محتملا سقط السؤال ، وعندي أن هذا التأويل متعين لانه يبعد من عقل يوسف ودينه أن
يرضى بأن يسجد له أبوه مع سابقته في حقوق الولادة والشيخوخة والعلم والدين وكمال
النبوة .
والوجه الثاني في الجواب أن يقال : إنهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا لله شكرا
لنعمة وجدانه ، وهذا أيضا تأويل حسن فإنه يقال : صليت للكعبة كما يقال : صليت إلى
الكعبة .
قال حسان : ما كنت أعرف أن الامر منصرف * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعرف الناس بالآثار والسنن
وهذا يدل على أنه يجوز أن يقال : فلان صلى للقبلة ، فكذلك يجوز أن يقال :
سجد للقبلة ، فقوله : " وخروا له سجدا " أي جعلوه كالقبلة ، ثم سجدوا لله شكرا
لنعمة وجدانه .
الوجه الثالث في الجواب أن التواضع قد يسمى سجودا كقوله : ترى الاكم فيها
سجدا للحوافر . فكان المراد ههنا التواضع إلا أن هذا مشكل لانه تعالى قال : " وخروا
له سجدا " والخرور إلى السجدة مشعر بالاتيان بالسجدة على أكمل الوجوه ، واجيب
عنه بأن الخرور يعني به(1)المرور فقط ، قال تعالى : " لم يخروا عليها صما وعميانا "(2)
يعني لم يمروا .
الوجه الرابع في الجواب : أن نقول : الضمير في قوله : " وخروا له " غير عائد إلى
الابوين لا محالة ، وإلا لقال : وخرا له ساجدين ، بل الضمير عائد إلى إخوته وإلى سائر
من كان يدخل عليه لاجل التهنئة ، فالتقدير : ورفع أبويه على العرش ، مبالغة في تعظيمهما
وأما الاخوة وسائر الداخلين فخروا له ساجدين ، فإن قالوا : فهذا لايلائم قوله : " يا أبت
هذا تأويل رؤياي من قبل " قلنا : إن تعبير الرؤيا لا يجب أن يكون مطابقا للرؤيا بحسب
(1)في المصدر : قد يعنى به . م
(2)الفرقان : 73 .(*)