بحار الأنوار ج9

الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم ، وأنتم العبيد ليس لكم
إلا التسليم لي والانقياد لحكمي ، فإن سلمتم كنتم عبادا مؤمنين ، وإن أبيتم كنتم
بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين ، ثم أنزل الله عليه : يا محمد " قل إنما أنا بشر مثلكم "
يعني آكل الطعام " يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد " يعني قل لهم : أنا في البشرية
مثلكم ، ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم ؟ كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة
والجمال دون بعض البشر ، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وأما قولك : هذا ملك الروم وملك الفرس لايبعثان
رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ، ورب
العالمين فوق هؤلاء كلهم فإنهم عبيده ، فإن الله له التدبير والحكم ، لا يفعل على ظنك
وحسبانك ولا باقتراحك ، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود ، ياعبدالله إنما
بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ، ويكد نفسه في ذلك آناء ليله و
نهاره ، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت
الرسالة تضيع والامور تتباطأ ؟ أوما ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد و
القبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون ؟ يا عبدالله إنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم
قدرته وقوته وأنه هو الناصر لرسوله . لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته ، فهذا
أبين في قدرته وفي عجزكم ، وسوف يظفرني الله بكم فاوسعكم قتلا وأسرا ، ثم
يظفرني الله ببلادكم ، ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على
دينكم .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وأما قولك : ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك
ونشاهده ، بل لو أراد أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث لنا ملكا لا بشرا مثلنا ،
فالملك لا تشاهده حواسكم ، لانه من جنس هذا الهواء لا عيان منه ، ولو شاهدتموه
بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم : ليس هذا ملكا ، بل هذا بشر ، لانه إنما كان
يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده ،
فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق ؟ بل إنما بعث الله بشرا وأظهر على

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه