الفصل العاشر
من أنوار الإمام المهدي صلوات الله عليه
(32)من هو الإمام صاحب الزمان(ع)؟
( بتاريخ 14 شعبان 1418 ـ 15/12/1997 ـ 24/9/1376 )
يوجد سؤالان مهمان:
الأول: من هو صاحب الزمان(ع)؟
والثاني: ما هو طريق الإرتباط به(ع)؟
وللجواب على سؤال من هو؟ لابد أن نحدد الطريق الذي نسلكه للحصول على الجواب ،
فطريق معرفته(ع)يحتاج الى معرفة !
ذلك أن شخصية المعصوم(ع)ذات جنبتين، جنبة بشرية ، وجنبة يتصل بها الإمام بالملأ
الأعلى ، وطريق المعرفة لابد أن يكون متناسباً مع المطلوب معرفته ، ووسائلنا في
المعرفة لا تصلح لمعرفة هذه الشخصية الفريدة ، فلا علماء الطبيعة ، ولا
الفلاسفة ، ولا العرفاء ، ولا الحكماء العاديون ، يستطيعون ذلك ، لأن شخصية
المعصوم(ع)لا تخضع لوسائلهم في المعرفة
إن معرفة شخصية الإمام المعصوم(ع)وما خصه به الله تعالى ، لا تتيسر إلا لمن وصل
الى مقام العصمة ، فهو الحكيم الذي يعرف ما الخبر ، لا الفلاسفة عن طريق
فلسفاتهم ونظرياتهم، ولا علماء الطبيعة عن طريق قواعدهم ووسائلهم ، ولا العرفاء
عن طريق عرفانهم وأدلتهم الذوقية! فقط ، من وصل الى مقام العصمة وعاشه ، هو
الذي يعرف المعصوم ويعرفنا عليه !
وهكذا لابد لنا للحصول على جواب سؤالنا أن نعرف الإمامة أولاً ما هي؟
ثم نعرف الإمام بشكل عام من هو ؟
ثم ننتقل الى معرفة صاحب الزمان(ع)من هو ؟
ومن عيون كلمات المعصومين(ع)في تعريف الإمامة والإمام ، كلام الإمام الرضا(ع) (تقدم
حديث الإمام الرضا(ع)في وصف الإمامة في الموضوع رقم:29)
ومن الطبيعي أنا لا نستطيع إكمال البحث في ماهية الإمامة في هذا المجلس ولا في
مئة مجلس ، وإنما غرضنا أن نفتح الباب للذين يبذلون جهدهم وأوقاتهم في التفكير
في أعمق العلوم الإسلامية كالفقه وأصول الفقه، أن يتوجهوا بتفكيرهم الى علم
أصول العقيدة
لقد عرَّف الإمام الرضا(ع)الإمامة أولاً، ثم عرف الإمام وبين صفاته ، وتضمن
كلامه في الإمامة ثمانية وعشرين مبحثاً ! نتعرض لكلمة واحدة منها في بيان درجة
الإمامة ورتبتها في قوس الصعود وسلسلة الموجودات
قال(ع): (إن الإمامة أجل قدراً، وأعظم شأناً، وأعلا مكاناً ، وأمنع جانباً ،
وأبعد غوراً ، من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا
إماماً باختيارهم)! والمهم للعلماء هو الدراية لا الرواية
والتعبير الأول للإمام الرضا(ع)عن جلالة الإمامة ، ومتعلق الجلالة القدر
والتعبير الثاني عن عظمتها ، ومتعلق العظمة الشأن
والتعبير الثالث عن علوها ، ومتعلق العلو المكان
والتعبير الرابع عن منعتها ، ومتعلق المنعة عزة الجانب
والتعبير الخامس عن بعد غورها ، ومتعلق الغور العمق !
وفي هذه الأوصاف يتجلىعلم الإمام الرضا(ع)وإنما يعرف الإمام بالعلم !
إن من مصائبنا أنا نصرف أوقاتنا في فهم كلمات الشيخ الرئيس ابن سينا وغيره، ولا
نصرفها في فهم كلام المعصوم الذي نراه بإشارة واحدة في كلامه يذري مليار عقل
كعقل ابن سينا في مهب الريح !
إن كل كلمة من كلماته(ع)عالمٌ مواجٌ من العلم! تحتاج الى بذل جهود عقلية لكي
تفهم ، ويعرف منها الموضوع والمحمول والمتعلق والمتعلق به ، وبذلك تفهم الإمامة
ما هي؟ وهيهات أن تفهم حق فهمها !
في أي مرتبة تقع الإمامة من سلسلة الوجود ؟
أعظم شأناً وأبعد غوراً، من أن يبلغها الناس بعقولهم ! تأملوا فقط في كلمة (أبعد
غوراً) لتروا أن الموضوع هنا مثل مناطق الفراغ أو الثقوب السوداء ، التي يتكلم
عنها الفلكيون ، والتي كلما وصل اليها شعاع انطفأ، أو نجم تلاشى وفني! إنها
محيطٌ بلا نهاية يقف الفكر البشري في ابتدائها ولا يعرف غورها وانتهاءها !
فالإمام الرضا(ع)يقول إن شخصية الإمام جهاز رباني ، عميق الغور ، أعظم من أن
يبلغها الناس بعقولهم !! الناس كل الناس طبيعة الناس !
بعقولهم كل عقول أصحاب العقول ، بما فيها عقل أفلاطون وعقل أرسطو، وعقل ابن
سينا ، وعقل الشيخ الأنصاري ! فكل العقول عندما تصل الى هنا تنطفئ أشعتها ،
وتتلاشى قدراتها !
هذه هي الكلمة الأولى،والثانية: أو يقيموا إماماً باختيارهم أو ينالوها بآرائهم!
والسؤال هنا: ما هو الدليل على هذا المدعى ؟
علَّل الإمام الرضا(ع)عجز الناس عن إدراك الإمامة واختيار الإمام ، بقوله (إن
الإمامة) وهذه هي العلة ، ثم أورد خمسة عناوين عللها بهذه العلة !
(إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل(ع)بعد النبوة والخلة مرتبةً
ثالثة ، وفضيلةً شرفه بها ، وأشاد بها ذكره ، فقال
ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقالفلم تزل في
ذريته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورثها الله تعالى النبي(ص)فقال جل
وتعالى
فكانت له خاصة فقلدها(ص)علياً(ع)بأمر الله تعالى على رسم مافرض الله، فصارت في
ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان ، بقوله
فهي في ولد علي(ع)خاصة إلى يوم القيامة ، إذ لا نبيَّ بعد محمد(ص)، فمن أين
يختار هؤلاء الجهال؟! )
فالإمامة إذن مقام خص الله به إبراهيم(ع)، ولا بد من فهم الذي خص ، والمخصوص،
والمخصوص به! فالذي خص بالإمامة هو الله سبحانه، باسمه الجامع لجميع صفات
الكمال
والمخصوص بها إبراهيم(ع)، وقد استحق هذا العطاء العظيم بعد أن وصل الى مقام
النبوة ، ثم الى مقام الخلة ! ومقام النبوة هنا هو مقام النبوة الإبراهيمية
الذي يبدأ بقوله تعالىوَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (سورةالأنعام:75) فبعد أن رأى
إبراهيم باطن الملك والملكوت صار نبياً ، ثم عَبَرَ درجة الملك والملكوت فوصل
الى الدرجة الثانية ، درجة الخلة: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ
وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً
وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (سورة النساء: 125)
ثم امتحنه الله تعالى بما يمتحن خاصة أنبيائه ، فبلغ مرحلة الإمامة ! قال الله
تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ
إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قَالَ لا
يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ( سورة البقرة: 124 )
وبهذا يتضح أن قول الإمام الرضا(ع)في عجز الناس عن درك مقام الإمامة واختيار
الإمام ، كلام واضح كالشمس: (إن الإمامة أجل قدراً ، وأعظم شأناً ، وأعلا مكاناً
، وأمنع جانباً ، وأبعد غوراً، من أن يبلغها الناس بعقولهم ،أو ينالوها بآرائهم
، أو يقيموا إماماً باختيارهم) !
ونلاحظ هنا أن الإمام(ع)لم يستعمل كلمة (شرَّفه بها) في النبوة الإبراهيمية
والخلة لأنهما صفتان تختصان بإبراهيم من لدن آدم الى عيسى(ع)
حتى إذا وصل الى الإمامة قال: (وفضيلةً شرفه بها ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها
في ذريته أهل الصفوة والطهارة )
نعم هذه هي الإمامة مقام لا يدرك غوره ، خص الله به ابراهيم بعد درجة نبوته
الخاصة العالية ، وبعد درجة الخلة لله الخاصة به فعندئذ صار أهلاً لأن يشرفه
بهذا التشريف ويكون للناس إماماً !
إن الإمامة كلمة مقدسة ، تحمل معنىً عظيماً ، وليست كلمة تلقلق باللسان!
فافهموها واعرفوا أين تستعملونها !
إن مشكلة الإنسان كثيراً ما تكون قلة فهمه ، فالذي يفهم يكثر تفكيره وتأمله
ويقل منطقه ، ويتقيد بكلماته أما الذي قليل الفهم فيطلق منطقه وسلوكه بلا دقة،
فتكثر سقطاته، ويجر المشكلات والمصائب على نفسه وغيره! فاحرصوا أن تكونوا علماء
متعمقين ، دقيقين في استعمال الكلمات !
هذه هي الإمامة مجملاً ، والوقت يمضي ولم نصل الى خيوط شعاع من شمسها ، ولا
حبات رمل من ساحلها !
والإمامة هي المبدأ، فما هو المشتق المتلبس بالمبدأ ؟ ما هو الإمام ؟ والبحوث
كثيرة، ووقتنا يتسع لقراءة بعض صفاته من كلام الإمام الرضا(ع)
( الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا
له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كله ، من غير طلب منه له ولا اكتساب ، بل
اختصاص من المفضل الوهاب)
إن الفم الذي أطلق هذه الصفات للإمام والذي وهبه الله إياها باستحقاق ، هو عالم
آل محمد(ع)
مخصوص بالفضل كله بالفضل كله ، وبكل الفضل! والفضل أنواع عديدة، فالعلم فضل ،
والعفة فضل ، والغيرة فضلالخ وكل واحدة من هذه الفضائل درجاتٌ ومراتب ،
فالشجاعة درجات ، والغيرة مراتب ، والعفة مستويات ، والإمام مخصوص بالفضل كله ،
بأنواع الفضائل وأعلى مراتبها ! فالإطلاق هنا شمولي وقد جاء به الإمام(ع)بعد
لفظ العموم فشمل به الأعداد والمراتب!
والمهم أن هذا المقام وفضائله الربانية ليست كفضائل الطلب والإكتساب ، بل هي:
اختصاص من المفضل الوهاب ! فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ، أو يمكنه اختياره؟!
هذا هو الإمام(ع)!
أما إمام الزمان أرواحنا فداه ، فقد ورد له في مجموع الروايات والزيارات
والأدعية الصحيحة ، مئة واثنان وثمانون مقاماً وصفة !
إحدى صفاته(ع): (متمُّ نور الله) وهي صفة يتحير فيها العقل!
ففي القرآن آيتان مقترنتان ، نزلتا مرتين ، بتغيير في صيغة أولاهما دون الثانية
نزلتا أولاً في سورة الصف ، ثم نزلتا في سورة التوبة !
قال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُور َاللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ
نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ
( سورة الصف:8-9 )
وقال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُور َاللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى
اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (سورة التوبة:32- 33 وسيأتي تفسيرها
بالإمام المهدي(ع)في الموضوع رقم: 33)
ولايتسع الوقت لبيان سبب ترتيب الآيتين بهذا النسق، وارتباطهما، وسبب التغيير
في أولاهما، ولماذا قدم كره الكافرين ومقاومتهم على كره المشركين، ولماذا ذكر
في سورة الأنفال آية 8 ، وفي سورة يونس آية 82 كُرْهَ المجرمين ولم يذكر كره
فئات أخرى غير الكافرين والمشركين والمجرمين؟! عندما نفهم هاتين الآيتين ، نفهم
من هو الإمام الحجة بن الحسن صلوات الله عليه
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْفالدين الذي أرسل الله به رسوله(ص)أكمله
بإمامة أمير المؤمنين(ع)، أي بالضمان الرباني لاستمرار علم النبوة وتطبيق وحيها!
وقد علم الله تعالى وأخبر رسوله(ص)بأن الأمة سوف تغدر بالإمام بعده فقد قال
النبي لعلي: (إن الأمة ستغدر بك بعدي ، وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي، من
أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا يعني لحيته من رأسه صحيح)
(مستدرك الحاكم:3/142)
علم سبحانه أن الليل سيغشى قبل أن يتجلى النهار فقال: وَاللَّيْلِ إِذَا
يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ! وأخبر تعالى أنهم: يُرِيدُونَ
لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ ثم أخبر يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ فقال
سبحانه: وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ
وقضى تجلي النهار الموعود على يد الإمام المهدي(ع)،فكان هو (متمُّ نور الله
تعالى)!
لقد اكتمل الدين على يد جده المصطفى(ص)بإمامة جده أمير المؤمنين (ع)لكن هذا
الإكتمال لم يتحقق به الهدف الذي هو إتمام النور الإلهي، فجعله الله على يد
إمامنا المهدي(ع)وخصه الله بأنه: متم نوره في الأرض!
إن عمله ودوره(ع)هو غاية الغايات ومنتهى النهايات لبعثة نبينا(ص)وكل الأنبياء(ع)،
فهو الجزء الأخير للعلة التامة، وبه يظهر الله دينه على الدين كله، وهو مقام
اختصه الله به من بين الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليه وعليهم ، ولا نبي بعد
نبينا ، ولا أحد أفضل منه(ص)
(33)معرفة الإمام المهدي(ع)بالنورانية
( بتاريخ: 12 شعبان 1419 ـ 11/9/1377 ـ 2/12/1998 )
هذه ليلةٌ ولد فيها المولود السعيد ، والسبب المتصل بين الأرض والسماء ، الإمام
المهدي أرواحنا فداه
إن معرفة الإمام صاحب الزمان(ع)نوعان، معرفة لعامة الناس أن يعرفوا إمامهم
المفترض الطاعة ومعرفة خاصة تسمى معرفته بالنورانية ، وينبغي التعرف عليها من
الروايات والأدعية والزيارات الصادرة عن الأئمة(ع)والتي هي كنزٌ من المفاهيم
الإسلامية والمعارف الإلهية ، غاية الأمر أنها عميقة تحتاج الى فهم ، والفهم
يحتاج الى تأمل ومعايشة لمدرسة الوحي الإسلامية
إن من الأمور الدقيقة العميقة، القدرة على التفريق بين الكلام الذي مصدره الفكر
البشري ، والكلام الذي مصدره مدرسة الوحي الإلهي! وإن جهات الإفتراق بينهما
كثيرة وكبيرة من البداية الى النهاية! فالكلام الناشئ من الفكر البشري كالسراج
النفطي ، الذي تُشْعِلُ فتيلته حتى يضئ، ويكون نوره ضعيفاً، يرافقه الدخان ،
ورائحة النفط ، ولايمكنك فصلهما عنه !
لكن الكلام الصادر من الوحي سراجٌ متصل بنور السماوات والأرض: اللهُ نُورُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ (سورة النور: 35 ) ولذا كان كلام الأئمة(ع)بحراًً من
النور لا نهاية له ! ومع أن وصفه بكلمة بحر غلط ، لكننا مضطرون الى أمثال هذه
التعابير ، لعدم وجود غيرها في عالمنا الأرضي !
في الكلام الصادر من الوحي لا مجال لدخان الخطأ ، ولا لدخان الهواء لأنه:
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ
يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
على أن هذا الإمتياز بين هذين الكلامين أو (الفكرين) هو الإمتياز الأصغر !
أما الإمتياز الأكبر فهو أن الفكر الصادر من التفكير البشري مباح لكل وارد ،
فأي شخص عنده قدرة تفكير يمكنه أن يفكر وينتج ، لا شرط فيه لطهارة بدن ولاجيب،
ولا صفات كمال، ولا جمال! ولذا ترى في قمة الفكر البشري أشخاصاً حتى من
الوثنيين والمجوس والزردشتين ، أمثال بهمنيار في مدرسة ابن سينا ! وليس واضحاً
ما يؤثره فيهم هذا الفكر !
أما الفكر الناشئ من الوحي الإلهي فليس مباحاً لكل وارد ، بل إن لأهله مواصفات
وشروطاً ، هكذا صانه الله تعالى إلا عن أهله ، فاقرأ آخر آية النور: يَهْدِي
اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ
بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ فهو علم خاص لمن قرر الله أن يهديه اليه ، وهذا هو
المائز الأكبر له عن الفكر البشري العام، الذي يجعل المسافة بينهماأبعد من
السماء الى الأرض! ويجعله علماً لأخص الخواص من البشر !
والشاهد على ذلك أن ابن سينا في أواخر حياته ، بعد أن قضى عمره في التفكير
البشري ، والتعمق في طرق الإستدلال النظرية ، وتعبت جبهته من الإصطدام بصخور
المعرفة وصل الى الحقيقة وأعلن مقولة الوحي: (جل جناب الحق أن يكون شريعة لكل
وارد ) !
لقد فهم أن الحكمة الإلهية ليست كالفكر البشري مباحة لكل وارد مهما كانت شخصيته
وسلوكه: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ
مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( سورة
المائدة:15-16 ) فما لم يتبع رضوان ربه ، لا يجد الطريق الى سبل السلام ! وأين
تنتهي به سبل السلام ؟ هذا بحث آخر !
في هذا اليوم نستفيد من هذا الدعاء لمعرفة الإمام(ع)معرفة ابتدائية ، فواظبوا
عليه جميعاً وأوصوا الناس أن يقرؤوه بعد صلاة الصبح
وعندما تقرؤونه وجهوا فكركم القوي الذي توجهونه الى المباحث العلمية العميقة
فتفهمونها ، وجهوه الىدقائق هذا الدعاء ولطائفه
هذا الدعاء كنز معرفة ، وكل أدعية أهل البيت(ع)كذلك ، وقد رواه السيد ابن طاووس
وغيره مرسلاً ومسنداً ، وإن كانت مضامينه الغنية تغنيه عن الحاجة الى بحث سنده،
فبحث السند كما يعرف أهله ، نحتاج اليه عندما لا يكون عندنا دليل على أن هذا
الكلام صادر من أهل بيت الوحي(ع)
فاستمعوا بدقة لما يقوله: (اللهم ربَّ النور العظيم، وربَّ الكرسي الرفيع، وربَّ
البحر المَسْجُور، ومُنَزِّلَ التوراة والإنجيل والزبور، وربَّ الظلِّ
والحَرُور، ومُنزلَ الفرقان العظيم ، وربَّ الملائكة المقربين ، والأنبياء
والمرسلين
اللهم إني أسالك بوجهك الكريم ، وبنور وجهك المنير ، وبملكك القديم ، يا حي يا
قيوم ، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون ، يا حيَُ قبل كل حي ، يا
حيَاً بعد كل حي ، يا حيَاً لا إله إلا أنت
اللهم بَلَّغْ مولانا الإمام الهادي المهدي ، القائم بأمر الله ، صلوات الله
عليه وعلى آبائه الطاهرين ، في مشارق الأرض ومغاربها ، وسهلها وجبلها ، وبرها
وبحرها، عني وعن والديَّ وعن المؤمنين ، من الصلوات زنة عرش الله ، وعدد كلماته
، وما أحاط به علمه ، وأحصاه كتابه) ( المزار لابن المشهدي ص663) (1)
فتأمل في تسلسل فقرات الدعاء الى هنا
اللهم ربَّ النور العظيم بدأ الدعاء بإسم الله تعالى ، وهو الأصل من أربعة
أسماء هي أركان من أسماء الله تعالى ، أولها إسم (الله) ، وهو اسم الذات
الإلهية ، الحاكي عن جميع الأسماء الحسنى والأمثال العليا وخصوصيات هذا الإسم
مهمة ، وللدعاء به دلالات ليست في غيره ، ولا يقبل التوحيد إلا به: (لا إله إلا
الله)
والثاني:(الرب)وهو الإسم الحاكي عن ربوبيته التكوينية والتشريعية، وأفعاله في
جميع نشآت الوجود الإمكاني ولمعرفة عظمة هذا الإسم إقرؤوا مثلاً هذه الآيات من
سورة آل عمران: إِنَّ في خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَار لآيَِاتٍ لأُولي الأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ
قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَاخَلَقْتَ هَذَابَاطِلاً سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ
أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
رَبَّنأَ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا
بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا
سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ
رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ
أَنِّى لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى
بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَاب ( سورة آل
عمران: 190-195 )
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ الى آخر الأسرار في اسم (الرب) تبارك وتعالى
بعد هذين الإسمين نصل إلى الإسم الأعظم للذات المقدسة ، الذي باطنه من خزائن
أسرار الله تعالى ، والذي ورد في ثلاث آيات من القرآن الكريم:
في مطلع آل عمران: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ ألم أَللهُ لا إِلَهَ
إِلا هُو َالْحَىُّ الْقَيُّوم ُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالآنْجِيلَ
وفي مطلع آية الكرسي: اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا
تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَئٍْ مِنْ عِلْمِهِ إِلا
بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ
حِفْظُهُمَا وَهُو َالْعَليُّ الْعَظِيمُ ( سورة البقرة: 255 )
وختامه في سورة طه: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ
مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)
يبدأ دعاء العهد بالدعاء بإسم الله تعالى الجامع لجميع الأسماء الحسنى (اللهم)
، ثم يدعو بإسم الرب سبحانه (اللهم ربَّ النور العظيم) ولا يتسع المجال الآن
لبيان سلسلة استعمالات اسم (الرب) ونلاحظ أن الدعاء انتهى باسمي (يا حيُّ يا
قيُّوم) ، فهو يجمع الأركان الأربعة من أسماء الله تعالى
اللهم ربَّ النور العظيم تأملوا هذه الكلمة التي بدأ فيها الدعاء ، وفي
ارتباطها بالمدعو له فمن هو النور العظيم الذي بدأ الدعاء له بسؤال رب النور
العظيم؟
النور العظيم موضوع عظيم ، لايتسع وقتنا للإفاضة فيه فنكتفي بالإشارة اليه عسى
أن يعفو الله تعالى عن ظلمنا له ، ويفتح لنا باباً من الحكمة والمعرفة لحجته
وخليفة العصر والزمان صلوات الله عليه هذا النور العظيم أين يجب أن نبحث عنه؟
هل كما يزعم مخالفونا أن الشيعة يبحثون عنه في السرداب !
مساكين هؤلاء ، لم يعرفوا أن هذا السرداب بيت خليفة الله في أرضه وحجته على
عباده ، وأنه مشبع بنور الله العظيم كقلوب المؤمنين !
نحن نستذكر في حرم بيت الإمام المهدي(ع)وسردابه نور الله العظيم ، ونسعى لأن
تتصل قلوبنا بشعاع منه ! ونزوره بقولنا (السلام عليك يا خليفة الله وخليفة
آبائه المهديين ، السلام عليك يا وصي الأوصياء الماضين ، السلام عليك يا حافظ
أسرار رب العالمين الى أن نقول: السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى ، وسدرة المنتهى
، السلام عليك يا نور الله الذي لا يُطْفَى ) (2)
إنه روحي له الفداء ذلك النور الرباني العظيم الذي لا يطفأ فالذي نبحث عنه
صلوات الله عليه ، تبدأ صفاته بخليفة الله تعالى حتى تصل الى نور الله الذي لا
يطفأ ولا ينطفئ ! وينتهي سيرنا الى هذا النور الإلهي في سورة الصف وسورة التوبة
، حيث نجد أصل ذلك النور العظيم الذي لا يطفى! قال تعالى: يُرِيدُونَ
لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ
كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ
الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (
سورة الصف:8-9 )
وقال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى
اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ( سورة التوبة:32- 33 )
وعندما نرجع الى المفسرين نجد أن الإمام الصادق ، لسان الله الناطق(ع) فسرها
بالإمام المهدي أرواحنا فداه ، قال(ع): (لم تخل الأرض منذ كانت من حجة عالم،
يحيي فيها ما يميتون من الحق ثم تلى هذه الآية: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا
نُورَاللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو ْكَرِهَ
الْكَافِرُونَ) (كمال الدين للصدوق ص221 )
وقال(ع)في قول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى
وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ ، قال: والله ما نزل تأويلها بعد ، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج
القائم(ع) فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلا كره
خروجه، حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت يا مؤمن في بطني كافر
فاكسرني واقتله) ! (كمال الدين ص670)
وقال أمير المؤمنين(ع)في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، أظَهَرَ
بعد ذلك؟ قالوا: نعم ، قال: كلا ، فوالذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا
وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله ، بكرة وعشياً ) انتهى (مجمع
البيان:5/280) (3)
وبهذا يتضح معنى المعرفة بالنورانية ، وأن الإمام المهدي نور الله الأعظم في
أرضه صلوات الله عليه وعلى آبائه المعصومين
إن على كل فرد منكم أن يتوجه بفكره وقلبه الى الإمام المهدي أرواحنا فداه،
ويسعى لأن يتصل قلبه بشعاعه المبارك ، فلو أن شعاعاً منه مس عقولنا، لأحدث فينا
تحولاً كبيراً
صلوات الله عليك يا مولاي يا صاحب العصر والزمان أيُّ وجود خصك الله به ، تعجز
عقولنا عن فهمه ، وتعيا ألسنتنا عن وصفه ؟!
لقد جعلك الله نوره ، وعبر عنك بتعبيرين ، فأضافك مرة الى إسمه الظاهر ومرة الى
إسمه المضمر فقال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ
وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ فمن الخصائص الذاتية
للإضافة أن المضاف يكتسب معرفته وخصائصه من المضاف إليه ، وكلما كان المضاف
اليه أعلى درجة كان حيث التعريف في المضاف أعلى !
وفي الإضافتين المظاهرة والمضمرة بحث عميق ، تكمن فيه معرفة الإمام صاحب
الزمان(ع)فالإضافة الأولى هي الظاهرة لمرحلة ظهوره:لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ،
والثانية المضمرة لمرحلة غيبته(ع): وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ، فهو(ع)مظهر إسم
الله الظاهر، ومظهر إسمه الباطن، فهو نور الله الذي لا يطفى، وفيه جمع الله
الغيب والشهود ، ونحن الآن في عصر غيبته ، حتى يأذن الله بظهور نوره فيه، فيتكئ
على ركن الكعبة ويخطب، ويبدأ نور الله مرحلة الظهور المقدسة
هذا هو الإمام المهدي أرواحنا فداه ، الذي ظلمناه فلم نعرفه ، ولم نؤد معه
الأدب المفروض له
لو أنكم قرأتم هذا الدعاء كل يوم بعد صلاة الصبح ، وتأملتم في فقراته بدقة ، ثم
راقبتم سلوككم اليومي فجعلتم اهتامكم بالإمام المهدي(ع)بقدر اهتمام أحدكم بنفسه
لرأيتم ماذا سيحدث لكم من نور في الفكر والروح !
إن قاعدة: يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ
وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ (سورة ابراهيم: 27)، قاعدة ثابتة ، شاملة لأنواع
الظلم وصغيره وكبيره: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً فلا بد أولاً
أن نطهر أنفسنا من الظلم لإمام الزمان أرواحنا فداه ، والخطوة الأولى لذلك أن
نتذكره في مجالسنا ومحافلنا ودروسنا ، وأن نكون في شهر رمضان في ضيافة الله
وضيافته فاتركوا الحواشي والإضافات من تفكيركم واهتماماتكم ، واهتموا بالأصل
والمتن!وهل بلاؤنا ومشكلاتنا وسوء حظنا أفراداً وجماعات ومجتمعاً إلا بسبب
انشغالنا بأنفسنا عن الله تعالى ، وعن وليه وحجته أرواحنا فداه ؟!
إن الإمام المهدي(ع)هو السبب بين الأرض والسماء ، والرابط بين الخالق تعالى
وخلقه ! وشخصيةٌ كهذه لا يجوز أن يكون منسياً في مجالسكم وتدريسكم ، فليكن
ابتداء مجلس أحدكم وختامه بذكر المولى الموعود ونور الله في أرضه صلوات الله
عليه ، لعل الله يفتح لي ولك أبواب رحمته ولطفه
اللهم صل على وليك صاحب الزمان عددَ ما في علمك صلاةَ دائمة بدوام ملكك وسلطانك
اللهم بحق فاطمةَ وأبيها وبعلها وبنيها والسرِّ المستودع فيه
اجعلنا من شيعته وأنصاره ، ولا تفرق بيننا وبينه أبداً في الدنيا والآخرة
والحمد لله رب العالمين
التعليقات
(1) في المزار لابن المشهدي&ص663: (ذكر العهد المأمور به في زمان الغيبة: روي
عن جعفر بن محمد الصادق(ع)أنه قال: من دعا الى الله أربعين صباحاً بهذا العهد
كان من أنصار قائمنا(ع)، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه الله
بكل كلمة ألف حسنة ، ومحا عنه ألف سيئة ، وهو:
(اللهم رب النور العظيم ، ورب الكرسي الرفيع ، ورب البحر المسجور ، ومنزل
التوراة والإنجيل والزبور ، ورب الظل والحرور، ومنزل الفرقان العظيم، ورب
الملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين
اللهم إني أسالك بوجهك الكريم ، وبنور وجهك المنير وبملكك القديم ، يا حي يا
قيوم ، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون، يا حي قبل كل حي، يا حياً
بعد كل حي ، يا حياً لا إله إلا أنت
اللهم بلغ مولانا الامام الهادي المهدي ، القائم بأمر الله ، صلوات الله عليه
وعلى آبائه الطاهرين، في مشارق الأرض ومغاربها، وسهلها وجبلها، وبرها وبحرها
عني وعن والديَّ وعن المؤمنين من الصلوات، زنة عرش الله ، وعدد كلماته ، وما
أحاط به علمه ، وأحصاه كتابه
اللهم إني أجدد له في صبيحة هذا اليوم وما عشت به في أيامي عهداً وعقداً وبيعةً
له في عنقي ، لا أحول عنها ولا أزول
اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه الذابين عنه، المسارعين في حوائجه، الممتثلين
لأوامره المحامين عنه ، المستشهدين بين يديه
اللهم وإن كان الموت الذي جعلته علىعبادك حتماً يحول بيني وبينه فأخرجني من
قبري مؤتزراً كفني ، شاهراً سيفي ، مجرداً قناتي ، ملبياً دعوة الداعي في
الحاضر والبادي
اللهم أرني طلعته الرشيدة ، وغرته الحميدة ، وأكحل مرهمي بنظرة مني إليه وعجل
فرجه ، وسهل مخرجه ، وأوسع منهجه ، واسلك بي محجته ، وأنفذ أمره ، واشدد أزره ،
واعمر اللهم به بلادك ، وأحيِ به عبادك ، فإنك قلت وقولك الحق على لسان نبيك
محمد(ص): ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي
النَّاسِ (سورة الروم: 41) اللهم فأظهر لنا وليك وابن بنت نبيك، المسمى باسم
نبيك ، حتى لا يظفر بشئ من الباطل إلا دحضه، ويحق الحق ويحققه
اللهم واجعله مفزعاً للمظلوم من عبادك ، وناصراً لمن لا يجد ناصراً غيرك ،
ومجدداً لما عطل من أحكام كتابك ، ومشيداً لما ورد من أعلام دينك وسنن
نبيك(ص)واجعله اللهم ممن حصنته من بأس المعتدين
اللهم وسرَّ نبيك محمداً(ص)الطاهرين برؤيته، ومن تبعه على دعوته ، وارحم
استكانتنا من بعده
اللهم اكشف هذه الغمة عن الأمة بحضوره ، وعجل اللهم لنا ظهوره : إِنَّهُمْ
يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً ، برحمتك يا أرحم الراحمين ثم تضرب
يديك ثلاثاً تقول: العجل العجل العجل ، يا صاحب الزمان ) انتهى
ورواه في مستدرك الوسائل:5/393، ورواه في البحار:53/95و327، وفي:83/284 ، وفي:
91 /41 ، قال: (نقل من خط الشيخ محمد بن علي الجبعي، نقلاً من خط الشيخ علي بن
السكون قدس الله روحهما ، أخبرني شيخنا وسيدنا السيد الأجل العالم الفقيه جلال
الدين أبوالقاسم عبد الحميد بن فخار بن معد بن فخار العلوي الحسيني الموسوي
الحائري أطال الله بقاءه قراءة عليه ، وهو يعارضني بأصل سماعه الذي بخط والده&
المنقول من هذا الفرع في شهور سنة ست وسبعين وستمائة قال: أخبرني والدي رضي
الله عنه قال: أخبرني الأجل العالم تاج الدين أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين
بن الدربي أطال الله بقاءه سماعاً من لفظه وقراءة عليه في شهر ربيع الأول سنة
ست وتسعين وخمسمائة ، قال: أخبرني الشيخ الفقيه العالم قوام الدين أبو عبد الله
محمد بن عبد الله البحراني الشيباني&، قراءة عليه سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة ،
قال: قرأت على الشيخ أبي محمد الحسن بن علي قال: قرأت هذا العهد على الشيخ علي
بن إسماعيل قال: قرأت على الشيخ أبي زكريا يحيى بن كثير ، قال: قرأت على السيد
الأجل محمد بن علي القرشي قال: حدثني أحمد بن سعيد بقراءته على الشيخ علي بن
الحكم قال: قرأت على الربيع بن محمد المسلي قال: قرأت على أبي عبد الله بن
سليمان قال: سمعت سيدنا الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع)يقول: من دعا إلى الله
أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا ، وإن مات أخرجه الله إليه من
قبره ، وأعطاه الله بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ، وهذا هو العهدإلى
آخر الدعاء، وليس فيه: ثم تضرب بيدك الخ ثم نقله في البحار:99/110 ، عن مزار
ابن المشهدي وله مصادر أخرى ذكرناه في معجم أحاديث الإمام المهدي(ع):4/118
أقول: ورد هذا الدعاء بصيغ أخرى ليس فيها هذا الدعاء للإمام المهدي(ع)، ففي
مصباح المتهجد للشيخ الطوسي&ص227: (ومما خرج عن صاحب الزمان(ع)زيادة في هذا
الدعاء ، إلى محمد بن الصلت القمي: اللهم رب النور العظيم ، ورب الكرسي الرفيع
، ورب البحر المسجور ومنزل التورية والإنجيل ، ورب الظل والحرور ، ومنزل الزبور
والقرآن العظيم ، ورب الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين ، أنت إله من في
السماء وإله من في الأرض، لا إله فيهما غيرك، وأنت جبار من في السماء وجبار من
في الأرض، لا جبار فيهما غيرك ، وأنت خالق من في السماء وخالق من في الأرض، لا
خالق فيهما غيرك، وأنت حكم من في السماء وحكم من في الأرض، لا حاكم فيهما غيرك
اللهم إني أسألك بوجهك الكريم ، وبنور وجهك المشرق ، وملكك القديم، يا حي يا
قيوم، أسألك باسمك الذي أشرقت به السموات والأرضون ، وباسمك الذي يصلح عليه
الأولون والآخرون ، يا حياً قبل كل حي ، ويا حياً بعد كل حي، ويا حياً حين لا
حي ، يا محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم
أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب ،
رزقاً واسعاً حلالاً طيباً ، وأن تفرج عني كل غم وهم ، وأن تعطيني ما أرجوه
وآمله ، إنك على كل شئ قدير ) انتهى
ورواه السيد ابن طاووس&في إقبال الأعمال:1/239، قال: ( ومن الدعاء المختص
بالإفطار في شهر الصيام وما رويناه بإسنادنا إلى المفضل بن عمر& قال: قال
الصادق (ع): إن رسول الله(ص)قال لأمير المؤمنين(ع): يا أبا الحسن هذا شهر رمضان
قد أقبل فاجعل دعاءك قبل فطورك فإن جبرئيل(ع)جاءني فقال يا محمد من دعا بهذا
الدعاء في شهر رمضان قبل أن يفطر ، استجاب الله تعالى دعاءه وقبل صومه وصلاته ،
واستجاب له عشر دعوات، وغفر له ذنبه وفرج همه ونفَّس كربته ، وقضى حوائجه ،
وأنجح طلبته ، ورفع عمله مع أعمال النبيين والصديقين ، وجاء يوم القيامة ووجهه
أضوأ من القمر ليلة البدر، فقلت: ماهو يا جبرئيل؟ فقال: قل: اللهم رب النور
العظيم، ورب الكرسي الرفيع، ورب البحر المسجور ، ورب الشفع الكبير ، والنور
العزيز ، ورب التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم أنت إله من في السموات
وإله من في الأرض لا إله فيهما غيرك ، وأنت جبار من في السموات وجبار من في
الأرض لا جبار فيهما غيرك، أنت ملك من في السموات، وملك من في الأرض ، لا ملك
فيهما غيرك ، أسألك باسمك الكبير ، ونور وجهك المنير، وبملكك القديم يا حي يا
قيوم يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم ، أسألك باسمك الذي أشرق به كل شئ ، وباسمك
الذي أشرقت به السموات والأرض ، وباسمك الذي صلح به الأولون ، وبه يصلح الآخرون
يا حياً قبل كل حي ، ويا حياً بعد كل حي ، ويا حي لا إله إلا أنت، صل على محمد
وآل محمد ، واغفر لي ذنوبي ، واجعل لي من أمري يسراً وفرجاً قريباً ، وثبتني
على دين محمد وآل محمد وعلى هدى محمد وآل محمد، وعلى سنةمحمد وآل محمد، وعليه
وعليهم السلام واجعل عملي في المرفوع المتقبل ، وهب لي كما وهبت لأوليائك وأهل
طاعتك ، فإني مؤمن بك ومتوكل عليك منيب إليك ، مع مصيري إليك ، وتجمع لي ولأهلي
ولولدي الخير كله ، وتصرف عني وعن ولدي وأهلي الشر كله أنت الحنان المنان بديع
السموات والأرض، تعطي الخير من تشاء، وتصرفه عمن تشاء ، فامنن عليَّ برحمتك يا
أرحم الراحمين
وهو كما رأيت ليس فيه دعاء للإمام المهدي(ع)، وقد رواه في الإقبال أيضاً :2/217
، بتفاوت وكذا في جمال الأسبوع ص87 ، ورواه غيرهما أيضاً لكن يبدو أن أصل
الدعاء عن الإمام الصادق(ع)، ثم روي بدون الدعاء للإمام المهدي(ع)وروي معه
أما وصفه(ع)بالنور الأعظم ، فلأنه خاتم أنوار النبي وآله الطاهرين(ص)
(2) في المزار للشهيد الأول&ص203: (زيارة سيدناومولاناحجة الله الخلف الصالح
أبي القاسم محمد المهدي صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه ، بسر من رأى:
فإذا وصلت إلى حرمه بسر من رأى فاغتسل والبس أطهر شيابك ، وقف على باب
حرمه(ع)قبل أن تنزل السرداب وزر بهذه الزيارة فقل: السلام عليك ياخليفة الله
وخليفة آبائه المهديين السلام عليك يا وصي الأصياء الماضين السلام عليك يا بقية
الله من الصفوة المنتجبين السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين السلام عليك
يا ابن الأوار الظاهرة السلام عليك يا ابن الأعلام الباهرة السلام عليك يا ابن
العترة الطاهرة السلام عليك يا معدن العلوم النبوية السلام عليك يا باب الله
الذي لا يؤتي إلا منه السلام عليك يا سبيل الله الذي من سلك غيره هلك السلام
عليك يا ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفى
السلام عليك يا حجة الله التي لا تخفى السلام عليك يا حجة الله على من في الأرض
والسما السلام عليك سلام من عرفك بما عرفك به الله ، ونعتك ببعض نعوتك التي أنت
أهلها وفوقه
أشهد أنك الحجة على من مضى ومن بقي ، وأن حزبك هم الغالبون وأولياءك هم
الفائزون ، وأعداءك هم الخاسرون ، وأنك خازن كل علم ، وفاتق كل رتق ، ومحقق كل
حق ، ومبطل كل باطل رضيتك يامولاي إماماً وهادياً وولياً ومرشداً ، لا أبتغي بك
بدلاً ولا أتخذ من دونك ولياً
أشهد أنك الحق الثابت الذي لا عيب فيه ، وأن وعد الله فيك حق ، لا أرتابُ لطول
الغيبة وبعد الأمد ، ولا أتحيرُ مع من جهلك وجهل بك منتظرٌ متوقعٌ لأيامك ،
وأنت الشافع الذي لا تنازع ، والولي الذي لا تدافع ذخرك الله لنصرة الدين
وإعزاز المؤمنين ، والإنتقام من الجاحدين المارقين
أشهد أنه بولايتك تقبل الأعمال وتزكى الأفعال ، وتضاعف الحسنات وتمحى السيئات
فمن جاء بولايتك واعترف بإمامتك قبلت أعماله وصدقت أقواله وتضاعفت حسناته ومحيت
سيئاته ، ومن عدك عن ولايتك وجهل معرفتك واستبدل بك غيرك أكبه الله على منخره
في النار ، ولم يتقبل الله منه عملاً ، ولم يقم له يوم القيمة وزن
أُشهد الله وأشهدك يا مولاي بهذا ، ظاهره كباطنه وسره كعلانيته ، وأنت الشاهد
على ذلك ، وهو عهدي اليك وميثاقي لدبك ، إذ أنت نظام الدين ويعسوب المتقين وعز
الموحدين ، وبذلك أمرني رب العالمين ، لو تطاولت الدهور وتمادت الأعمار لم أزدد
فيك إلا يقيناً ولك إلا حباً ، وعليك إلا متكلا ومعتمداً ، ولظهورك إلا متوقعاً
، ومنتظراً لجهادي بين يديك ، ومترقباً فأبذل نفسي ومالي وولدي وأهلي وجميع
ماخولني ربي بين يديك ، وأتصرف بين أمرك ونهيك
مولاي فإن أدركت أيامك الزاهرة وأعلامك الباهرة ، فها أنذا عبدك ، متصرف بين
أمرك ونهيك ، أرجو به الشهادة بين يديك ، والفوز لديك
مولاي فإن أدركني الموت قبل ظهورك ، فإني أتوسل بك وبآبائك الطاهرين إلى الله
تعالى، وأساله أن يصلي على محمد وآل محمد، وأن يجعل لي كرَّةً في ظهورك، ورجعة
في أيامك ، لأبلغ من طاعتك مرادي ، وأشفي من أعدائك فؤادي
مولاي وقفت في زيارتك موقف الخاطئين النادمين الخائفين من عقاب رب العالمين وقد
اتكلت على شفاعتك ، ورجوت بموالاتك وشفاعتك محو ذنوبي ، وستر عيوبي ومغفرة زللي
، فكن لوليك يا مولاي عند تحقيق أمله ، واسأل الله غفران زلـله، فقد تعلق بحبلك
وتمسك بولايتك ، وتبرأ من أعدائك
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأنجز لوليك ما وعدته
اللهم أظهر كلمته وأعلِ دعوته ، وانصره على عدوه وعدوك يا رب العالمين
اللهم صل على محمد وآل محمد وأظهر كلمتك التامة ، ومغيبك في أرضك الخائف
المترقب
اللهم انصره نصراً عزيزاً وافتح له فتحاً قريباً يسيراً اللهم وأعزَّ به الدين
بعد الخمول وأطلِعْ به الحق بعد الأفول، واجْلُ به الظلمة، واكشف به الغمة
اللهم وآمن به البلاد واهد به العباد اللهم املأ به الأرض عدلاً وقسطاً كما
ملئت ظلماً وجوراً ، إنك سميع مجيب
السلام عليك يا ولي الله ، إئذن لوليك في الدخول إلى حرمك ، صلوات الله عليك
وعلى آبائك الطاهرين ، ورحمة الله وبركاته
فإذا نزلت السرداب فقل: السلام على الحق الجديد ، والعالم الذي علمه لا يبيد ،
السلام على محيي المؤمنين ، ومبير الكافرين
السلام على مهدي الأمم ، وجامع الكلم السلام على خلف السلف ، وصاحب الشرف
السلام على حجة المعبود ، وكلمة المحمود السلام على معز الأولياء ، ومذل
الأعداء السلام على وارث الأنبياء وخاتم الأوصياء السلام على الإمام المنتظر
والغائب المشتهر السلام على السيف الشاهر والقمر الزاهر والنور الباهر السلام
على شمس الظلام وبدر التمام السلام على ربيع الأيتام وفطرة الأنام السلام على
صاحب الصمصام وفلاق الهام السلام على صاحب الدين المأثور والكتاب المسطور
والسلام على بقية الله في بلاده ، وحجته على عباده ، والمنتهى إليه مواريث
الأنبياء ، ولديه موجود آثار الأصفياء السلام على المؤتمن على السر، والولي
للأمر ، والسلام على المهدي الذي وعد الله تعالى به الأمم أن يجمع به الكلم
ويلم به الشعث ويملأ به الأرض قسطاً وعدلاً ، ويمكن له وينجز به وعد المؤمنين
أشهد أنك والأئمة من آبائك أئمتي ومواليَّ في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد
أسألك يا مولاي أن تسأل الله تبارك وتعالى في صلاح شأني ، وقضاء حوائجي وغفران
ذنوبي ، والأخذ بيدي في ديني ودنياي وآخرتي ، لي ولكافة إخواني المؤمنين
والمؤمنات ، إ نه غفور رحيم )
وفي البحار:99/116: ( وقال الشيخ المفيد والشهيد ومؤلف المزار الكبير رحمهم
الله في وصف زيارته(ع): فإذا فرغت من زيارة جده وأبيه فقف على باب حرمه فقل:
السلام عليك يا خليفة الله وخليفة آبائه المهديين ، السلام عليك يا وصي
الأوصياء الماضين ، السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين ، السلام عليك يا
بقية الله من الصفوة المنتجبين ، السلام عليك يا ابن الانوار الزاهرة ، السلام
عليك يا ابن الاعلام الباهرة ، السلام عليك يا ابن العترة الطاهرة ، السلام
عليك يا معدن العلوم النبوية ، السلام عليك يا باب الله الذي لا يؤتى إلا منه ،
السلام عليك يا سبيل الله من سلك غيره هلك ، السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى ،
وسدرة المنتهى ، السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفى ، السلام عليك يا حجة
الله التي لا تخفى ، السلام عليك يا حجة الله على من في الأرض والسماء )
(3) في كمال الدين للصدوق&ص221، عن عمار بن موسى الساباطي ، عن الإمام
الصادق(ع): قال: سمعته وهو يقول: لم تخل الأرض منذ كانت من حجة عالم ، يحيي
فيها ما يميتون من الحق ، ثم تلى هذه الآية: يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم
والله متم نوره ولو كره الكافرون )
وفي كمال الدين ص670، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله ( الإمام الصادق(ع))
في قول الله عز وجل: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله
ولو كره المشركون) قال: والله ما نزل تأويلها بعد ، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج
القائم(ع) فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلا كره
خروجه ، حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت يا مؤمن في بطني
كافر فاكسرني واقتله ) !
وفي مجمع البيان:5/280: روى العياشي بالإسناد عن عمران بن ميثم ، عن عباية أنه
سمع أمير المؤمنين(ع)يقول: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله أظهر بعد ذلك ؟ قالوا: نعم ، قال: كلا فوالذي نفسي بيده حتى لا تبقى
قرية إلا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله ، بكرة وعشياً ) انتهى ولم
نجده في نسخة العياشي الموجودة
وفي تأويل الآيات:2/689: ما رواه أيضاً (محمد بن العباس) عن أحمد بن إدريس ، عن
عبد الله بن محمد ، عن صفوان بن يحيى ، عن يعقوب بن شعيب ، عن عمران بن ميثم،
عن عباية بن ربعي ، أنه سمع أمير المؤمنين(ع)يقول:- كما في مجمع البيان ، لكن
فيه: وأن محمداً رسول الله ورواه في تفسير الصافي :2/338 ، وفي حلية
الأبرار:2/649 وفي تفسير البرهان:4/329 ، وفي المحجة: ص86 ، وفي البحار:51/60 ،
جميعاً كما في تأويل الآيات
وفي الكافي:1/432 ، عن محمد بن الفضيل ، عن الإمام الكاظم(ع): سألته عن قول
الله عز وجل: يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم؟ قال: يريدون ليطفئوا ولاية
أمير المؤمنين(ع) بأفواههم قلت: والله متم نوره؟ قال: والله متم الإمامة، لقوله
عز وجل: الذين آمنوا بالله ورسوله ولنور الذي أنزلنا ، فالنور هو الإمام قلت:
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ؟ قال: هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه
والولاية هي دين الحق قلت: ليظهره على على الدين كله ؟ قال: يظهره على جميع
الأديان عند قيام القائم ، قال: يقول الله: والله متم نوره ، ولاية القائم ولو
كره الكافرون ، بولاية علي(ع)) ورواه ابن شهر آشوب في المناقب:3/82، كما في
الكافي مختصراً والبياضي في الصراط المستقيم:2/74، كما في الكافي وغيرهم
(34)كيف يستحق الإمام مقام الإمامة ؟
( بتاريخ: 13 شعبان 1411 ـ 28/2/1991 ـ 9/12/1369 )
لابد لنا أن نستطرد البحث الى أصول الدين ، لنجبر ما فاتنا من التفسير فالواجب
علينا أن نبني أصول ديننا بناء علمياً عميقاً ، ولا نرضى أن تكون ناقصة !
إن فقرة الدعاء هذه: اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك، ضللت عن
ديني(1) كلمة مملوءة بالخطورة ! فمسألة معرفة الحجة لله على خلقه مهمة جداً ،
وليست هي كمعرفة العبادات أو المعاملات ، أو معرفة الصحيح والأعم ، والبراءة
والإشتغال ! ليست من هذه البحوث التي ندخل فيها بكل قوتنا ! بل ترانا ندخل في
بحوث العقائد والإمامة ونحن نرتعش خوفاً ، لأنا لسنا من فرسانها المسلحين ، لكن
لابد من الكلام
اللهم عرفني حجتك إن المعرفة الكاملة لحجة الله تعالى فوق مستوانا ! وهي مسألة
لم تستوف بحثاً ، وإن كان أعيان علمائنا رضوان الله عليهم وجزاهم الله خيراً قد
بذلوا جهوداً كبيرة ولم يقصروا لكن السر في عظمة المطلب وليس في تقصير الباحثين
في مسائل الإمامة!إن عظمة مطالب الإمامة وعلو مقامها توجب أن لا نتوصل الى
أعماقها بسهولة
ومما يجب التنبيه عليه أن الشرط الأساسي لمعرفة أصول الدين أن يكون مصدرنا فيها
القرآن والسنة فقط ، فمن القرآن نأخذ أصولها ومن الروايات فروعها وتفصيلها ،
وما سبب الإنحرافات إلا أنا رجعنا في بحوث العقائد إلى غير القرآن والأحاديث
والإمامة أهم من جميع مسائل البناء العقيدي على الإطلاق ، لأنها المقدمة
الموصلة الى الله تعالى! وهذا واضح لكم لأنكم أهل فضل والحمدلله، تعرفون بماذا
عُرف الله، وبماذا عُبد الله تعالى ، وتعرفون معنى: لولانا ما عُرف الله،
ولولانا ما عُبد الله ، (2) وتعرفون أن الإرتباط العلمي والعملي بين العبد وربه
يتوقف على توسط الإمامة الكبرى ، فلا معرفة إلا عن طريقها ، ولا عبادة إلا عن
طريقها فما هي الإمامة ؟
نستعرض آية من القرآن هي أصل المطلب ، ونذكر معناها بالإجمال ، وهي قوله تعالى:
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا
وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ (السجدة:24) ، وفيها أربعة مباحث ، أرجو أن
تتأملوا فيها:
المبحث الأول: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ فالإمامة أمر مجعول من الله تعالى، لا من
السقيفة! والقرآن يعطي هدايته لجميع الناس بالعبارة وبالإشارة ، والعلماء
والواعون يفهمون هدايته ، ولا ذنب للقرآن إذا لم يهتد به غلاظ القلوب والأذهان
! وعندما ندرس أصحاب المستويات العالية من العلماء نجد أنهم بعد أن يستكملوا
مراحلهم العلمية يعودون الى مطالعة القرآن! ومطالعة القرآن غير هذه القراءة
العادية المعروفة
وهذه الآية في مطلق الإمامة وليست في الإمامة المطلقة ، لأنها في إمامة عدد من
أئمة بني إسرائيل ، ومع ذلك لا يصح فيهم جعل البشر ، بل لا بد فيهم من جعل الله
تعالى وإذا كان هذا حال مطلق الإمامة، فكيف بالإمامة المطلقة بعد خاتم الأنبياء
والرسل(ص)؟!
إن إمامة أئمتنا المعصومين(ع)وإمامة صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه إمامة
مطلقة ، وليست مطلق إمامة ، والفرق بينهما كبير
المبحث الثاني: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً ومن هنا للتبعيض ، فالذين
يصلحون لهذا المنصب الإلهي هم بعض المؤمنين مع الرسل ، وليسوا كلهم
والمبحث الثالث: في بيان أصل الإمامة
والمبحث الرابع: في بيان فرع الإمامة فما هو أصل الإمامة ، وما هو فرعها ؟
أما أصل الإمامة فهو: لَمَّا صَبَرُوا وأما فرعها فهو: يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
وهذا هو إعجاز القرآن! فإعجاز الفصاحة والبلاغة فيه إعجاز لفظي ، ولكن إعجازه
لكبار المفكرين من العلماء أنه في آية واحدة بل في جزء من آية ، يقدم العجائب !
وهو هنا يوجب على الباحث أن يفهم معنى الصبر أولاً ، ثم يفهم معنى الهداية ، ثم
يفهم معنى الأمر في الآية ، ثم يفهم معنى الهداية بالأمر !
أما الصبر فهو في اللغة حبس النفس ، وهو مقولة نسبية متفاوتة المراتب ، أو
مشككة بالتعبير المنطقي ، وهو الجذر والطريق لوصول الإنسان الى مستويات عالية
من الكمال الإنساني ، فبالصبر وصل كبار الأنبياء والأئمة(ع)الى أن تكون عوالم
الكون في قبضة يدهم !
لو كنا نفهم هذا الطريق، لو أن أحداً ربَّانا عليه لما كنا اليوم في مستوانا
هذا!
يبدأ الصبر بقلة الكلام ، فانظروا في روايات الحث على قلة الكلام والنهي عن
كثرته ! وتعلموا أن تحفظوا أنفسكم بالصبر عن الكلام ، لتروا أثره !
إن كبار المفكرين والعلماء والمرتاضين في جهاد النفس ، إنما بلغوا ما بلغوا
بتحقيق شروط في سلوكهم ، من أولها الصمت والسكوت وقلة الكلام !
فالصبر يبدأ بحفظ العين واللسان ، أي بالصبر عن النظر والكلام ، وفي ذلك سر ،
وهو أن النقطة التي يبدأ منها فضول النفس هو النظر واللسان!
ثم يتواصل الصبر، الى أن يصل الى الصبر على كل الأمور: الصبر على المشتهيات ،
والصبر على المنازعات والمجادلات ، والصبر على المؤلمات والمصائب الخ فإذا تم
ذلك فقد تمت ألف باء الصبر ، حتى يصل إلى درجة الصبر عن جميع الدنيا ، ويتحقق
لصاحبه حبس النفس عن كل عالم المادة ، ويخرج روحه من كل متعلقاتها
وإذا تم له ذلك ، وحبس نفسه عن كل عالم المادة ، وما فيه من مال ومقام ولذائذ ،
فلم يصل الى درجة الإنسان الكامل أيضاً ! لأن قوله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ، يعني أنهم صبروا عن الدنيا
وعن البرزخ أيضاً! والبرزخ هنا هو الصور الخيالية ، والصبر عليها يعني محوها من
عالم النفس والروح
فإذا تم له محو عالم الدنيا وعالم البرزخ ، يصل الى المرحلة الثالثة وهي الصبر
عن شؤون عالم الآخرة
فإذا استطاع أن يصبر على الآخرة بكل ما فيها من نعميم ، يكون بذلك محا الدنيا
والبرزخ والآخرة من روحه ، وحينئذ يمكنه أن يفرغ نفسه وروحه لله تعالى دون أن
يكون له فيه شريك ، ويصل الى درجة العبد المطلق
إن الله تعالى لا يقبل الشريك ، ولا يصح أن تكون الدنيا ولا الآخرة شريكاً له
في نفس العبد المطلق وما لم يمح الإنسان من نفسه وروحه كل الدنيا والبرزخ
والآخرة ، فلايستطيع أن يجمع نفسه ويقدمها لله تعالى ! وكما قال النبي(ص): إن
الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء (وسائل الشيعة- آل
البيت:16/254) (3) وهذا الكلام لم يقله النبي(ص)لي ولك ، بل قاله لأعيان
الإنسانية الذين وصلوا الى هذه المراحل !
وعندما يصل الإنسان الى درجة العبد المطلق يكون كما نقرأ في زيارة الجامعة:
وذلَّ كلُّ شئ لكم ، وأشرقتِ الأرضُ بنوركم (العيون:1/304 ) !
كل شئ كل ما يصدق عليه أنه شئ في تلك الحضرة ذليل ! وجيرئيل شئ وميكائيل شئ،
والكرسي واللوح والقلم، أشياء وكلها ذليلة أمام الإمام الحجة بن الحسن صلوات
الله عليه !
وذل كل شئ لكم لماذا ؟ لأنه صار عبداً مطلقاً، وقد قال النبي(ص) لعلي(ع): يا
علي، من خاف الله عز وجل خاف منه كل شئ ، ومن لم يخف الله عز وجل أخافه الله من
كل شئ ( من لايحضره الفقيه:4/357) (4)
وهذه العبودية هي التي قالوا عنها (العبودية جوهرة كنهها الربوبية) أي ربوبية
للأشياء بالله تعالى
أرأيتم النتيجة التي ينتهي إليها الصبر ، وكيف يصل الإنسان الذي صبر نفسه في
جنب الله تعالى الى مقام العبد المطلق ، ويستحق الإمامة المطلقة؟ فماذا نستطيع
أن نقول في مقام الإمام صاحب الزمان(ع)؟أليس الأفضل أن نصمت ونكتفي بذكر اسمه
الشريف فقط ؟!
لإمام العصر وولي الأمر صلوات الله عليه مئةٌ وثمانون صفةً أو لقباً ، ونيفاً ،
منها تعرف شخصيته ويعرف مقامه
فمن صفاته المئة والثمانين أنه: خليفة الله
ومن صفاته المئة والثمانين أنه: حجة الله
ومنها أنه: ربانيُّ آيات الله
ومنها أنه: دليل إرادة الله
ومنها أنه: مدار الدهر
ومنها أنه: نور الله المطلق
ومنها أنه:صاحب السماء
ومنها أنه: ضياء الله المشرق
ومنها أنه: الكلمة التامة
ومنها أنه: الرحمة التي وسعت كل شئ ، نعم ، الرحمة التي وسعت كل شئ !
فهل باستطاعتنا أن نفسر صفة واحدة من هذه المئة والثمانين ؟ أم أنها جميعاً فوق
تفسيرنا ؟!
سيدي ، لقد عشنا عمرنا على مائدتك ، وباسمك قدمنا أنفسنا الى الناس ، لكنا
عندما نراجع حسابنا ، نجد أننا ما عرفناك ولا عرفنا قدرك ، ولا أدينا تجاهك
واجب الإحترام! بل إني أتساءل: كيف سيحاسبنا الله تعالى لأنا أنقصنا من حقك
ونزلنا مقامك الى مستوياتنا ؟!
يا من هو الواسطة في فيض نعم الله على خلقه ، يا من جعله الله الذي منه الوجود
فاعل ما به الوجود وحاشاك أن نشركك معه في ذرة من ملكه ، فقد تعلمنا منكم
التوحيد والتنزيه والتحميد ، فنحن نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك: أَلا
لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( سورة
لأعراف:54) ونشهد أنك تقول كجدك المصطفى: لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً
وَلاضَرّاً إِلامَا شَاءَ اللهُ ( سورة الأعراف: 188) لكنا نعتقد أن ما استثناه
تعالى بقوله إِلاَّمَا شَاءَ اللهُ، هو الكثير الكثير ، فقد جعلكم واسطة فيضه
وعطائه لخلقه ، فحيثما كان عطاء إلهي فأنت موجود ، وحيثما كان فعل إلهي فأنت
وسيلته فالنَّفَسُ الذي نتنفسه من الله تعالى بكم، والنظر الذي ننظر به من الله
تعالى بكم ، والخطوة التي نخطوها من الله بكم!
نحن نعتقد أنك لا تملك من نفسك شيئاً ، لكنك تملك بالله عظيم ما ملكك! فأنتم
أهل البيت، وأنت يا إمام العصر: رحمة الله الواسعة التي وسعت كل شئ! وخير لنا
أن نصمت عن مديحكم ونتركه لمن هو أكفأ منا ، فإنما أردنا هذا اليوم أن نفهم
أننا مقصرون جاهلون عاجزون ، وأن نطلب العذر لتقصيرن
نحن بهذا الحديث عنك نعرض أنفسنا أمامك ، لعلك تتفضل علينا بنظرة
أخبرني أحد الأشخاص الكبار الذين أثق بهم ، أنه سمع أنه توجد رياضة خاصة من
يفعلها يستطيع أن يرى واقعة كربلاء كما هي في يومها ! وهذا أمر يتفق مع الكشوف
العلمية التي تؤكد أن الأحداث والوقائع في الأرض محفوظة في عالم أثيري خاص،
وأنه يمكن للروح أن تتصل بها وتراها !
قال: لكنه لم يمكنه مشاهدة جميع وقائع عاشوراء ، فهناك مقطع نحو ثلاث ساعات غير
قابل للمشاهدة لأحد، من حين هوى الإمام الحسين(ع)من على ظهرجواده الى أن جمع
النبي(ص)دمه فصعد به وجعله على أسطوانة العرش، فهو يهتز الى يوم القيامة! هذا
المقطع غير قابل للرؤية!
هذا هو الصبر الذي نتجت عنه الإمامة الكبرى ، وهو نفسه صبر صاحب الزمان أرواحنا
فداه ، الذي يرى هذا المشهد كل يوم صباحاً ومساء !
إن حياته(ع)كلها امتحان، وقد ورد أنه يوجد عنده في البيت الذي يسكن فيه قميص
جده الحسين(ع)معلقٌ فوق رأسه وهو يراه ، فإذا حان وقت ظهوره يراه قد صار دماً
عبيطاً ! (5)
إن صبره لايشبه صبر أحد من الناس، بسبب سعة علمه ورقة قلبه وشفافية مشاعره(ع)!
فهو يرى كل مظالم العالم وجناياته ، وهو يرى مظالم جده النبي (ص)وأجداده
الطاهرين(ع)أمام عينيه،ولاشك أنه يتجول في زيارة مشاهدهم المشرفة ، من بيت الله
في مكة ، الى قبر جده المصطفى وأجداده المعصومين في المدينة المنورة ، الى قبر
جده أمير المؤمنين(ع)في النجف، الى قبر جده الحسين في كربلاء ، الى بقية مشاهد
المعصومين(ع)، وتتجسد أمام عينيه مظالمهم ومصائبهم !
وهو في ذلك يعيش حياته بقلب حي وإحساس نابض، يعيش بقداسة روح جده أمير
المؤمنين(ع)الذي لا يتحمل أن يسلب نملة جلب شعيرة ، حتى لو أعطي مقابلها
الأقانيم السبعة بما تحت أفلاكها! والذي عنده الموت أهون من أن يرى امرأة مسلمة
أو ذمية تسلب حليها، ولا يستطيع أن يدافع عنها! (6)
فأي صبر هو صبر الإمام المهدي أرواحنا فداه ؟!
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا هذا هو
الصبر المطلق الذي يوصل الى الإمامة المطلقة! فما هوالفرق بين مطلق الإمامة ،
والإمامة المطلقة؟
إن الإمامة مقولة لها شروط ترتفع درجتها بها حتى تصل طبقاً لنظام العلة
والمعلول الى الإمامة المطلقة ، وتكون النسبة بينها وبين مطلق الإمامة كنسبة
مطلق الوجود الى الوجود المطلق ، ومطلق العلم الى العلم المطلق ، ومطلق القدرة
الى القدرة المطلقة !
فإذا التفتم إلى هذه الفروق عرفتم معنى الرحمة المطلقة التي وصف بها
الأئمة(ع)في الزيارات والأدعية، فالرحمة المطلقة هي التي وسعت كل شئ ، ومطلق
الرحمة لا تسع كل شئ
وينبغي هنا أن نعرف أن الآية في الأئمة المختارين من بني إسرائيل ، وهؤلاء
ليسوا كأئمتنا(ع)أهل الصبر المطلق والإمامة المطلقة
فالإمام المهدي صاحب الزمان أرواحنا فداه، صاحب الإمامة المطلقة وليس مطلق إمام
، وهذا يعني أنه صاحب العلم المطلق بتعليم الله تعالى ، والقدرة المطلقة بإقدار
الله تعالى ، والرحمة المطلقة بعطاء الله تعالى
فهو كلمة الله التامة ورحمته الواسعة صلوات الله عليه
توجد رواية عن الإمام الرضا(ع)يصف فيها الإمام المهدي(ع)ينبغي أن نقرأها ، فهي
من الغرر التي خص بها الحسن بن محبوب الزراد ، الذي هو من كبار علماء الطائفة ،
من أصحاب الإجماع الذين أجمعت الطائفة على تصحيح ما يصح عنهم (7) ،
والأئمة(ع)لا يقولون كل المطالب لكل أحد ، بل يدخرون بعضها لأهلها قال الحسن بن
محبوب&قال لي: ( لابد من فتنة صماء صيلم ، تسقط فيها كل بطانة ووليجة ، وذلك
عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي ، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض ، وكل
حرَّى وحران ، وكل حزين لهفان ثم قال: بأبي وأمي سميُّ جدي، شبيهي وشبيه موسى
بن عمران ، عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس! كم من حرى مؤمنة ، وكم
مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء المعين!كأني بهم آيس ما كانوا قد نودوا
نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب، يكون رحمةً على المؤمنين وعذاباً على
الكافرين)(العيون:1/9) (8)
إن كلام الإمام لا مبالغة فيه فهو عين الواقع ، وأوصافه لهذه الفتنة حقيقية
بأبي وأمي سميُّ جدي ، شبيهي وشبيه موسى بن عمران ، عليه جيوب النور تتوقد
بشعاع ضياء القدس ! فالإمام الرضا(ع)الذي هو شرط قبول الله تعالى لكلمة التوحيد
من عباده، يقول هذا الكلام للحسن بن محبوب الفقيه الجليل! وفي هذا فليفكر العقل
الكامل ، وليصل إن استطاع الى أعماقه !
أي جيوب تتوقد على الإمام؟ والجيوب هي طيات قبائه وعباءته وثيابه ، فهي لشدة
نوره تتوقد ، لا من النور العادي ، بل من شعاع ضياء القدس !
فإلى أي مرتبة وصل الإمام في اتصاله بنور الأنوار سبحانه ، حتى صارت روحه وبدنه
وثيابه تتوقد بشعاع ضياء القدس؟!
إنه نور الله في أرضه الذي قال عنه تعالى: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا
مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُكَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا
غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى
نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ
لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ ( سورة النور:35)
إنه مدار الدهر وناموس العصر صلوات الله عليه
وطريق الوصول إليه بأمرين: أولهما ، التقوى ، فإن كتاب الله تعالى(هدىً
للمتقين) والإمام كتاب الله الناطق ، هدىً للمتقين أيضاً والتقوى من إنسان
بحسبه ، ومنكم بحسبكم
وثانيهما ، التمسك بأهل بيت العصمة والطهارة، وأن تجعلوا إمام الزمان(ع) أمام
نظركم ، لتكونوا مشمولين لنظره ولطفه فإن أردتم أن تكونوا موضع لطفه ، وأن
توصلوا الناس به ، فلا بد أن تحققوا هذين الشرطين
وأوصيكم بأمرين يقربانكم من الله تعالى وحجته صلوات الله عليه:
الأول، أن لا تنسوا ظلامة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء(ع)، هذه الظلامة التي
يذكرها الإمام صباحاً ومساء ويتألم لها ويذوب لها فؤاده ، فقد هجموا على بيتها
نهاراً جهاراً ، وأوصت أن يدفنوها ليلاً سر
والثاني، أن تحافظوا على إحياء عاشوراء وتحفظوا مقام سيد الشهداء(ع)
التعليقات
(1) في الكافي:1/337: ( علي بن إبراهيم، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن عبدالله
بن موسى عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله(ع)يقول: إن
للغلام غيبة قبل أن يقوم ، قال: قلت ولم ؟ قال: يخاف وأومأ بيده إلى بطنه ، ثم
قال: يا زرارة وهو المنتظر ، وهو الذي يشك في ولادته ، منهم من يقول: مات أبوه
بلا خلف! ومنهم من يقول: حَمْل ، ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين ،
وهو المنتظر غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون
يا زرارة
قال: قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شئ أعمل؟ قال: يا زرارة إذا أدركت
هذا الزمان فادع بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم
أعرف نبيك ، اللهم عرفني رسولك ، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم
عرفني حجتك ، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني
ثم قال: يا زرارة لابد من قتل غلام بالمدينة ، قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش
السفياني؟ قال: لا، ولكن يقتله جيش آل بني فلان ، يجئ حتى يدخل المدينة ، فيأخذ
الغلام فيقتله ، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لا يمهلون ، فعند ذلك توقع
الفرج إن شاء الله) ( راجع مصباح المتهجد للطوسي ص412 )
وفي كمال الدين للصدوق&ص512: ( الدعاء في غيبة القائم(ع): حدثنا أبو محمد
الحسين بن أحمد المكتب قال: حدثنا أبو علي بن همام بهذا الدعاء ، وذكر أن الشيخ
العمري قدس الله روحه أملاه عليه وأمره أن يدعو به وهو الدعاء في غيبة القائم
(ع): اللهم عرفني نفسك ، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك ، اللهم عرفني
نبيك فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني
حجتك ضللت عن ديني ، اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني
أللهم فكما هديتني بولاية من فرضت طاعته علي من ولاة أمرك بعد رسولك(ص)حتى
واليت ولاة أمرك أمير المؤمنين والحسن و الحسين وعلياً ومحمداً وجعفراً وموسى
وعلياً ومحمداً وعلياً والحسن والحجة القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين
اللهم فثبتني على دينك واستعملني بطاعتك ، ولين قلبي لولي أمرك ، وعافني مما
امتحنت به خلقك ، وثبتني على طاعة ولي أمرك الذي سترته عن خلقك ، فبإذنك غاب عن
بريتك ، وأمرك ينتظر ، وأنت العالم غير معلم بالوقت الذي فيه صلاح أمر وليك في
الإذن له بإظهار أمره وكشف ستره ، فصبرني على ذلك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا
تأخير ما عجلت ، ولا أكشف عما سترته ، ولا أبحث عما كتمته ، ولا أنازعك في
تدبيرك ، ولا أقول لمَ وكيفَ ، وما بال ولي الأمر لايظهر وقد امتلأت الأرض من
الجور ؟ وأفوض أموري كلها إليك
أللهم إني أسألك أن تريني ولي أمرك ظاهراً نافذاً لأمرك ، مع علمي بأن لك
السلطان ، والقدرة والبرهان والحجة والمشيئة والإرادة ، والحول والقوة ، فافعل
ذلك بي وبجميع المؤمنين ، حتى ننظر إلى وليك صلواتك عليه وآله ظاهر المقالة ،
واضح الدلالة ، هادياً من الضلالة ، شافياً من الجهالة أبرِزْ يا رب مشاهده ،
وثبت قواعده ، واجعلنا ممن تقر عينه برؤيته، وأقمنا بخدمته ، وتوفنا على ملته ،
واحشرنا في زمرته
أللهم أعذه من شر جميع ما خلقت وبرأت وذرأت وأنشأت وصورت ، واحفظه من بين يديه
ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته ، بحفظك الذي لا يضيع من
حفظته به ، واحفظ فيه رسولك ووصي رسولك اللهم ومد في عمره ، وزد في أجله وأعنه
على ما أوليته واسترعيته ، وزد في كرامتك له ، فإنه الهادي والمهتدي والقائم
المهدي ، الطاهر التقي النقي الزكي ، والرضي المرضي ، الصابر المجتهد الشكور
أللهم ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته وانقطاع خبره عنا، ولا تنسنا ذكره
وانتظاره، والايمان وقوة اليقين في ظهوره ، والدعاء له والصلاة عليه، حتى
لايقنطنا طول غيبته من ظهوره وقيامه ، ويكون يقيننا في ذلك كيقيننا في قيام
رسولك صلواتك عليه وآله ، وما جاء به من وحيك وتنزيلك ، وقوِّ قلوبنا على
الايمان به حتى تسلك بنا على يده منهاج الهدى ، والحجة العظمى ، والطريقة
الوسطى , وقونا على طاعته ، وثبتنا على متابعته ، واجعلنا في حزبه وأعوانه
وأنصاره ، والراضين بفعله ، ولا تسلبنا ذلك في حياتنا ولا عند وفاتنا ، حتى
تتوفانا ونحن على ذلك غير شاكين ولا ناكثين ولا مرتابين ولا مكذبين
أللهم عجل فرجه وأيده بالنصر ، وانصر ناصريه ، واخذل خاذليه ، ودمر على من نصب
له وكذب به ، وأظهر به الحق ، وأمت به الباطل ، واستنقذ به عبادك المؤمنين من
الذل ، وأنعش به البلاد ، واقتل به جبابرة الكفر ، واقصم به رؤوس الضلالة ،
وذلل به الجبارين والكافرين، وأبِرْ به المنافقين والناكثين وجميع المخالفين
والملحدين، في مشارق الارض ومغاربها، وبرها وبحرها ، وسهلها وجبلها ، حتى لا
تدع منهم دياراً ، ولا تبقي لهم آثاراً ، وتطهر منهم بلادك، واشف منهم صدور
عبادك، وجدد به ما امتحى من دينك، وأصلح به مابدل من حكمك، وغير من سنتك،حتى
يعود دينك به وعلى يديه غضاً جديداً صحيحاً، لا عوج فيه ولا بدعة معه ، حتى
تطفئ بعدله نيران الكافرين، فإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك وارتضيته لنصرة
نبيك، واصطفيته بعلمك، وعصمته من الذنوب، وبرأته من العيوب، وأطلعته على
الغيوب، وأنعمت عليه وطهرته من الرجس ونقيته من الدنس
أللهم فصل عليه وعلى آبائه الأئمة الطاهرين ، وعلى شيعتهم المنتجبين ، وبلغهم
من آمالهم أفضل ما يأملون ، واجعل ذلك منا خالصاً من كل شك وشبهة ورياء وسمعة ،
حتى لا نريد به غيرك ، ولا نطلب به إلا وجهك
أللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا ، وغيبة ولينا ، وشدة الزمان علينا ، ووقوع
الفتن ، وتظاهر الأعداء ، وكثرة عدونا ، وقلة عددنا اللهم ففرج ذلك بفتح منك
تعجله ، ونصر منك تعزه ، وإمام عدل تظهره إله الحق رب العالمين
أللهم إنا نسألك أن تأذن لوليك في إظهار عدلك في عبادك ، وقتل أعدائك في بلادك،
حتى لا تدع للجور يا رب دعامة إلا قصمتها ، ولا بنيةً إلا أفنيتها ، ولا قوةً
إلا أوهنتها ، ولا ركناً إلا هددته، ولا حداً إلا فللته ، ولا سلاحاً إلا
أكللته ، ولا رايةً إلا نكستها ، ولا شجاعاً إلا قتلته ، ولا جيشاً إلا خذلته ،
وارمهم يا رب بحجرك الدامغ ، واضربهم بسيفك القاطع ، وببأسك الذي لا ترده عن
القوم المجرمين ، وعذب أعداءك وأعداء دينك وأعداء رسولك بيد وليك وأيدي عبادك
المؤمنين
أللهم اكف وليك وحجتك في أرضك هول عدوه ، وكد من كاده ، وامكر من مكر به ،
واجعل دائرة السوء على من أراد به سوءً ، واقطع عنه مادتهم ، وارعب له قلوبهم ،
وزلزل له أقدامهم، وخذهم جهرة وبغتة،وشدد عليهم عقابك،واخزهم في عبادك، والعنهم
في بلادك ، وأسكنهم أسفل نارك ، وأحط بهم أشد عذابك ، وأصلهم ناراً واحش قبور
موتاهم ناراً ، وأصلهم حر نارك ، فإنهم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، وأذلوا
عبادك
أللهم وأحي بوليك القرآن ، وأرنا نوره سرمداً لا ظلمة فيه ، وأحيِ به القلوب
الميتة ، واشف به الصدور الوغرة ، واجمع به الأهواء المختلفة على الحق ، وأقم
به الحدود المعطلة ، والأحكام المهملة ، حتى لا يبقى حق إلا ظهر ، ولا عدلٌ إلا
زهر ، واجعلنا يا رب من أعوانه ومقوي سلطانه والمؤتمرين لأمره، والراضين بفعله،
والمسلمين لأحكامه ، وممن لا حاجة له به إلى التقية من خلقك أنت يا رب الذي
تكشف السوء وتجيب المضطر إذا دعاك ، وتنجي من الكرب العظيم ، فاكشف يا رب الضر
عن وليك ، واجعله خليفة في أرضك كما ضمنت له
أللهم ولا تجعلني من خصماء آل محمد، ولا تجعلني من أعداء آل محمد، ولا تجعلني
من أهل الحنق والغيظ على آل محمد ، فإني أعوذ بك من ذلك فأعذني ، وأستجير بك
فأجرني
أللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلني بهم فائزاً عندك في الدنيا والآخرة ومن
المقربين) انتهى
(2) في بصائر الدرجات ص81: ( أحمد بن موسى، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن
حسان، عن عبد الرحمن بن كثير ، قال سمعت أبا عبد الله(ع)يقول: نحن ولاة أمر
الله وخَزَنَةُ علم الله ، وعَيْبة وحي الله ، وأهل دين الله ، وعلينا نزل كتاب
الله ، وبنا عبد الله ، ولولانا ما عُرِفَ الله ، ونحن ورثة نبي الله(ص)،
وعترته )
وفي بصائر الدرجات ص125: ( حدثنا أحمد عن الحسين بن راشد ، عن موسى بن القسم ،
عن علي بن جعفر عن أخيه قال: قال أبو عبد الله: إن الله خلقنا فأحسن خلقنا
وصورنا فأحسن صورنا ، فجعلنا خُزَّانَهُ في سمواته وأرضه ، ولولانا ما عُرف
الله )
وفي بصائر الدرجات ص125: (حدثناعلي بن محمد، عن القسم بن محمد، عن سليمان بن
داود المنقري ، عن سفيان بن موسى ، عن سدير ، عن أبي جعفر(ع)قال سمعته يقول:
نحن خزان الله في الدنيا والآخرة وشيعتنا خزاننا ، ولولانا ما عُرف الله )
(3) في وسائل الشيعة (آل البيت):16/254: (علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه، عن
مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله(ع)قال: سئل عن قول النبي(ص): إن الشرك أخفى من
دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء؟ قال: كان المؤمنون يسبون ما يعبد
المشركون من دون الله ، وكان المشركون يسبون ما يعبد المؤمنون ، فنهى الله عن
سب آلهتهم لكي لايسب الكفار إلاه المؤمنين، فيكون المؤمنون قد أشركوا بالله من
حيث لايعملون فقال: وَلاتَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ( سورة الأنعام: 108)
وفي الخصال ص136: (حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال
حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن يزيد بن إسحاق شعر
، عن عباس بن يزيد ، عن أبي عبد الله(ع)قال قلت: إن هؤلاء العوام يزعمون أن
الشرك أخفى من دبيب النمل في الليلة الظلماء على المسح الأسود ؟ فقال: لا يكون
العبد مشركاً حتى يصلي لغير الله ، أو يذبح لغير الله ، أو يدعو لغير الله عز
وجل لم تعط هذه الأمة أقل من ثلاث )
وفي معاني الأخبار ص379: ( حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ،
عن عبد الحميد بن أبي العلاء قال: قال أبو عبد الله(ع): إن الشرك أخفى من دبيب
النمل وقال: منه تحويل الخاتم ليذكر الحاجة ، وشبه هذا ! )
وفي الخرائج والجرائح:2/688: ( ومنها ما قال أبو هاشم: سمعته يقول: من الذنوب
التي لا تغفر قول الرجل: ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا ! فقلت في نفسي: إن هذا لهو
الدقيق ، وينبغي للرجل أن يتفقد من نفسه كل شئ فقال: صدقت يا أبا هاشم إلزم ما
حدثتك به نفسك، فإن الشرك في الناس أخفى من دبيب النمل على الصفا ، أو قال:
الذر على الصفا، في الليله الظلماء )
وفي مصنف ابن أبي شيبة:7/88: من خطبة للنبي(ص)قال: (أيها الناس ، إتقوا هذا
الشرك ، فإنه أخفى من دبيب النمل ، فقال له من شاء أن يقول: وكيف نتقيه وهو
أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك
شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلم )
(4) في من لا يحضره الفقيه:4/357: (يا علي من خاف الله عز وجل خاف منه كل شئ،
ومن لم يخف الله عز وجل ، أخافه الله من كل شئ )
وفي بحار الأنوار:75/270: عن الإمام الصادق(ع)يقول: من أخرجه الله من ذل
المعاصي إلى عز التقوى أغناه الله بلا مال وأعزه بلا عشيرة ، وآنسه بلا بشر ،
ومن خاف الله خاف منه كل شئ ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ ، ومن رضي
من الله باليسير من المعاش رضي الله عنه باليسير من العمل ، ومن لم يستح من طلب
الحلال وقنع به ، خفت مؤونته ونعم أهله ، ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة
في قلبه وأنطق به لسانه ، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه من الدنيا
سالماً إلى دار السلام)
وفي الجواهر السنية للحر العاملي ص361: ( وروى الحافظ البرسي قال: ورد في
الحديث القدسي عن الرب العلي أنه يقول: عبدي أطعني أجعلك مثلي: أنا حي لا أموت،
أجعلك حياً لا تموت ، أنا غني لا أفتقر ، أجعلك غنياً لا تفتقر أنا مهما أشاء
يكون ، أجعلك مهما تشاء يكون )
وفي شجرة طوبى للحائري:1/33: ( قال الله عز من قائل: عبدي أطعني حتى أجعلك مثلي
أقول للشئ كن فيكون تقول للشئ كن فيكون ، وفي الخبر العبودية جوهرة كنهها
الربوبية ، ولهذا ترى الأنبياء والأولياء والحجج ، سيما أشرفهم وسيدهم رسول
الله(ص) وأوصيائه(ع)لمَّا أطاعوا الله عز وجل أطاعهم كل شئ حتى البهائم
والحيوانات )
(5) لم أجد الرواية التي ذكرها الأستاذ مد ظله ، ووجدت شبيهاً لها في غيبة
النعماني: /243، عن يعقوب بن شعيب، عن الإمام الصادق(ع)أنه قال له: ( ألا أريك
قميص القائم الذي يقوم عليه؟ فقلت بلى، قال: فدعا بقمطر ففتحه وأخرج منه قميص
كرابيس فنشره ، فإذا في كمه الأيسر دم ، فقال: هذا قميص رسول الله(ص)الذي عليه
دم يوم ضربت رباعيته، وفيه يقوم القائم، فقبلت الدم ووضعته على وجهي ، ثم طواه
أبو عبد الله(ع) ورفعه )
(6) في نهج البلاغة(ع):1/68: ( ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً
ونهاراً، وسراً وإعلاناً ، وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم
في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم وملكت عليكم
الأوطان ! وهذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار ، وقد قتل حسان بن حسان البكري
وأزال خيلكم عن مسالحها ، ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة
المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها، ماتمتنع منه
إلا بالإسترجاع والإسترحام! ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلاً منهم كَلْمٌ ولا
أريق لهم دم ! فلو أن امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل
كان به عندي جديراً فيا عجباً والله يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء
القوم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم !)
وفي نهج البلاغة:2/218: ( وأعجب من ذلك طارقٌ طرقنا بملفوفة في وعائها ،
ومعجونة شنئتها ، كأنما عجنت بريق حية أو قيئها ، فقلت أصلة أم زكاة أم صدقة
فذلك محرم علينا أهل البيت؟! فقال لا ذا ولا ذاك ، ولكنها هدية فقلت هبلتك
الهبول ، أعن دين الله أتيتني لتخدعني ، أمختبط أنت أم ذو جنة أم تهجر ؟! والله
لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب
شعيرة ما فعلت ! وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها! ما لعلي
ولنعيم يفنى ولذة لاتبقى؟! نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين )
(7) قال الشيخ البهائي&في الحبل المتين ص7: (في معرفة من اجتمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنهم وهم على ما حكاه الكشي ثمانية عشر رجلاً ، ستة منهم من أصحاب
أبي جعفر وأبي عبد الله (ص)وهم: زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد العجلي، وأبو
نصر الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم وقال بعضهم أبو بصير ليث المرادي
مكان أبي نصر الأسدي ، وستة منهم من أصحاب أبي عبد الله(ع)وهم: جميل بن دراج ،
وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وأبان بن عثمان
وزعم بعضهم أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج
وستة منهم من أصحاب أبي ابراهيم وأبي الحسن(ص)وهم: يونس بن عبد الرحمن ، وصفوان
بن يحيى بياع السابري ، ومحمد بن أبي عمير ، وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن
محبوب ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر
وقال بعضهم مكان الحسن فضالة بن أيوب وقال بعضهم: مكان فضالة عثمان بن عيسى
وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن ، وصفوان بن يحيى )
(8) في عيون أخبار الرضا(ع):1/9: ( حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا عبد الله
بن جعفر بن جامع الحميري ، عن أحمد بن هلال العبرتائي ، عن الحسن بن محبوب ، عن
أبي الحسن الرضا(ع)قال قال لي: لا بد من فتنة صماء صيلم تسقط فيها كل بطانة
ووليجة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي،يبكي عليه أهل السماء وأهل
الأرض، وكل حرَّى وحران ، وكل حزين لهفان ، ثم قال: بأبي وأمي سمي جدي ، شبيهي
وشبيه موسى بن عمران(ع)عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس ! كم من حرى
مؤمنة وكم مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء المعين ! كأني بهم آيس ما
كانوا قد نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب ، يكون رحمةً على المؤمنين
وعذاباً على الكافرين ! ) ورواه في الإمامة والتبصرة ص114
( بتاريخ: 14 شعبان 1415 ـ 26/10/73 ـ 16/1/1995 )
ورد في دعاء هذه الليلة: (اللهم بحق ليلتنا ومولودها ، وحجتك وموعودها التي
قرنتَ إلى فضلها فضلك، فتمت كلمتك صدقاً وعدلاً ، لا مبدل لكلماتك، ولا معقب
لآياتك نورك المتألق ، وضياؤك المشرق ، والعلَمُ النور ، في طخياء الديجور،
الغائب المستور ، جل مولده ، وكرم محتدُه ، والملائكة شُهَّدُه) (1)
وتعبير: جل مولده، في وصف هذه الليلة يكشف لنا عن جلالة المولود وقد ورد حديث
في جلالة المولد يكشف عن الجلالة الخاصة للمولود أيضاً: (عن أبي بصير قال: سمعت
أبا عبد الله جعفر بن محمد(ع)يقول: إن في الليلة التي يولد فيها الإمام ، لا
يولد مولود إلا كان مؤمناً ، وإن ولد في أرض الشرك نقله الله إلى الإيمان ببركة
الإمام ) (أمالي الطوسي ص412)
وفي رواية البحار نقلاً عن خط الشهيد الثاني(ره): (إن الليلة التي يولد فيها
القائمالخ) ( البحارج51/28 ) (2)
فالمسألة فوق قدرتنا على التعقل ، والذي يمكننا أن نقوله إن كلام أهل
البيت(ع)يتطلب فهماً خاصاً وذوقاً خاصاً لاستيعابه، وهي قدرة لا تحصل بالجهد
الفكري ، بل بإفاضة الله تعالى على من يشاء من عباده !
من أعيان علماء الشيعة المشهورين محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري &وله مسائل
أرسلها الى الحجة صلوات الله عليه بواسطة السفراء ، وأجابه عليها ، وقد رواها
النجاشي والطوسي رحمهما الله (فهرس النجاشي ص354)
قال الحميري&:(خرج التوقيع من الناحية المقدسة حرسها الله بعد المسائل:
بسم الله الرحمن الرحيم لا لأمره تعقلون ، ولا من أوليائه تقبلون ، حكمة بالغة
فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا ، فقولوا كما قال الله تعالى: سلام على
آل يس السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته الخ) (3)
والمهم هنا فهم الحديث وتذوقه ، وإدراك لطائفه ، وملامسة رقائقه
لا لأمره تعقلون ولامن أوليائه تقبلون عبارة غنية، مليئة بالمعاني، لأن خلاصة
مشكلة البشر أنهم لا يتعقلون أمر الله تعالى ، ولا يقبلون من أوليائه !
ومجئ هذه العبارة في أول كلامه(ع)له دلالات ، فهي مفتاح الباب ! وهي تشير الى
قوله تعالى:إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى
السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (سورة ق: 37) وموضوعهما واحد ، وهو أن البشر لكي
يصلوا إلى وعي الحقائق وبلوغ المقامات العالية ، أمامهم طريقان لا ثالث لهما:
فإما أن يدركوا بعقولهم أمر الله تعالى وأهدافه وأسراره في خلقه ، وهيهات هيهات
أن تدرك عقول البشر ما هو فوق طاقتها وأعلى من مستواها ؟! جل حناب الحق أن يكون
شرعة لكل وارد ، وجلت أسراره أن يبلغها عامة الناس !
فلم يبق إلا أن يقبلوا من أوليائه الذين وصلوا بلطفه الى تعقل أمره ، وصاروا
معدن علمه ، ومخزن أسراره
لقد انفتح الباب إذن لمن أراد الطريق! فما دمنا لا نستطيع نفهم أسرار الكون
والحياة والآخرة ، فما علينا إلا أن نقبل من أولياء الله الذين تفضل الله بهم
علينا ليعلمونا ويوجهونا
ثم قال(ع)مرشداً الى الطريق الثاني: إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا
فقولوا وهي جملة عميقة محيرة، لأن معنى التوجه بنا الى الله تعالى واضحة، فقد
علمنا النبي وأهل بيته(ص)كيف نتوجه بهم الى تعالى، قال الإمام الباقر (ع): إذا
أردت أمراً تسأله ربك ، فتوضأ وأحسن الوضوء ثم صل ركعتين وعظم الله وصل على
النبي(ص)وقل بعد التسليم: اللهم إني أسألك بأنك ملك، وأنك على كل شئ قدير
مقتدر، وبأنك ما تشاء من أمر يكون، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة
يامحمد يارسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي لينجح لي طلبتي اللهم بنبيك
أنجح لي طلبتي بمحمد ثم سل حاجتك) (الكافي:3 /478)
وفي التهذيب:6/101: (اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب اليك من محمد وأهل بيته
الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي ، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك أسألك أن
تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم ) (4)
لكن المحير في كلام الإمام(ع)قوله: إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا !
فما معنى التوجه بهم(ع)الى الله وإليهم؟! ما معنى هذه الكلمة الصادرة من ذلك
الإمام المطلق، والقديس الأعلى،الذي مقامه فوق اللوح والقلم والكرسي والعرش ؟!
أحاول فيما يتسع الوقت أن نفهم شيئاً من هذه الكلمة:
تعرفون أن الله تعالى قال في كتابه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ
جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (سورة غافر: 60) فالدعاء يستتبع الإجابة لا محالة ،
ولاتتخلف عنه، فلماذا لانرى استجابة أكثر أدعية الداعين؟!
الجواب: أن الدعاء لم يتحقق ، فلو تحققت:ادْعُونِي ، لتحققت: أَسْتَجِبْ لَكُمْ
لا محالة ! فكيف يتحقق الدعاء ؟
إن الحكمة مبثوثة في الكتاب والسنة، وقد بين الله تعالى شرط تحقق الدعاء بقوله:
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَر َّإِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء
َوَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا
تَذَكَّرُونَ (سورة النمل:62)، فهذه الآية تشرح آية: إدْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ ، وتدلنا على أنه ليست كل دعاء دعاءً لله تعالى ، فدعوته سبحانه تتحقق
عندما تصدر من صاحبها فتخرق الحجب بين الداعي وبين الله تعالى، وخرق الحجب
لايتم إلا بالإضطرار،وبه تكون الإجابة قطعية ولو أن شخصاً تحققت منه الحالة
التي تحصل للمضطر ، ولو لم يكن مضطراً عملياً ، لكانت استجابة دعائه قطعية
أيضاً ، وهو أيضاً من نوع الإضطرار وعلينا أن نفهم آيات القرآن ، وكلام حَمَلَة
القرآن(ع)
نعم ، إن من القطعيات المسلَّمة أن الإنسان المضطر ، كالذي يكون منقطعاً في
صحراء ، أو يضل الطريق في مكان خطر ، أو يتوجه إليه خطر من شئ فتحصل عنده حالة
المضطر المنقطع ، ويلتجئ الى الله تعالى ويدعوه يا الله فإن دعاءه يخرق الحجب ،
ويستجيب له الله تعالى قطعاً ! ولا فرق بين أن يكون هذا الإنسان شيعياً أو
سنياً ، بل لا فرق بين أن يكون مسلماً أو كافراً !
وكذلك الأمر فيمن انقطع الى أولياء الله وحججه صلوات الله عليهم ، فلو أن
مضطراً منقطعاً نادى: يا أبا صالح المهدي أدركني، فلا بد أن يستجيب الله له ،
لأنه سبيل الله الأعظم وصراطه الأقوم ، والله تعالى هو نور السماوات والأرض
الذي منه الوجود ، والإمام المهدي هو نور الله الذي به الوجود والطلب ممن به
جعل الله به الوجود ، هو ثاني الطلب من صاحب الوجود عز وجل ، الذي منه كل
الوجود سبحانه ، فحكم الطلب فيهما واحد
هذا هو الأمر الأول عن تأثير الإضطرار
أما الأمر الثاني، فهو أن المضطر قد يكون مضطراً الى جاه أو مال أو أمر دنيوي
أو أخروي ، وكل هؤلاء يستجاب لهم فيما اضطروا إليه عند انقطاعهم ودعائهم لكن في
هؤلاء المضطرين أناسٌ ليسوا مضطرين الى دنياً ولا إلى آخرة ، بل مضطرون الى
الله تعالى ، ولا يعرفون غيره ، ولا يشعرون بغيره ! فهؤلاء يصلون الى المقام
الذي قال عنه الإمام الحسين(ع)في دعائه:ماذا وجد من فقدك، وما الذي فقد من
وجدك، لقد خاب من رضي دونك بدلاً، ولقد خسر من بغي عنك متحولاً،كيف يرجى سواك
وأنت ماقطعت الإحسان، وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة الإمتنان ) (
البحار:95/226 ) (5)
فهؤلاء وجدوا الله تعالى ولم (يجدوا) غيره ، وبذلك يحصلون على كل شئ ونفس
الكلام يقال بالنسبة إلى المضطر إلى ولي الله الأعظم صلوات الله عليه، فلو اضطر
اليه لشئ من الدنيا أو الآخرة ، وتوسل به الى الله منقطعاً ، فسوف يحصل على
نظرة وعناية منه يكون بها تلبية حاجته
لكن هذه الحاجات تشبه حاجات الأطفال بالنسبة الى حاجة المضطر إلى نفس ولي الله
الأعظم صلوات الله عليه ، ومن كانت حاجته من ربه نفس الإمام(ع)، فذلك سيحظى به
ويكون في مرتبة: وما الذي فقد من وجدك؟! وعند ذلك يكون تعامل الإمام(ع)معه كما
يقولون عن الإكسير
يقولون إن الإكسير إذا مس أي شئ تحول الى مادة أطلقوا عليها اسم الكبريت الأحمر
، والكبريت الأحمر إذا مس أي مادة تحولت الى الذهب الخالص ! فهنا ثلاث مراحل ،
كما أن في الإضطرار الى الإمام(ع)والوصول إليه ثلاث مراحل وثلاثة مقامات ولا
يتسع الوقت لشرح هذه المقامات
على أي حال يقول(ع)طبق ما نقله المجلسي&في المزار: إذا أردتم التوجه بنا إلى
الله وإلينا، فقولوا كما قال الله تعالى: سلامٌ على آل يس الخ)
فما معنى العبارة الأولى:سلامٌ على آل يس؟
للقرآن قلب ، ولقلبه قلب هو سورة ياسين ، وقلب سورة ياسين ، أي قلب قلب القرآن
كلمتان هما قوله تعالى:سَلامٌ قَوْلاًمِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (سورة يس: 58) و:
سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ( سورة الصافات:130 ) ، كلمتان: سلام في الأول ،
وياسين في الآخر
يا حسرةً على هذه الأمة حيث لم تمكن أهل بيت نبيها(ص)أن يفسروا لها كتاب الله
تعالى! يا حسرةً على بيت الوحي والعلم النبوي ، هاجموه وسدوا بابه ، ومنعوا فم
الإمامة أن ينطق !
تذكرت قول الإمام الرضا(ع)عن افتتاح الأذان بكلمة (الله أكبر) وختامه بكلمة (لا
إله إلا الله) ليكون اسم الله تعالى في الإفتتاح والختام ! (6) وهو يتصل
بموضوعنا: سلامٌ على آل يس، وفي هذه العبارة إعجاز لايدركه إلا أهله، عندما
تجمع سين سلام مع سين ياسين، من الأول الى الآخر ذلك أن لحرف السين من بين
الحروف الأبجدية خصوصية في حساب الجُمَّل ، هي تعادل الزُّبُر فيه مع البينات ،
والزُّبر هي الحروف ، والبينات هي الحروف الناتجة من تلفظ الحروف
مثلاً حرف الشين زُبُره (ش) وبيناته أي حروفه التي تظهر في لفظه ولا تظهر في
كتابته (ي ، ن) ولا تعادل في حساب الجمل بينها ، لأن الشين
(300) والياء (10) والنون (50) والمجموع (60) فلا تعادل بينه
أما السين فزُبُره (س) وهي بحساب الجمل (60) وبيناتها ياء ونون ، وجمعهما (60)
أيضاً ، فقد تعادلت زُبُرُ هذا الحرف مع بيناته ، وبذلك تميز على كل حروف
الأبجدية (7)
وقد جاءت السين مرة في: سلام، وهو من أسماء الذات المقدسة سبحانه وتعالى ، ومرة
في اسم الفعل ياسين في قوله تعالى: (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ)
وسينها مأخوذة من سين: سلام
وهنا سين أخرى مضمرة بالإضافة الى السينين الظاهرتين ، وهي سين القلب السليم في
قوله تعالى:يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إلا مَنْ أَتَى اللهَ
بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ( سورة الشعراء: 88-89 )، فعندما يقول القلب السليم: سلام على
آل ياسين، فقد تم الأمر! وكما لا يتيسر الوصول الى الله تعالى إلا بقلب سليم ،
وإلا بواسطة: لأمره تعقلون، ومن أوليائه تقبلون، فكذلك لايتيسر الوصول الى سبيل
الله(ع) إلا بقلب سليم ، فهم(ع)وجه الله الفاني فيه
وهنا نفهم لماذا قال(ع): فقولوا كما قال الله تعالى: سلامٌ على آل يس
أختم الحديث بقصة ذات دلالة ، أنقلها عن صاحبها بواسطة واحدة ، فقد كان لنا
أستاذ في مشهد قبل سفري الى النجف ، له درس خصوصي لعدد من الطلبة، وكنت يومها
كما أنا اليوم في عداد صغار الطلبة ، وكان الدكتور صاحب القصة يحضر ذلك الدرس،
ولم أسمعها منه بل سمعتها من المرحوم الشيخ علي أكبر النهاوندي، وكذا من
المرحوم الشيخ علي أكبر نوغاني ، وقد سمعاها من صاحبها ، وأذكر لكم هنا خلاصتها
، قال ذلك الدكتور :
كنت في غزو روسيا لإيران ، أثناء الحرب العالمية الثانية ، أعمل قريباً من
الجبهة طبيباً جراحاً ، وذات يوم جاءني شخص وقال لي:أصابتني رصاصة فأجْرِ لي
عمليةً الآن، واستخرجها قلت له: العملية ليس شيئاً بسيطاً ، لابد أن يحضر طبيب
التخدير ويعطيك المخدر قال: لا تنتظر المخدر، جئ بوسائلك وأجر لي عملية الآن
فرأيت نفسي أتحرك لتنفيذ أمره كالمُسَيَّر بإرادته ، فأحضرت وسائلي وتمدد هو
وقال: بسم الله النور، بسم الله النور، ثم تلفظ بإخفات بكلمتين أو ثلاث ،
فرأيته نام كأنه بدن بلا روح ! عرفت أنه رجل له قدرة على خلع روحه وتجريدها من
بدنه ، فقلت في نفسي لقد وجدت كنزاً !
وما أن أتممت العملية ولم تكن صغيرة ، وأكملت خياطة الجرح حتى رأيته حرك شفتيه
بهدوء وأعاد نفس الكلمات ، وجلس !
فسألته وتحدثت معه حتى عرفت أن له ارتباطاً بصاحب الزمان صلوات الله عليه ،
فسألته هل رأيته؟ فقال: هيهات ، هيهات! وهل أنا بمستوى من يراه ويتحدث معه؟!
أين أنا منه ؟!
قلت له: إذن ما هو عملك؟ قال: أنا مأمور أن أتواجد هنا !
قلت له:أليس للمولى عناية بنا؟ ماذا يلاقي المسلمون من هذا الجيش الروسي
والآذربيجاني من مصائب لا تحتمل ! فنظر اليَّ ، ثم قال: ليرحلوا وغاب عني ! فقط
قال هذه الكلمة ، وغاب عني !
وفي ذلك اليوم عصراً وصلت برقية من مركز القيادة الروسية بالإنسحاب الفوري ،
وأخذ الجيش الروسي والآذري بالإنسحاب من فورهم !
يومها عرفت أني وجدت ما أبحث عنه! فهمت أن الشخص من أصحاب الإمام المهدي روحي
فداه وأنه يملك شعاعاً من تلك الإرادة الربانية القاهرة فهو يقول: ليرحلوا ،
فيرحلون !
قال الدكتور: قلت له هل رأيته نفسه ؟ قال: لا، هيهات أنا ارتباطي بسبعة أشخاص ،
هم يرونه فأين مقامه صلوات الله عليه ؟ وفي أي درجة ومرتبة ذلك الإكسير الأعظم
؟ الذي يتصل به سبعة أشخاص فيكونون كالكبريت الأحمر ، ويملكون هم ومن يتصل بهم
من تلاميذهم ، ما شاء الله من اسمه الأعظم ؟!
وا أسفاه أنا لم نعرفك يا مولاي ، ولم نعرف قدرك وحرمتك، أين أنت الآن؟ فانظر
إلينا بلطفك فإن لم يكن عند الحاضرين ما يقربنا منك ، فقد وضعنا على رؤوسنا
شعار خدمتك ، واستجرنا بقبر عمتك فاطمة بنت موسى بن جعفر(ع) اللهم صل وسلم على
وليك، وخليفتك، وحجتك، وكلمتك التامة في أرضك
إقرؤوا القرآن لتعرفوا معنى الكلمة التامة ، أنظروا الى عيسى(ع)الى أي مقام
وصل: إِذْ قَالَ اللهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ
وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ
فِي الْمَهْدِوَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَالتَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ
الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ
الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي
وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (سورة
المائدة:110) وإنما بلغ ذلك لأنه صار كلمة الله تعالى: إِذْ قَالَتِ
الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة ٍمِنْهُ اسْمُهُ
الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ
الْمُقَرَّبِينَ (سورة آل عمران:45 )
أما الكلمة التامة التي هي فوق ذلك فليست مقام عيسى المسيح(ع)بل هي مقام الإمام
المهدي(ع)(وكلمتك التامة في أرضك) فهذه من صفاته(ع)في الدعاء بعد زيارة السلام
على آل ياسين
أما بماذا تتم الكلمة فاقرؤوا قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً
وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَالسَّمِيعُ الْعَلِيمُ(سورة
الأنعام:115) فتمام الكلمة الإلهية يكون بمنتهى الصدق الذي هو نهاية الحكمة
النظرية، وبمنتهى العدل الذي هو نهاية الحكمة العملية فعندما يبلغ الإنسان
منتهى درجات الصدق والفقه ، تنكشف لقلبه المقدس كل الحقائق وعندما يبلغ منتهى
درجات العدل يكون كلمة الله التامة، ويكون مولود هذه الليلة جل مولده
التعليقات
(1) في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي&ص842: (ويستحب أن يدعى فيها بهذا الدعاء: (
اللهم بحق ليلتنا ومولودها ، وحجتك وموعودها ، التي قرنت إلى فضلها فضلك ، فتمت
كلمتك صدقاً وعدلاً ، لا مبدل لكلماتك ، ولا معقب لآياتك ، نورك المتألق ،
وضياؤك المشرق ، والعلم النور في طخياء الديجور ، الغائب المستور ، جل مولده،
وكرم محتده، والملائكة شهده، والله ناصره ومؤيده، إذا آن ميعاده، والملائكة
أمداده ، سيف الله الذي لا ينبو، ونوره الذي لا يخبو ، وذو الحلم الذي لا يصبو
، مدار الدهر ونواميس العصر، وولاة الأمر ، والمنزل عليهم ما يتنزل في ليلة
القدر ، وأصحاب الحشر والنشر، تراجمة وحيه ، وولاة أمره ونهيه
اللهم فصل على خاتمهم وقائمهم ، المستور عن عوالمهم ، وأدرك بنا أيامه وظهوره
وقيامه ، واجعلنا من أنصاره، واقرن ثارنا بثاره ، واكتبنا في أعوانه وخلصائه
وأحينا في دولته ناعمين، وبصحبته غانمين ، وبحقه قائمين ، ومن السوء سالمين ؟
يا أرحم الراحمين)
(2) في أمالي الطوسي&ص412: (أخبرنا محمد بن محمد قال: أخبرني أبو القاسم جعفر
بن محمد بن قولويه، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ،
عن موسى بن طلحة ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال: سمعت أبا عبد الله
جعفر بن محمد(ع)يقول: إن في الليلة التي يولد فيها الإمام لا يولد مولود إلا
كان مؤمناً ، وإن ولد في أرض الشرك نقله الله إلى الايمان ببركة الامام )
وفي بحار الأنوار:51/28: ( نقل من خط الشهيد عن الصادق(ع)قال: إن الليلة التي
يولد فيها القائم(ع)لا يولد فيها مولود إلا كان مؤمناً ، وإن ولد في أرض الشرك
نقله الله إلى الايمان ببركة الإمام(ع))
(3) في الإحتجاج:2/315: (وعن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال: خرج
التوقيع من الناحية المقدسة حرسها الله، بعد المسائل: بسم الله الرحمن الرحيم ،
لا لأمره تعقلون ، ولا من أوليائه تقبلون ، حكمةٌ بالغةٌ فما تغني النذر عن قوم
لا يؤمنون السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا ، فقولوا كما قال الله تعالى: سلامٌ على
آل يس السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته السلام عليك يا باب الله وديان
دينه
السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته
السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه السلام عليك يا بقية الله في أرضه الخ)
(وقد تقدم في الموضوع رقم:2)
(4) في الكافي:2/544: ( كان أمير المؤمنين(ع)يقول: من قال هذا القول كان مع
محمد وآل محمد إذا قام قبل أن يستفتح الصلاة: اللهم إني أتوجه إليك بمحمد وآل
محمد ، وأقدمهم بين يدي صلاتي ، وأتقرب بهم إليك ، فاجعلني بهم وجيهاً في
الدنيا والآخرة ، ومن المقربين ، مَنَنْتَ عليَّ بمعرفتهم ، فاختم لي بطاعتهم
ومعرفتهم وولايتهم فإنها السعادة ، فاختم لي بها ، فإنك على كل شئ قدير)
وفي الكافي أيضاً:2/552: ( محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد
بن محمد بن أبي داود، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر(ع)قال: جاء رجل إلى النبي
(ص)فقال: يا رسول الله إني ذو عيال وعليَّ دَيْنٌ وقد اشتدت حالي، فعلمني دعاء
أدعو الله عز وجل به ليرزقني ما أقضي به ديني ، وأستعين به على عيالي ، فقال
رسول الله(ص): يا عبد الله توضأ وأسبغ وضوءك ، ثم صل ركعتين تتم الركوع والسجود
ثم قل: يا ماجد يا واحد يا كريم يا دائم ، أتوجه إليك بمحمد نبيك نبي الرحمة
يامحمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي ورب كل شئ أن يصلي على
محمد وأهل بيته ، وأسألك نفحة كريمة من نفحاتك وفتحاً يسيراً ورزقاً واسعاً
ألمُّ به شعثي ، وأقضي به ديني ، وأستعين به على عيالي)
وفي من لايحضره الفقيه:1/483: ( قال الصادق(ع): إذا أردت أن تقوم إلى صلاة
الليل فقل: اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة وآله وأقدمهم بين يدي حوائجي
فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ، اللهم ارحمني بهم ولا
تعذبني بهم واهدني بهم ولا تضلني بهم، وارزقني بهم ولا تحرمني بهم ، واقض لي
حوائجي للدنيا والآخرة ، إنك على كل شئ قدير ، وبكل شئ عليم
وفي الإغاثة للسقاف ص20: ( ومن هذا الباب جاء في الحديث الصحيح أن الأعمى
استغاث برسول الله(ص)أن يدعو الله له في رد بصره ، فلم يدع له ، وإنما علمه
التوسل والإستغاثة بجاهه(ص)في الدعاء المسنون المشهور الذي فيه: اللهم إني
أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة - وهذا توسل- يا محمد إني أتوجه بك الله في
حاجتي لتقضى - وهذه استغاثة صريحة - وخصوصاً أن النبي لم يخص هذا الدعاء بحياته
فقط، مع أنه حيٌّ في قبره كما أخبر ، وجاءنا في الحديث الصحيح ، وعلماء الأمة
ذكروا هذا الحديث في أبواب صلاة الحاجة من مصنفاتهم ولم يقل أحد منهم إياكم أن
تدعو به فإنه شرك !
وليس التوسل عبادة للمتوسل به إلى الله ، فقد علم رسول الله ( ص ) الأعمى أن
يقول:
( اللهم إني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي
في حاجتي لتقضى) الحديث ، وهو صحيح مشهور بين أهل العلم، رواه الترمذي:5/569،
والبيهقي في دلائل النبوة:6/166- 168، والحاكم:1/313)، وصححه على شرطهما ،
وأقره الذهبي وغيرهم ، بأسانيد صحيحة )
وفي رفع المنارة للحافظ الممدوح ص15: ( وذكر أثراً فيه التوسل بالنبي صلى الله
عليه وسلم لفظه: اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني
أتوجه بك إلى ربك وربي يرحمني مما بي
قال ابن تيمية: فهذا الدعاء ونحوه روى أنه دعا به السلف ، ونقل عن أحمد بن حنبل
في منسك المروزي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء اه
وهذا هو نص عبارة أحمد بن حنبل فقال في منسك المروزي بعد كلام ما نصه: وسل الله
حاجتك متوسلاً إليه بنبيه صلى الله عليه وسلم تُقْضَ من الله عز وجلاه هكذا
ذكره ابن تيمية في الرد على الأخنائي ص168
والتوسل به صلىالله عليه وسلم معتمد في المذاهب ومرغوب فيه، نص على ذلك الأئمة
الأعلام ، وكتب التفسير والحديث والخصائص ودلائل النبوة والفقه ، طافحة بأدلة
ذلك بدون تحريم ، وهي بكثرة
وقد أكثر ابن تيمية من بحث النوع الثاني من التوسل في مصنفاته قائلاً بمنعه ،
وقلده وردد صدى كلامه آخرون ! ويحسن ذكر كلام ابن تيمية مع بيان ما فيه ،
واقتصاري على كلامه فقط هو الأولى لأن من تشبث بكلامه لا يزيد عن كونه متشبعاً
من موائده دائرأ في فلكه ، والله المستعان )
(5) في بحار الأنوار:95/216: ( ومن الدعوات المشرفة في يوم عرفة دعاء مولانا
الحسين بن علي صلوات الله عليه: الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه
مانع، ولا كصنعه صنع صانع ، وهو الجواد الواسع ، فطر أجناس البدائع ، وأتقن
بحكمته الصنائع الى آخره، وهو دعاء طويل وفيه ص226: (ماذا وجد من فقدك، وماالذي
فقد من وجدك لقد خاب من رضي دونك بدلاً ، ولقد خسر من بغى عنك متحولاً ، كيف
يرجى سواك وأنت ما قطعت الإحسان ، وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة
الإمتنان )
وفي بحار الأنوار:95/214: (وقال الكفعمي في حاشية البلد الأمين المذكور على أول
هذا الدعاء: وذكر السيد الحسيب النسيب رضي الدين علي بن طاووس قدس الله روحه في
كتاب مصباح الزائر قال: روى بشر وبشير الأسديان أن الحسين بن علي بن أبي طالب
(ص)خرج عشية عرفة يومئذ من فسطاطه ، متذللاً خاشعاً فجعل يمشي هوناً هوناً حتى
وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبل البيت، ثم رفع
يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين ، ثم قال: الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع
الخ
(6) في وسائل الشيعة (آل البيت):5/418: ( عن الإمام الرضا(ع)أنه قال: إنما أمر
الناس بالأذان لعلل كثيرة ، منها أن يكون تذكيراً للناس ، وتنبيهاً للغافل ،
وتعريفاً لمن جهل الوقت واشتغل عنه، ويكون المؤذن بذلك داعياً إلى عبادة
الخالق، ومرغباً فيها ، مقراً له بالتوحيد ، مجاهراً بالإيمان معلناً بالإسلام
، مؤذناً لمن ينساها وإنما يقال له مؤذن ، لأنه يؤذن بالأذان بالصلاة
وإنما بدأ فيه بالتكبير وختم بالتهليل، لأن الله عز وجل أراد أن يكون الإبتداء
بذكره واسمه ، واسم الله في التكبير في أول الحرف ، وفي التهليل في آخره )
ورواه في من لا يحضره الفقيه:1/299
(7) قال الشيخ عباس بن نخي في كتاب مقتطفات ولائية: ( الزُّبُر: الحرف الأول من
الإسم الحرفي ( والإسم الحرفي هو الكلمة التي يتلفظ بها كل من الحروف الأبجدية:
نحو ألف ، باء )، ويسمى ما خلا الحرف الأول من حروف الإسم الحرفي ( البينات ) ،
فعلى سبيل المثال: أول حروف كلمة ( محمد ) هو الميم ، وأول لفظه الميم ( الميم
) أي ( م ) تسمى ( الزبر ) ويطلق على حروفها التالية وهي ( ي ) و ( م ): (
البينات ) وفي اصطلاح ( علم الجفر ) يطلق على تلفظ حروف الزبر والبينات ( بسط
التلفظ ) أو
( البسط الباطني ) و ( السبط الظاهري )
وعلى سبيل المثال إذا تلفظنا ( محمد ) بأسماء حروفه وهي: ميم ، حاء ، ميم ،
دال، يكون مجموع حروف المتحصلة: م ي م ، ح ا ، م ي م ، د ال
وقال أيضاً: حساب الأبجدية يعني حساب الأحرف الهجائية المجموعة في الترتيب
الأبجدي (مقابل الترتيب الألفبائي) (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ) ،
ويقال له ( حساب الجُمَّل ) ، حيث لكل حرف معادل رقمي حسب الجدول التالي:
ا ب ج د ه و ز ح ط ي ك ل م ن
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 20 30 40 50
س ع ف ص ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ غ
60 70 80 90 100 200 300 400 500 600 700 800 900 1000
(36)وأشرقت الأرض بنور الإمام المهدي(ع)
( بتاريخ: 14 شعبان 1416 ـ 6/1/1997 ـ 16/10/1374 )
إن قضيتنا الأساسية هي قضية هذه الليلة ومولودها الحجة بن الحسن صلوات الله
عليه لكنا نشير الى هذه الضائقة الإقتصادية التي تمر بطلبة العلوم الدينية ،
وما ينتج عنها من مشكلات معيشية ، تجعل بعض الطلبة تفتر هممهم عن طلب العلم
ينبغي لهؤلاء أن يعرفوا أي نعمة خصهم بها الله تعالى، وأي ألطاف أولاهم؟! فإن
أعظم النعم هو إحياء النفوس التي قال الله تعالى عنها: وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ( سورة المائدة:32 )
جاء رجل إلى الإمام الحسن(ع)بهدية فقال له: أيما أحب اليك، أن أرد عليك بدلها
عشرين ضعفاً ، عشرين ألف درهم، أو أفتح لك باباً من العلم تقهر فلاناً الناصبي
في قريتك ، تنقذ به ضعفاء أهل قريتك ؟ إن أحسنت الإختيار جمعت لك الأمرين ، وإن
أسأت الإختيار خيرتك لتأخذ أيهما شئت؟!
فقال: يا ابن رسول الله فثوابي في قهري ذلك الناصب واستنقاذي لأولئك الضعفاء من
يده ، قدره عشرون ألف درهم ؟
قال: بل أكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرة
قال: يا بن رسول الله فكيف أختار الأدْوَن ؟! بل أختار الأفضل ، الكلمة التي
أقهر بها عدو الله وأذوده عن أوليائه
فقال الحسن بن علي(ص):قد أحسنت الإختيار، وعلمه الكلمة وأعطاه عشرين ألف درهم ،
فذهب فأفحم الرجل ، فاتصل خبره به فقال له حين حضر معه: يا عبدالله ما ربح أحد
مثل ربحك، ولااكتسب أحد من الأوداء مثل ما اكتسبت: مودة الله أولاً، ومودة محمد
وعلي ثانياً، ومودة الطيبين من آلهما ثالثاً، ومودة ملائكة الله تعالى المقربين
رابعاً ، ومودة إخوانك المؤمنين خامساً واكتسبت بعدد كل مؤمن وكافر ماهو أفضل
من الدنيا ألف مرة ، فهنيئاً لك هنيئاً ) (الإحتجاج :1/11 والبحار :2 /8 وتفسير
العسكري ص347 )
هذه هي قيمة إحياء النفس بالمفهوم القرآني
والمهم أن نعرف بماذا يتم إحياء النفوس حتى نحيي أنفسنا وأنفس غيرنا ؟
هذا شهر رمضان يقبل علينا ، ونفوس الناس تتهيأ فيه لتلقي الفيض والعطاء الإلهي
، لمجاهدتهم نوازع الشهوات وأهم واجباتكم أنتم طبقة العلماء والفضلاء ، أن
تستفيدوا من هذه الفرصة في إحياء نفوس الناس:وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا
أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ! وإن من أهم مصاديق إحياء الأنفس تعريفها بعقائد
الإسلام خاصة إمام زمانها(ع)، وذلك للحديث الصحيح عن رسول الله(ص): (من مات ولم
يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) (1)
فإحياء النفوس في عصرنا معرفته وتعريف الناس به، وإيجاد الإرتباط بين أيتام آل
محمد(ص)وبين هذا الأب المحجوب الغائب عن الأنظار(ع)فإن الإرتباط بالله تعالى لا
يتحقق إلا عن طريق الإرتباط بهم(ع) الإرتباط بمن منه الوجود لا يتحقق إلا
بالإرتباط بمن به الوجود !
وعندما نريد التعرف على شخصيته(ع)وما تحتويه وما يحيط بها ، تقف محركات عقولنا
عن العمل ، وكيف لا ، والإمام الرضا(ع)يقول في وصفه :
( بأبي وأمي سميُّ جدي ، شبيهي وشبيه موسى بن عمران ، عليه جيوب النور تتوقد
بشعاع ضياء القدس! ) (العيون :1/9 ، وقد تقدم في الموضوع رقم:34)
إنها لأوصافٌ تحير العقل وقد ورد في صفة المسيح(ع)أن عليه جلابيب النور ، ففي
مناظرة الإمام الرضا(ع)مع علماء النصارى: (ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك
بكتاب شعيا(ع)؟ قال: أعرفه حرفاً حرفاً قال لهما: أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم
إني رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور ، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل
ضوء القمر ؟
فقالا: قد قال ذلك شعيا(ع) قال الرضا(ع): يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول
عيسى(ع): إني ذاهب الى ربكم وربي والبارقليطا جاءٍ ، هو الذي يشهد لي بالحق كما
شهدت) (عيون أخبار الرضا(ع) :2/145)
لكن وصف الإمام المهدي(ع)أبلغ من ذلك: (عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء
القدس! ) ، ومع ذلك فلا نستطيع أن نعرف حقيقة جلابيب النور على نبي الله عيسى ،
وجيوب النور على الإمام المهدي(ص)!
إن أحاديث أهل البيت(ع)جواهر مكنونة ، لم نعرف الى الآن كنوزها في معرفة الله
تعالى ، ومعرفة وسائط فيضه وعطائه(ع) ! ونيل هذه الكنوز أمر صعب ، لا يحصل
بالبحث والتعمق الفكري كما هو الحال في بقية العلوم، بل هو عطاء يختص به الله
من يشاء من عباده
إن معرفة ولي الله الأعظم(ع)تحتاج الى أن يشمر خواص العلماء الأتقياء الذين
اشتغلوا سنين طويلة في معالجة المسائل الفكرية ، ويدرسوا تعابير المعصومين (ع)
الواردة في الأدعية والزيارات ، ويستخرجوا من كنوزها !
كم قرأنا هذه العبارة في دعاء الندبة:بنفسي أنتَ من عقيدِ عزٍَ لا يُسَامَى،
لكن مهما فكرنا فيها لوعي معناها لكان قليلاً! فمامعنى (عقيد العز) ومن أي دوحة
تفرع، والى أين بلغت رفعة هذا الفرع بحيث (لا يُسَامى) ، هكذا بصيغة المطلق
المبني للمجهول ! فلا يمكن لفضل ولا شرف ولا منقبة ، أن تسامي مقامه الشريف(ع)!
إن للإمام المهدي صلوات الله عليه صفات مشتركة مع بقية المعصومين(ع) وصفات خاصة
به،ويكفي أن نقرأ قوله تعالى: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ
الْكِتَابُ وَجِئَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ
بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ( سورة الزمر:69 )
فظاهر الآية عن مشهد من يوم القيامة ، لكن هل تشرق الأرض قبل ذلك بهذا النور
الرباني، وهل للآية معنى آخر؟ بلى ، فقد ذكر المفيد في الإرشاد، والشيخ الطوسي،
والشيخ الصدوق، وعظيم الطائفة الفضل بن شاذان النيشابوري، وعلي بن إبراهيم
القمي أعلى الله مقامهم ، روايات في تفسيرها قال القمي&:2/253(حدثنا محمد بن
أبي عبدالله(ع) قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثني القاسم بن الربيع قال:
حدثني صباح المدائني قال: حدثنا المفضل بن عمر أنه سمع أبا عبد الله(ع) يقول في
قوله: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا: رب الأرض يعني إمام الأرض،
فقلت: فإذا خرج يكون ماذا ؟ قال: إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر
ويجتزئون بنور الإمام )!! (2)
الآن تشرق الأرض بنور الشمس ، لكن سيأتي يوم قبل يوم القيامة تشرق بنور الله عز
وجل من نور وليه وحجته(ع)!
وقوله(ع): إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزئون بنور الإمام ،
سواء تعبيراً حقيقياً أو رمزياً ، فهو يكشف عن حقيقة عظيمة هي أن الإمام
المهدي(ع)سرٌّ رباني كبير، وأنه عندما يحضر من عالم الغيب إلى عالم الشهود تقوم
أشعة بدنه وجيوب النور التي خصه الله بها ، مقام نور الشمس والقمر! كما أن أشعة
نفسه المباركة تشرق على البشر فتخرج معادن الإنسانية من القوة إلى الفعل،
والناس كما قال رسول الله(ص)معادن كمعادن الذهب والفضة! فكيف نستطيع معرفة
شخصية من هذا النوع ؟
كان لرسول الله(ص)درعان، وهما من جملة مواريث النبوة عند الأئمة (ع)، وأحد
الدرعين علامة الإمامة العامة ، وقد كان الأئمة(ع)يلبسونها فتستوي عليهم ، لأن
من علامات الإمام أن تستوي عليه درع رسول الله (ص) ! (وإذا لبس درع رسول
الله(ص)كانت عليه وفقاً، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه
شبراً ) (الكافي:1/388 ) (3)
هذه هي الدرع الأولى، أما الثانية فهي خاصة للمهدي القائم(ع)ولا تستوي إلا عليه
! قال الإمام الصادق(ع): (ومن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة، ولقد لبس أبي
درع رسول الله فخطت على الأرض خطيطاً، ولبستها أنا فكانت وكانت، وقائمنا من إذا
لبسها ملأها إن شاء الله ) ( بصائر الدرجات ص195) فهي درع جعلها الله آيةً
خاصةً لخاتم الأنبياء رسول الله(ص)وخاتم الأوصياء الإمام المهدي(ع)! ولاتستوي
على غيرهما حتى على أمير المؤمنين(ع)أفضل الأولين والآخرين بعد النبي(ص)!
ذلك أن أعظم مدارين وتسلسلين في دائرة الوجود هما النبوة والإمامة ، وختم مدار
النبوة برسول الله(ص)، وختم الإمامة بالإمام المهدي(ع)، فلا تعجب إذا كانت بعض
الصفات تختص به(ع)ويشترك فيها مع جده رسول الله(ص) وهناك نقطة هي أن النبي(ص)هو
( الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل)(4) فالنبي(ص)خاتم لكل المراحل السابقة
، وفاتح لمرحلة جديدة مستقبلة ، أما صاحب الزمان(ع)فهو الخاتم المطلق !
ومن هنا كان من صفاته(ع)أنه (المنتهى إليه مواريث الأنبياء ، ولديه آثار
الأصفياء) المزار للشهيد الأول(ع)ص203 ، فهو نقطة نهاية المطاف في دائرة النبوة
والإمامة ، وعلى يده يحقق الله ثمراتها ، وفيه يجمع الله ما شاء من ألطافه
الخاصة التي وزعها في أنبيائه وأوليائه،ماكان أعطاه الى نوح وإبراهيم وموسى
وعيسى، فيجمعها في خاتم الحجج ومحقق أهداف الأنبياء(ع) !
هذا هو الإمام صاحب الزمان صلوات الله عليه ! الذي تحار فيه العقول كلما اقتربت
فراشاتها من وهج سراجه !
إن معرفته تحتاج الى إذن رباني خاص: وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ
رَبُّ الْعَالَمِينَ (سورة التكوير:29)، ولذا كان علينا أن نطلب من الله تعالى
أن يعرفنا إياه(ع): اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك،
اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم عرفني حجتك،
فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني الكافي ج1ص337 فلو كانت معرفته مسألة
بسيطة لما احتاجت الى هذا التضرع ! بل هي من النعم التي تحتاج إلى رحمة وإذن
رباني خاص !
إن الذي نملكه أن نداوم ليلاً نهاراً على ذكر الله تعالى ثم ذكره(ع)، وذكره من
ذكر الله تعالى ، فافتتحوا أيامكم واختموها بذكر اسمه الشريف ، واذكروه في
مجالسكم ومحافلكم حيثما كنتم، لعله يتعطف علينا بنظرة مما أعطاه الله ، وإن
النظرة منه لتغير عالماً بأكمله !
سيدي يا حجة الله في أرضه أيُّ شخصية ربانية أنت ؟وما الذي ضمته جوانحك من
أسرار الله تعالى؟ أيها الكتاب المستور، ياصاحب الدين المأثور! (سلام الله
وتحياته وصلواته على مولاي صاحب الزمان، صاحب الضياء والنور والدين المأثور،
واللواء المشهور، والكتاب المنشور، وصاحب الدهور والعصور)(5)
أنت الكتاب المسطور فِي رَق مَنشُور ، والنور على النور ، وحامل سر الله
المستور في قلبك الطاهر ، المستسر عن قلوب الجميع !
إقرؤوا هذه الأدعية والزيارات لتعرفوا سعة سلطان الله الذي أعطاه لوليه وحجته
صاحب الزمان أرواحنا له الفداء ، في أحدها: (السلام عليك يا حجة على من في
الأرض والسماء)! (تقدم من البحار:99/116) وفي أحدها:(أشهد أنك الحجة على من مضى
وعلى من بقي)! (تقدم بكامله من المزار للشهيد الأول&ص203) ولا يتسع الوقت لشرح
معنى كونه(ع)حجة على من مضى ومن بقي !
إن الإمام المهدي وجه الله تعالى ، لكن أي وجه لله هو(ع)؟ نقرأ في دعاء الندبة:
أين وجه الله الذي يتوجه اليه الأولياء،ولفهم هذه الكلمة العميقة ينبغي أن نعرف
هؤلاءالأولياءالذين يتوسلون الىالله تعالىبوجهه الذي هوالإمام المهدي (ع)فلنقرأ
من صفتهم في القرآن:أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا
هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ
ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( سورة يونس:62-64 ) ، فلا بد أن يبلغوا هذه
الدرجة العالية حتى يكونوا أهلاً لشرف التوسل الى الله بحجته الإمام المهدي(ع)!
روحي وأرواح العالمين لك الفداء من جوهرة مخزونة بالأسرار طالما جهلناك
وانشغلنا بغيرك عنك، وابتعدنا بأفكارنا عنك! وسنبقى بعيدين ما لم تعطف علينا
بنظرة ، كما عطفت على ذلك الرجل الحلي ، فعَمَرَ الله قلبه بحبكم أهل البيت ،
فهل تكون قلوبنا كقلبه ونفوز منك بنظرة تكون إكسيراً لقلوبنا !
ذلك المؤمن لم يكن يطيق أن يسمع أو يتذكر ظلامة الصديقة الكبرى الزهراء(ع)حتى
يندفع في ذكر مثالب ظالميها كان لا يستطيع أن يتصور كيف هاجموا بيت
الزهراء(ع)وضربوها وكسروا ضلعها
كان يفقد صبره كلما تصور أن الظلامة وصلت الى أن الزهراء(ع)عاشت بقية عمرها بعد
أبيها(ص)تعاني من ذلك اليوم ، حتى نحلت وصار جسمها كالخيال ، هيكلاً من جلد
وعظام ، وأوصت أن يواروها في قبرها ليلاً حتى لا يشارك ظالموها في تشييعها !
فكان ينطلق لسانه في مثالب قاتليها !
وصل خبره إلى الوالي ، فأمر بالقبض عليه وتعذيبه ، فضربوه حتى كسروا جميع
أسنانه وقطعوا لسانه ، فقال بعضهم لبعض كفى! فثقبوا أنفه وربطوا فيه خيطاً ،
وطافوا به في الأسواق ليكون عبرة لغيره ! ثم أخذوه الى بيته جنازة وألقوه في
داره ، وانصرفوا !
وفي اليوم الثاني تفاجأ الجميع عندما رأوه يصلي سليماً معافىً لا أثر فيه لشئ
مما حدث له ! بل كان حيوياً مشرق الوجه كأنه شاب رغم شيخوخته !
سألوه عما حدث له فقال: عندما رموا بي هنا عرفت أني في آخر ساعة من عمري ، فقد
شاهدت الموت بأم عيني ! أردت أن أنادي مولاي الحجة بن الحسن(ع)فلم أستطع ،
فناديته بقلبي (يا صاحب الزمان) وإذا به جالسٌ إلى جنبي ، فنظر اليَّ نظرةً
ووضع يده على جسمي وقال لي: إنهض واسع في تحصيل قوت عيالك ! فنهضت كما تروني
أحسن مما كنت !
ما الذي حدث ، وكيف التأمت جراحه ، وصار له لسان بدل لسانه ، وعادت اليه
أسنانه، والتأمت جروحه؟! وصار وجهه العادي المتجعد وجهاً جميلاً مشرقاً ؟! أي
إكسير هذا الذي صنع كل ذلك بمسحة واحدة ، على مكان واحد من بدن ذلك المؤمن ؟!
إن الإكسير من خواصه على ما يذكرون أنه يحدث انقلاباً في ماهية الأشياء، لكنه
انقلاب محدود ! لا يصل الى هذا الإنقلاب الجذري !
نعم لقد حصل ذلك ، وهذا ما يمكن أن يحصل لك إذا خطوت الى المولى خطوة واستحقيت
منه نظرة ، تحدث انقلاباً في عالم ملكك وملكوتك !
قال ذلك المؤمن: نظر اليَّ نظرة ، ثم وضع يده على بدني وقال: قُمْ ، واسْعَ إلى
رزقك ، وكِدَّ على عيالك ! فلم يكن من الضروري أن يمسح بيده على بقية جراح بدنه
، فتلك اليد: يد ولي الله ، يد الله تعالى
صلى الله عليك صلى الله عليك ،صلى الله عليك عدد ما في علم الله ،
صلاة دائمة بدوام ملك الله تعالى اللهم صل على محمد وآل محمد
التعليقات
(1) قال الصدوق&في كمال الدين:2/409: (حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله
عنه قال: حدثني أبو علي بن همام قال: سمعت محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه
يقول: سمعت أبي يقول سئل أبو محمد الحسن بن علي(ع)وأنا عنده عن الخبر الذي روي
عن آبائه(ع): إن الأرض لاتخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة وإن من مات
ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، فقال: إن هذا حق كما أن النهار حق ،
فقيل له: يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: إبني محمد هو الامام
والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ، أما إن له غيبة يحار فيها
الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ، ويكذب فيها الوقاتون ، ثم يخرج فكأني أنظر إلى
الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة )
وروى البرقي في المحاسن:1/153: ( عنه (أحمد بن أبي عبد الله البرقي) عن أبيه ،
عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن بشير الدهان قال قال أبو عبد الله(ع):
قال رسول الله(ص): من مات وهو لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ،ثم قال: فعليكم
بالطاعة، قد رأيتم أصحاب علي، وأنتم تأتمون بمن لايعذر الناس بجهالته، لنا
كرائم القرآن، ونحن أقوام افترض الله طاعتنا ، ولنا الأنفال ولنا صفو المال )
وروى في ص154: عنه ( أحمد بن عبد الله البرقي ) عن أبيه ، عن النضر ، عن يحيى
الحلبي، عن حسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد الله(ع)عن قول رسول الله(ص):
من مات ليس له إمام مات ميتة جاهلية، فقال: نعم، لو أن الناس تبعوا علي بن
الحسين(ع) وتركوا عبد الملك بن مروان اهتدوا فقلنا: من مات لا يعرف إمامه مات
ميتة جاهلية ميتة كفر ؟ فقال: لا ، ميتة ضلال )
أما المصادر السنية فروت الحديث بتغييرات عديدة ، فبعضهم أبقى فيه لفظ الإمام
لكن حذف معرفة الإمام وجعلها بيعة الإمام ، كما في مسند الطيالسي ص1259، عن ابن
عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات بغير إمام مات ميتة
جاهلية ، ومن نزع يداً من طاعة جاء يوم القيامة لا حجة له)
وبهذا التعديل في الحديث النبوي استطاع معاوية ابن أبي سفيان أن يستغل الحديث
ويجعله دعوة الى بيعته ، كما في صحيح ابن حبان:7/49: عن معاوية قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية )
وبعضهم جعله حديثاً موجهاً ضد من يخرج على الحاكم حتى لو كان جائراً ! كما في
معجم الطبراني الكبير:10/350 ( عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): من فارق
جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه ، ومن مات ليس عليه إمام
فميتته جاهلية ، ومن مات تحت راية عمية يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتلته
جاهلية )
أما إمام هؤلاء الرواة فهو البخاري، فقال في صحيحه:8/87: (عن ابن عباس عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان
شبراً مات ميتة جاهلية ورواه أيضاً في نفس الصفحة بعدة روايات ورواه أيضاً
في:8/105 ، ورواه مسلم:6/21، والبيهقي في سننه:8/156 و:10/234 ، وأحمد في
مسنده:1/297 و310 ، ونحوه في :2 /70 و93 و123 و/445 وفي:3/446 الخ
(2) في عيون أخبار الرضا(ع):2/145: ( ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك
بكتاب شعيا(ع)؟ قال: أعرفه حرفاً حرفاً قال لهما: أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم
أني رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور ، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل
ضوء القمر ؟ فقالا: قد قال ذلك شعيا(ع) قال الرضا(ع): يا نصراني هل تعرف في
الإنجيل قول عيسى(ع): إني ذاهب الى ربكم وربي ، والبار قليطا جاءٍ ، هو الذي
يشهد لي بالحق كما شهدتموه، والذي يفسر لكم كل شئ، وهو الذي يبدأ فضائح الأمم،
وهو الذي يكسر عمود الكفر فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئاً من الإنجيل إلا ونحن
مقرون به ! ) ورواه الصدوق&في التوحيد / 424
(3) في من لايحضره الفقيه للصدوق&:4/418: (وروى أحمد بن محمد بن سعيد الكوفى
قال: حدثنا على بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن علي بن موسى
الرضا(ص)قال: للإمام علامات:
يكون أعلم الناس، وأحكم الناس ، وأتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس وأسخى
الناس ، وأعبد الناس ، ويولد مختوناً ، ويكون مطهراً ، ويرى من خلفه كما يرى من
بين يديه، ولا يكون له ظل ، وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه
رافعاً صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدثاً،
ويستوي عليه درع رسول الله(ص)، ولا يرى له بول ولا غائط ، لأن الله عز وجل قد
وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه ، وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى
بالناس منهم بأنفسهم، وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم ، ويكون أشد الناس
تواضعاً لله جل ذكره ، ويكون آخذ الناس بما يأمر به ، وأكف الناس عما ينهى عنه
، ويكون دعاؤه مستجاباً حتى أنه لو دعا على صخرة لانشقت بنصفين، ويكون عنده
سلاح رسول الله(ص)، وسيفه ذو الفقار ، ويكون عنده صحيفة يكون فيها أسماء شيعته
إلى يوم القيامة ، وصحيفة فيها أسماء أعدائه إلى يوم القيامة، وتكون عنده
الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم، ويكون
عنده الجفر الأكبر والأصغر: إهاب ماعز وإهاب كبش ، فيهما جميع العلوم حتى أرش
الخدش وحتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة(ع)) ورواه
في معاني الأخبارص102
وفي الكافي للكليني&:1/388: ( علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن أبي عمير
، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر(ع)قال: للإمام عشر علامات: يولد مطهراً ،
مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يجنب
، وتنام عينه ولاينام قلبه، ولا يتثاءب ولايتمطى، ويرى من خلفه كما يرى من
أمامه، ونجوه كرائحة المسك والأرض موكلة بستره وابتلاعه ، وإذا لبس درع رسول
الله(ص)كانت عليه وفقاً ، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه
شبراً ، وهو مُحَدَّثٌ إلى أن تنقضي أيامه )
وفي الكافي:1/232 من حديث عن الإمام الصادق(ع)قال:( وإن عندي لسيف رسول
الله(ص)، وإن عندي لراية رسول الله(ص)ودرعه ولامته ومغفره ، فإن كانا صادقين
فما علامة في درع رسول الله (ص)؟ وإن عندي لراية رسول الله(ص)المغلبة ، وإن
عندي ألواح موسى وعصاه ، وإن عندي لخاتم سليمان بن داود ، وإن عندي الطست الذي
كان موسى يقرب به القربان ، وإن عندي الإسم الذي كان رسول الله(ص)إذا وضعه بين
المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة ، وإن عندي لمثل
الذي جاءت به الملائكة
ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل ، في أي أهل بيت وجد التابوت على
أبوابهم أوتوا النبوة ، ومن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي
درع رسول الله(ص)فخطت على الأرض خطيطاً ، ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا من
إذا لبسها ملأها إن شاء الله) وروا في بصائر الدرجات ص195 بنحوه
وفي بصائر الدرجات للصفار&ص206: (حدثنا ابراهيم بن محمد، عن الحسين بن موسى
الخشاب، عن محسن بن محمد، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبدالله(ع) قال: لبس أبي
درع رسول الله(ص)ذات الفضول،فخطت، ولبست أنا فكان وكان) ورواه في الكافي:1/234
، وفيه " ولبستها أنا ففضلت"
وفي الكافي:8/331 ، عن الإمام الصادق(ع)قال: ( درع رسول الله(ص)ذات الفضول لها
حلقتان من ورق في مقدمها وحلقتان من ورق في مؤخرها ، وقال: لبسها علي(ع) يوم
الجمل)
وفي كامل الزيارات ص233، قال:(حدثني الحسين بن محمد بن عامر ، عن أحمد بن إسحاق
بن سعد ، عن سعدان بن مسلم ، عن عمر بن أبان ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد
الله(ع)، قال: كأني بالقائم على نجف الكوفة وقد لبس درع رسول الله(ص) فينتفض هو
يها فتستدير عليه ، فيغشيها بخداجة من إستبرق ، ويركب فرساً أدهم بين عينيه
شمراخ ، فينتفض به انتفاضة لا يبقى أهل بلد إلا وهم يرون إنه معهم في بلادهم ،
فينشر راية رسول الله(ص)عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله ، لا يهوي
بها إلى شئ أبدا إلا هتكه الله فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد
، ويعطي المؤمن قوة أربعين رجلاً ، ولا يبقى مؤمن إلا دخلت عليه تلك الفرحة في
قبره ، وذلك حين يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم ! فينحط عليه ثلاث
عشر آلاف ملك وثلاثمائة وثلاث عشر ملكاً
قلت: كل هؤلاء الملائكة ، قال: نعم الذين كانوا مع نوح(ع)في السفينة ، والذين
كانوا مع ابراهيم(ع)حين ألقي في النار ، والذين كانوا مع موسى(ع)حين فلق البحر
لبني اسرائيل، والذين كانوا مع عيسى(ع)حين رفعه الله إليه ، وأربعة آلاف ملك مع
النبي(ص) مسومين ، وألف مردفين ، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين ، وأربعة
آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين(ع)فلم يؤذن لهم في القتال فهم عند قبره
شعث غبر يبكونه الى يوم القيامة ، ورئيسهم ملك يقال له: منصور ، فلا يزوره زائر
إلا استقبلوه، ولا يودعه مودع إلا شيعوه ، ولايمرض مريض إلا عادوه ، ولا يموت
ميت إلا صلوا على جنازته ، واستغفروا له بعد موته ، وكل هؤلاء في الأرض ينتظرون
قيام القائم(ع)إلى وقت خروجه !)
(4) في كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه&ص97 ، من زيارة النبي(ص): السلام
من الله والسلام على محمد أمين الله على وحيه وعزائم أمره ، ومعدن الوحي
والتنزيل ، والخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ، والمهيمن على ذلك كله ،
والشاهد على الخلق ، السراج المنير ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته
وفي الكافي: 4/572: ( السلام على رسول الله ، السلام على أمين الله على وحيه
وعزائم أمره ، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل ، والمهيمن على ذلك كله ،
والسلام عليه ورحمة الله وبركاته) وراجع مصباح المتهجد ص741
(5) في مصباح الزائر: ص312، (في زيارة مولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه وما
يلحق بذلك، إذا أردت زيارته صلوات الله عليه وسلامه فليكن ذلك بعدزيارة
العسكريين (ص)، فإذا فرغت من العمل هناك ، وبلغت من زيارتهما هناك فامض إلى
السرداب المقدس وقف على بابه ، وقل ثم تنزل مقدماً رجلك اليمنى وتقول: بسم الله
وبالله ، وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله(ص)، أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وكبر الله واحمده وسبحه وهلله ،
فإذا استقررت فيه فقف مستقبل القبلة وقل:
سلام الله وبركاته وتحياته وصلواته على مولاي صاحب الزمان ، صاحب الضياء والنور
، والدين المأثور، واللواء المشهور، والكتاب المنشور ، وصاحب الدهور والعصور ،
وخلف الحسن ، الإمام المؤتمن ، والقائم المعتمد ، والمنصور المؤيد، والكهف
والعضد، عماد الاسلام ، وركن الأنام ، ومفتاح الكلام ، وولي الأحكام ، وشمس
الظلام ; وبدر التمام ، ونضرة الأيام ، وصاحب الصمصام ، وفلاق الهام، والبحر
القمقام ، والسيد الهمام، وحجة الخصام ، وباب المقام ، ليوم القيام ، والسلام
على مفرج الكربات ، وخواض الغمرات، ومنفس الحسرات ، وبقية الله في أرضه، وصاحب
فرضه، وحجته على خلقه،وعيبة علمه، وموضع صدقه، والمنتهي إليه مواريث الأنبياء،
ولديه موجود آثار الأوصياء، وحجة الله وابن رسوله ، والقيم مقامه، وولي أمر
الله، ورحمة الله وبركاته اللهم كما انتجبته لعلمك، واصطفيته لحكمك ، وخصصته
بمعرفتك ، وجللته بكرامتك ، وغشيته برحمتك، وربيته بنعمتك، وغذيته بحكمتك،
واخترته لنفسك، واجتبيته لبأسك، وارتضيته لقدسك ، وجعلته هاديا لمن شئت من خلقك
، وديان الدين بعدلك ، وفصل القضايا بين عبادك) ورواه في البحار :102/ 83
(37)كيف نعرف الإمام المهدي(ع)ونعرفه للناس ؟
( بتاريخ: 14 شعبان 1412 ـ 19/2/1992 ـ 30/11/1370 )
هل عرفنا صاحب الزمان أرواحنا فداه كما يجب ، حتى نتكلم فيه ونعرفه للناس؟ أم
نحن أول الأصناف العشرة الذين قال عنهم أمير المؤمنين(ع): (عشرة يعنتون أنفسهم
وغيرهم: ذو العلم القليل يتكلف أن يعلم الناس كثيراً ، والرجل الحليم ذو العلم
الكثير ليس بذي فطنة الخ ) (1)
نحن نردد هذه الكلمة العظيمة لأمير المؤمنين(ع)، لكن قلما نعمل بها ! فلماذا
ترانا لا نتعب من الكلام فيما نقوله للناس ، مع علمنا القليل ؟
يجب أن نعترف بأنا أنانيون نحب أنفسنا، وقد نعبدها ، ولذا لا نشعر بالتعب !
وسبب أنانيتنا أننا لا نعترف بجهلنا في هذا الموضوع وذاك وذلك ! فنُدخل أنفسنا
فيه ، ونقول فيه بغير علم ، فنُتعب أنفسنا ونُتعب الناس !
نعم ، نحن نعرف عن صاحب الزمان أرواحنا فداه ، أنه موجود وأنه الإمام الثاني
عشر من أئمة أهل بيت النبوة الطاهرين(ع) ، وأنه الموعود على لسان جده سيد
المرسلين(ص)، المذخور لتنفيذ هدف رب العالمين بأن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ،
كما ملؤوها ظلماً وجور
لكني لا أقصد المعرفة الواجبة على كل المكلفين ، بل أقصد تعريف شخصيته تعريفاً
علمياً يكون جامعاً مانعاً وبهذا المعنى فأنا لا أعرف عنه شيئاً ! وأقصد نفسي
دونكم لأني لا علم لي بكم
لكنا مع ذلك نتكلم في معرفته صلوات الله عليه ، لأنه نوع من التقرب والتوسل به
إلى الله تعالى ، فذكر أهل البيت(ع)ذكر لله عز وجل ، وإلا فنحن لسنا أهلاً
لنكون من خدام خدامهم
من أين لنا أن نستطيع تعريف صاحب الزمان صلوات الله عليه ، ونحن نقرأ في زيارة
الناحية المقدسة:السلام عليك سلام من عرفك بما عرَّفك الله به ونعتك (2)
وهذا يعني أنا لا يمكننا أن ندعي معرفته وتعريفه ، فما نقوله لا يصلح أن يكون
تعريفاً له، بل تعريفه فقط ما عرفه الله تعالى به، فهو التعريف الصحيح، وغيره
منا كلام ملؤه الغلط !
سلام من عرفك بما عرَّفك الله به ونعتك فبماذا عرَّفه الله تعالى ؟
عرَّفه الله بما رواه الشيخ الطوسي قدس الله نفسه الزكية، في مصباح المتهجد ،
قال(ره): (ويستحب أن يدعى فيها بهذا الدعاء:
اللهم بحق ليلتنا ومولودها، وحجتك وموعودها، التي قرنت إلى فضلها فضلك، فتمت
كلمتك صدقاً وعدلاً ، لا مبدل لكلماتك ، ولا معقب لآياتك، نورك المتألق، وضياؤك
المشرق ، والعلم النور في طخياء الديجور ، الغائب المستور، جل مولده، وكرم
محتده، والملائكة شهده، والله ناصره ومؤيده، إذا آن ميعاده، والملائكة أمداده ،
سيف الله الذي لا ينبو، ونوره الذي لا يخبو، وذو الحلم الذي لا يصبو) (3)
نورك المتألق، وضياؤك المشرق فأي عالم هذا من عوالم الله عز وجل ، الذي لا نصل
اليه؟ وأي جهاز رباني هذا ، الذي لا نستطيع أن ندركه؟!
بحق ليلتنا ومولودهاالتي قرنت إلى فضلها فضلك
أيُّ فضل قُرِنَ الى أيِّ فضل ؟! فصاحب الزمان صلوات الله عليه هو فضل الله
العزيز الحكيم ، ذي العزة والمجد والعطاء قرنه إلى فضل ليلة النصف من شعبان فما
حقيقة هذين الفضلين وما معنى اقترانهما ؟!
هذه العبارات لم أستطع تفسيرها، ولا أستطيع الآن أن أعبر عما فهمته منها !
لذا أتركها إلى عبارة أخرى من زيارة الناحية المقدسة التي فيها: سلام من عرفك
بما عرَّفك الله به ، وفيها هذه العبارة: السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى وسدرة
المنتهى!
إن قدرة الإنسان على الخيال أوسع من قدرته على الرؤية بالبصر بكثير ، فلاحظوا
الى أي مدى يصل بصركم وما تراه أعينكم ، ثم إلى أي مدى يبلغ خيالكم ؟! طبعاً
الفارق بينهما كبير وبهذه النسبة يكون الفرق بين ما يبلغه الخيال وما يبلغه
العقل! فالعقول تدرك المجردات التي لا يدركها الخيال ! فعقولنا مثلاً تدرك ما
وراء الفضاء ، لكن خيالنا لا يدركه إلا فضاء ! وتدرك العدم ، ولا يدركه خيالنا
إلا وجوداً !
فهل سمعتم بشخص ينظر من الأرض إلى الجنة وإلى شجرة طوبي ، وإلى سدرة المنهتى؟!
إنه الإمام صاحب الزمان أرواحنا فداه !
السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى فإذا كان نظره(ع)يصل إلى شجرة
طوبى وسدرة المنتهى ، فإلى أين يصل تصوره ، وإلى أين يصل إدراك عقله الشريف؟!
هنا نعرف لماذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم(ع)!
فإن حدود علم جبرئيل(ع)وقدرته على الإدراك تقف عند سدرة المنهتى ، ففي المناقب
من حديث ابن عباس عن المعراج: فلما بلغ إلى سدرة المنتهى فانتهى إلى الحجب فقال
جبرئيل: تقدم يارسول الله ليس لي أجوز هذا المكان ولو دنوتُ أنملةً لاحترقت!
(المناقب لابن شهر آشوب:1/155)
بل لا بد أن نقول إن جبرئيل لا يستطيع أن يصل الى حيث وصل الإمام المهدي(ع)،
الذي يصل مدى نظره إلى سدرة المنتهى ، فيكون جبرئيل تحت نظره، فضلاً عن قدرة
تصوره، ثم قدرة تعقله صلوات الله عليه، فكيف يمكننا أن نعرِّف الإمام
المهدي(ع)بغير هذا التعريف: السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى،
السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفى
إنه نور الله الذي لا يطفأ ، ففيه اجتمعت كل المعرفة وكل العلوم روحي فداه! وقد
يتصور بعضهم أن هذه الأبحاث لا فائدة فيها ، لكنه لا يلتفت الى أن مشكلاتنا
جاءت من تنقيصنا لمقام النبي(ص)والأئمة المعصومين من عترته الطاهرين(ع)، ولأنا
لم نقدرهم حق قدرهم، ولم نعطهم حقهم ومقامهم الذي أعطاه الله لهم، فتخيلناهم في
مقامات دنيا، بل صادرنا أحياناً مقاماتهم لأنفسنا! مع أن الذين ينقصونهم
مقاماتهم ولو درجة واحدة ، فضلاً عمن يصادرونها ويدعونها لأنفسهم، ينطبق عليهم
قول الله تعالى:كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ سورة
المطففين:15،
وهذه هي خسارة الأبد، وعذاب الكمد !
وعبارة أخرى في نفس زيارة الناحية هذه تقول:أشهد أنك الحجةوأنك خازن كل علم،
وفاتق كل رتق، ومحقق كل حق ، ومبطل كل باطل فهذه مقامات أربعة لصاحب الزمان
صلوات الله عليه ، تتعلق بما أعطاه الله من العلم والقدرة ومن الصعب علينا أن
نتصور معانيها :
خازن كل علم ، بهذا الشمول وبأصرح أدوات التعميم !
وكذلك تصور الصفات الأربع التي تتعلق بالقدرة التي أعطاه الله إياها ، وهي فوق
ما أعطى لعيسى بن مريم(ع)من إحياء الموتى بإذنه وغيرها !
فالإمام المهدي(ع)بإشارة منه بالمشيئة الربانية التي تستمد من(كن فيكون) فاتقُ
كل رتق، وراتق كل فتق فهو الهادم لكل باطل ، والباني لكل حق ، في عالمي المادة
والمعنى وهو المحق لجميع الحقوق المتروكة والمجهولة ، ومبطل الباطل الظاهر
والمخفي !
إنها مقامات فوق تصورنا وعرفنا المحدود كما ذكرنا ولا عجبَ ما دام الله تعالى
قد جعله خاتم دينه ، وبقيته المذخورة لإصلاح أرضه ، والمحقق لهدف أنبيائه(ع)،
وجمع فيه الكرامات والكمالات التي وزعها في غيره !
سأل أحدهم الإمام الصادق(ع)عن الإمام المهدي(ع)إذا ظهر كيف يسلمون عليه؟ فقال:
يقولون السلام عليك يا بقية الله ، ثم قرأ: بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (سورة هود: 86 ) (4)
فهو(ع)بقية الله، الذي انتهت إليه مواريث الأنبياء(ع)والموجود لديه آثار
الأصفياء ، فهو قِطافٌ منهم جميعاً ، وعصارةٌ لهم جميعاً ، وخلاصةُ عطر
استخلصها الله من عطور العالم ، وجعلها في زجاجة نورانية ، فكانت الإمام المهدي
أرواحنا فداه صلوات الله عليك يا بقية الله في أرضه
فكيف يمكن لنا أن ندعي أننا ننتسب إلى هذه الشخصية العظيمة ، وأننا من خدامه أو
خدام خدامه صلوات الله عليه وعليهم؟! لكنه هو الكريم سليل الأمجاد الكرماء ،
نأمل ببركة دم جده الحسين(ع)أن ينظر إلينا نظرة رضاً ، تشملنا بها رحمة ربنا عز
وجل ، وإلا فنحن لا شئ ، وليس في أعمالنا ما يقربنا إلى هذا العالم العلوي من
العلم والقدرة الإلهية !
نقل المجلسي&من كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان ، قضية عجيبة فيها كلمة من
الإمام(ع)تفتح أبواباً من المعرفة، قال المجلسي&: (ومن ذلك ما نقله عن بعض
أصحابنا الصالحين من خطه المبارك ما صورته: عن محيي الدين الإربلي أنه حضر عند
أبيه ومعه رجل ، فنعس فوقعت عمامته عن رأسه ، فبدت في رأسه ضربة هائلة فسأله
عنها فقال له: هي من صفين !
فقيل له: وكيف ذلك ووقعة صفين قديمة ؟! فقال: كنت مسافراً إلى مصر فصاحبني
إنسان من غزة ، فلما كنا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفين ، فقال لي الرجل: لو
كنت في أيام صفين لرويت سيفي من علي وأصحابه ! فقلت: لو كنت في أيام صفين لرويت
سيفي من معاوية وأصحابه ! وها أنا وأنت من أصحاب علي(ع)ومعاوية لعنه الله
فاعتركناعركة عظيمة، واضطربنا فما أحسست بنفسي إلا مرمياً لما بي ! فبينما أنا
كذلك وإذا بإنسان يوقظني بطرف رمحه ، ففتحت عيني فنزل إليَّ ومسح الضربة
فتلاءمت ، فقال: إلبَثْ هنا ، ثم غاب قليلاً وعاد ومعه رأس مخاصمي مقطوعاً
والدواب معه ، فقال لي: هذا رأس عدوك ، وأنت نصرتنا فنصرناك: وَلَيَنْصُرَنَّ
اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ فقلت من أنت؟ فقال: فلان
بن فلان ، يعني صاحب الأمر(ع)، ثم قال لي: وإذا سئلت عن هذه الضربة ، فقل
ضربتها في صفين!)(البحار:52/75 )
والأمر هنا يتصل بمعرفة الإمامة، فقد ربط الإمام(ع)قوله: نصرتنا فنصرناك بقوله
تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، لأن نصرة أهل البت(ع)نصرةٌ لله
تعالى، فقد نصر هذا المؤمن الله تعالى ضد الناصبي عدو الله ! والذي نصره على
الناصبي ليس الإمام المهدي(ع)بل الله تعالى، مثل قوله تعالى لنبيه(ص): فَلَمْ
تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً
إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( سورة الأنفال:17 )
فلم تكن القدرة في يد الإمام المهدي(ع)التي لمست جرحه فشفي من فوره قدرة بشرية
، بل قدرة ربانية جرت على يد الإمام المهدي(ع)، لكن ذلك يحتاج الى رقي فكري
لإدراكه وتعقله
إن القدرة التي جعلها الله تعالى في الإمام المهدي(ع)أعظم من القدرة التي جعلها
في يد نبيه موسى(ع):وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
(الأعراف:108(
فقد كان موسى(ع)ينزع يده من تحت إبطه فتضئ للناظرين بإذن الله، ويمسح بها فتشفي
الأعمى والمريض بإذن الله ، ولكن السر الإلهي الذي في يد الإمام المهدي(ع)أعظم
وأعم ، بل لا تقاس يده بيد موسى (ص)لأن ملك محمد وآله أعظم مما أوتي
الأنبياء(ع)! فعن أمير المؤمنين(ع)قال لجابر بن عبد الله: نعم يا جابر إن ملكنا
أعظم من ملك سليمان بن داود ، وسلطاننا أعظم من سلطانه ( البحار :27/306 ) (5)
عن أبان بن تغلب، عن الإمام الصادق(ع)أنه عندما يظهر الإمام المهدي (ع): (فينشر
راية رسول الله(ص)عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر الله ، لا يهوي بها الى
شئ أبداً إلا هتكه الله، فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد ،
ويعطى المؤمن قوة أربعين رجلاً ، ولا يبقى مؤمن إلا دخلت عليه تلك الفرحة في
قبره، وذلك حين يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم، فينحط عليه ثلاث
عشر آلاف ملك وثلاثمائة وثلاث عشر ملكاً قلت: كل هؤلاء الملائكة؟ قال: نعم ،
الذين كانوا مع نوح في السفينة ، والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار،
والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني اسرائيل، والذين كانوامع عيسى حين
رفعه الله إليه، وأربعة آلاف ملك مع النبي(ص)مسومين، وألف مردفين، وثلاثمائة
وثلاثة عشرملائكة بدريين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين(ع)
فلم يؤذن لهم في القتال )
إن حضور هؤلاء الملائكة من زمن نوح(ع)إلى عاشوراء الحسين(ع)(ولا يوم كيومك يا
أبا عبد الله) له دلالات مهمة ، منها تسلسل قضية الصراع في الأرض بين الهدى
الإلهي والضلال البشري ، وحضور الملائكة الشهود والأنصار في ختامه على يد
الإمام المهدي(ع)!
وهذا الإنسان الذي يحشد له الله تعالى هذه القوة ، ويربطه بهذه الأمجاد ، لا
يمكن تعريفه إلا بالقول: نورك المتألق ، وضياؤك المشرق ، والعلم النور في طخياء
الديجور ، الغائب المستور ، جل مولده ، وكرم محتده ، والملائكة شهده ، والله
ناصره ومؤيده (6)
والمهم في الموضوع: ماذا يجب علينا أن نعمل ؟
أولاً ، يجب علينا نحن فئة طلبة العلم والعلماء أن ندرك أنه لا يمكننا أن نقوم
بعمل مفيد إلا بتوفيق الله تعالى ، فلابد أن نترك الإدعاء بأننا شئ ، ونتوجه
إليه عز وجل أن ينظر الينا نظرة رحيمة يجعلنا بها مقبولين عنده وعند رسوله
وآله(ص)علينا أن لا ندعي أننا أصحاب أهل البيت(ع) وأصحاب الإمام المهدي وجنوده
أرواحنا فداه ! بل لا أدعي أني باسط يديه بالوصيد في أعتاب صرحهم الرباني
المشيد ، وإنما نحن سائلون عند فنائهم !
مولاي يا صاحب الزمان ، إن الله تعالى يقول:وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ،
ونحن سائلون على بابك ويقول عز وجل: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ، ونحن
أيتامكم أهل البيت ، لأنا منقطعون عنكمفمن أيتم منا ، ومن أكدى ؟! صلوات الله
عليكم
وثانياً، أن نعرف أن الحق ما حققه أهل البيت(ع)، والباطل ما أبطلوه (فالحق ما
رضيتموه، والباطل ما سخطتموه) فمادمنا نعتقد بإمامتهم وعصمتهم (ع)، فعندما يصل
إلينا ما أحقوه وما أبطلوه ، فقد انتهى الأمر ، ووجب على العقل أن يُسْلِم
ويُسَلِّم ، لأن الكلام في مقابلهم غلط! ولا مجال لقول هكذا أرى وهكذا أفهم!
فما أراه وما أفهمه مقابل هؤلاء(ع)فضول القول! إن عقائدنا من ناحية نظرية تتلخص
في كلمتين فقط: فالحق ما رضيتموه والباطل ما سخطتموه كما أن عملنا يتلخص في
كلمتين أيضاً: المعروف ما أمرتم به والمنكر ما نهيتم عنه
اللهم صل على محمد وآل محمد
التعليقات
(1) في الخصال للصدوق&ص437: (حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه
قال: حدثنا أبي، وسعيد بن عبد الله قالا: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ،
عن الحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن الأول(ع)، عن
أبيه قال: قال أمير المؤمنين(ع): عشرة يفتنون أنفسهم وغيرهم:
ذو العلم القليل يتكلف أن يعلم الناس كثيراً والرجل الحليم ذو العلم الكثير ليس
بذي فطنة والذي يطلب ما لا يدرك ولا ينبغي له والكاد غير المتئد
والمتئد الذي ليس له مع تؤدته علم وعالم غير مريد للصلاح ومريد للصلاح وليس
بعالم والعالم يحب الدنيا والرحيم بالناس يبخل بما عنده
وطالب العلم يجادل فيه من هو أعلم ، فإذا علمه لم يقبل منه )
(2) في مزار ابن المشهدي&ص586: (زيارة أخرى له(ع):إذا وصلت إلىحرمه بسر من رأى
فاغتسل والبس أطهر ثيابك، وقف على باب حرمه(ع)قبل أن تنزل السرداب ، وزر بهذه
الزيارة وقل: السلام عليك يا خليفة الله وخليفة آبائه المهديين السلام عليك يا
وصي الأوصياء الماضين السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين السلام عليك يا
بقية الله من الصفوة المنتجبين إلى آخرها وقد تقدمت برواية أخرى من المزار لابن
المشهدي&في موضوع ( معرفة الإمام المهدي(ع)بالنورانية )
(3) في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي&ص842:ويستحب أن يدعى فيها بهذا الدعاء:
(اللهم بحق ليلتنا ومولودها، وحجتك وموعودها ، التي قرنت إلى فضلها فضلك، فتمت
كلمتك صدقاً وعدلاً ، لا مبدل لكلماتك ، ولا معقب لآياتك ، نورك المتألق ،
وضياؤك المشرق ، والعلم النور في طخياء الديجور ، الغائب المستور ، جل مولده ،
وكرم محتده ، والملائكة شهده ، والله ناصره ومؤيده ، إذا آن ميعاده ، والملائكة
أمداده ، سيف الله الذي لا ينبو ، ونوره الذي لا يخبو ، وذو الحلم الذي لا
يصبو، مدار الدهر ونواميس العصر ، وولاة الأمر ، والمنزل عليهم ما يتنزل في
ليلة القدر ، وأصحاب الحشر والنشر، تراجمة وحيه ، وولاة أمره ونهيه
اللهم فصل على خاتمهم وقائمهم، المستورعن عوالمهم، وأدرك بنا أيامه وظهوره
وقيامه،واجعلنا من أنصاره، واقرن ثارنا بثاره،واكتبنا في أعوانه وخلصائه،
وأحينا في دولته ناعمين، وبصحبته غانمين، وبحقه قائمين ، ومن السوء سالمين؟
ياأرحم الراحمين)
(4) في الكافي:1/411: ( محمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد قال: حدثني إسحاق بن
إبراهيم الدينوري ، عن عمر بن زاهر ، عن أبي عبد الله(ع)قال: سأله رجل عن
القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: لا ، ذاك إسمٌ سمى الله به أمير
المؤمنين(ع)، لم يسم به أحد قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر قلت: جعلت فداك
كيف يسلم عليه؟ قال: يقولون: السلام عليك يا بقية الله ، ثم قرأ: بقية الله خير
لكم إن كنتم مؤمنين )
(5) في بصائر الدرجات للصفار&ص429، عن الإمام الباقر(ع)قال: (إن ذا القرنين قد
خير السحابين فاختار الذلول، وذخر لصاحبكم الصعبقال قلت وما الصعب؟قال: ما كان
من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه ! أما إنه سيركب السحاب ويرقى في
الأسباب أسباب السموات السبع والأرضين السبع ، خمس عوامر ، واثنتان خرابان ! )
وعن الإمام الصادق(ع): ( إن الله خير ذا القرنين السحابين الذلول والصعب فاختار
الذلول ، وهو ما ليس فيه برق ولا رعد ، ولو اختار الصعب لم يكن له ذلك لأن الله
ادخره للقائم(ع))
وفي الكافي:1/471: (عن أبي بكر الحضرمي قال: لما حمل أبو جعفر(ع)إلى الشام إلى
هشام بن عبد الملك وصار ببابه قال لأصحابه ومن كان بحضرته من بني أمية: إذا
رأيتموني قد وبخت محمد بن علي ثم رأيتموني قد سكت ، فليقبل عليه كل رجل منكم
فليوبخه ثم أمر أن يؤذن له فلما دخل عليه أبو جعفر(ع)قال بيده: السلام عليكم
فعمهم جميعاً بالسلام ثم جلس ، فازداد هشام عليه حنقاً بتركه السلام عليه
بالخلافة وجلوسه بغير إذن ، فأقبل يوبخه ويقول فيما يقول له: يا محمد بن علي لا
يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين ودعا إلى نفسه وزعم أنه الإمام سفهاً وقلة
علم ، ووبخه بما أراد أن يوبخه ، فلما سكت أقبل عليه القوم رجل بعد رجل يوبخه
حتى انقضى آخرهم ، فلما سكت القوم نهض(ع)قائماً ثم قال: أيها الناس أين تذهبون
وأين يراد بكم ، بنا هدى الله أولكم وبنا يختم آخركم ، فإن يكن لكم ملك معجل
فإن لنا ملكا مؤجلا وليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة يقول الله عز وجل:
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ فأمر به إلى الحبس فلما صار إلى الحبس تكلم فلم
يبق في الحبس رجل إلا ترشفه وحن إليه ، فجاء صاحب الحبس إلى هشام فقال: يا أمير
المؤمنين إني خائف عليك من أهل الشام أن يحولوا بينك وبين مجلسك هذا ، ثم أخبره
بخبره ، فأمر به فحمل على البريد هو وأصحابه ليردوا إلى المدينة ، وأمر أن لا
تخرج لهم الأسواق ، وحال بينهم وبين الطعام والشراب ، فساروا ثلاثاً لا يجدون
طعاماً ولا شراباً حتى انتهوا إلى مَدْيَن فأغلق باب المدينة دونهم ، فشكا
أصحابه الجوع والعطش قال: فصعد جبلاً يشرف عليهم فقال بأعلى صوته: يا أهل
المدينة الظالم أهلها أنا بقية الله ، يقول الله: بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (سورة
هود:86 )،
قال: وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال لهم: يا قوم هذه والله دعوة شعيب النبي ،
والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقكم ومن تحت أرجلكم
فصدقوني في هذه المرة وأطيعوني وكذبوني فيما تستأنفون ، فإني لكم ناصح ، قال:
فبادروا فأخرجوا إلى محمد بن علي وأصحابه الأسواق ، فبلغ هشام بن عبد الملك خبر
الشيخ ، فبعث إليه فحمله فلم يدر ما صنع به )
وفي الكافي:8/210: ( عن أبي بصير قال: كنت مع أبي جعفر(ع)جالساً في المسجد إذ
أقبل داود بن علي ، وسليمان بن خالد ، وأبو جعفر عبد الله بن محمد أبو الدوانيق
، فقعدوا ناحية من المسجد فقيل لهم: هذا محمد بن علي جالس ، فقام إليه داود بن
علي وسليمان بن خالد ، وقعد أبو الدوانيق مكانه حتى سلموا على أبي جعفر(ع)فقال
لهم أبو جعفر: ما منع جباركم من أن يأتيني ؟! فعذَّروه عنده ، فقال عند ذلك أبو
جعفر: أما والله لا تذهب الليالي والأيام حتى يملك ما بين قطريها ، ثم ليطأن
الرجال عقبه ، ثم لتذلن له رقاب الرجال ، ثم ليملكن ملكاً شديداً ، فقال له
داود بن علي: وإن ملكنا قبل ملككم؟ قال: نعم يا داود إن ملككم قبل ملكنا
وسلطانكم قبل سلطاننا الخ)
(6) في كامل الزيارات لابن قولويه&ص233: (حدثني الحسين بن محمد بن عامر، عن
أحمد بن إسحاق بن سعد ، عن سعدان بن مسلم ، عن عمر بن أبان ، عن أبان بن تغلب ،
عن أبي عبد الله(ع)قال: كأني بالقائم(ع)على نجف الكوفة وقد لبس درع رسول
الله(ص)فينتفض هو بها فتستدير عليه فيغشيها بخداجة من إستبرق ، ويركب فرساً
أدهم بين عينيه شمراخ ، فينتفض به انتفاضة ، لا يبقى أهل بلد إلا وهم يرون أنه
معهم في بلادهم ، فينشر راية رسول الله(ص)عمودها من عمود العرش وسائرها من نصر
الله ، لا يهوي بها إلى شئ أبداً إلا هتكه الله فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار
قلبه كزبر الحديد ، ويعطى المؤمن قوة أربعين رجلاً ، ولا يبقى مؤمن إلا دخلت
عليه تلك الفرحة في قبره ، وذلك حين يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم
، فينحط عليه ثلاث عشر آلاف ملك وثلاثمائة وثلاث عشر ملكاً
قلت: كل هؤلاء الملائكة ؟ قال: نعم ، الذين كانوا مع نوح في السفينة ، والذين
كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني
إسرائيل، والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه ، وأربعة آلاف ملك مع
النبي(ص)مسومين ، وألف مردفين ، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين ، وأربعة
آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين(ع)فلم يؤذن لهم في القتال، فهم عند
قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملك يقال له: منصور ، فلا يزوره
زائر إلا استقبلوه ، ولا يودعه مودع إلا شيعوه، ولا يمرض مريض إلا عادوه ، ولا
يموت ميت إلا صلوا على جنازته واستغفرواله بعد موته وكل هؤلاءفي الأرض ينتظرون
قيام القائم(ع)الى وقت خروجه)
وفي كامل الزيارات ص352: (حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمد بن
الحسن الصفار ، عن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة ، عن العباس بن عامر ،
عن أبان، عن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله(ع)قال: إن الله وكل بقبر الحسين(ع)
أربعة آلاف ملك شعثاً غبراً ، فلم يزل يبكونه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس ،
فإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملك وصعد أربعة آلاف ملك ، فلم يزل يبكونه حتى
يطلع الفجر ويشهدون لمن زاره ويشيعونه إلى أهله ، ويعودونه إذا مرض ، ويصلون
عليه إذا مات )
وفي كامل الزيارات أيضاً ص353: ( حدثني محمد بن جعفر ، عن محمد بن الحسين بن
أبي الخطاب ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمر بن أبان
الكلبي ، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله(ع): هبط أربعة آلاف ملك يريدون
القتال مع الحسين(ع)فلم يؤذن لهم في القتال، فرجعوا في الإستيذان، فهبطوا وقد
قتل الحسين(ع) فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ، رئيسهم ملك يقال
له منصور ، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ، ولا يودعه مودع إلا شيعوه ، ولا يمرض
مريض إلا عادوه ، ولا يموت إلا صلوا على جنازته واستغفروا له بعد موته وكل
هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم(ع))
وفي كمال الدين للصدوق& ص671: ( وبهذا الإسناد ، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو
عبد الله(ع): كأني أنظر إلى القائم(ع)على ظهر النجف ، فإذا استوى على ظهر النجف
ركب فرساً أدهم أبلق بين عينيه شمراخ ، ثم ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلدة إلا
وهم يظنون أنه معهم في بلادهم ، فإذا نشر راية رسول الله(ص)انحط إليه ثلاثة عشر
ألف ملك وثلاثة عشر ملكاً كلهم ينتظر القائم(ع)، وهم الذين كانوا مع نوح(ع)في
السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم الخليل(ع)حيث ألقي في النار ، وكانوا مع
عيسى(ع) حيث رفع، وأربعة آلاف مسومين ومردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكاً يوم
بدر ، وأربعة آلاف ملك الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي(ص)فلم يؤذن
لهم فصعدوا في الإستيذان، وهبطوا وقد قتل الحسين(ع)فهم شعث غبر يبكون عند قبر
الحسين(ع) إلى يوم القيامة وما بين قبر الحسين(ع)إلى السماء مختلف الملائكة )
وفي غيبة النعماني: ص309: ( أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا علي بن
الحسن التيملي قال: حدثنا الحسن ومحمد ابنا علي بن يوسف ، عن سعدان بن مسلم ،
عن عمر بن أبان الكلبي ، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله(ع)يقول: -
كما في رواية كامل الزيارات الأولى بتفاوت يسير ، وفيه: عليه خوخة من استبرق
انتفضت به حتى تستدير عليه ، ثم يركب فرساً أبلق أدهمشمراخ بين قلت: مخبوءة أو
يؤتى بها ؟ قال: بل يأتيه بها جبرئيل، يهبط تسعة آلاف ملك صعدوا إلى
السماءفهبطوا إلى الأرض وقد قتل )
وفي غيبة النعماني: ص310: (أخبرنا عبدالواحد بن عبدالله بن يونس قال:حدثنا
محمد بن جعفر القرشي قال: حدثنا أبو جعفر الهمداني قال: حدثنا موسى بن سعدان ،
عن عبد الله بن القاسم الحضرمي ، عن عمر بن أبان الكلبي ، عن أبان بن تغلب قال:
قال أبو عبدالله(ع): - كما في رواية كامل الزيارات الأولى بتفاوت ، وفيه: إذا
استوى على ظهر النجف لبس الأبيضأدهم أبلق من عمد عرش اللهقلت: أمخبوٌّ هي أم
يؤتى بها؟ قال: بل يأتي بها جبرئيل(ع) أشد من زبر الحديدمؤمن ميتفرجعوا في
الإستيمار)
وفي دلائل الإمامة ص243- كما في رواية النعماني الثانية بتفاوت ، بسنده إلى
أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله(ع): -
وفي العدد القوية ص74 - أوله، كما في رواية كامل الزيارات الأولى بتفاوت ،
مرسلاً عن الصادق(ع)
وفي إثبات الهداة:3/493 - ملخصاً ، عن كمال الدين
وفي:ص530/531- ملخصاً ، عن رواية كامل الزيارت الأولى ، وقال: ورواه ابن طاووس
في مصباح الزائر نقلاً عن مزار ابن قولويه ، مثله
وفي البحار:11/69- عن النعماني ملخصاً وفي:14/339 - بعضه ، عن كمال الدين
وفي:45 /226- بعضه ، عن رواية كامل الزيارات الثانية وفي:52/325- عن كمال الدين
وفي:ص328 - عن رواية كامل الزيارات الأولى ، وأشار إلى مثله عن روايتي
النعماني وفي: ص391 - عن العدد القوية
(38)الإمام المهدي(ع)في حديث اللوح
( بتاريخ: 13 شعبان 1414 ـ 26/1/1994 ـ 6/11/1372 )
طلب مني بعض الأفاضل أن أتكلم في موضوع يتعلق بولادة الإمام المهدي(ع) ولعل
بعضهم يتصورأني مقل في الكلام في هذه الأمور العقيدية وأنه يجب أن أتكلم أكثر ،
لكن القضية ليست من عالم البخل والكرم ، بل لأني على يقين بأن مسائل المعصومين
صلوات الله عليهم فوق تصورنا وإدراكنا فسبب قلة الكلام هو القصور والجهل والعجز
! وعندما أتكلم أحسب ذلك من باب الضرورة ، وباب ما لايدرك كله لا يترك كله
الحمد لله أنكم بلغتم درجة من العلم تستطيعون فيها أن ترجعوا الى آيات القرآن
وروايات النبي(ص)وأهل البيت(ع)وتتأملوا فيها ، وتستخرجوا منها المطالب والدقائق
، فاشكروا ربكم على هذه النعمة ، واشكروه على نعمة قبلها هي أنكم دونتم أسماءكم
في خدام الإمام المهدي(ع)وهي نعمة لا تستطيعون شكرها !
والمهم أن تعملوا على أن تدون أسماؤكم في التأمل والتعمق في روايات أهل
البيت(ع)التي وزانها وزان القرآن ، فهي تعبير معصوم له أبعاد ، وظاهر وباطن،
لأنها صادرة ممن أعطاهم الله تعالى إحاطة خاصة بالوجود ، فكلامهم يصدر عن هذه
الإحاطة ، وليس كمن يحيط بالقليل ويتكلم الكثير !
إن كلماتهم صلوات الله عليهم تخاطب الناس كل الناس في كل العصور ، ولذا صار
فيها علم للعامة والخاصة ، وهو ما نعبر عنه بأنها للعامة عبارات وللخاصة إشارات
!
وأحاديثهم(ع)متفاوتة المستويات، تبعاً للموضوع أو لنقل الراوي بالمعنى وغير ذلك
من الأسباب وبعضها يبلغ بمطالبه الراقية مقاماً من الرفعة يحير العقول ، ومن
ذلك حديث اللوح الذي يرويه الكليني أعلى الله مقامه في الكافي ، وعندما ترجعون
اليه أنتم ستجدون أنه بلغ عند أبي بصير أنه قال لعبد الرحمن بن سالم: لو لم
تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك ، فصنه إلا عن أهله ) ! وهذا هو:
عن الإمام الصادق(ع)قال: قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري إن لي إليك حاجة
فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له جابر:أي الأوقات أحببته ، فخلا
به في بعض الأيام فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي
فاطمة(ع)بنت رسول الله(ص)وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب؟فقال جابر:
أشهد بالله أني دخلت على أمك فاطمة(ع) في حياة رسول الله(ص)فهنيتها
بولادةالحسين، ورأيت في يديها لوحاً أخضر، ظننت أنه من زمرد ، ورأيت فيه كتاباً
أبيض شبه لون الشمس فقلت لها: بأبي وأمي يا بنت رسول الله(ص)ما هذا اللوح؟
فقالت: هذا لوحٌ أهداه الله إلى رسول الله(ص)فيه إسم أبي وإسم بعلي وإسم ابني
وإسم الأوصياء من ولدي وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك
قال جابر فأعطتنيه أمك فاطمة(ع)فقرأته واستنسخته
فقال له أبي: فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ قال: نعم ، فمشى معه أبي إلى منزل
جابر فأخرج صحيفة من رق فقال: يا جابر أنظر في كتابك لأقرأ عليك
فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي ، فما خالف حرف حرفاً ، فقال جابر:
فأشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً بسـم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب
من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح
الأمين من عند رب العالمين عظِّم يا محمد أسمائي ، واشكر نعمائي ولا تجحد
آلائي، إني أنا الله لاإله إلا أنا ، قاصم الجبارين ، ومديل المظلومين، وديان
الدين إني أنا الله لاإله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي، عذبته
عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ، فإياي فاعبد ، وعليَّ فتوكل إني لم أبعث
نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصياً، وإني فضلتك على الأنبياء
وفضلت وصيك على الأوصياء ، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين ، فجعلت حسناً معدن
علمي ، بعد انقضاء مدة أبيه وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة ، وختمت
له بالسعادة ، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه
وحجتي البالغة عنده ، بعترته أثيب وأعاقب ، أولهم علي سيد العابدين وزين
أوليائي الماضين ، وابنه شبه جده المحمود محمد، الباقر علمي ، والمعدن لحكمتي
سيهلك المرتابون في جعفر ، الراد عليه كالراد عليَّ ، حقَّ القول مني لأكرمنَّ
مثوى جعفر ، ولأسرنَّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه
أتيحت بعده لموسى فتنة عمياء حندس، لأن خيط فرضي لا ينقطع ، وحجتي لا تخفى، وإن
أوليائي يسقون بالكأس الأوفى، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي ، ومن غير آية
من كتابي فقد افترى عليَّ
ويلٌ للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في علي وليي
وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوة ، وأمتحنه بالاضطلاع بها ، يقتله عفريت
مستكبر، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح ، إلى جنب شر خلقي
حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه ، وخليفته من بعده ، ووارث علمه ، فهو معدن
علمي ، وموضع سري ، وحجتي على خلقي ، لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه
وشفَّعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار
وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني علي وحيي أخرج
منه الداعي إلى سبيلي ، والخازن لعلمي ، الحسن
وأكمل ذلك بابنه (م ح م د)رحمةً للعالمين، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى، وصبر
أيوب ، فيذل أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم
، فيقتلون ويحرقون ، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ،
ويفشو الويل والرنا في نسائهم ، أولئك أوليائي حقاً ، بهم أدفع كل فتنة عمياء
حندس، وبهم أكشف الزلازل وأدفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربهم
ورحمة ، وأولئك هم المهتدون
قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث
لكفاك ، فصنه إلا عن أهله) انتهى(الكافي:1/527 ، وقد تقدم بتمامه في الموضوع
رقم:25)
هذا لوحٌ أهداه الله إلى رسول الله(ص)وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك
يتضح بذلك أن شأن نزول هذا اللوح مناسبة ولادة الإمام الحسين(ع)وأن الله
تعالىورسوله(ص)قدأخبرا الزهراء(ع)في اليوم الأول لولادته بما سيجري عليه ، وكان
لابد من إخبارها بذلك !
والإمام الحسين(ع)له جاذبية خاصة في القلوب بمجرد ذكر اسمه: إن للحسين محبة
مكنونة في قلوب المؤمنين، فكيف لشخصه ولطفولته في قلب أمه الزهراء(ع)؟!
وكيف يكون حالها عندما عرفت أن طفلها هذا الذي هو في يومه الأول ، سيقطع رأسه
غريباً فريدأً عطشانأً على شاطئ الفرات ؟!
هنا يتجلى مقام فاطمة(ع)عند الله تعالى ، وهنا يحين موعد البشارة الإلهية
للرسول(ص)ولها بالأئمة المعصومين من ذرية الحسين(ع)وبدورهم في هذه الأمة ، إلى
مهديهم المذخور لإصلاح العالم(ع)
فقالت: هذا لوحٌ أهداه الله إلى رسول الله(ص)فيه إسم أبي وإسم بعلي وإسم ابني
وإسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك !
هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه
فقد جمع بين اسم العزة واسم الحكمة ، وهو بحث نكتفي بالإشارة إليه ، ونواصل
القراءة لنتعرف على هذا الكتاب ممن ؟ إلى من ؟
لاحظوا عناوين المخاطب والمخاطب !
المخاطِب هو: الله ، العزيز ، الحكيم
والمخاطَب هو: نبيه ، ونوره ، وسفيره ، وحجابه ، ودليله
وفي كل واحد من هذه العناوين بحث لا يتسع له وقتنا ، فقط أرجو أن تتأملوا في
كلمة (نوره) ، ففي آخر آية النور:يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ ( سورة
النور: 35 )
ومما أريد الإشارة إليه أن من يدقق في الحديث القدسي يلاحظ أولاً ، أنه ذكر
أسماء الأئمة(ع)جميعاً مع أهم خصائص كل منهم ، وهو مطابق لما صح عندنا من ذكرهم
في التوراة والإنجيل قبل تحريفهما بعددهم وأسمائهم، وقد بقي نص في التوراة بعد
تحريفها يذكر عددهم ! قال ابن كثير في البداية والنهاية: 6/280: (وفي التوراة
التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: أن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل وأنه
ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً) انتهى
ويقصد ابن كثير ما في التوراة الفعلية- العهد القديم والجديد: :1/25- طبعة مجمع
الكنائس الشرقية، في سفر التكوين، الإصحاح السابع عشر، قال: ( 18 - وقال
إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك 19- فقال الله: بل سارة امرأتك تلد لك
ابناً وتدعو اسمه إسحق ، وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده 20 - وأما
إسماعيل فقد سمعت لك فيه ، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً اثني عشر
رئيساً يلد ، وأجعله أمة كبيرة 21- ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة
في هذا الوقت، في السنة الآتية )
وقد ترجمها كعب الأحبار (اثني عشر قيِّماً) وترجمها بعضهم (اثني عشر إماماً)
فالنص موجود في التوراة ، وفي مصادر السنة والشيعة ، وهو مؤيد لبشارة نبينا(ص)
ونلاحظ ثانياً، أنه لم يذكر في الحديث القدسي من أصحاب الأئمة(ع) وشيعتهم إلا
أصحاب الإمام الصادق(ع)في ثلاث كلمات: حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر ، ولأسرنه
في أشياعه وأنصاره وأوليائه
لكن عندما يصل الكلام الى الإمام المهدي(ع)في آخر حديث اللوح، يفصل الله الكلام
عن أوليائه(ع)ويعبر عنهم بأنهم أولياء الله تعالى! فيقول عز وجل: (وأكمل ذلك
بابنه (م ح م د) رحمة للعالمين، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى، وصبر أيوب، فيذل
أوليائي في زمانهالخلاحظوا أنه تعالى نسب أصحاب الإمام الصادق(ع)حملة أحاديث
أهل البيت(ع)بعد الفتن الشديدة التي لاقاها الشيعة ، ونسبهم الى الإمام
الصادق(ع): لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه ، لكنه تكلم
عن أصحاب المهدي(ع) فنسبهم الى نفسه فقال(أوليائي) ثم تكلم عن إذلال الطغاة لهم
وتقتيلهم وتشريدهمالى أن قال: أولئك أوليائي حقاً ! وأرجو ان أوفق للحديث عن
فرق أهل عصر الغيبة عن أهل عصر الحضور
ونلاحظ هنا ، أن حديثه تعالى عن الإمام المهدي(ع)جاء بشكل حديث عن أصحابه
والمؤمنين في زمنه! فلماذا قال: بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف
الزلازل، وأدفع الآصار والأغلال، ولم يقل (به) ؟ كأنه تعالى يقول إن وجود وليي
المهدي أعلى من أن أقول به أدفع الفتن والزلازل ، فهذه أدفعها بخدامه وأصحابه!
وهو محورهم وسيدهم والقدرات التي أعطيناه إياها أعظم من ذلك !
إن ما أنقله عن المرحوم السيد جمال الدين الخونساري المعروف بصاحب روضات الجنات
، وهو من أكابر علمائنا(ره)يوضح المطلب ، فقد أوصى أن يعد له قبر خارج أصفهان ،
مع أن في المدينة مقبرة تاريخية يرغب المؤمنون أن يدفنوا فيها، لأنها مليئة
بالعلماء والصالحين، ولما سألوه عن السبب سكت، فألحوا عليه حتى قال لهم: كان لي
صديق تاجر أثق بصدقه وتدينه وقد أصر عليَّ أن أكون وصيه فقبلت رغم أني لا أقبل
الوصية عن أحد، ونقل لي& هذه القصة: قال: ذهبت إلى حج بيت الله الحرام عن طريق
العراق حتى أفوز بزيارة الأئمة(ع)في ذهابي ورجوعي ، وعندما وصلت إلى النجف كان
عندي رسالة بحوالة فأردت أن أستلمها يوم حركة القافلة ، فتأخرت إلى المغرب ،
وجئت لألتحق بالقافلة فوجدتها قد خرجت وأقفلوا باب سور النجف ، فبتُّ في تلك
الليلة داخل السور ، وخرجت أول الصبح مسرعاً لألتحق بالقافلة ، ولكني كلما مشيت
في الصحراء لم أجدها ! فرجعت إلى النجف متحيراً فوجدت باب السور قد أغلق أيضاً
، فبتُّ خارج السور !
وفي وسط الليل رأيت فجأة شخصاً درويشاً عليه ثياب رثة ، قال لي: أنت البارحة
تخلفت عن القافلة ، فلماذا تركت صلاة الليل؟! إنهض وتعالى معي !
فخطوت معه أقداماً فرأيت شخصاً جليلاً فنظر إلينا وقال للدرويش: خذه إلى مكة !
فقال لي الدرويش: إذهب وتعال في الوقت الفلاني ، فذهبت وعدت إليه في الوقت الذي
عينه فقال لي: إمش خلفي وضع قدمك مكان قدمي ! وتقدم أمامي ولم يمش إلا بضع
خطوات حتى رأيت نفسي صرت في مكة ! فأراد أن يودعني فقلت له: كم تتفضل عليَّ إذا
أكملت جميلك وأرجعتني بعد الحج إلى النجف ، فقَبِل وواعدني في يوم ومكان !
وبعد أن أكملت مناسكي قصدت المكان فوجدته ، فقال لي كما قال أولاً: إمش خلفي
وضع قدمك مكان قدمي ، وبعد خطوات رأيت أني صرت في النجف ! فقال لي: لا تقل
لرفقائك، قل لهم جئت مع أحدهم ووصلنا قبلكم ثم قال لي: لي إليك حاجة قلت: أنا
حاضر ، ما هي ؟ قال: سأقولها لك في أصفهان وعدت إلى أصفهان حتى كان يوم رأيت
فيه صاحبي الدرويش بين الحمالين في سوق أصفهان، فجاءني وقال لي: أنا ذلك الشخص
الذي أوصلتك الى مكة ، وهذا وقت حاجتي التي وعدتني بها! قلت نعم فما هي؟ قال:
أناأسكن في المكان الفلاني، وفي اليوم الفلاني أموت، فتعال إلى مكاني، وفي
صندوقي ثمانية توامين ، فاصرفها على تكفيني ودفني وادفني وأخذني الى المحل الذي
اختاره قبراً فدلني عليه ، وقال إدفنني هنا !
قال صاحب روضات الجنات&: هذا هو المكان الذي اختاره ذلك الولي اخترته أنا لأدفن
فيه !
إن هذا مستوى الخادم من أصحابه(ع)! وإذا كان خدامه يقومون بعمل آصف بن برخيا ،
فكيف به هو صلوات الله عليه ؟!
وا حسرتنا على عمرنا الذي قضيناه ، ولم نعرف ماذا عملنا فيه ، وعمن ابتعدنا ؟
فكم نذكره(ع)حتى يذكرنا ؟ وكم عملنا له حتى يجازينا ؟!
ذلك الإمام الذي يصفه الله تعالى بأنه خاتم الأئمة(ع)وتكملتهم ورحمة للعالمين ،
عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب !
رحمةً للعالمين لم يقلها سبحانه لأحد إلا لرسول الله(ص): وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ( سورة الأنبياء: 107 ) ، ولشخص آخر هو صاحب
الزمان(ع)!
ولا يمكننا أن نفهم معنى: رَحْمَةً لِلْعَالَمِين، إلا إذا فهمنا معنى:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فبعدها إسمان من أسماء الله الحسنى:
الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ، والسبب في ذلك أن ربوبية عوالم الوجود من عوالم الملك
والملكوت ، لها لب ولها قشر، سنة الله في مخلوقاته: إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي
الأَلْبَاب ( سورة آل عمران:190) ، فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ
كُلِّ شئ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون ( سورة يس:83 ) ، أما القشر الذي هو عالم
الملك، فيحتاج الى ربوبية وتربية بواسطة إسم الرحمن ليسير نحو تكامله وأما اللب
الذي هو عالم الملكوت ، فيحتاج الى ربوبية بإسم الرحيم، ليبلغ كماله
إن القرآن معجزة لكافة الناس ، وهو معجزة بالأخص للذين يفهمون! فهم الذين
يدركون أن كمال البشرية لايتحقق إلا بالقرآن الذي نزل على قلب سيد المرسلين(ص)
وأن الذي يجمع مظهر الإسمين معاً: الرحمن الرحيم، هما شخصان في الوجود: خاتم
النبيين(ص)وخاتم الوصيين الإمام المهدي(ع)!
هذا هو مقام الحجة بن الحسن أرواحنا فداه ، وإنما يعرفه الإنسان إذا وصل مستوى
يؤهله لمعرفة:رحمة للعالمين، ويصل الى مخ الحكمة والعلم ، فيفهم أنه حيثما ذهب
في مناطق الوجود وتعقل أن الفاعل الذي منه الوجود هو ذات الخالق المقدس عز وجل
، فإن ما به الوجود في كل العوالم ، هو حجة الله على خلقه الحجة بن الحسن صلوات
الله عليه
هذه سعة ولاية الإمام المهدي(ع)، وهذه عظمة مقامه أرواحنا له الفداء !
إرجعوا الى روايات أهل البيت(ع)واقرؤوا نصوصها وافهموا منها ، وعرِّفوا الناس
ما فهمتم من مقام النبي وآله(ص)خاصة الإمام المهدي(ع)، فلا مظلوم في عصرنا مثله
!
هذا الوجود المقدس الذي لو لم يخلقه الله تعالى لما ختم عهده في اللوح إلى
نبيه(ص)بوصفٍ صار به ثاني نبيه فقال عنه: رحمة للعالمين!
أما صفات الإمام الأخرى في عهد اللوح فهي: عليه كمال موسى، وبهاء عيسى وصبر
أيوب(ع)، ولا يتسع الوقت لنبين كمال موسى وبهاء عيسى ، ونشير إلى صبر أيوب الذي
هو مثل في صبر الأنبياء(ع)، فهل رأيت أصبر من إنسان كشف له الحجاب فهو يرى
الأمور على واقعها ولو بعد عصرها ، يزور قبر جدته الصديقة الكبرى فتتجسد له
ظلاماتها ، ويرى الضلع الكسير ، والجسم العليل!
ويزور قبر جده موسى بن جعفر فيرى ساقه المرضوضة من حلق القيود ، وبدنه الناحل
المسموم !
ويزور جده علي بن موسى الرضا فيرى وجهه الذي غيره السم ، ويرى في النجف ضربة
السيف على مفرق جده !
ثم يعرج على كربلاء فيرى ذلك البدن التريب الذي لم تستطع الملائكة أن تنظر إليه
وتراه ! نعم إن عليه صبر أيوب صبر أيوب(ع)!
اللهم إنا مقصرون اللهم إنا قاصرن اللهم بالحرمة التي لوليك الحجة عندك ، هذه
الحرمة الرفيعة التي أنزلتها مع جبرئيل في عهدك لنبيك ، المكتوب على لوح من
عندك ، وبينت فيه مقام أولياء الإمام المهدي(ع)، وأنك تدفع بهم البلاء والفتن ،
وجعلت مقامه في درجة عليا فوق مقامهم أن تعفو عنا ، وتشمل حالنا نحن الفقراء
بنظرة منه في هذا اليوم
اللهم إن ما نطلبه منك ، بالحق الذي لك عليه والحرمة التي لك عنده ، والحق الذي
جعلته له عليه ، والحرمة التي جعلتها له أن تجعله ينظر الينا ويرفع يده بالدعاء
لنا
(39)شمس النبي(ص)تتجلىبالإمام المهدي(ع)
( بتاريخ: 14 شعبان1421- 11/11/2000 – 21/8/1379 )
بمناسبة هذه الليلة التي هي أفضل الليالي بعد ليلة القدر ، نتوجه جميعاً الى
ولي نعمة العالم صلوات الله عليه: اللهم بحق هذه الليلة ومولودها
روى علي بن إبراهيم بن هاشم القمي، عن أحمد بن إدريس الأشعري، عن محمد بن عبد
الجبار ، عن محمد بن أبي عمير الأزدي ، عن حماد بن عثمان الناب ، عن محمد بن
مسلم الثقفي ، عن الإمام باقر العلوم(ع)في قول الله عز وجل: وَاللَّيْلِ إِذَا
يَغْشَى وَالنَّهَار ِإِذَا تَجَلَّى؟ قال: النهار هو القائم منا أهل البيت ،
إذا قام غلب دولة الباطل والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس، وخاطب الله نبيه به
ونحن ، فليس يعلمه غيرنا )
والرواية من ناحية السند صحيحة ، فسندها ستة من أعاظم مشايخ المحدثين رضوان
الله عليهم ، فعلي بن إبراهيم شيخ القميين ، وأحمد بن إدريس الأشعري من مشايخ
الحديث الثقات ، وكذا محمد بن عبد الجبار ، وأما محمد بن أبي عمير الأزدي فقد
أجمعت الطائفة وعملت بمسانيده ومراسيله، وبعده حماد بن عثمان الناب ، وبعده
محمد بن مسلم ، وهؤلاء الثلاثة من أصحاب الإجماع الذين أجمعت الطائفة على تصحيح
ما يصح عنهم وتمتاز هذه الرواية أيضاً بأن راويها محمد بن مسلم الثقفي رحمه
الله أحد الأربعة الذين هم بنص الإمام(ع)أمناء الله على حلاله وحرامه ، وأوتاد
الأرض ، وأركان الدين ! فهذه الخصوصيات في السند قلما تجتمع في رواية
أما من ناحية الدراية فلا تكفي هذه الفرصة إلا لقطرات من بحرها:
ولكي يكتمل فهمنا لقوله تعالى في سورة الليل:وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى،
ينبغي أن نقارنها بسورة الشمس: وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا فالبدء في سورة
الشمس من الشمس إلى النهار، والبدء هنا من الليل إلى النهار! والنهار هناك
يجلِّي الشمس بالتفعيل ، أما هنا فهو يتجلى ، بالتفعل !
وفي قول الإمام الباقر(ع):والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس، وخاطب الله نبيه به
ونحن ، فليس يعلمه غيرنا، مطالب عميقة خفية
فما هي تلك التجلية ، وهذا التجلي ، ولماذا التعدي هنا واللزوم هناك ؟
وما هي تلك الشمس ، وذلك النهار ؟
ما هو تفسير ذلك ، وما هو تأويله ، وهدفه الذي يرمي إليه ؟!
إن الشمس في المنظومة الشمسية هي المحور، وهي مشعل الحياة، وعملها أنها تنمي
بأشعتها الطاقات الكامنة في الموجودات الأرضية ، وتوصلها إلى كمالها المناسب
لها
أما منظومة العالم الكبير فهي منظومة محيرة ، لم يفهمها إلا الخواص من أولي
الألباب ، ولها لب ولها قشر ، أي أنها تنقسم إلى عالم ظاهري وعالم باطني ، وقد
أشار إلى كليهما القرآن
وباطن العالم له منظومة أيضاً ، فمنظومة الملكوت توازي منظومة الملك وشمس هذه
المنظومة ومحورها ذات نبينا الأعظم محمد(ص)بحكم برهان العقل والنقل ، فمقام
خاتمية الأنبياء(ع)هو مقام الإنسان الأول الذي لا ثاني له ، وثانيه إنما هو
وجود تنزيلي ، أما الوجود الحقيقي فهو منحصر بفرد لا يتثنى ولا يتكرر ، وهو
نبينا محمد(ص) وهو آية الإسم الواحد والأحد عز وجل، لم يكن له ثان ولا يكون ،
وهو قوله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ونسبة
الوجود التنزيلي إليه(ص)نسبة القمر إلى الشمس، وهو معنى قوله تعالى:فَقُلْ
تَعَالَوْا نَدْعُ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ( سورة آل عمران:61)، وهو معنى
قوله (ص): أنا أديب ربي، وعلي أديبي ومعنى قول الله تعالى:وَالشَّمْسِ
وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَ
إن بناء السورتين ، والإنتقاء الرباني لألفاظهما ، والعلاقة الجدلية بينهما، كل
واحد منها يتضمن أسراراً عظيمة تبهر العقول! وكم أتأسف لأنا لم نفهم القرآن كما
يجب ، ولا أدينا حق بحوثه
إن انبساط نور الشمس في ضحاها يعني انبساط نور النبي(ص)في عالم الملكوت ،
والنهار إذا جلاها يعني تجلي خاتمية النبوة بخاتمية الإمامة بالإمام المهدي(ع)!
وهي إشارة قرآنية كافية لأن تدرك مقام الإمام المهدي(ع)فأي سر فيه صلوات الله
عليه أوجب التعبير في هذا الصحيح من الدرجة الأولى الذي لا شك في صدوره عن منبع
الوحي، بأنه هو المقصود بقوله تعالى: وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى؟!
إنه صلوات الله عليه قوس النهار في منظومة عالم الملكوت ، الذي لا يفهم أحد
حقيقة دوره وتأثيره الآن في منظومة عالم الملكوت ، ولماذا ادخره الله تعالى
وجعل دوره في آخر الزمان ؟ وماذا سيحقق على يده عند ظهوره الموعود ؟! إنها
حقائق كبيرة ثابتة ، ومذهلة !
فكروا في قوله تعالى:وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا فمن الذي يجلي شمس خاتم الأنبياء(ص)ويظهرها ؟
قال بعض المفسرين إنها الأرض أو الظلمة ، فهي التي تجلي الشمس !
لكن السياق وأصالة عدم التقدير يدلان على أن الذي يجليها هو النهار، فهو الإمام
المهدي خاتم الأئمة(ع)، الذي يجلي شمس خاتم الأنبياء(ص)!
هل ترانا عرفنا الإمام صاحب الزمان أرواحنا فداه ؟!
إن ما نصل إليه من قشور في معرفة شخصيته المقدسة ، إنما هو على قدر فهمنا ،
وليس على قدر شخصيته ! فأنَّى لنا أن نفهم الذي يمثل شمس خاتم الأنبياء(ص)في
منظومة عالم الملكوت ، ويجليها في ظهوره الموعود بوعد ربه ؟! وعالم الملكوت أعم
من عالم الدنيا والبرزخ والآخرة !
إنه صلوات الله عليه هو الذي يجلي شمس نبوة نبينا(ص)التي مقدماتها نبوات
الأنبياء(ع)، وينشر ضحاها على كل عوالم الوجود! ففي نظام العالم يوجد خاتمان لا
أكثر ، أولهما خاتم الأنبياء(ص)والثاني خاتم الأوصياء والحجج(ع)!
السلام عليك يا مولاي يا صاحب الزمان ، يا من قبل مجيئه لا يتم بسط نور شمس
الخاتمية السلام على الحق الجلي ، والنهار إذا جلاها: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ
وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ( سورة الإسراء:81)
أنت الذي أنزل الله تعالى في حقه: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا
وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ
بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (الزمر: 69) ،
أنت الذي ذخرك الله تعالى ليسرَّ بظهورك جميع الأنبياء(ع)، وينهي معاناتهم ،
ويختم محنتهم ، ويحقق على يدك ثمرة بعثاتهم: وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَ
وأنت الذي على يدك يتنجز ضحى بعثة جدك المصطفى(ص)وضحى شمسه المقدسة ، ويتحقق
الغرض من خلق البشر والعالم
إقرؤوا عن الإمام صاحب الزمان(ع)واعرفوه وعرِّفوا الناس به ، فكلكم ولله الحمد
فضلاء ، وكثير منكم علماء من مستوى جيد ، فواجبكم استخراج جواهر المعرفة من
كلمات المعصومين صلوات الله عليهم، وإيصالها الى أيتام الإمام صاحب
الزمان(ع)الذين هم في عصر الغيبة متعطشون حيارى ! عرفوا هذه الجواهر لأصحابها
الموالين ، عرفوهم على مواليهم(ع) !
لخاتم الأنبياء(ص)اسمان إسم في السماء (أحمد) وإسم في الأرض(محمد) وهذان
الإسمان وضعهما الله تعالى له ، ولم يجمعا في العالم إلا في الحجة بن الحسن(ع)!
هذا بابٌ ، والباب الثاني أن أحداً لم يجمع بين إسم النبي(ص)وكنيته إلا الحجة
بن الحسن(ع)، فإسمه اسم خاتم الأنبياء(ص)وكنيته أبو القاسم ومضافاً الى هذا فقد
جمع كنى الأئمة المعصومين كلها(ع)، ولهذا معنى بليغ فانظروا إلى أحاديث المعراج
، حيث رأى النبي(ص)من ملكوت الله ما رأى ! وعندما رأى أنوار الأئمة الإثني عشر
من عترته(ع)رأى نور المهدي من بينهم يتلألأ كأنه كوكب دري ، فقال: يا رب من
هؤلاء ومن هذا ؟ قال: يا محمد هم الأئمة بعدك المطهرون من صلبك ، وهو الحجة
الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويشفي صدور قوم مؤمنين (2)
ونظراً لضيق الوقت نكتفي بقول النبي(ص)في خطبته يوم الغدير ، عندما رفع بيد
علي(ع)وأبلغ الأمة إمامته من بعده ، وأتم عليهم الحجة فقال: ألا من كنت مولاه
فهذا علي مولاه وأوصى الأمة بعدة وصايا وافتتحها كلها بـ (ألا) التي هي أداة
تنبيه ، ومن هذه الوصايا تنبيهه على مقام الإمام المهدي(ع)، فقد قال(ص): ألا إن
خاتم الأئمة المهدي
ألا إنه خيرة الله ومختاره
ألا إنه وارث كل علم والمحيط به
ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل والمنبه بأمر إيمانه
ألا إنه الرشيد السديد ألا إنه المفوض إليه ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه
ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا معه، ولا نور إلا عنده ألا إنه لا
غالب له ولا منصور عليه ألا وإنه ولي الله في أرضه ، وحكمه في خلقه، وأمينه في
سره وعلانيته (الإحتجاج ج1ص61) (3)
لاحظوا قوله(ص)في هذه الخطبة: ألا إنه وارث كل علم والمحيط به وقوله(ص): ألا
إنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا معه ، ولا نور إلا عنده لتعرفوا كيف
يتحقق به: (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا)
والأهم من ذلك أن صفة الرحمة للعالمين منحصرة بالنبي(ص): وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، وقد وصف الله تعالى بها الإمام المهدي(ع)في
حديث اللوح القدسي: وأكمل ذلك بابنه (م ح م د) رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى
، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ) ! وهو أعلى مقام يعطيه الله تعالى لخاتم الأوصياء
(ع)خص به خاتم الأنبياء(ص)
إن واجبكم أيها الفضلاء أن تتعرفوا على مقامات الإمام المهدي(ع) وتعرِّفوا
أيتام آل محمد(ص)على ما عرفتموه منها ، لأن معرفتها الكاملة غير ممكنة فبعملنا
في تحصيل الفقه وتحصيل معرفة النبي وآله المعصوين(ص)، وفي تبليغ الناس أحكام
الحلال والحرام، وتعليمهم مقامات النبي وآله(ص)، نأمل أن نكون محل نظر صاحب
الزمان ورعايته(ع)، إن شاء الله
التعليقات
(1) في تفسير القمي:2/425: ( أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدثنا محمد بن عبد
الجبار، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر
(الامام الباقر(ع)) عن قول الله عز وجل: والليل إذا يغشى؟ قال: الليل في هذا
الموضع فلان ، غشي أمير المؤمنين في دولته التي جرت له عليه وأمير
المؤمنين(ع)يصبر في دولتهم حتى تنقضي قال: والنهار إذا تجلى، قال: النهار هو
القائم(ع)منا أهل البيت ، إذا قام غلب دولته الباطل والقرآن ضرب فيه الأمثال
للناس ، وخاطب الله نبيه به ونحن ، فليس يعلمه غيرنا ) وعنه في البحار:24/71
وي تأويل الآيات:2/807 في قوله تعالى: والليل إذا يغشى: ( جاء مرفوعاً عن عمرو
بن شمر ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي عبد الله(ع)في قول الله عز وجل: والليل إذا
يغشى ، قال: دولة إبليس إلى يوم القيامة ، والنهار إذا تجلى: وهو القائم(ع)إذا
قام ) وعنه في البحار:24/398
(2) في كفاية الأثر للخزاز القمي&ص69: (حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد ،
قال حدثنا أبو محمد هارون بن موسى رضي الله عنه في شهر ربيع الأول سنة إحدى
وثمانين وثلاثمائة، قال حدثني أبوعلي محمد بن همام، قال حدثني عامر بن كثير
البصري ، قال حدثني الحسن بن محمد بن أبي شعيب الحراني ، قال حدثنا مسكين بن
بكير أبو بسطام ، عن سعد بن الحجاج ، عن هشام بن زيد ، عن أنس بن مالك ، قال
هارون: وحدثنا حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي، قال حدثني أبو النصر محمد بن
مسعود العياشي، عن يوسف بن المشحت البصري ، قال حدثنا إسحاق بن الحارث ، قال
حدثنا محمد بن البشار ، عن محمد بن جعفر، قال حدثنا شعبة ، عن هشام بن يزيد، عن
أنس بن مالك قال: كنت أنا وأبو ذر وسلمان وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم عند
النبي(ص) ودخل الحسن والحسين(ص)فقبلهما رسول الله(ص)، وقام أبوذر فانكب عليهما
وقبل أيديهما ، ثم رجع فقعد معنا، فقلنا له سراً: رأيت رجلاً شيخاً من أصحاب
رسول الله(ص) يقوم إلى صبيين من بني هاشم فينكب عليهما ويقبل أيديهما فقال: نعم
لو سمعتم ما سمعت فيهما من رسول الله(ص)لفعلتم بهما أكثر مما فعلت قلنا: وماذا
سمعت يا أبا ذر؟ قال: سمعته يقول لعلي ولهما: يا علي والله لو أن رجلا صلى وصام
حتي يصير كالشن البالي إذا ما نفع صلاته وصومه إلا بحبكم يا علي من توسل إلى
الله بحبكم فحق على الله أن لا يرده يا علي من أحبكم وتمسك بكم فقد تمسك
بالعروة الوثقى قال: ثم قام أبو ذر وخرج، وتقدمنا إلى رسول الله(ص)فقلنا: يا
رسول الله أخبرنا أبو ذر عنك بكيت وكيت قال: صدق أبو ذر ، صدق والله ، ما أظلت
الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر قال: ثم قال(ع)خلقني الله
تبارك وتعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام ، ثم نقلنا
إلى صلب آدم ، ثم نقلنا من صلبه في أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات فقلت: يا
رسول الله فأين كنتم وعلى أي مثال كنتم ؟ قال: كنا أشباحاً من نور تحت العرش
نسبح الله تعالى ونمجده، ثم قال(ع): لما عرج بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى
ودعني جبرئيل(ع)فقلت: حبيبي جبرئيل أفي هذا المقام تفارقني فقال: يا محمد اني
لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي ثم زج بي في النور ماشاءالله، فأوحى الله
إلي: يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا ، ثم اطلعت
ثانيا فاخترت منها علياً فجعلته وصيك ووارث علمك والإمام بعدك ، وأخرج من
أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي، فلولاكم ما خلقت الدنيا
ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار
يا محمد أتحب أن تراهم ؟ قلت: نعم يا رب فنوديت: يا محمد ارفع رأسك ، فرفعت
رأسي فإذا أنا بأنوار علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن
محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن ابن علي
والحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري فقلت: يا رب من هؤلاء ومن هذا ؟ قال: يا
محمد هم الأئمة بعدك المطهرون من صلبك ، وهو الحجة الذي يملأ الأرض قسطاً
وعدلاً ويشفي صدور قوم مؤمنين
قلنا: بآبائنا وأمهاتنا أنت يا رسول الله لقد قلت عجباً فقال(ص): وأعجب من هذا
أن قوماً يسمعون مني هذا ثم يرجعون على أعقابهم بعد إذ هداهم الله ، ويؤذوني
فيهم ، لا أنالهم الله شفاعتي)
وفي المحكم والمتشابه ص25: ( قال أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني
في كتابه في تفسير القرآن: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال: حدثنا جعفر
بن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسين بن علي بن
أبي حمزة ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن جابر قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد
الصادق(ع)يقول:( في حديث طويل عن أنواع آيات القرآن تضمن مجموعة أسئلة لأمير
المؤمنين(ع)عن آيات القرآن وأحكامه، منها سؤال عن أقسام النور في القرآن، وعن
قوله تعالى: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ
فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا
غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ
عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ
الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ (سورة النور:35 )، فقال أمير
المؤمنين(ع): (فالمشكاة رسول الله(ص) والمصباح الوصي، والأوصياء(ع)والزجاجة
فاطمة ، والشجرة المباركة رسول الله(ص) والكوكب الدري القائم المنتظر(ع)الذي
يملأ الأرض عدلاً ) وهو في البحار :93/3 ، عن المحكم والمتشابه
وفي الطبراني الكبير:8/120: (حدثنا علي بن سعيدالرازي ثنا علي بن الحسين، ثنا
عنبة بن أبي صغيرة ، ثنا الأوزاعي، عن سليمان بن حبيب قال: سمعت أبا أمامة
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيكون بينكم وبين الروم أربع هدن ،
يوم الرابعة على يد رجل من أهل هرقل يدوم سبع سنين فقال له رجل من عبد القيس
يقال له المستورد بن خيلان: يا رسول الله من إمام الناس يومئذ؟ قال: المهدي من
ولدي إبن أربعين سنةكأن وجهه كوكب دري، في خده الأيمن خال أسود، عليه عباءتان
(قطوانيتان) كأنه من رجال بني إسرائيل، يملك عشرين سنة، يستخرج الكنوزويفتح
مدائن الشرك) انتهى
وقد ورد هذا الوصف للإمام المهدي(ع)في أحاديث أخرى كما في عيون أخبار
الرضا(ع):2/60 ، وكمال الدين وتمام النعمة ص252 ، وكفاية الأثر ص136، وص 185،
والغيبة للطوسي ص147 وغيره
(3) في الإحتجاج:1/61: (حدثني السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب
الحسيني المرعشي رضي الله عنه قال: أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن الشيخ السعيد
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه قال: أخبرني الشيخ السعيد الوالد
أبو جعفر قدس الله روحه قال: أخبرني جماعة عن أبي محمد هارن بن موسى التلعكبري
قال: أخبرنا أبو علي محمد بن همام قال: أخبرنا علي السوري قال: أخبرنا أبو محمد
العلوي من ولد الأفطس ، وكان من عباد الله الصالحين ، قال: حدثنا محمد بن موسى
الهمداني قال: حدثنا محمد بن خالد الطيالسي قال: حدثنا سيف بن عميرة ، وصالح بن
عقبة، جميعاً عن قيس بن سمعان، عن علقمة بن محمد الحضرمي، عن أبي جعفر محمد بن
علي(ع)أنه قال:
حج رسول الله(ص)من المدينة وقد بلغ جميع الشرايع قومه غير الحج والولاية ،
فأتاه جبرئيل(ع)فقال له: يا محمد ان الله جل اسمه يقرؤك السلام ويقول لك: إني
لم أقبض نبياً من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي،
وقد بقي عليك من ذاك فريضتان مما تحتاج أن تبلغهما قومك: فريضة الحج ، وفريضة
الولاية والخلافة من بعدك ، فإني لم أخل أرضي من حجة ولن أخليها أبداً ، فإن
الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلغ قومك الحج وتحج ويحج معك من استطاع إليه سبيلاً من
أهل الحضر والأطراف والأعراب وتعلمهم من معالم حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم
وزكاتهم وصيامهم وتوقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم
من الشرائع
فنادى منادي رسول الله(ص)في الناس: ألا إن رسول الله يريد الحج وأن يعلمكم من
ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذاك على ما أوقفكم عليه من غيره
فخرج(ص)وخرج معه الناس وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله ، فحج بهم
وبلغ من حج مع رسول الله(ص)من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف
إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألفاً الذين أخذ عليهم بيعة
هارون ، فنكثوا واتبعوا العجل والسامري ، وكذلك أخذ رسول الله(ص)البيعة لعلي
بالخلافة على عدد أصحاب موسى فنكثوا البيعة واتبعوا العجل والسامري سنة بسنة
ومثلاً بمثل( من حديث طويل فيه خطبة النبي(ص)في الغدير وهي خطبة بليغة طويلة
ننقل منها فقرات ، منها ما يتصل بالإمام المهدي(ع)) قال(ص) :
معاشر الناس: إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر
ربكم ، فإن الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم ثم من دونه محمد وليكم القائم المخاطب
لكم ، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر ربكم ، ثم الإمامة في ذريتي من ولده
إلى يوم تلقون الله ورسوله ، لا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرمه
الله ، عرفني الحلال والحرام وأنا أفضيت بما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه
إليه
معاشر الناس: إن علياً والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر ، والقرآن الثقل
الأكبر ، فكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له ، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ،
هم أمناء الله في خلقه وحكماؤه في أرضه ، ألا وقد أديت ، ألا وقد بلغت ألا وقد
أسمعت ، ألا وقد أوضحت ، ألا وإن الله عز وجل قال وأنا قلت عن الله عز وجل ،
ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره
ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه ، وكان منذ أول ما صعد رسول الله(ص)شال علياً حتى
صارت رجله مع ركبة رسول الله(ص)، ثم قال:
معاشر الناس: هذا علي أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب
الله عز وجل والداعي إليه والعامل بما يرضاه والمحارب لأعدائه والموالي على
طاعته والناهي عن معصيته
معاشر الناس: النور من الله عز وجل فيَّ مسلوكٌ ثم في علي، ثم في النسل منه إلى
القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا ، لأن الله عز وجل قد جعلنا
حجة علىالمقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع
العالمين
معاشر الناس: أنذركم أني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل أفإن مت أو قتلت
انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله
الشاكرين ، ألا وإن عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولدي من صلبه
معاشر الناس: إنه سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون
معاشر الناس: إني أدعها إمامة ووراثة في عقبي إلى يوم القيامة ، وقد بلغت ما
أمرت بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب
معاشر الناس: النور من الله عز وجل في مسلوك ، ثم في علي ، ثم في النسل منه إلى
القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا ، لأن الله عز وجل قد جعلنا
حجة علىالمقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع
العالمين ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي، ألا إنه الظاهر على الدين ألا
إنه المنتقم من الظالمين ألا إنه فاتح الحصون وهادمها ألا إنه قاتل كل قبيلة من
أهل الشرك ألا إنه مدرك بكل ثار لأولياء الله ألا إنه الناصر لدين الله ألا إنه
الغراف في بحر عميق ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله ، وكل ذي جهل بجهله ألا إنه
خيرة الله ومختاره ألا إنه وارث كل علم والمحيط به ألا إنه المخبر عن ربه عز
وجل والمنبه بأمر إيمانه ألا إنه الرشيد السديد ألا إنه المفوض إليه ألا إنه قد
بشر به من سلف بين يديه ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا معه ، ولا
نور إلا عنده ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه ألا وإنه ولي الله في أرضه ،
وحكمه في خلقه ، وأمينه في سره وعلانيته ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن
أحصيهما وأعرفهما ، فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد ، فأمرت أن آخذ
البيعة منكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين
والأئمة من بعده ، الذين هم مني ومنه ، أئمة قائمة منهم المهدي إلى يوم القيامة
الذي يقضي بالحق) انتهى ورواه الفتال النيسابوري&في روضة الواعظين ص94 ، وعنه
في البحار البحار:37/211
(40)أصحاب الإمام المهدي(ع)إخوان للنبي(ص)
( بتاريخ: 14 شعبان 1420- 23/11/1999 – 2/9/1378 )
في ليلة ولادة ولي العصر ، وصاحب الأمر ، المؤتمن على غيب الله تعالى وسره ،
نتوسل بما يسر الله من القول في حقه ، أرواحنا فداه
إن بعض الكلمات الواردة في حقه(ع)يصعب فهمها وتصور أعماقها ، كالفقرة التي في
دعاء الندبة: بنفسي أنتَ من عقيدِ عزٍَ لا يُسَامَى ، يعني أعطاك الله تعالى
مقاماً بلغت به أوج عزة لا يستطيع أحد أن يصل إليه أو يساميه وفهم هذه الجملة
يتوقف على فهم ماهي الإمامة، ومن هو الإمام المهدي(ع) الذي تختم به ؟
كان العالم كله ينتظر وجود آدم وبنيه(ع)، ذلك الذي يحمل سر قوله تعالى: إِنِّي
أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (سورة البقرة:30 )
وكان كل بني آدم ينتظرون نبوات الأنبياء ورسالات الرسل(ع)، لأنها مُعَلِّمة
الآدميين ومربيتهم ، وطريقهم إلى بلوغ كمالهم
وكانت كل النبوات والرسالات تنتظر خاتم الأنبياء والرسل(ص)، لأن تربية
الإنسانية ووصولها الى أوجها إنما تتحقق وتبلغ ثمراتها برسالته(ص)
لكن الأمر العظيم أن خاتمة الرسالات كانت تتطلع إلى الإمام المهدي(ع) خاتم
الأئمة(ع)، ومحقق أهداف الرسالة الخاتمة !
فإن فهمت هذا ، فهمت من هو إمام العصر والزمان صلوات الله عليه !
سئل الإمام الصادق(ع)عن تفسير قوله تعالى: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ
فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ؟ فقال: المتقون شيعة علي(ع)،
والغيب فهو الحجة الغائب ، وشاهد ذلك قول الله عز وجل: وَيَقُولُونَ لَوْلا
أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ
فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (كمال الدين:2/340) (1)
وعندما يستدل الإمام الصادق(ع)فعلى نوابغ البشرية أن يشغِّلوا أفكارهم ويتأملوا
في أعماق كلامه! فقد استدل هنا بقوله تعالى:وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ
عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِالخ ومعناه أن نزول الآية من الله تعالى أمر محقق ،
وقد أمر الله نبيه(ص)أن يتنظرها: فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ
الْمُنْتَظِرِينَ! وأن هذه الآية المنتظرة من الغيب المختص بالله تعالى: فَقُلْ
إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ
وعلى هذا فخاتم الأنبياء ، الشخص الأول في العالم ، وعصارة الخلقة والبعثة(ص)،
مأمور بأن يعدهم بآية غيب الله التي ستتحقق على يد ولده الموعود(ع)ويقول لهم:
إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ !!
إن وجود العالم من بدوه إلى ختمه كان ينتظر وجود النبي(ص)، وهو ينتظر مهديه
الموعود(ع)!
هذا هو الإمام المهدي ، الذي يوجد فيه كل ما ضيعه العالم !
هو الذي تتطلع إليه الأنبياء من لدن آدم(ع)إلى النبي الخاتم(ص)!
إنه المقام الكبير والمنزلة العظيمة بنص صحيح السند لا شبهة فيه ، فرسول
الله(ص)خاتم الأنبياء وسيد الرسل ينتظر حفيده الموعود المهدي(ع)ويتمنى لقاء
أصحابه فيقول وددت لو رأيت إخواني ! أو يقول: آه شوقاً إلى إخواني ! قالوا
أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال: أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد !
فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟
فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ، ألا يعرف
خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله ، قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء ،
وأنا فرطهم على الحوض ألا لَـيـُذادنَّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال!
أناديهم ألا هلمَّ فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقاً سحقاً! (صحيح
مسلم:1/150، وراجع المحاسن للبرقي:1/173 ) (2)
هكذا فاعرفوا صاحب الزمان ، وهكذا عرِّفوه للناس !
وهذا شهر رمضان قد أقبل إليكم ، شهر الله تعالى ، وشهر القرآن: شَهْرُ
رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ
مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
شهر إمام الزمان(ع)الذي تنزل عليه ملائكة ليلة القدر: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي
لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ تعبير محلّى بـ (أل) للدلالة على جنس الملك والملكوت
وتتنزل معها الروح ، التي هي في كفة وجميع الملائكة في كفة !
نعم ، تتنزل بكل أمر على ولي الأمر !
لا تصرفوا أوقاتكم في هذا الشهر بما لا طائل فيه ، إصرفوها فقط في ذكر الله
تعالى ، لأن الشهر شهر الله ، وفي القرآن ، لأن الشهر شهر القرآن ، والقسم
الثالث لإمام الزمان(ع)، فاعملوا في هذا الشهر لكي تدوَّنَ أسماؤكم في سجله(ع)
أتركوا خدمة زيد وعمرو! فهل تجعلون أنفسكم خدماً لمن ينسى نفسه وشخصيته ويفقد
توازنه عند أقل قدرة يملكها ؟!
كونوا خداماً لمن يمسك الله به السماء أن تقع على الأرض !
إعرفوا قدر شخصياتكم ، ولا تبيعوها بثمن بخس دراهم معدودة !
بيعوا أنفسكم لله تعالى، للقرآن ، لصاحب الزمان(ع)، وكيف يمكن للإنسان أن يكون
عاشقاً لله تعالى ، مع عشقه لغيره؟! أو عاشقاً لصاحب الزمان مع عشقه لغيره ؟!
مزاج عشق ، بس مشكل پسند است قبول عشق برطاق بلند است
ترجمته: من صفات العشق أن فيه شمماً ، يتعزز في قبول من ينتسب إليه !
فلا تجعلوا العدم شريكاً للوجود ، ولا تخلطوا المعدوم بالموجود !
لا تدخلوا الظلمات بالنور ، واحبسوا أنفسكم على صاحب الزمان(ع)، فقد قال الإمام
الباقر(ع)لعبد الحميد الواسطي: يا عبد الحميد أترى من حبس نفسه على الله عز وجل
لا يجعل الله له مخرجاً ؟ بلى والله ليجعلن الله له مخرجاً، رحم الله عبداً حبس
نفسه علينا ، رحم الله عبداً أحيا أمرن
قال قلت: فإن متُّ قبل أن أدرك القائم ؟ قال: القائل منكم أن لو أدركت قائم آل
محمد نصرته كان كالمقارع بين يديه بسيفه ، لا بل كالشهيد معه) (3)
رحم الله عبداً أحيا أمرناإذا سرتم خطوة في هذا الطريق فأنتم مخلصون
ولستم(مشركين) فاقتصروا على كلمتين:من منه الوجود الحي القيوم سبحانه ومن به
الوجود وهو صاحب الزمان أرواحنا فداه فغيرهما ليس شيئاً يذكر
فإن حبستم أنفسكم عليهما ، فقد تكونون من أهل هذا الحديث الشريف:
في بصائر الدرجات للصفار&ص104: (حدثنا العباس بن معروف ، عن حماد بن عيسى ، عن
أبي الجارود عن أبي بصير عن أبي جعفر(ع)قال قال رسول الله(ص)ذات يوم وعنده
جماعة من أصحابه: اللهم لَقِّني إخواني مرتين، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن
إخوانك يا رسول الله؟ فقال: لا ، إنكم أصحابي، وإخواني قوم في آخر الزمان آمنوا
بي ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من
أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في
الليلة الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا! أولئك مصابيح الدجىينجيهم الله من
كل فتنة غبراء مظلمة)
والعباس بن معروف موثق بتوثيق النجاشي، عن حماد بن عيسى ، أحد الذين أجمعت
الطائفة على تصحيح ما يصح عنه ، عن أبي الجارود ، الموثق بتوثيق المفيد ، عن
أبي بصير ، أحد أركان الأرض والأوتاد الأربعة
اللهم لقني إخواني قالها النبي(ص)مرتين لا مرة واحدة ! قالها الذي نَفَسُهُ ،
ونَظْرته ، وكلمته ، تعدل عالم الوجود! فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك
يا رسول الله؟ فقال: لا، إنكم أصحابي فأنتم فقط بمستوى الأصحاب أما الإخوان
فغيركم !
روحي لك الفداء يا صاحب الزمان، من أنت أيها الرباني حتى بلغ تلاميذك الذين
ربيتهم ، وخدامك الذين يتشرفون بخدمتك، درجة أن يحسبوا إخواناً للنبي(ص)،
فيتمنى لقاءهم والحديث معهم ؟!
أي سرٍّ كامنٍ في شخصك، أودعتَ منه فيهم ، يا غيب الله المكنون ، وسره المرموز
؟! (وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم
وأسماء آبائهم ، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ! لأحدهم أشد
بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء أو كالقابض على جمر الغضا أولئك
مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة)
ما هذا المعدن وهذه التربية التي جعلتهم أصلب في دينهم ممن يمسك جريدة شوك
القتاد فيخرطها بيده في الليل دون أن يرى أين يصيبه شوكها ، أو كالذي يمسك
بيديه جمراً شديد الحرارة ، غير مكترث باحتراق يده ؟!
وما هذه الدرجة من الإيمان التي جعلت النبي(ص)يتشوق إلى لقائهم؟! فأخبره الله
تعالى بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قبل ولادتهم بقرون ؟!
هؤلاء هم عصارة العالم وثمرات النبوة والإمامة ، الذين ربتهم غيبة الإمام
(ع)ورباهم الإمام(ع)في غيبته، الذين صبروا وعَبَرُوا الإمتحانات الإلهية حتى
وصلوا إلى مقام الأخوَّة لرسول الله(ص)وهي درجة عظيمة تلي درجة المعصومين(ع)،
وإن لم تصل إلى درجة المؤاخاة لأمير المؤمنين(ع)
هؤلاء الذين وصلوا بصبرهم ، وبحبسهم أنفسهم على الله ورسوله وحجته إلى هذا
المستوى الرفيع !
وكذلك هو عصر الغيبة عصر بلاء وامتحان ، وإخراج للجواهر الكامنة إلى عالم
الفعلية ، بأنواع من الإبتلاء والإمتحان !
في الإمامة والتبصرة ص130: (عن عبد الرحمن بن سيابة ، عن أبي عبد الله (ع)أنه
قال: كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم؟ يتبرأ بعضكم من بعض؟! فعند ذلك
تميزون، وتمحصون، وتغربلون، وعند ذلك اختلاف السيفين وإمارة من أول النهار ،
وقتل وخلع من آخر النهار )
فعند ذلك تميزون وهذه هي المرحلة الأولى ، مرحلة الفرز وتمييز الخبيث من الطيب
!
والثانية: تمحصون ، كتمحيص المعدن ، كالذهب عندما يصهر وتضاف إليه مواد لإخراج
ثفالته
والثالثة: تغربلون ، كغربلة الحنطة لاستخراج زوانها ، وحبها الضعيف الذي يسقط
من الغربال !
وفي رواية الشيخ الطوسي&أن الإمام عندما وصل إلى المرحلة الثالثة التي هي
الغربلة ، قالها ثلاثاً (لا يكون فرجنا حتى تغربلوا ثم تغربلوا ثم تغربلوا ،
يقولها ثلاثاً ، حتى يذهب الله تعالى الكدر ويبقى الصفو) وهو يعني أن خلط
الأوراق في المؤمنين وغربلتهم قرب الظهور ، تحصل ثلاث مرات! (4)
وتكون الغربلة الثالثة أصعبها (إنه لا بد من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة
ووليجة ، حتى يسقط فيها من يشق الشعر بشعرتين ، حتى لا يبقى إلا نحن وشيعتنا)
هذا هو الطريق ، وهذا هو المسار الذي ينتظره رسول الله(ص)في أمته ! وهذا هو
التكامل الذي سنه الله تعالى بقوانينه في ابتلاء الأمم والأنبياء والأئمة (ع)،
حتى تصل شجرة البشرية إلى ثمرتها في دولة العدل الإلهي !
إنها من أسرار الغيبة التي قدرها الله تعالى لخاتم الأئمة من عترة نبيه(ص) وجمع
فيها غيبات أنبيائه كلهم(ع)
وهذا هو الغائب الذي جعله الله مظهراً لغيبه ومظهراً لشهادته ، فهو في غيبته في
مقام غيب الغيوب، فإذا جاء وقت ظهوره جعله الله مظهراً للشهادة (محق كل حق،
ومبطل كل باطل) ! فأي قدرة يعطيه إياها حتى يستطيع أن يحق بيده كل حق ، ويبطل
بيده كل باطل ، بالعموم الوضعي لهذه الكلمة
صلوات الله عليك يا منتهى الآمال ( المنتهى إليه مواريث الأنبياء ، ولديه موجود
آثار الأصفياء ، المؤتمن على الصدق ، والولي للأمر
إقرؤوا عن واحد من مواريث الأنبياء(ع)حتى تعرفوا ما خبرها؟! أحدها قوله تعالى:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا
تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى
الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ ( سورة البقرة:30-31 ) ثم تصل إلى صحف آدم وإدريس ونوح، وقميص
إبراهيم ، وعصا موسى، وخاتم سليمان ، وعليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب حتى
تصل إلىمواريث محمد(ص)من القرآن كمانزل، وتفسيره وتأويله، والجفر والجامعة
ومصحف فاطمة ، وسلاح النبي(ص)بمعجزاته ، ودرعه الخاصة ، ورايته العقاب، وعمامته
سلطان الله، وسيفه قدرةاللهوالأهم من ذلك من صفاته(ع): أنه المؤتمن على سر الله
الأعظم! (السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين، السلام عليك يا حافظ أسرار رب
العالمين)
يا ابن رسول الله ، نحن ظلمناك ، ظلمناكم أهل البيت ، فكل ما عندنا منكم ،
وبيمنكم رزق الورى ، وبوجودكم ثبتت الأرض والسماء
لقد وضعنا على رؤوسنا شعار خدمتك ، لكنا خدمنا الآخرين أكثر مما خدمناك ، بل
أسأنا اليك !
غير أن كرمكم أهل البيت لا منتهى له، فليشملنا عفوكم لما مضى ، ولتشملنا
عنايتكم لنكون مقبولين عند الله في خدمتكم فيما بقي من عمرنا
إنا نأمل أن تشملنا منك نظرة عناية ، من نظراتك التي تحول عالماً بكامله !
فأنت الذي به َأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، فماذا يكون لو أزلت
ظلماتنا بإشراقة نورك؟ وأنت الذي قال الله تعالى عنه: إعْلَمُوا أَنَّ اللهَ
يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، فأحيِ هذ القلوب بما أعطاك الله
اللهم صل على خليفتك وحجتك ، عددَ ما في علمك ، صلاةً دائمةً بدوام ملكك ،
واجعلنا من أعوانه وأنصاره ، وأشياعه وأتباعه
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
التعليقات
(1) في كمال الدين:2/340: (حدثنا علي بن أحمد بن محمد الدقاق رضي الله عنه قال:
حدثنا أحمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمه
الحسين بن يزيد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن يحيى بن أبي القاسم قال: سألت
الصادق(ع)عن قول الله عز وجل: ( الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً
لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) قال(ع): المتقون: شيعة
علي(ع)، والغيب: فهو الحجة الغائب ، وشاهد ذلك قول الله عز وجل: (وَيَقُولُونَ
لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ
فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) انتهى
وفي تأويل الآيات:1/31: (قال علي بن إبراهيم رحمه الله ، عن أبيه ، عن محمد بن
أبي عمير، عن جميل بن صالح ، عن المفضل، عن جابر، عن أبي جعفر(ع)قال: آلم ، وكل
حرف في القرآن مقطعة،من حروف اسم الله الأعظم الذي يؤلفه الرسول والإمام(ع)
فيدعو به فيجاب قال قلت قوله: ذَلِكَ الْكِتَابُ لارَيْبَ فِيهِ؟ فقال: الكتاب
أمير المؤمنين لا شك فيه إنه إمام هدى للمتقين فالآيتان لشيعتنا ، هم المتقون
الذين يؤمنون الغيب ، وهو البعث والنشور ، وقيام القائم والرجعة )
(2) في بصائر الدرجات ص104: (حدثنا العباس بن معروف عن حماد بن عيسى عن أبي
الجارود عن أبي بصير عن أبي جعفر(ع)قال قال رسول الله(ص)ذات يوم وعنده جماعة من
أصحابه: اللهم لقني إخواني مرتين ، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا
رسول الله؟فقال: لا إنكم أصحابي، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم
يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم، من قبل أن يخرجهم من أصلاب
آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة
الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة
غبراء مظلمة)
وفي صحيح مسلم النيسابوري:1/150: (وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا: أولسنا
إخوانك يا رسول الله؟ قال أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد فقالوا كيف
تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر
محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال:
فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض ، ألا ليذادن رجال عن
حوضي كما يذاد البعير الضال! أناديهم ألا هلمَّ ، فيقال إنهم قد بدلوا بعدك!
فأقول سحقاً سحقاً !) ورواه أحمد في مسنده:2/300 وص408 ، والبيهقي في سننه:1/83
و:4/78 ، وابن حبان:3/321 ، ومجمع الزوائد:10/66 وغيرهم بدون نقيصة ، لكن رواه
النسائي في سننه:1/93 ، بدون ذم الصحابة في آخره !
(3) في المحاسن للبرقي:1/173: (عنه ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن عمر بن
أبان الكلبي ، عن عبد الحميد الواسطي ، قال: قلت لأبي جعفر(ع): أصلحك الله،
والله لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر حتى أوشك الرجل منا يسأل في يديه
!
فقال: يا عبدالحميد أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجاً؟ بلى
والله ليجعلن الله له مخرجاً ، رحم الله عبداً حبس نفسه علينا ، رحم الله عبدا
أحيا أمرنا قال فقلت: فإن مت قبل أن أدرك القائم؟ فقال: القائل منكم: إن أدركت
القائم من آل محمد نصرته كالمقارع معه بسيفه والشهيد معه له شهادتان ) ورواه في
كمال الدين ص644، وعنه في البحار:52/126
(4) في الإمامة والتبصرة ص130: (سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي
الخطاب ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن
الحسين بن المختار القلانسي ، عن عبد الرحمن بن سيابة ، عن أبي عبد الله(ع)أنه
قال: كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم ؟ يتبرأ بعضكم من بعض ؟ فعند ذلك
تميزون وتمحصون وتغربلون ، وعند ذلك اختلاف السيفين ، وإمارة أول من النهار ،
وقتل وخلع من آخر النهار )
ورواه في الإمامة والتبصرة ص130، عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي
الخطاب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن
الحسين بن المختار القلانسي ، عن عبد الرحمن بن سيابة ، عن أبي عبد الله(ع)،
وفي كمال الدين ص348 وغيرهم
وفي الغيبة للطوسي ص339: (وروي عن جابر الجعفي قال: قلت لأبي جعفر(ع) متى يكون
فرجكم ؟ فقال: هيهات هيهات لا يكون فرجنا حتى تغربلوا ثم تغربلوا ثم تغربلوا ،
يقولها ثلاثاً ، حتى يذهب الله تعالى الكدر ويبقى الصفو )
وفي قرب الإسناد ص369: ( وقال: من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت ، إن الصمت
باب من أبواب الحكمة ، إن الصمت يكسب المحبة وهو دليل على الخير وكان
جعفر(ع)يقول: والله لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميزون وتمحصون ، ثم
يذهب من كل عشرة شئ ولا يبقى منكم إلا نزر ، ثم تلا هذه الآية: (أَمْ
حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا
إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ)
وفي الكافي:1/370: (علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن سليمان بن
صالح رفعه عن أبي جعفر(ع)قال قال: إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال ، فمن
أقرَّ به فزيدوه ، ومن أنكره فذروه ، إنه لا بد من أن يكون فتنة يسقط فيها كل
بطانة ووليجة، حتى يسقط فيها من يشق الشعر بشعرتين، حتى لا يبقى إلا نحن
وشيعتنا) ورواه النعماني&في الغيبة ص202، وفي بصائر الدرجات ص43
وفي الكافي:1/370: ( محمد بن يحيى والحسن بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن
القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن الحسن بن علي عن أبي المغرا، عن ابن أبي يعفور
قال سمعت أبا عبدالله(ع)يقول: ويلٌ لطغاة العرب ، من أمر قد اقترب! قلت: جعلت
فداك كم مع القائم من العرب؟ قال: نفر يسير ، قلت: والله إن من يصف هذا الأمر
منهم لكثير، قال: لا بد للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا ، ويستخرج في
الغربال خلق كثير ) ورواه الطبري&في دلائل الإمامة ص456 ، والنعماني&في كتاب
الغيبة ص204 ، وغيرهم
وفي الكافي:8/67: ( علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب عن علي بن رئاب
ويعقوب السراج ، عن أبي عبد الله(ع)أن أمير المؤمنين(ع)لما بويع بعد مقتل عثمان
صعد المنبر فقال: الحمد لله الذي علا فاستعلى ، ودنا فتعالى ، وارتفع فوق كل
منظر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله ، خاتم النبيين، وحجة الله على العالمين ، مصدقاً للرسل الأولين ، وكان
بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً ، فصلى الله وملائكته عليه وعلى آله
ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه(ع)والذي بعثه بالحق لتبلبلن
بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوطة القدر ، حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم
أسفلكم ، وليسبقن سابقون كانوا قصروا وليقصرن سابقون كانوا سبقوا والله ما كتمت
وشمة ، ولا كذبت كذبة ، ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم
ألا وإن الخطايا خيل شمس ، حمل عليها أهلها وخلعت لجمها ، فتقحمت بهم في النار
! ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها وأعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة
وفتحت لهم أبوابها ووجدوا ريحها وطيبها وقيل لهم: أدْخُلُوهَا بِسَلامٍ
آمِنِينَ ، ألا وقد سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه ، ومن لم أهبه له ،
ومن ليست له منه نوبة إلا بنبي يبعث ! ألا ولا نبي بعد محمد(ص)، أشرف منه على
شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم
حق وباطل ولكل أهل ، فلئن أمر الباطل لقديماً فعل ، ولئن قل الحق فلربما ولعل،
ولقلما أدبر شئ فأقبل ، ولئن رد عليكم أمركم إنكم سعداء ! وما عليَّ إلا الجهد
! وإني لأخشى أن تكونوا على فترة ملتم عني ميلة كنتم فيها عندي غير محمودي
الرأي ، ولو أشاء لقلت عفا الله عما سلف ، سبق فيه الرجلان وقام الثالث كالغراب
همه بطنه ، ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيراً له ، شغل عن الجنة والنار
أمامه ، ثلاثة وإثنان خمسة ليس لهم سادس: ملك يطير بجناحيه ونبي أخذ الله
بضبعيه وساع مجتهد وطالب يرجوا ومقصر في النار ، اليمين والشمال مضلة والطريق
الوسطى هي الجادة عليها يأتي الكتاب وآثار النبوة ، هلك من ادعى وخاب من افترى
إن الله أدب هذه الأمة بالسيف والسوط ، وليس لأحد عند الإمام فيهما هوادة ،
فاستتروا في بيوتكم ، وأصلحوا ذات بينكم ، والتوبة من ورائكم من أبدى صفحته
للحق هلك )
(41)الإمام المهدي(ع)باب الله الذي لايؤتى إلا منه
( بتاريخ: 12 شعبان 1422- 29/10/2001 – 9/8/1380 )
بما أن شهر رمضان أقبل ، فإن عليكم جميعاً واجب التبليغ بعد التفقه ، خاصة في
هذا العصر ، امتثالاً لقوله تعالى:وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا
كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا
إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ( سورة التوبة:122 )
إن الحاجة إلى التبليغ والإنذار في زماننا لا تحتاج إلى بيان ، فقد كثر إلقاء
الشبهات، ومحاولات تضعيف مباني العقائد المقدسة، فوجب على كل طالب علم انتسب
إلى صاحب الزمان(ع)أن يبذل جهده في أداء واجبه
شهر رمضان شهر الله تعالى ، وكل ما هو موجود وكل ما هناك فهو من الله ، وعند
الله ، وإلى الله وفي هذا الكلام لا مثلَ ، ولا شبيهَ ، ولا نظير
ترى كيف ينال ما عند الله تعالى؟
إن الذي يريد منكم أن يدعو الناس في شهر رمضان إلى الله تعالى لينالوا ما عنده
، يجب أن يعرف طريق الدعوة إلى الله عز وجل
لقد قلتم كثيراً وتقولون كثيراً، ولم تحصلوا على النتيجة المطلوبة في الناس!
فلا بد أن تعرفوا السبب والمشكلة ، لا بد من معرفة الداء ، ثم معرفة الدواء
لماذا لا يؤثر الكلام ونشاطات التوعية في الناس؟! السبب أن لكل قفل مفتاحاً
ولكل بيت باباً ، ونحن ضيعنا الباب ، ولم نعرف المفتاح !
نقل الشيخ المفيد والشهيد وصاحب المزار الكبير أعلى الله مقامهم ، هذه الزيارة
، وكل عبارة منها مَعْلَم هداية ، إحدى فقراتها تقول: السلام عليك يا باب الله
الذي لا يؤتى إلا منه (المزار للشهيد الأول&ص203) (1)
يكفي لأهل التعمق أن يتأملوا في هذه العبارة ، ففيها نفي وإثبات ، وفي نفيها
حصر مطلبي ! أولاً ، ماذا يعني باب الله؟ من هذا الذي أتى الله به إلى هذا
العالم في مثل غد ؟ تاريخ ولادته (ن و ر ) واسمه في القرآن نور ، وصفته في
الأحاديث: نور الأنوار !
باب الله الذي لا يؤتى إلا منه والتعبير بباب الله تعالى، ليس خطأ ولا مبالغة
فإن فقه أحاديث أهل البيت(ع)هو الفقه الأكبر
باب الله أضيف الباب إلى هذا الإسم الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العليا
! فباب الله يعني: باب الرحمن ، وباب الرحيم ، وباب العليم ، وباب الحكيم ،
وباب الباسط ، وباب الرازق وتمام الألف خصوصية وخصوصية المنحصرة في ذاته
المقدسة ، والتي لا تنال إلا عن هذا الطريق
إذا أردتم أن تعرفوا الناس على الله تبارك وتعالى ، فعرفوهم على وليه وحجته
وباب معرفته ، الإمام صاحب الزمان أرواحنا فداه ، وأينما عقدتم مجلساً، في
مدينة أو قرية، فنوروا مجلسكم بذكره وإسمه الشريف ، ووجهوا القلوب إليه صلوات
الله عليه ، وافتتحوا مجلسكم بزيارة آل ياسين: سلام على آل ياسين فمعرفة الله
تعالى لا يمكن أن تحصل إلا عن طريق معرفتهم صلوات الله عليهم اللهم صلى على
محمد وآل محمد
باب الله بهذه الدقة في التعبير ، والإستثناء المفيد للحصر القطعي ، وتأكيده
بالنفي ، وبلفظ يؤتى المطلق المبني للمجهول ، الذي يعني أن كل آت في كل مكان في
كل مقام ، من جبرئيل في الملأ الأعلى ، إلى الإنسان العادي على كرتنا الأرضية ،
إنما يأتي ببركتهم صلوات الله عليهم
قيل الكثير في الإمام المهدي(ع)، وما قيل وما سيقال ، إنما هو ألف باء في سفر
مقام قائم آل محمد صلوات الله عليه
وما قيمة ما قيل ويقال أمام قول الله تعالى لنبيه في الإمام المهدي في حديث
المعراج: وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي،
وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي
السفلى وكلمتي العليا، وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي ، وله أظهر الكنوز والذخائر
بمشيئتي، وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمده بملائكتي لتؤيده على
إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذلك وليي حقاً، ومهديُّ عبادي صدقاً ) (2) فتأملوا مَن
هو القائل؟ الله عز وجل ومَن المخاطب ؟! سيد الكائنات والشخص الأول في
العالم(ص) ومَن هو موضوع الكلام ؟! الإمام المهدي الموعود أرواحنا فداه
وتأملوا متى كان زمان الخطاب؟ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً
مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا
حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وأينَ
كان مكان الخطاب؟: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ
أَدْنَى ( سورة النجم:8-9 ) حيث لا يصل إليه ملك مقرب ولا نبي مرسل !
إن هذا المديح الإلهي يشتمل على عشرة مطالب ، يعلم عمقها قائلها تبارك وتعالى ،
ويفهمها سيد رسله الذي خاطبه بها(ص)، أما نحن فإن استطعنا أن نعالج بأفهامنا
عبارة واحدة منها فهو أمر كبير! وأنى لنا بأعماقها وحقائقها ولطائفها ؟!
قال الله تعالى لنبيه(ص): وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي
وتكبيري وتمجيدي ، وهذا هو المطلب الأول المتعلق بالله تعالى ، والذي يخشع عنده
الفهم والعقل! فإن المعارف الإلهية عدة كلمات تتلخص بـ (سبوح ، قدوس ، لا إله
إلا الله ، الله أكبر)
وعندما أراد الله تعالى أن يخلق آدم(ع)أخبر الملائكة: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ
فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ
بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ( سورة
البقرة:30 )
أما السر الذي قال عنه تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ، فقد بينه
لمن يفهم أسراره فقال لنبيه(ص)في معراجه:وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي
وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي وبذلك تعرف مقام ذلك الشخص العظيم الذي به
يعمر الله أرضه بذكره! هذا هو المطلب المرتبط بالإمام المهدي(ع)مما يتعلق بالله
تعالى وتقديسه
والمطلب الثاني: وبه أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي ففي عالم الخلق خطان
صعودي ونزولي، أولياء الله وأعداؤهوغرض الله تعالى من خلق الإمام المهدي(ع)هذا
الجوهر الفريد في مخلوقاته ، إعمار الأرض بتنزيهه وتقديسه ، هذا ما يتعلق بذاته
المقدسة ، وأن يطهرها به من أعدائه ، وأن يورثها به لأوليائه !
والمطلب الثالث: وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العلي
سبحان الله، من هو الإمام المهدي؟ وماذا أودع في شخصيته من قدرة وأسرار حتى صار
تحقق علو كلمته العليا به؟! وتحقق سفول كلمة الكفر السفلى به؟!
والمطلب الرابع: وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي ولا يتسع الوقت لشرح هذه الفقرة ،
لكنا نلاحظ أنه تعالى استعمل إلى هنا لفظ (بِهِ) ، ثم استعمل لفظ (له وإياه) ،
والله يعلم ماذا قال الله تعالى في هذه الباء واللام ، وماذا فهم منهما
النبي(ص) والله يعلم أي يوم سيكون ذلك اليوم الذي سيظهر فيه ما قاله الله تعالى
لرسوله(ص)عن وليه المهدي صلوات الله عليه ؟!
إن العلماء الحكماء القرآنيون وحدهم يفهمون معنى: وله أظهر الكنوز والذخائر
بمشيئتي ، وليس الحكماء بالفلسفة اليونانية أو الغربية !
إنها كل الذخائر المعنوية والمادية ، ذخائر عالم الملك والملكوت ، وكنوزهما
ومكنوناتهما ، يظهرها الله لوليه وحجته المهدي(ع)! فأين منها ذخائر الأكاسرة
والقياصرة والفراعنة ، وملوك الأرض وأغنياؤها ؟! إنها ذخائر الأنبياء والأوصياء
ودفائن السفراء(ع)، يجمعها الله ويظهرها له !
وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي والسر والواحد منها لا ينهض بتحمله
العالم كله ، فكيف بجمعها؟! فأي قلب قلب الإمام المهدي(ع)الذي يتحمل أسرار رب
العالمين عز وجل؟! نعم هذا هو إمام الزمان أرواحنا فداه!
وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني وإنفاذ أمر الله تعالى يعني
به قوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ
كُنْ فَيَكُونُ ( سورة يس: 82) فخزانة ذلك الأمر قلب صاحب الزمان(ع)!
ذلك وليي حقاً وصفة حقاً هنا لا بد أن تتناسب مع قائلها وموضوعها !
ومهديُّ عبادي صدقاً أي هو المهدي من عبادي بالهداية الخاصة الكاملة !
لقد بدأ كلام الله تعالى عن وليه المهدي باسم(القائم)وختم باسم (المهدي)
وكلاهما من ألقابه الخاصة(ع)ولهما دلالات ، وفيهما أسرار !
وهذا الحديث الذي رواه الشيخ الطوسي&في كتاب الغيبة ، يفسر معنى لقب
المهدي(ع)وعسى أن نتوفق في فرصة أخرى لشرحه وفهم بعض لطائفه وإشاراته، فقد سأل
أحدهم الإمام الصادق(ع):لأي شئ سمي المهدي؟ قال: لأنه يهدي إلى كل أمر خفي،
وسمي القائم لأنه يقوم بعدما يموت ، إنه يقوم بأمر عظيم (3)
يهدي إلى كل أمر خفي وكل أداة عموم ، وأول خفي على البشر الله تعالى: كنت كنزاً
مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف(رسائل الكركي:3/159) (4) فهو يشمل
كل أمر خفي من أعلى الوجود إلى أدناه ، فهو هاد في كل هذه الدائرة ! وهذا البعد
العلمي لشخصيته(ع)
أما معنى قيامه(ع)فنكتفي بقول الإمام الصادق(ع): إنه يقوم بأمر عظيم !
هذا هو صاحب الزمان، ولي العصر، وصاحب الأمر، وقطب الوجود، وقوس العالم !
وختام الكلام ، وعصارة هذه النص الشريف: أن كل ما جاء به الأنبياء(ع) من آدم(ع)
إلى الخاتم(ص)، وكل ما حمله وتحمله الأوصياء من شيث إلى أبي محمد الحسن
العسكري(ع) ، فإنما تتحقق فعليتها ويتجلى ظهورها علمياً وعملياً بظهور الإمام
المهدي أرواحنا فداه
اللهم صل وسلم على وليك صاحب الزمان وخليفة الرحمان
عددَ ما في علمك ، صلاةَ دائمة بدوام ملكك وسلطانك
التعليقات
(1) في المزار للشهيد الأول&ص203: (زيارة سيدنا ومولانا حجة الله الخلف الصالح
أبي القاسم محمد المهدي صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه ، بسر من رأى:
فإذا وصلت إلى حرمه بسر من رأى فاغتسل والبس أطهر شيابك ، وقف على باب
حرمه(ع)قبل أن تنزل السرداب وزر بهذه الزيارة فقل:
السلام عليك يا خليفة الله وخليفة آبائه المهديين السلام عليك يا وصي الأوصياء
الماضين السلام عليك يا بقية الله من الصفوة المنتجبين السلام عليك يا حافظ
أسرار رب العالمين السلام عليك يا ابن الأنوار الظاهرة السلام عليك يا ابن
الأعلام الباهرة السلام عليك يا ابن العترة الطاهرة السلام عليك يا معدن العلوم
النبوية السلام عليك يا باب الله الذي لا يؤتى إلا منه السلام عليك يا سبيل
الله الذي من سلك غيره هلك السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى السلام
عليك يا نور الله الذي لا يطفىالخ وقد تقدمت الزيارة في موضوع معرفة الإمام
المهدي(ع)بالنورانية
(2) في أمالي الصدوق&ص731: (حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال:
حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين
بن يزيد النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبيه ، عن أبي حمزة الثمالي ،عن سعد
الخفاف ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن عبد الله بن عباس ، قال: قال رسول الله((ص)):
لما عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومن السدرة إلى حجب
النور، ناداني ربي جل جلاله: يا محمد ، أنت عبدي وأنا ربك ، فلي فاخضع ، وإيايَ
فاعبد ، وعليَّ فتوكل ، وبي فثق ، فإني قد رضيت بك عبداً وحبيباً ورسولاً
ونبياً ، وبأخيك علي خليفةً وباباً ، فهو حجتي على عبادي ، وإمام لخلقي ، به
يعرف أوليائي من أعدائي ، وبه يميز حزب الشيطان من حزبي، وبه يقام ديني ، وتحفظ
حدودي ، وتنفذ أحكامي ، وبك وبه وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم
منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من
أعدائي وأورثها أوليائي ، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا ،
وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي، وله أظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي ، وإياه أظهر
على الأسرار والضمائر بإرادتي وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان
ديني، ذلك وليي حقاً ، ومهديُّ عبادي صدقاً) ( وعنه في البحار:18/341 ، و:
23/128، و:51/66)
(3) في الغيبة الشيخ الطوسي&ص471: (عنه ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن
القاسم الحضرمي ، عن أبي سعيد الخراساني قال: قلت لأبي عبد الله(ع): المهدي
والقائم واحد؟ فقال: نعم فقلت: لأي شئ سمي المهدي؟ قال: لأنه يهدي إلى كل أمر
خفي ، وسمي القائم لأنه يقوم بعدما يموت ، إنه يقوم بأمر عظيم) انتهى
ومعنى قوله ( لأنه يقوم بعدما يموت ) أن غيابه(ع)عند الناس كموته ، أو موت ذكره
وفي علل الشرائع:1/161: (حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبدالله عن
الحسن بن علي الكوفي ، عن عبد الله بن المغيرة عن سفيان بن عبد المؤمن الأنصاري
، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر(ع)وأنا حاضر فقال: رحمك
الله إقبض هذه الخمسمائة درهم فضعها في موضعها فإنها زكاة مالي، فقال له أبو
جعفر(ع): بل خذها أنت فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين ، وفي إخوانك من
المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمن
، البر منهم والفاجر ، فمن أطاعه فقد أطاع الله ، ومن عصاه فقد عصى الله ،
فإنما سمي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي ، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار
بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة ، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل ، وبين
أهل الزبور بالزبور ، وبين أهل الفرقان بالفرقان ، وتجمع إليه أموال الدنيا
كلها ما في بطن الأرض وظهرها ، فيقول للناس تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام
وسفكتم فيه الدماء ، وركبتم فيه محارم الله ، فيعطي شيئاً لم يعط أحدا كان قبله
قال: وقال رسول الله(ص): وهو رجل مني إسمه كاسمي يحفظني الله فيه ويعمل بسنتي ،
يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً ، بعدما تمتلئ ظلماً وجوراً وسوءاً - وشراً - )
انتهى ورواه النعماني في كتاب الغيبة ص237
وفي الخرائج والجرائح للراوندي:2/862: ( وعن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي جميلة المفضل بن صالح ، عن جابر بن يزيد قلت
لأبي جعفر(ع): لأي شئ سمي المهدي ؟ قال: لأنه يهدي لأمر خفي ، يبعث إلى الرجل
من أصحابه لا يعرف له ذنب فيقتله)
وفي مصنف عبد الرزاق:11/372: (أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر عن مطر ، قال كعب:
إنما سمي المهدي لأنه يهدي لأمر قد خفي، قال: ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض
يقال لها أنطاكية)
وفي البحار:52/390: ( عن الإمام الباقر(ع)قال: إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى
أمر خفي ، حتى أنه يبعث إلى رجل لا يعلم الناس له ذنبا فيقتله ، حتى أن أحدهم
يتكلم في بيته فيخاف أن يشهد عليه الجدار )
(4) لم أجد سنداً للحديث القدسي المشهور على الألسن: (كنت كنزاً مخفياً فأحببت
أن أعرف فخلقت الخق لكي أعرف) ويظهر أن الأستاذ يقبله، وكذاعدد من علماء الشيعة
والسنة الذين ذكروه وارتضوه ، وبعضهم نسبه إلى الله تعالى على أنه حديث قدسي ،
كالمحقق الكركي&في رسائله:3/159، قال:(ويؤيد ذلك الحديث القدسي (كنت كنزا
مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأن أعرف) وابن أبي جمهور & في غوالي
اللئالي:1/55، والمجلسي&في البحار:84/199و344، والسبزواري &في شرح الأسماء
الحسنى:1/37 ، قال ( ومن الخفيات مقام الخفى من مقامات النفس مقام الخفا المشار
إليه بقوله: كنت كنزاً مخفيا فأجبت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف )
وكذلك الآمدي من علماء السنة في الإحكام:1/13، قال: (قال(ع)حكاية عن ربه: كنت
كنزاً لم أعرف ، فخلقت خلقاً لأعرف به ) وغيرهم وقد أنكره بعضهم
(42)الحكمة: طاعة الله ومعرفة الامام(ع)
( بتاريخ: 14 شعبان 1417- 25/12/1996 – 5/10/1375 )
ينبغي أن نعرف أن شهر رمضان ربيع تحيا فيه القلوب الميتة ، وتصير أرضية مستعدة
لتقبل بذور المعرفة الدينية ، والأحكام الشرعية
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وللنفوس فيه استعداد خاص ،
فإلى ماذا ندعوها ؟ وبأي طريقة ندعوها ؟
لقد دلنا القرآن والحديث المعتبر على ذلك فقال تعالى: أدْعُ إِلَى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ ( سورة النحل:125)
فالدعوة يجب أن تكون إلى سبيل الرب تعالى ، وأن تكون بالحكمة ، فما هي سبيل
الرب؟ وما هي الحكمة؟ هنا ينبغي أن الإلتفات إلى أن الذاتي الذي لا يتناهى في
الكمال والجمال عز وجل قال: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو
الأَلْبَابِ ( سورة البقرة: 269) فكشف لنا أن الحكمة لا تعطى لكل أحد ، بل
لأشخاس خاصين مختارين اختياراً ! وأفهمنا سبحانه أنه هو الذي الكثير عنده قليل
، قد وصف القليل من الحكمة بأنه خير كثير: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ
أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً !
أما ما هي الحكمة ، فإن المرجع في تفسير كلام الله تعالى ، هم تراجمة وحيه عز
وجل،المفسرون الشرعيون لكلامه، وهذه الرواية الشريفة في الكافي (:1/185) صحيحة
السند ، فهي عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس، عن أيوب بن الحر ،
عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله الصادق(ع) في قول الله عز وجل: وَمَنْ يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً؟ فقال(ع): طاعة الله ومعرفة
الامام (1)
مجلسنا ليس مجلس خطابة ، فأنتم والحمد لله علماء قم ، والمهم في مثل هذا
الموضوع أن نتعرف على فقه الآية والرواية ، ونتأمل بدقة ماذا يستفاد من الكتاب
والسنة؟ الحكمة هي قوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً
مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ( سورة الجمعة:2)
إن دقة النظر في فقه القرآن والحديث يجب أن تأخذ في اعتبارها أن بعثة جميع
الأنبياء من آدم الى الخاتم(ع)تبدأ بتلاوة الآيات وتنتهي بالحكمة
إن فهم حديث الإمام الصادق(ع)يتوقف على فهم تلك الحكمة التي تنتهي إليها بعثة
الأنبياء(ع)، وتلك الحكمة التي أمر الله نبيه أن يدعو الناس بها ، وتلك الحكمة
التي لا يؤتيها الله لكل أحد ، بل لمن يشاء ويختار من عباده ، وتلك الحكمة التي
من يؤتى منها قليلاً فقد أوتي خيراً كثير
إن تلك الحكمة التي لها مبدأ ومنتهى ، فمبدؤها طاعة الله عز وجل ، ومنتهاها
معرفة الإمام(ع)! فأي خط هذا الذي أوله الله تعالى ، وختامه خاتم الأوصياء ،
المنتهي إليه مواريث الأنبياء(ع)!
مهما فكرنا في هذه الحقيقة فهو قليل ، فإن نتيجتها أن كل التكوين والتشريع يبدأ
بنقطة وينتهي بنقطة يبدأ بذات القدوس المتعال عز وجل ، وينتهي بإمام العصر
والزمان أرواحنا فداه !
ليس هذا الكلام خطايباً بل هو عين البرهان ، غاية الأمر أن بعض الناس مصابون
بهبوط في مستوى العلم والفكر ، وقد وصل إدراك حواسهم الىحد من الضعف بحيث لم
يصلوا إلى الآن إلى أن عالم الطبيعة وما وراءه يتلخص في كلمتين: من منه الوجود
، ومن به الوجود
إن هذه الحقيقة هي التي ينص عليها هذا الحديث الشريف ! فالحكمة تبدأ من الله
تعالى ، وتنتهي بوليه الأعظم صلوات الله عليه، وهذا هو ما قلناه مراراً: ما منه
الوجود ، وما به الوجود ، وشرحه لا يتسع له مجلسنا هذ
ما يتسع له المجال اليوم فهم هذا الحديث الشريف عن الإمام الباقر(ع)قال: من مات
وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية ، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضره تقدم هذا
الأمر أو تأخر ، ومن مات و هو عارف لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه
(الكافي:1/371 ) (2) فليتأمل أصحاب الفكر في هذا الحديث: من مات وهو عارف
لإمامه فإنه بهذه المعرفة يصل إلى الإمام النقطة النهائية في الوجود ، ويكون
معه في فسطاطه أي في خيمة الإمام الخاصة ؟! هذه معرفة الإمام(ع)!
وهذه المعرفة تحتاج إلى أصول ثلاثة ، نشرع في بيانها ما اتسع الوقت !
فالموضوع هو إمام الزمان(ع)وفي هذه الكلمة عنوان ومعنون ، معنون بجنبة عمومية
وجنبة خصوصية فعندما يعرف الإنسان إمام زمانه ، تحصل له بالدرجة الأولى معرفة
الإمامة ما هي ، ثم معرفة من هو الإمام بعنوانه العام ، ثم من هو إمام الزمان
بصفة خاصة
أما ما هي الإمامة ؟ فهي مفهوم سام في علوه ، بحيث لا يمكن للإنسان أن يعرف
معنى كلمة الله العليا ما هي ، إلا إذا يعرف الإمامة: وَإِذِ ابْتَلَى
إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ ( سورة البقرة:124) وقد ورد في تفسير هذه الآية من أحاديث الأئمة
(ع)كلمات بليغة عميقة، وكلماتهم(ع)ذات أفق عال ، مهما تعمق الفكر في غورها
فإنما يصل إلى رشح من فياض فراتها! فقد قالوا إن إبراهيم(ص)عبر أربع مراحل
وامتحانات حتى وصل إلى الإمامة ! قال الإمام الصادق(ع): إن الله تبارك وتعالى
اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً ، وإن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه
رسولاً ، وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً ، وإن الله اتخذه خليلاً
قبل أن يجعله إماماً ، فلما جمع له الأشياء قال: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ
إِمَاماً، قال فمن عظمها في عين إبراهيم قال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قال: قَالَ
لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ قال: لا يكون السفيه إمام التقي! (
الكافي:1/175) (3)
والإتخاذ الإلهي في مرحلة العبودية والنبوة والرسالة، والجعل الإلهي في مرحلة
الإمامة ، يحتاج إلى بحث مفصل ! وكذلك درجات العبودية والنبوة والرسالة ،
وينبغي أن تتأملوا في التعبير في تركيبه ومادته وهيئته
وقد ورد في تعليل اتخاذ الله لإبراهيم خليلاً أنه لم يسأل مخلوقاًً قط! فكروا
في هذا السمو الإنساني، وإلىأي درجة وصل هذا الشخص الثاني في سلسلة
النبوة(ص)وأنه في حياته لم يسأل أحداً إلا الله تعالى هذا في تعامله مع الله
تعالى ، أما في تعامله مع الخلق ، فلم يسأله أحد وقال له: لا !
إن كلام الإمام الصادق(ع)يعني أن إبراهيم(ص)عندما تمت فيه جنبة تعامله مع الحق
ومع الخلق ، ووصل إلى تلك النقطة العالية من السمو ، في ذلك الوقت قال له الله
تعالى: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً !
هذه هي الإمامة ! فلا تنقصوا هذا المنصب الرباني قدره، ولا تخونوا السنن
الإلهية، ولا تمدوا أيديكم إلى الأسرار الربوبية، وإن شهر رمضان شهر توضيح
الإمامة للناس، وشهر تعريف الإمام للناس، فعرفوا الناس بمقام الإمامة العظيم!
هذا عن الإمامة ، فمن هو ذلك الإمام الذي فُصِّلَتْ له هذه الحُلَّة؟ أقرأ لكم
متن الحديث الشريف فقط بدون شرح ، فلم يبق معنا وقت:
(لأن الله تبارك وتعالى نصب الإمام علماً لخلقه ، وجعله حجةً على أهل مواده
وعالمه، وألبسه الله تاج الوقار، وغشاه من نور الجبار ، يمد بسبب إلى السماء ،
ولتنقطع عنه مواده، ولا ينال ما عند الله إلا بجهة أسبابه ، ولا يقبل الله
أعمال العباد إلا بمعرفته)(الكافي:1/203)
إن خصائص الإمام(ع)تصل إلى أربعين خصوصية، أحدها:
ألبسه الله تاج الوقار فأي تاجٍ تاجُ الوقار هذا الذي على رأس الإمام؟ الذي
يتوِّجهُ به الله تعالى وحده لا شريك له ، بدون وساطة أحد من الملائكة ولا من
البشر ، حتى خير خلق الله تعالى وسيد المرسلين(ص)!
فلا حق لأحد من المخلوقات في اختيار الإمام(ع)ومن يختاره هو ذات القدوس تبارك
وتعالى !
وغشَّاهُ من نور الجبار فهذا الهيكل القدسي مغشّىً بنور يتوقف فهمه على فهم
سورة النور ! التي سميت بسورة النور لوجود آيتين فيها عن النور الإلهي في
الأرض! قال الله تعالى: الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ
كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ
كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ
لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ
تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَيَضْرِبُ الله الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ فِي بُيُوتٍ
أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا
بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ( سورة النور:35-36) فهذا النور الرباني في هذه البيوت
المقدسة ، بيوت الأنبياء والأوصياء(ع)، التي أذن أن ترفع ، وأمر أن تحب وتطاع
ومن خصائص إمام زماننا صلوات الله عليه ماورد في كلام للإمام الرضا(ع) قال:
(بأبي وأمي سميُّ جدي، شبيهي وشبيه موسى بن عمران ، عليه جيوب النور تتوقد
بشعاع ضياء القدس كم من حرى مؤمنة ، وكم مؤمن متأسف حيران حزين عند فقدان الماء
المعين كأني بهم آيس ما كانوا قد نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب ،
يكون رحمةً على المؤمنين وعذاباً على الكافرين )
عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس تعبير بليغ عجيب يشير إلى قوله تعالى:
الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ
زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئُ وَلَوْ
لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ
، وَيَضْرِبُ الله الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ ( سورة
النور:35)
وقد ورد في صفة المسيح(ع)تعبير جلابيب النور بدل جيوب النور ، ففي مناظرة
الإمام الرضا(ع)مع علماء النصارى (قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب
شعيا(ع)؟ قال: أعرفه حرفاً حرفاً قال لهما: أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم إني
رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور ، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء
القمر ) (عيون أخبار الرضا(ع):2/145)
كما ورد عن أمير المؤمنين(ع)وصف الإمام المهدي(ع)بالكوكب الدري قال: (المشكاة
رسول الله(ص)والمصباح الوصي والأوصياء ، والزجاجة فاطمة، والشجرة المباركة رسول
الله(ص)، والكوكب الدري القائم المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً) ( المحكم
والمتشابه ص25)
وعن الإمام الكاظم(ع)في تفسير قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم ،
قال يقول الله: وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، نوره
ولاية القائم (الكافي: 1/32)
إن أعلى الكلمات في الوصف كلمة (النور) لأن الله تعالى وصف بها نفسه فقال: الله
نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، ثم وصف فيها النبي والإمام فقال: مَثَلُ
نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ
كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وختام هذه البيوت وأفضلها بيت رسول
الله(ص)، ونوره الذي فيه هو الإمام المهدي(ع)
يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُأضافه الله تعالى إلى اسمه بضمير الغيب،
وفيه دلالة خاصة، تشير إلى الترابط بين غيب الله وغيبة وليه التي خصه بها في
طولها وامتحاناتها ، فاستحق أن يضاف اسمه إلى غيب: هُوَ الله أَحَدٌ ، غيب
الغيوب تبارك وتعالى! فهو(ع)النور المضاف إلى ضمير هو في قل هو الله أحد !
هذا هو إمام الزمان أرواحنا فداه ، شمس الله المشرقة على هذا العالم وإن ظللها
السحاب الغائب الحاضر المشغول في عبادته وعمله مع جنود الله
الذي يأتمر الخضر بأمره ، ويتعلم منه العلم اللدني !
أين هو الآن ؟ أين يقف بين يدي ربه أو يجلس ؟!
أينما كان روحي فداه فهناك قلب هذا العالم !
هناك حقائق كل الأسماء الحسنى والكلمات العليا !
هناك الذي عليه جلابيب النور، وعليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس
يا من بيده عصا آدم، وفي إصبعه خاتم سليمان ، وعلى بدنه قميص إبراهيم الذي منعه
من النار
يا من عنده جبة النبي(ص)المضمخة بدمه الطاهر يوم أحد
يا من بيده قميص سيد الشهداء الحسين(ع)الذي استشهد فيه في كربلاء
يا من إليه انتهت مواريث الأنبياء ، ولديه آثار الأولياء
يا من يخاطب العالم عندما يتكئ على الكعبة بين الركن والمقام ، فيقول: من أراد
أن ينظر إلى محمد وعلي فلينظر اليَّ !
يا بقية الله في أرضه ، يا ولي الله وحجته على خلقه أنظر إلينا نظرة رعاية
ليكتب الله أسماءنا في سجل مواليك ، ويجعل همنا في هذا الشهر المبارك أينما كنا
، كلمتين: طاعة الله ومعرفة الإمام
التعليقات
(1) في الكافي:1/185: (علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أيوب بن
الحر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله(ع)في قول الله عز وجل: وَمَنْ يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً؟ فقال: طاعة الله ومعرفة الإمام)
ورواه في المحاسن: 1/148 وفي شرح الأخبار :3/578 ، والحسني في تأويل
الآيات:1/97 )
(2) في المحاسن:1/155: (عنه، عن أبيه ، عن علي بن النعمان ، عن محمد بن مروان،
عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر(ع)يقول: من مات وليس له إمام فموته ميتة
جاهلية ، ولا يعذر الناس حتى يعرفوا إمامهم ، ومن مات وهو عارف لإمامه لايضره
تقدم هذا الأمر أو تأخر ، ومن مات عارفاً لإمامه كان كمن هو مع القائم في
فسطاطه )
وفي الكافي:1/371: (عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان، عن
محمد بن مروان ، عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر(ع)يقول: من مات وليس له
إمام فميتته ميتة جاهلية، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضره ، تقدم هذا الأمر أو
تأخر ومن مات و هو عارف لإمامه ، كان كمن هو مع القائم في فسطاطه ) ورواه
النعماني في كتاب الغيبة ص 330
وفي المحاسن:1/174: (عنه، عن علي بن النعمان ، قال: حدثني إسحاق بن عمار وغيره،
عن الفيض بن مختار قال: سمعت أبا عبد الله(ع)يقول: من مات منكم وهو منتظر لهذا
الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه ، قال: ثم مكث هنيئة ، ثم قال: لا ، بل كمن
قارع معه بسيفه ، ثم قال: لا والله إلا كمن استشهد مع رسول الله(ص))
وفي الإمامة والتبصرة ص122: ( سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري
جميعاً، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن
عمر، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد(ص)يقول:من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن
كان مع القائم في فسطاطه، لا، بل كان كالضارب بين يدي رسول الله(ص)بالسيف)
ورواه في كمال الدين ص338 والقاضي النعمان في شرح الأخبار:3/571
وفي الغيبة للطوسي&ص459: (عنه، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون قال: أعرف إمامك
فإنك إذا عرفته لم يضرك تقدم هذا الامر أو تأخر ، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن
يرى هذا الأمر ثم خرج القائم(ع)كان له من الأجر كمن كان مع القائم في فسطاطه)
(3) في الكافي:1/175: ( محمد بن الحسن ، عمن ذكره ، عن محمد بن خالد ، عن محمد
بن سنان ، عن زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد الله(ع)يقول: إن الله تبارك وتعالى
اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً ، وإن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه
رسولاً ، وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً ، وإن الله اتخذه خليلاً
قبل أن يجعله إماماً ، فلما جمع له الأشياء قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ
إِمَاماً ، قال: فمن عظمها في عين إبراهيم قال: قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قال:
قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ قال: لا يكون السفيه إمام التقي )
وفي الكافي:8/146: (يحيى الحلبي، عن بشير الكناسي قال: سمعت أبا عبدالله((ع))
يقول: وصلتم وقطع الناس ، وأحببتم وأبغض الناس ، وعرفتم وأنكر الناس ، وهو الحق
، إن الله اتخذ محمداً(ص)عبداً قبل أن يتخذه نبياً ، وإن علياً(ع)كان عبداً
ناصحاً لله عز وجل فنصحه، وأحب الله عز وجل فأحبه، إن حقنا في كتاب الله بيِّن
، لنا صفو الأموال ولنا الأنفال ، وإنا قومٌ فرض الله عز وجل طاعتنا ، وإنكم
تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته وقال رسول الله(ص): من مات وليس له إمام مات
ميتة جاهلية ، عليكم بالطاعة فقد رأيتم أصحاب علي(ع)
ثم قال: إن رسول الله(ص)قال في مرضه الذي توفي فيه: أدعوا لي خليلي ، فأرسلتا
إلى أبويهما ، فلما جاءا أعرض بوجهه وقال: ادعوا لي خليلي، فقالا: قد رآنا لو
أرادنا لكلمنا ، فأرسلتا إلى علي(ع)فلما جاء أكب عليه يحدثه ويحدثه حتى إذا فرغ
لقياه فقالا: ما حدثك؟ فقال: حدثني بألف باب من العلم يفتح كل باب إلى ألف باب
)
(43)الإمام المهدي(ع)عين الحياة
( بتاريخ: 15 شعبان 1423-22/10/2003- 9/7/1381 )
بمناسبة نصف شعبان ، وكلنا على مائدة صاحب الزمان الإمام المهدي(ع) الذي ينبغي
أن يكون ضيوفه أناساً كاملين ، أعلى من مستوانا
السلام عليك يا أمين الله في خلقهفالخلق على وجه الإطلاق تحت إشرافه (ع)وكل
الكون على مائدته لكن المصيبة أنا نعيش على مائدة نعرف الجالسين عليها وخدمتها
، ولا نعرف صاحبها ! أليس ذلك من المصائب؟!
لم نعرفه هو صلوات الله عليه ، ولا أدينا أقل حقوقه علينا ! فكيف لنا أن نعرف
ربه والمنعم عليه وعلى آبائه جلت عظمته ؟!
بعض الذين لايتوقع أن يصلوا الى أهدافهم ، بلغوها ووصلوا وبعض الذين يتوقع أن
يصلوا ، تخلفوا عن القافلة ! ونحن مع هؤلاء المتخلفين
ورد في دعاء يوم الجمعة التسليم على صاحب الزمان أرواحنا فداه بسبعة عناوين ،
كل واحد منها فيه بحث مفصل ، والعنوان الأخير منها هو:
(السلام عليك ياعين الحياة) (1)
فهو(ع)عين الحياة ومعرفة عين الحياة تتوقف على معرفة أصل الحياة ، وأي حياة هذه
, ونبعها أي نبع هو ؟
إن فهم الكلمات في روايات المعصومين(ع) يحتاج الى تتبع استعمال الكلمة في
الآيات والروايات ، والتعمق والتحقيق في معناها
إمام الزمان عين الحياة وفهم غورها أعلى من مستوانا ، فقد وردت في القرآن ،
وبينها الله تعالى لنبيه(ص)في ليلة المعراج !
فالمبيِّن هو الله تعالى ، والمبيَّن له خاتم الأنبياء(ص)، أما نحن فإن وصلنا
بالتتبع والتأمل الى فهم شئ من ذلك ، فهنيئاً لنا
في القرآن آيتان تعطيانا ضوءاً على العين والمعين والحياة:
الأولى ، قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً
فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) (الملك:30) والحديث الذي ورد في تفسيرها
برواية شيخ الطائفة الصدوق(ره) يقول إن الماء المعين هو الحجة ابن الحسن صلوات
الله عليه (2)
فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ إن تعبيرات القرآن مهمة جداً عند أرباب
الإشارات
والدقة هنا أن ذات القدوس الحق ، ذلك القدرة التي لاتتناهى والكمال والجمال
الذي لايتناهى ، أعطى الأمر هذه الأهمية فقال: (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ)
الآية الثانية قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الحديد:17)
والملفت في هذه الآية أن الله تعالى لم يبتدئ بكلام ، بل قال: (إعلموا) ، وهذا
يدل على أن المطلب الذي يليها مهم ، ينبغي أن يفتح قفله بمفتاح العلم ، وهو:
(أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) ! (3)
هذا هو القرآن أما التفسير والبيان فقد كان في تلك الليلة المباركة ، ليلة كان
المخاطِب فيها هو الله رب العالمين ، والمخاطَب فيها الشخص الأول في العالم
الذي لم يسبقه سابق ولم يلحق به لاحق ، فكل من كان قبله أو يكون بعده ، هم دونه
كان البيان من ذلك المخاطِب لذلك المخاطب ، وفي ذلك المقام الذي قال الله تعالى
عنه (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى)(لنجم:9)
هناك بيَّن الله ، وسمع الرسول البيان ، حيث أرى الله حبيبه المصطفى صورة ولده
الإمام المهدي(ع) وقال لها ( به أحيي الأرض بعد موتها وبه أحيي عبادي وبلادي)
(4) فذلك هو عين الحياة في دعاء يوم الجمعة
إن كلمات الله تعالى من ذلك النوع وذلك المستوى ، ونحن فقط نشير اليها بإشارات
:
أولاً: أرى الله شبيه الإمام المهدي(ع)لحبيبه المصطفى(ص)على صورة شخص قائم ،
وقال له: (وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي)
كلمة (أعمر) بهيئة الإفعال بماذا أعمرها (بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري
وتمجيدي) في ذلك الوقت يأتي تفسير (سبوح قدوس رب الملائكة والروح)
إن أعماق وتخوم ( الله أكبر لا إله إلا الله ) لاتنكشف إلا في ذلك الوقت !
والجملة الأخرى: به أذل أعدائي ، وبه أورث الأرض وأوليائي )
والجملة الأخرى: (به أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا)
(وله أظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي، وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي)
كل واحدة من هذه الكلمات فيها بحث فهنا المشيئة الإلهية وهنا الإرادة الربانية
وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني
والجملة التي تلفت النظر: (وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي)
ينبغي أن نفهم معنى عين الحياة من حديث المعراج
فأي حياة هي؟ وأي عين فوارة بإرادة الله تعالى ، كانت من الأزل باسم شخص جعل
الله قلبه عين حياة علم الله !
ذلك هو قلب الحجة بن الحسن صلوات الله عليه
السيد ابن طاووس كان يقرأ هذا الدعاء كل يوم جمعة ، ويترنم ببيت شعر عسى أن يصل
الى قلبه الذي روضه بتلك الرياضات شعاع من تلك الكلمات
( قال السيد ابن طاووس&: يوم الجمعة ، وهو يوم صاحب الزمان صلوات الله عليه
وباسمه ، وهو اليوم الذي يظهر فيه عجل الله فرجه ، أقول متمثلاً وأشير إليهم
صلوات الله عليهم:
محبكم وإن قبضت حياتي وزائركم وإن عقرت ركابي ) (جمال الأسبوع ص41 )
عين حياة علم الله كلمة تنفتح منها أبواب وكل الأسرار في تلك العين ، لكنها عين
في الظلمات ، وقبلها تعبير لطيف: (السلام عليك ياسفينة النجاة)
إن طريق الوصول الى عين الحياة في الظلمات أن يصير الإنسان الخضر ، وما ينبغي
أن يقال فقد قيل(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ
أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
مالم تصر الخضر ، لايمكن أن تصل في هذه الظلمات
وأن يصير الإنسان الخضر مسألة نسبية لكل شخص بحسبه
وأن تصير أنت الخضر يتحقق بأن تذهب في شهر رمضان الآتي الى المناطق المستضعفة
البعيدة التي فيها أيتام لرسول الله محجوبون عن دار ولي العصر أرواحنا فداه ،
أولئك الأيتام الذين ابتلوا بكلاب نابحة وذئاب مفترسة، هاجمت القطيع الذي غاب
رعاته !
لقد بلغت الهجمة علينا الى حد أنهم يرسلون الحجاج الى الحج ، أو والمعتمريتن
الى العمرة ، وبدل أن يرجعوا الينا بهدية ارتباطهم بالله تعالى وبإمام الزمان
أرواحنا فداه ، يرجع بعضهم بشبهات الوهابية المظلمة
الى أي زمن وصلنا ؟! والأمر المؤسف أنه لايوجد أحد في يفكر في حل مشكلة الدعاية
المسمومة ضد مذهب أهل البيت(ع) في الحج والعمرة ! فالذين يرسلوهم يفكرون
اقتصادياً وأن يأخذوا من الحجاج والمعتمرين المال ! ولا يفكرون أن حجاجنا
يذهبون الى زيارة بيت الله ، من أجل الإستضاءة بنور رسول الله(ص) ولا يذهبون
ليجلسوا على مائدة الوهابيين !!
والذين يرسلونهم معهم ينشغلون لاطائلات
إنهم بذلك يساعدون الذين يرتكبون أعظم خيانة في حق عقائد الأمة ومقدساتها ،
ويلقون الشبهات في أذهان بسطاء المسلمين!
ماهو واجبنا الشرعي تجاه ذلك ؟
إن واجبكم أن تركزوا طاقتكم وهمتكم على ترسيخ أسس العقيدةبالمذهب الحق ! نحن في
زمن نحن يشغلنا التفكير بمناصبنا عن التفكير بواجبنا
فلو أنا فكرنا لما وصلنا الى هذا الوضع لو أنا فكرنا لما وصلنا الى أن ينعقد في
طهران ينعقد مجلس للدعاية للوهابية
لو أنا فكرنا لما طبع ونشر في هذا البلد كتاب اسمه (أسطورة شهادة الزهراء(ع)) !
أي أسطورة ؟! هذا العمل التحريكي ليس تفرقة ، أما الطالب الذي يذهب للتبليغ
ويدافع عن المذهب الحق فيتهمونه بالتفرقة !!
هذا هو الوضع وفي هذا الوضع لا أمل لنا بأحد !
أملنا فقط بأمرين: الأول بنفس صاحب الزمان(ع)
والثاني قلوبكم الطاهرة أنتم الطلاب المشتغلون بجدية في طلب العلم ، الذين
تحملتم هذه المشقات التي يواجهها طالب العلم
أنتم اشتغلوا وكونوا أقوياء إن المعرفة في حكمة الدين لا في فلسفة اليونان، في
حكمة القرآن ، في روايات أهل بيت العصمة والطهارة(ع)
إبحثوا عن القوة في هذه الكلمات الثلاث:
- الدعوة الى سبيل الرب , من هو سبيل الرب ؟ هو الحجة ابن الحسن صلوات الله
عليه: (أنتم السبيل الأعظم والصراط الأقوم) ( الزيارة الجامعة: عيون أخبار
الرضا(ع):1/ 307):
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ
ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125) لاتتصوروا
أن عناية ولي الله الأعظم لاتشملكم ، فلا تغفلوا عنه
إن أقبلتم عليه لايمكن أن لا تنالوا من فيضه هل يمكن أن تقبلوا على الشمس ولا
يشملكم شعاعها ؟!
وإن شملتكم عنايته ورعايته ، وإن مسح بيده على رؤوسكم ، فإن يده المباركة هي
تلك اليد التي إن مسحت على رأس أحد كان له عقل أربعين رجلاً ، وتلك العناية إن
وصلت الى قلب أحد صار كزبر الحديد ، وذلك اللطف إن مس شخصاً عادياً كيف يكون !
فما بال طلبة العلم والعلماء ؟!
(في الكافي:1/25: عن الإمام الباقر(ع):إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس
العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم
وفي كمال الدين ص653: قال أمير المؤمنين(ع)وهو على المنبر: يخرج رجل من ولدي في
آخر الزمان أبيض اللون ، مشرب بالحمرة ، مبدح البطن ، عريض الفخذين ، عظيم مشاش
المنكبين ، بظهره شامتان: شامة على لون جلده ، وشامة على شبه شامة النبي(ص) ،
له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن ، فأما الذي يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد ،
إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب ، ووضع يده على رؤوس العباد فلا
يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد ، و أعطاه الله تعالي قوة أربعين
رجلا ، ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة وهو في قبره ، وهم يتزاورون في
قبورهم ويتباشرون بقيام القائم)
جاءت امرأة الى بغداد وسألت عن الواسطة الى إمام الزمان(ع)فدلوها على الحسين بن
روح(5) ، فجاءت اليه وقالت له: جئت للإمام(ع)بمال فأخبرني ما هو لأسلمه لك ؟
قال لها إذهبي وألقه في دجلة وارجعي اليَّ !
ذهبت وألقتها وعادت ، فلما جلست قال لجاريته: أئتني بالحقة فأتت بها كما هي
مبتلة بالماء مقفلة !
أراد أن يريها مكانة الشخص الذي وصل اليه شعاعه ، أن يريها القطرة التي لمست
شفته من ماء عين الحياة ! يقول بذلك لها: أنا الخضر وصلت الى عين الحياة ، وكل
من وصل اليه كان مثلي !
ذلك الشخص الذي أضاع في رمال صحراء سرخس سبيكة من سبائك كانت معه أمانة
للإمام(ع)ولم يجدها فصنع سبيكة بدلها ووضعها مكانها ، ولما فتحها أمام الحسين
بن روح ، قلب السبائك واستخرجها من بينها ، وقال له: هذه ليست سبيتنا ، هذه لك
أنت وضعتها مكانها ، سترجع الى سرخس فائتنا بالسبيكة التي أضعتها من مكانها !
ولما رجع وجد مكانها ووجدها (6) !!
سيدي أنت عين الحياة والذين وصلوا الى عين الحياة هؤلاء
فهل نستطيع أن نكون الخضر لا يأس ( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله)
إن المهم اليوم هو: أن يقرر كل واحد منكم أن يخصص قدراً من وقت يومه ليقرأ سيرة
الإمام أرواحنا فداه ، من كمال الدين للصدوق ، والغيبة للشيخ الطوسي ، والغيبة
للنعماني ، وما تعب فيه المجلسي في البحار ، طالعوها وتعمقوا فيها، صيروا فقهاء
في هذه الروايات، عارفين بإمام الزمان (ع) ، وأرشدوا الناس الى هذه المعرفة
التعليقات
(1) في البحار:99/215: (يوم الجمعة ، وهو يوم صاحب الزمان صلوات الله عليه
وباسمه ، وهو اليوم الذي يظهر فيه عجل الله فرجه زيارته(ع):
السلام عليك يا حجة الله في أرضه ، السلام عليك يا عين الله في خلقه ، السلام
عليك يا نور الله الذي به يهتدي المهتدون ، ويفرج به عن المؤمنين
السلام عليك أيها المهذب الخائف ، السلام عليك أيها الولي الناصح ، السلام عليك
يا سفينة النجاة السلام عليك يا عين الحياة ، السلام عليك صلى الله عليك وعلى
آل بيتك الطيبين الطاهرين
السلام عليك عجل الله لك ما وعدك من النصر وظهور الأمر ، السلام عليك يا مولاي
أنا مولاك عارف باولاك واخراك ، أتقرب إلى الله تعالى بك وبآل بيتك ، وأنتظر
ظهورك ، وظهور الحق على يدك ، وأسأل الله أن يصلي على محمد وآل محمد ، وأن
يجعلني من المنتظرين لك ، والتابعين ، والناصرين لك على أعدائك ، والمستشهدين
بين يديك في جملة أوليائك
يا مولاي يا صاحب الزمان ، صلوات الله عليك وعلى آل بيتك ، هذا يوم الجمعة ،
وهو يومك المتوقع فيه ظهورك ، والفرج فيه للمؤمنين على يدك ، وقتل الكافرين
بسيفك ، وأنا يا مولاي فيه ضيفك وجارك ، وأنت يا مولاي كريم من أولاد الكرام
ومأمور بالإجارة فأضفني وأجرني ، صلوات الله عليك ، وعلى أهل بيتك الطاهرين) (
جمال الأسبوع لابن طاووس ص41)
(2) استفاضت الروايات عن أهل البيت(ع) بتفسير قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)
(الملك:30) بالإمام المهدي(ع)
ففي كمال الدين للصدوق(ره)ص325: (عن أبي جعفر(ع)في قول الله عز وجل:(قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ
مَعِينٍ) فقال: هذه نزلت في القائم ، يقول: إن أصبح إمامكم غائباً عنكم لاتدرون
أين هو ، فمن يأتيكم بإمام ظاهر ، يأتيكم بأخبار السماء والأرض وحلال الله عز
وجل وحرامه؟ ثم قال(ع): والله ما جاء تأويل هذه الآية ، ولابد أن يجئ تأويلها )
(ورواه بأسانيد أخرى في ص 351 و360، ونحوه في الكافي:1/339 ، وغيره خاصة مصادر
التفسير )
وفي كفاية الأثر للخزاز القمي(ره)ص120: (أخبرنا محمد بن عبد الله بن المطلب
الشيباني ، قال حدثنا محمد بن الحسين بن حفص الحثعمي الكوفي ، قال حدثنا عباد
ابن يعقوب ، قال حدثنا علي بن هاشم ، عن محمد بن عبد الله ، عن ابي عبيدة بن
محمد بن عمار ، عن أبيه ، عن جده عمار قال: كنت مع رسول الله(ص)في بعض غزواته ،
وقتل علي(ع)أصحاب الألوية وفرق جمعهم ، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي، وقتل
شيبة بن نافع ، أتيت رسول الله(ص) فقلت له: يا رسول الله، صلى الله عليك ، إن
علياً قد جاهد في الله حق جهاده فقال: لأنه مني وأنا منه ، وارث علمي ، وقاضي
ديني ، ومنجز وعدي ، والخليفة بعدي ، ولولاه لم يعرف المؤمن المحض ، حربه حربي
وحربي حرب الله ، وسلمه سلمي وسلمي سلم الله ، ألا إنه أبو سبطيَّ والأئمة ، من
صلبه يخرج الله تعالى الأئمة الراشدين ، ومنهم مهدي هذه الأمة فقلت: بأبي أنت
وأمي يا رسول الله ما هذا المهدي ؟ قال: يا عمار إن الله تبارك وتعالى عهد
اليَّ أنه يخرج من صلب الحسين تسعة ، والتاسع من ولده يغيب عنهم ، وذلك قوله عز
وجل: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ
بِمَاءٍ مَعِينٍ) ، يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون ، فإذا
كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ويقاتل على التأويل كما
قاتلت على التنزيل ، وهو سميِّي وأشبه الناس بي
يا عمار ستكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فاتبع علياً وحزبه ، فإنه مع الحق
والحق معه يا عمار إنك ستقاتل بعدي مع علي صنفين: الناكثين والقاسطين ، ثم
تقتلك الفئة الباغية قلت: يا رسول الله أليس ذلك على رضا الله ورضاك ؟ قال: نعم
على رضا الله ورضاي ، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه
فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر الى أمير المؤمنين(ع)فقال له: يا أخا رسول
الله أتأذن لي في القتال؟ قال: مهلاً رحمك الله ، فلما كان بعد ساعة أعاد عليه
الكلام فأجابه بمثله ، فأعاد عليه ثالثاً ، فبكى أمير المؤمنين (ع)، فنظر إليه
عمار فقال: يا أمير المؤمنين إنه اليوم الذي وصفه لي رسول الله(ص) فنزل أمير
المؤمنين(ع)عن بغلته وعانق عماراً وودعه ثم قال: يا أبا اليقظان جزاك الله عن
الله وعن نبيك خيراً ، فنعم الأخ كنت ونعم الصاحب كنت ثم بكى(ع)وبكى عمار ثم
قال: والله يا أمير المؤمنين ما تبعتك إلا ببصيرة ، فإني سمعت رسول الله(ص)يقول
يوم خيبر: يا عمار ستكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فاتبع علياً وحزبه فإنه مع
الحق والحق معه ، وستقاتل الناكثين والقاسطين ، فجزاك الله يا أمير المؤمنين عن
الاسلام أفضل الجزاء ، فلقد أديت وأبلغت ونصحت ثم ركب وركب أمير المؤمنين(ع)،
ثم برز الى القتال، ثم دعا بشربة من ماء فقيل له: ما معنا ماء فقام إليه رجل من
الأنصار فأسقاه شربة من لبن ، فشربه ثم قال: هكذا عهد إليَّ رسول الله(ص)أن
يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن ثم حمل على القوم فقتل ثمانية عشر نفساً
، فخرج إليه رجلان من أهل الشام فطعناه وقتل رحمه الله )
(3) قال الله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِى الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الحديد:17) وقد
استفاض تفسيرها عن أهل البيت(ع)بأن إحياء الأرض في هذه الآية غير يختلف عن
الآيات الأخرى ، وأن القصود به إحياؤها في آخر الزمان بالإمام المهدي(ع)
ويؤيده: سياق الآية الذي يتكلم عن خشوع مجتمع المؤمنين لله تعالى وأن لايكونوا
قساة القلوب من طول الأمد كالذين طال عليهم الأمد من قبلهم ، فهو كلام عن
مستقبل الأمة الإسلامية !(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا
كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ
فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ
يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ) (الحديد:16-17) كما يؤيده أن الله تعالى استعمل تعبير إحياء الأرض
في عدة مواضع ، ولم يصدِّره بـ(إعلموا) إلا في هذا المورد ، وأنه استعمل تعبير
إعلموا في بضعة وعشرين موضعاً ، كلها مهمة وتمثل أهم الأمور التي ينبغي
للمؤمنين أن يعلموها وإحياء الأرض السنوي لايحتاج الى تنبيه بقوله: (إعلموا)
وفي كمال الدين للصدوق(ره)ص668: (عن أبي جعفر(ع)في قول الله عز وجل: اعْلَمُوا
أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ، قال: يحييها الله عز وجل
بالقائم بعد موتها - بموتها كفر أهلها - والكافر ميت ) (ونحوه في الكافي:8/267)
وفي الغيبة للنعماني ص24: عن الإمام الصادق(ع)(إنما الأمد أمد الغيبة فإنه أراد
عز وجل يا امة محمد أو يا معشر الشيعة: لاتكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل
فطال عليهم الأمد)
وفي الغيبة للطوسي ص175، عن ابن عباس: (يعني يصلح الأرض بقائم آل محمد(ص) من
بعد موتها ، يعني من بعد جور أهل مملكتها )
وفي معجم أحاديث الإمام المهدي(ع)4/362: عن الإمام الحسن العسكري(ع)قال لعمته
حكيمة: (يا عمتا بيتي الليلة عندنا ، فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على
الله عز وجل الذي يحيي الله عزوجل به الارض بعد موتها)
وفي مفردات الراغب ص 16: (وقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا ، عبارة عن كل تكوين بعد إفساد وعود بعد بدء ، ولذلك قال بعض
المفسرين يعنى به تليين القلوب بعد قساوتها )
وفي تفسير القرطبي:17/252: ( قوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي
الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ، أي يحيي الأرض الجدبة بعد موتها بالمطر وقال صالح
المري: المعنى يلين القلوب بعد قساوتها وقال جعفر بن محمد: يحييها بالعدل بعد
الجور )
(4) في أمالي الصدوق(ره) ص731: ( حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه
قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمه
الحسين بن يزيد النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبيه ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن
سعد الخفاف ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن عبد الله بن عباس ، قال:
قال رسول الله(ص): لما عرج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومن
السدرة إلى حجب النور ، ناداني ربي جل جلاله: يا محمد ، أنت عبدي وأنا ربك ،
فلي فاخضع ، وإياي فاعبد ، وعلي فتوكل ، وبي فثق ، فإني قد رضيت بك عبدا وحبيبا
ورسولا ونبيا ، وبأخيك علي خليفة وبابا ، فهو حجتي على عبادي ، وإمام لخلقي ،
به يعرف أوليائي من أعدائي ، وبه يميز حزب الشيطان من حزبي ، وبه يقام ديني ،
وتحفظ حدودي ، وتنفذ أحكامي ، وبك وبه وبالائمة من ولده أرحم عبادي وإمائي ،
وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي ، وبه اطهر
الارض من أعدائي وأورثها أوليائي ، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي
العليا ، وبه احيي عبادي وبلادي بعلمي ، وله أظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي ،
وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي ، وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ
أمري وإعلان ديني ، ذلك ولي حقا ، ومهدي عبادي صدقاً ) (وهو في البحار: 18/341
وفي الجواهر السنية للحر العاملي ص235)
وفي بحار الأنوار:21/286: (قال السيد ابن طاووس رحمة الله في كتاب إقبال
الأعمال: روينا بالأسانيد الصحيحة والروايات الصريحة إلى أبي المفضل محمد بن
عبد المطلب الشيباني رحمه الله من كتاب المباهلة ، ومن أصل كتاب الحسن بن
إسماعيل بن اشناس من كتاب عمل ذي الحجة فيما رويناه بالطرق الواضحة عن ذوي
الهمم الصالحة لا حاجة إلى ذكر أسمائهم ، لأن المقصود ذكر كلامهم ، قالوا: لما
فتح النبي(ص)مكة وانقادت له العرب ، وأرسل رسله ودعاته إلى الأمم وكاتب
الملكين: كسرى وقيصر يدعوهما إلى الإسلام وإلا أقرا بالجزية والصغار ، وإلا
أذنا بالحرب العوان أكبر شأنه نصارى نجران وخلطاؤهم من بني عبد المدان ، وجميع
بني الحارث بن كعب ومن ضوى إليهم ونزل بهم من دهماء الناس على اختلافهم هناك في
دين النصرانية من الا روسية والسالوسية وأصحاب دين الملك والمارونية والعباد
والنسطورية وأملئت قلوبهم على تفاوت منازلهم رهبة منه ورعبا ، فإنهم كذلك من
شأنهم إذ وردت عليهم رسل رسول الله (ص)بكتابه ، وهم عتبة بن غزوان ، وعبد الله
بن أمية ، والهدير بن عبد الله أخو تيم بن مرة ، وصهيب بن سنان أخو النمر بن
قاسط يدعوهم إلى الاسلام ، فإن أجابوا فإخوان ، وإن أبوا واستكبروا فإلى حظة
المخزية إلى أداء الجزية عن يد ، فإن رغبوا عما دعاهم إليه من أحد المنزلين
وعندوا فقد آذنهم على سواء ، وكان في كتابه(ص): (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ
إِلَّا الله وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً
أَرْبَاباً مِنْ دُونِ الله فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ) قالوا: وكان رسول الله(ص)لا يقاتل قوما حتى يدعوهم ، فازداد القوم
لورود رسل نبي الله صلى الله عليه واله وكتابه نفوراً وامتزاجاً ، ففزعوا لذلك
إلى بيعتهم العظمى ، وأمروا ففرش أرضها ، وألبس جدرها بالحرير والديباج ، ورفعو
الصليب الأعظم وكان من ذهب مرصع أنفذه إليهم قيصر الاكبر ، وحضر ذلك بنو الحارث
بن كعب وكانوا ليوث الحرب وفرسان الناس ، قد عرفت العرب ذلك لهم في قديم أيامهم
في الجاهلية ، فاجتمع القوم جميعا للمشورة والنظر في أمورهم ، وأسرعت إليهم
القبائل من مذحج وعك وحمير وأنمار ومن دنا منهم نسباً وداراً من قبائل سبأالى
آخر القصة الطويلة وفيها محاحة أحد القساوسة لهم بما وجده في كتبهم من صفة
النبي(ص) ، ومنها أن آدم(ع)رأى صورة النبي(ص)والأئمة من بعده عند العرش (فسأل
ربه جل وتعالى فقال: رب نبئني بأسماء هذه الصور المقرونة بصورتي محمد ووصيه ،
وذلك لما رأى من رفيع درجاتهم والتحاقهم بشكلي محمد ووصيه(ص)، فأوحى الله عز
وجل إليه: هذه أمتي ، والبقية من بني فاطمة الصديقة الزاهرة وجعلتها مع خليلها
عصبة لذرية نبيي هؤلاء وهذان الحسنان وهذا فلان وهذا فلان ، وهذا كلمتي الذي
أنشر به رحمتي في بلادي ، وبه أنتاش ديني وعبادي ، ذلك بعد أياس منهم وقنوط
منهم من غياثي ) انتهى
(5) في كمال الدين للصدوق ص519: قال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي
البغدادي ورأيت تلك السنةبمدينة السلام امرأةفسألتني عن وكيل مولانا(ع)من هو؟
فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها ، فدخلت عليه
وأنا عنده ، فقالت له: أيها الشيخ أي شئ معي؟ فقال: ما معك فألقيه في دجلة ثم
ائتني حتى أخبرك !
قال: فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في دجلة ، ثم رجعت ودخلت إلى أبي
القاسم الروحي قدس الله روحه فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليَّ الحقة ،
فأخرجت إليه حقة ، فقال للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك ورميت بها في دجلة ،
أخبرك بما فيها أو تخبريني؟ فقالت له: بل أخبرني أنت ! فقال: في هذه الحقة زوج
سوار ذهب ، وحلقة كبيرة فيها جوهرة ، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر ، وخاتمان
أحدهما فيروزج والآخر عقيق فكان الأمر كما ذكر ، لم يغادر منه شيئاً ثم فتح
الحقة فعرض عليَّ ما فيها ! فنظرت المرأة إليه فقالت: هذا الذي حملته بعينه
ورميت به في دجلة ، فغشيَ عليَّ وعلى المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة
ثم قال الحسين لي من بعد ما حدثني بهذا الحديث: أشهد بالله تعالى أن هذا الحديث
كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه وحلف بالأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم
لقد صدق فيما حدث به ، ما زاد فيه ولا نقص منه )
(6) في كمال الدين للصدوق(ره)ص516: (45 - حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن أحمد
بن بزرج بن عبد الله بن منصور بن يونس بن برزج صاحب الصادق(ع)قال: سمعت محمد بن
الحسن الصيرفي الدورقي المقيم بأرض بلخ يقول:
أردت الخروج إلى الحج وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة ، فجعلت ما كان معي من
الذهب سبائك وما كان معي من الفضة نقرا وكان قد دفع ذلك الماك إلي لأسلمه الى
الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه قال: فلما نزلت سرخس ضربت خيمتي
على موضع فيه رمل ، فجعلت أميز تلك السبائك والنقر ، فسقطت سبيكة من تلك
السبائك مني وغاضت في الرمل وأنا لا أعلم قال: فلما دخلت همدان ميزت تلك
السبائك والنقر مرة أخرى ، اهتماماً مني بحفظها ففقدت منها سبيكة وزنها مائة
مثقال وثلاثة مثاقيل - أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالاً ـ قال: فسبكت مكانها من
مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك ، فلما وردت مدينة السلام قصدت الشيخ
أبا القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه وسلمت إليه ما كان معي من السبائك
والنقر ، فمد يده من بين تلك السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي
بدلاً مماضاع مني فرمى بها إليَّ وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا، وسبيكتنا
ضيعتها بسرخس حيث ضربت خيمتك في الرمل فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت ، واطلب
السبيكة هناك تحت الرمل فإنك ستجدها وستعود إلى هاهنا فلا تراني !
قال: فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت ، فوجدت السبيكة تحت الرمل وقد نبت
عليها الحشيش ، فأخذت السبيكة وانصرفت إلى بلدي، فلما كان بعد ذلك حججت ومعي
السبيكة فدخلت مدينة السلام وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله
عنه مضى ، ولقيت أبا الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه ، فسلمت السبيكة
إليه )
( وهو في الخرائج والجرائح: 3/1125 ، والبحار:51/342 )
تم الكتاب والحمد لله رب العالمين