المقام بدا لي شخص منتصب ، فتأملته فإذا هو قائم ، فقلت : السلام عليك أيها العبد
المقر المستقيل المستغفر المستجير ، أجب بالله ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأسرع في
سجوده وقعوده وسلم فلم يتكلم حتى أشار بيده بأن : تقدمني ، فتقدمته فأتيت به
أمير المؤمنين فقلت : دونك ها هو ، فنظر إليه فإذا هو شاب حسن الوجه نقي الثياب(1)
فقال له : ممن الرجل ؟ فقال له : من بعض العرب فقال له : ما حالك ومم بكاؤك واستغاثتك ؟
فقال : ما حال من اخذ بالعقوق فهو في ضيق ارتهنه المصاب وغمره الاكتئاب ، فإن
تاب فدعاؤه لايستجاب(2)، فقال له علي عليه السلام : ولم ذاك ؟ فقال : إني كنت ملتهيا
في العرب باللعب والطرب ، أديم العصيان في رجب وشعبان ، وما اراقب الرحمن
وكان لي والد شفيق رفيق يحذرني مصارع الحدثان ويخوفني العقاب بالنيران ، و
يقول : كم ضج منك النهار والظلام والليالي والايام والشهور والاعوام والملائكة
الكرام ، وكان إذا ألح علي بالوعظ زجرته وانتهرته ووثبت عليه وضربته ، فعمدت
يوما إلى شئ من الورق وكانت في الخباء(3)، فذهبت لآخذها وأصرفها فيما كنت
عليه فمانعني عن أخذها ، فأوجعته ضربا ولويت يده(4)وأخذتها ومضيت ، فأومأ بيده
إلى ركبته يريد(5)النهوض من مكانه ذلك فلم يطق يحركها من شدة الوجع والالم
فأنشأ يقول :
جرت رحم بيني وبين منازل * سواء كما يستنزل القطر طالبه -
(1)في المصدر : نقى الاثواب .
(2)= : فأرتاب ودعاؤه لايستجاب . وقد ذكر القضية في هامش مصباح الكفعمى
ص 260 . وفيه كذلك : " فقال ما اسمك ؟ قال : منازل بن لاحق الشيباني ، وأنا ممن قد ابتلى
بالعقوق وإضاع الحقوق ان دعا لم يجب وان تاب لم يقبل توبته اه .
(3)الورق : الدراهم المضروبة ، ومنه قوله تعالى في سورة الكهف " فابعثوا أحدكم بورقكم
هذه إلى المدينة " . والخباء - بكسر الخاء - : ما يعمل من وبر أوصوف أو شعر للسكن .
(4)لوى الحبل ونحوه : فتله وثناه - ولى عليه الامر : عوصه . يقال : لوى أعناق الرجال
أى غلبهم .
(5)في المصدر : يروم .(*)