بحار الأنوار ج74

ولد يموت فيحزن لموته ، ولا له شئ يذهب فيحزن لذهابه ، ولا يعرفه إنسان يشغله
عن الله طرفة عين ، ولا له فضل طعام ليسأل عنه ، ولا له ثوب لين .
يا أحمد وجوه الزاهدين مصفرة من تعب الليل وصوم النهار ، وألسنتهم
كلال إلا من ذكر الله تعالى ، قلوبهم في صدور هم مطعونة من كثرة ما يخالفون أهواء‌هم
قد ضمروا أنفسهم من كثرة صمتهم(1)قد أعطوا المجهود من أنفسهم لا من خوف نارولا
من شوق جنة ، ولكن ينظرون في ملكوت السماوات والارض فيعلمون أن الله
سبحانه وتعالى أهل للعبادة كأنما ينظرون إلى من فوقها ، قال : يارب هل تعطي
لاحد من امتي هذا ، قال : يا أحمد هذه درجة الانبياء والصديقين من امتك
وامة غيرك وأقوام من الشهداء . قال : يا رب أي الزهاد أكثر ؟ زهاد امتي أم زهاد
بني إسرائيل ؟ قال : إن زهاد بني إسرائيل في زهاد امتك كشعرة سوداء في بقرة
بيضاء ، فقال : يارب كيف يكون ذلك وعدد بني إسرائيل أكثر من امتي ؟ قال : لانهم
شكوا بعد اليقين ، وجحدوا بعد الاقرار . قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فحمدت الله للزاهدين
كثيرا وشكرته ودعوت لهم فقلت : اللهم احفظهم وارحمهم واحفظ عليهم دينهم الذي
ارتضيت لهم ، اللهم ارزقهم إيمان المؤمنين الذي ليس بعده شك وزيغ ، وورعا ليس
بعده رغبة ، وخوفا ليس بعده غفلة ، وعلما ليس بعده جهل ، وعقلا ليس بعده حمق
قربا ليس بعده بعد ، وخشوعا ليس بعده قساوة ، وذكرا ليس بعده نسيان
وكرما ليس بعده هوان ، وصبرا ليس بعده ضجر ، وحلما ليس بعده عجلة ، واملا
قلوبهم حياء منك حتى يستحيوا منك كل وقت ، وتبصر هم بآفات الدنيا وآفات
أنفسهم ووساوس الشيطان ، فانك تعلم ما في نفسي وأنت علام الغيوب .
يا أحمد عليك بالورع فان الورع رأس الدين ووسط الدين وآخر الدين
إن الورع يقرب العبد إلى الله تعالى .
يا أحمد إن الورع كالشنوف(2)بين الحلي والخبز بين الطعام ، إن الورع


(1)ضمر : هزل ودق وقل لحمه .
(2)جمع الشنف : ما علق في الاذن او اعلاها من الحلى .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه