بحار الأنوار ج67

الخامسة نية من يعبده تقربا إليه تعالى تشبيها للقرب المعنوي بالقرب
المكاني ، وهذا هو الذي ذكره أكثر الفقهاء ، ولم أر في كلامهم تحقيق القرب
المعنوي ، فالمراد إما القرب بحسب الدرجة والكمال ، إذ العبد لامكانه في غاية
النقص ، عار عن جميع الكمالات ، والرب سبحانه متصف بجميع الصفات الكمالية
فبينهما غاية البعد ، فكلما رفع عن نفسه شيئا من النقائص ، واتصف بشئ من
الكمالات ، حصل له قرب مابذلك الجناب ، أو القرب بحسب التذكر والمصاحبة
المعنوية ، فان من كان دائما في ذكر أحد ومشغولا بخدماته فكأنه معه ، وإن
كان بينهما غاية البعد بحسب المكان ، وفي قوة هذه النية إيقاع الفعل امتثالا
لامره تعالى أو موافقة لارادته أو انقيادا وإجابة لدعوته أو ابتغاء لمرضاته .
فهذه النيات التي ذكرها أكثر الاصحاب وقالوا : لو قصد لله مجردا عن
جمعى ذلك كان مجزيا ، فانه تعالى غاية كل مقصد ، وإن كان يرجع إلى بعض
الامور السالفة .
السادسة نية من عبدالله لكونه أهلا للعبادة ، وهذه النية الصديقين ، كما
قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ماعبدتك خوفا من نارك ، ولا طمعا في جنتك
ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك ، ولا تسمع هذه الدعوى من غيرهم ، وإنما
يقبل ممن يعلم منه أنه لو لم يكن لله جنة ولا نار ، بل لو كان على الفرض المحال
يدخل العاصي الجنة والمطيع النار ، لاختار العبادة لكونه أهلا لها ، كما أنهم في
الدنيا اختاروا النار لذلك ، فجعلها الله عليهم بردا وسلاما ، وعقوبة الاشرار فجعلها الله
عندهم لذة وراحة ونعيما .
السابعة نية من عبدالله حبا له ودرجة المحبة أعلى درجات المقربين ، والمحب
يختار رضا محبوبه ، ولاينظر إلى ثواب ويحذر من عقاب ، وحبه تعالى إذا
استولى على القلب يطهره عن حب ماسواه ، ولايختار في شئ من الامور إلا رضا
مولاه .
كما روى الصدوق رحمه الله باسناده عن الصادق عليه السلام أنه قال : إن الناس

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه