بحار الأنوار ج72

بيان : ضع أمر أخيك أي احمل ما صدر عن أخيك من قول أو فعل على
أحين محتملاته ، وإن كان مرجوحا من غير تجسس حتى يأتيك منه أمر لايمكنك
تأويله ، فان الظن قد يخطئ والتجسس منهي عنه كما قال تعالى : إن بعض
الظن إثم (1)وقال : ولا تجسسوا (2)وقوله : ما يغلبك في بعض
النسخ بالغين ، فقوله : منه متعلق بيأتيك أي حتى يأتيك من قبله ما يعجزك ولم
يمنك التأويل ، وفي بعض النسخ بالقاف من باب ضرب كالسابق أو من باب الافعال
فالظرف متعلق بيقلبك ، والضمير للاحسن قوله عليه السلام : ولا تظنن تأكيد لبعض
أفراد الكلام السابق ، أو السابق محمول على الفعل ، وهذة الجملة مروية في
نهج البلاغة وفيه من أحد ومحتملا والحاصل أنه إذا صدرت منه كلمة ذات
وجهين ، وجب عليك أن تحملها على الوجه الخير ، وإن كان معنى مجازيا بدون
قرينة أو كناية أو تورية أو نحوهما ، لا سيما إذا ادعاه القائل .
ومن هذا القبيل ما سماه علماء العربية اسلوب الحكيم كما قال الحجاج
للقبعثرى متوعدا له بالقيد : لاحملنك على الادهم ، فقال القبعثرى : مثل الامير
يحمل على الادهم والاشهب ، فأبرز وعيده في معرض الوعد ، ثم قال الحجاج للتصريح
بمقصوده : إنه حديد ، فقال القبعثرى : لان يكون حديدا خير من أن يكون بليدا .
وقال الشهيد الثاني روح الله روحه وغيره ممن سبقه : اعلم أنه كما يحرم على
الانسان سوء القول في المؤمن ، وأن يحدث غيره بلسانه بمساوي الغير كذلك يحرم
عليه سوء الظن وأن يحدث نفسه بذلك ، والمراد بسوء الظن المحرم عقد القلب و
حكمه عليه بالسوء من غير يقين ، فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه كما أن
الشك أيضا معفو عنه ، قال الله تعالى اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم (3)
فليس لك أن تعتقد في غيرك سوء‌ا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل ، و
ما لم تعلمه ثم وقع في قلبك فالشيطان يلقبه ، فينبغي أن تكذبه فانه أفسق الفساق
وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا


(1 و 2)الحجرات : 12 .(3)الحجرات : 13 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه