بحار الأنوار ج14

" معذرة إلى ربكم " معناه : موعظتنا إياهم معذرة إلى الله ، وتأدية لفرضه في النهي عن
المنكر لئلا يقول لنا : لم لم تعظوهم ، ولعلهم بالوعظ يتقون ويرجعون " فلما نسوا ماذكروا
به " أي فلما ترك أهل القرية ما ذكرهم الواعظون به ولم ينتهوا عن ارتكاب المعصية
بصيد السمك " أنجينا الذين ينهون عن السوء " أي خلصنا الذين ينهون عن المعصية
" وأخذنا الذين ظلموا أنفسهم بعذاب بئيس " أي شديد " بما كانوا يفسقون " أي بفسقهم
وذلك العذاب لحقهم قبل أن مسخوا قردة ، عن الجبائي ، ولم يذكر حال الفرقة الثالثة
هل كانت من الناجية أو من الهالكة .
وروي عن ابن عباس فيهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنه نجت الفرقتان وهلكت الثالثة
وبه قال السدي . والثاني : أنه هلكت الفرقتان ونجت الفرقة الناهية وبه قال ابن زيد ،
وروي ذلك عن أبي عبدالله عليه السلام . والثالث : التوقف فيه ، روي عن عكرمة ، قال : دخلت
على ابن عباس وبين يديه المصحف وهو يبكي ويقرأ هذه الآية ، ثم قال : قد علمت أن
الله تعالى أهلك الذين أخذوا الحيتان ، وأنجا الذين نهوهم ، ولم أدر ماصنع بالذين لم
ينهوهم ولم يواقعوا المعصية ، وهذا حالنا ، واختاره الجبائي ، وقال الحسن : إنه نجا الفرقة
الثالثة لانه ليس شئ أبلغ في الامر بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد وهم قد ذكروا
الوعيد فقالوا : " الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا " وقال : قتل المؤمن أعظم والله من
أكل الحيتان(1)" فلما عتوا عما نهوا عنه " أي عن ترك ما نهوا عنه ، يعني لم يتركوا
ما نهوا عنه وتمردوا في الفساد والجرأة على المعصية وأبوا أن يرجعوا عنها " قلنا لهم
كونوا قردة " أي جعلناهم قردة " خاسئين " مبعدين مطرودين ، وإنما ذكر " كن " ليدل
عليه أنه سبحانه لا يمتنع عليه شئ ، وأجاز الزجاج أن يكون قيل لهم ذلك بكلام
سمعوه فيكون ذلك أبلغ في الآية النازلة بهم ، وحكي ذلك عن أبي الهذيل ، قال قتادة :
صاروا قردة لها أذناب تعاووا بعد أن كانوا رجالا ونساء ، وقيل : إنهم بقوا ثلاثة أيام
ينظر إليهم الناس ثم هلكوا ولم يتناسلوا ، عن ابن عباس قال : ولم يمكث مسخ فوق


(1)لعله إشارة إلى ماتقدم عن علي بن الحسين عليهما السلام من قوله : فكيف ترى عند الله عز و
جل حال من قتل أولاد رسول الله وهتك حريمه ؟ .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه