والخامس أن يكون البكاء كناية عن المطر والسقيا ، لان العرب تشبه المطر
بالبكاء ، فمعنى الاية أن السماء لم تسق قبورهم ، ولم تجد بقطرها عليهم ، على
مذهب العرب المعهود بينهم ، لانهم كانوا يستسقون السحايب لقبور من فقدوه
من أعزائهم ، ويستنبتون الزهر والرياض لمواقع حفرهم قال النابغة :
فلا زال قبر بين تبنى وحاسم * عليه من الوسمى طل ووابل
فينبت حوذانا وعوفا منورا * سأتبعه من خير ما قال قائل
وكانوا يجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام ، ومسألة الله تعالى لهم
الرضوان ، والفعل إذا اضيف إلى السماوات كان لا تجوز إضافته إلى الارض ، فقد
يصح عطف الارض على السماء بأن يقدر فعل يصح نسبته إليها ، والعرب تفعل مثل
هذا ، قال الشاعر : يا ليت زوجك قد غدا * متقلدا سيفا ورمحا
بعطف الرمح على السيف ، وإن كان التقلد لا يجوز فيه ، ومثل هذا يقدر
في الاية فيقال : إنه تعالى أراد السماء لم تسق قبورهم ، وأن الارض لم تعشب
عليها ، وكل هذا كناية عن حرمانهم رحمة الله عزوجل ، وربما شبه الشعراء
النبات بضحك الارض كما شبهوا المطر ببكاء السماء ، وفي ذلك يقول أبوتمام :
إن السماء إذا لم تبك مقلتها * لم تضحك الارض عن شئ من الخضر
والزهر لا تنجلي أبصاره أبدا * إلا إذا رمدت من كثرة المطر
بيان : قال الفيروزآبادي : هام يهيم هيما وهيمانا أحب امرءة ، والهيام بالضم
كالجنون من العشق ، وقال : تبنى بالضم موضع ، وقال : حاسم كصاحب موضع ، و
قال : الوسمي مطر الربيع الاول ، وقال : الطل المطر الضعيف ، والوابل المطر
الشديد الضخم القطر ، وقال الجوهري : الجوذان نبت نوره أصفر ، وفي القاموس
الغوف نبات طيب الرائحة .
29 عدة الداعى : عن الصادق عليه السلام قال : إذامات المؤمن صعد ملكاه فقالا :
يا ربنا أمت فلانا فيقول انزلا فصليا عليه عند قبره ، وهللاني وكبراني واكتبا