بحار الأنوار ج81

في صلاتهم خاشعون قال الطبرسي رحمه الله (1)أي خاضعون متواضعون متذللون
لايرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم ، ولا يلتفون يمينا ولا شمالا ، وروي أن
رسول الله صلى الله عليه وآله رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته ، فقال : أما إنه لو خشع قلبه لخشعت
جوارحه ، وفي هذا دلالة على أن الخشوع في الصلاة يكون بالقلب وبالجوارح ،
فأما بالقلب فانه يفرغ قلبه بجمع الهمة لها والاعراض عما سواها ، فلا يكون فيه غير
العبادة والمعبود ، وأما بالجوارح فهو غض البصر والاقبال عليها وترك الالتفات والعبث
قال ابن عباس خشع فلا يعرف من على يمينه ولا من على يساره ، وروي أن رسول
الله صلى الله عليه وآله كان يرفع بصره إلى السماء في صلاته ، فلما نزلت هذه الآية طأطأ رأسه و

رمى ببصره إلى الارض انتهى .
أقول : وقد عرفت أن غض البصر ليس من الخشوع المطلوب في الصلاة إلا
ماورد في رواية حماد في الركوع (2)وقد مر مع ما يعارضه خصوصا ، وسيأتي بعض
الاخبار فيه مع معارضاتها ، وقد روي عن أبي عبدالله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن
يغمض الرجل عينيه في الصلاة ، وفي رواية زرارة اخشع ببصرك ولا ترفعه
إلى السماء .
وأما خشوع الجوارح فهو حفظها عما لايناسب الصلاة أو ينافي التوجه إليها
بالقلب ، وقيل : هو فعل جميع المندوبات وترك جميع المكروهات المتعلقة بالجوارح
المبينة في الفروع ، وفسر بعض أهل اللغة وبعض المفسرين الخشوع في الاعضاء
بالسكون (3)ويؤيده ماروي في هذا الباب ، عن سيد العابدين أنه عليه السلام إذا قام في


(1)مجمع البيان ج 7 ص 99 .
(2)ماورد في رواية حماد هو الغمض ، ولا يكون الا باطباق الجفنين واما الغض
فهو الاغضاء وكف الطرف وكسره فهو دون ذلك شبه الغمض ، وقد اشتبه عليه ذلك رضوان
الله عليه ، كما أشرنا اليه قبل ذلك في ص 212 وقد عرفت في ص 188 أن الخشوع يتعلق
بالقلب والصوت والبصر بدلالة القرآن المجيد وكلها مراد في هذه الاية لاطلاقها .
(3)وذلك لان أصل الخشوع هو التخفض والتطأمن ، اذا كان عن ذل ، فخشوع =

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه