تكميل النفس من جهة أن البدن آلة لها في تحصيل العلم والعمل - يسمى عقلا عمليا
والمشهور أن مراتب النفس أربع ، لانه إما كمال ، وإما استعداد نحو الكمال قوي
أو متوسط ، أو ضعيف . فالضعيف وهو محض قابلية النفس للادراكات يسمى عقلا
هيولانيا ، تشبيها بالهيولى الاولى الخالية في نفسها عن جميع الصور القابلة لها ، بمنزلة
قوة الطفل للكتابة . والمتوسط وهو استعدادها لتحصيل النظريات بعد حصول الضروريات
تسمى عقلا بالملكة ، لما حصل لها من ملكة الانتقال إلى النظريات ، بمنزلة الشخص
المستعد لتعلم الكتابة . وتختلف مراتب الناس في ذلك اختلافا عظيما بحسب اختلاف
درجات الاستعدادات . والقوي وهو الاقتدار على استحضار النظريات متى شاءت من
غير افتقار إلى كسب جديد لكونها مكتسبة مخزونة تحضر بمجرد الالتفات ، بمنزلة
القادر على الكتابة حين لا يكتب ، وله أن يكتب متى شاء ، ويسمى عقلا بالفعل لشدة
قربة من الفعل . وأما الكمال فهو أن يحصل النظريات مشاهدة بمنزلة الكاتب حين
يكتب ، ويسمى عقلا مستفادا ، أي من خارج هو العقل الفعال الذي يخرج نفوسنا
من القوة إلى الفعل فيماله من الكمالات ، ونسبته إلينا نسبة الشمس إلى أبصارنا . وتختلف
عبارات القوم في أن المذكورات أسام لهذه الاستعدادات والكمال ، أو للنفس باعتبار
اتصافها بها ، أو لقوى في النفس هي مبادئها ، مثلا يقال تارة : إن العقل الهيولاني
هو استعداد النفس لقبول العلوم الضرورية . وتارة : إنها قوة استعدادية ، أو قوة من
شأنها الاستعداد المحض . وتارة : إنه النفس في مبدأ الفطرة من حيث قابليتها للعلوم
وكذا في البواقي . وربما يقال : إن العقل بالملكة هو حصول الضروريات من حيث
يتأدى إلى النظريات .
وقال ابن سينا : هو صورة المعقولات الاولى ، وتتبعها القوة على كسب غيرها
بمنزلة الضوء للابصار ، والمستفاد هو المعقولات عند حصولها بالفعل .
وقال في كتاب " المبدأ والمعاد " : إن العقل بالفعل والعقل المستفاد واحد بالذات
مختلف بالاعتبار ، فإنه من جهة تحصيله للنظريات عقل بالفعل ، ومن جهة حصولها