بحار الأنوار ج61

هذا الامر :
فمن الناس من يقول : لا يبعد أن يكون لهذه الحيوانات عقول وأن يتوجه
عليها من الله أمر ونهي ، وقال آخرون : ليس الامر كذلك بل المراد منه أنه تعالى
خلق فيها غرائز وطبايع توجب هذه الاحوال " ثم كلي من كل ثمرات " من للتبعيض
أو لابتداء الغاية ، رأيت في كتب الطب أنه تعالى دبر هذا العالم على وجه يحدث في
الهواء طل لطيف في الليالي ، ويقع ذلك الطل على أوراق الاشجار ، فقد تكون
تلك الاجزاء الطلية لطيفة الصور متفرقة على الاوراق والازهار ، وقد تكون كثيرة
بحيث يجتمع منها أجزاء محسوسة ، أما القسم الثاني فانه مثل الترنجبين فانه طل
ينزل من الهواء ويجتمع على أطراف الشجر في بعض البلدان ، وذلك محسوس ، وأما
القسم الاول فهو الذي ألهم الله تعالى هذا النحل تلتقط تلك الذرات من الازهارو
أوراق الاشجار بأفواهها وتأكلها وتغتذي بها ، فاذا شبعت التقطت بأفواهها مرة اخرى
شيئا من تلك الاجزاء ثم تذهب بها إلى بيوتها وتضعها هناك كأنها تحاول أن تدخر
لنفسها غذاء‌ها ، فاذا اجتمع في بيوتها من تلك الاجزاء الطلية شئ كثيرفذاك هو
العسل .
ومن الناس من يقول : إن النحل تأكل من الازهار الطيبة والاوراق
العطرة أشياء ، ثم إنه تعالى يقلب تلك الاجسام في داخل بطنه عسلا ، ثم إنها تقئ
مرة اخرى فذاك هو العسل ، والقول الاول أقرب إلى العقل وأشد مناسبة للاستقراء
فان طبيعة الترنجبين قريبة إلى العسل في الطعم والشكل ، ولاشك أنه طل يحدث
في الهواء ويقع على أطراف الاشجار والازهار ، فكذا هاهنا ، وأيضا فنحن نشاهدأن
هذا النحل إنما تغتذي بالعسل ، ولذلك فانا إذا أخرجنا العسل من بيوت النحل
تركنا لها بقية من ذلك العسل لاجل أن تغتذي بها ، فعلمنا أنها تعتذي بالعسل ، و
أنها إنما تقع على الاشجار والازهار لانها تغتذي بتلك الاجزاء الطلية العسلية
الواقعة من الهواء عليها ، إذا عرفت هذا فنقول : قوله : " كلى من كل الثمرات "
كلمة " من " هاهنا تكون لابتداء الغاية ولا تكون للتبعيض على هذا القول " فاسلكي

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه