بحار الأنوار ج14

إن الله تعالى قد من عليكم ورحمكم فجددوا له شكرا بأن تتخذوا من هذا الصعيد الذي
رحمكم فيه مسجدا ، ففعلوا وأخذوا في بناء بيت المقدس ، فكان داود عليه السلام ينقل الحجارة
لهم على عاتقه ، وكذلك خيار بني إسرائيل حتى رفعوه قامة ، ولداود عليه السلام يومئذ سبع
وعشرون ومائة سنة ، فأوحى الله تعالى إلى داود : إن تمام بنائه يكون على يد ابنه
سليمان ، فلما صار داود ابن أربعين ومائة سنة توفاه الله ، واستخلف سليمان فأحب إتمام
بيت المقدس فجمع الجن والشياطين فقسم عليهم الاعمال ، يخص كل طائفة منهم بعمل
فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها(1)الابيض الصافي من معادنه ، وأمر
ببناء المدينة من الرخام والصفاح ،(2)وجعلها اثني عشر ربضا ، وأنزل كل ربض منها
سبطا من الاسباط ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقا
فرقة يستخرجون الذهب واليواقيت من معادنها ، وفرقة يقلعون الجواهر والاحجار من
أماكنها ، وفرقة يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب ، وفرقة يأتونه بالدر من البحار ،
فأوتي من ذلك بشئ لا يحصيه إلا الله تعالى ، ثم أحضر الصناع وأمرهم بنحت تلك
الاحجار حتى صيروها ألواحا ، ومعالجة تلك الجواهر واللآلي ، وبنى سليمان المسجد
بالرخام الابيض والاصفر والاخضر ، وعمده بأساطين المها الصافي ، وسقفه بألواح
الجواهر ،(3)وفصص سقوفه وحيطانه باللآلي واليواقيت والجواهر ، وبسط أرضه
بألواح الفيروزج ، فلم يكن في الارض بيت أبهى منه ولا أنور من ذلك المسجد ، كان يضئ
في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع إليه خيار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه
لله تعالى ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا ، فلم يزل بيت المقدس على مابناه سليمان
حتى إذا غزا بخت نصر بني إسرائيل فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما في
سقوفه وحيطانه من الذهب والدرر(4)واليواقيت والجواهر ، فحملها إلى دار مملكته من أرض


(1)المها جمع المهاة بالفتح وهي البلورة والربض بالتحريك : سور المدينة . ومأوى الغنم
والناحية . وكل مايؤوى اليه ويستراح لديه من مال وبيت ونحوه ، منه قدس الله سره .
(2)الصفاح بالضم وتشديد الفاء : الحجارة العريضة الرقيقة .
(3)في نسخة : بأنواع الجواهر .
(4)في المصدر : من الذهب والفضة والدرر .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه