بحار الأنوار ج46

وروي أن عمر بن عبدالعزيز كتب إلى عامله بخراسان أن أوفد إلي من
علماء بلادك مائة رجل أسألهم عن سيرتك ، فجمعهم وقال لهم ذلك فاعتذروا وقالوا
إن لنا عيالا وأشغالا لا يمكننا مفارقته ، وعدله لا يقتضي إجبارنا ، ولكن قد أجمعنا
على رجل منا يكون عوضنا عنده ، ولساننا لديه ، فقوله قولنا ، ورأيه رأينا
فأوفد به العامل إليه ، فلما دخل عليه سلم وجلس ، فقال له : أخل لي المجلس فقال
له : ولم ذلك ؟ وأنت لاتخلو أن تقول حقأ فيصدقوك ، أو تقول باطلا فيكذبوك
فقال له : ليس من أجلي اريد خلو المجلس ، ولكن من أجلك ، فإني أخاف أن
يدور بيننا كلام تكره سماعه .
فأمر باخراج أهل المجلس ثم قال له : قل ! فقال : أخبرني عن هذا الامر
من أين صار إليك ؟ فسكت طويلا فقال له : ألا تقول ؟ فقال : لا ، فقال : ولم ؟
فقال له : إن قلت بنص من الله ورسوله كان كذبا ، وإن قلت باجماع المسلمين ، قلت
فنحن أهل بلاد المشرق ولم نعلم بذلك ، ولم نجمع عليه ، وإن قلت بالميراث من
آبائي ، قلت بنو أبيك كثير فلم تفردت أنت به دونهم ؟ فقال له : الحمدلله على
اعترافك على نفسك بالحق لغيرك ، أفأرجع إلى بلادي ؟ فقال : لا فوالله إنك
لواعظ قط فقال له : فقل ما عندك بعد ذلك فقال له : رأيت أن من تقدمني ظلم و
غشم وجار واستأثر بفئ المسلمين ، وعلمت من نفسي أني لا أستحل ذلك ، وإن
المؤمنين لاشئ يكون أنقص وأخف عليهم فوليت ، فقال له : أخبرني لو لم
تل هذا الامر ووليه غيرك ، وفعل ما فعل من كان قبله ، أكان يلزمك من إثمه
شئ ؟ فقال : لا ، فقال له : فأراك قد شريت راحة غيرك بتعبك ، وسلامته بخطرك
فقال له : إنك لواعظ قد ، فقام ليخرج ثم قال له : والله لقد هلك أولنا بأولكم
وأوسطنا بأوسطكم ، وسيهلك آخرنا بآخركم ، والله المستعان عليكم ، وهو حسبنا
ونعم الوكيل .
24 ما : المفيد ، عن الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن السعد آبادي
عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابه ، عن

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه