العزيز كقوله تعالى(آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم)(1)وحيث أمكن صحة
هذا الاطلاق ، ولو مجازا ، سقط الاستدلال بها .
ثالثها أن الشارع جعل للمرتد أحكاما خاصة به ، لايشاركه فيها الكافر
الاصلي ، كما هو مذكور في كتب الفروع ، وهذا أمر لايمكن دفعه ، ولا مدخل
للطعن فيه ، فان الكتاب العزيز والسنة المطهرة ناطقان بذلك ، والاجماع واقع
عليه كذلك ، ولاريب أن الارتداد هو الكفر المتعقب للايمان ، كما دل عليه قوله
تعالى :(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه)(2) (ومن يرتدد منكم
عن دينهفيمت وهو كافر)(3)الاية فقد دل على ما ذكرناه ، على أن المؤمن
يمكن أن يكفر ، أقول : والسيد رحمه الله أن يجيب عليه السلام عن ذلك بأن ما ذكر إنما
يدل على أن من اتصف في ظاهر الشرع بالارتداد ، فحكمه كذا وكذا ، ولايدل
على أنه صار مرتدا بذلك في نفس الامر فلعله كان كافرا في الاصل ، وحكمنا
بايمانه ظاهرا للاقرار بما يوجب الايمان مع بقائه على كفره عندالله تعالى ، وبفعله
مايوجب الارتداد ظاهرا حكمنا بارتداده أو كان مؤمنا في الاصل وهو باق على
إيمانه عندالله تعالى لكن لاقتحامه حرمات الشارع ، وتعديه هذه الحدود العظيمة
جعل الشارع الحكم بالارتداد عليه عقوبة له لتنحسم بذلك مادة الاقتحام والتعدي
من المكلفين ، فيتم نظام النواميس الالهية .
وأقول : الحق أن المعلومات التي يتحقق الايمان بالعلم بها امور متحققة
ثابتة لاتقبل التغير والتبدل ، وإذ لايخفى أن وحدة الصانع تعالى ووجوده وأزليته
وأبديته وعلمه وقدرته وحياته إلى غيرذلك من الصفات امور تستحيل تغيرها
وكذا كونه تعالى عدلا لايفعل قبيحا ولايخل بواجب وكذا النبوة والمعاد ، فاذا
علمها الشخص على وجه اليقين والثبات ، صار علمه بها كعلمه بوجود نفسه ، غير
(1)المائدة : 41 .
(2)المائدة : 54 .
(3)البقرة : 217 ، وقد اختلطت الايتيان عليه