بحار الأنوار ج14

الموضع بأنها فاعلة صد ، وقيل : معناه : وصدها سليمان عما كانت تعبده من دون الله ، و
حال بينها وبينه ، ومنعها عنه ، فعلى هذا تكون " ما " في موضع النصب ، وقيل : معناه
منعها الايمان والتوحيد عن الذي كانت تعبده من دون الله وهو الشمس ، ثم استأنف فقال :
" إنها كانت من قوم كافرين " أي من قوم يعبدون الشمس قد نشأت فيما بينهم فلم تعرف إلا
عبادة الشمس " قيل لها ادخلي الصرح " والصرح هو الموضع المنبسط المنكشف من غير
سقف .
وذكر أن سليمان عليه السلام لما أقبلت صاحبة سبأ أمر الشياطين ببناء الصرح ، وهو
كهيئة السطح المنبسط من قوارير أجري تحته الماء ، وجمع في الماء الحيتان والضفادع و
دواب البحر ثم وضع له فيه سرير فجلس عليه ، وقيل : إنه قصر من زجاج كأنه الماء بياضا ،
وقال أبوعبيدة : كل بناء من زجاج أو صخر أو غير ذلك مونق(1)فهو صرح ، وإنما أمر
سليمان عليه السلام بالصرح لانه أراد أن يختبر عقلها وينظر هل تستدل على معرفة الله تعالى
بما ترى من هذه الآية العظيمة ؟ وقيل : إن الجن والشياطين خافت أن يتزوجها سليمان عليه السلام
فلا ينفكون من تسخير سليمان وذريته بعده لو تزوجها وذلك أن أمها كانت جنية
فأساؤوا الثناء عليها ليزهدوه فيها وقالوا : إن في عقلها شيئا ، وإن رجلها كحافر الحمار ،
فلما امتحن ذلك وجدها على خلاف ماقيل ، وقيل : إنه ذكر له أن على رجليها شعرا ،
فلما كشفته بان الشعر فساء‌ه ذلك ، فاستشار الجن في ذلك فعملوا الحمامات ، وطبخوا
له النورة والزرنيخ ، وكان أول ماصنعت النورة " فلما رأته " أي رأت بلقيس الصرح
" حسبته لجة " وهي معظم الماء " وكشفت عن ساقيها " لدخول الماء ، وقيل : إنها لما رأت
الصرح قالت : ما وجد ابن داود عذابا يقتلني به إلا الغرق ؟ ! وأنفت أن تجئ فلا تدخل(2)
ولم يكن من عادتهم لبس الخفاف فلما كشفت عن ساقيها قال لها سليمان : " إنه صرح
ممرد " أي مملس " من قوارير " وليس بماء ، ولما رأت سرير سليمان والصرح " قالت رب


(1)في المصدر : موثق .
(2)" " : فأنفت أن تجبن فلا تدخل .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه