بحار الأنوار ج57

الاشجار أطول قامة من الانسان ، بل ينبغي أن يشرط فيه شرط ، وهو طول القامة مع
استكمال القوة العقلية والقوة الحسية والحركية .
ورابعها : قال يمان : بحسن الصورة ، والدليل عليه قوله تعالى " وصوركم فأحسن
صوركم " ولما ذكر الله تعالى خلقة الانسان قال " فتبارك الله أحسن الخالقين " وقال " صبغة الله
ومن أحسن من الله صبغة " وإن شئت فتأمل عضوا واحدا من أعضاء الانسان وهو العين ، فخلق
الحدقة سوداء ، ثم أحاط بذلك السواد بياض العين ، ثم أحاط بذلك البياض سواد
الاشفار ، ثم أحاط بذلك السواد بياض الاجفان ، ثم خلق فوق بياض الجفن سواد
الحاجبين ، ثم خلق فوق ذلك السواد بياض الجبهة ، ثم خلق فوق الجبهة سواد الشعر .
وليكن هذا المثال الواحد انموذجا لك في هذا الباب .
وخامسها قال بعضهم : من كرامات الادمي أن آتاه الله الخط . وتحقيق الكلام
في هذا الباب أن العلم الذي يقدر الانسان الواحد على استنباطه يكون قليلا ، أما إذا
استنبط الانسان علما - وأودعه في الكتاب وجاء الانسان الثاني واستعان بهذا الكتاب
وضم إليه من عند نفسه أشياء أخرى ، ثم لا يزالون يتعاقبون وضم كل متأخر مباحث
كثيرة إلى علوم المتقدمين ، كثرت العلوم وقويت الفضائل والمعارف ، وانتهت المباحث
العقلية والمطالب الشرعيه أقصى الغايات وأكمل النهايات ومعلوم أن هذا الباب
لايتأتى إلا بواسطة الخط والكتب ، ولهذه الفضيلة الكاملة قال تعالى " اقرأ وربك
الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم " .
وسادسها أن أجسام هذا العالم إما البسائط وإما المركبات ، أما البسائط فهي
الارض ، والماء ، والهواء ، والنار . والانسان ينتفع بكل هذه الاربعة ، أماالارض
فهي لنا كالام الحاضنة ، قال تعالى " منها خلقنا كم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة
اخرى " وقد سماه الله تعالى بأسماء بالنسبة إلينا ، وهي : الفراش ، والمهاد ، والمهد
وأما الماء فانتفاعنا في الشرب والزراعة والحراثة ظاهر ، وأيضا سخرالبحر لنأكل
لحما طريا ونستخرج منه حلية نلبسها ونرى الفلك مواخر . وأما الهواء فهو مادة
حياتنا ، ولولا هبوب الرياح لاستولي النتن علي هذه المعمورة . وأما النار فيها طبخ .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه