بحار الأنوار ج13

" بكفرهم " أي بسبب كفرهم ، وذلك لانهم كانوا مجسمة أو حلولية ولم يروا
جسما أعجب منه ، فتمكن في قلوبهم ما سول لهم السامري " قل بئسما يأمركم به إيمانكم "(1)
بالتوراة ، والمخصوص بالذم محذوف نحو هذا الامر أو ما يعمه وغيره من قبائحهم المعدودة
في الآيات الثلاث " إن كنتم مؤمنين " تقرير للقدح في دعواهم الايمان بالتوراة ، وتقدير :
إن كنتم مؤمنين بها ما أمركم بهذه القبائح ورخص لكم فيها إيمانكم بها ، أو إن كنتم
مؤمنين بها فبئس ما أمركم إيمانكم بها ، فإن المؤمن ينبغي أن لا يتعاطى إلا ما يقتضيه
إيمانه ، لكن الايمان بها لا يأمر به فإذن لستم بمؤمنين .(2)
" ميثاق بني إسرائيل " قال الطبرسي : أي عهدهم المؤكد باليمين بإخلاص العبادة
له والايمان برسله وما يأتون به من الشرائع " وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا " أي أمرنا موسى
بأن يبعث من الاسباط الاثني عشر اثني عشر رجلا كالطلائع يتجسسون ويأتون بني
إسرائيل بأخبار أرض الشام وأهلها الجبارين ، فاختار من كل سبط رجلا يكون لهم
نقيبا ،(3)أي أمينا كفيلا ، فرجعوا ينهون قومهم عن قتالهم لما رأوا من شدة بأسهم و
عظم خلقهم إلا رجلين : كالب بن يوفنا ويوشع بن نون ، وقيل : معناه : أخذنا من كل سبط
منهم ضمينا بما عقدنا عليهم الميثاق في أمر دينهم ، أو رئيسا أو شهيدا على قومه ، وقيل :
إنهم بعثوا أنبياء " وقال الله إني معكم " الخطاب للنقباء أو لبني إسرائيل ، أي إني معكم
بالنصر والحفظ ، إن قاتلتموهم ووفيتم بعهدي وميثاقي " وعزرتموهم " أي نصرتموهم ،
وقيل : عظمتموهم وأطعتموهم " وأقرضتم الله " أي أنفقتم في سبيل الله نفقة حسنة " فمن كفر
بعد ذلك " أي بعد بعث النقباء وأخذ الميثاق " فقد ضل سواء السبيل " أي أخطأ قصد الطريق
الواضح وزال عن منهاج الحق .(4)


(1)قال السيد : هذه استعارة لان الايمان على الحقيقة لا يصح عليه النطق ، والامر انما يكون
بالقول ، فالمراد ان الايمان انما يكون دلالة على ضد الكفر والضلال ، وترغيبا في اتباع الهدى
والرشاد ، وانه لا يكون ترغيبا في سفاهة ولا دلالة على ضلالة ، فأقام تعالى ذكر الامر ههنا مقام
ذكر الترغيب والدلالة على طريق المجاز والاستعارة ، إذ كان المرغب في الشئ والمدلول عليه قد
يفعله كما يفعله المأمور به والمندوب إليه .
(2)انوار التنزيل 1 : 31 .
(3)النقيب : شاهد القوم وضمينهم وعريفهم وسيدهم .
(4)مجمع البيان 3 : 171 .(*)

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه