بحار الأنوار ج48

وقد اشتروهم له ، فكلم غلاما منهم ، وكان من الحبش جميل ، فكلمه بكلام ساعة
حتى أتى على جميع مايريد ، وأعطاه درهما فقال : أعط أصحابك هؤلاء كل غلام
منهم كل هلال ثلاثين درهما ، ثم خرجوا فقلت : جعلت فداك لقد رأيتك تكلم
هذا الغلام بالحبشية ، فماذا أمرته ؟ قال : أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا ويعطيهم
في كل هلال ثلاثين درهما ، وذلك أني لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل
من أبناء ملكهم فأوصيته بجميع ماأحتاج إليه ، فقبل وصيتي ، ومع هذا غلام
صدق .
ثم قال : لعلك عجبت من كلامي إياه بالحبشية ؟ لاتعجب فما خفي عليك
من أمر الامام أعجب وأكثر ، وما هذا من الامام في علمه إلا كطير أخذ بمنقاره من
البحر قطرة من ماء أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا ؟ قال : فإن
الامام بمنزلة البحر لاينفد ماعنده ، وعجائبه أكثر من ذلك ، والطير حين أخذ من
البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئا ، كذلك العالم لاينقصه علمه شيئا ، ولا
تنفد عجائبه(1).
4 يج : ابن أبي حمزة مثله(2).
5 عم(3)شا : كان أبوالحسن موسى عليه السلام أعبد أهل زمانه ، وأفقههم
وأسخاهم كفا ، وأكرمهم نفسا ، وروي أنه كان يصلي نوافل الليل ، ويصلها بصلاة
الصبح ، ثم يعقب حتى تطلع الشمس ، ويخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من السجود
والتحميد حتى يقرب زوال الشمس ، وكان يدعو كثيرا فيقول : اللهم إني أسألك
الراحة عند الموت ، والعفو عند الحساب ، ويكرر ذلك ، وكان من دعائه عليه السلام :
عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك ، وكان يبكي من خشية الله حتى
تخضل لحيته بالدموع ، وكان أوصل الناس لاهله ورحمه ، وكان يفتقد فقراء المدينة


(1)نفس المصدر ص 194 .
(2)الخرائج والجرائح ص 201 .
(3)اعلام الورى ص 296 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه