بحار الأنوار ج75

قوتها ضعفا ، وعزها ذلا ، وكيف لا تكون حياتها موتا ، وإنما يحيى فيها صاحبها
ليموت ، وهو من الموت على يقين ، ومن الحياة على قلعة ، وكيف لا يكون غناؤها
فقرا وليس اصيب أحد منها شيئا إلا احتاج لذلك الشئ إلى شئ آخر يصلحه و
إلى أشياء لا بدله منها .
ومثل ذلك أن الرجل ربما يحتاج إلى دابة فإذا أصابها احتاج إلى علفها
وقيمها ومربطها(1)وأدواتها ، ثم احتاج لكل شئ من ذلك إلى شئ آخر يصلحه ،
وإلى أشياء لا بدله منها ، فمتى تنقضي حاجة من هو كذلك وفاقته ؟ وكيف لا يكون
فرحها ترحا وهي مرصدة لكل من أصاب منها قرة أعين أن يرى من ذلك الامر
بعينه أضعافه من الحزن ، إن رأى سرورا في ولده فما ينتظر من الاحزان في موته
وسقمه وجايحة إن أصابته أعظم من سروره به ، وإن رأى السرور في مال فما يتخوف
من التلف أن يدخل عليه أعظم من سروره بالمال ، فإذا كان الامر كذلك فأحق
الناس بأن لا يتلبس بشئ منها من عرف هذا منها ، وكيف لا يكون صحتها سقما
وإنما صحتها من أخلاطها وأصح أخلاطها وأقربها من الحياة الدم ، وأظهر ما يكون
الانسان دما أخلق ما يكون صاحبه بموت الفجأة ، والذبحة والطاعون(2)والاكلة
والبرسام ، وكيف لا تكون قوتها ضعفا وإنما تجمع القوى فيها ما يضره ويوبقه ،
وكيف لا يكون عزها ذلا ولم يرفيها عز قط إلا أورث أهلها ذلا طويلا ، غير
أن أيام الغر قصيرة ، وأيام الذل طويلة ، فأحق الناس بذم الدنيا من بسطت
له الدنيا فأصاب حاجته منها ، فهو يتوقع كل يوم وليلة وساعة وطرفة عين أن يعدى
على ماله فيحتاج ، وعلى حميمه فيختطف ، وعلى جمعه فينهب ، وأن يؤتى بنيانه
من القواعد فيهدم ، وأن يدب الموت إلى جسده فيستأصل ويفجع بكل ما هو به ضنين .


(1)المربط - بفتح الباء وكسرها - موضع ربط الدواب .
(2)الذبحة - بضم الذال وفتح الباء والعامة تسكن الباء - ورم حار في العضلات
من جانب الحلقوم التى بها يكون البلع . وقال العلامة : وقد يطلق الذبحة على الاختناق . والشيخ
لا يفرق بينهما ، وقيل هى ورم اللوزتين(بحر الجواهر).

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه