بحار الأنوار ج57

أولا ، لانه تعالى سخر هذه الدواب له حتى يركبها ويحمل عليها ويغزو ويقاتل
ويذب عن نفسه . وكذلك تسخير الله تعالى المياه والسفن وغيرهما ليركبها وينقل
عليها ويتكسب بها بما(1)يختص به ابن آدم ، كل ذلك مما يدل على أن الانسان
في هذا العالم كالرئيس المتبوع والملك المطاع .
" ورزقنا هم من الطيبات " وذلك لان الاغذية إما حيوانية وإما إنسانية
وكلا القسمين فأن الانسان إنما يغتذي بألطف أنواعها وأشرف أقسامهابعد التنقية
التامة والطبخ الكامل والنضج البالغ ، وذلك مما لا يصلح إلا للانسان . " وفضلنا هم "
الفرق بين التفضيل والتكريم أنه تعالى فضل الانسان على سائر الحيوانات بامور خلقية
طبيعية ذاتية مثل العقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المديدة ، ثم إنه
تعالى عرضه بواسطة ذلك العقل والفهم لاكتساب العقائد الحقة والاخلاق الفاضلة
فالاول هو التكريم والثاني هو التفضيل .
" على كثير ممن خلقنا تفضيلا " لم يقل : وفضلنا هم على الكل ، فهذا يدل
على أنه حصل في مخلوقات الله تعالى شئ لا يكون الانسان مفضلا عليه ، وكل من
أثبت هذا القسم قال إنه هو الملائكة ، فلزم القول بأن الملك أفضل من الانسان ، و
هذا القول مذهب ابن عباس واختيار الرجاج على مارواه الواحدي في البسيط .
واعلم أن هذا الكلام مشتمل على بحثين :
أحدهما أن الانبياء أفضل أم الملائكة ، وقد سبق القول فيه في سورة البقرة .
والثانى أن عوام الملائكة عوام المؤمنين أيهما أفضل ، منهم من قال بتفضيل
المؤمنين على الملائكة ، واحتجوا عليه بما روي عن زيد بن أسلم أنه قال : قالت
الملائكة : ربنا إنك أعطيت بني آدم دنيا(2)يأكلون فيها ويتنعمون ولم تعطنا ذلك
في الاخرة ، فقال تعالى : وعزتي وجلالي لا أجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت
له " كن " فكان . فقال أبوهريرة : المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده ، هكذا


(1)في المصدر : مما .
(2)" : الدنيا .

اللاحق   السابق   فهرست  الكتاب   الحديث وعلومه