بحار الأنوار ج56

وكثرت لهم شكاياتهم . فقال : هذا شئ حدث في أيامي أم لم يزل كذا ؟ فقيل له :
بل هو جار على ما أسسه ملوك الفرس من المطالبة بالخراج في إبان النيروز ، وصاروا
به قدوة لملوك العرب . فأحضر المؤبد وقال له : قد كثر الخوض في هذا ولست أتعدى
رسوم الفرس ، فكيف كانوا يفتحون الخراج على الرعية مع ما كانوا عليه من
الاحسان والنظر ؟ ولم استجازوا المطالبة في هذا الوقت الذي لم تدرك فيه الغلات
والزروع ؟ فقال المؤبد : وإنهم وإن كانوا يفتحونها في النيروز ، فما كان يجبى إلا
وقت إدراك . فقال : وكيف ذلك ! فبين له حال السنين وكمياتها وإحتياجها
إلى الكبس ، ثم عرف أن الفرس كانوا يكبسونها فلما جاء الاسلام عطل ، فأضر
ذلك بالناس ، واجتمع الدهاقنة زمن هشام بن عبدالملك إلى خالد القسري فشرحوا
له هذا وسألوه أن يؤخروا النوروز شهرا ، فأبى وكتب إلى هشام بذلك ، فقال :
إني أخاف أن يكون هذا من قول الله " إنما النسئ زيادة في الكفر(1)" فلما كان
أيام الرشيد اجتمعوا إلى خالد بن يحيى بن برمك وسألوه أن يؤخروا النوروز
نحو الشهرين ، فعزم على ذلك فتكلم أعداؤه فيه وقالوا : أنه يتعصب للمجوسية
فأضرب عن ذلك وبقي الامر على حاله . فأحضر المتوكل إبراهيم بن العباس الصولي
وأمره أن يوافق المؤبد على ما ذكره من النيروز ويحسب الايام ويجعل له قانونا
غير متغير ، وينشئ عنه كتابا إلى بلدان المملكة في تأخير النوروز ، فوقع العزم
على تأخيره إلى سبعة عشر يوما من حزيران ، ففعل ذلك ونفذت الكتب إلى الآفاق
في المحرم سنة ثلاث وأربعين ومأتين . فقال البختري في ذلك قصيدة يمدح فيها
المتوكل ، وقتل المتوكل ولم يتم له مادبر ، حتى قام المعتضد بالخلافة واسترد
بلدان المملكة من المتغلبين عليها ، وتفرغ للنظر في امور الرعية ، فكان أهم شئ
إليه أمر الكبيسة وإتمامه ، فاحتذى ما فعله المتوكل في تأخير النوروز ، غير أنه
نظر من جهة اخرى ، وذلك أن المتوكل أخذ ما بين سنته وبين أول تاريخ الملك
يزدجرد ، وأخذ المعتضد ما بين سنته وبين السنة التي زال فيها ملك الفرس بهلاك يزدجرد


(1)التوبة : 38 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه