الصفحة298
مع جواريها ـ الصوف والشعر ـ من الصباح إلى نصف النهار ـ وتصنع بذلك خيوطاً جاهزة
للنسيج ، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن طوال هذا الوقت ، ولا يزال دأبها ذلك
(1).
(من بعد قوة) أي : كانت تنكث غزلها من بعد إحكام وإتقان وإستحكام وفتل للغزل ، في
المرة الأولى وكأنها تريد أن تصنع من ذلك الغزل أقمشة . فبعد النكث والنقض كان يفقد
الصوف معظم قوته .
(انكاث) جمع نكث ، وهو الصوف والشعر ، يبرم ـ ويعمل منه الخيوط ـ ثم ينكث : أي :
ينقض ويفل ليغزل مرةً ثانية .
وقد شبه الله تعالى ناقض العهد بتلك المرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة وإتقان .
(تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم)
أيمان ـ جمع يمين ـ : وهو القسم والحلف .
الدخل : المكر والخيانة .
أي : كانوا يحلفون بالوفاء بالعهد ، ويضمرون في أنفسهم الخيانة . وكان الناس
يطمئنون إلى عهدهم . .
ـــــــــــــــــــ
(1) (والجنون فنون) .
المحقق
الصفحة299
لكن أولئك كانوا ينقضون العهد .
وبعد هذا التمهيد . . نقول : لقد شبهت السيدة زينب (عليها السلام) أهل الكوفة بتلك
المرأة الحمقاء ، من ناحية عدم الوفاء بعهودهم ونقضهم لها . بسبب صفة الغدر
المتجذرة في نفسياتهم اللئيمة ، البعيدة عن الإنسانية ، وعن التفكير في نتائج
الأمور ومضاعفاتها .
(ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف)
الصلف : صلف الرجل : تمدح بما ليس عنده ، إعجاباً بنفسه وتكبراً
(1).
ويقال : أصلفت الرجل إذا أبغضته ومقته ، ويعبر عن البخيل ـ أيضاً ـ بهذه الكلمة
(2).
هذا ما ذكره علماء اللغة ، ولكن الذي يتبادر إلى الذهن ـ من كلمة الصلف ـ : هو
الوقح ، ولا مانع من تفسير الكلمة بهذا المعنى . . فبكاؤهم بعد ارتكابهم تلك
الجرائم يدل على شدة وقاحتهم وقلة حيائهم .
ـــــــــــــــــــ
(1) كما في كتاب (أقرب الموارد) للشرتوني .
(2) كما في كتاب (المحيط في اللغة) للصاحب بن عباد .
الصفحة300
النطف : المتلطخ بالعيب (1).
(والصدر الشنف)
الشنف : شدة البغض (2). والشنف : المبغض
(3)، والمعنى : الصدر الذي يحتوي على شدة البغض
والعداء لأهل البيت (عليهم السلام) . (وملق الإماء)
الملق ـ بفتح اللام ـ الود واللُطف ، وأن تعطي باللسان ما ليس في القلب والفعل
(4).
والمعنى : أنكم مجتمع للصفات الرذيلة ، ففيكم حالة التملق والتذلل لمن لا يستحق ذلك
من الحكام الخونة أمثال: يزيد وابن زياد اللئيمين، وحاشيتهما القذرة، فكما أن
الإماء ـ جمع أمة ـ : وهي العبدة . يتملقن إلى المالك لجلب مودته ، ويعطينه باللسان
من الود
ـــــــــــــــــــ
(1) كما في كتاب (العين) للخليل بن أحمد الفراهيدي ، و(الصحاح) للجوهري .
(2) كتاب (العين) للخليل بن أحمد ، والمحيط في اللغة ، لابن عباد .
(3) المنجد في اللغة .
(4) القاموس المحيط ، للفيروز آبادي .
الصفحة301
والمشاعر ما ليس في قلوبهن ، بل يفكرن في مصالحهن حتى لو استوجب ذلك لهن التذلل
والتملق والخضوع لمن ليس أهلاً لذلك ، أنتم ـ يا أهل الكوفة ! كذلك تتملقون إلى
حكامكم . . من منطلق المصالح ، لا الإخلاص والوفاء ! (وغمز الأعداء )
الغمز : الإشارة بالجفن والحاجب (1) ولعل السيدة زينب
(عليها السلام) تقصد من هذه الكلمة : أنكم يا أهل الكوفة انتم غمز الأعداء ، أي :
إن الأعداء (وهم : ابن زياد وحاشيته) ينظرون إليكم من جانب عيونهم غمزاً . .
ويتعاملون معكم بمنتهى التحقير والإذلال ، فلا كرامة لكم عندهم ، بل يريدونكم
عبيداً وخدماً وجسوراً للوصول إلى أهدافهم . . من دون أن يكنوا إليكم أية محبة أو
تقدير أو إحترام . فيعتبر هذا الكلام ـ من السيدة زينب ـ تنبيهاً لأهل الكوفة على
مدى فقدان عزة النفس لديهم ، حيث جعلوا أنفسهم أدوات طيعة وذليلة بيد أفراد لؤماء ،
وهم ناسين للكرامة التي أرادها الله تعالى للبشر .
إننا نرى ـ في زماننا هذا ـ أن الموظفين المتكبرين
ـــــــــــــــــــ
(1) كتاب (العين) للخليل بن أحمد .
الصفحة302
لا يرفعون رؤوسهم ليستمعوا إلى ما يقوله المراجع لهم ، بل ينظرون إليه بجانب عيونهم
تحقيراً وإذلالاً له ! !
وهكذا كانت نظرة الحكام إلى أعوانهم والمتعاطفين معهم .
ثم ذكرت السيدة زينب (عليها السلام) مثالاً آخر لبيان حقيقة أهل الكوفة والكشف عن
واقعهم ، وأن ظاهرهم يختلف ـ تماماً ـ عن باطنهم ، وأن ما يقولونه بألسنتهم ،
فشبهتهم بالأعشاب التي تنبت وتنمو في أماكن وسخة وغير صحية ، فقالت (عليها السلام)
:
(أو كمرعى على دمنة)
المرعى : محل العشب الذي يسرح فيه القطيع .
الدمنة : المحل الذي تتراكم فيه أرواث الحيوانات وابوالها وتختلط مع التراب في
مرابضهم ، فتتلبد وتتماسك الأوساخ المتكونة من الروث والبول والتراب ، ثم ـ بسبب
الرطوبة الموجودة ـ ينبت هناك نبات أخضر ، جميل المنظر واللون ، ولكن الجذور نابتة
في مكان وسخ مليء بالجراثيم والميكروبات ! (1)
ـــــــــــــــــــ
(1) ذكر هذا المعنى في أكثر كتب اللغة بعبارات مختلفة والمضمون واحد ، ونحن ذكرنا
ذلك بتعبيرنا .
(المحقق)
الصفحة303
كذلك أهل الكوفة كان لهم ظاهر حسن، وكانت لهم حضارة عريقة ، لكن باطنهم وواقعهم كان
قبيحاً، يشتمل على الخبث والغدر ، والخيانة والكذب والنفاق، والجرأة على الله تعالى
، وسحق القيم والمفاهيم ، وعدم التخلق بالفضائل ، والتي من أبرزها : الوفاء بالعهد
، وترجيح الدين على كل شيء .
هذا . . ونعود لنذكر ـ مرةً أخرى ـ أنه كان في الكوفة جمع غفير من المؤمنين الأخيار
الطيبين ، لكن الأشرار ـ بتعاونهم مع الحكم الفاسد ـ كانوا قد شكلوا هذه الواجهة
القبيحة ، وكونوا هذه السمعة السيئة لجميع أهل البلد ! !
ثم ذكرت السيدة زينب (عليها السلام) مثالاً آخر فقالت :
(وكفضة على ملحودة)
اللحد : القبر . الملحودة : الجثة الموضوعة في القبر .
إذا وضعت علامة مصنوعة من الفضة على قبر رجل منحرف دينياً ، فسوف يكون ظاهر القبر
جميلاً ، لكن الجثة التي في داخل القبر جيفةً متعفنة . كذلك أهل الكوفة كانوا أهل
التمدن والحضارة والثقافة ، لكنهم في
الصفحة304
الباطن كانوا بمنزلة الجيفة ، حيث تجمعت فيهم المساوئ الأخلاقية ، كنقض العهد
والغدر والخيانة وغيرها ، فكونت لهم سوء الملف والسوابق المخزية .
وفي نسخة : (كقصة على ملحودة)
والقصة : هي : الجص : وهي البودرة والتراب المطبوخ الذي يخلط مع الماء فيصير طيناً
ابيض اللون ، ويوضع ذلك الطين ما بين الطابوق ويكون سبباً لتماسك أجزاء البناء
(1).
فما فائدة ذلك القبر الذي يجصص ـ ليكون جميل الظاهر ـ ، لكنه يتضمن جثماناً نتناً
لرجل خبيث أو إمرأة منحرفة ؟ ! !
وقد يستفاد ـ من بعض كتب التاريخ ـ أن المتفرجين والمستمعين لخطاب السيدة زينب
(عليها السلام) إنقسموا إلى ثلاث أقسام :
1 ـ قوات الشرطة التابعين لابن زياد .
2 ـ المحايدين .
3 ـ الأفراد الذين تفاعلوا مع كلمات خطبة السيدة زينب
ـــــــــــــــــــ
(1) قال الخليل في كتاب (العين) القصة : لغة في الجص . وجاء في القاموس المحيط : (القصة : الجصة) .
الصفحة305
(عليها السلام) وتأثروا بكلامها ، وبدأوا يبكون ! !
كيف لا . . وهم يسمعون صوتاً يشبه صوت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من ابنته
الشجاعة !
ولعلها كانت تخطب في ساحة كبيرة من ساحات مدينة الكوفة ، حيث كانت تستوعب أكبر قدر
ممكن من الجماهير : المستمعين والمتفرجات ، الذين وقفوا على جانبي الطريق ، أو على
سطوح دورهم ينظرون ويستمعون .
(ألا : ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون)
هذه الجملة مقتبسة من قوله تعالى : (تَرَى
كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلّوْنَ الّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدّمَتْ لَهُمْ
أَنْفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ)
(1).
والمعنى : بئس ما قدموا من العمل لمعادهم في الآخرة ، أن سخط الله اليهم . والمعنى
ـ هنا ـ يا أهل الكوفة : إن أعمالكم قد أوجبت عليكم غضب الله وسخطه ، والبقاء
الدائم في نار جهنم .
ـــــــــــــــــــ
(1) سورة المائة ، الآية 80 .
الصفحة306
(أتبكون وتنتحبون) ؟ !
الإنتحاب : رفع الصوت بالبكاء الشديد .
(إي والله ، فابكوا كثيراً واضحكوا قليل)
إشارة إلى قوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا
قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً ً)
(1)، والمعنى : فليضحك هؤلاء المنافقون قليلاً ، لأن
الضحك ـ حتى لو إستمر ـ فإنه ينتهي بفناء الدنيا ، وهو قليل لدى المقايسة مع بكائهم
الدائم في يوم القيامة ، لأن ذلك : (يَوْمٍ
كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ)
(2) وهم يبكون فيه كثيراً . . وباستمرار .
وهذا تهديد وإنذار من السيدة زينب لأهل الكوفة ، وليس أمراً لهم بالضحك ، بل أمر
بالتقليل من الضحك ، ـ وتهديد ضمني ـ أن لا مبرر لضحك وفرح يتعقبه بكاء طويل وعذاب
مستمر.
(فلقد ذهبتم بعارها وشناره)
يقال : ذهب بها : أي إستصحبها . والعار : كل شيء
ـــــــــــــــــــ
(1) سورة التوبة ، الآية 82 .
(2) سورة المعارج ، الآية 4 .
الصفحة307
يلزم منه عيب (1) أو كل ما يعير به الإنسان من قول أو
فعل ، أو يلزم منه عيب أو سب (2).
والشنار : العيب والعار (3) والأمر المشهور بالشنعة
(4).
(ولن ترحضوها بغسل بعدها أبد)
ترحضوها : تغسلوها .
غسل : ما يغسل به ، كالماء والمواد المنظفة المزيلة للأوساخ .
قد يقوم الإنسان بجريمة صغيرة يستطيع محاصرة مضاعفاتها ، وقد تكون الجريمة كبيرة
جداً تأبى أن يحاصر أحد مضاعفاتها وآثارها ، أو ينسب الغفلة أو السهو والإشتباه إلى
مباشر تلك الجريمة ، ويجعل الإعتذار سبباً وطريقاً للعفو عن ذلك المجرم وإغلاق ملفه
. فالمعنى : لا يمكن لكم التخلص من مضاعفات هذه الجناية العظمى ، فقد تعلقت الجريمة
بأعناقكم ، وسجلت
ـــــــــــــــــــ
(1) القاموس للفيروز آبادي .
(2) أقرب الموارد للشرتوني .
(3) مجمع البحرين ، للطريحي . وكتاب (العين) للخليل بن أحمد .
(4) أقرب الموارد للشرتوني .
الصفحة308
في التاريخ . . بحيث لا يمكن تغطيتها أو إنكارها ! ! أو ذكر توجيهات واهية وسخيفة
لهذا الجرم العظيم والذنب الجسيم !
(وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ؟)
رحض : رحض الثوب : غسله .
أي : كيف تغسلون عن أنفسكم ، وتمحون وتمسحون عن ملفكم هذه الفاجعة العظيمة ، وهي
قتل ولد رسول الله خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ !
وبعبارة أخرى :
كيف وبأي وجه يمكن لكم أن تبرروا قتل سليل خاتم النبوة ؟ ! والسليل : هو الولد .
كيف يمكن لكم غسل هذا الذنب العظيم عن أنفسكم ؟ !
وهل هناك مجال للإعتذار في ارتكاب جريمة بهذا الحجم ومع تلكم الكيفية والملحقات ؟ ؟
! !
(ومعدن الرسالة ؟ وسيد شباب أهل الجنة ؟)
إن الإمامة : هي إمتداد للرسالة ، وكما أن الرسول يختاره الله تعالى . . لا الناس ،
كذلك الإمام والخليفة . .
الصفحة309
يختاره الله تعالى أيضاً . . وليس الناس
والإمام الحسين (عليه السلام) هو الخليفة الشرعي الثالث لرسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم) (1) في أمته .
فلم يكن الإمام الحسين (عليه السلام) رجلاً مجهولاً خامل الذكر ، غير معروف عند
الناس ، بل كان مشهوراً عند جميع المسلمين بكل ما للعظمة والجلالة والقداسة من معان
، وأحاديث رسول الله في مدحه والثناء عليه . . كانت محفوظة في ذاكرة الجميع ، وآيات
القرآن الكريم كانت تمجده بما هو أهل لذلك ، ف(آية التطهير) تشهد له بالعصمة
والطهارة عن كل رجس ، وآية (إطعام الطعام) تنبئ عن نفسيته التي بلغت القمة في
الإخلاص وحب الخير للآخرين ، و(آية القربى) جعلت إظهار المحبة ومشاعر الود له أجراً
لبعض أتعاب الرسول الكريم ، و(آية المباهلة) اعلنت أنه الإبن المميز للرسول الأقدس
(صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه واحد من (أهل البيت) الذين بدعائهم يغير الله تعالى
الموازين الكونية .
وأحاديث النبي العظيم حول مكانته ومنزلة أخيه الإمام الحسن .. كانت أشهر من الشمس
في رائعة النهار ، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (الحسن والحسين سيدا شباب أهل
الجنة) ، (الحسن والحسين إمامان .. إن
ـــــــــــــــــــ
(1) كتاب (بحار الأنوار) ج 43 ، ص 261 .
الصفحة310
قاما وإن قعد) (حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسين) .
وكانت هذه الأحاديث وأمثالها قد ملأت آذان صحابة الرسول وتابعيهم . . المنتشرين في
كل البلاد . . وخاصة الكوفة .
فجريمة قتل الإمام الحسين لا يمكن أن تقاس بجريمة قتل غيره من الأبرياء ، لأن
المقتول ـ هنا ـ عظيم فوق كل ما يتصور ، فيكون حجم جريمة قتله أكبر وأعظم من جريمة
قتل أي بريء ، فلا يمكن لأهل الكوفة أن يغسلوا عن أنفسهم هذه الجريمة الكبرى .
ثم استمرت السيدة زينب بذكر سلسلة من جوانب العظمة المتجمعة في أخيها سيد الشهداء
الإمام الحسين (عليه السلام) لتبين ـ للناس ـ حجم الخسارة الفادحة ، ومضاعفات هذا
الفراغ الذي حصل في كيان الأمة الإسلامية ، وهو قتل الإمام المنتخب من عند الله
تعالى لهداية البشر ، فقالت (عليها السلام) :
(وملاذ خيرتكم)
الملاذ : الملجأ، والحصن الآمن الذي يحتمى به
الصفحة311
ويلجأ إليه في الشدائد.
خيرتكم: المؤمنين الأبرار، المتفوقين في درجة إيمانهم بالله تعالى ، وفي جوانبهم
الأخلاقية والإيمانية، كالتقوى، والعقيدة الراسخة، وحماية وحراسة الدين، تقديم
الدين على كل مصلحة .. مادية كانت أو غيرها ! !
(ومفزغ نازلتكم)
المفزع : من يفزع إليه ، ويلتجأ إليه .
النازلة : الشديدة من شدائد الدهر . . تنزل بالقوم (1)
وقيل : النازلة : هي المصيبة الشديدة (2).
(ومنار حجتكم)
المنار : محل إشعاع النور . والحجة : الدليل والبرهان للإستدلال على حقيقة شيء.
المنار : محل على سطح الدار ، كان الإنسان الكريم يشعل النار فيه ليلاً ليعلن للناس
أن هنا محلاً للضيافة ، فيستدل بنور تلك النار التائهون عن الطريق ، أو المسافرون
الذين وصلوا إلى البلد لتوهم ، وهم يبحثون عن مأوى
ـــــــــــــــــــ
(1) كتاب (العين) للخليل بن أحمد .
(2) المعجم الوسيط .
الصفحة312
يلجأون إليه حتى يحين الصباح .
وتطلق هذه الكلمة ـ حالياً ـ على الأضواء الكشافة القوية في درجة الإضاءة التي توضع
على أبراج المراقبة في مطارات العالم ، لإرشاد الطائرات إلى محل المطار ، وخاصةً في
الليالي التي يخيم الضباب على سماء المدينة .
لقد جعل الله تعالى الإمام الحسين (عليه السلام) مصباح الهدى ، ينير الدرب لكل تائه
أو متحير، ولكن الناس تجمعوا عليه وكسروا المصباح ، وهم غير مبالين بما ينتج عن ذلك
من مضاعفات ، ففي الظلام تقع حوادث السرقة والسطو على المنازل والبيوت، وجرائم
الإغتصاب والقتل، والضياع عن الطريق ، والسقوط في الحفائر، وغير ذلك .
أما مع وجود المصباح فلا تحدث هذه الجرائم والمآسي .
ولم يكن الإمام الحسين مناراً مادياً فقط . . بل كان مناراً لمن يبحث عن الحقيقة ،
ويسأل عن الدين ، ويريد الحصول على رد الشبهات ، وما يتبادر إلى بعض الأذهان من
تشكيكات . ولذلك فقد عبرت السيدة زينب عن الإمام الحسين ب(منار حجتكم) .
الصفحة313
(ومدرة سنتكم)
السنة : العام القحط (1) ، وقيل : السنة المجدبة
(2) وقيل : غلب إطلاق كلمة (السنة) على القحط ، مثل
ما غلب إطلاق كلمة (الدابة) على الفرس (3).
هذا هو معنى السنة .
ولم أعثر ـ في المعاني التي ذكرت في كتب اللغة معنى لكلمة (مدرة) ـ يتناسب مع كلمة
(سنتكم) ، ويحتمل أن يكون تصحيفاً لكلمة (ومدد) أي : من يزودكم بالمؤن المادية في
سنوات القحط والجدب ، ويخلصكم من المجاعة والموت . أو يزودكم بالأدلة المعنوية
حينما تحتارون في قضاياكم الدينية ، ومشاكلكم العائلية ، وتتلاعب بأفكاركم
التشكيكات والأفكار المنحرفة أو المستحدثة ، فتعيشون في ضياع . . لا تفرقون بين
السنة والبدعة ، وبين القول الحق والأقوال الباطلة المصبوغة بصبغة الدين !
ثم زادت السيدة زينب (عليها السلام) من درجة توبيخ
ـــــــــــــــــــ
(1) كتاب (العين) للخليل بن أحمد .
(2) لسان العرب ، لإبن منظور .
(3) أقرب الموارد للشرتوني ، مع تصرف في بعض الألفاظ .
الصفحة314
الناس ، محاولة منها لإيقاظ تلك الضمائر ، ولتعلن لهم أنهم سوف لا يصلون إلى أي هدف
تحركوا من أجله فقاموا بهذه الجريمة النكراء . فقالت :
(ألا ساء ما تزرون)
أي : بئس ما حملتم على ظهوركم من الذنوب والجرائم ، فهي من نوع لا يبقي أي مجال
لشمول غفران الله وعفوه . . لكم .
(وبعداً لكم وسحق)
بعداً : أي : أبعدكم الله تعالى . . بعداً عن رحمته وغفرانه .
سحقاً : هلاكاً وبعداً ، يقال : سحق سحقاً : أي : بعد أشد البعد
(1).
(فلقد خاب السعي ، وتبت الأيدي)
خاب : لم ينل ما طلب ، أو إنقطع رجاؤه (2).
ـــــــــــــــــــ
(1) المعجم الوسيط . وقال الخليل في كتاب (العين) السحق : البعد . ولغة أهل الحجاز
: بعد له وسحق ، يجعلونه إسماً ، والنصب على الدعاء عليه ، أي : أبعده الله وأسحقه
.
(2) معجم لاروس .
الصفحة315
تبت الأيدي ، التب : الخسران والهلاك (1) وقيل :
القطع والبتر .
(وخسرت الصفقة)
الصفقة : معاملة البيع أو أية معاملة أخرى . والمعنى أنكم ـ يا أهل الكوفة ـ خسرتم
المعاملة ، معاملة بيع الدين والآخرة في قبال الدنيا ، فمن الجنون أن يبيع الإنسان
ذلك في قبال عذاب مستمر مزيج بالإهانة والتحقير ، وبثمن قتل إبن رسول الله ، كل ذلك
وهو يدعي أنه مسلم ! !
ولعل المعنى : أنكم بعتم الحياة في ظل حكومة الإمام الحسين (عليه السلام) بالحياة
في ظل سلطة يزيد ، وذهبتم إلى حرب الإمام الحسين لتحافظوا على كرسي يزيد من
الإهتزاز ، ولكن معاملتكم هذه . . خاسرة ، فسوف لا تتهنؤون في ظل حكومته ، فلا
كرامة ولا أمان ولا مستقبل زاهر ! !
إن الدين والإنضواء تحت لواء من اختاره الله تعالى هو الذي يوفر للإنسان الحياة
السعيدة والعزة والكرامة .
أما الإعراض عن ذلك فسوف يجر الويلات لكم ،
ـــــــــــــــــــ
(1) كتاب (العين) للخليل ، ومجمع البحرين للطريحي .
الصفحة316
فتتوالى عليكم حكومات جائرة ، فتعيشون حياةً ممزوجة بالتعاسة والذل ، الشامل لجميع
جوانب حياتكم الدينية والاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها .
وهنا أدمجت السيدة زينب (عليها السلام) كلامها بالقرآن الكريم واستلهمت منه ذلك
فقالت :
(وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة)
قال تعالى : (وَضُرِبَتْ
عَلَيْهِمُ الذّلّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ .
. .) (1).
(وبؤتم بغضب من الله) أي رجعتم وقد احتملتم معكم غضباً من الله تعالى ، وسوف يسبب
لكم هذا الغضب العقاب الأليم والبعد عن رحمة الله وغفرانه ، بكل تأكيد .
وإن الجريمة . . مهما كان حجمها أكبر فسوف يكون غضب الله أشد ، وبالتالي يكون
العذاب أكثر إيلاماً وأشد إهانةً وتحقيراً ، ويكون بعد المجرم عن عفو الله وغفرانه
أكثر مسافة !
ـــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة ، الآية 61 .
الصفحة317
(وضربت عليكم الذلة والمسكنة)
ضربت : أي كتبت : فلقد كتب الله تعالى لكم الذل ، وقدر لكم المسكنة ، بسبب كفرانكم
بنعمة وجود الإمام الحسين (عليه السلام) والغدر به .
الذلة والذل : يعني الهوان ، وهو العذاب النفسي المستمر ، بسبب الشعور بالحقارة
والنقص والخوف من إعتداء الآخرين !
المسكنة : الفقر الشديد والبؤس والتعاسة .
ثم بدأت السيدة زينب (عليها السلام) بوضع النقاط على الحروف ، وذلك بالتحدث عن
الأبعاد الأخرى لحجم هذه الجريمة ـ أو الجرائم ـ النكراء فقالت :
(ويلكم يا أهل الكوفة ! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم) .
الكبد : كناية عن الولد ، وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال
: (أولادنا أكبادنا . . .) (1).
فريتم : الفري : تقطيع اللحم .
لقد شبهت السيدة زينب الإمام الحسين بكبد رسول الله ،
ـــــــــــــــــــ
(1) كتاب (بحار الأنوار) ج 104 ، ص 97 .
الصفحة318
وشبهت جريمة قتل الإمام بقطع كبد الرسول الكريم ، وكم يحمل هذا التشبيه في طياته من
معان بلاغية ، وحقائق روحانية ، إذ من الثابت أن مكانة الكبد في الجسم لها غاية
الأهمية .
فكم يبلغ الإنحراف بمن يدعي أنه مسلم أن يقتل إماماً هو بمنزلة الكبد من رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
(وأي كريمة له أبرزتم)؟
كريمة الرجل : إبنته ، فالسيدة زينب (عليها السلام) بنت السيدة فاطمة الزهراء بنت
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهي ـ إذن ـ حفيدة الرسول الكريم ، والحفيدة
تعتبر بنتاً للرجل ، وقد كان النبي الكريم يعبر عن السيدة زينب ـ منذ الأيام الأولى
من ولادتها ـ بكلمة (بنتي) .
وكانت هذه البنت المكرمة المحترمة تعيش في دارها خلف ستار الحجاب والعفاف وتحافظ
على حجابها اكثر من محافظتها على حياتها ، ولكن أهل الكوفة هجموا على خدرها وخيامها
، وسلبوا حجابها ، ثم أسروها وأبرزوها إلى الملأ العام ! وكانت هذه المصيبة أشد من
جميع المصائب وقعاً على قلبها . . بعد مصيبة مقتل أخيها الإمام السحين (عليه
السلام) .
الصفحة319
أيها القارئ الكريم . . توقف قليلاً لتفكر وتعرف عظم الفاجعة : إذا كان سلب الحجاب
عن إمرأة مؤمنة عفيفة عادية أصعب عليها من ضربها بالسكاكين على جسمها . . فما بالك
بسلب الحجاب عن سيدة المحجبات وفخر المخدرات : زينب الكبرى عليها السلام ؟ !
فهذه الجريمة ـ لوحدها ـ تعتبر من أعظم الجرائم التي ارتكبها أهل الكوفة تجاه بنت
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ! !
فكل ضمير حر لا يمكن له أن ينسى هذه الجريمة ! !
ولم تقتصر هذه المصيبة على السيدة زينب (عليها السلام) بل شملت أخواتها الطاهرات من
آل رسول الله ، والنسوة اللواتي كن معها في قيد الأسر .
(وأي دم له سفكتم)
أتعلمون ـ يا أهل الكوفة ـ أي دم لرسول الله سفكتم ! !
لقد اعتبرت السيدة زينب (عليها السلام) الدم الذي سفك من الإمام الحسين ـ يوم
عاشوراء ـ هو دم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ من الثابت أن الدم الذي
كان يجري في عروق الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن كدماء سائر الناس ، لأن
الإمام الحسين لم يكن رجلاً عادياً كبقية البشر ،
الصفحة320
فكل قطرة من دمه الطاهر كان جزءاً من دم رسول الله ، فالإمام الحسين : هو من (أهل
البيت) ، وأهل البيت : كتلة واحدة ، وقد صرح النبي الكريم بهذا المعنى يوم قال :
(اللهم : إن هؤلاء أهل بيتي وخاصتي وحامتي ، لحمهم لحمي ودمهم دمي ، يؤلمني ما
يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم ، انا سلم لمن سالمهم ، وحرب لمن حاربهم . . . إنهم مني
وأنا منهم . . .) (1).
فالذين أراقوا دم الإمام الحسين هم ـ في الواقع ـ قد أ راقوا دم رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم) وهم يدعون أنهم مسلمون ! !
(وأي حرمة له هتكتم)
حرمة الرجل : ما لا يحل إنتهاكه ، وحرم الرجل أهله (2).
ـــــــــــــــــــ
(1) جاء ذلك في الحديث المشهور ب(حديث الكساء) المروي في كتاب العوالم ، للمحدث
الكبير الشيخ عبد الله البحراني ج 2 ص 930 ، والحديث مروي عن الشيخ الكليني بأسناده
المعتبرة عن الصحابي جابر بن عبد الله ألانصاري ، عن السيدة فاطمة الزهراء (عليها
السلام) .
(2) المعجم الوسيط .
الصفحة321
وهتك الحرمة : يعني إهانة كرامة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قتل إبنه
الحسين وسبي كريماته وبناته ، والهجوم عليهن في خيامهن . . بكل وحشية !
وأي إهانة أكبر من هذه الإهانة ؟ !
لقد كانت المرأة تمتاز في الإسلام بصيانة معينة ، وكان كل من يهينها يستحق الذم
واللوم من الجميع ، ولكن أهل الكوفة ـ وبأمر من يزيد الطاغية وابن زياد اللعين ـ
قاموا بأبشع أنواع الجرائم في مجال إهانة رسول الله وإهدار كرامته !!
ولذلك نقرأ في كتاب واحد من أبرز علماء أهل السنة هذا الكلام : (إذا دافعنا عن يزيد
، واعتذرنا له في قتله الإمام الحسين بأنه كان يرى منه منافساً له في الخلافة ،
فبماذا وكيف نعتذر له في سبيه لبنات رسول الله وأسرهن بتلك الكيفية المؤلمة ، ثم
الإنتقال بهن من بلد إلى بلد ؟) .
ثم استمرت السيدة زينب (عليها السلام) تصف فاجعة كربلاء الدامية وملحقاتها من سبي
النساء الطاهرات . . بهذه الأوصاف المتتالية :
(أي بهذه الجريمة التي لا مثيل لها في)
الصفحة322
تاريخ البشر.
(صلعاء) : وهي الداهية الشديدة (1)، أو الأمر الشيدد
. ولعل المراد : الجريمة المكشوفة التي لا يمكن تغطيتها بشيء .
(عنقاء) : الداهية (2) وقيل : عنق كل شيء بدايته
(3).
فلعل المعنى أن هذه الجريمة سوف تكون بداية لسلسلة من الأزمات والويلات لكم ، فلا
تتوقعوا خيراً بعد عملكم الشنيع هذا .
(شوهاء) قبيحة (4) وفي نسخة : سوداء .
: العظيمة (5) أو الشديدة (6)
هذا بعض ما ذكره اللغويون ، ولعل معنى (فقماء) أي معقدة بشكل لا يمكن
ـــــــــــــــــــ
(1) ذكر ذلك (المحيط في اللغة) لابن عباد ، وكتاب (العين) للخليل بن أحمد .
(2) القاموس المحيط ، ولسان العرب .
(3) أقرب الموارد للشرتوني .
(4) المعجم الوسيط .
(5) المنجد في اللغة ، وأقرب الموارد للشرتوني .
(6) المعجم الوسيط .
الصفحة323
معرفة طريق إلى حلها أو التخلص من مضاعفاتها (1).
( خرقاء ، كطلاع الارض )أي ملؤها (2).
(وملء السماء) لعل المعنى أن حجم هذه الجريمة أكبر من أن تشبه أو توصف بمساحة أو
حجم معين ، بل هي بحجم الأرض كلها ، والسماء والفضاء كليهما . أي : أن حجمها أكبر
من أن يتصور .
فإن قتل الإمام الحسين (عليه السلام) وفقدان الأمة إياه يعني :
أولاً : إبتلاء كل حر في العالم ـ في جميع الأجيال القادمة ـ بالحزن والأسى حينما
يقرأ تفاصيل فاجعة كربلاء ، فحتى لو لم يكن مسلماً يشعر بالحزن وتتسابق دموع عينيه
بالهطول ، ويشعر بالإنزعاج والتذمر من الذين ارتكبوا هذه الجريمة النكراء .
ثانياً : لقد حرم البشر . . ـ بمختلف دياناتهم وطبقاتهم
ـــــــــــــــــــ
(1) المحقق .
(2) المعجم الوسيط ، والقاموس المحيط ، وقال في (لسان العرب) طلاع الأرض : ما طلعت
عليه الشمس ، طلاع الشيء ملؤه .
المحقق
الصفحة324
وأعمارهم وأجيالهم وبالادهم ـ من بركات وجود الإمام الحسين (عليه السلام) والتي
كانت تبقي آثاراً إيجابية مستمرةً ودائمةً إلى آخر عمر الدنيا !
ثالثاً : إن هذه الجريمة ـ بحجمها الواسع ـ فتحت الطريق أمام كل من يحمل نفساً
خبيثة في أن يقوم بكل ما تسول له نفسه وتمليه عليه نفسيته في مجال الظلم والإعتداء
على الآخرين ، وعدم التوقف عند أي حد من الحدود في مجال الطغيان وسحق كرامة الآخرين
.
وقد صرح الإمام الحسين (عليه السلام) بهذا المعنى ـ حينما كان يقاتل أهل الكوفة
بنفسه ـ فقال : (. . . . أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله
، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي . . .) (1).
(أفعجبتم أن مطرت السماء دم)
إن المصادر والوثائق التاريخية التي تصرح بأن السماء أمطرت دماً بعد قتل الإمام
الحسين (عليه السلام) كثيرةً جداً .
وكان ذلك المطر أحمر يشبه الدم في لونه وغلظته . . وهذه الحقيقة الكونية مذكورة في
كتب الشيعة
ـــــــــــــــــــ
(1) كتاب معالي السبطين ، ج 2 ، الفصل العاشر ، المجس الثالث . وكتاب (تظلم
الزهراء) ص 222 .
الصفحة325
والسنة ، القديمة منها والحديثة (1) .
ـــــــــــــــــــ
(1) إليك الآن بعض ما كتبه المؤرخون حول هذه الظاهرة الغريبة التي حدثت يوم عاشوراء
عند مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) :
1 ـ ذكر الحافظ محب الدين الطبري الشافعي ـ المتوفى سنة 694 هـ ـ في كتابه : ذخائر
العقبى ، طبع مصر ، عام 1356 هـ ، صفحة 145 قال : (وذكر أبو نعيم الحافظ في كتاب
(دلائل النبوة) عن نضرة الأزدية أنها قالت : لما قتل الحسين بن علي أمطرت السماء
دماً ، فأصبحنا وجبابنا (أي : آبارنا) وجرارنا (جمع : جرة) مملوءةً دم) .
وعن مروان مولى هند بنت المهلب ، قال : حدثني بواب عبيد الله بن زياد أنه لما جيء
برأس الحسين بين يديه رأيت حيطان دار الإمارة تسايل دماً . خرجه ابن بنت منيع . وعن
جعفر بن سليمان قال : (حدثني خالتي أم سالم : قالت : لما قتل الحسين مطرنا مطراً
كالدم على البيوت والجدر . قالت : وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة . خرجه
ابن بنت منيع . وعن أم سلمة قالت : (لما قتل الحسين مطرناً دم). وعن ابن شهاب
قال: (لما قتل الحسين ـ رضي الله عنه ـ لم يرفع أو لم يقلع حجر بالشام إلا عن دم)
خرجهما ابن السري .
2 ـ ذكر العلامة الشيخ المحمودي في كتابه : عبرات المصطفين في مقتل الحسين عليه
السلام ، طبع إيارن عام 1417 هـ ، ص 169 : (ذكر أبو بكر محمد بن أبي بكر التلمساني
ـ المتوفى بعد عام 644 هـ في ترجمة الإمام الحسين ، في كتاب الجوهرة ج 2 ص 218 ،
طبع الرياض ،
=
الصفحة326
ـــــــــــــــــــ
= قال : روى البخاري ـ في ترجمة سليم القاص تحت الرقم 2202 من القسم الثاني من
المجلد الثاني من التاريخ الكبير ، ج 4 ص 129 قال : وعن سليم القاص : مطرنا يوم قتل
الحسين دم) .
3 ـ وروى ذلك ابن حجر الهيثمي في كتابه : الصواعق .
4 ـ وروى ذلك القندوزي الحنفي في كتابه : ينابيع المودة ج 2 ص 320 .
5 ـ وروى ذلك : سبط ابن الجوزي في كتاب (مرآة الزمان) ص 102 .
6 ـ وروى البلاذري في الحديث 52 في كتابه (أنساب الأشراف) طبع بيروت ج 3 ص 209 قال
: حدثني عمر بن شبة ، عن موسى بن اسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، عن سليم القاص قال :
مطرنا أيام قتل الحسين دماً .
7 ـ وروى الشيخ المحمودي ـ أيضاً ـ عن ابن العديم ، عن هلال بن ذكوان قال : لما قتل
الحسين مطرنا مطراً بقي أثره في ثيابنا مثل الدم .
وعن قرط بن عبد الله قال : مطرت ذات يوم بنصف نهار فأصاب ثوبي فإذا دم ، فذهبت
الإبل إلى الوادي فإذا دم فلم تشرب ، وإذا هو يوم قتل الحسين .
8 ـ وذكر القرطبي ـ المتوفى سنة 671 هـ ، في تفسيره المسمى ب(الجامع لأحكام
القرآن) ج 16 ص 141 ، طبع بيروت عام 1405 هـ : (. . . قال سليمان القاضي : مطرنا
دماً يوم قتل الحسين) .
=
الصفحة327
وكان هذا المطر الأحمر كإعلان سماوي ـ على مستوى الكون ـ لفظاعة حادث قتل الإمام
الحسين (عليه السلام) واستنكاراً لهذه الجريمة النكراء ، ولكن . . (ما أكثر العبر
وأقل الإعتبار) .
وقد بقيت آثار تلك الدماء من ذلك المطر على جدران مدينة الكوفة وحيطانها وعلى ثياب
أهلها مدة تقرب من سنة كاملة .
لقد كان ذلك المطر تنديداً بفظاعة الجريمة ، وإنذاراً للعاقبة السيئة لأهل الكوفة
في يوم القيامة .
(ولعذاب الآخرة أخزى)
أي : إن العقاب الصارم لقتلة الإمام الحسين (عليه السلام) سوف لا يقتصر ولا ينحصر
بالعذاب الدنيوي ، والصفعات الدنيوية المتتالية ، بل إن العذاب الإلهي ينتظرهم في
الآخرة .
إن الدنيا سوف تنتهي ويخرج كل إنسان من قاعة
ـــــــــــــــــــ
= 9 ـ وروى ذلك الحافظ إبن عساكر الشافعي ـ المتوفى عام 571 هـ ـ في كتابه : تاريخ
مدينة دمشق قال : حدثتنا أم شرف العبدية ، قالت : حدثتني نضرة الأزدية قالت : لما
قتل الحسين بن علي مطرت السماء دماً ، فأصبحت كل شيء لنا ملآن دماً .
(المحقق)
الصفحة328
الإمتحان ، وعندها يكون المجرمون في قبضة محكمة العدالة الإلهية ، فمن يخلصهم ـ في
ذلك اليوم ـ من رسول الله جد الحسين ؟ !
(وأنتم لا تنصرون)
أي : لا تجدون من ينصركم يوم القيامة ، ومن ينجيكم من العذاب الأليم، لأن طرف
النزاع: هو الإمام المظلوم البريئ المقتول : الإمام الحسين (عليه السلام) ذاك الرجل
العظيم الذي زين الله تعالى العرش الأعلى باسمه (إن الحسين مصباح الهدى وسفينة
النجاة) ومن الواضح أنه سوف لا يتنازل عن حقه . . مهما كانت نفسيته المقدسة عالية
وفوق كل تصور . لأن المجرمين ضربوا أرقاماً قياسية في اللؤم والخبث والغدر والجناية
!
والمخاصم لأهل الكوفة : هو أشرف الخلق وأعز البشر عند الله تعالى : وهو سيدنا محمد
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أيضاً لا يتنازل عن دم إبنه الحبيب العزيز
، وعن سبي بناته الطاهرات !
والمحامي : هو جبرئيل سيد أهل السماء ، حيث يقف ظهراً لرسول الله في قضية ملف مقتل
الإمام الحسين (عليه السلام) .
|