" إنا عرضنا الامانة " هذه الاية من المتشابهات ، وقد اختلف في تأويله المفسرون
والروايات على وجوه :
الاول : أن المراد بالامانة التكليف بالا وامر والنواهي ، والمراد بعرضها
على السماوات والارض والجبال العرض على أهلها ، وعرضها عليهم هو تعريفه إياهم
أن في تضييع الامانة الاثم العظيم ، وكذلك في ترك أوامر الله تعالى وأحكامه ، فبين
سبحانه جرأة الانسان على المعاصي وإشفاق الملائكة من ذلك فيكون المعنى عرضنا
الامانة على أهل السماوات والارض الجبال من الملائكة والانس والجن " فأبين
أن يحملنها " أي فأبى أهلهن أن يحملوا تركها وعقابها والمأ ثم فيها " وأشفقن منها "
أي أشفق أهلهن عن(1)حملها " وحملها الانسان إنه كان ظلوما " لنفسه بارتكاب المعاصي
" جهولا " بموضع الامانة في استحقاق العقاب على الخيانة فيها ، فالمراد بحمل الامانة
تضييعها . قال الزجاج : كل من خان الامانة فقد حملها ، ومن لم يحمل الامانة فقد
أداها .
والثانى : أن معنى " عرضنا " عارضنا وقابلنا ، فإن عرض الشئ على الشئ
ومعارضته به سواء والمعنى أن هذه الامانة في جلالة موقعها وعظم شأنها لوقيست
السماوات والارض والجبال وعورضت بها لكانت هذه الامانة أرجح وأثقل وزنا ، و
معنى قوله " فأبين أن يحملنها " ضعفن عن حملها كذلك " وأشفقن منها " لان الشفقة ضعف
القلب ، ولذلك صار كناية عن الخوف الذي يضعف عنده القلب ، ثم قال : إن هذه
الامانة التي من صفتها أنها أعظم من هذه الاشياء العظيمة تقلدها الانسان ، فلم يحفظها
بل حملها وضيعها لظلمه على نفسه ولجهله بمبلغ الثواب والعقاب .
والثالث ما ذكره البيضاوي حيث قال : تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة ، و
سماها أمانة من حيث إنها واجبة الاداء ، والمعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لوعر ضت
على هذه الاجرام العظام وكانت ذات شعور وإدراك لابين أن يحملنها ، وحملها الانسان
مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لاجرم فاز الراعي لها والقائم بحقوقها بخير الدارين " إنه