بحار الأنوار ج61

منها بل يبقى بينها فضاء ، فأما الكشل المستجمع لكلتا المنفعتين فليس إلا المسدس ، وذلك
لان زواياها واسعة فلا يبقي شئ من الجوانب فيه معطلا ، وإذا ضمت المسدسات
بعضها إلى بعض لم يبق فيها بينها فرجة ضائعة ، فاذا ثبت أن الشكل الموصوف بهاتين
الصفتين هذا المسدس لاجرم اختار النحل بناء بيوتها على هذا الشكل ، ولو لا أنه
تعالى أعطاها من الالهام والذكاء لما حصل هذا الامر ، وفيه اعجوبة ثانية وهي أن
البشر لا يقدر على بناء البيت المسدس إلا بالمسطر والبركار ، والنحل يبني تلك
البيوت من غير حاجة إلى شئ من الآلات والادوات .
واعلم أن عجائب أحوال النحل في رياسته وفي تدبيره لاحوال الرعية ، وفي
كيفية خدمة الرعية لذلك الرئيس كثيرة مذكورة في كتاب الحيوان .
الثالث : أن النمل يسعى في إعداد الذخيرة لنفسها : وما ذاك إلا لعلمها بأنها
قد تحتاج في الازمنة الستقبلة إلى الغذاء ، ولا تكون قادرة على تحصيله في تلك
الاوقات فوجب السعي في تحصيله في هذا الوقت الذي حصلت فيه القدرة على تحصيل
الذخيرة ، ومن عجائب أحوالها امور ثلاثة : أحدها أنها إذا أحست بنداوة المكان
فانها تشق الحبة بنصفين لعلمها بأن الحبة لو بقيت سالمة ووصلت النداوة إليها
لنبت منها وتفسد الحبة على النملة ، أما إذاصارت مشقوقة بنصفين لم تنبت ، وثانيها :
إذا وصلت النداوة إلى تلك الاشياء ثم طلعت الشمس فانها تخرج تلك الاشياء من
حجرها وتضعها حتى تجف وثالثها : أن النملة إذا أخذت في نقل متاعها إلى داخل
الحجر انذر ذلك بنزول الامطار وهبوب الرياح ، وهذه الاحوال تدل على حصول
ذكاء عظيم لهذا الحيوان الصغير .
الرابع : أن العنكبوت تبني بيوتها على وجه عجيب وذلك لانها ما نسجت
الشبكة التي هي مصيدتها إلا بعد أن تفكرت أنه كيف ينبغي وضعها حتى يصلح
لاصطياد الذباب بها ، وهذه الافعال فكرية ليست أقل من الافكار الانسانية .
الخامس : أن الجمل والحمار إذا سلكا طريقا في الليلة الظلماء ففي المرة
الثانية يقدر على سلوك ذلك الطريق من غير إرشاد مرشد ولاتعليم معلم ، حتى أن

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه