بحار الأنوار ج69

والاخبار في ذلك مختلفة ، وورد في كثير من الادعية طلب الغنا وكثرة الاموال
والاولاد ، وورد في كثير منها ذم الفقر والاستعاذة منه ، والجمع بينها لا يخلو من
إشكال .
ويمكن الجمع بينها بأن الغنا الممدوح ما يكون وسيلة إلى تحصيل
الاخرة ولا يكون مانعا من الاشتغال بالطاعات ، كما ورد نعم المال الصالح للعبد
الصالح ، وهو نادر ، والفقر المذموم هو ما لايصبر عليه ويكون سببا للمذلة والافتقار
إلى الناس ، وربما يحمل الفقر والغنا الممدوحان على الكفاف فانه غني بحسب
الواقع ويعده أكثر الناس فقرا ، ولا ريب في أن كثرة الاموال والاولاد والخدم
ملهية غالبا عن ذكر الله والاخرة كما قال سبحانه : إنما أموالكم وأولادكم
فتنة (1)وقال : إن الانسان ليطغى ، إن رآه استغنى (2).
وأما إذا لم تكن حصول هذه الاشياء مانعة عن تحصيل الاخرة ، وكان
الغرض فيها طاعة الله وكثرة العابدين لله ، فهي من نعم الله على من علم الله صلاحه
فيه ، وكأن هذه الاخبار محمولة على الغالب ، ومضمون هذا الحديث مروي
في طرق العامة أيضا ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : اللهم اجعل رزق
محمد قوتا ، وعنه أيضا اللهم اجعل رزق محمد كفافا ، وفي رواية اخرى اللهم اجعل
رزق آل محمد قوتا .
قال عياض : لا خلاف في فضيلة ذلك لقلة الحساب عليه ، وإنما اختلف أيهما
أفضل الفقر أو الغنا ؟ واحتج من فضل الفقر بدخول الفقراء الجنة قبل الاغنياء
قال القرطبي : القوت ما يقوت الابدان ويكف عن الحاجة ، وهذا الحديث
حجة لمن قال : إن الكفاف أفضل ، لانه صلى الله عليه وآله إنما يدعو بالارجح
وأيضا فان الكفاف حالة متوسطة بين الفقر والغنا ، وخير الامور أوسطها ، وأيضا
فانه حالة يسلم معها من آفات الفقر وآفات الغنا .


(1)التغابن : 15 .
(2)العلق : 6 و 7 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه