الفصل السادس

في مقام الإمام الحسين(ع)وعظمة عاشوراء

(22)مسؤولية المبلغوعظمة عاشوراء

( بتاريخ: أواخر ذي الحجة 1417- /5/1997 - /2/1376 )

بمناسبة أيام عاشوراء يوجد أمران مهمان ، أرجو أن تتأملوا فيهما بعمق:

للعلامة الحلي أعلى الله مقامه كتابان: التبصرة ، ألفه لعامة الناس، والتذكرة ألفها للفقهاء وطبيعي أن لايكون حديثي اليكم التبصرة وأنتم تحضرون هذا البحث ، وأكثركم والحمد لله من العلماء ، وعدة منكم أساتيذ السطوح العالية وبحوث الخارج

المطلب الأول: ما هو واجبكم في موسم عاشوراء؟

عاشوراء لها حكم ربيع القلوب ، فكما أن الأرض في الربيع تستعد لإنبات النبات وتنميته ، فإن قلوب الناس تستعد في موسم عاشوراء لتقبل بذور الحكمة والموعظة الحسنة ، ومن المهم جداً أن نستفيد من ربيع قلوب الناس من أجل تربيتها فماذا يجب عمله؟

لقد عين الله تعالى في كتابه واجبنا بقوله تعالى:وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَر َمِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (سورة التوبة:122)، فواجبكم أمران: التفقه في الدين ، والإنذار، وإنه لايصح ولايناسب أن نملأ وقت الناس بالقصص ومواد الجرائد، فواجبنا تجاه أنفسنا التفقه ، وتجاه الناس الإنذار: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَىاللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (سورة النساء:165) ، فلابد أن نقتدي في دعوة الناس الى الله تعالى بالأنبياء(ع) ، يعني أن تتعلموا مخاطبة الناس من طريقة مخاطبه الله تعالى لهم

للقرآن في تربية البشر طريقتان: إحداهما التخويف من المسؤولية والمستقبل والثانية بعث الرجاء والأمل في نفوسهم

فلماذا نرى التأثير في الناس قليلاً ، وتطبيقهم للأحكام الشرعية قليلاً ؟

إن السبب يكمن في تبليغنا وخطابنا للناس عندما لا يكون على أساس صحيح ، فنحن لم نستفد كما ينبغي من طريقة الرسل والأنبياء(ع)في تحريك الفطرة التي فطر الله الناس عليها !

إن طريق تربية الناس توجب أولاً أن نتفقه نحن! أرجو أن تتأملوا أن كلمة (تفقُّه) من باب(التفعل) الذي يعني قبول الفقه ، وأن تكون شخصية أحدكم بلون الفقه ، لا أقصد اللون الظاهري فقط ، بل أن يرسخ الفقه في الأعماق ، فينعكس لونه على الشخصية فإن حصلتم على هذه المرحلة ، فقد حصلتم على التفقه وإذا صار الإنسان متفقهاً ، فمحال أن لايحدث في سلوكه تحول!

إن فقه الدين حالة إذا رسخ في فكر الإنسان وصار له خلقاً، فإن نفسه تتغير لا محالة ، وإذا تغيرت نفسه نحو الكمال، فقد آن الوقت الذي يكون فيه منذراً، وحينئذ لابد أن يؤثر في الناس ويغيرهم

المتفقه في دينه عندما يقول للناس: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شئ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ (سورة الحج:1-2) فإنه يحدث انقلاباً في القلوب بإنذاره!

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، ثم: وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ

من روايات الإمام الحسن العسكري عن أمير المؤمنين(ص)أنه قال:

(من كان من شيعتنا عالماً بشريعتنا، فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به، جاء يوم القيامة على رأسه تاج من نور، يضئ لجميع أهل العرصات، وحلة لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها، ثم ينادي مناد: يا عباد الله هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد، ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة الجنان فيخرج كل من كان علَّمه في الدنيا خيراً ، أو فَتَحَ عن قلبه من الجهل قفلاً ، أو أوضح له عن شبهة) ( الاحتجاج للطبرسي:1/7 )

من كان عالماً بشريعتنا هذا قول أمير المؤمنين(ع) فالشرط هو العلم بالشريعة، وكلمات الأئمة(ع)تحتاج الى دقة عالية لفهمها، فقد استعمل الإمام هنا لفظ (الشريعة) وهي ولفظ (المشرعة) من جذر واحد ! وعند التأمل فيهما نفهم معنى: من كان عالماً بشريعتنا، فمثل هذا الشخص يستطيع أن يخرج ضعفاء شيعة آل محمد(ص)من ظلمة جهلهم ، الى نور العلم الذي تعلمه من أهل بيت النبوة(ع)

معنى هذه الجملة أنكم عندما تجلسون على منبر الخطابة والتبليغ ، فلا تطعموا الناس المساكين ما يلوكه زيد وعمرو، وما يتجشأه هذا وذاك ! وليكن ما تقدمونه لهم علماً ينبع من عين معين القرآن المبين والعترة الطاهرة ، فبهذا الزلال فقط تحيون قلوب الناس

من كان عالماً بشريعتنا ثم أخرج الناس من جهالتهم الى نور علمنا، فما هو جزاؤه ؟ ما جزاء تبليغكم في عاشوراء وغيرها ، إن أتقنتموه ؟

إن إتقانه بثلاثة أمور:

أن تعلموهم خيراً

وأن تكسروا قفل الجهل عن ضعفاء شيعة آل محمد (ص)

وأن تدفعوا شبهات أهل الريب التي يلقونها في قلوب الشيعة

ولا بد أن تؤدوا هذه الأمور الثلاثة مستضيئين بنور علمهم(ع) وعند ذلك يكون جزاؤكم عندما تبعثون للمحشر أن يضع الله تعالى على رأس الواحد منكم تاجاً: من نور، يضئ لجميع أهل العرصات ! والجزاء أيضاً:حلة لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ! هذا واجبكم في عاشوراء

والمطلب الثاني: أن تُفهموا الناس ما هي عاشوراء؟ ومن هو صاحب عاشوراء؟ ونقصد بذلك قدر استطاعتنا من الفهم ، وإلا فلا يمكن أن ندعي أننا نفهم عاشوراء وصاحب عاشوراء صلوات الله عليه ، لا أنا ولا أنتم ولا ملايين من أمثال الشيخ الأنصاري، والطوسي، والعلامة ، أعلى الله مقامهم

إنها قضية بلغت من أهميتها وعظمتها أن الإنسان مهما زاد تبحره في المعقول والمنقول ، لم يرجع من الغور فيها إلا بالإكبار والحيرة والذهول !

وأكتفي بعدة كلمات من مصادر الخاصة والعامة المتقنة ، لتعرفوا أن قضية الإمام الحسين(ع)فوق الوصف والتقرير! بل إن ذلك الغلام الأسود الذي استشهد معه ، فوق وصفنا وبياننا! لأنه بلغ مقاماً أن سيد المرسلين وخاتم النبيين يحضر من عالمه الأعلى بنفسه فيحفر له قبره ويدفنه !

نعم ، خاتم النبيين(ص)الشخص الأول في عوالم المخلوقات ، لكنه هو الذي يتولى حفر قبر أصحاب الحسين سلام الله عليه ، ورضوان الله عليهم !!

إنها عظمة قضية كربلاء ، وعظمة الحسين(ع)وأصحابه!

فلنفكر في هذا الأمر ، وفيما يستلزمه !

والأمر الثاني أن الإمام الحسين(ع)وأصحابه وصلوا الى مرتبة بحيث أن جبرئيل قال للنبي(ص)إن الله تعالى بنفسه يقبض أرواحهم!

فما هذا المقام؟! الذي بلغ أن الله يقبض أرواحهم وليس عزرائيل(ع)!

والنبي(ص)يحفر لهم ويدفنهم !

هذا عن أصحاب الحسين ، أما عن مقام الحسين نفسه(ع)فإني أورد لكم رواية من مصادر العامة صححها كبارهم ، تدل على أن قضية الحسين أعظم من كل ما ذكرناه ! فقد رواها إمام الحنابلة في مسنده ، والحاكم النيشابوري في مستدركه ، وآخرون من أئمة السنة ، كالخطيب ، وابن كثير ، وابن الأثير ، وابن حجر وغرضي هنا فقه المطلب وإلا فالأحاديث والآثار كثيرة ، لكن المهم إدراك دقائق المعاني وفقه الحديث

(قال ابن عباس: رأيت رسول الله في المنام نصف النهار أشعث أغبر ، معه قارورة فيها دم ، فقلت بأبي وأمى يارسول الله ما هذا ؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم ! قال عمار: فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قد قتل فيه)

وقال ابن الأثير في تاريخه (ج1ص582 طبعة إحياء التراث- بيروت ):(قال ابن عباس: رأيت النبي الليلة التي قتل فيها الحسين، وبيده قارورة يجمع فيها دماً فقلت: يارسول الله ما هذا ؟ فقال: هذه دماء الحسين وأصحابه أرفعها الى الله تعالى) ! انتهى (1)

أرجو أن تنتبهوا ، فإن أحاديث النبي والأئمة(ص)فيها دقائق ، فقد وردت عبارة:(كنت ألتقطه) في رواياتهم التي صححوها وهي تعبير فيه رمز عجيب! لأن مادة التقط تستعمل في اللغة لالتقاط الضائع ، وجمع المتفرق المنثور من سلكه ومجمعه ، فماذا يعني دم الحسين وأصحابه؟ ولماذا يجمع النبي(ص)دم الحسين(ع)، وكيف يمكن جمعه ؟ ولماذا عبر عن جمعه بالإلتقاط ، ولماذا قام هو بالإلتقاط ؟ والى أين يريد أن يأخذ دمهم الطاهر المسفوك ؟

الجواب عن هذا السؤال الأخير بكلمة عجيبة ، نقلها هذا العالم السني الكبير والمؤرخ ابن الأثير ونقلها غيره أيضاً ، لكن لا أظنهم فقهوا معناها قال:

(قال النبي(ص): أرفعها إلى الله تعالى)! يعني أن هذه الدماء لاتذهب الى الجنة ولا الى اللوح ولا الى القلم ، فمكانها أرفع من ذلك! دم الحسين ، ومعه دم العباس قمر بني هاشم ، ودم علي الأكبر ، ودم القاسم بن الحسن ، وبقية الأنصار ، لا بد أن يسلمها النبي(ص)بيده الى حيث تصل الى خالقها عز وجل الذي هو مبدأ الوجود والخلق ! فما معنى ذلك ، وما هو فقهه ؟

خلاصة معناه أن النبي(ص)يقول لنا: أيها البشر، إن الشجرة التي غرستها ببعثتي اليكم ، قد أزهرت وأثمرت ، وها أنا أجمع زهورها وثمارها لأسلمها الى الله تعالى !

هذه هي عاشوراء ، فلا تصغروا قدر هذه الواقعة الكبرى إتقوا الله تعالى ومحارمه وشعائره ، واحذروا العقاب إن صغرتم شأنها !

إن قضية الحسين وعاشوراء قضية عظيمة ، الى حد أن أبي بن كعب كان عند النبي(ص)عندما دخل عليه الحسين، فرحب به النبي(ص)وقال له: مرحباً بك يا أبا عبد الله يا زين السموات والأرضين ! فتعجب أبيٌّ من احترام النبي لهذا الطفل وتكنيته له ، ووصفه له بأنه زين السماوات كلها وزين الأرضين كلها! فقال للنبي(ص): وكيف يكون يا رسول الله زين السموات والأرضين أحد غيرك؟

قال: يا أبيُّ ، والذي بعثنى بالحق نبياً ، إن الحسين بن علي في السماءأكبر منه في الأرض،وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل: مصباح هدى وسفينه نجاة (2)

فالمسألة فوق صفته بأنه زين السماوات والأرض ، فقد كتبت على يمين العرش صفته أنه: مصباح هدى وسفينه نجاة ! فلماذا كتب في العرش أن الحسين سفينة نجاة؟ وما هي فلسفة ذلك؟ لابد أن نجد سر القضية وأساسها، ومع أن التاريخ قد عمل على تغطية هذا السر وإخفائه ، لكن مضي العصور يكشف الكثير من مخبآت التاريخ ، فقد وصل أمر انكشاف بني أمية الى حد أن عالماً شيخ الأزهر مثل محمد عبده ، يعلن رسمياً ويكتب أن دولة بني أمية قامت من أجل محو الإسلام كلياً ! ومعناه أن أمثال محمد عبده فهموا أن أصل خطة بني أمية كانت من أجل هذا ! لكن من المبكر أن يصل أمثال محمد عبده الى كنه القضية ، فهل يمكنكم أنتم أن تصلوا ؟!

إن هداية البشرية ، أو صرح هدايتها له علة محدثة وعلة مبقية ، كبناء هذا المسجد له علة محدثة وعلة مبقية والعلة المحدثة لهداية البشر هي بعثة الأنبياء صلوات الله عليهم ، من نبي الله آدم الى النبي الخاتم(ص)

والعلة المبقية إنما هي الولاية الكبرى، ولاية الأئمة من العترة الطاهرة(ع) فالحسين(ع)علة مبقية ولهذا كان زين السماوات والأرضين ! فالنبوة والإمامة معاً به باقيتان !

نعم، نفهم ذلك عندما نتأمل في أن جماعة عملوا بمساندة اليهود والنصارى فتركوا جنازة النبي(ص)مسجاة بيد أهل بيته ، وائتمروا بسرِّية وعجلة وأعلنوا تشكيل حكومة بإسم النبي والإسلام ، وعزلوا أهل بيته !

ثم سرعان ما ظهر هدف ترتيباتهم السياسية فأوصلت قيادة الأمة الإسلامية الى يد عثمان بن عفان الأموي ، ثم الى معاوية ويزيد ، اللذين عملا بكل قدرتهما لتحقيق فكرة أبي سفيان بضرورة زوال اسم النبي(ص)عن المآذن !

لقدظهر أن هدف السقيفة أن يجلس على كرسي النبي(ص)شخص مثل يزيد الذي شهد أئمتهم أنه كان لا يصلي، ويشرب الخمر وينكح البنات والأخوات والأمهات ، فيرسل جيشاً الى المدينة بقيادة شخص مثله ، ويأمره أن يرتكب فيها مجزرة، فيقتل ثلاثة آلاف من أهلها وفيهم بقية الصحابة، ويبيحها لجيشه للنهب والعدوان ثلاثة أيام، وتدخل خيولهم مسجد النبي(ص) ويرتكب جنوده القتل والسرقة والزنا قرب قبر النبي(ص)! (3)

كانت هذه الأعمال مدروسة بجدية، من أجل محو الإسلام! يعني محو ذكر كل الأنبياء(ع)، ثم محو كل جهود أمير المؤمنين(ع)لإحياء الإسلام وإعادة العهد النبوي !

إن الحسين(ع)أحيا الدين كله من آدم الى النبي الخاتم(ص)وأحيا علياً(ع) الى آخر الدهر ! فهذه هي نتائج عمله صلوات الله عليه !

في كامل الزيارات ص222: (حدثني محمد بن عبد الله الحميري، عن أبيه، عن هارون بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن الأشعث ، عن عبد الله بن حماد الأنصاري ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله(ع)قال سمعته يقول: قبر الحسين بن علي عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسراً، روضة من رياض الجنة، وفيه معراج الملائكة الى السماء، وليس من ملك مقرب ولانبي مرسل إلا وهو يسأل الله أن يزوره ، ففوج يهبط وفوج يصعد) !

وما ذلك إلا لأنه أحيا دين كل الأنبياء(ع)

والمسألة فوق هذا أيضاً ونقول ذلك لكي تعرفوا واجبكم في إقامة عزاء الحسين(ع)وتعظيم مقامه، فكل ما نقوم به من ذلك ليس إلا يسيراً، فالواجب الشرعي أن تحفظ الشعائر الحسينية بكل قوة وحسم ، وأن تكون في كل سنة أفضل من التي قبلها ! نعم ، المسألة بهذا المستوى لماذا ؟

لأن أساس عاشوراء إذا صار واهناً توجه الخطر الى الدين كله ، فإن بقاء الدين بعاشوراء ، وبقاء توحيد الله تعالى مرتبط بيوم عاشوراء ! إقرؤوا هذا التعبير وافهموا معنى: وبذل فيك مهجته! فقد بذل(ع)روحه من أجل بقاء توحيد الله تعالى ، فإحياء ذكراه وتعظيمها ، تعظيم للتوحيد

روى في كامل الزيارات ص278، بسند قوي عن الإمام الصادق(ع)(حدثني أبي&وعلي بن الحسين وجماعة مشايخي رحمهم الله،عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين، عن محمد بن اسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد الله(ع): ما لمن زار قبر الحسين؟ قال: كان كمن زار الله في عرشه قال قلت: ما لمن زار أحداً منكم؟ قال: كمن زار رسول الله(ص)) !!

يا أبا عبد الله الحسين ، صلوات الله عليك

ماذا فعلت حتى صار ثواب زيارتك كمن زار الله في عرشه ؟!

بينما ثواب الذي يزور أمير المؤمنين(ع)كمن زار رسول الله(ص)؟!

ماذا فعلت فجعلت من كربلاء عرش الله ، وزيارتك فيها زيارة الله ؟!

ماذا فعل أبو عبد الله حتى روى ابن طاووس أن أخته زينب عندما هرعت الى مقتله وأقبل الشمر ليحز رأسه ، قال لأخته: إرجعي الى الخيمة، فأطاعته ورجعت ، وسمعت وهي راجعة ضحكة أبي عبدالله الحسين(ع) !

هذا هو العمل الذي عمله أبو عبد الله الحسين: بذل فيك مهجته !

روحي لك الفداء يا من أعطيت روحك وأنت مبتسم ، وهويت الى الأرض وأنت تقول: بسم الله وبالله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملة رسول الله

السلام عليك يا أبا عبد الله ، وعلى الأرواح التي حلت بفنائك

( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً )

التعليقات

(1) في أمالي الطوسي ص315 ، عن ابن عباس: (فلما كانت الليلة رأيت رسول الله في منامي أغبر أشعث ، فذكرت له ذلك وسألته عن شأنه ؟ فقال لي: ألم تعلم أني فرغت من دفن الحسين وأصحابه ) انتهى

ولا يصح للمخالف الإشكال علينا كيف يقبض الله تعالى روح الحسين(ع)وأصحابه بيده بدون توسيط عزرائيل ، لأن شبيه هذا التكريم ورد عندهم لمن يقرأ سورة يس ففي كنز العمال:1/569 ، عن أبي أمامة: من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة كان الرب الذي يتولى قبض روحه بيده ، وكان بمنزله من قاتل عن أنبياء الله ورسله حتى يستشهد - ابن السني ، والديلمي )

والرواية التي أوردها الأستاذ في تاريخ ابن الأثير:1/582 ، وفي طبعة أخرى:3/38 ، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر:14/237 ، ورواها ابن كثير في البداية والنهاية:8/218 ، والصالحي في سبل الهدى والرشاد:11/75 ، وابن الدمشقي في المناقب:2/298، والغزالي في الإحياء:4/507، وكلها فيها: أرفعه الى الله عز وجل، وفي بعض مصادرهم: أرفعه الى السماء ولكن أكثر مصادرهم روتها الى قوله(ص): هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم ، ولم ترو بعدها: أرفعها إلى الله عز وجل وفي مسند عبد بن حميد ص235: لم أزل ألتقطهم قد منذ اليوم

ومن أبرز الذين رووا ها الحديث أيضاً أحمد بن حنبل في مسنده:1/242 وص283 ، وقال عنه في مجمع الزوائد:9/193: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح ورواية الطبراني في المعجم الكبير:3 /110 و:12/143

ورواه ابن كثير في النهاية:6/258 ، وقال عنه في:8 /218:تفرد به أحمد وإسناده قوي

وكذلك رواه أحمد في فضائل الصحابة:2/778 ، وص781 ، وفي 784

ومن أبرزهم الحاكم في المستدرك:4/398 ، وفيه: فوجدوه قتل قبل ذلك بيوم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وقال المقريزي في إمتاع الأسماع:/1 /241: (قال الحاكم والذهبي: هذا حديث صحيح على شرط مسلم )

وكذلك رواه الخطيب في تاريخ بغداد:1/152، وابن عساكر في تاريخ دمشق:14/237 ، و:14/237، وابن الأثير في أسد الغابة:2/22، وابن حجر في الإصابة:2/71، وابن كثير في النهاية: 6/258، و:8/218 ، والمناوي فيض القدير:1/265 ، وابن العديم في تاريخ حلب: 6/2634 ، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ص572 والذهبي في سيره:3/315 ، وقال في هامشه: أخرجه أحمد:1/283 ، والطبراني:28/22، وسنده قوي كما قال الحافظ ابن كثير في البداية:8 /200 وهو في تهذيب ابن عساكر:4/343 ونقله ابن نما الحلي في مثير الأحزان ص62 عن تاريخ البلاذري وفي نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص218: (دم الحسين وأصحابه، ولم أزل أتتبعه منذ اليوم ! فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم ، رواه الإمام أحمد وفي رواية قال: دم الحسين أرفعه الى السماء

ورواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص208، عن البيهقي في الدلائل، وقال قبله: وأخرج الترمذي عن سلمى قالت دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت ما يبكيك؟ قالت رأيت رسول الله(ص)في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب ! فقلت: مالك يارسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفاً !) انتهى

وقال الأميني&في سيرتنا وسنتنا ص148: ( قال السيد الشيخاني في الصراط السوي بعد روايته حديث أحمد المذكور: وفي رواية لأحمد: أن ابن العباس كان في قائلة فانتبه وهو يسترجع ففزع أهله ، فقالوا: ما شأنك ما لك؟ قال: رأيت النبي(ص)وهو يتناول من الأرض شيئاً فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا الذي تصنع ؟ قال: دم الحسين أرفعه الى السماء ) انتهى

وهذا يوجب الشك في إسقاطهم العبارة من نسخة أحمد المطبوعة !

وفي مناقب آل أبي طالب:3/236: (وفي أثر ابن عباس: رأى النبي(ص)في منامه بعد قتل الحسين وهو مغبر الوجه حافي القدمين باكي العينين ، وقد ضم حجزة قميصه إلى نفسه، وهو يقرأ هذه الآية: وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ وقال: إني مضيت إلى كربلاء والتقطت دم الحسين من الأرض وهو ذا في حجري ، وأنا ماض أخاصمهم بين يدي ربي)

(2) في عيون أخبارالرضا(ع):2/62، قال: (حدثنا أبو الحسن على بن ثابت الدواليبي رضي الله عنه بمدينة السلام ، سنه اثنتين وخمسين وثلاث مأة قال: حدثنا محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي قال: حدثنا علي بن عاصم ، عن محمد بن علي بن موسى ، عن أبيه علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي أبي طالب(ع)قال: دخلت على رسول الله(ص)وعنده أبي بن كعب فقال لي رسول الله: مرحباً بك ياأباعبدالله يا زين السموات والأرضين قال له أبيُّ: وكيف يكون يا رسول الله زين السموات والأرضين أحد غيرك؟ قال: يا أبيُّ والذي بعثني بالحق نبياً، إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض ، وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل: مصباح هدى وسفينه نجاة ، وإمام خير ويمن ، وعز وفخر ، وعلم وذخر ، وإن الله عز وجل ركب في صلبه نطفة طيبة مباركة زكية، ولقد لقن دعوات ما يدعو بهن مخلوق إلا حشره الله عز وجل معه، وكان شفيعه في آخرته، وفرج الله كربه، وقضى بها دينه، ويسر أمره، وأوضح سبيله، وقواه على عدوه ، ولم يهتك ستره فقال له أبي بن كعب: وما هذه الدعوات يا رسول الله ؟

قال: تقول إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد: اللهم إني أسألك بكلماتك ومعاقد عرشك ، وسكان سمواتك وأنبيائك ورسلك أن تستجيب لي ، فقد رهقني من أمري عسراً ، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تجعل لي من أمري يسراً فإن الله عز وجل يسهل أمرك ويشرح صدرك ويلقنك شهادة أن لا إله إلا الله عند خروج نفسك قال له أبيّ: يا رسول الله فما هذه النطفة التي في صلب حبيبي الحسين ؟قال: مثل هذه النطفة كمثل القمر، وهي نطفه تبيين وبيان ، يكون من اتبعه رشيداً ومن ضل عنه هوياً ) انتهى

(3) وفي الموفقيات للزبير بن بكار ص575: ( عن المطرف بن المغيرة بن شعبة قال: دخلت مع أبي على معاوية ، فكان أبي يأتيه فيتحدث معه ، ثم ينصرف الي فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لأمر حدث فينا ، فقلت: مالي أراك مغتماً منذ الليلة ؟ فقال: يا بني ، جئت من أكفر الناس وأخبثهم قلت: وما ذاك؟! قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه ، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه ؟

فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه؟! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل: أبو بكر ثم ملك أخو عدي ، فاجتهد وشمر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلا أن يقول قائل: عمر وإن أخا هاشم ليصاح به كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمداً رسول الله !! فأي عمل يبقى؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا ، لا أباً لك ؟ لاوالله إلا دفناً دفناً !) انتهى ورواه المسعودي في مروج الذهب:3 /454 ، وفي شرح النهج:5/130

وفي طبقات ابن سعد:5/66: (أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي ربيعة المخزومي، عن أبيه قال: وأخبرنا بن أبي ذئب عن صالح بن أبي حسان قال: وحدثنا سعيد بن محمد عن عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم ، عن عمه عبد الله بن زيد ، وعن غيرهم أيضاً ، كل قد حدثني قالوا: لما وثب أهل المدينة ليالي الحرة فأخرجوا بني أمية عن المدينة ، وأظهروا عيب يزيد بن معاوية وخلافه ، أجمعوا على عبد الله بن حنظلة فأسندوا أمرهم إليه فبايعهم على الموت وقال: يا قوم اتقوا الله وحده لا شريك له ، فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء! إن رجلاً ينكح الأمهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسناً ، فتواثب الناس يومئذ يبايعون من كل النواحي ، وما كان لعبد الله بن حنظلة تلك الليالي مبيت إلا المسجدالخ !!

وفي هامش سيرأعلام النبلاء:4/228، عن ابن حزم في كتابه جوامع السيرة ص357 ما نصه: (أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى مكة حرم الله تعالى ، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحرة ، وهي أيضاً أكبر مصائب الإسلام وخرومه ، لأن أفاضل المسلمين وبقية الصحابة ، وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً ، وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وراثت وبالت في الروضة بين القبر والمنبر !! ولم تصلَّ جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا كان فيه أحد ، حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق المسجد ، ولولا شهادة عمرو بن عثمان بن عفان ، ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري بأنه مجنون لقتله ! وأكره الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم عبيد له ، إن شاء باع ، وإن شاء أعتق ! وذكر له بعضهم البيعة على حكم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتله ، فضرب عنقه صبراً ! وهتك مسرف أو مجرم الاسلام هتكاً ، وأنهب المدينة ثلاثاً، واستخف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدت الأيدي إليهم وانتهبت دورهم !

وانتقل هؤلاء إلى مكة شرفها الله تعالى، فحوصرت ورمي البيت بحجارة المنجنيق ، تولى ذلك الحصين بن نمير السكوني في جيوش أهل الشام ، وذلك لأن مجرم بن عقبة المري مات بعد وقعة الحرة بثلاث ليال ، وولي مكانه الحصين بن نمير !

وأخذ الله تعالى يزيد أخذ عزيز مقتدر ، فمات بعد الحرة بأقل من ثلاثة أشهر وأزيد من شهرين، وانصرفت الجيوش عن مكة)اه‍ انظر:معجم البلدان:2ص249والطبري، والكامل، والبداية ، وتاريخ الاسلام ، في أحداث سنة 63 وجوامع السيرة لابن حزم 357 - 358

وفي لسان الميزان:6/294: ( ثم إن أهل المدينة خلعوا يزيد في سنة ثلاث وستين ، فجهز إليهم مسلم بن عقبة المري في جيش حافل فقاتلهم فهزمهم ، وقتل منهم خلقاً كثيراً من الصحابة وأبنائهم ، وسبى أكابر التابعين وفضلاؤهم ، واستباحها ثلاثة أيام نهباً وقتلاً ، ثم بايع من بقي على أنهم عبيد ليزيد ، ومن امتنع قتل !!

ثم توجه إلى مكة لحرب ابن الزبير فمات في الطريق، وعهد إلى الحصين بن نمير فسار بالجيش إلى مكة فحاصر ابن الزبير ونصبوا المنجنيق على الكعبة ، فوهت أركانها ثم احترقت ، وفي أثناء ذلك ورد الخبر بموت يزيد ) ونحوه في الإصابة:6ص232

وفي نهاية ابن كثير:8/239-241: ( قالوا: وقد بلغ يزيد أن ابن الزبير يقول في خطبته: يزيد القرود ، شارب الخمور، تارك الصلوات ، منعكف على القينات

ثم أباح مسلم بن عقبة ، الذي يقول فيه السلف مسرف بن عقبة - قبحه الله من شيخ سوء ما أجهله - المدينة ثلاث أيام كما أمره يزيد لا جزاه الله خيراً ، وقتل خلقاً من أشرافها وقرائها وانتهب أموالاً كثيرة منها ، ووقع شر عظيم وفساد عريض على ما ذكره غير واحد فكان ممن قتل بين يديه صبراً معقل بن سنان ، وقد كان صديقه قبل ذلك ، ولكن أسمعه في يزيد كلاماً غليظاً فنقم عليه بسببه ) !

وقال الحافظ ابن عقيل في النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ص62:

(نقل أبو جعفر الطبري في تاريخه ، وابن الأثير في الكامل ، والبيهقي في المحاسن والمساوي، وغيرهم أن معاوية قال: ليزيد إن لك من أهل المدينة ليوماً، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة(هو الذي سمي مسرفاً ومجرماً) فإنه رجل قد عرفت نصيحته اهـ

عرف معاوية أن مسلماً لا دين له ، فأمر يزيد أن يرمي به أهل المدينة ، وقد فعل يزيد ما أمره به أبوه ، وفعل مسلم بأهل المدينة ما أريد منه ، حيث قال له يزيد: يا مسلم لا تردن أهل الشام عن شئ يريدون بعدوهم، فسار بجيوشه من أهل الشام فأخاف المدينة واستباحها ثلاثة أيام بكل قبيح ، وافتضت فيها نحو ثلثمائة بكر، وولدت فيها أكثر من ألف امرأة من غير زوج ، وسماها نتنة وقد سماها رسول الله(ص)طيبة ، وقتل فيها من قريش والأنصار والصحابة وأبنائهم نحو من ألف وسبعمائة وقتل أكثر من أربعة آلاف من سائر الناس ، وبايع المسلمين على أنهم عبيد ليزيد ! ومن أبى ذلك أمَرَّهُ مسلم على السيف ! إلى غبر ذلك من المنكرات !

قال المحدث الفقيه ابن قتيبة&في كتاب الإمامة والسياسة ، والبيهقي في المحاسن والمساوي ، واللفظ للأول قال: أبو معشر دخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي لها ، فقال لها: هل من مال؟ قالت: لا والله ما تركوا لي شيئاً ، فقال: والله لتخرجن إلَّي شيئاً أو لأقتلنك وصبيك هذا ! فقالت له: ويحك إنه ولد أبي كبشة الأنصاري صاحب رسول الله(ص)، ولقد بايعت رسول الله يوم بيعة الشجرة على أن لا أسرق ولا أزني ، ولا أقتل ولدي ، ولا آتي ببهتان أفتريه، فما أتيت شيئاً ، فاتق الله ! ثم قالت له: يا بني والله لو كان عندي شئ لافتديك به ! قال فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها فضرب به الحائط فانتشر دماغه في الأرض ! قال فلم يخرج من البيت حتى اسود نصف وجهه وصار مثل

وأمثال هذه من أهل الشام ومن مسلم نفسه كثيرة ، فمسلم في هذا كله منفذ لأمر يزيد، ويزيد منفذ لأمر معاوية! فكل هذه الدماء وكل هذه المنكرات الموبقات ودم الحسين(ع) ومن معه في عنق معاوية أولاً ، ثم في عنق يزيد ثانياً ، ثم في عنق مسلم وابن زياد ثالثاً ، أفبعد هذا يتصور أن يقال لعله تاب ورجع ؟! كلا والله ، ولقد صدق من قال: أبقى لنا معاوية في كل عصر فئة باغية ، فهاهم أشياعه وأنصاره إلى يومنا هذا يقلبون الحقائق ويلبسون الحق بالباطل ! (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً)

أخرج مسلم في صحيحه: (من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) انتهى

 

(23)حسين مني وأنا من حسين

( بتاريخ: 24ذي الحجة 1416 ـ 13/5/1996 ـ 24/2/75 )

الموضوع الذي يجب التذكير به اليوم ، هو أن الله تعالى يسر لكم بمناسبة أيام عاشوراء خدمةً عظيمة لدينه ، وتجارةً لن تبور

يجب أن يعرف العلماء والفضلاء الذين في هذا المجلس ، قدر منصبهم الديني الذي وفقهم الله اليه وأحاديث أهل البيت(ع)هي عبارات للعوام ، وإشارات للعلماء ، كما هو دأب القرآن

ومن الأمور المهمة في الدين كفالة الأيتام ، ويكفينا لبيان أهميتها قول النبي(ص)في الحديث الذي روته مصادر السنيين: أنا وكافل اليتيم كهاتين هذا بالنسبة الى عموم الأيتام ، ولكن الحديث فيه إشارة فسرها الأئمة(ع)بأبي طالب رضوان الله عليه ، الذي كفل أعظم يتميم على وجه الأرض ، وآمن به أحسن إيمان ، وحماه ورعاه أحسن رعاية ، رضوان الله عليه

وفيه إشارة فسرها الإمام العسكري(ع)بحديث عن آبائه عن جده رسول الله(ص)أنه قال: ( أشد من يتم اليتيم الذي انقطع من أمه وأبيه ، يتم يتيمٍ انقطع عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه ، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا فهدى الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا وهو يتيم في حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا ، كان معنا في الرفيق الأعلى ) (1)

فقد وصف النبي(ص)يتم من انقطع عن الوصول الى إمامه بأنه: أشد اليتم ، لأن اليتم تارة يكون يتماً جسمانياً ، وتارة يتماً روحانياً وهذا من باطن كلامه(ص) والآن في هذا البلد يوجد أناس محرومون من تعلم مسائل الدين الإبتدائية البسيطة، وهم يجهلون مسائل الحلال والحرام ، وعقائدهم متزلزلة ، وقد تسلح ذئاب النواصب بكل قواهم لصيدهم! ولا حاجة لبيان هذا الخطر

في مثل هذه الظروف يجب على كل من يستطيع أن يقوم بحفظ أيتام آل محمد ويتكفلهم وبما أننا في أيام عاشوراء ، أكتفي بهذا الحديث عن أبي عبد الله الحسين(ع)قال: من كفل لنا يتيماً قطعته عنا محنتنا باستتارنا ، فواساه من علومنا التي سقطت إليه، حتى أرشده وهداه وفي نسخة: قطعته عنا محبتنا، ولكن الأظهر: قطعته عنا محنتنا باستتارنا، فتنطبق الرواية على عصرنا ، عصر الإمتحان بالغيبة والإستتار ، وبذلك يتضح واجبنا في كفالة أيتام شيعة آل محمد في هذا العصر والإمتحان

وقد بين الإمام(ع)في الجملة الثانية كيف يتكفل أمثالكم اليتيم ، فقال: فواساه من علومنا التي سقطت إليه، حتى أرشده وهداه ، فبين لكم ماذا يجب أن تقدموه في خطابتكم من الثمار المتساقطة عليكم من شجرة أهل البيت الطيبة شجرة الوحي والنبوة

إن برنامجكم في التبليغ لا يحتاج الى شرح وتوضيح ، فأنتم والحمد لله يكفيكم الإلفات والتذكير، فاكفلوا اليتامى كما أمركم(ع)، ولا تقرؤوا عليهم كلام زيد أو عمر، بل كلام الله تعالىورسوله(ص)، إقرؤوا لهم ماقاله جعفر بن محمد ومحمد بن علي صلوات الله عليهما، من ثمار تلك الشجرة الطيبة التي: أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا (سورة ابراهيم: 24-25) فاقطفوا الثمار من تلك الشجرة، وأسقطوها على أولئك الأيتام !

هذه توجيهات الإمام الحسين(ع)ولا يتسع الوقت لتفصيل فقه الحديث فإن فعلتم ذلك، فإن أجر من تكفل أولئك الأيتام الفكريين في زمن الغيبة وواساهم أن يقول الله له الله عز وجل: أيها العبد الكريم المواسي لأخيه أنا أولى بالكرم منك ، إجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر ، وضموا إليها ما يليق بها من سائر النعيم

نعم هذا أجر الحرف الواحد للكافلين أيتام آل محمد(ص)في غيبة إمامهم! وما أقل معرفتنا بعالم الجزاء وحياة الخلود ؟!

يمكنكم في هذه الأيام القليلة أن تفوزوا بتجارة رابحة، فالترغيب الكثير الذي ترونه في القرآن والسنة لنشر العلم والهداية ، إنما هو من أجل أن يقوم العلماء بواجبهم في التعليم ، خاصة في مثل عصرنا ، حتى لا يأتي بعض المخالفين والمتأثرين بهم ويعملوا لتحريف تلك العقائد المقدسة والأفكار النورانية ، التي بذل السلف الصالح جهودهم وجهادهم لحراستها والمحافظة عليها وإيصالها الى الأجيال، من زمن أوتاد الأرض الأربعة من تلاميذ الأئمة: محمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، وليث بن البختري المرادي ، وزرارة بن أعين رضوان الله عليهم(2) ، وصولاً الى الذين حفظوا عقائد التشيع الى عصرنا فأهم واجبكم أن تحرسوا هذه العقائد لتبقى نقية سليمة كما هي يجب أن تكون همتكم في أمرين: الأول: حفظ العقائد، والثاني: تعليم مسائل الحلال والحرام ويجب أن تعرفوا أنه لايمكن حفظ الإسلام إلا بحفظ التشيع أصلاً لايوجد دين في العالم إلا الإسلام، ولا يوجد إسلام بالمعنى الصحيح إلا في مذهب التشيع ، فالدين الصحيح والإسلام الصحيح منحصر في مذهب أهل البيت(ع)

أنتم ترون أن الذين يكثرون الكلام عن التوحيد ويدعون أنهم يحملون رايته دون سواهم، هم عند المحاكمة البرهانية أتباع أئمة في الشرك ، وبحكم البرهان رافعو راية التشبيه والتجسيم !

إن العقيدة الإسلامية الحقة في الله تعالى وتوحيده، وفي النبوات وفي المعاد منحصرة في المذهب الجعفري فقط ! وهذا الحكم ليس كلاماً خطابياً بل برهاني، فلن تجد ثقافة عند فئة ولا مذهب إلا وهي متأثرة بثقافات البشر وتحريفاتهم، إلا ما صدر من هذا البيت النبوي المطهر !

روحي فداء للإمام الباقر الذي قال: كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل! فهذه الكلمة اليوم يثبتها البرهان (3)

وإذا أردتم أن تهدوا الناس فلا تنسوا أن الحسين(ع)مصباح الهدى ، فما لم تجدوا المصباح لايمكنكم هدايتهم !

إن الحسين مصباح الهدىكلمة رآها النبي(ص)في معراجه الى السماء! لم ير هذه الكلمة في السماء الأولى ولا الثانية ، وصل الى اللوح ثم الى القلم ، وعَبَرَ عنهما وعن الكرسي ، عَبَرَ عن سبعين ألف قائمة للعرش ! وعندما وصل الى منتهى المطالب والمقاصد رآها هناك! وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل:مصباح هدى وسفينه نجاة (4)

فعليكم أن تحافظوا على عظمة عزاء سيد الشهداء(ع)ولاتسمحوا للضعفاء أو السفهاء المتأثرين بالأفكار السنية ، أن ينقصوا من عظمة العزاء الحسيني

في هذا اليوم لي كلمة مختصرة مع أعيان علماء السنيين،فلا أهمية لعلمائهم المقلدة ، لكن في كل قوم باحثون من أهل الإستدلال العقلي لهم تضلع في العلوم النقلية وكلامي فقط مع هؤلاء الذين لايقاس الواحد منهم بملايين المقلدة توجد رواية نصها: حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا في هذه الرواية جهتان للبحث: بحث سندي ، ودلالي

أما البحث السندي فنتعرض له هنا ، مع أنه ينبغي للمحققين منهم أن يلتفتوا الى أننا لانحتاج الى أصالة السند في مثل هذا النص ، بناء على مبنانا الذي نؤكد عليه ، من أن قوة المتن قد تكون دليلاً على صحة السند ، وأنه يستحيل أن يصدر هذا الكلام من غير المعصوم(ع)

لقد روى الحديث من علمائهم وأئمة محدثيهم: صاحب الإستيعاب ، وابن الأثير ، وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم ، والبخاري في الأدب المفرد، والطبراني، وابن شيبة، وآخرون من أعيان علمائهم وهذا نصه من الأدب المفرد للبخاري ص85: (364- حدثنا عبدالله بن صالح قال: حدثنا معاوية بن صالح ، عن راشد بن سعد ، عن يعلى بن مرة أنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعينا إلى طعام ، فإذا حسين يلعب في الطريق ، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ، ثم بسط يديه فجعل الغلام يفر ههنا وههنا، ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه، ثم اعتنقه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، الحسين سبط من الأسباط) انتهى (5)

وقد صححه عدد من علمائهم ، ومنهم الذهبي كبير النقاد عندهم ، مع أنه حريص ما استطاع على تضعيف أحاديث فضائل أهل البيت(ع)

أما فقه هذا الحديث فهو عميق ، لكنا نذكر منه نقاطاً ، ويمكن لأهل البحث والتحقيق أن يتوسعوا فيها ، وندعو مفكري السنة لأن يهتموا بدرايته ، ولا يقتصروا على روايته كما هو ديدنهم

حسين مني ماذا تعني؟ هذه الياء التي هي ضمير متصل بِمِن ، ثم جاءت ضميراً منفصلاً في أول الجملة الثانية:وأنا من حسين ، أي ياء هي؟ وعن أي معنى تحكي؟ ينبغي أن ينتبه من كان منهم متضلعاً في الإستدلالات العقلية ، الى أن كلمة: مني، هنا لا تعني أن الحسين يدي ، أوعيني ، أو رأسي ، أو جسدي فالياء هنا وكذا: أنا ، تعني تمام وجود النبي(ص)، من بدن وقوى ! فالحسين وجود انشعب من حقيقة الحقائق !

فإن لم يكونوا من أهل التخصصات العقلية العالية، فلا أقل أن يتفهموا النمط الثالث للنفس الأرضية والسماوية عند ابن سينا، هناك حيث يقال للإنسان: إرجع الى نفسك وتأمل! فليقرؤوا التنبيه الأول في إشارات ابن سينا في بحث النفس حتى آخره ليعرفوا حقيقة العِلِّية للإنسانية، وأنها مبدأ الإدراك والحركة ومبدأ كل فعل وانفعال في تكوين شخصيته !

حسين مني معناها أنه منشعب ومتفرع من جوهر النبوة السامي اللطيف، هذا الجوهر الذي هو فوق البدن البشري للنبي(ص)ذي الحواس المعروفة ، وفوق البدن المثالي للنبي(ص)الذي له حواسه أيضاً أما حسين مني فهو من جوهر مرتبته أعلى من هذا البدن المادي ، وذاك البدن المثالي !

ما أسهل رواية الحديث، فقد رواه كبارهم وصححوهرواه الحاكم النيشابوري وصححه هو والذهبي، ورواه آخرون كالترمذي وابن ماجه والبخاري ، لكن اقتحام العقبة إنما هو بفقهه لابروايته فماذا فعلتم في فقهه؟!

لو فهمتم معنى حسين مني ، لتابعتم سيركم فالحسين من النبي(ص)، والنبي من ماذا؟ والى أين يرجع الضمير في(مِنِّي) ومن أين تفرع النبي(ص)؟! هنا يخشع خواص المفكرين ويقولون: انكسرت الأقلام ، وخرس البيان !

فالنبي(ص)متفرع من نور العظمة الإلهي! والحقيقة المحمدية هي النقطة الأولى في بدو قوس النزول في الوجود، وهي منتهى قوس الصعود في الوجود ! وبه يتضح أن الحقيقة الحسينية عين الحقيقة المحمدية !

وهنا يصل العالم المفكر السني من هذا الحديث الشريف الى أصل النور وفروعه: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ ( سورة النور:35 )

ومادام الأمر كذلك، فإن الجراحات التي أصابت بدن الحسين يوم عاشوراء قد وقعت على شخص رسول الله(ص)، وما يقع على النبي يقع على نور عظمة الله تعالى ! إن المصيبة التي أصيبها الإسلام بالحسين(ع)هي المصيبة التي ثقلت في السماوات والأرض! المصيبة التي تهدمت بها أركان الهدى ، وأثرت على كل الوجود !

لو أن علماء المذاهب السنية تأملوا في كلامنا بعين الإنصاف وتابعوا هذا الباب الذي يفتحه لهم حديث: حسين مني وأنا من حسين، لعظموا يوم عاشوراء، ولخرجوا فيه حفاة حاسري الرؤوس دامعي العيون، وأوصوا جميع المسلمين أن يقيموا مراسم العزاء ليوم عاشوراء ، تفوق مراسم كل الحوادث والمناسبات الأخرى !

أرجو أن يقرؤوا هذا الرواية ، ثم يقرؤوا كلام ابن حجر العسقلاني ، وابن حجر الهيتمي ، وجلال الدين السيوطي، وغيرهم من علماء السنة ، حيث رووا كلهم ما حدث في يوم عاشوراء قالوا: لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهماكسفت الشمس كَسْفَةً بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي! أي ظننا أنها القيامة ! (6)

فالمصيبة التي هزت الملأ الأعلى ، وأحدثت فيه هذا الحزن والغضب، ماذا يجب أن تؤثر فينا في هذا العالم ؟!

حسين مني هذه هي الجملة الأولى ، والجملة الثانية:وأنا من حسين

ولا يتسع المقام لشرحها

أما الجملة الثالثة ، فهي عالم يموج بالبلاغة النبوية والدقة: أحب الله من أحب حسيناً والسر فيها أنها جملة خبرية، وإنشائية تتضمن معنى الإخبار! ومعناها أن الحسين محبوب الله تعالى الى حد أن محبته محبة لله تعالى ! فما هذه العظمة، وما السبب في حدوث هذا الإنقلاب حتى صار حب الحسين حباً لله تعالى ؟!

ولي خطاب أيضاً معكم ، فخطابكم يختلف عن خطاب السنيين

أقول لكم كلمتين لتفكروا فيهما:

الكلمة الأولى: أن الإمام الصادق(ع)المعروف بأخلاقه وبشاشته ، كان كما يروي صاحب كامل الزيارة عن أبي عمارة المنشد: ما ذكر الحسين عند أبي عبد الله في يوم قط فرئي أبو عبد الله متبسماً في ذلك اليوم الى الليل ! وكان يقول: الحسين عبرة كل مؤمن ! (7)

هذه هي قضية الحسين وهذا هو الإمام الصادق صلوات الله عليهم

والكلمة الثانية: هل رأيتم كيف يكون الفقيه؟! كان كبار العلماء إذا رأوا اتفاق ثلاثة فقهاء على الفتوى في مسألة في الفقه ، أفتوا بها ثقة بعلمهم ودقتهم وتقواهم! والثلاثة هم الشيخ الأنصاري، والميرزا الشيرازي، والميرزا الشيرازي الثاني ، قدس الله أرواحهم

وكان الميرزا محمد تقي الشيرازي أعلى الله مقامه أعجوبة في الفكر ، من حيث دقة النظر ، وأعجوبة في متانته وصلابته فهو الذي وقف في وجه الإنكليز وأطلق ثورة العراق ! شخص في مثل هذه الصفة ، كان يوم عاشوراء حاسر الرأس حافياً ، في موكب العزاء يلطم على صدره !

ما هذا العمل من رأس الشيعة ومرجعهم ؟ نعم ، كان رأس الشيعة ، وهو في عاشوراء، حاسر الرأس حافي القدمين! وهذا علامة فقاهته لأنه يرى أن الإمام الرضا(ع)يقول: إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء ، إلى يوم الانقضاء! (8)

إن يوم الحسين أقرح جفوننا إن أدق وألطف عضو في البدن هو العين، فماذا بلغت مصيبة الحسين حتى جرحت جفون الإمام الرضا(ع)؟!

إن الميرزا أعلى الله مقامه يفهم أن المصيبة التي أقرحت جفون الإمام الرضا(ع)، يجب أن يخرج لها حافيا حاسراً ، ويلطم على صدره !

لقد كان& أكبر مما قلنا ، وكان عمله أكثر مما ذكرن

وأختم حديثي كما افتتحته بجملة للإمام الصادق(ع)رئيس المذهب ، فهو الذي ينبغي أن يقول من هو الإمام الحسين(ع)، ومثله ينبغي له أن يقول! ففي تعليماته للشيعة في زيارة الإمام الحسين(ع)قال:إذا أتيت أبا عبدالله فاغتسل على شاطئ الفرات، ثم البس ثيابك الطاهرة، ثم امش حافياً، فإنك في حرم من حرم الله وحرم رسوله ، وعليك بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ، والتعظيم لله عز وجل كثيراً ، والصلاة على محمد وأهل بيته، حتى تصير إلى باب الحِير "الحائر"، ثم تقول: السلام عليك يا حجة الله وابن حجته الخ

وبما أن السائل سأله عن كيفية زيارته، فقد علمه أنك عندما تصل الى قبره الشريف وتسلم عليه بتلك التسليمات تقول: أشهد أنك حجة الله وابن حجته، وأشهد أنك قتيل الله وابن قتيله، وأشهد أنك ثائر الله وابن ثائره، وأشهد أنك وتر الله الموتور في السماوات والأرض، وأشهد أنك قد بلغت ونصحت ووفيت وأوفيت، وجاهدت في سبيل الله،ومضيت للذي كنت عليه شهيداً ومستشهداً وشاهداً ومشهوداً ( الكافي:4/575 )

السلام عليك يا حجة الله أشهد أنك حجة الله فبعد التسليم ، يأتي دور أداء الشهادة لله تعالى ، شهادةٌ تشبه تشهدك عندما تجثو في صلاتك بين يدي الله تعالى ، فتشهد له بالوحدانية ولرسول بالرسالة ، كذلك عندما تزور الإمام الحسين(ع)، فاشهد لله عند قبره بأن الحسين حجته على خلقه !

وهناك شهادة أخرى عظيمة ، عليَّ قولها وعليكم التفكير ، فقد علمنا الإمام الصادق أن نشهد بها للحسين(ص)وهي: أشهد أنك نور الله الذي لم يطفأ ولا يطفأ أبداً وأشهد أنك وجه الله الذي لم يهلك ولا يهلك أبداً (9)

التعليقات

(1) في الاحتجاج:1/5: (وأما الأخبار في فضل العلماء فهي أكثر من أن تعد أو تحصى، لكنا نذكر طرفاً منها فمن ذلك ما حدثني به السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي رضي الله عنه ، قال حدثني الشيخ الصادق أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي&عليه، قال حدثني أبي محمد بن أحمد، قال حدثني الشيخ السعيد أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي&، قال حدثني أبوالحسن محمد بن القاسم المفسر الأسترآبادي، قال حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار، وكانا من الشيعة الإمامية، قالا: حدثنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري(ع)، قال حدثني أبي عن آبائه(ع)عن رسول الله(ص)أنه قال: أشد من يتم اليتيم الذي انقطع من أمه وأبيه ، يتم يتيمٍ انقطع عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه ، ولايدري كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه، ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا فهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا ، كان معنا في الرفيق الأعلى )

وفي الاحتجاج: 1/8: ( وبهذا الإسناد عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري قال: قال الحسين بن علي(ع):من كفل لنا يتيماً قطعته عنا محنتنا باستتارنا ، فواساه من علومنا التي سقطت إليه ، حتى أرشده وهداه قال الله عز وجل: أيها العبد الكريم المواسي لأخيه، أنا أولى بالكرم منك ، إجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر ، وضموا إليها ما يليق بها من سائر النعيم

وبهذا الإسناد عنه(ع)قال قال محمد بن علي الباقر(ع): العالم كمن معه شمعة تضئ للناس ، فكل من أبصر بشمعته دعا بخير ، كذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة ، فكل من أضاءت له فخرج بها من حيرة أو نجا بها من جهل ، فهو من عتقائه من النار ، والله يعوضه عن ذلك لكل شعرة لمن أعتقه ما هو أفضل له من الصدقة بمائة ألف قنطار ، على الوجه الذي أمر الله عز وجل به ، بل تلك الصدقة وبال على صاحبها لكن يعطيه الله ما هو أفضل من مائة ألف ركعة يصليها من بين يدي الكعبة

وبهذا الإسناد عنه: قال قال جعفر بن محمد الصادق(ع): علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي ابليس وعفاريته ، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم ابليس وشيعته والنواصب ، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم

وعنه بالإسناد المتقدم قال: قال موسى بن جعفر(ص): فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عنا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه أشد على إبليس من ألف عابد لأن العابد همه ذات نفسه فقط وهذا همه مع ذات نفسه ذوات عباد الله وإمائه لينقذهم من يد إبليس ومردته، فلذلك هو أفضل عند الله من ألف عابد وألف ألف عابدة

وعنه قال: قال علي بن موسى الرضا(ع): يقال للعابد يوم القيامة: نعم الرجل كنت همتك ذات نفسك وكفيت مؤنتك فادخل الجنةألا إن الفقيه من أفاض على الناس خيره وأنقذهم من أعدائهم ووفر عليهم نعم جنان الله تعالى، وحصل لهم رضوان الله تعالى ، ويقال للفقيه: يا أيها الكافل لأيتام آل محمد ، الهادي لضعفاء محبيهم ومواليهم قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك ، فيقف فيدخل الجنة معه فئاما وفئاماً وفئاماً - حتى قال عشراً - وهم الذين أخذوا عنه علومه وأخذوا عمن أخذ عنه وعمن أخذ عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة ! فانظروا كم صرف ما بين المنزلتين ؟!

(2) في معجم رجال الحديث:4/196: (عن جميل بن دراج ، قال: سمعت أبا عبد الله(ع)يقول: أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة: محمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، وليث بن البختري المرادي ، وزرارة بن أعين )

(3) في بصائر الدرجات ص531: (عن الإمام الباقر(ع)قال: كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل ) انتهى ، وقد تقدم مع غيره في موضوع رقم12

(4) في عيون أخبار الرضا(ع):2/62: ( وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل: مصباح هدى وسفينه نجاة )

(5) في مسند أحمد بن حنبل:4/172: ( عبد الله حدثني أبي ، ثنا عفان ، ثنا وهيب ، ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن أبي راشد عن يعلى العامري ، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا له ، قال: فاستمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عفان قال وهيب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم ، وحسين مع غلمان يلعب فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذه ، قال فطفق الصبي ههنا مرة وههنا مرة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه ، قال فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه ، فوضع فاه على فيه فقبله، وقال: حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط

وفي سنن ابن ماجة:1/51 بروايتين، وقال في هامشه: ( في الزوائد: إسناده حسن رجاله ثقات )

وفي سنن الترمذي:5/324 ، وقال: هذا حديث حسن

وفي مستدرك الحاكم:3/177، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه

وفي تحفة الأحوذي بشرح الترمذي:10/190: (قوله: حسين مني وأنا من حسين قال القاضي: كأنه صلى الله عليه وسلم علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم فخصه بالذكر، وبين أنهما كالشئ الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة ، وأكد ذلك بقوله: أحب الله من أحب حسيناً، فإن محبته محبة الرسول ومحبة الرسول محبة الله

(حسين سبط) بالكسر (من الأسباط) قال في النهاية: أي أمة من الأمم في الخير ، والأسباط في أولاد إسحاق بن إبراهيم الخليل ، بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل واحدهم سبط ، فهو واقع على الأمة والأمة واقعة عليه انتهى

وقال القاضي: السبط ولد الولد ، أي هو من أولاد أولادي ، أكد به البعضية وقررها ، ويقال للقبيلة قال تعالى: وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً، أي قبائل، ويحتمل أن يكون المراد ههنا على معنى أنه يتشعب منه قبيلة ، ويكون من نسله خلق كثير ، فيكون إشارة إلى أن نسله يكون أكثر وأبقى ، وكان الأمر كذلك

قوله (هذا حديث حسن ) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد ، وابن ماجه والحاكم

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف:7/515 ، والبخاري في الأدب المفرد ص85 ، وابن حبان في صحيحه:15/427، والطبراني في المعجم الكبير:3 /33 ، و:22/274 ، وابن حجر الهيثمي في موارد الظمآن ص553

وفي كشف الخفاء:1/358:(حسين مني وأنا من حسين) رواه الترمذي وحسنه ، عن يعلى ابن مرة الثقفي مرفوعاً، ورواه أحمد وابن ماجه في سننه عن يعلى بن مرة باللفظ المذكور، وزاد: أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط )

وفي تناقضات الألباني الواضحات للسقاف:1/74: (حديث يعلى بن مرة مرفوعاً: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط) رواه الترمذي، وهو حسن الإسناد قلت: صححه الألباني فأورده في سلسلته الصحيحة:3/229 برقم1227وهو متناقض حيث ضعفه في تخريج مشكاة المصابيح:3/1738برقم 6160، قائلاً: وإسناده ضعيف اه‍ !!

وقال ابن كثير في والنهاية:8/224: ( ثم قال (أي الترمذي): حدثنا الحسن بن عرفة ، ثنا إسماعيل بن عياش، عن عبدالله بن عثمان بن خيثم ، عن سعيد بن راشد عن يعلى بن مرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط

ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن ورواه أحمد عن عفان عن وهب عن عبد الله بن عثمان بن خيثم به ورواه الطبراني عن بكر بن سهل ، عن عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح بن راشد بن سعد ، عن يعلى بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحسن والحسين سبطان من الأسباط وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم ، ثنا سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن أبي نعيم ، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) انتهى

ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق:14/148،وص149، وابن الأثير في أسد الغابة:2/19

(6) روى البيهقي في سننه:3/337 قال: (وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنبأ عبد الله بن جعفر ، ثنا يعقوب بن سفيان ، حدثني أبو الأسود النضر بن عبد الجبار ، أنبأ ابن لهيعة ، عن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي! انتهى أي أنها القيامة !

وفي مجمع الزوائد للهيتمي:9/196: (وعن أم حكيم قالت قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية فمكثت السماء أياماًمثل العلقةرواه الطبراني ورجاله إلىأم حكيم رجال الصحيح

وعن جميل بن زيد قال: لما قتل الحسين احمرت السماء قلت أي شئ تقول قال ان الكذاب منافق ان السماء احمرت حين قتل رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه

وعن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي رواه الطبراني وإسناده حسن

وفي المصنف لابن أبي شيبة:8/633: (262- حدثنا علي بن مسهر عن أم حكيم قالت: لما قتل الحسين بن علي وأنا يومئذ جارية قد بلغت مبلغ النساء أو كدت أن أبلغ ، مكثت السماء بعد قتله أياما كالعلقة

وقال القرطبي في تفسيره:16/141: (قال السدي: لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكت عليه السماء ، وبكاؤها حمرتها

وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد قال: لما قتل الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهما احمر له آفاق السماء أربعة أشهر قال يزيد: واحمرارها بكاؤها

وقال محمد بن سيرين: أخبرونا أن الحمرة التي تكون مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما وقال سليمان القاضي: مطرنا دماً يوم قتل الحسين

وقال ابن حجر في تلخيص الحبير:5/84: ( روى البيهقي عن أبي قبيل أنه لما قتل الحسين كسفت الشمس كسفةً بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي هو) انتهى

ورواه بنحوه الطبراني في المعجم الكبير:3/113 و119 وابن عساكر:14/228 و229 ، والمزي في تهذيب الكمال: 6/432 و433 ، والمناوي في فيض القدير:1/265، وعلي بن محمد الحميري في جزئه ص31 ، والنووي في المجموع:5/59 ، وفي روضة الطالبين: 1/598، والرافعي في الفتح العزيز:5/83، والشربيني في مغني المحتاج:1/320، والشرواني في حواشيه:9/67

وروى البخاري في التاريخ الكبير:4/129: ( عن سليم القاص قال: مطرنا أياماً أو يوم قتل الحسين دماً سمع منه حماد بن سلمة وإسماعيل بن إبراهيم أبو إبراهيم )

(7) في كامل الزيارات ص203: ( حدثني محمد بن جعفر القرشي ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن المغيرة، عن أبي عمارة المنشد، قال: ما ذكر الحسين بن علي(ع)عند أبي عبدالله جعفر بن محمد (ع)في يوم قط فرئي أبو عبد الله في ذلك اليوم متبسماً الى الليل ) ورواه في كامل الزيارات ص214 وزاد فيه: ( وكان(ع)يقول: الحسين عبرة كل مؤمن)

وفي أمالي الصدوق ص205: ( حدثنا أبي&قال: حدثنا سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن حسان الواسطي، عن عمه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي ، عن داود بن كثير الرقي قال: كنت عند أبي عبد الله(ع)إذ استسقى الماء ، فلما شربه رأيته وقد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثم قال: يا داود ، لعن الله قاتل الحسين، فما أنغص ذكر الحسين للعيش ! إني ما شربت ماء بارداً إلا وذكرت الحسين ، وما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة ألف حسنة ، ومحا عنه مائة ألف سيئة ، ورفع له مائة ألف درجة ، وكان كأنما أعتق مائة ألف نسمة ، وحشره الله يوم القيامة أبلج الوجه )

(8) في أمالي الصدوق ص190: (حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور&، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر ، عن عمه عبد الله بن عامر ، عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال: قال الرضا(ع): إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال ، فاستحلت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا ! إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء ، إلى يوم الإنقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء يحط الذنوب العظام

ثم قال(ع): كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلوات الله عليه )

(9) في بحار الأنوار:98/342: (روي عن الصادق(ع)في زيارة الحسين(ع)قال: تقف على القبر وتقول: الحمد لله العلي العظيم ، والسلام عليك أيها العبد الصالح الزكي ، أودعك شهادة مني لك تقربني إليك في يوم شفاعتك ، أشهد أنك قتلت ولم تمت ، بل برجاء حياتك حييت قلوب شيعتك ، وبضياء نورك اهتدى الطالبون إليك ، وأشهد أنك نور الله الذي لم يطفأ ، ولا يطفأ أبداً ، وأنك وجه الله الذي لم يهلك ، ولا يهلك أبداً ) ورواه أيضاً في:98 /251

(24)الإمام الحسين(ع)فوق الوصف والتعريف

( بتاريخ: 24ذي الحجة 1415ـ 25/5/1995 ـ 3/3/1374 )

طلب بعض الأفاضل أن أتكلم كلمات بمناسبة قرب عاشوراء وإنه لفوز عظيم يفوق التصور أن يشملكم التوفيق الإلهي ولطف حضرة ولي العصر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ، فتُسجَّل أسماؤكم في دفتر سيد الشهداء في أيام عاشوراء هذه كما أن المسؤولية مهمة جداً وثقيلة ، وهي أن نعرف الناس من هو الإمام الحسين(ع)، وما هي عاشوراء ؟

والمهم بالنسبة إلينا أن نفهم بالبرهان أن سيد الشهداء(ع)فوق الوصف والتعريف ، وأن عمله فوق رتبة التوفيق وبما أن المسألة أكبر من أن نستطيع تقريرها بكلماتنا ، فنحن ملزمون أن نطلب فهمها من كلمات أهل البيت الطاهرين صلوات الله عليهم ، بالتأمل فيها وكشف الحجاب عن أذهاننا للوصول الى عمقها

سأعرض عليكم توجيه الإمام الصادق(ع)ليونس بن ظبيان ، بشكل مجمل وأرجو أن تستفيدوا من خبراتكم العلمية لفقه هذا الحديث ، لأن مراتب العلماء إنما هي بدرجة الدراية لا الرواية قال يونس للإمام الصادق(ع): (جعلت فداك إني كثيراً ما أذكر الحسين ، فأي شئ أقول؟ فقال قل: صلى الله عليك يا أبا عبد الله تعيد ذلك ثلاثاً ، فإن السلام يصل إليه من قريب ومن بعيد قال له يونس: جعلت فداك إني أريد أن أزوره فكيف أقول وكيف أصنع؟ قال: إذا أتيت أبا عبد الله فاغتسل على شاطئ الفرات، ثم البس ثيابك الطاهرة، ثم امش حافياً فإنك في حرم من حرم الله وحرم رسوله ، وعليك بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، والتعظيم لله عز وجل كثيراً، والصلاة على محمد وأهل بيته ، حتى تصير إلى باب الحائر ، ثم تقول:

السلام عليك يا حجة الله وابن حجته

السلام عليكم يا ملائكة الله ، وزوار قبر ابن نبي الله

ثم اخط عشر خطوات ، ثم قف وكبر ثلاثين تكبيرة ، ثم امش إليه حتى تأتيه من قبل وجهه ، فاستقبل وجهك بوجهه وتجعل القبلة بين كتفيك ثم قل:

السلام عليك يا حجة الله وابن حجته

السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله

السلام عليك يا ثأر الله وابن ثاره

السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض ) انتهى (1)

تأملوا جيداً ، فالسلام الأول سلام عام ، وبعده ثلاث تسليمات خاصة ! وهنا المعرفة والحكمة! إن لُباب العلم في كلمات الأئمة المعصومين(ع)، والعقل البشري يحتاج الى مدد إلهي وعناية ربانية ، ليصل الى شعاع من تلك الشموس المتوهجة !

السلام عليك يا حجة الله وابن حجته وهذه الصفة سمةٌ عامة للأئمة الذين جعلهم الله ذرية مباركة بعضها من بعض ، لكن ما بعدها صفاتُ وسماتٌ خاصة بالحسين لا يشترك معه فيها غيره ، حتى أبوه صلوات الله عليهم

السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله تعبيرٌ بليغٌ لنوع فريد من الشهادة لله تعالى على خلقه ، شاركه فيه أبوه أمير المؤمنين(ع)، لكن الحسين(ع) اختص بأنه قتيل الله وابن قتيله ! فقد كُتِبَتْ له هذه السمة الفريدة من عالم الغيب: قتيل الله وابن قتيله! فلا تجد هذا المنصب الرباني لغيره في كل تاريخ البشرية ، ولا في مقامات الأنبياء والأوصياء والشهداء(ع)

ومن الممكن لنا أن نفهم صفة: قتيل الله وابن قتيله ، وثأر الله في الأرض وابن ثاره لكن العبارة المحيرة للعقول هي:

السلام عليك يا وتر الله الموتور ، في السماوات والأرض !

ثم ، بعد هذه المقامات الثلاثة ، قال الإمام الصادق(ع): أشهد أن دمك سكن في الخلد ، واقشعرت له أظلة العرش ، وبكى له جميع الخلائق !!

فصاحب هذا المقام الذي نريد أن نعرِّفه للمسلمين، جوهرٌ منحصرٌ بفرد! وإنجازاته كليٌّ منحصر بفرد ! وفي كل فقرة من هذه الدرر أبحاثٌ تستغرق ساعات ، ولا ندعي الكمال في الشارح ، بل نأمل الإستعداد في المستمع

والمهم الآن أن نفهم ما الذي حدث حتى صار دم الحسين(ع)من سكان عالم الخلد؟! فعالم الخلود مكان التجرد ، وذهاب الروح اليه وسكناها فيه منسجم مع الأصل ، لكن ذهاب الدم وسكنه فيه ، يعني أن الروح حدث فيها تطور فصار مقرها فوق الخلد! وأن الدم صار من نوع الروح فسكن الخلد ! معنى ذلك أن الحسين(ع)وصل الى درجة أن الخلد صار مسكناً لدمه الطاهر، أما روحه فمسكنها في درجة فوق الخلد ، لا نعرفها !

أشهد أن دمك سكن في الخلد، واقشعرت له أظلة العرش كلامٌ عن عالم أعلى، من إمام مفتوحة له النوافذ على ذلك العالم ! فما معنى سكن الدم في الخلد ، واقشعرار أظلة العرش له؟! وما هذا التقابل والجدلية بين سكن دم الحسين وسكونه في الخلد ، وبين اقشعرار أظلة العرش؟

إنه تعبير يموج بالبحث والمعرفة ! ثم يأتي بعده المشهد العجيب: وبكت له جميع الخلائق!

أين أهل التأمل والنظر وأصحاب الدقة الفكرية؟ لقد استعمل الإمام الجمع المحلى بالألف واللام للخليقة لتفيد التعميم لكل المخلوقات ، ثم جمعها بكلمة (الخلائق) ، ثم فصل الخلائق بعد إجمالها ! فقال: وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع ، وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا ، وما يرى وما لا يرى كلها بكت من أجل دم الحسين(ع)، فأين الحسين نفسه؟! نعم، كل هذا التجليل والعظمة إنما هو لدم سيد الشهداء الذي يجري في عروقه، والذي أراقه لله تعالى في كربلاء ! أما روحه المتعلقة بذلك الدم ، فلها حديث آخر !

فانظروا الى هذا التحول والإنقلاب الذي حصل في مراتب الوجود ، في نقطة الصعود ونقطة النزول ، من أين امتد إلى أين؟! وإلى أين نصل من باب العلم هذا الذي فتحه الإمام الصادق(ع)لأهل الفقه الأكبر ، عندما عرَّف لنا الإمام أبا عبد الله الحسين(ع)بدمه وليس بنفسه ولا بروحه فأفهمنا أن دمه الشريف فوق التعريف ، فكيف بصاحب الدم ، ومنزلته ؟!

إقرأ كتاب الكافي من أوله الى آخره ، ولكن قراءة باحث ، وتتبعْ فيه مراتب الوجود ، وقوس النزول والصعود ، لترى أن ما أشرت اليه من تفصيل علامة الوجود الإمام جعفر الصادق(ع)بعد إجماله: وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع، وما فيهن ومابينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يرى ومالا يرى يدل على أهل الجنة بكوْا لهذا الدم ، وأهل جهنم بكوا لهذا الدم ! وما ذلك إلا لأن انقلاباً حدث في قوس الصعود وفي قوس النزول ! وأن أعلى نقطة في مراتب الوجود الى أدنى نقطة في مراتبه ، كلها اهتز وجودها ووجدانها أمام دم الإمام الحسين(ع)، فما هذه العظمة ؟!

ولم يقف الإمام الصادق(ع)عند هذا ، بل قال كلمة بعده لا يستوعبها إلا من خصه الله برزق من عنده ! قال الإمام(ع):وما يرى ، وما لا يرى !

فكل ما خلق الله مما يرى ولا يرى ، بكى لدم الحسين(ع)!

فما هذا المجد الرباني للحسين ، وما قضيته ؟

هذا يعني أنك إذا أردت أن تتلفظ باسم الحسين(ع)على المنبر، وتؤدي ما ينبغي من مراسم ذكر اسمه، فغسلت فمك بماء الورد ألف مرة ! فأنت مقصر في آداب ذكر اسمه الشريف! كيف لا ، وأنت لا تستطيع أن تفهم دم الحسين(ع)، وما معنى أنه سكن في الخلد! فكيف تفهم روحه ؟!

وإذا أردنا أن نصوغ المطلب بنظم الدليل البرهاني ، فإن إضافة النكرة الى المعرفة تقلب النكرة فتكتسب بإضافتها التعريف ، هذه قاعدة العَلَم الإضافي، فإذا كان المضاف اليه فوق التعريف ، أخذ المضاف من صفته فصار فوق التعريف ! وهذا هو الدليل البرهاني على أن الإمام الحسين(ع)فوق التعريف !

كما أن الإضافة تكون أحياناً إضافة فنائية ، فيكون لها حكم آخر ، حيث تسري آثار المفني فيه الى الفاني وتظهر عليه ! فلننظر الى إضافة الحسين الى الله تعالى ، أي نوع من الإضافة هي ، لكي نفهم لماذا قال الإمام الصادق(ع): السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله !

فمن هو قتيل الله هذا ؟ إرجعوا الى دعاء علقمة بن محمد الحضرمي، واقرؤوا هذا الجملة التي تبين مقام النبي(ص)وبقية أصحاب الكساء(ع) يقول: يا من يكفي من كل شئ ولا يكفي منه شئ في السموات والأرض ! أسألك بحق محمد خاتم النبيين،وعلي أمير المؤمنين، وبحق فاطمة بنت نبيك وبحق الحسن والحسين، فإني بهم أتوجه إليك في مقامي هذا وبهم أتوسل ، وبهم أتشفع إليك، وبحقهم أسألك وأقسم وأعزم عليك، وبالشأن الذي لهم عندك، وبالقدر الذي لهم عندك، وبالذي فضلتهم على العالمين، وباسمك الذي جعلته عندهم، وبه خصصتهم دون العالمين ، وبه أبنتهم وأبنت فضلهم من فضل العالمين ، حتى فاق فضلهم فضل العالمين جميعاً (2)

فمعنى هذا أن هؤلاء الخمسة صار لهم حسابهم الخاص عن كل العالمين ، بما حملهم الله تعالى من اسمه الأعظم ، فلا يقاس بهم غيرهم أبداً ! وذلك الدم المقدس الذي أريق في كربلاء أخذ خصوصياته من هنا ! فهو دم بدن يحمل اسم الله الأعظم ، لكن الى أي حد ، وأي مستوى؟

إن اسم الله الأعظم ثلاث وسبعون حرفاً ، منه حرف مختص بالله تعالى ، لايصل الى مخلوق ولا يصل اليه مخلوق! ومن الإثنين وسبعين حرفاً أعطى الله تعالىعبده عيسى بن مريم(ع)أربعة حروف فقط، وبها كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله كل هذه الآثار كانت بالحروف الأربعة !

أما ابراهيم(ع)فقد وصل الى درجة أن يعطى من اسم الله الأعظم ثمانية حروف لم يتجاوز الثمانية !

وأما نبينا وأهل بيته(ص)فقد أعطاهم الله تعالى اثنين وسبعين حرفاً من إسمه الأعظم فالحروف الأربعة التي عند عيسى المسيح(ع)، والثمانية التي عند ابراهيم(ع)، الى الإثنين وسبعين حرفاً ، كلها في قلب الحسين(ع)! ولك أن تتصور بدناً يحمل مثل هذا الجوهر الفرد ، ودماً أريق من مثل ذلك القلب بأي حساب يجب أن يحسب ؟!

لا بد أن تعرف دمَ مَنْ هو ؟ ومن أي نوع من المعرفة تغذى ؟

ومن أي نبع سقيت صفاته وملكاته ؟ ومن أجل مَن أريق ، وكيف ؟

وهل يمكن لبشر أن يفهم ذلك الدم الذي يجري فيه اسم الله الأعظم ؟!

لسنا في صدد الحديث عن الجراحات التي وقعت على ذلك البدن الشريف صلوات الله عليه ، وعن تعدادها وتفصيلها ، فغرضنا أن نفهم شيئاً من شهادة الإمام الصادق(ع):أشهد أن دمك سكن في الخلد ! فالإمام الحسين (ع)بكل هذه الجراحات التي في بدنه(3) ، وقف في جانب الميدان ليستريح ساعة ، فقد كان التعب بلغ به مبلغه ، فهو على أي حال بشر ، وامتحانه الإلهي هذا يتم في عالم بشريتهوقف وهو يحمل جراحاته ليستريح هنيهة ، فقد رجع من حملاته عليهم ، ورد حملاتهم عليه ، وقبل قليل كان عند جسد أخيه العباس، وجثمان ولده علي الأكبر، ورأى أجساد أصحابه المجدلين في أرض كربلاء هنا وهناك ، والآن هذه جراحاته تستوعب بدنه !

في ذلك الوقت ضربه خبيث بحجر فوقع على جبهته ، فرفع طرف قميصه ليمسح الدم عن وجهه، فماذا حدث؟ أتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب فوقع في صدره فانبعث الدم كالميزاب ، فتلقى الدم بيده فلما امتلأت رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم قطرة !!

أرجو أن تلتفتوا لماذا تلقى الحسين دم قلبه بيده ورمى به الى السماء؟! وكم مرة فعل ذلك؟ وفي إحداها مسح به وجهه وبدنه !

وأي دم صعد الى السماء ، وأي دم مسح به رأسه ووجهه؟

وهل وقع من دمه على الأرض؟

ولماذا لم يتركه الإمام الحسين يجري على الأرض ؟!

ولو جرى على الأرض هل تبقى أرض وأهل الأرض ؟!

إن هذا هو معنى: السلام عليك يا رحمة الله الواسعة ويا باب نجاة الأمة

أنت يامولاي جعفر بن محمد ينبغي أن تقول أي دم كان ذلك الدم؟!

أخذ الحسين(ع)الدم الشريف ونظر اليه وقال: بسم الله وبالله، ثم قال: وفي سبيل الله، ثم رمى به نحو السماء، يعني: إِلَيْه يَصْعَد ُالْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه! قال الإمام الصادق(ع): فما رجع من ذلك الدم قطرة !!

ذلك هو الدم الذي سكن في الخلد !!

يا أحمد بن حنبل ، أنت كتبت في مسندك

يا ابن عبد البر ، أنت كتبت في استيعابك

ويا ابن حجر ، أنت كتت في الإصابة

ويا ترمذي ، أنت كتبت في سننك

ويا جلال الدين السيوطي ، أنت كتبت في تفسيرك وتاريخك

ويا بيهقي والخطيب البغدادي ، وأئمة التفسير والحديث

أنتم جميعاً كتبتم ، فهل فهمتم ما كتبتم من خبر ابن عباس قال رأيت النبي (ص)حزيناً مغبر الثياب وبيده قارورة يلتقط فيها دم الحسين(ع)ليرفعه الى العرش،وأن النبي(ص)أخبر ابن عباس بشهادة الحسين(ع)فكان كماقال وظهر صدق رؤيا ابن عباس ، وظهرت كرامة للنبي(ص)في دم الحسين(ع)!

(قال ابن الأثير في تاريخه:1/82: قال ابن عباس: رأيت النبي الليلة التي قتل فيها الحسين، وبيده قارورة يجمع فيها دماً فقلت: يارسول الله ما هذا ؟ فقال: هذه دماء الحسين وأصحابه، أرفعها الى الله تعالى ) ! انتهى

وفي رواية: أرفعه الى السماء، وفي رواية: الى العرش وفي كلها: دم الحسين وأصحابه ! يا أئمة رواة الحديث ، هل فهمتم ماذا يعني النبي(ص) بذلك؟! يعني أني أنا بستاني الإنسانية، بعثت في أهل الأرض وغرست بستاناً وعندما تطلع منه الورود ، لابد أن آتي وأقطفها وآخذها الى الله تعالى، لأن محلها: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ !

أشهد لقد طيب الله بك التراب ، وأوضح بك الكتاب

السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله

التعليقات

(1) في الكافي:4/575: (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد، عن الحسين بن ثوير قال: كنت أناويونس بن ظبيان والمفضل بن عمرو أبو سلمة السراج جلوساً عند أبي عبد الله(ع)، وكان المتكلم منا يونس وكان أكبرنا سناً فقال له: جعلت فداك إني أحضر مجلس هؤلاء القوم يعني ولد العباس فما أقول؟ فقال: إذا حضرت فذكرتنا فقل: اللهم أرنا الرخاء والسرور فإنك تأتي على ماتريد

فقلت: جعلت فداك إني كثيراً ما أذكر الحسين(ع)فأي شئ أقول ؟ فقال: قل: صلى الله عليك يا أبا عبد الله تعيد ذلك ثلاثاً فإن السلام يصل إليه من قريب ومن بعيد

ثم قال: إن أبا عبد الله الحسين لما قضى بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ، ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا ، وما يرى وما لايرى بكى على أبي عبد الله الحسين إلا ثلاثة أشياء لم تبك عليه ، قلت: جعلت فداك وما هذه الثلاثة الأشياء ؟ قال: لم تبك عليه البصرة ولا دمشق ولا آل عثمان عليهم لعنة الله

قلت: جعلت فداك إني أريد ، أن أزوره فكيف أقول وكيف أصنع ؟

قال: إذا أتيت أبا عبد الله فاغتسل على شاطئ الفرات ثم ألبس ثيابك الطاهرة ثم امش حافياً ، فإنك في حرم من حرم الله وحرم رسوله ، وعليك بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ، والتعظيم لله عز وجل كثيراً ، والصلاة على محمد وأهل بيته ، حتى تصير إلى باب الحير ، ثم تقول:

السلام عليك يا حجة الله وابن حجته

السلام عليكم يا ملائكة الله وزوار قبر ابن نبي الله

ثم اخط عشر خطوات ، ثم قف وكبر ثلاثين تكبيرة ، ثم امش إليه حتى تأتيه من قبل وجهه ، فاستقبل وجهك بوجهه وتجعل القبلة بين كتفيك ثم قل:

السلام عليك يا حجة الله وابن حجته

السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله

السلام عليك يا ثأر الله وابن ثاره

السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض

أشهد أن دمك سكن في الخلد، واقشعرت له أظلة العرش، وبكى له جميع الخلائق، وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ، ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا ، وما يرى وما لا يرى

أشهد أنك حجة الله وابن حجته، وأشهد أنك قتيل الله وابن قتيله، وأشهد أنك ثائر الله و ابن ثائره ، وأشهد أنك وتر الله الموتور في السماوات والأرض ، وأشهد أنك قد بلغت ونصحت ووفيت وأوفيت ، وجاهدت في سبيل الله ، ومضيت للذي كنت عليه شهيداً ومستشهداً وشاهداً ومشهود

أنا عبد الله ومولاك، وفي طاعتك، والوافد إليك، ألتمس كمال المنزلة عند الله، وثبات القدم في الهجرة إليك، والسبيل الذي لايختلج دونك من الدخول في كفالتك التي أمرتُ بها من أراد الله بدأ بكم ، بكم يبين الله الكذب، وبكم يباعد الله الزمان الكلب، وبكم فتح الله وبكم يختم، وبكم يمحو ما يشاء وبكم يثبت ، وبكم يفك الذل من رقابنا ، وبكم يدرك الله ترة كل مؤمن يطلب بها، وبكم تنبت الأرض أشجارها، وبكم تخرج الأشجار أثمارها ، وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها بكم يكشف الله الكرب ، وبكم ينزل الله الغيث، وبكم تسيخ الأرض، التي تحمل أبدانكم، وتستقر جبالها عن مراسيها إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم ، وتصدر من بيوتكم ، والصادر عما فصل من أحكام العباد

لُعِنَتْ أمةٌ قتلتكم ، وأمة خالفتكم ، وأمة جحدت ولايتكم ، وأمة ظاهرت عليكم ، وأمة شهدت ولم تستشهد الحمد لله الذي جعل النار مثواهم وبئس ورد الواردين ، وبئس الورد المورود والحمد لله رب العالمين وصلى الله عليك يا أبا عبد الله ، أنا إلى الله ممن خالفك برئ ( ثلاثاً ) ثم تقوم فتأتي ابنه علياً وهو عند رجليه فتقول:

السلام عليك يا بن رسول الله ، السلام عليك يا بن علي أمير المؤمنين ، السلام عليك يابن الحسن والحسين ، السلام عليك يابن خديجة وفاطمة ، صلى الله عليك لعن الله من قتلك - تقولها ثلاثاً - أنا إلى الله منهم برئ ( ثلاثاً )

ثم تقوم فتؤمي بيدك إلى الشهداء وتقول: السلام عليكم ( ثلاثاً ) فزتم والله فزتم والله فليت أني معكم فأفوز فوزاً عظيما ثم تدور فتجعل قبر أبي عبد الله بين يديك فصل ست ركعات وقد تمت زيارتك ، فإن شئت فانصرف )

(2) في مصباح المتهجد ص777: (وروى محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمال وعندنا جماعة من أصحابنا إلى الغري بعد ما خرج أبو عبد الله(ع)فسرنا من الحيرة إلى المدينة فلما فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله الحسين(ع)فقال لنا: تزورون الحسين(ع)من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين(ع)من هاهنا أومأ إليه أبوعبدالله الصادق(ع)وأنا معه، قال فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر(ع)في يوم عاشوراء ثم صلى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين(ع)وكان فيما دعا في دبرهما:

يا ألله يا ألله يا ألله يا مجيب دعوة المضطرين يا كاشف كرب المكروبين يا غياث المستغيثين ويا صريخ المستصرخين ويا من هو أقرب إلي من حبل الوريد يا من يحول بين المرء وقلبه ويا من هو بالمنظر الأعلى وبالأفق المبين ويا من هو الرحمن الرحيم على العرش استوى ، ويا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ويا من لا يخفي عليه خافية، يا من لاتشتبه عليه الأصوات، ويا من لاتغلطه الحاجات ويا من لا يبرمه إلحاح الملحين، يا مدرك كل فوت، ويا جامع كل شمل، ويا بارئ النفوس بعد الموت ، يا من هو كل يوم في شأن ، يا قاضي الحاجات ، يا منفس الكربات ، يا معطي السؤلات ، يا ولي الرغبات، يا كافي السؤالات المهمات ، يا من يكفي من كل شئ ولا يكفي منه شئ في السموات والأرض

أسألك بحق محمد خاتم النبيين ، وعلي أمير المؤمنين ، وبحق فاطمة بنت نبيك، وبحق الحسن والحسين ، فإني بهم أتوجه إليك في مقامي هذا ، وبهم أتوسل ، وبهم أتشفع إليك ، وبحقهم أسألك وأقسم وأعزم عليك، وبالشأن الذي لهم عندك وبالقدر الذي لهم عندك ، وبالذي فضلتهم على العالمين وباسمك الذي جعلته عندهم وبه خصصتهم دون العالمين ، وبه أبنتهم وأبنت فضلهم من فضل العالمين ، حتى فاق فضلهم فضل العالمين جميعاً أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تكشف عني غمي وهمي وكربي ، وتكفيني المهم من أموريالى آخر الدعاء)

(3) في بحار الأنوار: 45/52: (وقال الباقر(ع): أصيب الحسين(ع)، ووجد به ثلاث مائة وبضعة وعشرون طعنة برمح وضربة بسيف أو رمية بسهم وروي ثلاثمائة وستون جراحة وقيل ثلاث وثلاثون ضربة سوى السهام وقيل ألف وتسعمائة جراحة

وفي بحار الأنوار:45/53: (فوقف(ع)يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه ، فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب ، فوقع السهم في صدره ـ وفي بعض الروايات على قلبه ـ فقال الحسين(ع): بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، ورفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح فلما امتلأت رمى به إلى السماء، فما رجع من ذلك الدم قطرة، وما عرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين (ع)بدمه إلى السماء ، ثم وضع يده ثانياً فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته وقال: هكذا أكون حتى ألقى جدي رسول الله وأنا مخضوب بدمي وأقول: يارسول الله قتلني فلان وفلان، ثم ضعف عن القتال فوقف ، فكلما أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه! حتى جاءه رجل من كندة يقال له: مالك بن اليسر فشتم الحسين(ع)وضربه بالسيف على رأسه وعليه برنس فامتلأ دماً، فقال له الحسين: لا أكلت بها ولا شربت، وحشرك الله مع الظالمين ثم ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتم عليها وقد أعيا صلوات الله عليه)

 

(25)حديث اللوح الذي أهداه الله تعالى إلى فاطمة(ع)

( بتاريخ: 24 ذي الحجة 1419 ـ 11/4/1999 ـ 22/1/1376 )

ينبغي للعلماء الأفاضل الذين واجبهم السفر في أيام عاشوراء ، أن يتذكروا أن تبليغ الإسلام ونشره من أهم الواجبات ، وأن يستفيدوا من هذا الظرف الزماني أيام عاشوراء الذي هو أهم ظرف في العالم فالزمن الذي وقع في هذا الظرف وصفه الإمام بكلمة قطعية: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله

ينبغي أن نستفيد الكثير من أسماء السور في القرآن، فأسماؤها تعطي أضواء على عمود الموضوع في السورة ، ومنها سورة باسم (التغابن) لقوله تعالى فيها: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْم الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وكما نلاحظ فإن أسماء القيامة في القرآن متعددة ، وقد استعمل في هذا الآية اسمين منها ، وهذه نقطة مهمة لا أدري هل تعرض المفسرون لها وما هو الإرتباط بين الإسمين: الجمع والتغابن ، ولماذا قال: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، فأشار الى جمع لغير يوم الجمع، وما الفرق بين قوله تعالى: يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، وقوله: ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة، (سورة الجاثـية: 26) ثم لماذا استعمل هنا الإشارة بالبعيد فقال: ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ؟!

مهما يكن ، فقد سميت السورة بالتغابن وهو من التفاعل ، فما السر في هذا التفاعل التغابني؟وأي معان عظيمة ولطائف يقصدها الله تعالى من التغابن بين البشر في يوم القيامة ؟

لابد لفهم القرآن من طلب المدد من كلمات الوحي من كلام النبي وأهل بيته الأطهار(ص)بقدرة فكرية وقوة فقهية ، لنفهم به كلام الله تعالى

وهنا حديث عن النبي(ص)كما في عدة الداعي لابن فهدالحلي(ره) ص 103: (إنه يفتح للعبد يوم القيامة على كل يوم من أيام عمره أربع وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار فخزانة يجدها مملوءة نوراً وسروراً ، فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور مالو وزع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار ، وهي الساعة التي أطاع فيها ربه

ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة منتنة مفزعة، فيناله منها عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسم على أهل الجنة لنغص عليهم نعيمها، وهي الساعة التي عصى فيها ربه !

ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها خالية ليس فيها مايسره ولايسوؤه، وهي الساعة التي نام فيها ، أو اشتغل فيها بشئ من مباحات الدنيا ، فيناله من الغبن والأسف على فواتها حيث كان متمكناً من أن يملأها حسنات، ما لايوصف ومن هذا قوله تعالى: ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) انتهى

فكل ساعة من عمر أحدنا خزانة ، لابد أن يفتحها يومئذ ليرى بماذا ملأها: إقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (سورة الإسراء:14 ) ونلاحظ أن تفسير التغابن عند الخزانة الثالثة عندما يرى تلك الخزانة الفارغة الخالية ، فالغبن هو أن يكون ما حصل عليه أقل مما ذهب منه ، أن يكون المثمن أقل من الثمن الى حد الغبن! وبهذا الغبن اهتزت قاعدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، وجعلت أصالة اللزوم في العقود في الشريعة من أجل تدارك ما فات بالغبن! إن الفقيه الذي يفقه خيار الغبن، يجب أن يفهم سورة التغابن ، ويدرك هذا الحديث النبوي ، وينظر في ساعات عمره التي تمضي ، خاصة في الظرف الممتاز من ساعات العمر ، كيف يجب أن يستفيد منها؟!

إن ساعاتكم في عاشوراء الحسين(ع)فيها تغابن لايقاس بأي تغابن آخر! والعمدة في الموضوع أن العالم الديني عليه أن يعمل بما استطاع لاجتناب الوقوع في تلك الحسرة التي تفوق الوصف: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ( سورة مريم:39 )

أما كيف نجبر ذلك الغبن وننجو من يوم التغابن ، فإن النبي(ص)بين لنا الطريق على لسان الإمام العسكري(ع)إذ قال: ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا فهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا ، كان معنا في الرفيق الأعلى

يقول(ص): بعلومنا، لا بأي علم !

ويقول: وعلمه شريعتنا ، لا أي شريعة ! فذلك الذي هو موضوع الكلام ، وذلك الذي يكون معهم في الرفيق الأعلى أما معلم العلوم الأخرى فللكلام عنه موضع آخر

إن عاشوراء بالنسبة الى كل عالم وخطيب، مَنْجَمٌ للحصول على تلك الجواهر فما هو واجبه وتكليفه ؟

من أول ما ينبغي أن يعرفه العالم أن كل ما له قدر وقيمة ، موجود بعد القرآن في كلام النبي والأئمة صلوات الله عليهم ، أما كلام زيد وعمر فلا قيمة له لكي يستحق أن يطرحه على الناس ويجعله محوراً !

إن ما يجب أن يكون مستندكم ومنبع كلامكم مع الناس ، أنتم الذين قضيتم عمراً في الدرس والبحث ، هو القرآن والسنة فقط! ماذا قال الله تعالى؟ وماذا أوضح النبي وأهل بيته المعصومون(ص)؟

كونوا علماء بعلم هؤلاء صلوات الله عليهم ، فإن كنتم كذلك وهديتم في عاشوراء شخصاً واحداً وأرشدتموه وعلمتموه من علمهم وفقههم الأصيل ، التي هي شريعة الله سبحانه ، عندئذ يكون الأجر والجزاء: كان معنا في الرفيق الأعلى !!

كان معنا لايتصور مقام أعلى من هذا المقام ! فاعرفوا مقامكم ، واعرفوا مع من تتعاملون ، وإلى من تتركون أولادكم ونساءكم عندما تذهبون الى منطقة فيها جهال بالعقيدة والشريعة ، فترشدون ولو يتيماً واحداً من أيتام آل محمد الى معرفة مقامهم وعلومهم وشريعتهم

مقامكم معهم، ومقام المعية للنبي وآله الطاهرين لايتصور أعلى منه ! ولم يكتف الحديث بإضافة المعية ، فأضاف اليها إضافة الظرفية ! أما إضافة المعية فهي الرجوع اليهم عند الله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي (سورة الفجر: 27- 30 ) وأما الإضافة الظرفية فهي:كان معنا في الرفيق الأعلى، ولنترك بحثه الى وقت آخر

المهم الآن أن نفهم عاشوراء ما هي؟ ويوم من هي؟ هنا يتحير أهل العقول!

يوجد حديث يعرف قيمته أهل الخبرة بالحديث وأهل الفهم للأحاديث، ويفهمون أنه إكسير لا مثيل له ، رواه الكليني أعلى الله مقامه في الكافي ، والصدوق أعلى الله مقامه في كمال الدين ، وبقية المشايخ من كبار المحدثين والفقهاء، وهو معروف باسم (حديث اللوح) هذا الحديث جاء به جبرئيل(ع) الى رسول الله(ص)، مكتوباً على لوح زبرجد، تحفةً لفاطمة الزهراء(ع)، تهنئةً لها بولادة الإمام الحسين(ع)، وفيه أسماء الأئمة من أولادها ، مع ذكر أهم خصوصياتهم صلوات الله علييهم ومن نصه: (عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا الله إله إلا أنا ، قاصم الجبارين ، ومديل المظلومين، وديان الدين إني أنا الله لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين فإيايَ فاعبد، وعليَّ فتوكل إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصياً، وإني فضلتك على الأنبياء، وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي ، بعد انقضاء مدة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي،وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه ، وحجتي البالغة عنده ، بعترته أثيب وأعاقب ) انتهى (1)

في هذا الحديث ثمانية مقامات للإمام الحسين(ع)عدا أن الحديث في أصله تهنئةٌ وبشرى من رب العالمين عز وجل للنبي(ص)، ولوصيه علي وللصديقة الزهراء أم الأئمة ، بمناسبة ولادة الإمام الحسين(ع)

أولها: وجعلت حسيناً خازن وحيي، فما هو الوحي الذي جعل الله الحسين خازناً له؟ ومن أين يبدأ وحي الله ، وأين ينتهي؟ يبدأ من قوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَىالْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وينتهي عند قوله تعالى: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى وقوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى !!

هذا الوحي كله مخزون في قلب الحسين بن علي بن أبي طالب(ع)!!

وجعلت حسيناً خازن وحيي، ومتى نحن عرفناه صلوات الله عليه، حتى نفهم عاشوراءه ما هي؟ ونعرف ماذا حدث في ذلك اليوم؟ ودم أي شخص أريق؟ إن كلمات الله تعالى لا أستطيع أنا ولا غيري أن يفهم عمقها ، إنما ندرك منها شعاعاً ! ومن يستطيع أن يفهم معنى: خازن الوحي، وشخصية خازن الوحي، إلا الذي يعرف الوحي ما هو؟! فذلك الذي يعرف حقيقة الوحي ، ويعرف الفرق بين الوحي والعقل والفكر !

إن الكلمات التي كلم الله بها موسى(ع)وقال عنها عز وجل: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً (سورة النساء:164 )، ذكرها بصيغة المفعول المطلق وأجملها إجمالاً ، لأنها شعبةٌ من الموضوع ، وكلماتٌ من الكلمات أما تمام هذه الكلمات فهي مخزونة في قلب الحسين بن علي(ع)! القلب الذي وقع فيه ذلك السهم في يوم عاشوراء والقلب الذي أريق منه ذلك الدم يوم عاشوراء !

إقرأ كامل الزيارات لتفهم ماذا يقول الأئمة عن مقام الإمام الحسين(ع)!

إن حول قبره عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً ، مهبطٌ للملائكة من السماء ومعراجٌ لهم ! والأهم هذه الجملة قوله(ع): فليس من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وهو يسأل الله تعالى أن يزور الحسين، ففوج يهبط وفوج يصعد! (2)

هذا هو الإمام الحسين(ع)، الذي غير ماهية يوم عاشوراء فصار: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله الذي يأتي لزيارته كل ليلة جمعة ، كل الأنبياء(ع)بلا استثناء ، من آدم النبي الخاتم ، وكل الأوصياء(ع)بلا استثناء !!

من خصوصيات الإمام الحسين(ع)أن الفاتحة التي تقرأ لروح الأموات المدفونين بجواره في كربلاء، لو قسمت لوصل الى الواحد منهم ما لا يحصيه القلم ! ذلك هو سيد الشهداء ، وذلك هو دمه الشريف , وأي دم ؟!

هذا الدم الطاهر لا تجعلوه تجارة ، ولا تستعملوه من أجل منصب فلان وفلان! إنه رأس مال حق ، يجب أن يستفاد منه للحق والحق ثلاث كلمات فقط، الملك الحق: فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ (سورة طـه:114)، والثانية الدين الحق: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَىالدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (سورة التوبة:33 )، والثالثة: السلام على الحق الجديد صلوات الله عليه

والنتيجة: أن عاشوراء يجب حصر إنفاقها في التعريف بالله تعالى ودينه ، وحجته إمام العصر صلوات الله عليه ، لأنه صاحبها عندما أريق دمه قال: بسم الله وبالله وفي سبيل الله بسم الله وبالله وفي سبيل الله فاستفيدوا من هذا الدم في سبيل الله ، لكي تروا خير الدنيا والآخرة ، ولا يكون أحدنا ممن: خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ( سورة الحج: 11 )

التعليقات

(1) حديث اللوح ، حديث عظيم ، وهو من معجزات نبينا(ص)، وهو كتاب من الله تعالى نزل به جبرئيل على النبي(ص)، في لوح أخضر كالزمرد مكتوب بنور أبيض وفيه بيان نعم الله تعالى على نبيه وتوجيهه الى شكرها، خاصة نعمته عليه في جعل الحكم والإمامة في ذريته وله شبيه فيما أوحاه الله الى نبيه موسىونبيه عيسى(ص)

وفيما يلي خلاصة من عهد الله تعالى لموسى وعيسى(ص)، والنص الكامل لحديث اللوح الذي عهد به لنبيه محمد(ص):

عهد الله تعالى الى نبيه موسى(ع)

في الكافي:8/42: (عن علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن علي بن عيسى رفعه قال: إن موسى ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته:

يا موسى: لا يطول في الدنيا أملك فيقسو لذلك قلبك وقاسي القلب مني بعيد

يا موسى: كن كمسرتي فيك فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى ، فأمت قلبك بالخشية وكن خلق الثياب جديد القلب ، تخفى على أهل الأرض ، وتعرف في أهل السماء ، حلس البيوت ، مصباح الليل ، واقنت بين يدي قنوت الصابرين ، وصُحْ إليَّ من كثرة الذنوب صياح المذنب الهارب من عدوه، واستعن بي على ذلك، فإني نعم العون ونعم المستعان

يا موسى: إني أنا الله فوق العباد ، والعباد دوني ، وكل لي داخرون ، فاتهم نفسك على نفسك ، ولا تأتمن ولدك على دينك ، إلا أن يكون ولدك مثلك يحب الصالحين

يا موسى: اغسل واغتسل واقترب من عبادي الصالحين

يا موسى: كن إمامهم في صلاتهم وإمامهم فيما يتشاجرون ، واحكم بينهم بما أنزلت عليك ، فقد أنزلته حكماً بيناً وبرهاناً نيراً ونوراً، ينطق بما كان في الأولين ، وبما هو كائن في الآخرين

أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى بن مريم ، صاحب الأتان والبرنس ، والزيت والزيتون والمحراب

ومن بعدِهِ بصاحب الجمل الأحمر ، الطيب الطاهر المطهر ، فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها ، وأنه راكع ساجد راغب راهب ، إخوانه المساكين ، وأنصاره قوم آخرون ، ويكون في زمانه أزل وزلزال ، وقتل وقلة من المال إسمه أحمد ، محمد الأمين، من الباقين من ثلة الأولين الماضين، يؤمن بالكتب كلها، ويصدق جميع المرسلين ويشهد بالإخلاص لجميع النبيين أمته مرحومة مباركة ما بقوا في الدين على حقائقه ، لهم ساعات مؤقتات يؤدون فيها الصلوات ، أداء العبد إلى سيده نافلته ، فبه فصدق ، ومنهاجه فاتبع فإنه أخوك

يا موسى: إنه أمي وهو عبد صدق ، يبارك له فيما وضع يده عليه ، ويبارك عليه كذلك كان في علمي وكذلك خلقته ، وبه أفتح الساعة ، وبأمته أختم مفاتيح الدنيا ، فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه ولا يخذلوه ، وإنهم لفاعلون ، حبه لي حسنة ، فأنا معه وأنا من حزبه وهو من حزبي وحزبهم الغالبون ، فتمت كلماتي لأظهرن دينه على الأديان كلها ، ولأعبدن بكل مكان ، ولأنزلن عليه قرآناً فرقاناً شفاءاً لما في الصدور من نفث الشيطان ، فصلِّ عليه يا ابن عمران ، فإني أصلي عليه وملائكتي الى آخر ما جاء في هذا العهد وهو طويل)

عهد الله تعالى الى نبيه عيسى(ع)

في الكافي:8/131: (عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط عنهم(ع)قال: فيما وعظ الله عز وجل به عيسى(ع):

يا عيسى أنا ربك ورب آبائك ، إسمي واحد ، وأنا الأحد المتفرد بخلق كل شئ ، وكل شئ من صنعي ، وكل إلي راجعون

يا عيسى: أنت المسيح بأمري ، وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ، وأنت تحيي الموتى بكلامي ، فكن إليَّ راغباً ، ومني راهباً ، ولن تجد مني ملجأ إلا إليَّ

يا عيسى: أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتى حقت لك مني الولاية بتحرِّيك مني المسرة ، فبوركت كبيراً ، وبوركت صغيراً حيثما كنت ، إشهد أنك عبدي ابن أمتي ، أنزلني من نفسك كهمِّك ، واجعل ذكري لمعادك ، وتقرب إليَّ بالنوافل ، وتوكل عليَّ أكفِكْ ، ولا توكَّل على غيري فأخذلك

يا عيسى: إصبر على البلاء ، وارض بالقضاء ، وكن كمسرتي فيك ، فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى يا عيسى: أحي ذكري بلسانك ، وليكن ودي في قلبك يا عيسى: تيقظ في ساعات الغفلة ، واحكم لي لطيف الحكمة يا عيسى: كن راغباً راهباً ، وأمت قلبك بالخشية يا عيسى: راع الليل لتحري مسرتي ، واظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي

يا عيسى: نافس في الخير جهدك ، تعرف بالخير حيثما توجهت

يا عيسى: أحكم في عبادي بنصحي ، وقم فيهم بعدلي ، فقد أنزلت عليك شفاءا لما في الصدور من مرض الشيطان يا عيسى: لا تكن جليساً لكل مفتون

يا عيسى: حقا أقول: ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي، ولاخشعت لي إلا رجت ثوابي، فاشهد أنها آمنة من عقابي، ما لم تبدل أو تغير سنتي

يا عيسى: إني لم أرض بالدنيا ثواباً لمن كان قبلك ، ولا عقاباً لمن انتقمت منه

يا عيسى: إنك تفنى وأنا أبقى ، ومني رزقك ، وعندي ميقات أجلك ، وإليَّ إيابك ، وعليَّ حسابك ، فسلني ولا تسأل غيري ، فيحسن منك الدعاء ومني الاجابة

يا عيسى: ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر ، الأشجار كثيرة وطيبها قليل ، فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرها

يا عيسى: لا يغرنك المتمرد عليَّ بالعصيان ، يأكل رزقي ويعبد غيري، ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه ، ثم يرجع إلى ما كان عليه فعليَّ يتمرد أم بسخطي يتعرض ؟ فبي حلفت لآخذنه أخذةً ليس له منها منجىً ولا دوني ملجىً، أين يهرب من سمائي وأرضي ؟!

يا عيسى: قل لظلمة بني إسرائيل لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم ، والأصنام في بيوتكم ، فإني آليت أن أجيب من دعاني ، وأن أجعل إجابتي إياهم لعناً عليهم حتى يتفرقوا

يا عيسى: كن رحيما مترحماً ، وكن كما تشاء أن يكون العباد لك ، وأكثر ذكر الموت ومفارقة الأهلين ، ولا تَلْهُ فإن اللهو يفسد صاحبه ، ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد ، واذكرني بالصالحات حتى أذكرك

يا عيسى: لا خير في لذاذة لا تدوم ، وعيش من صاحبه يزول

يا ابن مريم لو رأت عينك ما أعددت لأوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقاً إليه ، فليس كدار الآخرة دار تجاور فيها الطيبون ، ويدخل عليهم فيها الملائكة المقربون ، وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون ، دار لا يتغير فيها النعيم ولا يزول عن أهلها

يا ابن مريم: نافس فيها مع المتنافسين فإنها أمنية المتمنين ، حسنة المنظر ، طوبى لك يا بن مريم إن كنت لها من العاملين ، مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم ، لا تبغي لها بدلاً ولا تحويلاً ، كذلك أفعل بالمتقين

يا عيسى: أهرب إليَّ مع من يهرب من نار ذات لهب ، ونار ذات أغلال وأنكال ، لا يدخلها روح ، ولا يخرج منها غم أبداً ، قطع كقطع الليل المظلم من ينج منها يفز ، ولن ينجو منها من كان من الهالكين ، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين ، وكل فظ غليظ ، وكل مختال فخور

يا عيسى: كنت خلقاً بكلامي ، ولدتك مريم بأمري ، المرسل إليها روحي جبرئيل الأمين من ملائكتي ، حتى قمت على الأرض حياً تمشي ، كل ذلك في سابق علمي

يا عيسى: كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في قبضتي ، وتقلبهم في أرضي ، يجهلون نعمتي ، ويتولون عدوي ، وكذلك يهلك الكافرون

يا عيسى: إني إذا غضبت عليك لم ينفعك رضى من رضي عنك ، وإن رضيت عنك لم يضرك غضب المغضبين يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي ، واذكرني في ملائك أذكرك في ملأ خير من ملأ الآدميين

يا عيسى: كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتاباً ينطق بالحق وأنتم تشهدون ، بسرائر قد كتمتموها ، وأعمال كنتم بها عاملين

يا عيسى: قل لظلمة بني إسرائيل غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم ، أبي تغترون ، أم علي تجترئون ، تطيبون بالطيب لأهل الدنيا ، وأجوافكم عندي بمنزله الجيف المنتنة ، كأنكم أقوام ميتون

يا عيسى قل لهم: قلموا أظفاركم من كسب الحرام ، وأصموا أسماعكم عن ذكر الخنا ، وأقبلوا علي بقلوبكم ، فإني لست أريد صوركم

يا عيسى: إفرح بالحسنة ، فإنها لي رضىً ، وابكِ على السيئة فإنها شيْن ، وما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك ، وإن لطم خدك الأيمن فأعطه الأيسر ، وتقرب إليَّ بالمودة جهدك ، وأعرض عن الجاهلين

يا عيسى: ذُلَّ لأهل الحسنة وشاركهم فيها ، وكن عليهم شهيداً ، وقل لظلمة بني إسرائيل: يا أخدان السوء والجلساء عليه ، إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير

يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل: الحكمة تبكي فرقاً مني ، وأنتم بالضحك تهجرون ، أتتكم براءتي أم لديكم أمان من عذابي ، أم تعرضون لعقوبتي ، فبي حلفت لأتركنكم مثلاً للغابرين

ثم أوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي، فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر، والوجه الأقمر ، المشرق بالنور ، الطاهر القلب ، الشديد البأس ، الحيي المتكرم ، فإنه رحمة للعالمين ، وسيد ولد آدم يوم يلقاني ، أكرم السابقين عليَّ ، وأقرب المرسلين مني، العربي الأمين ، الديان بديني ، الصابر في ذاتي ، المجاهد المشركين بيده عن ديني ، أن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم أن يصدقوا به، وأن يؤمنوا به، وأن يتبعون وأن ينصروه قال عيسى: إلهي من هو حتى أرضيه ؟ فلك الرضا ؟

قال: هو محمد رسول الله إلى الناس كافة ، أقربهم مني منزلة ، وأحضرهم شفاعة ، طوبى له من نبي ، وطوبى لأمته إن هم لقوني على سبيله ، يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء ، أمين ميمون طيب مطيب ، خير الباقين عندي ، يكون في آخر الزمان إذا خرج أرخت السماء عزاليها ، وأخرجت الأرض زهرتها ، حتى يروا البركة وأبارك لهم فيما وضع يده عليه ، كثير الأزواج ، قليل الأولاد ، يسكن بكة موضع أساس إبراهيم

يا عيسى: دينه الحنيفية وقبلته يمانية ، وهو من حزبي وأنا معه ، فطوبى له ثم طوبى له ، له الكوثر والمقام الأكبر في جنات عدن ، يعيش أكرم من عاش ويقبض شهيداً ، له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس من رحيق مختوم ، فيه آنية مثل نجوم السماء وأكواب مثل مدر الأرض ، عذب فيه من كل شراب ، وطعم كل ثمار في الجنة ، من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً ، وذلك من قسمي له وتفضيلي إياه على فترة بينك وبينة ، يوافق سره علانيته وقوله فعله ، لا يأمر الناس إلا بما يبدأهم به ، دينه الجهاد في عسر ويسر ، تنقاد له البلاد ، ويخضع له صاحب الروم على دين إبراهيم ، يسمى عند الطعام ويفشي السلام ، ويصلي والناس نيام ، له كل يوم خمس صلوات متواليات ، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار ، ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم ، ويصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة أقدامها ، ويخشع لي قلبه ورأسه ، النور في صدره ، والحق على لسانه ، وهو على الحق حيثما كان)

حديث اللوح أو عهد الله تعالى لنبيه محمد(ص)

في الكافي:1/527: ( عن محمد بن يحيى ومحمد بن عبد الله ، عن عبد الله بن جعفر عن الحسن بن ظريف وعلي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن بكر بن صالح ، عن عبدالرحمن بن سالم،عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(ع)قال:قال أبي لجابر بن عبدالله الانصاري إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها ؟ فقال له جابر:أي الأوقات أحببته، فخلا به في بعض الأيام فقال له:ياجابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة(ع)بنت رسول الله(ص)وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب ؟ فقال جابر: أشهد بالله أني دخلت على أمك فاطمة(ع)في حياة رسول الله(ص) فهنيتها بولادة الحسين ورأيت في يديها لوحا أخضر ، ظننت أنه من زمرد ورأيت فيه كتاباً أبيض، شبه لون الشمس ، فقلت لها: بأبي وامي يابنت رسول الله(ص) ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا لوح أهداه الله إلى رسول الله (ص)فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني واسم الأوصياء من ولدي وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك ، قال جابر فأعطتنيه أمك فاطمة(ع) فقرأته واستنسخته ، فقال له أبي: فهل لك يا جابر: أن تعرضه علي؟ قال: نعم، فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من رق ، فقال: يا جابر انظر في كتابك لأقرأ عليك

فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي ، فما خالف حرف حرفاً ، فقال جابر: فأشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً:

(بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا الله إله إلا أنا قاصم الجبارين ومديل المظلومين وديان الدين إني أنا الله لا إله إلا أنا ، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي، عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فإياي فاعبد ، وعليَّ فتوكل

إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصياً ، وإني فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي، بعد انقضاء مدة أبيه وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده ، بعترته أثيب وأعاقب

أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين ، وابنه شبه جده المحمود محمد ، الباقر علمي ، والمعدن لحكمتي

سيهلك المرتابون في جعفر ، الراد عليه كالراد علي، حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر، ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه

أتيحت بعده موسى فتنة عمياء حندس، لأن خيط فرضي لا ينقطع، وحجتي لا تخفى، وإن أوليائي يسقون بالكأس الأوفى ، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي

ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في علي وليي وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوة ، وأمتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت مستكبر ، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح ، إلى جنب شر خلقي

حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه، وخليفته من بعده، ووارث علمه، فهو معدن علمي، وموضع سري ، وحجتي على خلقي لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه ، وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار

وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي

أخرج منه الداعي إلى سبيلي ، والخازن لعلمي ، الحسن

وأكمل ذلك بابنه "م ح م د " رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ، فيذل أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيقتلون ويحرقون ، ويكونون خائفين، مرعوبين وجلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ، ويفشو الويل والرنا في نسائهم ، أولئك أوليائي حقاً ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس ، وبهم أكشف الزلازل وأدفع الآصار والأغلال ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون

قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك ، إلا هذا الحديث لكفاك ، فصنه إلا عن أهله ) انتهى

ورواه ابن بابويه في الإمامة والتبصرة ص104، والصدوق في عيون أخبار الرضا:2/49، وفي كمال الدين ص310، والنعماني في الغيبة ص64، والطوسي في الغيبة ص 145، والطبرسي في الإحتجاج:1/85 ، وابن شهر آشوب في المناقب:1/255 ، وغيرهم رضوان الله عليهم

(2) في كامل الزيارات ص225: (حدثني القاسم بن محمد بن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن جده ، عن عبد الله بن حماد الأنصاري ، عن عبد الله بن سنان ، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: قبر الحسين عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسراً ، روضة من رياض الجنة ، منه معراج الى السماء فليس من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وهو يسأل الله تعالى أن يزور الحسين ، ففوج يهبط وفوج يصعد) !!

(26)الخيار بين عاشوراء وعيد النوروز

( بتاريخ: 21 ذي الحجة 1422 ـ 6/3/2002 ـ 15/12/1380 )

بمناسبة قرب عاشوراء ، وأن هذا اليوم آخر أيام البحث أقدم ملاحظات الى الأفاضل الذين يتوفقون في هذه الأيام لأداء خدمة التبليغ الكبيرة ، التي لا يقدر ثوابها ولا يوصف

أوصيهم أولاً: أن يفتتحوا كل مجلس من مجالسهم ، بعد القرآن ، بزيارة: سلام على آل ياسين، حتى يكون المجلس مشمولاً لإشراق شمس وجود الإمام المهدي أرواحنا فداه

وأوصيهم ثانياً: أن يعلموا الناس أحكام الإسلام من الحلال والحرام ، لأن المنبر الخالي من إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل ، لايكون مشمولاً لرضا النبي والأئمة صلوات الله عليهم

وأوصيهم ثالثاً: أن يرسخوا أصول عقائد الناس

فإن كانت مجالسكم بهذه الصفات ، انطبقت على أحدكم ثلاثة عناوين: الأول، عنوان المرابطة في سد ثغور المسلمين، ودفع الشبهات عن قلوب أهل الدين والعنوان الثاني، عنوان الجهاد في سبيل الله تعالى والثالث، أنه من كافلي أيتام آل محمد(ص)

فهنيئاً لكم حيث أن كل واحد منكم يذهب الى التبليغ بيد خالية ، ولكنه يرجع بيد مملوءة، فهو مرابط ، ومجاهد ، وكافل لأيتام آل محمد(ص) وهذا كله في عصر الغيبة الذي يتضاعف فيه الثواب

وأوصيكم رابعاً: بوصية خاصة في هذه السنة التي يتقارن فيها عيد النوروز بأيام عاشوراء ، لا بد أن يفهم الناس ما معنى عزاء أبي عبدالله الحسين(ع)؟ وأي مصيبة كانت مصيبته ؟!

عندي كلمات أقولها في هذا اليوم، لكن ليست لكل الناس، فالناس قسمان: قسم لا شغل لهم بسيد الشهداء(ع)، ونحن لا شغل لنا بهم !

أما الذين لهم به شغل(ع)، ومّنْ مِنَّا ليس له شغل معه(ع)ونحن عما قريب سنواجه سكرات الموت التي لا توصف، وليس عندنا لآخرتنا شئ !

إن تصور أحدنا أنه يملك شيئاً هو منتهى الجهل ! فلو عرفنا أنفسنا وعرفنا الله تعالى ، لفهمنا أننا لانملك شيئاً إلا الأمل بأن يتداركنا برحمته، ويشرفنا عند احتضارنا بحضور أمير المؤمنين(ع)

والحاجة الثانية، التي لنا عند الإمام الحسين(ع)وقتها في أول ليلة نحل فيها في قبرنا ، في تلك الظلمة الموحشة ، والحيرة المذهلة ، حيث لاحبيب ولا مؤنس ولا قريب ، ولا نور إلا نور جماله الرباني ، وجمال جده وأهل بيته الطاهرين(ع)

والحاجة الثالثة، وهنا انقطعت الكهرباء فقال الأستاذ: ليس مهماً أن تنقطع الكهرباء ، لا بأس ففي كل شئ عبرة ، قلنا إن المهم لنا يومذاك هو نور الإمام الحسين(ع)، حاجتنا الثالثة للإمام الحسين(ع)يوم القيامة: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (سورة الشعراء: 88) ، يوم لا وجود لعمل الإنسان إلا بالنور: يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ (سورة التحريم: 8) وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (سورة النور: 40 ) فكما أن اتصال هذه السلك بتيار الكهرباء ومنبعها يضئ المكان ، فإن اتصال قلبنا وعقلنا بمركز نور الإمام الحسين(ع)يضئ ما حولنا فيسعى نورنا يوم القيامة بين أيدينا وبأيماننا !

إن المثل الذي ضربه الله لنا وأرشدنا فيه الى مركز نوره في الأرض ، إنما هو لنور سيد الأنبياء والرسل وآله سادة الأئمة والأوصياء صلوات الله عليهم: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة ٍالزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ (سورة النور:35 )

نحن من ناحية العمل، لا شئ عندنا ليوم موتنا وقبرنا وحشرنا ، إلا مثل هذا الظلام الذي سببه انقطاع الكهرباء ! وكل ما في كتابنا إنما هو كلمة واحدة هي ولاية الحسين وحب الحسين(ع)!

وهذا الحب إذا حل في قلب إنسان ، يستطيع صاحبه أن يفهم أي مصيبة أصيبها الوجود في عاشوراء بسيد الشهداء(ع)، وماذا أثرت في الوجود ؟

إن واجبكم فرداً فرداً أن تحبوا الحسين(ع)وتَفهموا وتُفهموا الناس معنى: لا يوم كيومك يا أبا عبدالله !

ومن أجل أن نفهم عمل أبي عبدالله الحسين(ع)نحتاج الى الإستعانة بقوله تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (سورة الأنعام:132) ، فإن جميع الدرجات في نظام الحكمة الإلهية والعدل الإلهي، تكون حسب العمل، فلا بد أن نعرف العمل البشري ما هو ؟

ونحتاج الى الإستعانة بقواعد الحكمة التي تننظر في كل عمل الى ثلاث نقاط: جذره الذي هو مبدؤه ودافعه ، وثمرته أو منتهاه ، وأن ننظر ثالثاً الى نفس العمل لذلك ينبغي أن ننظر الى عمل سيد الشهداء(ع)من هذه الزوايا الثلاث ، الى بعضه بنظرة الدليل ، وبعضه بنظرة البرهان ، وبعضه عن طريق الإستدلال بإنْ ، وبعضه عن طريق الإستدلال بلمَ ، وبعضه بالطريقين وبعد ذلك ننظر الى نفس العمل

وعندما ننظر الى عاشوراء من هذه الجهات يتضح لنا وللعالم أنه لا يستطيع أحد أن يفهم عمق شخصية الإمام الحسين(ع)، أو يستوعب عظمة عمله !

أولاً، ماهو مبدأ عمله ودافعه اليه؟ إن عمل الإنسان ودافعه ينبع من مقامه وعالمه الذي يعيشه مع الله تعالى، ومقام الإمام الحسين(ع)يفهمه الكاملون من أهل العرفان من دعائه في عرفات بالمقايسة مع مقام نبي الله يونس(ع)! فمقام يونس يدل عليه نداؤه الذي ناداه في بطن الحوت: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىفِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (سورة الأنبياء: 87 ) فمع أن يونس(ع)في الصف الأول في عظماء السالكين الى الله تعالى، فمقامه: لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

أما مقام الحسين(ع)فنجده في دعائه في عرفات حيث أضاف الى جملة نبي الله يونس(ص)أحد عشر جملة ، كما في بعض الروايات:

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المستغفرين

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الموحدين

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الخائفين

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الوجلين

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الراجين

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المهللين

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من السائلين

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المسبحين

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المكبّرين

لا إله إلا أنت سبحانك ربي ورب آبائي الأولين

ومعنى هذا أن الإمام الحسين(ع)في الرتبة الثانية عشرة من مقام يونس (ع)! وإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ (سورة التوبة: 36) ولا وجود لرتبة الثالث عشر في نظام الكون وهذا يعني أن الإمام الحسين(ع)في دعاء عرفة ، قد قطع مراحل شهور المعرفة التي هي المعنى الباطن لهذه الآية! وقال ليونس: أنت قلت:لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وبقيت الكلمات الباقية لي فأنا أقولها ! ( راجع إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس:2/84 ، وبحار الأنوار:95/222 )

إن كل واحدة من هذه الجمل بحر من المعرفة بلا قعر ، يغرق فيه جبرئيل وميكائيل وإسرافيل! فمن يستطيع أن يفهم أنه(ع)عندما قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الموحدين، كيف قطع اثنتي عشرة مرحلة من التوحيد، من مقامات توحيد الألوهية إلى توحيد الربوبية ، حتى وصل إلى توحيد المحبة لربه ، فصار لسان حاله: تركت الخلق طراً في هواكا !

هذا هو جذر العمل عند الحسين ودافعه ، منبعه من:لا إله إلا أنت، التي وقف عندها عرفاء الأولين والآخرين ، فأنى لهم بما بعدها ؟!

أما نفس عمل الإمام الحسين(ع)ماذا كان؟ فهنا يصمت المتكلمون عن الكلام! يقول أبو بصير&:(كنت عند أبي عبد الله(الإمام الصادق(ع))أحدثه، فدخل عليه ابنه فقال له مرحباً وضمه وقبله وقال: حقَّر الله من حقركم، وانتقم ممن وَترَكم، وخذل الله من خذلكم ، ولعن الله من قتلكم ، وكان الله لكم ولياً وحافظاً وناصراً ، فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء ثم بكى وقال:

يا أبا بصير إذا نظرت الى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه مما أتي الى أبيهم وإليهم، يا أبا بصير إن فاطمة لتبكيه وتشهق فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض فيكبحونها مادامت باكية ، ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة على أهل الأرض ، فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة

وإن البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على بعض ، وما منها قطرة إلا بها ملك موكل، فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نارها بأجنحته، وحبس بعضها على بعض مخافة على الدنيا وما فيها ومن على الأرض، فلا تزال الملائكة مشفقين ، يبكونه لبكائها، ويدعون الله ويتضرعون إليه،ويتضرع أهل العرش ومن حوله،وترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس لله مخافة على أهل الأرض ولو أن صوتاً من أصواتهم يصل الى الأرض لصعق أهل الأرض ، وتقطعت الجبال وزلزلت الأرض بأهلها

قلت: جعلت فداك إن هذا لأمرٌ عظيم! قال: غيره أعظم منه ما لم تسمعه ، ثم قال لي: يا أبا بصير أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة؟ فبكيت حين قالها، فما قدرت على المنطق، وماقدرت على كلامي من البكاء، ثم قام إلى المصلى يدعو، فخرجت من عنده على تلك الحال ، فما انتفعت بطعام وما جاءني النوم وأصبحت صائماً وجلاً حتى أتيته، فلمارأيته قد سكن سكنت، وحمدت الله حيث لم تنزل بي عقوبة!) ( كامل الزيارات ص169 )

ماذا رأى أبو بصير ، وماذا كان حال الإمام الصادق(ع)؟!

فهل نستطيع أن نفهم ما عرفه الإمام الصادق من يوم جده أبي عبدالله(ع)؟ أو ندرك ماذا قدم الإمام الحسين(ع)في يوم عاشوراء وماذا جرى له ، حتى أن الصديقة الكبرى سيدة نساء أهل الجنة(ع)، تبكي له في ملئها الأعلى فتضج لها السماوات ، وتضج لغضبها النار والبحار؟!

ماذا عمل الإمام الحسين(ع)حتى أن الإمام المعصوم قال إن يومه لا شبيه له في الصعاب الكبرى التي مرت على الأنبياء والأوصياء(ع)، فقال عنه: ولا يوم كيومك يا أبا عبد الله !

قال الإمام الصادق(ع): إن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع)دخل يوماً على الحسن(ع)فلما نظر إليه بكى فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ قال: أبكى لما يصنع بك فقال له الحسن: إن الذي يؤتى إلي سمٌّ يُدسُّ إليَّ فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل ، يدعون أنهم من أمةجدنا محمد، وينتحلون دين الاسلام، فيجتمعون على قتلك،وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار!) ( أمالي الصدوق ص177 )

هذه نفحةٌ عن دافع العمل ، وعن نفس العمل

أماثمرات عمله(ع)فقد روى شيخ المحدثين الصدوق(ره)في ثواب الأعمال وشيخ الطائفة(ره)في التهذيب ، وسند الرواية في الكافي وفي كامل الزيارات في غاية الإعتبار ، ومتنها في نهاية العظمة ، عن الإمام الصادق(ع)قال:

( لِِمَوْضِعُ قبر الحسين حرمةٌ معلومة، من عرفها واستجار بها أجير قلت: صف لي موضعها؟ قال:إمسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من قدامه، وخمسة وعشرين ذراعاً عند رأسه،وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه وموضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنة، ومنه معراج يعرج منه بأعمال زواره إلى السماء، وليس من ملك ولا نبي في السماوات إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين ففوجٌ ينزل و فوجٌ يعرج) (الكافي:4/588 ، وكامل الزيارات ص457 )

ولا يتسع المجال لشرح هذا الحديث الشريف ، فنكتفي بالإشارة الى فقرته الأخيرة: وليس من ملك ولا نبي في السماوات إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين ، ففوجٌ ينزل وفوجٌ يعرج ! فقد استعمل(ع)صيغة النفي والإستثناء ، في النص على التعميم !

وهذا يعني أن جبرئيل ناموس الوحي، وميكائيل ناموس الرزق، وإسرافيل ناموس النفخ، وعزرائيل ناموس القبض، والكروبيين، وحملة العرش، وسكان البيت المعمور، وحفظة الكرسي، وجميع ملائكة الله في أرجاء الكون، بدون استثناء يستأذنون الله في زيارة قبر الإمام الحسين(ع)!

ولا نبي من آدم(ع)بعلمه للأسماء،ونوح(ع)صاحب مقام العبد الشكور، وإبراهيم(ع)صاحب رتبة خليل الله، وموسى(ع)صاحب مقام كليم الله، وعيسى (ع)صاحب منصب روح الله كلهم يطلبون في باب الله سائلين، أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين(ع)! هذه ثمرة عمل الإمام الحسين(ع)!

إن عملاً هذا جذره ودافعه، وهذه طبيعته، وتلك ثمرته! واجبكم تجاهه أن تعرفوه ، وتعرِّفوه للناس كما هو على حقيقته

إن الجهاز الحاكم لهذا البلد ، أولئك الذين يتكئون على كرسي النيابة ، أو يجلسون على كرسي الوزارة، أو يقعدون في منصب الرئاسة إنما وصلوا الى مناصبهم ببركة تاسوعاء وعاشوراء! ومقتضى شكر المنعم عندما تتقارن عاشوراء مع عيد النوروز كما في هذه السنة،أن تشطبوا على كل مراسم الفرح وأن تبدؤوا كلامكم وخطبكم بـ: السلام عليك ياأبا عبدالله، فابدؤوا هذا الربيع الذي تزامن مع خزنة حدائق النبي الأكرم(ص)، وانشروا رايات السواد على معالم البلد في كل أرجائه

صلى الله عليك يا أبا عبدالله صلى الله عليك يا أبا عبدالله

السلام على الحسين ، وعلى علي بن الحسين ، وعلى أولاد الحسين ،

وعلى أصحاب الحسين