بحار الأنوار ج6

الخامس : اعلم أنه لا خلاف بين المتكلمين في وجوب التوبة سمعا ، واختلفوا في
وجوبها عقلا ، فأثبته المعتزلة لدفعها ضرر العقاب . قال الشيخ البهائي رحمه الله : هذا لا
يدل على وجوب التوبة عن الصغائر ممن يجتنب الكبائر لكونها مكفرة ، ولهذا ذهبت
البهشمية(1)إلى وجوبها عن الصغائر سمعا لا عقلا ، نعم الاستدلال بأن الندم على
القبيح من مقتضيات العقل الصحيح يعم القسمين ، وأما فورية الوجوب فقد صرح بها
المعتزلة ، فقالوا : يلزم بتأخيرها ساعة إثم آخر ، تجب التوبة منه أيضا ، حتى أن من
أخر التوبة عن الكبيرة ساعة واحدة فقد فعل كبيرتين ، وساعتين أربع كبائر : الاولتان
وترك التوبة عن كل منهما ، وثلاث ساعات ثمان كبائر وهكذا ، وأصحابنا يوافقونهم
على الفورية ، لكنهم لم يذكروا هذا التفصيل فيما رأيته من كتبهم الكلامية .
السادس : سقوط العقاب بالتوبة مما أجمع عليه أهل الاسلام ، وإنما الخلاف في
أنه هل يجب على الله حتى لو عاقب بعد التوبة كان ظلما ، أو هو تفضل يفعله سبحانه
كرما منه ورحمة بعباده ؟ فالمعتزلة على الاول ، والاشاعرة على الثاني ، وإلى الثاني
ذهب شيخ الطائفة في كتاب الاقتصاد ، والعلامة الحلي رحمه الله في بعض كتبه الكلامية
وتوقف المحقق الطوسي طاب ثراه في التجريد ، ومختار الشيخين هو الظاهر من الاخبار
وأدعية الصحيفة الكاملة وغيرها ، وهو الذي اختاره الشيخ الطبرسي رحمه الله ، ونسبه
إلى أصحابنا كما عرفت ، ودليل الوجوب ضعيف مدخول ، كما لا يخفى على من
تأمل فيه .
أقول : أثبتنا بعض أخبار التوبة في باب الاستغفار ، وباب صفات المؤمن ، وباب
صفات خيار العباد وباب جوامع المكارم ، وسيأتي تحقيق الكبائر والصغائر والذنوب
وأنواعها وحبط الصغائر بترك الكبائر في أبوابها إن شاء‌الله تعالى .


(1)اتباع أبى على وأبى هاشم الجبائيين ، وهؤلاء فرقة من المعتزلة ، انفردوا عنهم بامور
كاتبات إرادات حادثة لا في محل يكون البارى تعالى بها موصوفا ، وتعظيما لا في محل إذا أراد أن
يعظم ذاته ، وفناء لا في محل إذا أراد أن يفنى العالم ، وقالا : بأنه تعالى متكلم بكلام يخلقه في
محل وحقيقة الكلام أصوات مقطعة ، وحروف منظومة ، والمتكلم من فعل الكلام ، وقالا بأنه تعالى
لا يرى بالابصار في دار القرار ، وإن المعرفة وشكر المنعم ومعرفة الحسن والقبح واجبات عقلية وأن
الذم والعقاب ليسا على الفعل ، وإن التوبة لا تصح من العاجز بعد العجز عن مثله إلى غير ذلك مما هو
مذكور في تراجم الفرق ، وكتب الملل والنحل ، كالملل للشهرستانى ، والفرق بين الفرق للبغدادي .*

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه