اسبوعه حتى أدخله إلى دار جنب الصفا ، فأرسل إلي فكنا ثلاثة ، فقال : مرحبا يا ابن
رسول الله ، ثم وضع يده على رأسي وقال : بارك الله فيك يا أمين الله بعد آبائه يا أبا جعفر . إن
شئت فأخبرني وإن شئت فأخبرتك ، وإن شئت سلني وإن شئت سألتك ، وإن شئت فاصدقني
وإن شئت صدقتك ،(1)قال : كل ذلك أشاء ، قال : فإياك أن ينطق لسانك عند مسألتي
بأمر تضمر لي غيره ،(2)قال : إنما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه ،
وإن الله عزوجل أبى أن يكون له علم فيه اختلاف ، قال : هذه مسألتي وقد فسرت
طرفا منها ، أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف من يعلمه ؟ قال : أما جملة
العلم فعند الله جل ذكره ، وأما ما لابد للعباد منه فعند الاوصياء ، قال : ففتح الرجل
عجرته(3)واستوى جالسا وتهلل وجهه ، وقال : هذه أردت ولها أتيت ، زعمت أن علم
مالا اختلاف فيه من العلم عند الاوصياء ، فكيف يعلمونه ؟ قال : كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يعلمه إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله يرى ، لانه كان نبيا وهم محدثون ، وإنه كان
يفد إلى الله جل جلاله فيسمع الوحي وهم لا يسمعون ، فقال : صدقت يا ابن رسول الله سآتيك
بمسألة صعبة ، أخبرني عن هذا العلم ماله لا يظهر كما كان يظهر مع رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال :
فضحك(4)أبي عليه السلام وقال : أبى الله أن يطلع على علمه إلا ممتحنا للايمان به ، كما قضى
على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلا بأمره ، فكم من اكتتام قد
اكتتم به حتى قيل له : " اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " وأيم الله أن لو صدع قبل
(1)من صدق الحديث : أنبأه بصدق .
(2)أى لا تخبرنى بشئ يكون في علمك شئ آخر تلزمك لاجله القول بخلاف ما أخبرت
كما في أكثر علوم أهل الضلال فانه يلزمهم أشياء لا يقولون بها ، وقيل : المراد : أخبرنى بعلم يقينى
لا يكون عندك احتمال خلافه ، فقوله عليه السلام : علمان أى احتمالان متناقضان ، أو المراد : لا تكتم
منى شيئا من الاسرار والله يعلم . منه طاب ثراه . قلت : أو المعنى : اخبرنى بما أردت ظاهره وما
لم تهم فيه .
(3)في نسخة . عجيرته ، أى طرف العمامة التى رد على وجهه . تهلل وجهه أى تلاتلا .
(4)فضحك عليه السلام لما رأى أنه تجاهل عنها وهو عالم بها .(*)