ذكر الإمام العاشر أبي الحسن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين
قال كمال الدين بن طلحة رحمه الله تعالى الباب العاشر في أبي الحسن
علي المعروف بالعسكري الملقب بالمتوكل بن أبي جعفر محمد القانع بن علي الرضا بن
موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهم السلام :
أما مولده .
ففي رجب من سنة مائتين و أربع عشرة للهجرة .
و أما نسبه أبا و أما .
فأبوه أبو جعفر محمد القانع بن علي الرضا بن موسى و قد تقدم ذكر ذلك
مبسوطا و أمه أم ولد اسمها سمانة المغربية و قيل غير ذلك .
و أما اسمه .
فعلي.
و أما ألقابه : فالناصح و المتوكل و الفتاح و النقي و المرتضى و
أشهرها المتوكل و كان يخفي ذلك و يأمر أصحابه أن يعرضوا عنه لكونه كان لقب الخليفة أمير المؤمنين المتوكل يومئذ .
و أما مناقبه.
فمنها ما حل في الآذان محل حلاها بأشنافها و اكتنفه شغفا به اكتناف
اللآلئ الثمينة بأصدافها و أشهد لأبي الحسن أن نفسه موصوفة بنفائس أوصافها و أنها
نازلة من الدوحة النبوية ذري أشرافها و شرفات أعرافها و ذلك :
أن أبا الحسن (عليه السلام) كان
يوما قد خرج من سر من رأى إلى قرية لمهم عرض له فجاء رجل من الأعراب يطلبه فقيل له
قد ذهب إلى الموضع الفلاني فقصده فلما وصل إليه قال له ما حاجتك فقال أنا رجل من
أعراب الكوفة المتمسكين بولاء جدك علي
[375]
بن أبي طالب و قد ركبني
دين فادح أثقلني حمله و لم أر من أقصده لقضائه سواك فقال له أبو الحسن طب نفسا و قر عينا ثم
أنزله فلما أصبح ذلك اليوم قال له أبو الحسن أريد منك حاجة الله الله أن تخالفني
فيها فقال الأعرابي لا أخالفك فكتب أبو الحسن ورقة بخطه معترفا فيها أن عليه
للأعرابي مالا عينه فيها يرجح على دينه و قال خذ هذا الخط فإذا وصلت إلى سر من رأى
أحضر إلي و عندي جماعة فطالبني به و أغلظ القول علي في ترك إيفائك إياه الله الله
في مخالفتي فقال أفعل و أخذ الخط فلما وصل أبو الحسن إلى سر من رأى و حضر عنده
جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة و غيرهم حضر ذلك الرجل و أخرج الخط و طالبه و قال كما أوصاه فألان أبو الحسن له
القول و رفقه و جعل يعتذر إليه و وعده بوفائه و طيبة نفسه فنقل ذلك إلى الخليفة
المتوكل فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن ثلاثون ألف درهم فلما حملت إليه تركها إلى أن
جاء الرجل فقال خذ هذا المال فاقض منه دينك و أنفق الباقي على عيالك و أهلك و
أعذرنا فقال له الأعرابي يا ابن رسول الله و الله إن أملي كان يقصر عن ثلث هذا و
لكن الله أعلم حيث يجعل رسالاته و أخذ المال و انصرف .
و هذه منقبة من سمعها حكم له بمكارم الأخلاق و قضى له بالمنقبة
المحكوم بشرفها بالاتفاق.
ولده أبو محمد الحسن و سيأتي ذكره بعده إن شاء الله
تعالى.
و أما عمره : فإنه مات في جمادى الآخر لخمس ليال بقين منه من سنة أربع و
خمسين و مائتين في خلافة المعتز و قد تقدم ذكر ولادته في سنة أربع عشرة و مائتين
فيكون عمره أربعين سنة غير أيام و كان مقامه مع أبيه ست سنين و خمسة أشهر و بقي
بعد وفاة أبيه ثلاثا و ثلاثين سنة و شهورا و قبره بسر من رأى آخر كلامه.
و قال
الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي رحمه الله : أبو الحسن علي بن علي بن موسى بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) مولده سنة أربع عشرة و مائتين
و مات سنة أربع و خمسين و مائتين فكان عمره أربعين
[376]
سنة .
قبره : بسر من رأى دفن بها في زمن المنتصر يلقب بالهادي و أمه سمانة و يقال إنه ولد
بالمدينة للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و مائتين و قبض بسر من رأى في رجب سنة
أربع و خمسين و مائتين و له يومئذ إحدى و أربعون سنة و ستة أشهر و قبره بسر من رأى في داره .
قال علي بن يحيى بن أبي منصورقال : كنت يوما بين يدي المتوكل و دخل علي بن
محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) فلما جلس قال له المتوكل ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد
المطلب قال ما يقول ولد أبي يا أمير المؤمنين في رجل فرض الله تعالى طاعة نبيه على
خلقه و فرض طاعته على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) .
انتهى كلامه.
و قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى باب ذكر الإمام بعد
أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) و تاريخ مولده و دلائل إمامته و مبلغ سنه و ذكر وفاته و
سببها و موضع قبره و عدد أولاده و مختصر من أخباره:
و كان الإمام بعد أبي جعفر
ابنه أبا الحسن علي بن محمد (عليه السلام) لاجتماع خصال الإمامة فيه و تكامل فضله و أنه لا
وارث لمقام أبيه سواه و ثبوت النص عليه بالإمامة و بالإشارة إليه من أبيه بالخلافة
و كان مولده بصريا من مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و مائتين و
توفي بسر من رأى في رجب سنة أربع و خمسين و مائتين و له يومئذ إحدى و أربعون سنة و
أشهر و كان المتوكل قد أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى سر من رأى
فأقام بها حتى مضى لسبيله و كانت مدة إمامته ثلاثا و ثلاثين سنة و أمه أم ولد يقال
لها سمانة .
باب طرف من الخبر في النص عليه بالإمامة و الإشارة إليه بالخلافة
عن إسماعيل بن
مهران قال : لما خرج أبو جعفر (عليه السلام) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه
قلت له عند خروجه جعلت فداك إني أخاف عليك من هذا الوجه فإلى من الأمر بعدك قال
فكر بوجهه إلي ضاحكا و قال ليس حيث
[377]
ظننت في هذه السنة فلما استدعى
به إلى المعتصم صرت إليه فقلت له جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك
فبكى حتى خضبت لحيته ثم التفت إلي فقال في هذه يخاف علي الأمر من بعدي إلى ابني
علي .
و عن الخيراني عن أبيه أنه قال : كنت ألزم باب أبي جعفر (عليه السلام) للخدمة التي
وكلت بها و كان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري يجيء في السحر من آخر كل ليلة لتعرف
خبر علة أبي جعفر (عليه السلام) و كان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر و بين الخيراني إذا حضر
قام أحمد و خلا به قال الخيراني فخرج ذات ليلة و قام أحمد بن عيسى عن المجلس و خلا
بي الرسول و استدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام فقال الرسول إن مولاك يقرأ عليك
السلام و يقول لك إني ماض و الأمر صائر إلى ابني علي و له عليكم بعدي ما كان لي
عليكم بعد أبي ثم مضى الرسول و رجع أحمد إلى موضعه و قال ما الذي قال لك قال خيرا
قلت قد سمعت ما قال و أعاد علي ما سمع فقلت له قد حرم الله عليك ما فعلت لأن الله
يقول وَ لا تَجَسَّسُوا فإذا سمعت فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوما ما و إياك
أن تظهرها إلى وقتها قال و أصبحت و كتبت نسخة الرسالة في عشر رقاع و ختمتها و
دفعتها إلى عشرة من وجوه أصحابنا و قلت إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها
فافتحوها و اعملوا بما فيها.
فلما مضى أبو جعفر (عليه السلام) لم أخرج من منزلي حتى عرفت أن
رؤساء العصابة قد اجتمعوا عند محمد بن الفرج يتفاوضون في الأمر فكتب إلي محمد بن
الفرج يعلمني باجتماعهم عنده و يقول لو لا مخافة الشهرة لصرت معهم إليك فأحب أن
تركب إلي فركبت و صرت إليه فوجدت القوم مجتمعين عنده فتجارينا في الباب فوجدت
أكثرهم قد شكوا فقلت لمن عندهم الرقاع و هم حضور أخرجوا تلك الرقاع فأخرجوها فقلت
هذا ما أمرت به فقال بعضهم كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر آخر ليتأكد القول فقلت
لهم قد أتاكم الله بما تحبون هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة
فاسألوه فسأله القوم فتوقف عن
[378]
الشهادة فدعوته إلى المباهلة فخاف منها و قال قد
سمعت ذلك و هي مكرمة كنت أحب أن تكون الرجل من العرب فأما مع المباهلة فلا طريق
إلى كتمان الشهادة فلم يبرح القوم حتى سلموا لأبي الحسن (عليه السلام) .
و الأخبار في هذا الباب
كثيرة إن عملنا على إثباتها طال بها الكتاب و في إجماع العصابة على إمامة أبي
الحسن (عليه السلام) و عدم من يدعيها سواه في وقته ممن يلتبس الأمر فيه غنى عن إيراد الأخبار
بالنصوص على التفصيل .
باب طرف من دلائل أبي الحسن علي بن محمد و أخباره و براهينه و بيناته
عن الوشاء عن خيران
الأسباطي قال : قدمت على أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) بالمدينة فقال لي ما خبر الواثق
عندك قلت جعلت فداك خلفته في عافية أنا من أقرب الناس عهدا به و عهدي به منذ عشرة
أيام قال فقال لي إن أهل المدينة يقولون إنه مات فقلت أنا أقرب الناس به عهدا قال فقال
لي إن الناس يقولون إنه مات فلما قال لي إن الناس يقولون علمت أنه يعني نفسه ثم
قال لي ما فعل جعفر قلت له تركته أسوء الناس حالا في السجن قال فقال أما إنه صاحب
الأمر ثم قال لي ما فعل ابن الزيات قلت الناس معه و الأمر أمره فقال أما إنه شؤم
عليه قال ثم سكت و قال لي لا بد أن يجري مقادير الله و أحكامه يا خيران مات الواثق
و قد قعد جعفر المتوكل و قد قتل ابن الزيات قلت متى جعلت فداك قال بعد خروجك بستة
أيام .
و عن علي بن إبراهيم بن محمد الطائفي قال : مرض المتوكل من خراج خرج به
فأشرف منه على الموت فلم يجسر أحد أن يمسه بحديد فنذرت أمه إن عوفي أن تحمل إلى
أبي الحسن علي بن محمد مالا جليلا من مالها و قال له الفتح بن خاقان لو بعثت إلى
هذا الرجل يعني أبا الحسن فسألته فإنه ربما كان عنده صفة شيء يفرج الله به عنك
فقال ابعثوا إليه فمضى الرسول و رجع فقال خذوا
[379]
كسب الغنم و
ديفوه بماء الورد و ضعوه على الخراج فإنه نافع بإذن الله إن شاء الله فجعل من
يحضره المتوكل يهزأ من قوله فقال لهم الفتح و ما يضر من تجربة ما قال فو الله إني
لأرجو الصلاح به فأحضر الكسب و ديف بماء الورد و وضع على الخراج فانفتح و خرج ما
كان فيه و بشرت أم المتوكل بعافيته فحملت إلى أبي الحسن عشرة ألف دينار تحت ختمها
و استبل المتوكل من علته فلما كان بعد أيام سعى البطحاني بأبي الحسن (عليه السلام) إلى المتوكل
و قال عنده أموال و سلاح فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلا و يأخذ
ما يجده عنده من الأموال و السلاح و يحمله إليه قال إبراهيم بن محمد فقال لي سعيد
الحاجب صرت إلى دار أبي الحسن (عليه السلام) بالليل و معي سلم فصعدت منه إلى السطح و نزلت من
الدرجة إلى بعضها في الظلمة فلم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني أبو الحسن (عليه السلام) من
الدار يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه
جبة صوف و قلنسوة منها و سجادته على حصير بين يديه و هو مقبل على القبلة فقال لي
دونك البيوت فدخلتها و فتشتها فلم أجد فيها شيئا و وجدت البدرة مختومة بخاتم أم
المتوكل و كيسا مختوما معها فقال لي أبو الحسن (عليه السلام) دونك المصلى فرفعته فوجدت سيفا في
جفن ملبوس فأخذت ذلك و صرت إليه فلما رأى خاتم أمه على البدرة بعث إليها فخرجت
فسألها عن البدرة فأخبرني بعض الخادم الخاصة أنها قالت كنت نذرت في علتك إن عوفيت
أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه و هذا خاتمك على الكيس ما
حركها و فتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار فأمر أن يضم إلى البدرة بدرة
أخرى و قال لي احمل ذلك إلى أبي الحسن و اردد السيف و الكيس عليه بما فيه فحملت
ذلك إليه و استحييت منه فقلت يا سيدي عز علي دخولي دارك بغير إذنك و لكني مأمور
فقال لي وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .
[380]
قال لي محمد بن الفرج الرخجي إن أبا الحسن (عليه السلام) كتب
إلي يا محمد اجمع أمرك و خذ حذرك فقال أنا في جمع أمري لست أدري ما أراد بما كتب
إلي حتى ورد علي رسول حملني من مصر مصفدا بالحديد و ضرب علي كلما أملك فمكثت في
السجن ثماني سنين ثم ورد علي كتاب منه و أنا في السجن يا محمد لا تنزل في ناحية
الجانب الغربي فقرأت الكتاب و قلت في نفسي يكتب أبو الحسن بهذا إلي و أنا في السجن
إن هذا لعجب فما مكثت إلا أياما يسيرة حتى أفرج عني و حلت قيودي و خلي سبيلي قال
فكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأل الله أن يرد ضياعي علي قال فكتب إلي سوف ترد
عليك و ما يضرك أن لا ترد عليك قال علي بن محمد النوفلي فلما شخص محمد بن الفرج
الرخجي إلى العسكر كتب له برد ضياعه عليه فلم يصل الكتاب حتى مات.
و كتب علي بن
الخضيب إلى محمد بن الفرج بالخروج إلى العسكر فكتب إلى أبي الحسن يشاوره في ذلك
فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام) اخرج فإن فيه فرجك إن شاء الله فخرج فلم يلبث إلا يسيرا حتى
مات.
أبو يعقوب قال رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشية من العشايا و قد
استقبل أبا الحسن (عليه السلام) فنظر إليه نظرا شافيا فاعتل محمد بن الفرج من الغد فدخلت عليه
عائدا بعد أيام من علته فحدثني أن أبا الحسن قد أنفذ إليه بثوب و أرانيه مدرجا تحت
رأسه قال فكفن فيه و الله.
قال أبو يعقوب رأيت أبا الحسن (عليه السلام) مع أحمد بن الخضيب
يتسايران و قد قصر أبو الحسن (عليه السلام) عنه فقال له ابن الخضيب سر جعلت فداك فقال أبو
الحسن أنت المقدم فما لبثنا إلا أربعة أيام حتى وضع الدهق على ساق ابن الخضيب و
قتل.
قال و ألح عليه ابن الخضيب في الدار التي كان نزلها و طالبه بالانتقال منها
إليه فبعث إليه أبو الحسن (عليه السلام) لأقعدن بك و الله مقعدا لا تبقى لك معه باقية
[381]
فأخذه الله في تلك الأيام.
و قال أبو الطيب يعقوب بن ياسر
: كان يقول المتوكل ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا و جهدت أن يشرب معي أو ينادمني
فامتنع و جهدت أن أجد فرصة في هذا المعنى فلم أجدها فقال له بعض من حضر إن لم تجد
من ابن الرضا ما تريد من هذا الحال فهذا أخوه موسى قصاف عزاف يأكل و يشرب و يعشق و
يتخالع فأحضره و اشهره فإن الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك فلا يفرق الناس بينه و
بين أخيه و من عرفه اتهم أخاه بمثل فعاله فقال اكتبوا بإشخاصه مكرما فأشخص مكرما و
تقدم المتوكل أن يلقاه جميع بني هاشم و القواد و سائر الناس و عمل على أنه إذا رآه
أقطعه قطيعة و بنى له فيها و حول إليها الخمارين و القيان و تقدم بصلته و بره و
أفرد له منزلا سريا يصلح أن يزوره هو فيه فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن في قنطرة
وصيف و هو موضع يتلقى فيه القادمون فسلم عليه و وفاه حقه ثم قال له إن هذا الرجل
قد أحضرك ليهتكك و يضع منك فلا تقر له أنك شربت نبيذا قط و اتق الله يا أخي أن
ترتكب محظورا فقال له موسى إنما دعاني لهذا فما حيلتي قال فلا تضع من قدرك و لا
تعص ربك و لا تفعل ما يشينك فما غرضه إلا هتكك فأبى عليه موسى فكرر عليه أبو الحسن (عليه السلام) القول و الوعظ و هو مقيم على خلافه فلما رأى أنه لا يجيب قال له أما إن المجلس
الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت و هو أبدا فأقام موسى ثلاث سنين
يبكر كل يوم إلى باب المتوكل فيقال له قد تشاغل اليوم فيروح ثم يعود فيقال له قد
سكر و يبكر فيقال له إنه قد شرب دواء فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل و
لم يجتمع معه على شراب .
و روى زيد بن علي بن الحسين بن زيد قال : مرضت فدخل الطبيب
علي ليلا و وصف لي دواء آخذه في السحر كذا و كذا يوما فلم يمكني تحصيله من الليل .
[382]
و خرج الطبيب من الباب و ورد صاحب أبي الحسن (عليه السلام) في
الحال و معه صرة فيها ذلك الدواء بعينه فقال أبو الحسن يقرئك السلام و يقول خذ هذا
الدواء كذا و كذا يوما فأخذته و شربته فبرأت فقال محمد بن علي فقال لي زيد بن علي
يا محمد أين الغلاة عن هذا الحديث .
باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر و وفاته بها و سبب
ذلك و عدد أولاده و طرف من أخباره
و كان سبب شخوص أبي الحسن (عليه السلام) إلى سر من رأى أن عبد الله بن محمد كان
يتولى الحرب و الصلاة في مدينة الرسول (عليه السلام) فسعى بأبي الحسن (عليه السلام) إلى المتوكل و كان
يقصده بالأذى و بلغ أبا الحسن سعايته به فكتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن
محمد و يكذبه فيما سعى به فتقدم المتوكل بإجابته عن كتابه و دعائه فيه إلى حضور
العسكر على جميل من القول و الفعل فخرجت نسخة الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم أما
بعد فإن أمير المؤمنين عارف بقدرك راع لقرابتك موجب لحقك مؤثر من الأمور فيك و في
أهل بيتك ما يصلح به حالك و حالهم و يثبت عزك و عزهم و يدخل الأمن عليك و عليهم و
يبتغي بذلك رضا ربه و أداء ما افترض عليه فيك و فيهم و قد رأى أمير المؤمنين صرف
عبد الله بن محمد عما كان يتولى من الحرب و الصلاة بمدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ كان على ما
ذكرت من جهالته بحقك و استخفافه بقدرك و عند ما قرنك به و نسبك إليه من الأمر الذي
قد علم أمير المؤمنين براءتك منه و صدق نيتك في برك و قولك و أنك لم تؤهل نفسك لما
فرقت بطلبه و قد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل و أمره
بإكرامك و تبجيلك و الانتهاء إلى أمرك و رأيك و التقرب إلى الله و إلى أمير
المؤمنين بذلك و أمير المؤمنين مشتاق إليك يحب إحداث العهد بك و النظر إليك فإن
نشطت لزيارته و المقام قبله ما أحببت شخصت و من اخترت من أهل بيتك و مواليك و حشمك
على محله و
[383]
طمأنية ترحل إذا شئت و تنزل إذا شئت و تسير كيف
شئت و إن أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين و من معه من الجند
يرحلون برحيلك و يسيرون بسيرك و الأمر في ذلك إليك و قد تقدمنا إليه بطاعتك فاستخر
الله تعالى حتى توافي أمير المؤمنين فما أحد من إخوته و ولده و أهل بيته و خاصته
ألطف منزلة و لا أحمد له أثرة و لا هو لهم أنظر و عليهم أشفق و بهم أبر و إليهم
أسكن منه إليك [و الأمر في ذلك إليك] و السلام عليك و رحمة الله و بركاته و كتب
إبراهيم بن العباس في شهر كذا من سنة ثلاث و أربعين و مائتين.
فلما وصل الكتاب إلى
أبي الحسن (عليه السلام) تجهز للرحيل و خرج معه يحيى بن هرثمة حتى وصل إلى سر من رأى فلما وصل
إليها تقدم المتوكل أن يحجب عنه في يومه فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك و أقام
فيه بقية يومه ثم تقدم المتوكل بإفراد دار له فانتقل إليها .
و عن صالح بن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) يوم وروده فقلت له جعلت فداك
في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك و التقصير بك حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان
الصعاليك فقال هاهنا أنت يا ابن سعيد ثم أومأ بيده فإذا بروضات أنيقات و أنهار
جاريات و جنات فيها خيرات عطرات و ولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون فحار بصري و كثر
عجبي فقال لي حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد لسنا في خان الصعاليك .
و أقام أبو الحسن (عليه السلام) مدة مقامه بسر من رأى مكرما في ظاهر الحال يجتهد
المتوكل في إيقاع حيلة به فلا يتمكن من ذلك و له معه أحاديث يطول
[384]
بذكرها الكتاب فيها آيات له و بينات إن قصدنا لإيرادها خرجنا عن الغرض فيما
نحوناه و توفي أبو الحسن في رجب سنة أربع و خمسين و مائتين و دفن في داره بسر من
رأى و خلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه و هو الإمام من بعده و الحسين و محمد أو
جعفر و ابنته عائشة و كان مقامه بسر من رأى إلى أن قبض عشر سنين و أشهرا و توفي و
سنه يومئذ على ما قدمناه إحدى و أربعون سنة.
قال الشيخ ابن الخشاب رحمه الله تعالى
ذكر أبي الحسن العسكري علي بن محمد المرتضى أبي جعفر القانع بن علي الرضا بن موسى
الأمين بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين بن علي بن أبي
طالب صلوات الله عليهم أجمعين
و بإسناده قال : ولد أبو الحسن العسكري علي بن محمد
في رجب سنة مائتين و أربع عشرة سنة من الهجرة و كان مقامه مع أبي محمد بن علي ست
سنين و خمسة أشهر و مضى في يوم الإثنين لخمس ليال بقين من جمادى الآخر سنة مائتين
و أربع و خمسين سنة من الهجرة و أقام بعد أبيه ثلاثا و ثلاثين سنة و سبعة أشهر إلا
أياما و كان عمره أربعين سنة إلا أياما.
قبره : بسر من رأى .
أمه : سمانة و يقال متفرشة
المغربية .
لقبه : الناصح و المرتضى و النقي و المتوكل يكنى بأبي الحسن.
قال صاحب كتاب
الدلائل دلائل علي بن محمد العسكري (عليه السلام) عن الحسن بن علي الوشاء قال حدثتني أم محمد
مولاة أبي الحسن الرضا بالخبر و هي مع الحسن بن موسى قالت : جاء أبو الحسن قد رعب
حتى جلس في حجر أم أبيها بنت موسى فقالت له ما لك فقال لها مات أبي و الله الساعة
فقالت له لا تقل هذا قال هو و الله ما أقول لك قال فكتبنا ذلك اليوم فجاءت وفاة
أبي جعفر في ذلك اليوم .
و كتب إليه محمد بن الحسين بن مصعب المدائني يسأله عن السجود على
[385]
الزجاج قال فلما نفذ الكتاب حدثت نفسي أنه مما أنبتت الأرض
و أنهم قالوا لا بأس بالسجود على ما أنبتت الأرض قال فجاء الجواب : لا تسجد عليه و
إن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض فإنه من الرمل و الملح و الملح سبخ .
و عن علي بن محمد
النوفلي قال : سمعته يقول اسم الله الأعظم ثلاثة و سبعون حرفا و إنما كان عند آصف
منه حرف واحد تكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه و بين سبأ فتناول عرش بلقيس حتى
صيره
إلى سليمان ثم بسطت له الأرض في أقل من طرفة عين و عندنا منه اثنان و
سبعون حرفا و حرف عند الله جل و عز استأثر به في علم الغيب .
و عن فاطمة ابنة
الهيثم قالت : كنت في دار أبي الحسن في الوقت الذي ولد فيه جعفر فرأيت أهل الدار قد
سروا به فصرت إليه فلم أر به سرورا فقلت يا سيدي ما لي أراك غير مسرور فقال هوني
عليك و سيضل به خلق كثير .
و حدث محمد بن شرف قال : كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) أمشي بالمدينة فقال لي أ لست ابن شرف قلت بلى فأردت أن
أسأله عن مسألة فابتدأني من غير أن أسأله فقال نحن على قارعة الطريق و ليس هذا
موضع مسألة .
محمد بن الفضل
البغدادي قال : كتبت إلى أبي الحسن أن لنا حانوتين خلفهما لنا والدنا رضي الله عنه و
أردنا بيعهما و قد عسر علينا ذلك فادع الله لنا يا سيدنا إن يتيسر الله لنا بيعهما
بإصلاح الثمن و يجعل لنا في ذلك الخيرة فلم يجب فيهما بشيء و انصرفنا إلى بغداد و
الحانوتان قد احترقا .
أيوب بن نوح قال : كتبت إلى أبي الحسن أن لي حملا فادع الله أن يرزقني ابنا
فكتب إلي إذا ولد لك فسمه محمدا قال فولد لي ابن فسميته محمدا قال و كان ليحيى بن
زكريا حمل فكتب إليه أن لي حملا فادع الله أن يرزقني ابنا فكتب إليه رب ابنة خير
من ابن فولدت له ابنة .
أيوب بن نوح قال : كتبت إلى أبي الحسن قد تعرض لي جعفر بن عبد الواحد
[386]
القاضي و كان يؤذيني بالكوفة أشكو إليه ما ينالني منه من
الأذى فكتب إلي تكفى أمره إلى شهرين فعزل عن الكوفة في شهرين و استرحت منه .
قال فتح بن يزيد
الجرجاني قال : ضمني و أبا الحسن الطريق حين منصرفي من مكة إلى خراسان و هو صائر إلى
العراق فسمعته و هو يقول من اتقى الله يتقى و من أطاع الله يطاع قال فتلطفت في
الوصول إليه فسلمت عليه فرد علي السلام و أمرني بالجلوس و أول ما ابتدأني به أن
قال يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق و من أسخط الخالق فأيقن أن يحل
به الخالق سخط المخلوق و إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه و أنى يوصف الخالق
الذي تعجز الحواس أن تدركه و الأوهام أن تناله و الخطرات أن تحده و الأبصار عن
الإحاطة به جل عما يصفه الواصفون و تعالى عما ينعته الناعتون نأى في قربه و قرب في
نأيه فهو في نأيه قريب و في قربه بعيد كيف الكيف فلا يقال كيف و أين الأين فلا
يقال أين إذ هو منقطع الكيفية و الأينية هو الواحد الأحد الصمد لم يلد و لم يولد و
لم يكن له كفوا أحد فجل جلاله أم كيف يوصف بكنهه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد قرنه الجليل باسمه و
شركه في عطائه و أوجب لمن أطاعه جزاء طاعته إذ يقول وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ
أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ و قال يحكي قول من ترك طاعته و هو
يعذبه بين أطباق نيرانها و سرابيل قطرانها يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَ
أَطَعْنَا الرَّسُولَا أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث
قال أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و
قال وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ و قال
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها
[387]
و قال فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ يا
فتح كما لا يوصف الجليل جل جلاله و الرسول و الخليل و ولد البتول فكذلك لا يوصف
المؤمن المسلم لأمرنا فنبينا أفضل الأنبياء و خليلنا أفضل الأخلاء و وصيه أكرم
الأوصياء اسمها أفضل الأسماء و كنيتهما أفضل الكنى و أجلاها لو لم يجالسنا إلا كفو
لم يجالسنا أحد و لو لم يزوجنا إلا كفو لم يزوجنا أحد أشد الناس تواضعا أعظمهم
حلما و أنداهم كفا و أمنعهم كنفا ورث عنهما أوصياؤهما علمهما فاردد إليهم الأمر و
سلم إليهم أماتك الله مماتهم و أحياك حياتهم إذا شئت رحمك الله قال فتح فخرجت فلما
كان من الغد تلطفت في الوصول إليه فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت يا ابن رسول
الله أ تأذن لي في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي قال سل و إن شرحتها فلي و إن
أمسكتها فلي فصحح نظرك و تثبت في مسألتك و اصغ إلى جوابها سمعك و لا تسأل مسألة
تعينت و اعتن بما تعتني به فإن العالم و المتعلم شريكان في الرشد مأموران بالنصيحة
منهيان عن الغش و أما الذي اختلج في صدرك ليلتك فإن شاء العالم أنبأك إن الله لم
يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فكلما كان عند الرسول كان عند العالم و
كلما اطلع عليه الرسول فقد اطلع أوصياؤه عليه لئلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم
يدل على صدق مقالته و جواز عدالته يا فتح عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في
بعض ما أودعتك و شككك في بعض ما أنبأتك حتى أراد إزالتك عن طريق الله و صراطه
المستقيم فقلت متى أيقنت أنهم كذا فهم أرباب معاذ الله أنهم مخلوقون مربوبون
مطيعون لله داخرون راغبون فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به
فقلت له جعلت فداك فرجت عني و كشفت ما لبس الملعون علي بشرحك فقد كان أوقع في خلدي
أنكم أرباب .
[388]
قال فسجد أبو الحسن و هو يقول في سجوده راغما لك
يا خالقي داخرا خاضعا قال فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي ثم قال يا فتح كدت أن تهلك و
تهلك و ما ضر عيسى إذا هلك من هلك فاذهب إذا شئت رحمك الله قال فخرجت و أنا فرح
بما كشف الله عني من اللبس بأنهم هم و حمدت الله على ما قدرت عليه فلما كان في
المنزل الآخر دخلت عليه و هو متك و بين يديه حنطة مقلوة يعبث بها و قد كان أوقع
الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا و يشربوا إذ كان ذلك آفة و الإمام غير
مئوف فقال اجلس يا فتح فإن لنا بالرسل أسوة كانوا يأكلون و يشربون و يمشون في
الأسواق و كل جسم مغذو بهذا إلا الخالق الرازق لأنه جسم الأجسام و هو لم يجسم و لم
يجز ابتناءه و لم يتزايد و لم يتناقص مبرأ من ذاته ما ركب في ذات من جسمه الواحد
الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد منشئ الأشياء مجسم
الأجسام و هو السميع العليم اللطيف الخبير الرءوف الرحيم تبارك و تعالى عما يقول
الظالمون علوا كبيرا لو كان كما وصف لم يعرف الرب من المربوب و لا الخالق من
المخلوق و لا المنشئ من المنشأ و لكنه فرق بينه و بين من جسمه و شيأ الأشياء إذ
كان لا يشبهه شيء يرى و لا يشبه شيئا .
محمد بن الريان بن الصلت قال : كتبت إلى أبي الحسن أستأذنه في كيد عدو لم
يمكن كيده فنهاني عن ذلك و قال كلاما معناه تكفاه فكفيته و الله أحسن كفاية ذل و
افتقر و مات في أسوء الناس حالا في دنياه و دينه .
علي بن محمد الحجال قال : كتبت إلى أبي الحسن أنا في خدمتك و أصابني علة في
رجلي لا أقدر على النهوض و القيام بما يجب فإن رأيت أن تدعو الله أن يكشف علتي و
يعينني على القيام بما يجب علي و أداء الأمانة في ذلك و يجعلني من تقصيري من غير
تعمد مني و تضييع مال أتعمده من نسيان يصيبني في حل و يوسع علي و تدعو لي بالثبات
على دينه الذي ارتضاه لنبيه (عليه السلام) فوقع كشف الله عنك و عن أبيك قال
[389]
و كان بأبي علة و لم أكتب فيها فدعا له ابتداء .
و عن داود الضرير قال : أردت الخروج إلى مكة فودعت أبا الحسن بالعشي و خرجت
فامتنع الجمال تلك الليلة و أصبحت فجئت أودع القبر فإذا رسوله يدعوني فأتيته و
استحييت و قلت جعلت فداك إن الجمال تخلف أمس فضحك و أمرني بأشياء و حوائج كثيرة
فقال كيف تقول فلم أحفظ مثل ما قال لي فمد الدواة و كتب بسم الله الرحمن الرحيم
أذكر إن شاء الله و الأمر بيدك كله فتبسمت فقال لي ما لك فقلت له خير فقال أخبرني
فقلت له ذكرت حديثا حدثني رجل من أصحابنا أن جدك الرضا كان إذا أمر بحاجة كتب بسم
الله الرحمن الرحيم أذكر إن شاء الله فتبسم و قال يا داود لو قلت لك إن تارك
التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا .
و عن علي بن مهزيار قال : أرسلت غلاما لي إلى أبي الحسن في حاجة و كان
سقلابيا قال فرجع الغلام إلي متعجبا فقلت ما لك يا بني فقال لي و كيف لا أتعجب ما
زال يكلمني بالسقلابية كأنه واحد منا .
قال قطب الدين الراوندي رحمه الله تعالى الباب الحادي عشر في معجزات
علي النقي (عليه السلام) .
حدث جماعة من أهل أصفهان منهم أبو العباس أحمد بن النصر و أبو جعفر
محمد بن علوية قالوا : كان بأصفهان رجل يقال له عبد الرحمن و كان شيعيا فقيل له ما
السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة علي النقي دون غيره من أهل الزمان فقال شاهدت
ما يوجب علي ذلك و ذلك أني كنت رجلا فقيرا و كان لي لسان و جرأة فأخرجني أهل
أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين فجئنا إلى باب المتوكل متظلمين و كنا بباب
المتوكل يوما إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد بن الرضا فقلت لبعض من حضر من هذا
الرجل الذي قد أمر بإحضاره فقيل هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته ثم قيل و نقدر
أن المتوكل يحضره للقتل فقلت لا أبرح من
[390]
هاهنا حتى أنظر
إلى هذا الرجل أي رجل هو قال فأقبل راكبا على فرس و قد قام الناس صفين يمنة الطريق
و يسرتها ينظرون إليه فلما رأيته وقفت فأبصرته فوقع حبه في قلبي فجعلت أدعو له في
نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل فأقبل يسير بين الناس و هو ينظر إلى عرف دابته
لا يلتفت و أنا دائم الدعاء له فلما صار إلي أقبل علي بوجهه و قال استجاب الله
دعاءك و طول عمرك و كثر مالك و ولدك قال فارتعدت و وقعت بين أصحابي فسألوني ما
شأنك فقلت خير و لم أخبرهم فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان ففتح الله علي وجوها من
المال حتى أني أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم سوى مالي خارج داري و رزقت
عشرة من الأولاد و قد بلغت من عمري نيفا و سبعين سنة و أنا أقول بإمامة هذا الذي
علم ما في قلبي و استجاب الله دعاءه لي .
و منها : ما روي عن يحيى بن هرثمة قال دعاني
المتوكل و قال اختر ثلاثمائة رجل ممن تريده و اخرجوا إلى الكوفة فخلفوا أثقالكم
فيها و اخرجوا على طريق البادية إلى المدينة فاحضروا علي بن محمد الرضا (عليه السلام) إلى عندي
مكرما معظما مبجلا قال ففعلت و خرجنا و كان في أصحابي قائد من الشراة و كان لي
كاتب متشيع و أنا على مذهب الحشوية فكان الشاري يناظر الكاتب و كنت أستريح إلى
مناظرتهما لقطع الطريق فلما صرنا وسط الطريق قال الشاري للكاتب أ ليس من قول
صاحبكم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليس من الأرض بقعة إلا و هي قبر أو ستكون قبرا فانظر إلى
هذه البرية العظيمة أين يموت فيها حتى يملأها الله قبورا كما تزعمون قال فقلت
للكاتب أ هذا من قولكم قال نعم فقلت أين من يموت في هذه البرية حتى تمتلئ قبورا و
تضاحكنا ساعة إذا نخذل الكاتب في
[391]
أيدينا و سرنا حتى دخلنا المدينة فقصدت باب أبي
الحسن فدخلت إليه و قرأ كتاب المتوكل و قال انزلوا فليس من جهتي خلاف فلما صرت
إليه من الغد و كنا في تموز أشد ما يكون من الحر فإذا بين يديه خياط و هو يقطع من
ثياب غلاظ خفاتين له و لغلمانه و قال للخياط اجمع عليها جماعة من الخياطين و اعمل
من الفراغ منها يومك هذا و بكر بها إلي في هذا الوقت و نظر إلي و قال يا يحيى
اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم و اعمل على الرحيل غدا في هذا الوقت فخرجت من
عنده و أنا أتعجب منه من الخفاتين و أقول في نفسي نحن في تموز و حر الحجاز و بيننا
و بين العراق عشرة أيام فما يصنع بهذه الثياب و قلت في نفسي هذا رجل لم يسافر و هو
يقدر أن كل سفر يحتاج إلى هذه الثياب و أتعجب من الروافض حيث يقولون بإمامة هذا مع
فهمه هذا.
فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت فإذا الثياب قد أحضرت و قال لغلمانه
ادخلوا و خذوا لنا معكم لبابيد و برانس ثم قال ارحل يا يحيى فقلت في نفسي و هذا
أعجب من الأول يخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد و البرانس.
فخرجت و أنا أستصغر فهمه فسرنا حتى إذا وصلنا إلى موضع المناظرة في القبور ارتفعت
سحابة و اسودت و أرعدت و أبرقت حتى إذا صارت على رءوسنا أرسلت على رءوسنا بردا مثل
الصخور و قد شد على نفسه (عليه السلام) و على غلمانه الخفاتين و لبسوا اللبابيد و البرانس و
قال لغلمانه ادفعوا إلى يحيى لبادة و إلى الكاتب برنسا و تجمعنا و البرد يأخذنا
حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلا و زالت و عاد
[392]
الحر كما كان
فقال لي يا يحيى انزل من بقي من أصحابك فادفن من مات منهم فهكذا يملأ الله هذه
البرية قبورا.
قال فرميت بنفسي عن دابتي و غدوت إليه فقبلت رجله و ركابه و قلت أنا
أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) عبده و رسوله و أنكم خلفاء الله في أرضه فقد
كنت كافرا و قد أسلمت الآن على يديك يا مولاي قال يحيى و تشيعت و لزمت خدمته إلى
أن مضى و منها أن هبة الله بن أبي منصور الموصلي قال كان بديار ربيعة كاتب لها
نصراني يسمى يوسف بن يعقوب و كان بينه و بين والدي صداقة قال فوافانا فنزل عند
والدي فقال له والدي فيم قدمت في هذا الوقت قال دعيت إلى حضرة المتوكل و لا أدري
ما يراد مني إلا أني اشتريت نفسي من الله بمائة دينار و قد حملتها لعلي بن محمد
الرضا (عليه السلام) معي فقال له والدي قد وفقت في هذا و خرج إلى حضرة المتوكل و جاءنا بعد
أيام قلائل فرحا مسرورا مستبشرا فقال له والدي حدثني حديثك قال صرت إلى سر من رأى
و ما دخلتها قط فنزلت في دار و قلت يجب أن أوصل هذه المائة دينار إلى ابن الرضا
قبل مصيري إلى دار المتوكل و قبل أن يعرف أحد قدومي و عرفت أن المتوكل قد منعه من
الركوب و أنه ملازم لداره فقلت كيف أصنع رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا لا آمن
أن ينذر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره قال ففكرت ساعة في ذلك.
فوقع في قلبي أن
أركب حماري و أخرج في البلد فلا أمنعه حيث يذهب لعلي أقف على معرفة داره من غير أن
أسأل أحدا فجعلت الدنانير في كاغذ و جعلتها في كمي و ركبت و كان الحمار يتخرق في
الشوارع و الأسواق يمر حيث يشاء إلى أن صرت إلى باب دار فوقفت الحمار فجهدت أن
يزول فلم يزل فقلت للغلام سل لمن هذه الدار فسأل فقيل دار ابن الرضا فقلت الله أكبر
دلالة و الله مقنعة قال فإذا خادم أسود قد خرج فقال أنت يوسف بن يعقوب قلت نعم قال
فانزل فأقعدني في الدهليز و دخل فقلت هذه دلالة أخرى : من أين عرف اسمي و اسم أبي
[393]
و ليس في البلد من يعرفني و لا دخلته قط فخرج
الخادم فقال المائة دينار التي في كمك في الكاغذ هاتها فناولته إياها و قلت هذه
ثالثة و جاء فقال ادخل فدخلت و هو وحده فقال يا يوسف ما آن لك فقلت يا مولاي قد
بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى فقال هيهات أنك لا تسلم و لكن سيسلم
ولدك فلان و هو من شيعتنا يا يوسف إن أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك
كذبوا و الله أنها لتنفع امض فيما وافيت له فإنك سترى ما تحب فمضيت إلى باب
المتوكل فنلت كلما أردت و انصرفت.
قال هبة الله فلقيت ابنه بعد هذا و هو مسلم حسن
التشيع فأخبرني أن أباه مات على النصرانية و أنه أسلم بعد موت أبيه و كان يقول أنا
مؤمن ببشارة مولاي (عليه السلام) و منها ما قال أبو هاشم الجعفري إنه ظهر برجل من أهل سر من
رأى برص فتنغص عيشه فأشار إليه أبو علي الفهري بالتعرض لأبي الحسن و أن يسأله
الدعاء فجلس له يوما فرآه فقام إليه فقال تنح عافاك الله و أشار إليه بيده تنح
عافاك الله ثلاث مرات فانخذل و لم يجسر أن يدنو منه فانصرف و لقي الفهري و عرفه ما
قال له قال قد دعا لك قبل أن تسأله فاذهب فإنك ستعافى فذهب و أصبح و قد برأ.
و عن
زرافة حاجب المتوكل قال : وقع مشعبذ هندي يلعب بالحقة لم ير مثله و كان المتوكل
لعابا فأراد أن يخجل عليا (عليه السلام) فقال المتوكل إن أخجلته فلك ألف دينار قال فتقدم أن
يخبز رقاق خفاف تجعل على المائدة و أنا إلى جنبه ففعل و حضر علي (عليه السلام) للطعام و جعل له
مسورة عليها صورة أسد و جلس اللاعب إلى جنب المسورة فمد علي (عليه السلام) يده إلى رقاقة
فطيرها اللاعب كذا ثلاث
[394]
مرات فتضاحكوا فضرب علي (عليه السلام) يده على
تلك الصورة و قال خذه فوثبت الصورة من المسورة و ابتلعت الرجل و عادت إلى المسورة
فتحيروا و نهض علي بن محمد فقال له المتوكل سألتك بالله إلا جلست و رددته فقال و
الله لا يرى بعدها أ تسلط أعداء الله على أوليائه و خرج من عنده و لم ير الرجل
بعدها.
و أتاه رجل من أهل بيته اسمه معروف و قال جئتك و ما أذنت لي قال ما علمت بك
و أخبرت بعد انصرافك و ذكرتني بما لا ينبغي فحلف ما فعلت و علم أبو الحسن أنه كاذب
فقال اللهم إنه حلف كاذبا فانتقم منه فمات من الغد .
و منها : قال أبو هاشم الجعفري
كان للمتوكل بيت فيه شباك و فيه طيور مصوتة فإذا دخل إليه أحد لم يسمع و لم يسمع
فإذا دخل علي (عليه السلام) سكتت جميعا فإذا خرج عادت إلى حالها .
و روى حديث زينب الكذابة التي
ذكرناها في أخبار الرضا (عليه السلام) عن الهادي (عليه السلام) و الله أعلم .
و منها : ما روى ابن أرومة قال
خرجت إلى سر من رأى أيام المتوكل فدخلت إلى سعيد الحاجب و دفع المتوكل أبا الحسن (عليه السلام) إليه ليقتله فقال لي أ تحب أن تنظر إلى الهلك فقلت سبحان الله إلهي لا تدركه
الأبصار فقال الذي تزعمون أنه إمامكم قلت ما أكره ذلك قال قد أمرت بقتله و أنا
فاعله غدا فإذا خرج صاحب البريد فادخل عليه فخرج و دخلت و هو جالس و هناك قبر يحفر
فسلمت عليه و بكيت بكاء شديدا فقال ما يبكيك قلت ما أرى قال لا تبك أنه لا يتم لهم
ذلك و أنه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك الله دمه و دم صاحبه فو الله ما مضى غير
يومين حتى قتل .
و منها : أن أبا محمد الطبري قال تمنيت أن يكون لي خاتم من عنده (عليه السلام) فجاءني نصر الخادم بدرهمين فصنعتهما خاتما و دخلت على قوم يشربون الخمر فتعلقوا بي
فشربت قدحا و قدحين و كان ضيقا في إصبعي لا يمكنني إدارته للوضوء فأصبحت .
[395]
و قد افتقدته فتبت إلى الله تعالى .
و منها : أن
المتوكل عرض عسكره و أمر أن كل فارس يملأ مخلاة فرسه طينا و يطرحوه في موضع واحد
فصار كالجبل و اسمه تل المخالي و صعد هو و أبو الحسن (عليه السلام) و قال إنما طلبتك لتشاهد
خيولي و كانوا لبسوا التجافيف و حملوا السلاح و قد عرضوا بأحسن زينة و أتم عدة و
أعظم هيئة و كان غرضه كسر قلب من يخرج عليه و كان يخاف من أبي الحسن أن يأمر أحدا
من أهل بيته بالخروج عليه فقال له أبو الحسن فهل أعرض عليك عسكري قال نعم فدعا
الله سبحانه فإذا بين السماء و الأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون فغشي على
المتوكل فلما أفاق قال له أبو الحسن نحن لا ننافسكم في الدنيا فإنا مشغولون
بالآخرة فلا عليك شيء مما تظن .
و منها ما روي عن محمد بن الفرج قال : قال لي علي بن محمد إذا أردت أن تسأل
مسألة فاكتبها و ضع الكتاب تحت مصلاك و دعه ساعة ثم أخرجه و انظر فيه قال ففعلت
فوجدت جواب المسألة موقعا فيه .
و منها ما رواه أبو سعيد سهل بن زياد قال حدثنا أبو العباس فضل بن
أحمد بن إسرائيل الكاتب و نحن بداره بسر من رأى فجرى ذكر أبي الحسن (عليه السلام) فقال يا أبا
سعيد أحدثك بشيء حدثني به أبي قال : كنا مع المنتصر و أبي كاتبه فدخلنا و المتوكل
على سريره فسلم المنتصر و وقف و وقفت خلفه و كان إذا دخل رحب به و أجلسه فأطال
القيام و جعل يرفع رجلا و يضع أخرى و هو لا يأذن له في القعود و رأيت وجهه يتغير ساعة بعد ساعة و يقول للفتح
بن خاقان هذا الذي يقول فيه ما تقول و يرد عليه القول و الفتح يسكنه و يقول هو
مكذوب عليه و هو يتلظى
[396]
و يستشيط و يقول و الله لأقتلن هذا
المرائي الزنديق و هو الذي يدعي الكذب و يطعن في دولتي ثم طلب أربعة من الخزر
أجلافا و دفع إليهم أسيافا و أمرهم أن يقتلوا أبا الحسن إذا دخل و قال و الله
لأحرقنه بعد قتله و أنا قائم خلف المنتصر من وراء الستر فدخل أبو الحسن و شفتاه
يتحركان و هو غير مكترث و لا جازع فلما رآه المتوكل رمى بنفسه عن السرير إليه و
انكب عليه يقبل بين عينيه و يديه و احتمل شقه بيده و هو يقول يا سيدي يا ابن رسول
الله يا خير خلق الله يا ابن عمي يا مولاي يا أبا الحسن و أبو الحسن (عليه السلام) يقول أعيذك
يا أمير المؤمنين بالله من هذا فقال ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت قال جاءني رسولك
قال كذب ابن الفاعلة ارجع يا سيدي يا فتح يا عبيد الله يا منتصر شيعوا سيدكم و
سيدي فلما بصر به الخزر خروا سجدا فدعاهم المتوكل و قال لم لم تفعلوا ما أمرتكم به
قالوا شدة هيبته و رأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم و امتلأت
قلوبنا من ذلك فقال يا فتح هذا صاحبك و ضحك في وجهه و قال الحمد لله الذي بيض وجهه
و أنار حجته انتهى ما أردت نقله من كتابه رحمه الله تعالى.
و قال الطبرسي في كتابه
إعلام الورى الباب التاسع في ذكر الإمام النقي أبو الحسن علي بن محمد بن موسى (عليه السلام) و
فيه أربعة فصول.
الفصل الأول في ذكر مولده و مبلغ سنه و وقت وفاته و موضع قبره (عليه السلام) : ولد (عليه السلام) بصريا من المدينة في النصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و مائتين و في رواية
ابن عياش يوم الثلاثاء الخامس من رجب و قبض بسر من رأى في رجب سنة أربع و خمسين و
مائتين و له يومئذ أحد و أربعون سنة و أشهر و كان المتوكل قد أشخصه مع يحيى بن
هرثمة بن أعين من المدينة إلى سر من رأى فأقام بها حتى مضى لسبيله و مدة إمامته
ثلاث و ثلاثون سنة و أمه أم ولد يقال لها سمانة و ألقابه النقي و العالم و الفقيه
و الأمين و الطيب و يقال له أبو الحسن الثالث و كانت في أيام إمامته بقية ملك
المعتصم ثم ملك الواثق خمس سنين و سبعة أشهر و ملك المتوكل أربع عشرة سنة ثم ملك
ابنه المنتصر ستة أشهر .
[397]
ثم ملك المستعين و هو أحمد بن محمد بن المعتصم
سنتين و تسعة أشهر ثم ملك المعتز و هو الزبير بن المتوكل ثماني سنين و ستة أشهر و
في آخر ملكه استشهد ولي الله علي بن محمد (عليه السلام) و دفن في داره بسر من رأى.
الفصل الثاني في طرف من النص الدال على إمامته (عليه السلام) و ذكر أخبارا قد تقدمت تتضمن النص من أبيه (عليه السلام)
وقال و الأخبار في هذا الباب كثيرة و في إجماع العصابة على إمامته و عدم
من يدعيها لغيره غنى عن إيراد الأخبار في ذلك و ضرورة أئمتنا (عليهم السلام) في هذه الأزمنة في
خوفهم من أعدائهم و تقيتهم أحوجت شيعتهم في معرفة نصوصهم على من بعدهم إلى ما
ذكرنا من الاستخراج حتى أن أوكد الوجوه عندهم في ذلك دلائل العقول الموجبة للإمامة
و ما اقترن إلى ذلك من حصولها لولد الحسن (عليه السلام) و فساد أقوال ذوي النحل الباطلة و
بالله التوفيق.
الفصل الثالث في ذكر طرف من دلائله (عليه السلام) و معجزاته و بيناته
قد ذكر في
هذا الفصل شيئا مما أوردته و أنا أذكر من قوله ما انفرد بروايته.
فمنها قال أبو
هاشم الجعفري : كنت بالمدينة حين مر بها بغاء أيام الواثق في طلب الأعراب فقال أبو
الحسن (عليه السلام) اخرجوا بنا حتى ننظر إلى تعبئة هذا التركي فخرجنا فمر بنا تعبيته و مر بنا
تركي فكلمه أبو الحسن بالتركية فنزل عن فرسه و قبل حافر دابته قال فقلت للتركي ما
قال لك قال أ نبي هو قلت لا قال دعاني باسم سميت أمي به في صغري في بلاد الترك ما
علمه أحسد إلى الساعة.
و عنه قال : دخلت إلى أبي الحسن (عليه السلام) فكلمني بالهندية فلم أحسن أن
أرد عليه و كان بين يديه حصا فأخذ حصاة و تركها في فمه و مصها ثلاث مصات و دفعها
إلي فوضعتها في فمي فو الله ما برحت من عنده حتى تكلمت بثلاثة و سبعين لسانا أولها
الهندية.
و عنه قال : خرجت معه (عليه السلام) إلى ظاهر سر من رأى يتلقى بعض الطالبيين
[398]
فأبطأ فطرحت له غاشية السرج فجلس عليها و نزلت فجلست بين يديه و هو
يحدثني فشكوت إليه قصور يدي فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالسا فناولني منه أكفا و
قال اتسع بهذا يا أبا هاشم اكتم ما رأيت فخبأته معي و رجعنا فأبصرته فإذا هو يتقد
كالنيران ذهبا أحمر فدعوت صائغا إلى منزلي و قلت له اسبك لي هذا سبيكة فسبكه و قال
ما رأيت ذهبا أجود من هذا و هو كالرمل فمن أين لك هذا فما رأيت أعجب منه قلت هذا
لنا من قديم مدخر.
و حدث أبو طاهر الحسين بن عبد القاهر الطاهري قال حدثنا محمد بن
الحسين الأشتر العلوي قال : كنت على باب المتوكل و أنا صبي في جمع من الناس ما بين
طالبي إلى عباسي إلى جندي و كان إذا جاء أبو الحسن ترجل الناس كلهم حتى يدخل فقال
بعضهم لبعض لم نترجل لهذا الغلام و ما هو بأشرفنا و لا بأكبرنا سنا و الله لا
ترجلنا له فقال له أبو هاشم الجعفري و الله لترجلن له صاغرين إذا رأيتموه فما هو
إلا أن أقبل حتى ترجلوا أجمعين فقال أبو هاشم أ ليس زعمتم أنكم لا تترجلون فقالوا
و الله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا.
قال و أولم بعض أولاد الخلفاء وليمة فدعا أبا
الحسن و دعا الناس فلما رأوه أنصتوا إجلالا له و جعل شاب في المجلس لا يوقره و
يتحدث و يضحك فأقبل عليه و قال يا هذا أ تضحك بملء فيك و تذهل عن ذكر الله و أنت
بعد ثلاث من أهل القبور قال فقلنا هذا دليل ننظر ما يكون فأمسك الفتى و كف و طعمنا
و خرجنا فلما كان بعد يوم اعتل الفتى و مات في اليوم الثالث و دفن فيه.
و قال سعيد
: اجتمعنا في وليمة لبعض أهل سر من رأى و أبو الحسن معنا فجعل رجل يعبث و يمزح و لا
يرى له جلاله فأقبل على جعفر و قال أما إنه لا يأكل من هذا الطعام و سيرد عليه من
خبر أهله ما ينغض عيشه فلما قدمت المائدة قال جعفر ليس بعد هذا خبر فو الله لقد
غسل الرجل يده و أهوى إلى الطعام فدخل غلامه و هو يبكي و يصرخ و قال الحق أمك فقد
وقعت من السطح و هي في الموت قال جعفر فقلت و الله لا وقفت بعد هذا فيه و قطعت
عليه و الروايات في هذا الباب كثيرة و فيما
[399]
أوردناه كفاية.
الفصل الرابع في ذكر طرف من خصائصه (عليه السلام) و أخباره
ذكر في هذا الفصل حديث إشخاصه من المدينة و حديث خان الصعاليك الذي
أنزل فيه عند قدومه سر من رأى قال و كان المتوكل يجتهد في إيقاع حيلة به فلا يتمكن
من ذلك و له معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب فيها آيات و دلالات ذكرنا بعضها و في
إيراد جميعها خروج عن الغرض في الإيجاز.
و له من الأولاد ابنه أبو محمد الحسن
الإمام بعده و الحسين و محمد و جعفر الملقب بالكذاب و ابنته غالية و كان مقامه بسر
من رأى إلى أن توفي (عليه السلام) عشرين سنة و أشهرا.
قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته علي
بن عيسى أغاثه الله في الدنيا و الآخرة برحمته شرف مولانا الهادي (عليه السلام) قد ضرب على
المجرة قبابه و مد على النجوم أطنابه و وصل بأسباب السماء أسبابه فما تعد منقبة
إلا و له نخيلتها و لا تذكر كريمة إلا و له فضيلتها و لا تورد حسنة إلا و له
تفصيلها و جملتها و لا تستعظم حالة سنية إلا و تظهر عليه أدلتها استحق ذلك بما في
جوهر نفسه من كرم تفرد بخصائصه و مجد حكم فيه على طبعه الكريم فحفظه من الشوب حفظة
الراعي لقلائصه فكانت نفسه مهذبة و أخلاقه مستعذبة و سيرته عادلة و خلاله فاضلة و
مباره إلى العفاة واصلة و رباع العرف بوجوده و جودة أهله جرى من الوقار و السكينة
و السكون و الطمأنينة و العفة و النزاهة و الخمول في النباهة و الشفقة و الرأفة و
الحزم و الحصافة و الحنو على الأقارب و الأباعد و الحدب على الولي و الحاسد على
وتيرة نبوية و شنشنة علوية و نفس قدسية لا يقاربها أحد من الأنام و لا يدانيها و
طريقة لا يشاركه فيها خلق و لا يطمع فيها .
إن السري إذا سرا فبنفسه و *** ابن السري إذا سرا أسراهما
إذا قال بذ الفصحاء و حير البلغاء و أسكت العلماء إن جاد بخل الغيث
[400]
و إن صال جبن الليث و إن فخر أذعن كل مساجل و سلم إليه كل
مناضل و أقر لشرفه كل شريف و إن طاول الأفلاك و نافر الأملاك و اعترف أنه ليس هناك
و إن ذكرت العلوم فهو (عليه السلام) موضح أشكالها و فارس جلادها و جدالها و ابن نجدتها و صاحب
أقوالها و أطلاع نجادها و ناصب أعلام أعقالها.
هذه صفاته التي تتعلق بذاته و
علاماته الدالة على معجز آياته فإن أتى الناس بآبائهم أتى بقوم أخبر بشرفهم هل أتى
و دلت على مناصبهم آية المباهلة و إن عتا عن قبولها من عتا و نطق القرآن الكريم
بفضلهم و نبه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على نبلهم و لم يسأل على التبليغ أجرا إلا ودهم و بالغ في
العهد بأحسنوا خلافتي في أهلي فما حفظوا عهده و لا عهدهم فهم (عليه السلام) أمناء الله و خيرته
و خلفاؤه على بريته و صفوته المشار إليهم بآداب القرآن المجيد المخاطبون ب إِنَّ
فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ
شَهِيدٌ الذين هم على أولياء الله أرق من الماء و على أعدائه أقسى من الحديد و
أجواد و السحاب باخل أيقاظ في اللقاء و الليث ذاهل قلوبهم حاضرة و وجوههم ناضرة و
ألسنتهم ذاكرة و إذا كان لغيرهم دنيا فلهم دنيا و آخرة صلى الله عليهم صلاة
يقتضيها كرم الله و استحقاقهم الكامل و هذان سببان يوجبان الحصول لوجود الفاعل و
القابل و قد مدحت مولانا أبا الحسن (عليه السلام) بما أرجو ثوابه في العاجل و الآجل و أنا
معترف بالتقصير و الله عند لسان كل قائل و هو :
يا أي هذا الرائح الغادي *** عرج على سيدنا الهادي
و اخلع إذا شارفت ذاك الثرى *** فعل كليم الله في الوادي
و قبل الأرض و سف تربة *** فيها العلى و الشرف العادي
و قل سلام الله و قف على *** مستخرج من صلب أجواد
مؤيد الأفعال ذو نائل *** في المحل يروي غلة الصادي
يفوق في المعروف صوب *** الحيا الساري بإبراق و إرعاد
في البأس يردي شأفة المعتدي *** بصولة كالأسد العادي
[401]
و في الندى يجري إلى غاية *** بنفس مولى العرف معتاد
يعفو عن الجاني و يعطي المنى *** في حالتي وعد و إيعاد
كأن ما يحويه من ماله *** دراهم في كف نقاد
مبارك الطلعة ميمونها *** و ماجد من نسل أمجاد
من معشر شادوا بناء العلى *** كبيرهم و الناشئ الشادي
كأنما جودهم واقف *** لمبتغي الجود بمرصاد
عمت عطاياهم و إحسانهم *** طلاع أغوار و أنجاد
في السلم أقمار و إن حاربوا *** كانت لهم نجدة آساد
ولاؤهم من خير ما نلته *** و خير ما قدمت من زاد
إليهم سعيي و في حبهم *** و مدحهم نصي و إسنادي
يا آل طه أنتم عدتي *** و وصفكم بين الورى عادي
و شكركم دأبي و ذكري لكم *** همي و تسبيحي و أورادي
و يعجب الشيعة ما قلته *** فيكم و يستحلون إيرادي
بدأتم بالفضل و ارتحتم *** إلى العلى و الفضل للبادي
و لي أمان فيكم جمة *** تقضي بإقبالي و إسعادي
و واجب في شرع إحسانكم *** أنالني الخير و إمدادي
لا زال قلبي لكم مسكنا *** في حالتي قرب و إبعادي
[402]