بحار الأنوار ج71

من إقتار ، والبشر بجميع العالم ، والانصاف من نفسه(1).
بيان : الاقتار التضييق على الانسان في الرزق ، يقال : أقتر الله رزقه : أي
ضيقه وقلله ، والانفاق أعم من الواجب والمستحب وكأن المراد بالاقتار عدم الغنى
والتوسعة في الرزق ، وإن كان له - زائدا على رزقه ورزق عياله - ما ينفقه ، ويحتمل
شموله للايثار أيضا بناء على كونه حسنا مطلقا أو لبعض الناس ، فان الاخبار في
ذلك مختلفة ظاهرا فبعضها يدل على حسنه ، وبعضها يدل على ذمه وأنه كان ممدوحا
في صدر الاسلام ، فنسخ .
وربما يجمع بينهما باختلاف ذلك بحسب الاشخاص ، فيكون حسنا لمن
يمكنه تحمل المشقة في ذلك ويكمل توكله ، ولا يضطرب عند شدة الفاقة ، ومذموما
لمن لم يكن كذلك ، وعسى أن نفصل ذلك في موضع آخر إنشاء الله(2)وربما يحمل
ذلك على من ينقص من كفافه شيئا ويعطيه من هو أحوج منه ، أو من لا شئ له .
والبشر بجميع العالم هذا إما على عمومه ، بأن يكون البشر للمؤمنين لايمانهم
وحبه لهم ، وللمنافقين والفساق تقية منهم ومداراة لهم كما قيل : دارهم مادمت في
دارهم ، وارضهم ما كنت في أرضهم ، أو مخصوص بالمؤمنين كما يعشر به الخبر الاتي
وعلى التقدير لابد من تخصيصه بغير الفساق الذين يعلم من حالهم أنهم يتركون
المعصية إذا لقيتهم بوجه مكفهر ، ولا يتركونها بغير ذلك ، ولا يتضرر منهم في ذلك
فان ذلك أحد مراتب النهي عن المنكر الواجب على المؤمنين .
والانصاف من نفسه : هو أن يرجع إلى نفسه ، ويحكم لهم عليها فيما ينبغي
أن يأتي به إليهم من غير أن يحكم عليه حاكم ، وسيأتي في باب الانصاف هو أن يرضى
لهم ما يرضى لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه قال الرغب : الانصاف في المعاملة العدالة
وهو أن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلا مثل ما يعطيه ، ولا ينيله من المضار إلا
مثل ما يناله منه ، وقال الجوهري : أنصف أي عدل ، يقال : أنصفه من نفسه ، وانتصفت


(1)الكافى ج 2 ص 103 .
(2)سيجئ تفصيل ذلك تحت الرقم 46 من الباب 15 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه