بحار الأنوار ج70

قال الله تعالى : ولايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا (1)وقال :
ودوا لوتكفرون كما كفروا فتكونون سواء (2)وقال : إن تمسسكم حسنة
تسوء‌هم (3)أما بالفعل فهو غيبة وكذب ، وهوعمل صادر عن الحسد وليس هو
عين الحسد ، بل محل الحسد القلب دون الجوارح .
نعم هذا الحسد ليست مظلمة يجب الاستحلال منها ، بل هومعصية بينك وبين
الله وإنما تجب الاستحلال من الاسباب الظاهرة على الجوارح ، وأما إدا كففت
ظاهرك ، وألزمت مع ذلك قلبك كراهية ما يترشح منه بالطبع من حب زوال
النعمة ، حتى كأنك تمقت نفسك عليما في طبعها ، فتكون تلك الكراهية من جهة
العقل في مقابلة الميل من جهة الطبع ، فقد أديت الواجب عليك ، ولا مدخل
تحت اختيارك في أغلب الاحوال أكثر من هذا .
فأما تغيير الطبع ليستوي عنده الموذي والمحسن ، فيكون فرحة أو غمه بما
تيسر لهما من نعمة وتصب عليهما من بلية ، سواء ، فهذا مما لا يطاوع الطبع
عليه ، ما دام ملتفتا إلى حظوظ الدنيا إلا أن يصير مستغرقا بحب الله تعالى مثل
السكران الواله ، فقد ينتهي أمره إلى أن لا يلتفت قلبه إلى تفاصيل أحوال العباد
بل ينظر إلى الكل بعين واحدة ، وهو عين الرحمة ، ويرى الكل عباد الله ، وذلك
إن كان فهو كالبرق الخاطف لا يدوم ، ويرجع القلب بعد ذلك إلى طبعه ، ويعود
العدو إلى منازعته أعني الشيطان ، فانه ينازع بالوسوسة ، فمهما قابل ذلك بكراهة
ألزم قلبه ، فقد ادى ما كلفه .
وذهب الذاهبون إلى أنه لا يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه وروي
مرفوعا أنه ثلاثة في المؤمن له منهن مخرج ومخرجه من الحسد أن لا يبغى ، والاولى
أن يحمل هذا على ما ذكرنا ، من أن يكون فيه كراهة من جهة الدين والعقل


(1)الحشر : 9 .
(2)النساء : 89 .
(3)آل عمران : 120 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه