لظهر الغيب لاخيه ، والمظلوم ، والمخلص .
قال الربيع : فما استتم الكلام حتى أتت رسل المنصور تقفو اثري وتعلم
خبري ، فرجعت وأخبرته بما كان ، فبكى ، ثم قال : ارجع إليه وقل له : الامر
في لقائك إليك والجلوس عنا ، وأما النسوة اللاتي ذكرتهن فعليهن السلام ، فقد
آمن الله روعهن وجلاهمهن .
قال : فرجعت إليه فأخبرته بما قال المنصور ، فقال له : وصلت رحما وجزيت
خيرا ثم اغرورقت عيناه ، حتى قطر من الدمع في حجره قطرات ، ثم قال : يا
ربيع إن هذه الدنيا وإن امتعت ببهجتها ، وغرت بزبرجها فان آخرها
لا يعدو أن يكون كآخر الربيع الذي يروق بخضرته ، ثم يهيج عند انتهاء مدته
وعلى من نصح لنفسه ، وعرف حق ما عليه وله ، أن ينظر إليها نظر من عقل عن ربه
جل وعلا ، وحذر سوء منقلبه .
فان هذه الدنيا قد خدعت قوما فارقوها اسر ما كانوا إليها ، وأكثر ما كانوا
اغتباطا بها ، طرقتهم آجالهم بياتا وهم نائمون ، أوضحى وهم يلعبون فكيف أخرجوا
عنها ، وإلى ما صاروا بعدها أعقبتهم الالم ، وأورثتهم الندم ، وجرعتهم مر المذاق
وغصصتهم بكاس الفراق ، فياويح من رضي عنها بها أو أقر عينا ، أما رأى مصرع آبائه
ومن سلف من أعدائه وأوليائه ، يا ربيع أطول بها حسرة واقبح بها كثرة ، وأخسر
بها صفقة ، وأكبربها ترحة(1)إذا عاين المغرور بها أجله ، وقطع بالاماني أمله .
وليعمل على أنها أعطي اطول الاعمار وأمدها ، وبلغ فيها جميع الآمال
هل قصاراه إلا الهرم ؟ أو غايته إلا الوخم(2)؟ نسال الله لنا ولك عملا صالحا بطاعته
ومآبا إلى رحمته ، ونزوعا عن معصيته ، وبصيرة في حقه ، فانما ذلك له وبه .
فقلت : يا اباعبدالله أسئلك بكل حق بينك وبين الله جل وعلا إلا عرفتني
ما ابتهلت به إلى ربك تعالى ، وجعلته حاجزا بينك وبين حذرك وخوفك ، لعل الله
يجبر بدوائك كسيرا ، ويغني به فقيرا ، والله ما أغني غير نفسي ، قال الربيع : فرفع
(1)الترح محركة : الهم .(2)طعام وخيم : غير موافق .