بحار الأنوار ج70

ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع ، قال أبوعبيد : ليس وجه الحديث
عندنا على الاختلاف في التأويل ، ولكنه على الاختلاف في اللفظ ، وهو أن يقرأ الرجل
على حرف فيقول الآخر ليس هو هكذا ، ولكنه على خلافه ، وكلاهما منزل
مقروء بهما ، فاذا جحد كل واحد منهما قراء‌ة صاحبه لم يؤمن أن يكون يخرجه
ذلك إلى الكفر ، لانه نفى حرفا أنزله الله على نبيه .
وقيل : إنما جاء هذا في الجدال والمراء في الآيات التي فيها ذكر القدر
ونحوه من المعاني ، على مذهب أهل الكلام ، وأحصاب الاهواء والآراء ، دون ما
تضمنت من الاحكام ، وأبواب الحلال والحرام ، لان ذلك قد جرى بين الصحابة
ومن بعدهم من العلماء ، وذلك فيما يكون الغرض والباعث عليه ظهور الحق ليتبع
دون الغلبة والتعجيز ، والله أعلم .
وقال : فيه ما أوتي الجدل قوم إلا ضلوا ، الجدل مقابلة الحجة بالحجة
والمجادلة المناظرة والمخاصمة ، والمراد به في الحديث الجدل على الباطل وطلب المغالبة
به فأما المجادلة لاظهار الحق فان ذلك محمود لقوله تعالى : وجادلهم بالتي هي
أحسن 1).
وقال الراغب : الخصم مصدر خصمته اي نازعته خصما يقال خصمته وخاصمته
مخاصمة وخصاما ، وأصل المخاصمة أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر اي جانبه
وأن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب(2).
وأقول : هذه الالفاظ الثلاثة متقاربة المعنى ، وقد ورد النهي عن الجميع
في الآيات والاخبار ، وأكثر ما يستعمل المراء والجدال في المسائل العلمية
والمخاصمة في الامور الدنيوية ، وقد يخص المراء بما إذا كان الغرض إظهار
الفضل والكمال ، والجدال بما إذا كان الغرض تعجيز الخصم وذلته .
وقيل : الجدل في المسائل العلمية والمراء أعم ، وقيل : لا يكون المراء إلا


(1)النحل : 125 .
(2)مفردات غريب القرآن ص 149 .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه