بحار الأنوار ج94

تراجمة مشيته ، وألسن إرادته عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، يعلم
ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون .
يحكمون بأحكامه ويسنون سنته ويعتمدون حدوده ، ويؤدون فروضه
ولم يدع الخلق في بهم صماء ، ولا في عمى بكماء(1)بل جعل لهم عقولا مازجت
شواهدهم ، وتفرقت في هياكلهم . حققها في نفوسهم واستعبد لها حواسهم ، فقرت بها
على أسماع ونواظر ، وأفكار وخواطر ألزمهم بها حجته ، وأراهم بها محجته ، و
أنطقهم عما تشهدبه بألسنة ذربة(2)بما قام فيها من قدرته وحكمته ، وبين بها عندهم بها
ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم بصير
شاهد خبير .
وإن الله تعالى جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين
لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه ليكمل أحدكم صنعه ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفو
بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويشملكم صوله(3)ويسلك بكم مهاج قصده
ويوفر عليكم هنيئ رفده .
فجعل الجمعة مجمعا ندب إليه لتطهير ما كان قبله ، وغسل ما أوقعته مكاسب
السوء من مثله إلى مثله ، وذكرى للمؤمنين ، وتبيان خشية المتقين ووهب لاهل
طاعته في الايام قبله ، وجعله لا يتم إلا بالايتمار لما أمربه ، والانتهاء عما نهى عنه
والبخوع بطاعته فيما حث عليه وندب إليه ولا يقبل توحيده إلا بالاعتراف لنبيه
صلى الله عليه وآله بنبوته ، ولا يقبل دينا إلا بولاية من أمر بولايته ، ولا ينتظم
أسباب طاعته إلا بالتمسك بعصمه وعصم أهل ولايته .


(1)البهم كصرد مشكلات الامور ، والصماء أيضا الدواهى الشديدة حيث
لا يوجد منها مناص ، والمراد بالعمى الضلال والشبهة والالتباس ، واليكماء : التى لا ينطق
واستغلق عليه الكلام .
(2)الذرب : الحديد من اللسان أو السيف .
(3)كذا والصول : الاستطالة والسيطرة ، فليحرر .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه