أتى بما امر به بدليل قوله تعالى : " وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا "
وذلك يدل على أنه تعالى إنما أمره في المنام بمقدمات الذبح لا بنفس الذبح ، وتلك
المقدمات عبارة عن إضجاعه ووضع السكين على حلقه والعزم الصحيح على الاتيان بذلك
الفعل .
الثاني : الذبح عبارة عن قطع الحلقوم ، فلعل إبراهيم عليه السلام قطع الحلقوم إلا أنه
كلما قطع جزء‌ا أعاده الله التأليف ، فلهذا السبب لم يحصل الموت .
والوجه الثالث : وهو الذي عليه تعويل القوم أنه تعالى لو أمر شخصا معينا بإيقاع
فعل معين في وقت معين فهذا يدل على أن إيقاع ذلك الفعل في ذلك الوقت حسن ،
فإذا نهي عنه فذلك النهي يدل على أن إيقاع ذلك الفعل في ذلك الوقت قبيح ، فلو حصل
هذا النهي عقيب ذلك الامر لزم أحد أمرين ، لانه تعالى إن كان عالما بحال ذلك الفعل
لزم أن يقال : أمر بالقبيح أو نهى عن الحسن ، وإن لم يكن عالما به لزم جهل الله تعالى وإنه
محال فهذا تمام الكلام في هذا الباب .
والجواب عن الاول أنا قد دللنا على أنه تعالى إنما أمره بالذبح ، أما قوله
تعالى : " قد صدقت الرؤيا " فهذا يدل على أنه اعترف بكون ذلك الرؤيا(1)واجب العمل
به ، ولا يدل على أنه أتى بكل ما رآه في ذلك المنام .
وأما قوله ثانيا : كلما قطع إبراهيم عليه السلام جزء‌ا أعاد الله التأليف إليه فنقول : هذا
باطل لان إبراهيم عليه السلام لو أتى بكل ما امر به لما احتاج إلى الفداء وحيث احتاج إليه
علمنا أنه لم يأت بما امر به .


(1)في المصدر : تلك الرؤيا . م(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه