بحار الأنوار ج6

فإن أجاب بما يستحق به النعيم قام بذلك ملك النعيم وعرج عنه ملك العذاب ، وإن
ظهرت فيه علامة استحقاقه العذاب وكل به ملك العذاب وعرج عنه ملك النعيم ، وقد
قيل : إن الملائكة الموكلين بالنعيم والعقاب غير الملكين الموكلين بالمسألة ، وإنما يعرف
ملائكة النعيم وملائكة العقاب ما يستحقه العبد من جهة ملكي المسألة ، فإذا سائلا
العبد وظهر منه ما يستحق به الجزاء تولى منه ذلك ملائكة الجزاء ، وعرج ملكا المسألة
إلى مكانهما من السماء ، وهذا كله جائز ولسنا نقطع بأحد دون صاحبه ، إذ الاخبار
فيه متكافئة ، والعادة لنا في معنى ما ذكرناه التوقف والتجويز .
فصل : وإنما وكل الله تعالى ملائكة المسألة وملائكة العذاب والنعيم بالخلق تعبدا
لهم بذلك ، كما وكل الكتبة من الملائكة عليهم السلام بحفظ أعمال الخلق وكتبها ونسخها ورفعها
تعبدا لهم بذلك ، وكما تعبد طائفة من الملائكة بحفظ بني آدم وطائفة منهم بإهلاك الامم ،
وطائفة بحمل العرش ، وطائفة بالطواف حول البيت المعمور ، وطائفة بالتسبيح ، وطائفة
بالاستغفار للمؤمنين ، وطائفة بتنعيم أهل الجنة ، وطائفة بتعذيب أهل النار والتعبد لهم
بذلك ليثيبهم عليها ، ولم يتعبد الله الملائكة بذلك عبثا كما لم يتعبد البشر والجن
بما تعبدهم به لعبا بل تعبد الكل للجزاء ، وما تقتضيه الحكمة من تعريفهم نفسه تعالى
والتزامهم شكر النعمة عليهم ، وقد كان الله تعالى قادرا على أن يفعل العذاب بمستحقه
من غير واسطة وينعم المطيع من غير واسطة ، لكنه علق ذلك على الوسائط لما ذكرناه
وبينا وجه الحكمة فيه ووصفناه ، وطريق مسألة الملكين الاموات بعد خروجهم من
الدنيا بالوفات هو السمع ، وطريق العلم برد الحياة إليهم عند المسألة هو العقل ، إذ
لا تصح مسألة الاموات واستخبار الجمادات ، وإنما يحسن الكلام للحي العاقل لما
يكلم به ، وتقريره وإلزامه بما يقدر عليه ، مع أنه قد جاء في الخبر أن كل مسأل ترد
اليه الحياة عند مساء‌لتهم ليفهم ما يقال له ، فالخبر بذلك أكد ما في العقل ، ولو لم يرد
بذلك خبر لكفى حجة العقل فيه على ما بيناه . انتهى كلامه رحمه الله .
وأقول : لما كانت هذه المسألة من أعظم الاصول الاسلامية وقد أكثرت المتفلسفة
والملاحدة الشبه فيها ورام بعض من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه تأويلها وتحريفها

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   الحديث وعلومه