وأما ذم الارضين السبخة والقول بأنها جحدت الولاية ، فمتى لم يكن محمولا
معناه على ماقدمنا من جحد أهل هذه الارض وسكانها الولاية لم يكن معقولا و
يجري ذلك مجرى قوله تعالى : " وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله "(1)و
أما إضافة اعتقاد الحق إلى بعض البهائم واعتقاد الباطل والكفر إلى بعض آخر فمما
تخالفه العقول والضرورات ، لان هذه البهائم غير عاقلة ولا كاملة ولا مكلفة ، فكيف
تعتقد حقا أو باطلا ، وإذا ورد أثر في ظاهره شئ من هذه المحالات قلنا : فيه إما
إطراح أو تأول على المعنى الصحيح ، وقد نهجنا طريق التأويل وبينا كيف التوسل إليه
فأما حكايته تعالى عن سليمان : " ياأيها الناس علمنا منطق الطير واوتينا من كل
شئ إن هذا لهو الفضل المبين(2)" فالمراد به أنه علم مايفهم به ماتنطق به الطير و
تتداعى في أصواتها وأغراضها ومقاصدها بما يقع من صياح على سبيل المعجزة
لسليمان عليه السلام .
وأما الحكاية عن النملة بأنها قالت : " ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا
يحطمنكم سليمان "(3)فقد يجوز أن يكون المراد به أنه ظهر منها دلالة القول
على هذا المعنى ، وأشعرت باقي النمل وخوفتهم من الضرر بالمقام وإن النجاة في الهرب
إلى مساكنها ، فتكون إضافة القول إليه مجازا واستعارة ، كما قال الشاعر :
وشكى إلي بعبرة وتحمحم
وكما قال الآخر :
وقالت له العينان سمعا وطاعة
ويجوز أن يكون وقع من النملة كلام ذو حرف منظومة كما يتكلم أحدنا يتضمن
المعاني المذكورة ، ويكون ذلك معجزة لسليمان عليه السلام لان الله تعالى سخر له الطير
(1)الطلاق : 8 .
(2)النمل : 16 .
(3)النمل : 18 .(*)