يقولون : إن الله قد فرغ من الامر وعلى النظام ، وبعض المعتزلة الذين يقولون : إن
الله خلق الموجودات دفعة واحدة على ماهي عليه الآن معادن ونباتا وحيوانا وإنسانا ،
ولم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده ، والتقدم إنما يقع في ظهورها لافي حدوثها و
وجودها ، وإنما أخذوا هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة ، و
على بعض الفلاسفة القائلين بالعقول والنفوس الفلكية ، وبأن الله تعالى لم يؤثر حقيقة
إلا في العقل الاول فهم يعزلونه تعالى عن ملكه ، وينسبون الحوادث إلى هؤلاء ، فنفوا
عليهم السلام ذلك وأثبتوا أنه تعالى كل يوم في شأن من إعدام شئ وإحداث آخر ، وإماتة
شخص وإحياء آخر إلى غير ذلك ، لئلا يتركوا العباد التضرع إلى الله ومسألته وطاعته
والتقرب إليه بما يصلح امور دنيا هم وعقباهم ، وليرجوا عند التصدق على الفقراء وصلة
الارحام وبر الوالدين والمعروف والاحسان ما وعدوا عليها من طول العمر وزيادة الرزق
وغير ذلك .
ثم اعلم أن الآيات والاخبار تدل على أن الله خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث
من الكائنات :
أحدهما اللوح المحفوظ الذي لاتغير فيه أصلا وهو مطابق لعلمه تعالى . والآخر
لوح المحو والاثبات فيثبت فيه شيئا ثم يمحوه لحكم كثيرة لا تخفى على اولي الالباب ،
مثلا يكتب فيه أن عمر زيد خمسون سنة ، ومعناه أن مقتضي الحكمة أن يكون عمره
كذا إذا لم يفعل ما يقتضي طوله أو قصره فإذا وصل الرحم مثلا يمحى الخمسون و
يكتب مكانه ستون ، وإذا قطعها يكتب مكانه أربعون ، وفي اللوح المحفوظ أنه
يصل وعمره ستون كما أن الطبيب الحاذق إذا اطلع على مزاج شخص يحكم بأن
عمره بحسب هذا المزاج يكون ستين سنة ، فإذا شرب سما ومات أو قتله إنسان فنقص
من ذلك ، أو استعمل دواءا قوي مزاجه به فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب ،
والتغيير الواقع في هذا اللوح مسمى بالبداء إما لانه مشبه به كما في سائر ما يطلق
عليه تعالى من الابتلاء والاستهزاء والسخرية وأمثالها ، أو لانه يظهر للملائكة أو للخلق
إذا أخبروا بالاول خلاف ما علموا أولا ، وأي استبعاد في تحقق هذين اللوحين