بحار الأنوار ج17

من إنسكم وجنكم وآلهتكم غير الله ، فإنه لا يقدر أن يأتي بمثله إلا الله ، أو ادعوا من
دون الله شهداء يشهدون لكم بأن ما آتيتم به مثله ، ولا تستشهدوا بالله فإنه من ديدن
المبهوت العاجز عن إقامة الحجة ، أو شهدائكم الذين اتخذتموهم من دون الله أولياء أو آلهة
وزعمتم أنها تشهد لكم يوم القيامة ، أو الذين يشهدون لكم بين يدي الله على زعمكم
ليعينوكم ، وقيل : من دون الله أى من دون أولياء الله ، يعني فصحاء العرب ووجوه الشاهد
ليشهدوا لكم أن ما آتيتم به مثله " إن كنتم صادقين " أنه من كلام البشر(1).
وقال النيشابوري في قوله تعالى : " وضربت عليهم الذلة والمسكنة " أي احيطت
بهم كالقبة المضروبة على الشخص ، أو الصقت بهم كما يضرب الطين على الحائط ، فاليهود
صاغرون أذلاء أهل مسكنة ، إما على الحقيقة ، وإما لتصاغرهم وتفاقرهم خيفة أن تضاعف
عليهم الجزية ، وهذا من جملة الاخبار بالغيب الدال على كون القرآن وحيا نازلا
من السماء .
أقول : وكذا قوله : " وإذا خلا بعضهم إلى بعض " ظاهر أن هذه الاخبار كان على
وجه الاعجاز ، إذ المنافقون كانوا يبذلون جهدهم في إخفاء أسرارهم ، وإبداء إيمانهم ،
وعدم اطلاع المسلمين على بواطنهم ، ولو كان هذا الخبر مخالفا للواقع لانكروا أشد
الانكار ، وبينوا كذبه ، وظهر على سائر الخلق بتفحص أحوالهم براء‌تهم من ذلك ، ولانكر
معاندوه صلى الله عليه وآله ذلك عليه ، وهذا بين من أحوال من يدعي أمرا لا يستأهل له ، ويخبر بامور
لا حقيقة لها .
وقال البيضاوي : في قوله تعالى : " قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة "
خاصة بكم كما قلتم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا " من دون الناس " أي سائرهم أو
المسلمين " فتمنوا الموت إن كنتم صادقين " لان من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاقها(2)
كما قال علي عليه السلام " لا ابالي سقطت على الموت أو سقط الموت علي " ولن يتمنوه أبدا
بما قدمت أيديهم " من موجبات النار ، وهذه الجملة إخبار بالغيب ، وكان كما أخبر لانهم


(1)انوار التنزيل 1 : 48 - 50 .
(2)في المصدر : زيادة هى : وأحب التخلص إليها من الدار ذات الشوائب .*

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه