فصل في : غزاة الحديبية
قال : و تلا هذه الغزاة غزاة الحديبية .
و كان أمير المؤمنين الذي كتب بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بين سهيل بن عمرو
حين ضرع إلى الصلح عند ما رأى توجه الأمر عليهم فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اكتب يا علي بسم
الله الرحمن الرحيم فقال سهيل هذا كتاب بيننا و بينك فافتتحه بما نعرفه و اكتب
باسمك اللهم فقال (عليه السلام) امح ما كتبت فقال أمير المؤمنين لو لا طاعتك لما محوتها فمحاها
و كتب باسمك اللهم فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سهيل بن عمرو فقال سهيل لو أجبتك في
الكتاب الذي بيننا و بينك إلى هذا لأقررت بالنبوة امح هذا و اكتب اسمك فقال علي و
الله إنه لرسول الله على رغم أنفك فقال سهيل اكتب اسمه يمضي الشرط فقال علي ويلك
يا سهيل كف عن عنادك فقال (عليه السلام) امحها يا علي فقال إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من
النبوة قال فضع يدي عليها فمحاها (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال لأمير المؤمنين : إنك ستدعى إلى مثلها
فتجيب على مضض ; و تمم الكتاب و كان نظام تدبير هذه الغزاة بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) و
حقن الله دماء المسلمين .
و قد روى الناس له في هذه الغزاة فضيلتين اقترنتا بفضائله
العظام و مناقبه الجسام ; عن قائد مولى عبد الله بن سالم قال : لما خرج رسول الله في
غزوة الحديبية نزل الجحفة فلم يجد بها ماء فبعث سعد بن مالك بالروايا فغاب غير
بعيد و عاد و قال ما أستطيع أن أمضي رعبا من القوم فقال اجلس ثم أنفذ رجلا آخر و
كان حاله كذلك فدعا عليا (عليه السلام) و أرسله فخرج و هم لا يشكون في رجوعه لما شاهدوا من
صعوبة الحال فخرج بالروايا و ورد و استقى و عاد و لها زجل فكبر
[211]
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و دعا له بخير .
و في هذه الغزاة أقبل سهيل بن عمرو إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له يا محمد إن
أرقاءنا لحقوا بك فارددهم علينا فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى تبين الغضب في وجهه ثم قال
لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه بالإيمان يضرب
رقابكم على الدين فقال بعض من حضر يا رسول الله أبو بكر قال لا قيل عمر قال لا و
لكنه خاصف النعل في الحجرة فتبادروا إليها ليعرفوا من هو فإذا هو أمير المؤمنين (عليه السلام) .
و قد روى جماعة أن عليا قص هذه القصة ثم قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من كذب
علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار .
و روي : عن أبي جعفر
عن أبيه (عليه السلام) قال : انقطع شسع نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدفعها إلى علي يصلحها ثم مشى في نعل
واحدة غلوة أو نحوها و أقبل على أصحابه فقال إن منكم من يقاتل على التأويل كما
يقاتل معي على التنزيل فقال أبو بكر أنا ذاك يا رسول الله فقال لا فقال عمر فأنا
فقال لا فأمسكوا و نظر بعضهم إلى بعض فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكنه خاصف النعل و أومأ إلى
علي (عليه السلام) فإنه يقاتل على التأويل إذا تركت سنتي و نبذت و حرف كتاب الله و تكلم في
الدين من ليس له ذلك فيقاتلهم على إحياء دين الله .
قلت : إن كان المفيد (رهـ) قد ذكر هذا .
فقد أورد الترمذي
في صحيحه ما يقاربه و هو عن ربعي بن خراش قال حدثنا علي بن أبي طالب بالرحبة قال
: لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو و أناس من
رؤساء المشركين فقالوا يا رسول الله خرج إليك ناس من أبنائنا و إخواننا و أرقائنا
ليس لهم فقه في الدين فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم
من يضرب رقابكم على الدين قد امتحن الله قلبه على
[212]
الإيمان
قالوا من هو يا رسول الله و قال عمر من هو يا رسول الله قال هو خاصف النعل و كان
أعطى عليا نعله يخصفها قال ثم التفت إلينا علي فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من كذب علي
متعمدا فليتبوأ مقعده من النار .
هذا حديث حسن صحيح غريب.