بحار الأنوار ج59

مؤخرها لانها غائبة عن حراسة الحواس .
وفي القحف ثقب كثيرة ليخرج منها أعصاب كثيرة ، ويدخل فيها عروق وشرايين
ويخرج منها الابخرة الغليظة الممتنعة النفوذ في العظم فينقى بتحللها الدماغ
وليتشبث بها الحجاب الثقيل الغليظ الآتي ذكره فيخفف عن الدماغ . وأعظم ثقب فيه
الذي من أسفل عند فقرة القفا ، وهو يخرج النخاع . ويتصل بالقحف اللحى(1)الاعلى
وهو الذي فيه الخدان والاذنان والاسنان العليا . ويتركب من أربعة عشر عظما
يتصل بعضها ببعض بدروز . ثم اللحي الاسفل وهو الذي في الاسنان السفلى ، إلا
أنه لم يتصل به اتصال التحام وركز بل اتصال مفصل لاحتياجه إلى حركة ، ويسمى
موضع اتصاله به الزرفين وهو مركب - سوى الاسنان - من عظمين بينهما شان في
وسط الذقن .
وتحت القحف من ناحية الخلف فيما بينه وبين اللحي الاعلى عظم مركوز
قد ملئ به الخلل الحادث من تقسيم أشكال هذه العظام ويسمى بالوتد ، فجميع عظام
الرأس إذا عدت على ما ينبغي خلا الاسنان ثلاثة وعشرون عظما .
وأما الدماغ فخلقه الله سبحانه لينا دسما لينطبع المحسوسات فيه بسهولة
ولتكون الاعصاب النابتة منه لدنا(2)لا ينكسر ولا ينقطع ، وجعل مزاجه باردا رطبا
لتنفعل القوى المودعة فيه عن مدركاتها ، ولئلا يشتعل بالحرارة المتولدة فيه من الحركات
الفكرية والخيالية ، ولتعدل قوة الروح والحرارة الصاعدة إليه من القلب ، وجعل
مقدمه الذي هو منبت الاعصاب الحسية ألين من مؤخره الذي هو منبت الاعصاب
الحركية ، لان الحركة لا تحصل إلا بقوة ، والقوة إنما تحصل بصلابة . وهو ذو قسمين
طولا وعرضا لئلا تشمل الآفة جميع أجزائها ، وفي طوله تجاويف ثلاثة يفضي بعضها
إلى بعض تسمى بطون الدماغ ، وهي محل الروح النفساني ومواضع الحواس
ومقدمها أعظمها ، ويتدرج إلى الصغر حتى يعود إلى قدر النخاع وشكله .


(1)اللحى - بفتح اللام وسكون الحاء المهملة - : عظم الحنك الذى عليه الاسنان .
(2)لدن بضم العين لدانة ولدونة : كان لينا ، فهو لدن كفلس .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه