اعتراضا بخلاف الجدال ، فانه يكون ابتداء واعتراضا ، والجدل أخص من
الخصومة يقال : جدل الرجل من باب علم فهو جدل إذا اشتدت خصومته ، وجادل
مجادلة وجدالا إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ، ووضوح الصواب ، والخصومة
لا تعتبر فيهاالشدة ولا الشغل .
وقال الغزالي : يندرج في المراء كل ما يخالف قول صاحبه ، مثل أن يقول
هذا حلو فيقول هذا مر أويقول من كذا إلى كذا فرسخ فيقول ليس بفرسخ أو
يقول شيئا فيقول أنت أحمق ، أو أنت كاذب ، ويندرج في الخصومة كل ما يوجب
تاذي خاطر الآخر ، وترداد القول بينهما ، وإذا اجتمعا يمكن تخصيص المراء بالامور
الدينية والخصومة بغيرها ، أو بالعكس .
فانهما يمرضان القلوب على الاخوان أي يغيرانها بالعداوة والغيظ
وإنما عبر عنها بالمرض لانها توجب شغل القلب وتوزع البال وكثرة التفكر
وهي من اشد المحن والامراض ، وايضا توجب شغل القلب عن ذكر الله ، وعن
حضور القلب في الصلاة وعن التفكر في المعارف الالهية ، وخلوها عن الصفات الحسنة
وتلوثها بالصفات الذميمة ، وهي من اشد الامراض النفسانية والادواء الروحانية
كما قال تعالى : في قلوبهم مرض (1).
وينبت عليهما النفاق أي التفاوت بين ظاهر كل واحد منهما وباطنه
بالنسبة إلى صاحبه ، وهذا نفاق أو النفاق مع الرب تعالى أيضا إذا كان في المسائل
الدينية ، فانهما يوجبان حدوث الشكوك والشبهات في النفس ، والتصلب في الباطل
للغلبة على الخصم ، بل في الامور الدنيوية ايضا بالاصرار على مخالفة الله تعالى وكل
ذلك من دواعي النفاق .
فان قيل : هذا ينافي ما ورد في الاخبار والآيات من الامر بهداية الخلق
والذب عن الحق ، ودفع الشبهات عن الدين ، وقطع حجج المبطلين ، وقد قال تعالى