بحار الأنوار ج58

أو الصفة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو المجموع ، وأما النطق فإنه واف بتعريف كل
واحدة من هذه الاحوال بعينها .
والقسم الثالث : الكتابة ، وظاهر أنه المؤنة في إدخالها في الوجود صعبة ، ومع
ذلك فإنها مفرعة على النطق ، وذلك لانا لو افتقرنا إلى أن نصنع لتعريف كل معنى
من المعاني البسيطة والمركبة نقشا لافتقرنا إلى حفظ نقوش غير متناهية ، وذلك غير
ممكن ، فدبروا فيه طريقا لطيفا وهو أنهم وضعوا بإزاء كل واحد من الحروف
النطقية البسيطة نقشا خاصا ، ثم جعلوا النقوش المركبة في مقابلة الحروف المركبة
فسهلت المؤونة في الكتابة بهذا الطريق ، إلا أن على هذا التقدير صارت الكتابة مفرعة
على النطق ، إلا أنه حصل في الكتابة منفعة عظيمة ، وهي أن عقل الانسان الواحد
لا يفي باستنباط العلوم الكثيرة ، فالانسان الواحد إذا استنبط مقدارا من العلم
وأبثته في الكتاب بواسطة الكتابة فإذا جاء بعده إنسان آخر ووقف عليه قدر على
استنباط أشياء اخر زائدة على ذلك الاول ، فظهر أن العلوم إنما كثرت بإعانة
الكتابة ، فلهذا قال عليه السلام : قيدوا العلم بالكتابة . فهذا بيان حقيقة النطق و
الاشارة والكتابة .
البحث الثانى مما يتعلق بهذا الباب أن المشهور أنه يقال في حد الانسان :
إنه حيوان ناطق فقال بعضهم : إن هذا التعريف باطل طردا وعكسا . أما الطرد
فلان بعض الحيوانات قد تنطق ، وأما العكس فهو بعض الناس لا ينطق ، فاجيب عنه :
بأن المراد منه النطق العقلي ، ولم يذكروا لهذا النطق النطق العقلي تفسيرا ملخصا ، فنقول
الحيوان نوعان : منه ما إذا عرف شيئا فإنه لا يقدر على أن يعرف غيره حال نفسه مثل
البهائم وغيرها ، فانها إذا وجدت من نفسها أحوالا مخصوصة لا تقدر على أن تعرف
غيرها تلك الاحوال ، وأما الانسان فإذا وجد من نفسه حالة مخصوصة قدر على أن
يعرف غيره تلك الحالة الموجودة في نفسه ، فالناطق الذي جعل فصلا مقوما هو هذا
المعنى ، والسبب فيه أن أكمل طرق التعريف هو النطق ، فعبر عن هذه القدرة بأكمل
الطرق الدالة عليها ، وبهذا التقرير فإن تلك السؤال لا يتوجه والله أعلم بالصواب .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه