بحار الأنوار ج75

ذكرت خيرا علموه(1)وعلمت شيئا جهلوه ، بل حظيت(2)بما حل من حالك في
صدور العامة وكلفهم بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ، ويعملون بأمرك . إن أحللت
أحلوا وإن حرمت حرموا ، وليس ذلك عندك ، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما
لديك ذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم ، وحب الرئاسة وطلب الدنيا منك
ومنهم . أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة ، وما الناس فيه من البلاء والفتنة ، قد
ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا ، فتاقت نفوسهم(3)إلى أن يبلغوا
من العلم ما بلغت ، أو يدركوا به مثل الذي أدركت ، فوقعوا منك في بحر لا يدرك
عمقه ، وفي بلاء لا يقدر قدره . فالله لنا ولك وهو المستعان .
أما بعد فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في
أسمالهم(4)لاصقة بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا
ولا يفتنون بها ، رغبوا فطلبوا ، فما لبثوا أن لحقوا ، فإذا كانت الدنيا تبلغ من
مثلك هذا المبلغ مع كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث
في سنه ، الجاهل في علمه ، المأفون في رأيه(5)، المدخول في عقله . إنا لله وإنا إليه
راجعون . على من المعول ؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلى الله بثنا(6)وما نرى
فيك ، ونحتسب عندالله مصيبتنا بك .
فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا ، وكيف إعظامك لمن


(1)في بعض النسخ أم هل ترى ذكرت خيرا علموه وعملت شيئا جهلوه . وفى
بعضها أم هل تراه ذكرا خيرا عملوه وعملت شيئا جهلوه .
(2)من الحظ . رجل حظى اذا كان ذا منزلة .
(3)تافت : اشتافت .(4)الاسمال : جمع سمل - بالتحريك - : الثوب الخلق البالى .
(5)المأفون : الذى ضعف رأيه . والمدخول في عقله : الذى دخل في عقله الفساد .
(6)المعول : المعتمد والمستغاث . واستعتبه : استرضاه . والبث : الحال ، الشتات ،
أشد الحزن .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه