الشأن ربنا ما خلقت هذا عبثا سبحانك اي ننزهك من فعل العبث تنزيها .
فقنا عذاب النار ولما كان خلق هذه الاشياء لحكم ومصالح ، منها أن يكون
سببا لمعاش الانسان ودليلا يدله على معرفة الصانع ، ويحثه على طاعته ، والقيام
عليه ، ولا فائدة تستعقبه ، ولا يتصور له غاية تراد منه ، بل يوجد بحقيقة صورية يشبه
الحق ثم يضمحل ويهلك كأن لم يكن شيئا مذكورا .
وهذا كاللهو واللعب : يلهو الصبى ويلعب لاجل اللهو واللعب ويعمل عملا كأعمال
العقلاء يتشبه بهم من دون عائدة يستحصلها ولا غاية ينتهى اليها ، كما قد يلهو الرجل
العاقل ويلعب عبثا من دون أن يقصد بعمله فائدة ، دفعا للوقت أو تصابيا وتفننا والجنون
فنون .
هذا هو الباطل ، وأما خلق السموات والارض بما فيها من العظمة والبهاء ، بما فيها
من النظام الدائم الجارى ، بما فيها من أنواع الحيوان وأصناف البشر ، بما قدر فيها من
الارزاق والاقوات ، بما جعل فيها من تعاقب الليل والنهار وما في تعاقبهما واختلافهما من
مصالح الحياة واستدامتها على وجه الارض لا يشبه اللهو الباطل ، فسبحان باريها ومبدعها
أن يكون لاهيا في ذلك لاعبا ، أو يترك الانسان على أرجائها سدى يرتع ويلعب من دون
أن يبين لهم ما يتقون .
فاذا عرف الناظر ذواللب أن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار غاية
أرادها مبدعها ، وأن تلك الغاية ايا ما كان لم تستكمل بعد ، والا لما استدام خالقها على
ابقائها ، علم بذلك أن لا بد للسموات والارض وبقائهما من أجل مسمى يستكمل عنده الغاية
وان لم يعرف حقيقة تلك الغاية بنفسه ، ولادرى كيف يأتى أجلها ولا أيان مرساها .
فعند ذلك ينجذب هذا الناظر المتفكر إلى مبادئ الوحى والالهام ، ويصغى بسمع
قلبه إلى دعوى النبيين عن الله عزوجل ليعرف من مقالهم ومقال كتب الله المنزلة عليهم حقيقة
تلك الغاية ، والغرض من خلق الحياة والموت ، فيصرخ الصارخ في صماخه أن اليوم المضمار
وغدا السباق ، والسبق الجنة ، والغاية النار ، هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم
أحسن عملا وهو العزيز الغفور .