فذلكة
لاأراك أيها المتفطن اليقظان - بعد ما أحطت خبرا بقوة ما استبني عليه بياننا
من أنواع البرهان ، ووهن ما بنوا عليه كلامهم من البنيان ، وقد أتينا بنيانهم من
القواعد ، وجعلنا مطاوي كلامنا مشحونة بصنوف الفوائد - تستريب في أن الليل
والنهار واليوم في اصطلاح الشرع والعرف العام بل في أصل اللغة أيضا لا يتبادر
منه إلا ما ينتهي إلى طلوع الفجر ، أو يبتدئ منه ، مع أنا لم نستقص في استخراج
الدلائل ، ونقل كلام الاوائل ، ولافي نقل الاخبار وذكر الاثار ، لانا اكتفينا
بذكر البعض لتنبيه اولي الالباب عما يؤدي إلى الاسهاب والاطناب .
وأيضا لم نكن عقدنا لذلك بابا عند طرح الكتاب ، ورسم الابواب ، وإنما
سنح لنا ذلك بعد ما رأينا الاختلاف في الامر الذي لم نكن نجوز الخلاف في مثله
لاسيما من سدنة العلم وأهله ، وهل يقول أحد من أهل العرف والشرع إذا أتاه
قبيل طلوع الشمس طرقتك ليلا أو أتيتك البارحة ، وشاع بين الناس يقولون هل
قمت الليلة فيجيب غلبني النوم فلم أنتبه إلى بعد الفجر ، ومن تتبع ذلك في محاورات
الناس لا يحتاج إلى الرجوع إلى كتاب ، أو التمسك بخطاب .
وما يقال من أن قاطبة الناس يقولون استوى الليل والنهار ، وصار النهار
كذا ساعة ، ومضى من النهار ساعة ، أو ساعتان ، ولا يتبادر إلى الاذهان إلا اليوم
من طلوع الشمس ، فمعلوم أن هذا إنما هو لالفهم باصطلاح المنجمين ، وبنآء
الالات المعدة لاستعلام الساعات عليه ، ولذا نرى من لا يألف تلك الاصطلاحات
إذا سألته كم مضى من اليوم لايفهم إلا ما مضى من طلوع الفجر ، كما سمعنا وعهدنا
في عراق العرب والبلاد البعيدة عن تلك الاصطلاحات الجديدة ، وكذا استواء الليل
والنهار أيضا مأخوذ من المنجمين ومبني على اصطلاحهم ، وأماء الفقهاء وأهل
اللسان ، فهم لا يفهمون ولا يفهم من كلامهم إلا ما ذكرنا ، ولذا ترى الفقهاء
يقولون وقت صلاة الليل من النصف إلى آخر الليل ، والوتر كما قرب من آخر