وإنما نسب خلق أبدان المؤمنين إلى ما دون ذلك لانها مركبة من هذه
ومن هذه لتعلقهم بهذه الابدان العنصرية أيضا ماداموا فيها ، وسجين أخس
المراتب وأبعدها من الله سبحانه فيشبه أن يراد به حقيقة الدنيا وباطنها التي هي
مخبوءة تحت عالم الملك ، أعني هذا العالم العنصري فإن الارواح مسجونة فيه
ولهذا ورد في الحديث " المسجون من سجنته الدنيا عن الآخرة " .
= = موليها " الاية . وقال : " ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم الا في كتاب من قبل
أن نبرأها " الاية :
فأفاد أن للانسان غاية ونهاية من السعادة والشقاء ، وهو متوجه اليها ، سائر نحوها
وقال تعالى : كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " الاية .
فأفاد أن ما ينتهى اليه أمر الانسان من السعادة والشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه
طينا ، فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء ، وآخر السعيد إلى الجنة ، وآخر الشقى
إلى النار ، فهما أولهما لكون الاخر هو الاول ، وحينئذ صح أن السعداء خلقوا من طينة
الجنة ، والاشقياء خلقوا من طينة النار .
وقال تعالى : " كلا ان كتاب الابرار لفى عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم
يشهده المقربون كلا ان كتاب الفجار لفى سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ويل
يومئذ للمكذبين " الايات وهى تشعر بأن عليين وسجين هما ما ينتهى اليه أمر الابرار والفجار
من النعمة والعذاب فافهم .
واما البحث الثانى وهو ان اخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمين
حتميين للانسان ، ومعه لا يكون أحدهما اختياريا كسبيا للانسان وهو الجبر الباطل .
فالجواب عنه أن اقتضاء الطينة للسعادة أو الشقاء ليس من قبل نفسها بل من قبل
حكمه تعالى وقضائه ما قضى من سعادة وشقاء ، فيرجع الاشكال إلى سبق قضاء السعادة
الشقاء في حق الانسان قبل أن يخلق ، وأن ذلك يستلزم الجبر ، والجواب أن القضاء
متعلق بصدور الفعل عن اختيار العبد ، فهو فعل اختيارى في عين أنه حتمى الوقوع ، ولم
يتعلق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم يختره حتى يلزم منه بطلان الاختيار .