بحار الأنوار ج64

إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشرية كظواهرهم ، لما أطاقوا الاخذ عن الملائكة
ورؤيتهم ومخاطبتهم ، كما لا يطيقه غيرهم من البشر ، ولو كانت أجسامهم وظواهرهم
متسمة بنعوت الملائكة ، وبخلاف صفات البشر ، لما أطاق البشر ومن ارسلوا إليه
مخاطبتهم كما تقدم من قول الله تعالى .
فجعلوا من جهة الاجسام والظواهر مع البشر ، ومن جهة الارواح والبواطن
مع الملائكة ، كما قال صلى الله عليه وآله : تنام عيناي ولا ينام قلبي ، وقال : إني لست كهيئتكم
إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ، فبواطنهم منزهة عن الافات ، مطهرة من
النقائص والاعتلالات .
وقال في موضع آخر : قد قدمنا أنه صلى الله عليه وآله وسائر الانبياء
والرسل من البشر ، وأن جسمه وظاهره خالص للبشر ، يجوز عليه من الافات
والتغييرات ، والآلام والاسقام ، وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر ، هذا
كله ليس بنقيصة فيه ، لان الشئ إنما يسمى ناقصا بالاضافة إلى ما هو أتم منه
وأكمل من نوعه ، وقد كتب الله على أهل هذه الدار " فيها تحيون وفيها تموتون
ومنها تخرجون "(1)، وخلق جميع البشر بمدرجة الغير ، فقد مرض صلى الله عليه
وآله واشتكى وأصابه الحر والقر ، وأدركه الجوع العطش ، ولحقه الغضب والضجر
وناله الاعياء والتعب ، ومسه الضعف والكبر ، وسقط فحجش شقه ، وشجه الكفار
وكسروا رباعيته ، وسقي السم ، وسحر وتداوى ، واحتجم وتعوذ ثم قضى نحبه
فتوفي صلى الله عليه وآله ولحق بالرفيق الاعلى وتخلص من دار الامتحان
والبلوى .
وهذه سمات البشر التي لا محيص عنها ، وأصاب غيره من الانبياء ما هو أعظم
منها ، وقتلوا قتلا ، ورموا في النار ، ووشروا بالمياشير(2)، ومنهم من وقاه الله


(1)الاعراف : 25 .
(2)المياشير : المناشير : جمع ميشار بمعنى منشار .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه