استعاذ بالكريم الرحمن ، من شرورهما وغرورهما ، وتوجه بصورته إلى بيت
الله ، وبقلبه إلى الله وأعرض عن كل شئ سواه ، ثم يستفتح صلاته بتكبير الله و
تعظيمه ، ليضمحل في نظره من عداه ، ويخرق بكل تكبير حجابا من الحجب
الظلمانية الراجعة إلى نقصه ، والنورانية الراجعة إلى كمال معبوده ، فيقبل بعد
تلك المعرفة والانقياد والتسليم بشراشره إلى العليم الحكيم ، واستعان في اموره
باسم المعبود الرحمن الرحيم ، ويحمده على نعمآئه ويقر بأنه رب العالمين و
أخرجه من كتم العدم إلى أن أوصله إلى مقام العابدين .
ثم بأنه الرحمن الرحيم ، وبأنه مالك يوم الدين ، يجزى المطيعين و
العاصين ، وإذا عرفه بهذا الوجه استحق لان يرجع من مقام الغيبة إلى الخطاب ،
مستعينا بالكريم الوهاب ، ويطلب منه الصراط المستقيم ، وصراط المقربين ،
والانبياء والائمة المكرمين ، مقرا بأنهم على الحق واليقين ، وأن أعداءهم
ممن غضب الله عليهم ولعنهم ومن الضالين ، ويتبرء منهم ومن طريقتهم تبرء
الموقنين .
ثم يصفه سبحانه بتلاوة التوحيد بالوحدانية ، والتنزيه عما لا يلبق
بذاته وصفاته ، فاذا عبد ربه بتلك الشرايط ، وعرفه بتلك الصفات ، يتجلى له نور
من أنوار الجلال ، فيخضع لذلك بالركوع والخضوع ، ويقر بأني أعبدك وإن
ضربت عنقي ، ثم بعد هذا الخضوع والانقياد يستحق معرفة أقوى ، ويناسبه خضوع
أدنى ، فيقر بأنك خلقتني من التراب ، والمخلوق منه خليق بالتذلل عند
رب الارباب ، ثم بأنك تعيدني بعد الموت إلى التراب ، فيناسب تلك الحالة
خضوع آخر .
فاذا عبدالله بتلك الاداب ، إلى آخر الصلاة ، وخاض في خلال ذلك بحار
جبروته ، واكتسب أنوار فيضه ومعرفته ، وصل إلى مقام القرب والشهود ، فيقر
بوحدانية معبوده ، ويثني على مقربي جنابه ، ثم يسلم عليهم بعد الحضور والشهود
وفي هذا المقام لطائف ودقايق لا يسع المقام ذكرها ، وأوردنا شذرا منها في بعض