الله معك يخلصك ، وإنهم يقتلونك أربع مرات في كل ذلك أرفع عنك الالم والاذى .
فلما أصبح الملك دعاه فجلده بالسياط على الظهر والبطن ، ثم رده إلى السجن ،
ثم كتب إلى أهل مملكته أن يبعثوا إليه بكل ساحر ، فبعثوا بساحر استعمل كل ماقدر
عليه من السحر فلم يعمل فيه ، ثم عمل إلى سم فسقاه فقال جرجيس : " بسم الله الذي
يضل عند صدقه كذب الفجرة وسحر السحرة " فلم يضره ، فقال الساحر : لو أني سقيت
بهذا أهل الارض لنزعت قواهم ، وشوهت خلقهم ، وعميت أبصارهم ، فأنت يا جرجيس
النور المضئ ، والسراج المنير ، والحق اليقين ، أشهد أن إلهك حق ، ومادونه باطل ، آمنت
به وصدقت رسله ، وإليه أتوب بما فعلت ، فقتله الملك . ثم أعاد جرجيس عليه السلام إلى السجن
وعذبه بألوان العذاب ، ثم قطعه أقطاعا ، وألقاها في جب ،(1)ثم خلا الملك الملعون و
أصحابه على طعام له وشراب فأمر الله تعالى جل وعلا أعصارا أنشأت سحابة سوداء وجاءت
بالصواعق ورجفت الارض وتزلزلت الجبال حتى أشفقوا أن يكون هلاكهم ، وأمر الله
ميكائيل فقام على رأس الجب وقال : قم يا جرجيس بقوة الله الذي خلقك فسواك ، فقام
جرجيس حيا سويا وأخرجه من الجب ، وقال : اصبر وابشر ، فانطلق جرجيس حتى قام
بين يدي الملك وقال : بعثني الله ليحتج بي عليكم ، فقام صاحب الشرطة وقال : آمنت
بإلهك الذي بعثك بعد موتك ، وشهدت أنه الحق ، وجميع الآلهة دونه باطل ، واتبعه
أربعة آلاف آمنوا وصدقوا جرجيس عليه السلام فقتلهم الملك جميعا بالسيف ، ثم أمر بلوح من
نحاس أوقد عليه النار حتى احمر فبسط عليه جرجيس ، وأمر بالرصاص فأذيب وصب في
فيه ، ثم ضرب الاوتاد في عينيه ورأسه ، ثم ينزع ويفرغ بالرصاص مكانه ، فلما رأى أن
(1)لم يذكر الثعلبي وابن الاثير هذا بل ذكرا أن رجلا صنع صورة ثور مجوف ثم حشاها
نفطا ورصاصا وكبريتا وزرنيخا وأدخل جرجيس في وسطها ، ثم أوقد تحت الصورة النار
حتى التهب وذاب كل شئ فيها واختلط ومات جرجيس في جوفها ، فلما مات أرسل الله ريحا عاصفا
فملاءت السماء سحابا أسود فيه رعد وبرق وصواعق ، وأرسل الله أعصارا ملاءت بلادهم عجاجا وقتاما
حتى اسود ما بين السماء والارض ، فمكثوا اياما متحيرين في تلك الظلمة لايفصلون بين الليل والنهار ،
وأرسل الله ميكائيل فاحتمل الصورة التي فيها جرجيس حتى إذا أقلها ضرب بها الارض ففزع من
روعها أهل الشام فخروا لوجوههم صاعقين وانكسرت الصورة فخرج منها جرجيس حيا . انتهى .