بحار الأنوار ج57

وأما ارتفاع الشمس وانحطاطها فقد جعله الله تعالى سببا لاقامة الفصول الاربعة

ففي الشتاء تغور الحرارة في الشجر والنبات فيتولد منه مواد الثمار ، ويستكثف
الهواء فيكثر السحاب والمطر . وتقوى أبدان الحيوانات بسبب احتقان الحرارة
الغريزية في البواطن ، وفي الربيع تتحرك الطبائع ، وتظهر المواد المتولدة في الشتاء
وينور الشجر ، ويهيج الحيوان للسفاد . وفي الصيف يحتدم الهواء فتنضج الثمار ، و
تتحلل فضول الابدان ، ويجف وجه الارض ويتهيأ للعمارة والزراعة . وفي الخريف
يظهرالبرد واليبس فتدرك الثمار ، وتستعد الا بدان قليلا قليلا للشتاء
وأما القمر فهو تلو الشمس وخليفتها ، وبه يعلم عدد السنين والحساب ، وتضبط
المواقيت الشرعية ، ومنه يحصل النماء والرواء ، وقد جعل الله في طلوعه مصلحة وفي
غيبته مصلحة . يحكى أن أعرابيا نام عن جمله ليلا ففقده ، فلما طلع القمر وجده
فنظر إلى القمر وقال : إن الله صورك ونورك ، وعلى البروج دورك ، فإذا شاء نورك
وإذا شاء كورك ، فلا أعلم مزيدا أسأله لك ، فإن أهديت إلي سرورا فقد أهدى الله
إليك نورا . ثم أنشأ في ذلك أبياتا .
وقال الجاحظ : إذا تأملت في هذا العالم وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج
إليه ، فالسماء مرفوعة كالسقف ، والارض ممدودة كالبساط ، والنجوم منضودة كالمصابيح
والانسان كما لك البيت المتصرف فيه ، وضروب النبات مهيأة لمنافعه ، وصنوف الحيوان
متصرفة في مصالحه ، فهذه جملة واضحة دالة على أن العالم مخلوق بتدبير كامل ، وتقدير
شامل ، وحكمة بالغة ، وقدرة غير متناهية .
ثم إنهم اختلفوا في أن السماء أفضل أم الارض ، قال بعضهم : السماء أفضل
لانها معبد الملائكة ، وما فيها بقعة عصى الله فيها ، ولما أتى آدم بالمعصية اهبط من
الجنة وقال الله : لايسكن في جواري من عصاني ! وقال تعالى " وجعلنا السماء سقفا
محفوظا " وقال " تبارك الذي جعل في السماء بروجا " وورد في الاكثر ذكر السماء
مقدما على ذكر الارض . والسماوات مؤثرة والارضيات متأثرة ، والمؤثر أشرف
من المتأثر .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه