بحار الانوار الجزء
33
العلامة المجلسي
[1]
بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة
الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس
الله سره " الجزء الثالث والثلاثون
[3]
بسم الله الرحمن الرحيم
[7]
[الباب الثالث عشر] باب شهادة عمار رضي
الله عنه وظهور بغي الفئة الباغية بعد ما كان أبين من الشمس الضاحية وشهادة غيره من
أتباع الائمة الهادية 364 - ج: روي عن الصادق عليه السلام أنه لما قتل عمار بن ياسر
رحمة الله عليه ارتعدت فرائص خلق كثير وقالوا: قد قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: " عمار تقتله الفئة الباغية " فدخل عمرو بن العاص على معاوية فقال: يا أمير
المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا قال: لماذا. قال: قتل عمار. قال: فماذا ؟ قال أليس
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تقتله الفئة الباغية فقال له معاوية: دحضت في
قولك أنحن قتلناه انما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا. فاتصل ذلك بعلي
بن أبي طالب عليه السلام فقال: فإذا رسول الله
364 - رواه الطبرسي رحمه الله في آخر
عنوان: " احتجاجه [أي أمير المؤمنين عليه السلام] على معاوية.. " من كتاب الاحتجاج:
ج 1، ص 181.
[8]
صلى الله عليه وآله هو الذي قتل حمزة
وألقاه بين رماح المشركين ! 365 - لي: ابن موسى عن الاسدي عن النخعي عن إبراهيم بن
الحكم عن محمد بن الفضيل عن مسعود الملائي عن حبة العرني قال: أبصر عبد الله بن
عمرو رجلين يختصمان في رأس عمار رضي الله عنه يقول هذا: أنا قتلته ويقول هذا: أنا
قتلته فقال ابن عمرو: يختصمان أيهما يدخل النار أولا. ثم قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول: قاتله وسالبه في النار. فبلغ ذلك معاوية لعنه الله فقال ما
نحن قتلناه وإنما قتله من جاء به. قال الصدوق رحمه الله يلزمه على هذا أن يكون
النبي صلى الله عليه وآله قاتل حمزة رضي الله عنه وقاتل الشهداء معه لانه صلى الله
عليه وآله هو الذي جاء بهم. 366 - لي: وبهذا الاسناد عن إبراهيم بن الحكم عن
عبيدالله بن موسي عن سعد بن أوس عن بلال بن يحيى العبسى قال: لما قتل عثمان (1)
365 - 366 - رواهما الشيخ الصدوق قدس الله
نفسه في الحديث: (7 و 8) من المجلس: (63) من أماليه ص 330. (1) هذا هو الصواب، وها
هنا وقع التصحيف في مطبوعة الامالي وط الكمباني من البحار، فصحف لفظ " عثمان " ب "
عمار ". والدليل على التصحيف أن حذيفة رفع الله مقامه توفي قبل شهادة عمار قدس الله
نفسه نحوا من سنة فإنه كان مريضا حينما بايع الناس أمير المؤمنين عليه السلام بعد
مهلك عثمان، ولما بلغه كتاب أمير المؤمنين عليه السلام أمر فحمل إلى المسجد فخطب
الناس وأخذ بيعة الامام منهم وأكد عليهم اللحوق به ونصرته وبقي إلى أيام خروج طلحة
والزبير إلى البصرة وتوفي بعده بقليل، ومما يدل على ذلك ما: رواه ابن عساكر في
ترجمة عمار رضوان الله عليه من تاريخ دمشق: ج 11 ص 81 قال: أخبرنا أبو القاسم
السمرقندي أنبأنا أبو القاسم بن البسري وأبو طاهر القصاري وأبو محمد وأبو الغنائم
ابنا علي وأبو الحسين العاصمي وأبو عبد الله النعالي قالوا: أنبأنا أبو عمر، أنبأنا
أبو بكر، أنبأنا جدي أنبأنا الفضل بن دكين، أنبأنا عيسى - يعني ابن عبد الرحمان
السلمي - حدثني سيار أبو الحكم عن رجل قد سماه قال: قال بنو عبس لحذيفة: إن أمير
المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا ؟ قال: الزموا
[9]
أتوا حذيفة فقالوا: يا أبا عبد الله قتل
هذا الرجل وقد اختلف الناس فما تقول ؟ قال: أما إذا أتيتم فأجلسوني قال: فأسندوه
إلى صدر رجل منهم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أبو اليقظان على
الفطرة ثلاث مرات لن يدعها حتى يموت. 367 - ما: المفيد عن محمد بن الحسن المقري عن
الحسن بن علي بن عبد الله عن عيسى بن مهران عن الفضل بن دكين عن موسى بن قيس عن
الحسين بن أسباط قال: سمعت عمار بن ياسر رحمه الله يقول عند توجهه إلى صفين: اللهم
لو أعلم أنه أرضا لكم أن أرمي بنفسي من فوق هذا الجبل لرميت بها ولو أعلم أنه أرضى
لك أن أوقد لنفسي نارا فأوقع فيها لفعلت وإني لا أقاتل أهل الشام إلا وأنا أريد
بذلك وجهك وأنا أرجو أن لا تخيبني وأنا
عمارا. قالوا: إن عمارا لا يفارق عليا ! !
قال: إن الحسد هو أهلك الحسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي ؟ ! فو الله لعلي
أفضل من عمار أبعد ما التراب والسحاب وإن عمارا لمن الاخيار. ورواه أيضا الهيثمي في
كتاب مجمع الزوائد: ج 7 ص 243 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. ورواه أيضا الحافظ
ابن عساكر في الحديث: (1196) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 177، ط 2
وذكرنا له في تعليقه شواهد. 367 - رواه شيخ الطائفة في الحديث: (48) من الجزء (6)
من أماليه ص 180. ورواه أيضا أبو مخنف قال: حدثني عبد الملك بن أبي حرة الحنفي أن
عمار بن ياسر خرج إلى الناس فقال: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف
بنفسي في هذا البحر لفعلته. اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي
في صدري ثم انحني عليه حتى تخرج من ظهري لفعلت، وإني لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك
من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم أن عملا من الاعمال هو أرضى لك منه لفعلته. هكذا
رواه عنه الطبري في عنوان: " مقتل عمار... " من تاريخ الامم والملوك: ج 1، ص 3317،
وفي ط ج 4 ص 26 وفي ط: ج 5 ص 38. ورواه أيضا محمد بن عبد الله الاسكافي المعتزلي
المتوفى (240) في كتاب المعيار الموازنة ص 136.
[10]
أريد وجهك الكريم. 368 - ص: الصدوق عن
أحمد بن محمد الشحام عن عبد الرحمن بن أبي حاتم عن عمر الاودي عن سفيان عن حبيب بن
أبي ثابت عن أبي البختري قال: قال عمار رضي الله عنه يوم صفين: إئتوني بشربة لبن.
فأتي فشرب ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن آخر شربة تشربها من
الدنيا شربة لبن. ثم تقدم فقتل فلما قتل أخذ خزيمة بن ثابت بسيفه فقاتل وقال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يقتل عمارا الفئة الباغية وقاتله في النار فقال
معاوية: ما نحن قتلناه إنما قتله من جاء به. 369 - يج: روي عن أم سلمة قالت: كان
عمار ينقل اللبن بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وكان صلى الله عليه وآله يمسح
التراب عن صدره ويقول: تقتلك الفئة الباغية. 370 - قب: كثر أصحاب الحديث على شريك
وطالبوه بأنه يحدثهم بقول النبي صلى الله عليه وآله: " تقتلك الفئة الباغية " فغضب
وقال: أتدرون أن لا فخر لعلي أن يقتل معه عمار إنما الفخر لعمار أن يقتل مع علي
عليه السلام. 371 - كش: ابن قتيبة عن الفضل عن محمد بن سنان عن حمران عن أبي جعفر
عليه السلام قال: قلت: ما تقول في عمار. قال: رحم الله عمارا. - [كرر هذا] ثلاثا -
قاتل مع أمير المؤمنين عليه السلام وقتل
368 - رواه الشيخ الصدوق رفع الله مقامه
في كتاب قصص الانبياء، ولكن الكتاب لم يصل إلينا بعد. 369 - رواه القطب الراوندي
رحمه الله في كتاب الخرائج. 370 - رواه ابن شهر أشوب في مناقب آل أبي طالب. 371 -
رواه الكشي رحمه الله في ترجمة عمار تحت الرقم: (3) من تلخيص رجاله ص 31
[11]
شهيدا. قال: قلت في نفسي: ما تكون منزلة
أعظم من هذه المنزلة فالتفت إلي فقال: لعلك تقول مثل الثلاثة هيهات هيهات قال: قلت:
وما علمه أنه يقتل في ذلك اليوم ؟ قال: إنه لما رأى الحرب لا يزداد إلا شدة والقتل
لا يزداد إلا كثرة ترك الصف وجاء إلى أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين هو هو ؟
قال: ارجع إلى صفك فقال له ذلك ثلاث مرات كل ذلك يقول له: ارجع إلى صفك فلما أن كان
في الثالثة قال له: نعم فرجع إلى صفه وهو يقول: اليوم ألقى الاحبة * محمدا وحزبه
بيان: الثلاثة سلمان وأبو ذر ومقداد رضي الله عنهم قوله: " هو هو " أي هذا وقت
الوعد الذي وعدت من الشهادة. كش: خلف بن محمد عن عبيد بن محمود عن هاشم بن القاسم،
عن شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت قيس بن أبي حازم قال: قال عمار بن ياسر:
ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم. توضيح: أي إني أريد أن أخاصم قاتلي عند الله فلا
تسلبوني ثيابي لتكون لي شاهدا وحجة أو هو كناية عن الشهادة بالحق فإنه يلزمه
المخاصمة أي إني شهيد حقيقة وحكمه أن يدفن بثيابه. 373 - كش: خلف عن عبيد بن حميد
عن أبي نعيم عن سفيان عن حبيب عن أبي البختري قال: أتي عمار يومئذ بلبن فضحك ثم
قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: آخر شراب تشربه من الدنيا مذقة من لبن
حتى تموت. في خبر آخر أنه قال: آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن.
[12]
توضيح: المذقة بالفتح والضم: اللبن
الممذوق أي المخلوط بالماء قال في النهاية: المذق: المزج والخلط يقال: مذقت اللبن
فهو مذيق إذا خلطته بالماء والمذقة: الشربة من اللبن الممذوق. والضياح بالفتح أيضا:
اللبن الرقيق الممزوج بالماء. 374 - كش: خلف عن الفتح بن عمرو الوراق عن يزيد بن
هارون عن العوام بن حوشب عن أسود بن مسعدة عن حنظلة بن خويلد قال: إني لجالس عند
معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما أنا قتلته فقال عبد
الله بن عمرو: ليطب به أحدكم نفسا لصاحبه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: تقتله الفئة الباغية. فقال معاوية لا تغني عنا بجنونك يا بن عمرو فما بالك
معنا قال إني معكم ولست أقاتل إن أبي شكاني إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم
فقال لي رسول الله أطع أباك مادام حيا ولا تعصه فإني معكم ولست أقاتل. بيان: قال في
النهاية: يقال: أغن عني شرك أي اصرفه وكفه. 375 - كشف: في هذا الحرب قتل أبو
اليقظان عمار بن ياسر رضي الله عنه وقد تظاهرت الروايات أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم قال: عمار بن ياسر جلدة بين عيني تقتله الفئة الباغية. وفي صحيح مسلم (1)
عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال
374 - نفس الهامش رقم 371. 375 - رواه
الاربلي رحمه الله في أواخر ما ذكره في حرب صفين من كتاب كشف الغمة: ج 1، ص 258 -
261 ط بيروت. (1) رواه مسلم بأسانيد في الباب (18) من كتاب الفتن وأشراط الساعة تحت
الرقم: (2915) وما بعده من صحيحه: ج 4 ص 2235. (*)
[13]
لعمار: يقتلك الفئة الباغية. قال ابن
الاثير وخرج عمار بن ياسر على الناس فقال: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في
أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته اللهم إنك تعلم لو أني أعلم أن رضاك في أن أضع
ظبة سيفي في بطني ثم انحنى عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت وإني لا أعلم اليوم عملا
أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ولو أعلم عملا هو أرضى لك منه لفعلته والله إني
لارى قوما ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون والله لو ضربونا حتى بلغونا سعفات هجر
لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل (1). ثم قال: من يبتغي رضوان ربه فلا يرجع
إلى مال ولا ولد. فأتاه عصابة فقال: اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون بدم عثمان
والله ما أرادوا الطلب بدمه ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحقبوها وعلموا أن الحق إذا
لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه منها ولم يكن لهم سابقة يستحقون بها طاعة
الناس والولاية عليهم فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك
جبابرة وملوكا فبلغوا ما ترون ولولا هذه الشبهة ما تبعهم رجلان من الناس اللهم إن
تنصرنا فطالما نصرت وإن تجعل لهم الامر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب
الاليم. ثم مضى ومعه العصابة فكان لا يمر بواد من أودية صفين إلا تبعه من كان هناك
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم جاء إلى هاشم بن عتبة بن أبي الوقاص وهو
المرقال وكان صاحب راية علي عليه السلام فقال: يا هاشم أعورا وجبنا ؟ لا خير في
أعور لا يغشى
ورواه أيضا بأسانيد النسائي في الحديث:
(157) وما بعده من كتاب خصائص أمير المؤمنين عليه السلام وعلقنا عليه أيضا عن مصادر
كثيرة. (1) ورواه أيضا محمد بن عبد الله الاسكافي المتوفى عام: (240) في كتاب
المعيار والموازنة ص 136، ط 1.
[14]
الناس اركب يا هاشم فركب ومضى معه وهو
يقول: أعور يبغي أهله محلا * قد عالج الحياة حتى ملا وعمار يقول: تقدم يا هاشم
الجنة تحت ظلال السيوف والموت تحت أطراف الاسل وقد فتحت أبواب السماء وزينت الحور
العين اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه. وتقدم حتى دنا من عمرو بن العاص فقال: يا
عمرو بعت دينك بمصر تبا لك تبا لك. فقال: لا ولكن أطلب بدم عثمان. قال له: [هيهات "
خ ل "] أشهد على علمي فيك أنك لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله تعالى وأنك إن لم تقتل
اليوم تمت غدا فانظر إذا أعطي الناس على قدر نياتهم ما نيتك لغد فإنك صاحب هذه
الراية ثلاثا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهذه الرابعة ما هي بأبر ولا أتقى ثم
قاتل عمار ولم يرجع وقتل. قال حبة بن جوين العرني قلت لحذيفة بن اليمان: حدثنا فإنا
نخاف الفتن. فقال: عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية فإن رسول الله صلى الله عليه
وآله قال: يقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق وإن آخر رزقه ضياح من لبن. قال
حبة فشهدته يوم قتل يقول: إئتوني بآخر رزق لي من الدنيا. فأتي بضياح من لبن في قدح
أروح بحلقة حمراء ! فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة فقال: اليوم ألقى الاحبة * محمدا
وحزبه وقال: والله لو ضربونا حتى بلغونا سعفات هجر لعلمت أننا على الحق وأنهم على
الباطل. ثم قتل رضي الله عنه قيل قتله أبو العادية واجتز رأسه ابن جوى السكسكي وكان
ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمار بن
ياسر: تقتلك الفئة الباغية وآخر شربة تشربها ضياح من لبن.
[15]
ونقلت من مناقب الخوارزمي (1) قال: شهد
خزيمة بن ثابت الانصاري الجمل وهو لا يسل سيفا وصفين وقال: لا أصلي أبدا خلف إمام
حتى يقتل عمار فانظر من يقتله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: تقتله
الفئة الباغية. قال: فلما قتل عمار قال خزيمة: قد حانت لي الصلاة ثم اقترب فقاتل
حتى قتل. وكان الذي قتل عمارا أبو عادية المري طعنه برمح فسقط وكان يومئذ يقاتل وهو
ابن أربع وتسعين سنة فلما وقع أكب عليه رجل فاجتز رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول:
أنا قتلته. فقال عمرو بن العاص: والله إن يختصمان إلا في النار ! ! فسمعها معاوية
فقال لعمرو: وما رأيت مثل ما صنعت قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: إنكما تختصمان
في النار فقال عمرو: هو والله ذلك وإنك لتعلمه ولوددت اني مت قبل هذا بعشرين سنة.
وبالاسناد عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نعمر المسجد وكنا نحمل لبنة لبنة وعمار
لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وآله فجعل ينفض التراب عن رأس عمار ويقول:
يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك ؟ قال: إني أريد الاجر من الله تعالى قال: فجعل
ينفض التراب عنه ويقول: ويحك تقتلك
(1) رواه الخوارزمي بسنده عن البيهقي عن
الحاكم في الحديث: (6) من الفصل (3) من الفصل (16) من كتاب مناقب أمير المؤمنين
عليه السلام ص 123. ورواه الحاكم في مناقب عمار، وبسند آخر في مناقب خزيمة بن ثابت
ذي الشهادتين من كتاب مناقب الصحابة من المستدرك: ج 3 ص 385 و 397 ولم يصرح بصحة
الحديثين. وسند الحديث ضعيف، ولا يظن بمثل خزيمة أن لا يبصر نور شمس الحق والحقيقة
علي بن أبي طالب، ويستدل عليه ويهتدي به بواسطة نور عمار قدس الله نفسه، ولا تنافي
بين عرفانه الحق أولا وبين جديته في محاربة المردة بعد شهادة عمار إذ هذه شأن كل
مؤمن ولا يختص به.
[16]
الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك
إلى النار وقال عمار: أعوذ بالرحمن - أظنه قال: - من الفتن. قال أحمد بن الحسين
البيهقي: وهذا صحيح على شرط البخاري. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لابيه عمرو
حين قتل عمار: أقتلتم عمارا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما قال ؟ فقال
عمرو: لمعاوية أتسمع ما يقول عبد الله ؟ فقال: إنما قتله من جاء به وسمعه أهل الشام
فقالوا: إنما قتله من جاء به فبلغت عليا عليه السلام فقال: [إذا] يكون النبي صلى
الله عليه وآله قاتل حمزة رضي الله عنه لانه جاء به. ونقلت عن مسند أحمد بن حنبل
(1) عن عبد الله بن الحارث قال: إني لاسير مع معاوية في منصرفه من صفين بينه وبين
عمرو بن العاص قال: فقال عبد الله بن عمرو: يا أبه أما سمعت رسول الله صلى الله
عليه وآله يقول لعمار: ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية ؟ قال: فقال عمرو
لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا ؟ فقال معاوية: ما يزال يأتينا بهنة أنحن قتلناه ؟
إنما قتله الذين جاؤا به ! !. ومن مسند أحمد أيضا عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن
ثابت [قال] ما زال جدي كافا سلاحه يوم الجمل حتى قتل عمار بصفين فسل سيفه فقاتل حتى
قتل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يقتل عمارا الفئة الباغية. ومن
المسند عن علي عليه السلام أن عمارا استأذن على النبي صلى الله عليه وآله فقال:
الطيب المطيب ائذن له. ومن المناقب (2) عن علقمة والاسود قالا: أتينا أبا أيوب
الانصاري فقلنا:
(1) وانظر مسند خزيمة بن ثابت من مسند
أحمد: ج 5 ص 213، وباب مناقب عمار من المستدرك: ج 3 ص 385. (2) رواه الخوارزمي في ح
9 من الفصل المتقدم الذكر من المناقب ص 124.
[17]
يا أبا أيوب إن الله أكرمك بنبيه صلى الله
عليه وآله إذ أوحى إلى راخلته فبركت على بابك وكان رسول الله صلى الله عليه وآله
ضيفا لك فضيلة فضلك الله بها اخبرنا عن مخرجك مع علي ؟ قال: فإني أقسم لكما إنه كان
رسول الله في هذا البيت الذي أنتما فيه وليس في البيت غير رسول الله وعلي جالس عن
يمينه وأنا عن يساره وأنس قائم بين يديه إذ تحرك الباب فقال عليه السلام: أنظر من
بالباب فخرج أنس وقال: هذا عمار بن ياسر فقال: افتح لعمار الطيب المطيب. ففتح أنس
ودخل عمار فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله فرحب به وقال: إنه ستكون بعدي في
أمتي هنات حتى يختلف السيف فيما بينهم وحتى يقتل بعضهم بعضا وحتى يبرأ بعضهم من بعض
فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الاصلع عن يميني علي بن ابي طالب عليه السلام وإن سلك
الناس كلهم واديا وسلك علي واديا فاسلك وادي علي وخل عن الناس إن عليا لا يردك عن
هدى ولا يدلك على ردي. يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله. توضيح: قوله عليه
السلام " جلدة بين عيني " وفي بعض الروايات " جلدة ما بين عيني وأنفي " وعلى
التقديرين كناية عن غاية الاختصاص وشدة الاتصال. وقال في النهاية: في حديث عمار: "
لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر " السعفات جمع سعفة بالتحريك وهي أغصان النخيل.
وقيل: إذا يبست سميت سعفة فإذا كانت رطبة فهي شطبة. وإنما خص " هجر " للمباعدة في
المسافة ولانها موصوفة بكثرة النخل " وهجر " اسم بلد معروف بالبحرين. وفي القاموس:
احتقبه واستحقبه: ادخره. وفي الصحاح: احتقبه واستحقبه بمعنى أي احتمله ومنى قيل:
احتقب فلان الاثم كأنه جمعه واحتقبه من خلفه. وفي النهاية: العوار بالفتح وقد يضم
العيب وقيل: انهم يقولون للردئ من كل شئ من الامور والاخلاق أعور وكل عيب وخلل في
شئ فهو عورة. والاسل محركة: الرماح. قوله: " أظنه " أي قال الخدري أظن أن عمارا
قال:
[18]
أعوذ بالرحمن من الفتن. وفي النهاية فيه:
" ستكون هنات وهنات " أي شرور وفساد يقال: في فلان هنات: أي خصال شر ولا يقال في
الخير وواحدها هنت وقد يجمع على هنوات وقيل واحدها هنة تأنيث هن وهو كناية عن كل
اسم جنس. 376 - نص: أبو المفضل الشيباني عن محمد بن الحسين بن حفص عن عباد بن يعقوب
عن علي بن هاشم عن محمد بن عبد الله عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه عن جده
عمار قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض غزواته وقتل علي عليه السلام
أصحاب الالوية وفرق جمعهم وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي وقتل شيبة بن نافع أتيت
رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله إن عليا قد جاهد في الله حق جهاده
فقال: لانه مني وأنا منه وارث علمي وقاضي ديني ومنجز وعدي والخليفة بعدي ولولاه لم
يعرف المؤمن المحض بعدي حربه حربي وحربي حرب الله وسلمه سلمي وسلمي سلم الله ألا
أنه أبو سبطي والائمة بعدي من صلبه يخرج الله تعالى الائمة الراشدين ومنهم مهدي هذه
الامة فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا المهدي قال: يا عمار إن الله تبارك
وتعالى عهد إلي أنه يخرج من صلب الحسين أئمة تسعة والتاسع من ولده يغيب عنهم وذلك
قوله عزوجل: * (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) * [30 / الملك]
يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون فإذا كان في آخر الزمان يخرج
فيملا الدنيا قسطا وعدلا ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل وهو سميي وأشبه
الناس بي. يا عمار سيكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتبع عليا وحزبه فإنه مع الحق
والحق معه.
376 - رواه الخزاز رحمه الله فيما جاء عن
عمار في الباب: (17) من كتاب كفاية الاثر، ص 120، ط 2.
[19]
يا عمار إنك ستقاتل بعدي مع علي صنفين
الناكثين والقاسطين ثم يقتلك الفئة الباغية. قلت: يا رسول الله أليس ذلك على رضا
الله ورضاك ؟ قال: نعم على رضا الله ورضاي ويكون آخر زادك شربة من لبن تشربه. فلما
كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له يا أخا رسول
الله أتأذن لي في القتال ؟ قال: مهلا رحمك الله فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام
فأجابه بمثله فأعاده ثالثا فبكى أمير المؤمنين عليه السلام فنظر إليه عمار فقال: يا
أمير المؤمنين إنه اليوم الذي وصف لي رسول الله صلى الله عليه وآله فنزل أمير
المؤمنين صلوات الله عليه عن بغلته وعانق عمارا وودعه ثم قال: يا أبا اليقظان جزاك
الله عن الله وعن نبيك خيرا فنعم الاخ كنت ونعم الصاحب كنت ثم بكا عليه السلام وبكا
عمار ثم قال: والله يا أمير المؤمنين ما تبعتك إلا ببصيرة فإني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول يوم حنين: يا عمار ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فاتبع
عليا وحزبه فإنه مع الحق والحق معه وستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين. فجزاك الله يا
أمير المؤمنين عن الاسلام أفضل الجزاء فلقد أديت وبلغت ونصحت ثم ركب وركب أمير
المؤمنين عليه السلام ثم برز إلى القتال. ثم دعا بشربة من ماء فقيل: ما معنا ماء
فقام إليه رجل من الانصار فأسقاه شربة من لبن فشربه ثم قال: هكذا عهد إلي رسول الله
صلى الله عليه وآله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن. ثم حمل على القوم
فقتل ثمانية عشر نفسا فخرج إليه رجلان من أهل الشام فطعنا فقتل رحمه الله. فلما كان
الليل طاف أمير المؤمنين في القتلى فوجد عمارا ملقى فجعل رأسه على فخذه ثم بكا عليه
السلام وأنشأ يقول: أيا موت كم هذا التفرق عنوة * فلست تبقى لي خليل خليل أراك
بصيرا بالذين أحبهم * كأنك تمضي نحوهم بدليل
[20]
بيان: الشعر في الديوان هكذا: ألا أيها
الموت الذي ليس تاركي * أرحني فقد أفنيت كل خليل أراك مضرا بالذين أحبهم * كأنك
تنحو نحوهم بدليل وروى الشارح عن ابن أعثم أن عمارا رضي الله عنه لما برز يوم صفين
قال: أيها الناس هل من رائح إلى الله تطلب الجنة تحت ظلال الاسنة اليوم ألقى الاحبة
محمدا وحزبه. فطعنه ابن جون في صدره فرجع وقال: اسقوني شربة من ماء فأتاه راشد
مولاه بلبن فلما رآه كبر وقال: هذا ما أخبرني به حبيبي رسول الله صلى الله عليه
وآله بأن آخر زادي من الدنيا ضياح من لبن فلما شرب خرج من مكان الجرح وسقط وتوفي
رضي الله عنه فأتاه علي عليه السلام وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون إن أمرءا لم
يدخل عليه مصيبة من قتل عمار فما هو في الاسلام من شئ ثم صلى عليه وقرأ هاتين
البيتين. 377 - ختص: عن محمد بن الحسن عن محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي عن نصر
بن أحمد عن أبي مخنف لوط بن يحيى عن محمد بن إسحاق عن صالح بن إبراهيم عن عبد
الرحمن بن عوف قال: حدثني شيخ من أسلم شهد صفين مع القوم قال: والله إن الناس على
سكناتهم فما راعنا إلا صوت عمار بن ياسر حين اعتدلت الشمس أو كادت تعتدل وهو يقول:
أيها الناس من رائح إلى الجنة كالظمآن يرى الماء ؟ ما الجنة إلا تحت أطراف العوالي
اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه. يا معشر المسلمين أصدقوا الله فيهم فإنهم والله
أبناء الاحزاب دخلوا في هذا الدين كارهين حين أذلتهم حد السيوف وخرجوا منه طائعين
حتى أمكنتهم الفرصة.
377 - رواه الشيخ المفيد في الحديث: (26)
من كتاب الاختصاص ص 10، ط النجف.
[21]
وكان يومئذ ابن تسعين سنة قال: فو الله ما
كان إلا الالجام والاسراج. وقال عمار حين نظر إلى راية عمرو بن العاص إن هذه الراية
قد قاتلتنا ثلاث عركات وما هي بأرشدهن ثم حمل وهو يقول: نحن ضربناكم على تنزيله *
فاليوم نضربكم على تأويله ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل على خليله أو
يرجع الحق إلى سبيله * يا رب إني مؤمن بقيله ثم استسقى عمار واشتد ظمأؤه فأتته
امرأة طويلة اليدين ما أدري أعس معها أم إداوة فيها ضياح من لبن [فشربه] وقال الجنة
تحت الاسنة اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه. والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات
هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل. ثم حمل وحمل عليه ابن جوين السكسكي وأبو
العادية الفزاري فأما أبو العادية فطعنه وأما ابن جوين اجتز رأسه لعنهما الله.
إيضاح: العالية: أعلى الرمح والجمع: العوالي. وفي الصحاح: لقيته عركة بالتسكين أي
مرة ولقيته عركات أي مرات. 378 - مد: من صحيح مسلم بأسانيد عن أبي سعيد الخدري قال:
378 - رواه يحيى بن الحسن بن البطريق رحمه
الله في الحديث: (540) وتواليه في أواسط الفصل: (36) من كتاب العمدة ص 168. وقد
رواه مسلم بأسانيد كثيرة في الباب: (18) من كتاب الفتن وأشراط الساعة تحت الرقم:
(2915) وما بعده من صحيحه: ج 4 ص 2235 من الطبعة المرقمة. وقد رواه أيضا بأسانيد
كثيرة الحافظ النسائي تحت الرقم: (157) وما بعده من كتاب خصائص أمير المؤمنين عليه
السلام ص 289 بيروت. وقد رواه الحافظ ابن عساكر على وجه بديع بأسانيد كثيرة في
ترجمة عمار من كتاب تاريخ دمشق: ج 11 / الورق... من مخطوطة المكتبة الظاهرية.
[22]
أخبرني من هو خير مني أن رسول الله صلى
الله عليه وآله قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: أبشر ابن سمية
يقتلك فئة باغية. وبأسانيد أيضا عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال
لعمار: تقتلك الفئة الباغية. وبسند آخر عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله يقتل عمارا الفئة الباغية. ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي الحديث السادس عشر
من إفراد البخاري من الصحيح عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس ولابنه علي: انطلقا إلى
أبي سعيد الخدري واسمعا من حديثه. فانطلقنا فإذا هو في حائط له يصلحه فأخذ رداءه
واحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد فقال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار
إثنتين إثنتين فرآه النبي صلى الله عليه وآله فجعل ينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار
يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وكان يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن. ثم ذكر
الخبر بسند آخر عن عكرمة مثله. ثم قال: قال الحميدي: وفي هذا الحديث زيادة مشهورة
لم يذكرها البخاري أصلا في طريق هذا الحديث ولعلها لم تقع إليه أو وقعت فحذفها لغرض
قصده (1). وأخرجه أبو بكر البرقاني وأبو بكر الاسماعيلي قبله وفي هذا الحديث عندهما
أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية
(1) قصد البخاري على ما هو المستفاد من
مواضع عديدة من كتبه هو إخفاء معالي أولياء الله وفضائح الفئة الباغية وإمامه
معاوية ! ! ! والحديث رواه مع بعض تلك الزيادة الحاكم النيسابوري وصححه والذهبي في
كتاب قتال أهل البغي من المستدرك: ج 2 ص 14.
[23]
ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. قال
أبو مسعود الدمشقي في كتابه: لم يذكر البخاري هذه الزيادة وهي في حديث عبد الله بن
المختار وخالد بن عبد الله الواسطي ويزيد بن زريع ومحبوب بن الحسن وشعبة كلهم عن
خالد الحذاء وروى إسحاق عن عبد الوهاب هكذا. قال: وأما حديث عبد الوهاب الذي أخرجه
البخاري [من] دون [تلك] الزيادة فلم يقع إلينا من غير حديث البخاري. هذا آخر معنى
ما قاله أبو مسعود. أقول: قال [ابن الاثير] في [مادة: " ويح - ويس " (1) من كتاب]
النهاية: فيه قال لعمار: " ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية " ويح كلمة ترحم وتوجع
تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها. وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على
المصدر وقد ترفع وتضاف ولا تضاف يقال: ويح زيد وويحا له وويح له. ثم قال: وفيه قال
لعمار: " ويس ابن سمية " وفي رواية " يا ويس ابن سمية " ويس كلمة [تقال] لمن يرحم
ويرفق [به] مثل " ويح " وحكمها حكمها. 379 - كش: جعفر بن معروف عن محمد بن الحسين
عن جعفر بن بشير عن حسين بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن
أقواما يزعمون أن عليا صلوات الله عليه لم يكن إماما حتى أشهر سيفه: [قال]: خاب إذن
عمار وخزيمة بن ثابت وصاحبك أبو عمرة وقد خرج يومئذ صائما بين الفئتين بأسهم فرمى
بها قربي يتقرب بها إلى الله حتى قتل يعني عمارا. بيان: لعل المعنى أنهم [ما] كانوا
يعتقدون إمامته عليه السلام قبل أن
(1) وأيضا ذكر الحديث في مادة " بغى " من
كتاب النهاية وفسره. 379 - الحديث رواه الكشي بزيادة في أوله غير مرتبطة بالمقام -
في أواسط ترجمة عمار من رجاله ص 35 ط النجف.
[24]
يشهر سيفه فيكونوا من الخائبين بتلك
العقيدة ولعل التخصيص لانهم كانوا أعرف بهذا الوصف عند السائل من غيرهم والظاهر أن
الزاعمين [هم] الزيدية المشترطون في الامامة الخروج بالسيف. قوله عليه السلام: "
صائما " يمكن أن يكون صائما ابتداء ثم اضطر إلى شرب اللبن أو شربه تصديقا لقول
النبي صلى الله عليه وآله. وقال السيد الداماد قدس سره: " صائما " أي قائما واقفا
ثابتا للقتال من الصوم بمعنى القيام والوقوف يقال: صام الفرس صوما أي قام على غير
اعتلاف وصام النهار صوما إذا قام قائم الظهيرة واعتدل. والصوم: ركود الريح ومصام
الفرس ومصامته موقفه والصوم أيضا الثبات والدوام والسكون وما صائم ودائم وقائم
وساكن بمعنى. والباء في " بأسهم " للملابسة والمصاحبة. أو خرج بين الفئتين وكان
صائما بالصيام الشرعي والباء أيضا للملابسة أو من الصوم بمعنى البيعة أي خرج مبايعا
على بذل المهجة في سبيل الله أو خرج بين صفي الفئتين داميا بأسهم من قولهم صام
النعام أي رمى بذرقه وهو صومه فالباء للصلة أو الدعامة فقد جاء الصوم بهذه المعاني
كلها في الصحاح وأساس البلاغة والمعرب والمغرب والقاموس والنهاية انتهى. أقول: قد
مضى كثير من أخبار هذا الباب في باب فضائل عمار وفي باب مطاعن عثمان. 380 - كتاب
صفين لنصر بن مزاحم عن سفيان الثوري وقيس بن
380 - رواه نصر بن مزاحم في أواسط الجزء
(6) من كتاب صفين ص 323 - 359 ط مصر. والحديث الاول منه رواه ابن ماجة القزويني في
باب فضل عمار تحت الرقم: (146) في مقدمة سننه ج 1، ص 44، قال: حدثنا عثمان بن أبي
شيبة وعلي بن محمد، قالا: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن
هانئ...
[25]
الربيع عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن
علي عليه السلام قال جاء عمار بن ياسر يستأذن على النبي صلى الله عليه وآله: فقال:
إئذنوا له مرحبا بالطيب المطيب. وعن سفيان بن سعيد عن سلمة بن كهيل عن مجاهد عن
النبي صلى الله عليه وآله حين رآهم يحملون الحجارة حجارة المسجد فقال: ما لهم
ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وذاك دأب الاشقياء الفجار. وعن سفيان عن
الاعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله
قال: لقد ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه. وعن الحسن بن صالح عن أبي ربيعة الايادي عن
الحسن عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة علي
وعمار وسلمان. وعن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال: لما بني المسجد جعل
عمار يحمل حجرين حجرين فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا اليقظان لا
تشق على نفسك. قال: يا رسول الله إني أحب أن أعمل في هذا المسجد قال: ثم مسح ظهره
ثم قال: إنك من أهل الجنة تقتلك الفئة الباغية. وعن حفص بن عمران الازرق البرجمي عن
نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص لابيه:
لولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بطواعيتك ما سرت هذا المسير أما سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعمار: تقتلك الفئة الباغية. وعن حفص بن عمران
البرجمي عن عطاء بن السائب عن أبي البختري قال: أصيب أويس القرني مع علي بصفين.
ثم روى بسند آخر قريبا منه عن علي عليه
السلام أنه دخل عليه عمار فقال: مرحبا بالطيب المطيب سمعت رسول الله صلى الله عليه
[وآله] وسلم يقول: ملئ عمارا إيمانا إلى مشاشه. (*)
[26]
وعن عمر بن سعد عن مالك بن أعين عن زيد بن
وهب الجهني أن عمار بن ياسر نادى يومئذ: أين من يبغي رضوان ربه ولا يؤب إلى مال ولا
ولد ؟ قال: فأتته عصابة من الناس فقال: يا أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم
الذين يبغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوما والله إن كان إلا ظالما لنفسه الحاكم
بغير ما أنزل الله. ودفع علي الراية إلى هاشم بن عتبة وكان عليه درعان فقال له علي
عليه السلام كهيئة المازح: أيا هاشم أيا تخشا على نفسك أن تكون أعورا جبانا ؟ قال:
ستعلم يا أمير المؤمنين والله لالفن بين جماجم القوم لف رجل ينوي الآخرة. فأخذ رمحا
فهزه فانكسر ثم أخذ آخر فوجده جاسيا فألقاه ثم دعا برمح لين فشد به لواءه. ولما دفع
علي عليه السلام الراية إلى هاشم قال له رجل من بكر بن وائل من أصحاب هاشم: اقدم ما
لك يا هاشم قد انتفخ سحرك عورا وجبنا قال: من هذا قالوا فلان قال: أهلها وخير منها
إذا رأيتني صرعت فخذها ثم قال لاصحابه: شدوا شسوع نعالكم وشدوا أزركم فإذا رأيتموني
قد هززت الراية ثلاثا فاعلموا أن أحدا منكم لا يسبقني إليها ثم نظر هاشم إلى عسكر
معاوية فرأى جمعا عظيما فقال: من أولئك ؟ قالوا: أصحاب ذي الكلاع ثم نظر فرأى جندا
آخر فقال: من أولئك قالوا: جند أهل المدينة قريش قال: قومي لا حاجة لي في قتالهم
قال: من عند هذه القبة البيضاء ؟ قيل معاوية وجنده فحمل حينئذ يرقل إرقالا. وعن عبد
العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال: لما كان قتال صفين والراية مع هاشم بن
عتبة جعل عمار بن ياسر يتناوله بالرمح ويقول: اقدم يا أعور. لا خير في أعور لا يأتي
الفزع. قال: فجعل يستحيي من عمار وكان عالما بالحرب فيتقدم فيركز الراية إذا
[27]
سامت إليه الصفوف قال عمار: اقدم يا أعور
لا خير في أعور لا يأتي الفزع. فجعل عمرو بن العاص يقول: إني لارى لصاحب الراية
السوداء عملا لئن دام على هذا لتفنين العرب اليوم. فاقتتلوا قتالا شديدا. وجعل عمار
يقول: صبرا عباد الله الجنة في ظلال البيض. قال: وكانت علامة أهل العراق بصفين
الصوف الابيض قد جعلوه في رؤوسهم وعلى أكتافهم وشعارهم يا الله يا أحد يا صمد يا
رحيم. وكانت علامة أهل الشام خرقا بيضا قد جعلوها على رؤوسهم وأكتافهم وكان شعارهم
نحن عباد الله حقا يا لثارات عثمان. قال: فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد فما تحاجزنا
حتى حجز بينا سواد الليل وما يرى رجلا منا ولا منهم موليا فلما أصبحوا وذلك اليوم
الثلاثاء خرج الناس إلى مصافهم فقال أبو نوح: فكنت في خيل علي عليه السلام فإذا أنا
برجل من أهل الشام يقول: من يدلني على الحميري أبي نوح ؟ قال: قلت: فقد وجدته فمن
أنت ؟ قال: أنا ذو الكلاع سر إلي فقال أبو نوح: معاذ الله أن أسير إليك إلا في
كتيبة قال ذو الكلاع: سر فلك ذمة الله وذمة رسوله وذمة ذي الكلاع حتى ترجع إلى خيلك
فإنما أريد بذلك أن أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه. فسارا حتى التقيا فقال ذو
الكلاع: إنما دعوتك أحدثك حديثا حدثنا عمرو بن العاص في إمارة عمر بن الخطاب. قال
أبو نوح: وما هو ؟ قال: حدثنا عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
يلتقي أهل الشام وأهل العراق وفي إحدى الكتيبتين الحق وإمام الهدى ومعه عمار بن
ياسر قال أبو نوح: لعمرو الله إنه لفينا. قال: أجاد هو على قتالنا ؟ قال أبو نوح:
نعم ورب الكعبة لهو أشد على قتالكم مني. فقال ذو الكلاع: هل تستطيع أن تاتي معي صف
أهل الشام فأنا لك جار منهم حتى تلقى عمرو بن العاص فتخبره عن عمار وجده في قتالنا
لعله
[28]
يكون صلحا بين هذين الجندين فقال له أبو
نوح: إنك رجل غادر وأنت في قوم غدور وإن لم تكن تريد الغدر أغدروك وإني أن أموت أحب
إلي من أن أدخل مع معاوية وأدخل في دينه وأمره. فقال ذو الكلاع: أنا جار لك من ذلك
أن لا تقتل ولا تسلب ولا تكره على بيعة ولا تحبس عن جندك وإنما هي كلمة تبلغها عمرا
لعل الله أن يصلح بين هذين الجندين ويضع عنهم الحرب والسلاح. فسار معه حتى أتى عمرو
بن العاص وهو عند معاوية وحوله الناس وعبد الله بن عمرو يحرض الناس فلما وقفا على
القوم قال ذو الكلاع لعمرو: يا [أ] با عبد الله هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك
عن عمار بن ياسر ولا يكذبك ؟ قال عمرو: من هذا معك ؟ قال: هذا ابن عمي وهو من أهل
الكوفة فقال له عمرو: إني لارى عليك سيماء أبي تراب. قال أبو نوح: علي سيماء محمد
صلى الله عليه وآله وأصحابه وعليك سيماء أبي جهل وسيماء فرعون. فقام أبو الأعور فسل
سيفه ثم قال: لا أرى هذا الكذاب يشاتمنا بين أظهرنا وعليه سيماء أبي تراب فقال ذو
الكلاع: أقسم بالله لئن بسطت يدك إليه لاحطمن أنفك بالسيف ابن عمي وجاري عقدت له
ذمتي وجئت به إليكم ليخبركم عمار تماريتم فيه. فقال له عمرو: أذكرك بالله يا أبا
نوح إلا ما صدقت أفيكم عمار بن ياسر ؟ فقال له أبو نوح: ما أنا بمخبرك عنه حتى
تخبرني لم تسأل عنه ؟ فإن معنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله غيره وكلهم
جاد على قتالكم. قال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن عمارا تقتله
الفئة الباغية وإنه ليس ينبغي لعمار أن يفارق الحق ولن تأكل النار منه شيئا. فقال
أبو نوح: لا إله إلا الله والله أكبر والله إنه لفينا جاد على قتالكم فقال عمرو:
والله إنه لجاد على قتالنا ؟ قال: نعم والله الذي لا إله إلا هو لقد حدثني يوم
الجمل أنا سنظهر عليهم ولقد حدثني أمس أن لو ضربونا حتى
[29]
يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق
وأنهم على باطل ولكانت قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار. فقال له عمرو: هل تستطيع
أن تجمع بينه وبيني ؟ قال: نعم فلما أراد أن يبلغه أصحابه ركب عمرو بن العاص وابناه
وعتبة بن أبي سفيان وذو الكلاع وأبو الاعور السلمي وحوشب والوليد بن أبي معيط
فانطلقوا حتى أتوا خيولهم. وسار أبو نوح ومعه شرحبيل بن ذي الكلاع حتى انتهى إلى
أصحابه فذهب أبو نوح إلى عمار فوجده قاعدا مع أصحابه مع ابني بديل وهاشم والاشتر
وجارية بن المثنى وخالد بن المعمر وعبد الله بن حجل وعبد الله بن العباس فقال أبو
نوح: إنه دعاني ذو الكلاع وهو ذو رحم فذكر ما جرى بينه وبينهم وقال: أخبرني عمرو بن
العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: عمار تقتله الفئة الباغية. فقال
عمار: صدق وليضر به ما سمع ولا ينفعه فقال أبو نوح: إنه يريد أن يلقاك فقال عمار
لاصحابه: اركبوا قال: ونحن إثنا عشر رجلا بعمار (1) فسرنا حتى لقيناهم ثم بعثنا
إليم فارسا من عبد القيس يسمى عوف بن بشر فذهب حتى كان قريبا من القوم ثم نادى أين
عمرو بن العاص ؟ قالوا: هاهنا فأخبره بمكان عمار وخيله فقال عمرو: فليسر إلينا فقال
عوف: إني أخاف غدراتك ثم جرى بينهما كلمات تركتها إلى أن قال: أقبل عمار مع أصحابه
فتواقفا فقال عمرو: يا أبا اليقظان اذكرك الله إلا كففت سلاح أهل هذا العسكر وحقنت
دمائهم فعلام تقاتلنا أو لسنا نعبد إلها واحدا ونصلي قبلتكم وندعو دعوتكم ونقرأ
كتابكم ونؤمن برسولكم ؟ قال: الحمد
(1) كذا في ط الكمباني من أصلي وفيه
اختلال، فيحتمل أن يكون من خطأ الكتاب أو المطبعة، أو من جهة تلخيص المصنف العلامة
وإليك نص كتاب صفين ط مصر: ثم قال أبو نوح لعمار - ونحن إثنا عشر رجلا -: فإنه يريد
أن يلقاك. فقال عمار لاصحابه: اركبوا. فركبوا وساروا ثم بعثنا إليهم فارسا من عبد
القيس يسمى عوف بن بشر...
[30]
لله الذي أخرجها من فيك إنها لي ولاصحابي
القبلة والدين وعبادة الرحمن والنبي والكتاب من دونك ودون أصحابك وجعلك ضالا مضلا
لا تعلم هاد أنت أم ضال وجعلك أعمى وسأخبرك على ما قاتلتك عليه أنت وأصحابك أمرني
رسول الله صلى الله عليه وآله أن أقاتل الناكثين ففعلت وأمرني أن أقاتل القاسطين
فأنتم هم. وأما المارقون فما أدري أدركهم أم لا. أيها الابتر ألست تعلم أن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال لعلي: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه " وأنا مولى الله ورسوله وعلي بعده وليس لك مولى. فقال له عمرو: فما
ترى في قتل عثمان ؟ قال: فتح لكم باب كل سوء قال عمرو: فعلي قتله ؟ قال عمار: بل
الله رب علي قتله وعلي معه قال عمرو: أكنت فيمن قتله ؟ قال: أنا مع من قتله وأنا
اليوم أقاتل معه. قال: فلم قتلتموه ؟ قال: أراد أن يغير ديننا فقتلناه. قال عمرو:
ألا تستمعون قد اعترف بقتل إمامكم ؟ قال عمار: وقد قالها فرعون قبلك: " ألا تستمعون
". فقام أهل الشام ولهم زجل فركبوا خيولهم ورجعوا فبلغ معاوية ما كان بينهم فقال
له: هلكت العرب إن أخذتهم خفة العبد الاسود يعني عمارا. وخرج [عمار] إلى القتال
وصفت الخيول بعضها لبعض وزحف الناس وعلى عمار درع وهو يقول: أيها الناس الرواح إلى
الجنة. فاقتتل الناس قتالا شديدا لم يسمع الناس بمثله وكثرت القتلى حتى أن كان
الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله فقال الاشعث: لقد رأيت أخبية صفين
وأروقتهم وما منها خباء ولا رواق ولا بناء ولا فسطاط إلا مربوطا بيد رجل أو رجله.
وجعل أبو سماك الاسدي يأخذ إداوة من ماء وشفرة حديد فيطوف في القتلى فإذا رأى رجلا
جريحا وبه رمق أقعده وسأله من أمير المؤمنين عليه
[31]
السلام فإن قال: علي غسل عنه الدم وسقاه
من الماء، وإن سكت وجأه بسكين حتى يموت قال: فكان يسمى المخضخض. وعن عمرو بن شمر عن
جابر عن الشعبي عن الاحنف بن قيس قال: والله إني إلى جانب عمار فتقدمنا حتى إذا
دنونا من هاشم بن عتبة قال له عمار: احمل فداك أبي وأمي ونظر عمار إلى رقة في
الميمنة فقال له هاشم: رحمك الله يا عمار إنك رجل تأخذك خفة في الحرب وإني إنما
أزحف باللواء زحفا وأرجو أن أنال بذلك حاجتي وإني إن خففت لم آمن الهلكة وقد قال
معاوية لعمرو: ويحك يا عمرو إن اللواء مع هاشم كأنه يرقل به إرقالا و إن زحف به
زحفا إنه لليوم الاطول لاهل الشام (1) فلم يزل به عمار حتى حمل فبصر به معاوية فوجه
إليه جملة أصحابه ومن برز بالناس منهم في ناحيته وكان في ذلك الجمع عبد الله بن
عمرو ومعه سيفان قد تقلد بواحد وهو يضرب بالآخر وأطافت به خيل علي فقال عمرو: يا
الله يا رحمان ابني ابني وكان يقول معاوية: اصبر اصبر فإنه لا بأس عليه قال عمرو:
لو كان يزيد إذا لصبرت ولم يزل حماة أهل الشام يذبون عنه حتى نجا هاربا على فرسه
ومن معه وأصيب هاشم في المعركة. قال: وقال عمار حين نظر إلى راية عمرو بن العاص:
والله إن هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأرشدهن. وساق الحديث نحو رواية
الاختصاص إلى قوله: فأما أبو العادية فطعنه وأما ابن جوين فإنه اجتز رأسه فقال ذو
الكلاع لعمرو: ويحك ما هذا ؟ قال عمرو إنه سيرجع إلينا وذلك قبل أن يصاب عمار فأصيب
عمار مع علي وأصيب ذو الكلاع مع معاوية.
(1) هذا هو الظاهر، وفي أصلي كان لفظ: "
إن " في قوله: " إن زحف به " مشطوبا، وكان فيه أيضا: " لليوم أطول لاهل الشام ".
وفي كتاب صفين ص 340: " وقد كان قال معاوية لعمرو: ويحك إن اللواء اليوم مع هاشم بن
عتبة وقد كان من قبل يرقل به... ".
[32]
فقال عمرو: والله يا معاوية: ما أدري بقتل
أيهما أنا اشد فرحا والله لو بقي ذو الكلاع حتى يقتل عمار لمال بعامة قومه ولافسد
علينا جندنا. قال: فكان لا يزال رجل يجئ فيقول: أنا قتلت عمارا فيقول له عمرو: فماه
سمعتموه يقول فيخلطون حتى أقبل [ابن] جوين فقال: أنا قتلت عمارا فقال له عمرو: فما
كان آخر منطقه ؟ قال: سمعته يقول: اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه. فقال له عمرو:
صدقت أنت صاحبه أما والله ما ظفرت بذلك ولكن أسخطت ربك (1). وعن عمرو بن شمر عن
إسماعيل السدي عن عبد خير الهمداني قال: نظرت إلى عمار بن ياسر رمى رمية فأغمي عليه
ولم يصل الظهر والعصر ولا المغرب ولا العشاء ولا الفجر ثم أفاق فقضاهن جميعا يبدأ
بأول شئ فاته ثم التي تليها. وعن عمرو بن شمر عن السدي عن ابن حريث قال: أقبل غلام
لعمار بن ياسر اسمه راشد يحمل شربة من لبن فقال عمار: أما إني سمعت خليلي رسول الله
صلى الله عليه وآله [قال]: إن آخر زادك من الدنيا شربة لبن. وعن عمرو بن شمر عن
السدي عن يعقوب بن الاوسط قال: احتج رجلان بصفين في سلب عمار بن ياسر وفي قتله
فأتيا عبد الله بن عمرو بن العاص فقال لهما: ويحكما أخرجا عني فإن رسول الله صلى
الله عليه وآله قال: ولعت قريش بعمار مالهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى
النار قاتله وسالبه في النار [قال:] فبلغني أن معاوية قال: " إنما قتله من أخرجه !
! يخدع بذلك طعام أهل الشام. وعن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الزبير عن حذيفة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن ابن سمية لم يخير بين أمرين قط إلا اختار
(1) كذا في الاصل المطبوع، وفي كتاب صفين
ط مصر، ص 342: " أما والله ما ظفرت يداك... ".
[33]
أشدهما (1) وفي حديث عمر بن سعد قال: حل
عمار بن ياسر وهو يقول: كلا ورب البيت لا أبرح أجي * حتى أموت أو أرى ما أشتهي أنا
مع الحق أقاتل مع علي * صهر النبي ذي الامانات الوفي إلى آخر الابيات. قال: فضربوا
أهل الشام حتى اضطروهم إلى الفرات. قال: ومشى عبد الله بن سويد سيد جرش إلى ذي
الكلاع فقال له: لم جمعت بين الرجلين ؟ قال: لحديث سمعته من عمرو ذكر أنه سمعه من
رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية. فخرج
عبد الله بن عمر العبسي وكان من عباد أهل زمانه ليلا فأصبح في عسكر علي عليه السلام
فحدث الناس بقول عمرو في عمار فلما سمع معاوية هذا القول بعث إلى عمرو فقال: أفسدت
علي أهل الشام أكل ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله تقوله ؟ فقال عمرو:
قلتها ولست والله أعلم الغيب ولا أدري أن صفين تكون وعمار خصمنا (2) وقد رويت أنت
فيه مثل الذي رويت فيه فاسأل أهل الشام. فغضب معاوية وتنمر لعمرو ومنعه خيره فقال
عمرو: لا خير لي في جوار معاوية إن تجلت هذه الحرب عنا وكان عمرو حمي الانف فقال في
ذلك:
(1) هذا هو الطاهر المذكور في كتاب صفين،
وفي ط الكمباني من كتاب البحار: " إلا اختار أشدهما ". (2) هذا هو الظاهر لمقتضى
الحال وسياق الكلام، وفي كتاب صفين ط مصر، وشرح المختار: (124) من نهج البلاغة من
ابن أبي الحديد: ج 2 ص 812 ط بيروت نقلا عن نصر بن مزاحم: " قلتها ولست أعلم الغيب
ولا أدري أن صفين تكون، قلتها وعمار يومئذ لك ولي، وقد رويت أنت فيه مثل... ".
[34]
تعاتبني أن قلت شيئا سمعته * وقد قلت لو
أنصفتني مثله قبلي وما كان لي علم بصفين إنها * تكون وعمار يحث على قتلي فلو كان لي
بالغيب علم كتمتها * وكابدت أقواما مراجلهم تغلي إلى آخر الابيات. ثم أجابه معاوية
بأبيات تشتمل على الاعتذار فأتاه عمرو وأعتبه وصار أمرهما واحدا. ثم إن عليا عليه
السلام دعا هاشم بن عتبة ومعه لواءه وكان أعور وقال: حتى متى تأكل الخبز وتشرب
الماء ؟ فقال هاشم: لاجهزن أن لا أرجع إليك أبدا (1) قال علي عليه السلام: إن
بإزائك ذا الكلاع وعنده الموت الاحمر فتقدم هاشم وتعرض له صاحب لواء ذي الكلاع
فاختلفا طعنتين فطعنه هاشم فقتله وكثرت القتلى فحمل ذو الكلاع فاجتلد الناس فقتلا
جميعا. وأخذ ابن هاشم اللواء فأسر أسرا فأتي بمعاوية فلما دخل عليه وعنده عمرو بن
العاص قال: يا أمير المؤمنين هذا المختال ابن المرقال فدونك الضب اللاحظ (2) فإن
العصا من العصية وإنما تلد الحية حية وجزاء السيئة سيئة. فقال له ابن هاشم: ما أنا
بأول رجل خذله قومه وأدركه يومه قال معاوية: تلك ضغائن صفين وما جنا عليك أبوك ! !
فقال عمرو: يا أمير
(1) كذا في أصلي، وفي كتاب صفين وشرح ابن
أبي الحديد: " لاجهدن... " وهو أظهر. (2) كذا في أصلي من طبع الكمباني من كتاب بحار
الانوار، وهذا إيجاز واختصار مخل، وإليك لفظ نصر بن مزاحم في آخر الجزء الخامس من
كتاب صفين ص 348 ط مصر: [قال] نصر: حدثنا عمرو بن شمر قال: لما انقضى أمر صفين وسلم
الامر الحسن عليه السلام إلى معاوية [و] وفدت عليه الوفود، أشخص عبد الله بن هاشم
إليه أسيرا، فلما أدخل عليه مثل بين يديه وعنده عمرو بن العاص فقال: يا أمير
المؤمنين هذا المختال ابن المرقال، فدونك الضب المضب المغتر المفتون، فإن العصى من
العصية... والضب: اللصوق بالارض، والمضب: الذي يلزم الشئ لا يفارقه.
[35]
المؤمنين أمكني منه فأشخب أوداجه على
أثباجه ؟ ! فقال له ابن هاشم: أفلا كان هذا يا ابن العاص حين أدعوك إلى البراز وقد
ابتلت اقدام الرجال من نقع الجريال (1) إذ تضايقت بك المسالك وأشرفت فيها على
المهالك وأيم الله لولا مكانك منه لنشبت لك مني خافية أرميك من خلالها بأحد من وقع
الاثافي (2) فإنك لا تزال تكثر في دهشك وتخبط في مرسك تخبط العشواء في الليلة
الحندس الظلماء. قال: فأعجبت معاوية ما سمع من كلام ابن هاشم فأمر به إلى السجن وكف
عن قتله. وعن عمرو بن شمر عن السدي عن عبد خير قال: لما صرع هاشم مر عليه رجل وهو
صريع بين القتلى فقال له: اقرأ أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وقل له أنشدك الله
إلا أصبحت وقد ربطت مقاود خيلك بأرجل القتلى فإن الدبرة تصبح غدا لمن غلب على
القتلى (3) فأخبر الرجل عليا بذلك فسار علي عليه السلام في بعض الليل حتى جعل
القتلى خلف ظهره وكانت الدبرة له عليهم. وعن عمرو بن سعد (4) عن رجل عن أبي سلمة أن
هاشم بن عتبة دعا في
(1) في كتاب صفين: من نقيع الجريال. وفي
تاج العروس: " الجريال " بالكسر، صبغ أحمر وكما سيأتي عند بيان المصنف. (2) كذا في
أصلي وسيأتي قريبا عند بيان المصنف تفسيره، وفي شرح ابن أبي الحديد: ج 2 ص 814: "
الاشافي " قيل: هي جمع " إشفي " وهو مخصف الاسكاف. هذا هو الظاهر المذكور في شرح
المختار: (83) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 2 ص 278، وفي ط الحديث
ببيروت: ج 2 ص 815. (4) كذا في أصلي، وفي كتاب صفين ص 353: " نصر، عن عمرو بن شمر،
عن رجل عن أبي سلمة... ". وفي شرح المختار: (124) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي
الحديد: ج 2 ص 817: " قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد عن الشعبي عن أبي سلمة... ".
والقصة ذكرها أيضا الطبري في تاريخه: ج 4 ص 30 وفي ط بيروت: ج 5 ص 42 قال: قال أبو
مخنف: وحدثني أبو سلمة أن هاشم بن عتبة... ".
[36]
الناس عند المساء ألا من كان يريد الله
والدار الآخرة فليقبل [إلي] فأقبل إليه ناس فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام
مرارا فليس من وجه يحمل عليه إلا صبروا له وقوتل فيه قتالا شديدا فقال لاصحابه: لا
يهولنكم ما ترون من صبرهم فو الله ما ترون منهم إلا حمية العرب وصبرها تحت راياتها
وعند مراكزها وإنهم لعلى الضلال وإنكم لعلى الحق يا قوم اصبروا وصابروا واجتمعوا
واصبروا وامشوا بنا إلى عدونا على توءدة رويدا واذكروا الله ولا يسلمن رجل أخاه ولا
تكثروا الالتفات واصمدوا صمدهم وجالدوهم محتسبين حتى يحكم الله بيننا وهو خير
الحاكمين. فقال أبو سلمة: فمضى في عصابة من القراء فقاتل قتالا شديدا هو وأصحابه
حتى رأى بعض ما يسرون به إذ خرج عليهم فتى شاب وشد يضرب بسيفه ويلعن ويشتم ويكثر
الكلام فقال له هاشم: إن هذا الكلام بعده الخصام وإن هذا القتال بعده الحساب فاتق
الله فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به قال: فإني أقاتلكم لان
صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي وإنكم لا تصلون وأقاتلكم لان صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم
وأزرتموه على قتله ! فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان إنما قتله أصحاب محمد وقراء
الناس حين أحدث أحداثا وخالف حكم الكتاب وأصحاب محمد هم أصحاب الدين وأولى بالنظر
في أمور المسلمين وما أظن أن أمر هذه الامة ولا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط ؟
قال الفتى أجل والله لا أكذب فإن الكذب يضر ولا ينفع ويشين ولا يزين فقال له هاشم:
إن هذا الامر لا علم لك به فخله وأهل العلم به. قال: أظنك والله قد نصحتني فقال له
هاشم: وأما قولك: فإن صاحبنا لا يصلي فهو أول من صلى لله مع رسوله صلى الله عليه
وآله وأفقهه في دين الله وأولاه برسول الله وأما من ترى معه فكلهم قارئ الكتاب لا
ينام الليل تهجدا فلا يغررك عن دينك الاشقياء المغرورون. قال الفتى: يا عبد الله
إني لاظنك امرءا صالحا أخبرني هل تجد لي من توبة ؟ قال: نعم تب إلى الله يتب عليك
قال فذهب الفتى راجعا فقال رجل
[37]
من أهل الشام خدعك العراقي قال: لا ولكن
نصحني. وقاتل هاشم هو وأصحابه قتالا شديدا حتى قتل تسعة نفر أو عشرة وحمل عليه
الحارث بن المنذر فطعنه فسقط وبعث إليه علي عليه السلام أن قدم لواءك فقال للرسول:
انظر إلى بطني فإذا هو قد انشق فأخذ الراية رجل من بكر بن وائل ورفع هاشم رأسه فإذا
هو بعبيد الله بن عمر بن الخطاب قتيلا إلى جانبه فجثا حتى دنا منه فعض على ثديه حتى
تبينت فيه أنيابه ثم مات هاشم وهو على صدر عبيدالله وضرب البكري فوقع فأبصر
عبيدالله فعض على ثديه الآخر ومات أيضا فوجدا جميعا ماتا على صدر عبيدالله. ولما
قتل هاشم جزع الناس عليه جزعا شديدا وأصيب معه عصابة من أسلم من القراء فمر عليهم
علي عليه السلام وهم قتلى حوله فقال: جزى الله خيرا عصبة أسلمية * صباح الوجوه
صرعوا حول هاشم يزيد وعبد الله بشر ومعبد * وسفيان وابنا هاشم ذي المكارم وعروة لا
يبعد ثناه وذكره * أذا اخترط البيض الخفاف الصوارم ثم قام عبد الله بن هاشم وأخذ
الراية. ثم ساق الحديث إلى قوله: فأمرهم علي عليه السلام بالغدو إلى القوم فغاداهم
إلى القتال فانهزم أهل الشام وقد غلب أهل العراق على قتلى أهل حمص وغلب أهل الشام
على قتلى أهل العالية وانهزم عتبة بن أبي سفيان حتى أتى الشام. ثم إن عليا عليه
السلام أمر مناديه فنادى في الناس أن اخرجوا إلى مصافكم فخرج الناس إلى مصافهم
واقتتل الناس إلى قريب من ثلث الليل. بيان: قال الجوهري: الارقال ضرب من الجنب
وناقة مرقل ومرقال: إذا كانت كثيرة الارقال. والمرقال لقب هاشم بن عتبة الزهري لان
عليا عليه السلام دفع إليه الراية يوم صفين فكان يرقل بها إرقالا. قوله: " سامت
إليه الصفوف " في
[38]
أكثر النسخ بالسين المهملة من قولهم: سامت
الابل والريح إذا مرت واستمرت أو من قولهم: سامت الطير على الشئ أي حامت ودامت وفي
بعضها بالمعجمة من شاممته أي قاربته. قوله: " فدونك الضب " شبهه بالضب لبيان كثرة
حقده وشدة عداوته. قال الجوهري: في المثل: أعق من ضب لانه ربما أكل حسو له. والضب:
الحقد. تقول: أضب فلان على غل في قلبه أي أضمره ورجل خب ضب أي جربز مراوغ. وقال: في
المثل: العصا من العصية أي بعض الامر من بعض. وقال الزمخشري: في المستقصى: العصا من
العصية هي فرس جزيمة والعصية أمها يضرب في مناسبة الشئ سنخه وكانتا كريمتين ويروى:
العصا من العصية. والافعى بنت حية والمعنى أن العود الكبير ينشأ من الصغير الذي غرس
أولا يضرب للشئ الجليل الذي يكون في بدئه حقيرا انتهى. والثبج بالتحريك ما بين
الكاهل إلى الظهر وقال الجوهري: النقع: محبس الماء وكذلك ما اجتمع في البئر منه
والمنقع الموضع يستنقع فيه الماء واستنقع الماء في الغدير أي اجتمع وثبت واستنقع
الشئ في الماء على ما لم يسم فاعله. وقال: الجريال: صبغ أحمر عن الاصمعي وجريال
الذهب: حمرته والجريال: الخمر. وجربال الخمر لونها وهنا كناية عن الدم. قوله " بأحد
من وقع الاثافي " لعل المراد بالاثافي هنا السمة التي تكوى بها قال الجوهري:
المثفاة سمة كالاثافي وفي الاثافي مثل آخر مشهور قال في المستقصى: في الامثال "
رماه الله بثالثة - الاثافي " يعمد إلى قطعة من الجبل فيضم إليها حجران ثم ينصب
عليها القدر والمراد بثالثتها تلك القطعة وهي مثل لاكبر الشر وأفظعه وقيل معناه إنه
رماه بالاثافي أثفية بعد أثفية حتى رماه الله بالثالثة فلم يبق غاية والمراد أنه
رماه بالشر كله. قوله: " تكثر في دهشك " أي تكثر الكلام في تحيرك وخوفك وفي بعض
النسخ بالسين المهملة وهو النبت لم يبق عليه لون الخضرة والمكان السهل ليس برمل ولا
تراب. والمرسة: الحبل والجمع مرس. وفي بعض الروايات: تكثر في هوسك وتخبط في دهسك
وتنشب في مرسك. والهوس: شدة الاكل والسوق اللين والمشى الذي يعتمد فيه صاحبه على
الارض والافساد والدوران أو بالتحريك: طرف من الجنون.
[39]
[الباب الرابع عشر]: باب ما ظهر من إعجازه
عليه السلام في بلاد صفين وسائر ما وقع فيها من النوادر 381 - لي: ماجيلويه عن علي
عن أبيه عن أبي الصلت الهروي عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان عن الاوزاعي عن
يحيى بن أبي كثير عن حبيب بن الجهم قال: لما دخل بنا علي بن أبي طالب عليه السلام
إلى بلاد صفين نزل بقرية يقال لها " صندودا " ثم أمرنا فعبرنا عنها ثم عرس بنا في
أرض بلقع فقام إليه مالك بن الحارث الاشتر فقال: يا أمير المؤمنين: أتنزل الناس على
غير ماء ؟ فقال: يا مالك إن الله عزوجل سيسقينا في هذا المكان ماء أعذب من الشهد
وألين من الزبد الزلال وأبرد من الثلج وأصفى من الياقوت فتعجبنا ولا عجب من قول
أمير المؤمنين عليه السلام ثم أقبل يجر رداءه وبيده سيفه حتى وقف على أرض بلقع
فقال: يا مالك احتفر أنت وأصحابك فقال: مالك فاحتفرنا فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة
فيها حلقة تبرق كاللجين فقال لنا روموها فرمناها بأجمعنا ونحن مائة رجل فلم نستطع
أن نزيلها عن موضعها فدنا أمير المؤمنين عليه السلام رافعا يده إلى السماء يدعو وهو
يقول:
381 - رواه الشيخ الصدوق رفع الله مقامه
في الحديث: (14) من المجلس: (34) من أماليه ص 155.
[40]
" طاب طاب مربا بما لم طبيوثا بوثة شتميا
كوبا جاحا نوثا توديثا برحوثا 1 آمين آمين رب العالمين رب موسى وهارون " ثم اجتذبها
فرماها عن العين أربعين ذراعا. قال مالك بن الحارث الاشتر: فظهر لنا ماء أعذب من
الشهد وأبرد من الثلج وأصفى من الياقوت فشربنا وسقينا ثم رد الصخرة وأمرنا أن نحثو
عليها التراب. ثم ارتحل وسرنا فما سرنا إلا غير بعيد قال: من منكم يعرف موضع العين
؟ فقلنا: كلنا يا أمير المؤمنين فرجعنا فطلبنا العين فخفي مكانها علينا أشد خفاء
فظننا أن أمير المؤمنين عليه السلام قد رهقه العطش فأومانا بأطرافنا فإذا نحن
بصومعة راهب فدنونا منها فإذا نحن براهب قد سقطت حاجباه على عينيه من الكبر فقلنا:
يا راهب أعندك ماء نسقي منه صاحبنا ؟ قال: عندي ماء قد استعذبته منذ يومين فأنزل
إلينا ماءا مرا خشنا فقلنا: هذا قد استعذبته منذ يومين ؟ فكيف ولو شربت من الماء
الذي سقانا منه صاحبنا وحدثناه بالامر فقال: صاحبكم هذا نبي ؟ قلنا: لا ولكنه وصي
نبي. فنزل إلينا بعد وحشته منا وقال: انطلقوا بي إلى صاحبكم فانطلقنا به فلما بصر
به أمير المؤمنين عليه السلام قال: شمعون قال الراهب: نعم شمعون هذا اسم سمتني به
أمي ما اطلع عليه أحد إلا الله تبارك وتعالى ثم أنت فكيف عرفته فأتم حتى أتمه لك.
قال: وما تشاء يا شمعون ؟ قال: هذا العين واسمه قال: هذا العين " راحوما " وهو من
الجنة شرب منه ثلاثمائة وثلاثة عشر وصيا وأنا آخر الوصيين شربت منه قال الراهب:
هكذا وجدت في جميع كتب الانجيل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
وأنك وصي محمد صلى الله عليه وآله ثم رحل أمير المؤمنين عليه السلام والراهب يقدمه
حتى نزل بصفين ونزل معه بعابدين والتقا الصفان فكان أول من أصابته الشهادة الراهب
فنزل أمير المؤمنين عليه السلام وعيناه تهملان وهو يقول: المرء مع من أحب الراهب
معنا يوم القيامة رفيقي في الجنة. بيان: البلقع والبلقعة: الارض القفر التي لا ماء
بها.
(1) كذا.
[41]
382 - يج: روي عن زاذان وجماعة من أصحاب
أمير المؤمنين عليه السلام قالوا: كنا معه بصفين فلما أن صاف معاوية أتاه رجل من
ميمنته فقال: يا أمير المؤمنين في ميمنتك خلل فقال: ارجع إلى مقامك فرجع ثم أقبل
ثانية فقال: يا أمير المؤمنين في ميمنتك خلل فقال: ارجع إلى مقامك فرجع ثم أتاه
ثالثة كأن الارض لا تحمله فقال: يا أمير المؤمنين في ميمنتك خلل فقال عليه السلام:
قف فوقف فقال عليه السلام: علي بمالك الاشتر [فأتاه مالك] فقال عليه السلام: يا
مالك قال لبيك يا أمير المؤمنين قال: ترى ميسرة معاوية قال: نعم. قال: ترى صاحب
الفرس المعلم. قال: نعم. قال: الذي عليه [القباء] الاحمر. قال: نعم. قال: انطلق
فأتني برأسه فخرج مالك فدنا منه وضربه فسقط رأسه ثم تناوله فأقبل به إلى أمير
المؤمنين فألقاه بين يديه فأقبل علي عليه السلام على الرجل فقال: نشدتك الله هل كنت
إذ نظرت إلى هذا فرأيته وحليه وهو ملا قلبك فرأيت الخلل في أصحابك ؟ قال: اللهم نعم
فأقبل علي علينا ونحن حوله فقال: أخبرني بهذا والله رسول الله أفترونه بقي بعد هذا
شئ ؟ ثم قال للرجل: ارجع إلى مقامك. 383 - يج: روي عن أبي سعيد عقيصا قال: خرجنا مع
علي عليه السلام نريد صفين فمررننا بكربلاء فقال: هذا موضع الحسين عليه السلام
وأصحابه ثم سرنا حتى انتهينا إلى راهب في صومعته وتقطع الناس من العطش وشكوا إلى
علي عليه السلام ذلك وأنه قد أخذ بهم طريقا لا ماء فيه من البر
382 - ورواه الراوندي في الخرائج ص 170.
وربما يشير إلى هذا الحديث ما رواه الطبري قبل عنوان: " خبر هاشم بن عتبة... " من
تاريخه: ج 4 ص 29، وفي ط: ج 5 ص 42. 383 - ورواه الراوندي في الخرائج ص 199، أما
التاليين فغير موجودين فيه. وقريبا منه رواه نصر بن مزاحم " عن عبد العزيز بن سياه،
عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي سعيد التيمي [دينار] المعروف بعقيصا... " كما في أوائل
الجزء الثالث من كتاب صفين، ص 145، ط مصر. وقريبا منه رواه بسند آخر في ص 147.
ورواه أيضا الاسكافي المتوفى عام: (240) في كتاب المغيار والموازنة، ص 134، ط 1.
ورواه أيضا الخوارزمي في الفصل: (3) من الفصل (16) من مناقبه، ص 167، ط النجف.
[42]
وترك طريق الفرات فدنا من الراهب فهتف به
وأشرف إليه قال: أقرب صومعتك ماء ؟ قال: لا فثنى رأس بغلته فنزل في موضع فيه رمل
وأمر الناس أن يحفروا الرمل فحفروا فأصابوا تحته صخرة بيضاء فاجتمع ثلاثمائة رجل
فلم يحركوها فقال عليه السلام: تنحوا فإني صاحبها ثم أدخل يده اليمنى تحت الصخرة
فقلعها من موضعها حتى رآها الناس على كفه فوضعها ناحية فإذا تحتها عين ماء أرق من
الزلال وأعذب من الفرات فشرب الناس واستقوا وتزودوا ثم رد الصخرة إلى موضعها وجعل
الرمل كما كان وجاء الراهب فأسلم وقال: إن أبي أخبرني عن جده وكان من حواري عيسى أن
تحت هذا الرمل عين ماء وأنه لا يستنبطها إلا نبي أو وصي نبي وقال لعلي عليه السلام:
أتأذن لي أن أصحبك في وجهك هذا قال عليه السلام: ألزمني ودعا له ففعل فلما كان ليلة
الهرير قتل الراهب فدفنه بيده وقال عليه السلام لكأني أنظر إليه وإلى منزله في
الجنة ودرجته التي أكرمه الله بها. 384 - يج: روي أنه لما طال المقام بصفين شكوا
إليه نفاد الزاد والعلف بحيث لم يجد أحد من أصحابه شيئا يؤكل فقال عليه السلام
طيبوا نفسا فإن غدا يصل إليكم ما يكفيكم فلما أصبحوا وتقاضوه صعد عليه السلام على
تل كان هناك ودعا بدعاء سأل الله أن يطعمهم ويعلف دوابهم ثم نزل ورجع إلى مكانه فما
استقر إلا وقد أقبلت العير بعد العير عليها اللحمان والتمر والدقيق والمير بحيث
امتلات بها البراري وفرغ أصحاب الجمال جميع الاحمال من الاطعمة وجميع ما معهم من
علف الدواب وغيرها من الثياب وجلال الدواب وجميع ما يحتاجون إليه حتى الخيط والمخيط
ثم انصرفوا ولم يدر أحد من أي البقاع وردوا من الانس أم من الجن وتعجب الناس من
ذلك. 385 - يج: روى علي بن حسان عن عبد الرحمان بن كثير عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام يريد صفين فلما عبر الفرات وقرب من
الجبل وحضر وقت صلاة العصر أمعن بعيدا ثم توضأ فأذن فلما فرغ من الاذان انفلق الجبل
عن هامة بيضاء ولحية ووجه أبيض فقال:
[43]
السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله
وبركاته مرحبا بوصي خاتم النبيين وقائد الغر المحجلين وسيد الوصيين فقال علي عليه
السلام: وعليك السلام يا أخي شمعون بن حمون الصفا وصي روح القدس عيسى بن مريم كيف
حالك ؟ قال: بخير يرحمك الله انا منتظر نزول روح القدس فاصبر يا أخي على ما أنت
عليه من الاذى فاصبر يا أخي حتى تلقى الحبيب غدا فلم أعلم أحدا أحسن بلاء في الله
منكم ولا أعظم ثوابا ولا أرفع مكانا وقد رأيت ما لقي أصحابك بالامس من بني إسرائيل
فإنهم نشروا بالمناشير وصلبوا على الخشب فلو تعلم تلك الوجوه المارقة المفارقة لك
ما أعد الله لها من عذاب النار والسخط والنكال لاقصرت، ولو تعلم هذه الوجوه
المتمنية بك ما لها من الثواب في طاعتك لتمنت أن تقرض بالمقاريض وعليك السلام يا
أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته قال: والتأم عليه الجبل وخرج [علي عليه السلام]
إلى القتال. فسأله عمار بن ياسر ومالك الاشتر وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وأبو أيوب
الانصاري وقيس بن سعد الانصاري وعمرو بن الحمق الخزاعي وعبادة بن الصامت عن الرجل
فأخبرهم أنه شمعون بن حمون الصفا وكانوا قد سمعوا كلامهما فازدادوا بصيرة في
المجاهدة معه. وقال عبادة بن الصامت وأبو أيوب: بأمهاتنا وآبائنا نفديك يا أمير
المؤمنين فو الله لننصرنك كما نصرنا أخاك رسول الله والله ما تأخر عنك من المهاجرين
والانصار إلا شقي. فدعا لهما بالخير. 386 - جا: علي بن بلال عن علي بن عبد الله
الاصفهاني عن الثقفي عن إسماعيل يسار عن عبد الله بن ملح عن عبد الوهاب بن إبراهيم
عن أبي صادق عن مزاحم بن عبد الوارث عن محمد بن زكريا عن شعيب بن واقد عن محمد بن
سهل [عن أبيه] عن قيس مولى علي بن أبي طالب عليه السلام مثله. 387 - شي: عن عبد
الرحمن بن جندب [ظ] قال: لما أقبل الناس مع أمير
386 - رواه الشيخ المفيد قدس سره في
المجلس: (12) من أماليه ص 105.
[44]
المؤمنين عليه السلام من صفين أقبلنا معه
فأخذ طريقا غير طريقنا الذي أقبلنا فيه حتى إذا جزنا النخيلة ورأينا أبيات الكوفة
إذا شيخ جالس في ظل بيت على وجهه أثر المرض فأقبل إليه أمير المؤمنين ونحن معه حتى
سلم عليه وسلمنا معه فرد ردا حسنا فظننا أنه قد عرفه فقال له أمير المؤمنين عليه
السلام: ما لي أرى وجهك منكسرا مصفارا فمم ذاك أمن مرض ؟ فقال: نعم. فقال: لعلك
كرهته ؟ فقال: ما أحب أنه يعتريني ولكن احتسب الخير فيما أصابني (1) قال: فابشر
برحمة الله وغفران ذنبك فمن أنت يا عبد الله ؟ قال: أنا صالح بن سليم. قال: ممن ؟
قال: أما الاصل فمن سلامان بن طي وأما الجوار والدعوة فمن بني سليم بن منصور فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: ما أحسن إسمك واسم أبيك واسم أجدادك واسم من اعتزيت
إليه فهل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ فقال: لا ولقد أردتها ولكن ما ترى في من لجب الحمى
خذلني عنها. فقال أمير المؤمنين: * (ليس على الضعفاء ولا على
387 - رواه العياشي رحمه الله في تفسير
الآية: (91) من سورة التوبة من تفسيره: ج 2 ص 103. ورواه عنه السيد البحراني في
تفسير الآية الكريمة من تفسير البرهان: ج 2 ص 150، ط 2. ورواه أيضا الطبري عن أبي
مخنف عن عبد الرحمان بن جندب، عن أبيه في أواخر حوادث سنة (37) من تاريخه: ج 1، ص
3345، وفي ط: ج 4 ص 43، وفي ط الحديث ببيروت: ج 5 ص 60. وتقدم أيضا بسند آخر عن
كتاب صفين في أواسط الباب: (12) تحت الرقم: (334) ص 506 ط الكمباني. وبعض كلام أمير
المؤمنين المذكور فيه رواه السيد الرضي في المختار: (42) وما بعده من قصار نهج
البلاغة. ورواه أيضا الشيخ الطوسي بسند آخر في الحديث (2) من المجلس (9) من الجزء
الثاني من أماليه. (1) كذا في أصلي، وفي تاريخ الطبري: " قال ما أحب أنه بغيري.
قال: أليس احتسابا للخير فيما أصابك منه ؟ قال: بلى. قال: فابشر برحمة ربك... ".
وقريبا منه رواه الاسكافي المتوفى عام: (240) في كتاب المعيار ص 192، ط 1.
[45]
المرضى ولا على الذين لا يجدون) * إلى آخر
الآية [91 / من سورة البراءة] [ثم قال: فخبرني] ما قول الناس فيما بيننا وبين أهل
الشام ؟ قال: منهم المسرور والمحبور فيما كان بينك وبينهم وهم أغش الناس لك. فقال
له: صدقت قال: ومنهم الكاسف: لآسف (1) لما كان من ذلك وأولئك نصحاء الناس لك فقال
له: صدقت جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك فإن المرض لا أجر فيه ولكن لا يدع
على العبد ذنبا إلا حطه وإنما الاجر في القول باللسان والعمل باليد والرجل وإن الله
ليدخل بصدق النية والسريرة الصالحة [عالما] جما من عباده الجنة. بيان: قال الجوهري:
حبرني هذا الامر أي سرني وقال: رجل كاسف البال أي سئ الحال وكاسف الوجه أي عابس.
والجم: الكثير. 388 - يل فض: بالاسناد يرفعه إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه قال:
لما سار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى صفين وقف بالفرات وقال
لاصحابه: أين المخاض. فقالوا: أنت أعلم يا أمير المؤمنين فقال لبعض أصحابه: امض إلى
هذا التل وناد يا جلند أين المخاض ؟ قال: فصار حتى وصلت تل ونادى يا جلند فأجابه من
تحت الارض خلق كثير ! ! قال فبهت ولم يعلم ما يصنع فأتى إلى الامام وقال: يا مولاي
جاوبني خلق كثير فقال: يا قنبر امض وقل: يا جلند بن كركر أين المخاض ؟ قال: فكلمه
واحد وقال: ويلكم من عرف اسمي واسم أبي وأنا في هذا المكان وقد بقي قحف رأسي عظم
نخر رميم ولي ثلاث آلاف سنة ما يعلم المخاض هو والله أعلم مني يا ويلكم ما أعمى
قلوبكم وأضعف نفوسكم ويلكم امضوا إليه واتبعوه فأين خاض خوضوا معه فإنه أشرف الخلق
بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.
(1) هذا هو الصواب المذكور في تفسير
البرهان، وفي ط الكمباني من البحار: " العاصف... ". 388 - الفضائل لشاذان بن
جبرائيل ط النجف ص 14. مع مغايرات غير يسيرة في اللفظ. هذا ومؤلفه مجهول الهوية.
[46]
بيان: مخاض الماء: الموضع الذي يجوز الناس
فيه مشاة وركبانا. 389 - يل فض: بالاسناد يرفعه إلى ابن عباس قال: أقبلنا مع علي بن
أبي طالب عليه السلام من صفين فعطش الجيش ولم يكن بتلك الارض ماء فشكوا ذلك إلى
وارث علم النبوة فجعل يدور في تلك الارض إلى أن استبطن البر فرآى صخرة عظيمة فوقف
عليها وقال: السلام عليك أيتها الصخرة فقالت: السلام عليك يا وارث علم النبوة فقال
لها: أين الماء ؟ قال: تحتي يا وصي محمد صلى الله عليه وآله قال: فأخبر الناس بما
قالت الصخرة له قال: فانكبوا إليها بمائة نفر فعجزوا أن يحركوها فعند ذلك قال عليه
السلام: إليكم عنها ثم أنه عليه السلام وقف عليها وحرك شفتيه ودفعها بيده فانقلبت
كلمح البصر وإذا تحتها عين ماء أحلى من العسل وأبرد من الثلج فسقوا المسلمين وسقوا
خيولهم وأكثروا من الماء ثم إنه عليه السلام أقبل إلى الصخرة وقال لها: عودي إلى
موضعك قال ابن عباس: فجعلت تدور على وجه الارض كالكرة في الميدان حتى أطبقت على
العين ثم رجعوا ورحلوا عنها. 390 - يج: عن أبي هاشم الجعفري عن أبيه عن الصادق عليه
السلام قال: لما فرغ علي عليه السلام من صفين وقف على شاطئ الفرات وقال: أيها
الوادي من أنا فاضطرب وتشققت أمواجه وقد نظر الناس فسمعوا من الفرات صوتا أشهد أن
لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وأن عليا أمير
المؤمنين حجة الله على خلقه. 391 - يج: عن عبد الله بن السكسكي عن أبي عبد الله عن
أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام لما قدم من صفين وقف على شاطئ الفرات ثم
انتزع سهما من كنانته ثم أخرج منها قضيبا أصفر فضرب به الفرات وقال:
389 - لم أجد في الفضائل رواية بهذا النص
إلا أنه في ص 107 ذكر ما يقرب منه. 390 - رواه القطب الدين الراوندي رحمه الله في
كتاب الخرائج. 391 - 392 - رواهما قطب الدين الراوندي في كتاب الخرائج. ورواه مسندا
الشيخ منتجب الدين رحمه الله في الحكاية الاولى من خاتمة أربعينه ص 75.
[47]
انفجري فانفجرت إثنتا عشرة عينا كل عين
كالطود والناس ينظرون إليه ثم تكلم بكلام لم يفهموه فأقبلت الحيتان رافعة رؤسها
بالتهليل والتكبير وقالت: السلام عليك يا حجة الله على خلقه في أرضه ويا عين الله
في عباده خذلك قومك بصفين كما خذل هارون [موسى " خ ل "] بن عمران قومه. فقال لهم:
أسمعتم ؟ قالوا: نعم قال: فهذه آية لي عليكم وقد أشهدتكم عليه. 392 - يج: عن عبد
الواحد بن زيد قال: كنت حاجا إلى بيت الله فبينا أنا في الطواف إذ رأيت جاريتين عند
الركن اليماني تقول إحداهما للاخرى: لا وحق المنتجب للوصية والقاسم بالسوية والعادل
في القضية بعل فاطمة الزكية الرضية المرضية ما كان كذا. فقلت من هذا المنعوت ؟
فقالت: هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام علم الاعلام وباب الاحكام
قسيم الجنة والنار رباني الامة. قلت: من أين تعرفينه ؟ قالت: كيف لا أعرفه وقد قتل
أبي بين يديه بصفين ولقد دخل على أمي لما رجع فقال يا أم الايتام كيف أصبحت ؟ قالت:
بخير ثم أخرجتني وأختي هذه إليه وكان قد ركبتني من الجدري ما ذهب به بصري فلما نظر
عليه السلام إلى تأوه وقال: ما إن تأوهت من شئ رزئت به * كما تأوهت للاطفال في
الصغر قد مات والدهم من كان يكفلهم * في النائبات وفي الاسفار والحضر ثم أمر يده
المباركة على وجهي فانفتحت عيني لوقتي وساعتي فو الله إني لانظر إلى الجمل الشارد
في الليلة المظلمة ببركته عليه السلام.
[49]
[الباب الخامس عشر] باب ما جرى بين معاوية
وعمرو بن العاص في [التحامل على] علي عليه السلام 393 - لي: القطان عن ابن زكريا عن
ابن حبيب عن علي بن زياد عن الهيثم بن عدي عن الاعمش عن يونس بن أبي إسحاق قال:
حدثنا أبو الصفر عن عدي بن أرطأة قال: قال معاوية يوما لعمرو بن العاص: يا أبا عبد
الله أينا أدهى ؟ قال عمرو: أنا للبديهة وأنت للروية قال معاوية: قضيت لي على نفسك
وأنا أدهى منك في البديهة قال عمرو: فأين كان دهاؤك يوم رفعت المصاحف ؟ قال: بها
غلبتني يا أبا عبد الله أفلا أسألك عن شئ تصدقني فيه ؟ قال: والله إن الكذب لقبيح
فاسأل عما بدا لك أصدقك فقال: هل غششتني منذ نصحتني ؟ قال: لا. قال: بلى والله لقد
غششتني أما إني لا أقول في كل المواطن ولكن في موطن واحد قال: وأي موطن ؟ قال: يوم
دعاني علي بن أبي طالب للمبارزة فاستشرتك فقلت: ما ترى يا أبا عبد الله فقلت: كفو
كريم فأشرت علي بمبارزته وأنت تعلم من هو فعلمت أنك غششتني قال: يا أمير المؤمنين
دعاك رجل إلى مبارزة عظيم الشرف جليل الخطر وكنت من مبارزته
393 - رواه الشيخ الصدوق رحمه الله في
الحديث: (5) من المجلس: (17) من أماليه ص 69.
[50]
على إحدى الحسنين إما أن تقتله فتكون قد
قتلت قتال الاقران وتزداد به شرفا إلى شرفك وتخلو بملكك وإما أن تعجل إلى مرافقة
الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا قال معاوية: هذه شر من الاولى والله إني لاعلم
أني لو قتلته دخلت النار ولو قتلني دخلت النار قال له عمرو: فما حملك على قتاله ؟
قال: الملك عقيم ولن يسمعها منى أحد بعدك. 394 - ما: المفيد عن محمد بن عمران عن
محمد بن إسحاق عن الوليد بن محمد بن إسحاق عن أبيه قال: استأذن عمرو بن العاص على
معاوية بن أبي سفيان فلما دخل عليه استضحك معاوية فقال له عمرو: ما أضحكك يا أمير
المؤمنين أدام الله سرورك ؟ قال: ذكرت ابن أبي طالب وقد غشيك بسيفه فاتقيته ووليت
فقال: أتشمت بي يا معاوية فأعجب من هذا يوم دعاك إلى البراز فالتمع لونك وأطت
أضلاعك وانتفخ سحرك والله لو بارزته لاوجع قذالك وأيتم عيالك وبزك سلطانك وأنشأ
عمرو يقول: معاوي لا تشمت بفارس بهمة * لقى فارسا لا تعتليه الفوارس معاوي لو أبصرت
في الحرب مقبلا * أبا حسن تهوي عليك الوساوس وأيقنت أن الموت حق وأنه * لنفسك إن لم
تمعن الركض خالس دعاك فصمت دونه الاذن إذ دعا * ونفسك قد ضاقت عليها الامالس أتشمت
بي أن نالني حد رمحه * وعضضني ناب من الحرب ناهس فأي امرئ لاقاه لم يلق شلوه *
بمعترك تسفى عليه الروامس أبى الله إلا أنه ليث غابة * أبو أشبل تهدى إليه الفرائس
فإن كنت في شك فأرهج عجاجة * وإلا فتلك الترهات البسابس فقال معاوية مهلا يا أبا
عبد الله ولا كل هذا قال: أنت استدعيته. بيان: استضحك لعله مبالغة في الضحل أو أراد
أن يضحك عمروا.
394 - رواه شيخ الطائفة في الحديث: (30)
من الجزء (5) من أماليه: ج 1 ص 134.
[51]
والتمع لونه: ذهب وتغير. وأط الرجل ونحوه
يئط أطيطا: صوت. ويقال للجبان: انتفخ سحرك أي رئتك. وبزه: سلبه. وقال الجوهري:
البهمة بالضم: الفارس الذي لا يدرى من أين يؤتى من شدة بأسه ويقال أيضا للجيش بهمة
ومنه قولهم: فلان فارس بهمة وليث غابة. وفي القاموس: الامليس وبهاء: الفلات ليس بها
نبات والجمع أماليس، وأمالس شاذ. وقال: نهس اللحم كمنع وسمع: أخذ بمقدم أسنانه
ونتفه وقال: الشلو بالكسر: العضو والجسد من كل شئ كالشلا. وكل مسلوح أكل منه شئ
وبقيت منه بقية وقال: الروامس: الرياح الدوافن للآبار وقال: أرهج: أثار الغبار.
وقال: العجاج: الغبار وقال: الترهة كقبرة: الباطل. وقال: الترهات البسابس
وبالاضافة: الباطل. 395 - كشف: لما عزم معاوية على قتال علي عليه السلام شاور فيه
ثقاته وأهل وده فقالوا: هذا أمر عظيم لا يتم إلا بعمرو بن العاص فإنه قريع زمانه في
الدهاء والمكر وقلوب أهل الشام مائلة إليه وهو يخدع ولا يخدع فقال: صدقتم ولكنه يحب
عليا فأخاف أن يمتنع فقالوا: رغبه بالمال واعطه مصر فكتب إليه من معاوية بن أبي
سفيان خليفة عثمان بن عفان إمام المسلمين وخليفة رسول رب العالمين ذي النورين ختن
المصطفى على ابنتيه وصاحب جيش العسرة وبئر رومة المعدوم الناصر الكثير الخاذل
المحصور في منزله المقتول عطشا وظلما في محرابه المعذب بأسياف لفسقة إلى عمرو بن
العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وثقته وأمير عسكره بذات السلاسل المعظم
رأيه المفخم تدبيره أما بعد فلن يخفى عليك احتراق قلوب المؤمنين وفجعتهم بقتل عثمان
وما ارتكبه جاره بغيا وحسدا وامتناعه عن نصرته وخذلانه إياه حتى قتل في محرابه فيا
لها
395 - ذكره الاربلي رحمه الله فيما ساقه
من قضايا صفين في أواسط قضاياها من كتاب كشف الغمة: ج 1، ص 254.
[52]
مصيبة عمت الناس وفرضت عليهم طلب دمه من
قتلته وأنا أدعوك إلى الحظ الاجزل من الثواب والنصيب الاوفر من حسن المآب بقتال من
آوى قتلة عثمان. فكتب إليه عمرو بن العاص: من عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى
الله عليه وآله إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد وصل كتابك فقرأته وفهمته فأما
ما دعوتني إليه من قتال علي فقد دعوتني والله إلى خلع ربقة الاسلام من عنقي والتهور
في الضلالة معك وإعانتي إياك على الباطل واختراط السيف في وجه علي بن أبي طالب عليه
السلام وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه ووارثه وفاضي دينه ومنجز وعده
وزوج ابنته سيدة نساء العالمين وأبو السبطين سيدي شباب أهل الجنة. وأما قولك: إنك
خليفة عثمان فقد صدقت ولكن تبين اليوم عزلك من خلافته وقد بويع لغيره فزالت خلافتك.
وأما ما عظمتني به ونسبتني إليه من صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وأني صاحب
جيشه فلا أعتر بالتزكية ولا أميل بها عن الملة. وأما ما نسبت أبا الحسن أخا رسول
الله صلى الله عليه وآله ووصيه إلى البغي والحسد لعثمان وسميت الصحابة فسفة وزعمت
أنه أشلاهم على قتله فهذا كذب وغواية ويحك يا معاوية أما علمت أن أبا الحسن بذل
نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وبات على فراشه وهو صاحب السبق إلى
الاسلام والهجرة وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: هو مني وأنا منه وهو مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وقال فيه يوم الغدير: من كنت مولاه فعلي
مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وقال فيه يوم
خيبر: لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
[53]
وقال فيه يوم الطير: اللهم ائتني بأحب
خلقلك إليك فلما دخل قال: وإلي وإلي. وقال فيه يوم النضير: علي إمام البررة وقاتل
الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله. وقال فيه: علي وليكم بعدي. وأكد القول علي
وعليك وعلى جميع المسلمين وقال: إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي. وقال أنا
مدينة العلم وعلي بابها. وقد علمت يا معاوية ما أنزل الله من الآيات المتلوات في
فضائله التي لا يشركه فيها أحد، كقوله تعالى: " يوفون بالنذر " [7 / الدهر،
وكقوله]: " إنما وليكم الله ورسوله " [55 / المائدة، وكقوله]: " أفمن كان على بينة
من ربه ويتلوه شاهد منه " [17 / هود، وكقوله]: " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه "
[23 / الاحزاب، وكقوله]: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " [23 /
الشورى]. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما ترضى أن يكون سلمك سلمي وحربك
حربي وتكون أخي ووليي في الدنيا والآخرة يا أبا الحسن من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك
فقد أبغضني ومن أحبك أدخله الله الجنة ومن أبغضك أدخله الله النار. وكتابك يا
معاوية الذي هذا جوابه ليس مما ينخدع به من له عقل ودين والسلام. فكتب إليه معاوية
يعرض عليه الاموال والولايات وكتب في آخر كتابه: جهلت ولم تعلم محلك عندنا * فأرسلت
شيئا من خطاب وما تدري فثق بالذي عندي لك اليوم آنفا * من العز والاكرام والجاه
والنصر فاكتب عهدا ترتضيه مؤكدا * وأشفعه بالبذل مني وبالبر فكتب إليه عمرو بأبيات
- ليس بالشعر الجيد - يطلب فيها مصر (1) [وأولها:]
[54]
أبى القلب مني أن أخادع بالمكر * بقتل ابن
عفان اجر إلى الكفر فكتب له معاوية بذلك وأنفذه إليه ففكر عمرو ولم يدر ما يصنع
وذهب عنه النوم فقال: تطاول ليلي بالهموم الطوارق * وصافحت من دهري وجوه البوائق
ءأخدعه والخدع مني سجية * أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق أم أقعد في بيتي وفي ذاك
راحة * لشيخ يخاف الموت في كل شارق فلما أصبح دعا مولاه وردان وكان عاقلا فشاوره في
ذلك فقال وردان: إن مع علي آخرة ولا دنيا معه وهي التي تبقى لك وتبقى فيها وإن مع
معاوية دنيا ولا آخرة معه وهي التي لا تبقى على أحد فاختر ما شئت فتبسم عمرو وقال:
يا قاتل الله وردانا وفطنته * لقد أصاب الذي في القلب وردان لما تعرضت الدنيا عرضت
لها * بحرص نفسي وفي الاطباع ادهان نفس تعف وأخرى الحرص يغلبها * والمرء يأكل نتنا
وهو غرثان أما علي فدين ليس بشركه * دنيا وذاك له دنيا وسلطان فاخترت من طمعي دنيا
على بصري * وما معي بالذي اختار برهان إني لاعرف ما فيها وأبصره * وفي أيضا لما
أهواه ألوان لكن نفسي تحب العيش في شرف * وليس يرضى بذل العيش إنسان ثم إن عمرا رحل
إلى معاوية فمنعه ابنه عبد الله ووردان فلم يمتنع فلما بلغ مفرق الطريقين الشام
والعراق قال له وردان: طريق العراق طريق الآخرة وطريق الشام طريق الدنيا فأيهما
تسلك ؟ قال: طريق الشام ! ! توضيح: قال الجوهري: القريع: الفحل والسيد، يقال: فلان
قريع دهره وقريعك الذي يقارعك.
(1) هذا كان مؤخرا في أصلي فقدمناه لكونه
أوفق، والقصة ذكرها الخوارزمي حرفية في الفصل الثالث من الفصل (16) من مناقب أمير
المؤمنين عليه السلام ص 129.
[55]
وقال في النهاية: فيه ذكر بئر رومة هي بضم
الراء اسم بئر بالمدينة اشتراها عثمان وسبلها. وفي القاموس: أشلا دابته: أراها
المخلاة لتأتيه. والناقة: دعاها للحلب. والوامق: المحب. والشارق: الشمس. وشرقت
الشمس: طلعت والغرثان: الجائع. 396 - نهج: ولم يبايع حتى شرط أن يؤتيه على البيعة
ثمنا فلا ظفرت يد المبايع وخزيت أمانة المبتاع فخذوا للحرب أهبتها وأعدوا لها عدتها
فقد شب لظاها وعلا سناها [واستشعروا الصبر فإنه أدعى إلى النصر]. بيان: قوله عليه
السلام: " ولم يبايع " قال الشارحون: إشارة إلى ما اشتهر من أن أمير المؤمنين عليه
السلام لما نزل بالكوفة بعد فراغه من البصرة كتب إلى معاوية كتابا يدعوه إلى البيعة
فدعا قوما من أهل الشام إلى الطلب بدم عثمان فأجابوه وأشار إليه أخوه بالاستعانة
بعمرو بن العاص فلما قدم عليه وعرف حاجته إليه تباعد عنه وجعل يمدح عليا عليه
السلام في وجهه حتى رضي معاوية أن يعطيه المصر فبايعه فذلك معنى قوله عليه السلام "
أن يؤتيه على البيعة ثمنا " ثم أردف ذلك بالدعاء على البائع لدينه وهو عمرو بعدم
الظفر في الحرب أو بالثمن أو بشئ مما يأمله وألحقه بالتوبيخ للمبتاع وهو معاوية
بذكر هوان أمانته عليه وهي بلاد المسلمين وأموالهم. ويحتمل أن يكون إسناد الخزي إلى
الامانة إسنادا مجازيا. وذهب بعض الشارحين إلى أن المراد بالبائع معاوية وبالمبتاع
عمرو. وهو ضعيف لان الثمن إذا كان مصرا فالمبتاع هو معاوية كذا ذكره ابن ميثم. وقال
ابن أبي الحديد في أكثر النسخ " فلا ظفرت يد المبايع " بميم المفاعلة. والظاهر ما
رويناه.
396 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في
ذيل المختار: (26) من نهج البلاغة.
[56]
قوله عليه السلام: " فقد شب لظاها " أي
أوقدت نارها وأثيرت وروي بالبناء للفاعل أي ارتفع لهبها. والسنا - بالقصر -: الضوء.
أقول: قال ابن أبي الحديد: روى ابن قتيبة في [كتاب] عيون الاخبار (1) قال: رأى عمرو
بن العاص معاوية يوما فضحك فقال: مم تضحك يا أمير المؤمنين أضحك الله سنك ؟ قال:
أضحك من حضور ذهنك حين إبدائك سوأتك يوم ابن أبي طالب عليه السلام والله لقد وجدته
منانا ولو شاء أن يقتلك لقتلك فقال عمرو: يا أمير المؤمنين أما والله إني لعن يمينك
حين دعاك إلى البراز فاحولت عيناك وانتفخ سحرك وبدا منك ما أكره ذكره فمن نفسك أضحك
أو فدع
(1) - رواه ابن أبي الحديد في شرح
المختار: (68) من نهج البلاغة في عنوان: " أخبار الجبناء ونوادرهم " من شرحه: ج 2 ص
333. والحديث ذكره ابن قتيبة في أواسط كتاب الحرب من كتاب عيون الاخبار: ج 1، ص
169، ط بيروت.
[57]
[الباب السادس عشر] باب كتبه عليه السلام
إلى معاوية واحتجاجاته عليه ومراسلاته إليه وإلى أصحابه 398 - نهج ج: احتجاجه عليه
السلام على معاوية في جواب كتاب كتبه إليه - وفي غيره من المواضع - وهو من أحسن
الحجاج وأصوبه: أما بعد فقد بلغني (1) كتابك تذكر اصطفاء الله تعالى محمدا صلى الله
عليه وآله لدينه وتأييده إياه بمن أيده من أصحابه فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ
طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا ونعمته علينا في نبينا فكنت في ذلك كناقل التمر إلى
هجر أو داعي مسدده إلى النضال.
398 - رواه السيد الرضي رحمه الله في
المختار: (28) من باب الكتب من نهج البلاغة. ورواه الطبرسي رضي الله عنه في عنوان "
احتجاجه على معاوية... " من كتاب الاحتجاج ص 176. (1) كذا في طبع الكمباني من
البحار وبهامشه وفي النهج والاحتجاج: فقد أتاني. وفيهما: تذكر فيه.
[58]
وزعمت أن أفضل الناس في الاسلام فلان
وفلان فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله وإن نقص لم يلحقك ثلمه، وما أنت والفاضل
والمفضول والسائس والمسوس وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين
الاولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم ؟ هيهات لقد حن قدح ليس منها فطفق يحكم فيها
من عليه الحكم لها. ألا تربع أيها الانسان على ظلعك وتعرف قصور ذرعك وتتأخر حيث
أخرك القدر ؟ فما عليك غلبة - المغلوب ولا لك ظفر الظافر وإنك لذهاب في التيه رواغ
عن القصد. ألا ترى - غير مخبر لك ولكن بنعمة الله أحدث - أن قوما استشهدوا في سبيل
الله من المهاجرين ولكل فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل: سيد الشهداء وخصه رسول الله
صلى الله عليه وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه. أولا ترى أن قوما قطعت أيديهم في
سبيل الله ولكل فضل حتى إذا فعل بواحدنا كما فعل بواحدهم قيل: الطيار في الجنة وذو
الجناحين. ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها
قلوب المؤمنين ولا تمجها آذان السامعين فدع عنك من مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا
والناس بعد صنائع لنا لم يمنعنا قديم عزنا وعادى طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا
فنكحنا وأنكحنا فعل الاكفاء ولستم هناك. وأنى يكون ذلك كذلك ومنا النبي ومنكم
المكذب ومنا أسد الله ومنكم أسد الاحلاف ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار
ومنا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب في كثير مما لنا وعليكم. فإسلامنا ما قد
سمع، وجاهليتكم مالا تدفع (1) وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا وهو قوله [تعالى] *
(وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * [75 /
(1) وفي النهج: وجاهليتنا. وفي النهج
والاحتجاج: لا تدفع.
[59]
الانفال: 8] وقوله تعالى: * (إن أولى
الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) * [68 /
آل عمران: 3] فنحن مرة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة. ولما احتج المهاجرون على
الانصار يوم السقيفة برسول الله صلى الله عليه وآله فلجوا عليهم فإن يكن الفلج به
فالحق لنا دونكم وإن يكن بغيره فالانصار على دعواهم. وزعمت أني لكل الخلفاء حسدت
وعلى كلهم بغيت فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك. وتلك شكاة
ظاهر عنك عارها وقلت " إني كنت أقادكما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع " ولعمر الله
لقد أردت أن تذم فمدحت وأن تفضح فافتضحت وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما
ما لم يكن شاكا في دينه ولا مرتابا بيقينه وهذه حجتي إلى غيرك قصدها ولكني أطلقت لك
منها بقدر ما سنح من ذكرها. ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه
لرحمك منه فأينا كان أعدى له وأهدى إلى مقاتله ؟ أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفه
أم من استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه حتى أتى قدره عليه كلا والله " لقد علم
الله المعوقين منكم والقائلين لاخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا " (1)
وما كنت لاعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا فإن كان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له
فرب ملوم لا ذنب له. وقد يستفيد الظنة المتنصح " وما أردت إلا الاصلاح ما استطعت
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ". (1) اقتباس من الآية (18) من سورة
الاحزاب (33)، وفيها: " قد يعلم الله المعوقين ". وما يأتي بعد سطرين اقتباس من
الآية 88 / هود.
[60]
وذكرت أنه ليس لي ولاصحابي عندك إلا السيف
فلقد أضحكت بعد استعبار متى ألفيت بني عبد المطلب عن الاعداء ناكلين وبالسيوف
مخوفين. فالبث قليلا يلحق الهيجا حمل فسيطلبك من تطلب ويقرب منك ما تستبعد وأنا
مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والانصار والتابعين بإحسان شديد زحامهم ساطع قتامهم
متسربلين سرابيل الموت أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم قد صحبتهم ذرية بدرية وسيوف
هاشمية قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك وأهلك وما هي من الظالمين ببعيد.
بيان: قال ابن أبي الحديد (1) بعد إيراد هذا الكتاب: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن
أبي زيد قلت أرى هذا الجواب منطبقا على كتاب معاوية الذي بعثه مع أبي مسلم الخولاني
إلى علي عليه السلام فإن كان هذا هو الجواب فالجواب الذي ذكره أرباب السيرة وأورده
نصر بن مزاحم في كتاب صفين إذن غير صحيح وإن كان ذاك الجواب فهذا الجواب إذا غير
صحيح ولا ثابت. فقال لي: بل كلاهما ثابت مروي وكلاهما كلام امير المؤمنين عليه
السلام وألفاظه ثم أمرني أن أكتب ما يمليه علي فكتبته. قال رحمه الله: كان معاوية
يتسقط عليا عليه السلام ويبغي عليه ما عساه [أن] يذكره من حال أبي بكر وعمر وأنهما
غصباه حقه ولا يزال يكيده بالكتاب يكتبه والرسالة يبعثها يطلب غرته لينفث بما في
صدره من حال أبي بكر وعمر إما مكاتبة أو مراسلة فيجعل ذلك حجة عليه عند أهل الشام
ويضيفه إلى ما قدره في أنفسهم من ذنوبه كما زعم فكان غمصه عندهم بأنه قتل عثمان أو
مالا على قتله وأنه قتل طلحة والزبير واسر عائشة وأراق دماء أهل البصرة
(1) ذكره ابن أبي الحديد في شرح الكتاب
وهو المختار: (28) من باب الكتب من نهج البلاغة.
[61]
وبقيت خصلة واحدة وهو أن يثبت عندهم أنه
يبرأ من أبي بكر وعمر وينسبهما إلى الظلم ومخالفة الرسول في أمر الخلافة وأنهما
وثبا عليها غلبة وغصباه إياها فكانت هذه تكون الطامة الكبرى وليست مقتصرة على إفساد
أهل الشام عليه بل وأهل العراق الذين هم جنده وبطانته وأنصاره لانهم كانوا يعتقدون
إمامة الشيخين إلا القليل الشاذ من خواص الشيعة. فلما كتب ذلك الكتاب مع أبي مسلم
الخولاني قصد أن يغضب عليا ويحرجه ويحوجه إذا قرأ ذكر أبي بكر وأنه أفضل المسلمين
إلى أن يرهن خطه في الجواب بكلمة تقتضي طعنا في أبي بكر فكان الجواب مجمجما (1) غير
بين ليس فيه تصريح بالتظليم لهما ولا التصريح ببرأتهما وتارة يترحم عليهما وتارة
يقول: أخذا حقي وقد تركته لهما. فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتابا
ثانيا مناسبا للكتاب الاول ليستفزا فيه عليا عليه السلام ويستخفاه ويحمله الغضب منه
أن يكتب كلاما يتعلقان به في تقبيح حاله وتهجين مذهبه وقال له عمرو: إن عليا عليه
السلام رجل نزق تياه ما استطعمت (2) منه الكلام بمثل تقريظ أبي بكر وعمر فاكتب
[إليه ثانيا] فكتب كتابا أنفذه إليه مع أبي أمامة الباهلي وهو من الصحابة بعد أن
عزم على بعثه مع أبي الدرداء ونسخة الكتاب: من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى
علي بن أبي طالب أما بعد فإن الله تعالى جده اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله
لرسالته واختصه بوحيه وتأدية شريعته فأنقذ به من العماية وهدى به من الغواية ثم
قبضه إليه رشيدا حميدا قد
(1) قال الفيروز آبادي: " الجمجمة " أن لا
يبين كلامه وإخفاء الشئ في الصدر. منه رحمه الله - [و جمجم] عن الامر: لم يقدم عليه
(2) النزق: الخفة في كل أمر. العجلة في جهل وحمق. والتياه: كثير التيه وهو الكبر.
وقال المجلسي على ما في هامش بحار الانوار ط الكمباني: " الاستطعام " هنا استخراج
الكلام. قال الجوهري: " استطعمه " سأله أن يطعمه، وفي الحديث: إن استطعمكم الامام
فأطعموه. انتهى. وفي بعض النسخ بتقديم الميم على العين ولعله تصحيف.
[62]
بلغ الشرع ومحق الشرك وأخمد نار الافك
فأحسن الله جزاءه وضاعف عليه نعمه وآلاءه. ثم إن الله سبحانه اختص محمدا صلى الله
عليه وآله بأصحاب أيدوه وآزروه ونصروه وكانوا كما قال الله سبحانه لهم: * (أشداء
على الكفار رحماء بينهم) * [29 / الفتح: 48] فكان أفضلهم مرتبة وأعلاهم عند الله
والمسلمين منزلة الخليفة الاول الذي جمع الكلمة ولم الدعوة وقاتل أهل الردة ثم
الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح ومصر الامصار وأذل رقاب المشركين ثم الخليفة الثالث
المظلوم الذي نشر الملة وطبق الآفاق بالكلمة الحنيفية. فلما استوثق الاسلام وضرب
بجرانه عدوت عليه فبغيته الغوائل ونصبت له المكائد وضربت له بطن الامر وظهره ودسست
عليه وأغريت به وقعدت حيث استنصرك عن نصرته وسألك أن تدركه قبل أن يمزق فما أدركته.
وما يوم المسلمين منك بواحد لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه ورمت إفساد أمره وقعدت
في بيتك عنه واستغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته. ثم كرهت خلافة عمر
وحسدته واستطلت مدته وسررت بقتله وأظهرت الشماتة بمصابه حتى أنك حاولت قتل ولده
لانه قتل قاتل أبيه. ثم لم تكن أشد حسدا منك لابن عمك عثمان نشرت مقابحه وطويت
محاسنه وطعنت في فقهه ثم في دينه ثم في سيرته ثم في عقله وأغريت به السفهاء من
أصحابك وشيعتك حتى قتلوه بمحضر منك لا تدفع عنه بلسان ولا يد. وما من هؤلاء إلا من
بغيت عليه وتلكأت في بيعته حتى حملت إليه قهرا تساق بخزائم الاقتسار (1) كما يساق
الفحل المخشوش ثم نهضت الآن
(1) و " الخزائم " جمع " الخزيمة " وخزمت
البعير بالخزامة وهى حلقه من شعر تجعل في وتر أنفه يشد بها الزمام. و " الاقتسار "
الاكراه على الامر. منه رحمه الله.
[63]
تطلب الخلافة وقتلة عثمان خلصاؤك وسجراؤك
(1) والمحدقون بك وتلك من أماني النفوس وضلالات الاهواء. فدع اللجاج والعنت جانبا
وادفع إلينا قتلة عثمان وأعد الامر شورى بين المسلمين ليتفقوا على من هو لله رضا
فلا بيعة لك في أعناقنا ولا طاعة لك علينا ولا عتبى لك عندنا وليس لك ولاصحابك عندي
إلا السيف والذي لا إله إلا هو لاطلبن قتلة عثمان أين كانوا وحيث كانوا حتى أقتلهم
أو تلحق روحي بالله. فأما ما لا تزال تمت به من سابقتك وجهادك (2) فإني وجدت الله
سبحانه يقول: * (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم
أن هداكم للايمان إن كنتم صادقين) * [17 / الحجرات: 49]. ولو نظرت في حال نفسك
لوجدتها أشد الانفس إمتنانا على الله بعملها وإذا كان الامتنان على السائل يبطل أجر
الصدقة فالامتنان - على الله يبطل أجر الجهاد ويجعله " كصفوان عليه تراب فأصابه
وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ". قال
النقيب أبو جعفر: فلما وصل هذا الكتاب إلى علي عليه السلام مع أبي أمامة الباهلي
كلم أبا أمامة بنحو مما كلم به أبا مسلم الخولاني وكتب معه هذا الجواب. قال النقيب:
وفي كتاب معاوية هذا ذكر لفظة الجمل المخشوش أو الفحل المخشوش لا في الكتاب الواصل
مع أبي مسلم وليس في ذلك هذه اللفظة وإنما فيه " حسدت الخلفاء وبغيت عليهم عرفنا
ذلك من نظرك الشزر وقولك
(1) والسجير الخليل والصفي، ج: سجراء،
ذكره الفيروز آبادي وفي بعض النسخ: " سمراؤك " جمع " السمير " وهو المحدث بالليل.
منه رحمه الله. (2) قال الجوهري: " المت " المد والتوسل بقرابة، و " الماتة "
الحرمة والوسيلة، تقول: فلان يمت بالملك بقرابة. انتهى. وفي بعض النسخ: تمن بالنون.
منه رحمه الله. أقول: وفي المطبوع من شرح النهج: " تمن " كما هو المتناسب مع الآية.
[64]
الهجر وتنفسك الصعداء وإبطاؤك عن الخلفاء
" قال: وإنما كثير من الناس لا يعرفون الكتابين والمشهور عندهم كتاب أبي مسلم
فيجعلون هذه اللفظة فيه والصحيح أنها في كتاب أبي إمامة ألا تراها عادت في الجواب ؟
ولو كانت في كتاب أبي مسلم لعادت في جوابه. انتهى كلام النقيب أبي جعفر أقول: إنما
أوردت هذا الكتاب على كاتبه وممليه أشد العذاب ليتضح الجواب وليظهر لكل عاقل كفر
هذا المنافق المرتاب. قوله عليه السلام: " فلقد خبأ لنا الدهر " قال في النهاية:
خبأت الشئ خبأ إذا أخفيته والخباء كل شئ غائب مستور. ولعل المعنى أن الدهر أخفى لنا
من أحوالك شيئا عجبا لم نكن نظن ذلك حتى ظهر منك. ويحتمل أن يكون على سبيل التجريد
أي أنت أعجب الاشياء في الدهر كنت مخفيا فظهرت من قبيل لقيني منه أسد. قال ابن
ميثم: ووجه العجب أنه أخبر أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله بحاله وما أنعم الله
به عليه مع علمهم البالغ بحاله وكونهم أولى بالاخبار عنها وضرب له في ذلك مثلين
وأصل المثل الاول أن رجلا قدم من هجر إلى البصرة بمال اشترى به شيئا للربح فلم يجد
فيها أكسد من التمر فاشترى بماله تمرا وحمله إلى هجر وادخره في البيوت ينتظر به
السعر فلم يزدد إلا رخصا حتى فسد جميعه وتلف ماله فضرب مثلا لمن يحمل الشئ إلى
معدنه لينتفع به فيه وهجر معروفة بكثرة التمر حتى أنه ربما يبلغ سعر خمسين جلة
بدينار ووزن الجلة مائة رطل فذلك خمسة آلاف رطل ولم يسمع ذلك في غيرها من البلاد.
والثاني أنه شبهه بداعي مسدده واستاده في الرمي إلى المراماة ومسدده أولى بأن يدعوه
إلى ذلك. قوله عليه السلام: " إن تم اعتزلك كله " أي تباعد عنك والمعنى ذكرت أمرا
إن تم لم ينفعك وإن نقص لم يضرك بل لا تعلق له بك أصلا. والثلمة:
[65]
الخلل في الحائط وغيره. والسياسة: القيام
على الشئ بما يصلحه وليس في هذا الكلام شهادة منه عليه السلام على فضل الخلفاء لما
عرفت من المصلحة في هذا الاجمال. وقال في النهاية: أصل الحنين: ترجيع الناقة صوتها
أثر ولدها ومنه كتاب علي عليه السلام إلى معاوية " [وأما قولك كيت وكيت فقد] حن قدح
ليس منها " هو مثل يضرب لرجل ينتمي إلى نسب ليس منه أو يدعي ما ليس منه في شئ.
والقدح بالكسر: أحد سهام الميسر فإذا كان من غير جوهر أخواته ثم حركها المفيض بها
خرج له صوت يخالف أصواتها يعرف به. قال الزمخشري في المستقصي: القداح: التي يضرب
بها تكون من نبع فربما ضاع منها قدح فنحيت على مثاله من غرب أو غيره آخر بالعجلة
فإذا احتك معها صوت صوتا لا يشابه أصواتها. فيقال ذلك ثم ضربه عمر لعقبة بن أبي
معيط حين أمر النبي صلى الله عليه وآله بضرب عنقه يوم بدر فقال: " اقتل من بين قريش
" أراد عمر أنك لست من قريش. وقيل في بني الحنان وهم بطن من " بلحرث " أن جدهم ألقى
قدحا في قداح قوم يضربون بالميسر وكان يضرب لهم رجل أعمى فلما وقع قدحه في يده قال:
حن قدح ليس منها فلقب الحنان لذلك يضرب لمنتحل نسبا أو فضلا انتهى. قوله عليه
السلام " يحكم فيها " أي في هذه القصة أو القضية من كان الحكم لها عليه لا له.
ويجوز إرجاع الضمير إلى الطبقات. وقال ابن ميثم: يضرب لمن يحكم على قوم وفيهم وهو
من أراد لهم وليس للحكم بأهل بل هم أولى منه به. وقال الجوهري يقال: إربع على نفسك
وإربع على ظلعك أي ارفق بنفسك وكف يقال: ظلعت الارض بأهلها أي ضاقت بهم من كثرتهم
ويقال:
[66]
ارق على ظلعك أي اربع على نفسك ولا تحمل
عليها أكثر مما تطيق. وقال في النهاية فيه: " إنه لا يربع على ظلعك " الظلع
بالسكون: العرج والمعنى لا يقيم عليك في حال ضعفك. وربع في المكان: إذا أقام به.
وفي الصحاح: أصل الذراع هو بسط اليد ويقال: ضقت بالامر ذرعا إذا لم تطقه ولم تقو
عليه. وقال ابن ميثم [قوله عليه السلام] " حيث أخره القدر " إشارة إلى مرتبته
النازلة التي جرى القدر بها أن تكون نازلة عن مراتب السابقين وقد أمره بالتأخر فيها
والوقوف عندها. قوله عليه السلام " في التيه " أي في الضلال والتحير أو في التكبر.
قال في النهاية تاه يتيه تيها إذا تحير وضل وإذا تكبر. والرواغ: الميال. والقصد:
المعتدل الذي لا يميل إلى طرفي الافراط والتفريط. قوله عليه السلام " غير مخبر " أي
أتكلم بكلامي هذا لا لاخباري إياك بل للتحدث بنعمته سبحانه إما لان معاوية غير قابل
للخطاب والاخبار بهذا الكلام والمقام مقام تحقيره أو لانه كان عالما به أو لانه
يتراءى من مثل هذا الكلام وإخبار الخصم به المفاخرة بذكر تلك الفضائل فدفع ذلك
التوهم بقول: " لكن بنعمة الله أحدث " وما بعد لكن بهذا الاحتمال أنسب وإن كان قوله
عليه السلام: " لك " بالاول الصق. قوله عليه السلام: " قيل سيد الشهداء " قال ابن
أبي الحديد: أي في حياة النبي صلى الله عليه وآله لان عليا عليه السلام مات شهيدا
ولا خلاف في أنه أفضل من حمزة وجعفر وغيرهما بل هو سيد المسلمين (1).
(1) هذا تلخيص كلام ابن أبي الحديد، وإليك
نص كلامه حرفيا في شرح الكلام في ج 4 ص 608 ط الحديث ببيروت قال: المراد ها هنا [من
قوله:] " سيد الشهداء " حمزة رضي الله عنه. وينبغي أن يحمل قول النبي صلى الله عليه
وآله فيه: " إنه سيد الشهداء " على أنه سيد الشهداء في حياة
[67]
قوله " بسبعين تكبيرة " قال ابن ميثم أي
في أربع عشرة صلاة وذلك انه كلما كبر عليه خمسا حضرت جماعة أخرى من الملائكة فصلى
بهم عليه أيضا وذلك من خصائص حمزة رضي الله عنه. قوله عليه السلام: " لذكر ذاكر "
يعني نفسه وإنما نكره ولم يأت بالالف واللام ولم ينسبه إلى نفسه لئلا يصرح بتزكية
نفسه. واستعار لفظ " المج " لكراهية النفس لبعض ما يكرر سماعه وإعراضها عنه فإنها
تصير كالقاذف له من الاذن كما يقذف الماج الماء من فيه. كذا قيل. والظاهر أنه كناية
عن أنها لوضوحها لا يمكن لاحد إنكارها فغير المؤمنين وإن ثقل عليهم سماعها فلا
يمكنهم إنكارها. قوله عليه السلام " فدع عنك " الخ الرمية: الصيد يرمى يقال: بئس
الرمية الارنب أي بئس الشئ مما يرمي الارنب والمعنى دع ذكر من مال إلى الدنيا
وأمالته إليها وأمالته عن الطريق المستقيم فإن شأن الصيد الخروج عن الطريق وهي
إشارة إلى الخلفاء والكلام في بيان التفاضل سابقا ولاحقا. وقال ابن أبي الحديد: "
هذه إشارة إلى عثمان لا إلى أبي بكر وعمر " وهذا مما لا يسمن ولا يغني من جوع مع أن
المذكور في كتاب معاوية لم يكن عثمان وحده كما عرفت. وقال ابن ميثم رحمه الله: أي
فدع عنك أصحاب الاغراض الفاسدة ولا تلتفت إلى ما يقولون في حقنا كعمرو بن العاص
ويحتمل أن يكون الاشارة إلى نفسه على طريقة قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة.
واستعار لفظ " الرمية " وكنى بها عن الامور التي تقصدها النفوس وترميها بقصودها
انتهى. ولا يخفى بعده وأبعد منه ما ذكره الكيدري حيث قال: أراد أنه مطعون في نسبه
وحسبه وأنه أزاله عن مقام التفاخر والتنافر مطاعن شهرت فيه انتهى.
النبي [لا عموم الشهداء] لان عليا عليه
السلام مات شهيدا، ولا يجوز أن يقال: حمزة سيده، بل هو سيد المسلمين كلهم ولا خلاف
بين أصحابنا أنه أفضل من حمزة وجعفر رضي الله عنهما...
[68]
وكأنه حمل الرمية على السهام المرمية.
قوله عليه السلام " فإنا صنائع ربنا " هذا كلام مشتمل على أسرار عجيبة من غرائب
شأنهم التي تعجز عنها العقول ولنتكلم على ما يمكننا إظهاره والخوض فيه فنقول: صنيعة
الملك من يصطنعه ويرفع قدره ومنه قوله تعالى: * (واصطنعتك لنفسي) * أي اخترتك
وأخذتك صنيعتي لتنصرف عن إرادتي ومحبتي فالمعنى أنه ليس لاحد من البشر علينا نعمة
بل الله تعالى أنعم علينا فليس بيننا وبينه واسطة والناس بأسرهم صنائعنا فنحن
الوسائط بينهم وبين الله سبحانه. ويحتمل أن يريد بالناس بعض الناس أي المختار من
الناس نصطنعه ونرفع قدره. وقال ابن أبي الحديد: هذا مقام جليل ظاهره ما سمعت وباطنه
أنهم عبيد الله والناس عبيدهم. وقال ابن ميثم: لفظ الصنائع في الموضعين مجاز من
قبيل إطلاق اسم المقبول على القابل والحال على المحل يقال: فلان صنيعة فلان إذا
اختصه لموضع نعمته، والنعمة الجزيلة التي اختصهم الله بها هي نعمة الرسالة وما
يستلزمه من الشرف والفضل حتى كأن الناس عيالاتهم فيها. قوله عليه السلام: " وعادي
طولنا " قال الجوهري: " عاد " قبيلة وهم قوم هود عليه السلام وشئ عادي أي قديم كأنه
منسوب إلى عاد. وقال ابن أبي الحديد: الطول: الفضل. وقال: الافعال الجميلة كما تكون
عادية بطول المدة تكون عادية بكثرة المناقب والماثر والمفاخر وإن كانت المدة قصيرة
ولا يراد بالقديم قديم الزمان بل من قولهم لفلان قديم أثر أي سابقة حسنة. وإنما
جعلنا اللفظ مجازا لان بني هاشم وبني أمية لم يفترقا في الشرف إلا منذ نشأ هاشم بن
عبد مناف ثم لم تكن المدة بين نشأ هاشم وإظهار محمد صلى الله عليه وآله الدعوة إلا
نحو تسعين سنة انتهى.
[69]
وأقول: قد ظهر لك مما سبق أن بني أمية لم
يكن لهم نسب صحيح ليشاركوا في الحسب آباءه مع أن قديم عزهم لم ينحصر في النسب بل
أنوارهم عليهم السلام أول المخلوقات ومن بدء خلق أنوارهم إلى خلق أجسادهم وظهور
آثارهم كانوا معروفين بالعز والشرف والكمالات في الارضين والسموات (1) يخبر بفضلهم
كل سلف خلفا ورفع الله ذكرهم في كل أمة عزا وشرفا. وقوله عليه السلام: " فعل
الاكفاء " منصوب على المصدر بفعل مقدر " المكذب " أبو سفيان وقيل أبو جهل. " وأسد
الله " حمزة رضي الله عنه وأرضاه " وأسد الاحلاف " هو أسد بن عبد العزى وقال في
القاموس: الحلف بالكسر العهد بين القوم. والصداقة. والصديق يحلف لصاحبه أن لا يغدر
به والجمع: أحلاف. والاحلاف في قول زهير: أسد وغطفان لانهم تحالفوا على
(1) وينبغي لنا هاهنا أن نشير إلى نموذج
مما أشار إليه المصنف العلامة من طريق أهل السنة فنقول: روى أحمد في الحديث: (251)
من باب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب الفضائل ص 178، ط 1، قال: حدثنا
الحسن، قال: حدثنا أحمد بن المقدام العجلي قال: حدثنا الفضيل بن عياض، قال: حدثنا
ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن زاذان: عن سلمان قال: سمعت حبيبي رسول الله صلى
الله عليه [وآله] وسلم يقول: كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عزوجل قبل أن يخلق
الله آدم باربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزئين فجزء أنا وجزء
علي. وللحديث مصادر كثيرة يقف عليها الباحث في تعليق الحديث، وفي الحديث: (186)
وتعليقه من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 1، ص 151، ط 2. ورواه
أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (154) من نهج البلاغة من شرحه: ج 9 ص 171، ط
مصر، وفي ط الحديث ببيروت: ج 3 ص 252 قال: رواه أحمد في مسند [سلمان من كتاب]
المسند [ج 5 ص 437] وذكره [أيضا] صاحب الفردوس وزاد فيه: ثم انتقلنا حتى صرنا في
عبد المطلب فكان لي النبوة ولعلي الوصية.
[70]
التناصر. والاحلاف قوم من ثقيف وفي قريش
ست قبائل عبدالدار وكعب وجمح وسهم ومخزوم وعدي لانهم لما أرادت بنو عبد مناف أخذ ما
في أيدي عبد الدار من الحجابة والسقاية وأبت عبدالدار عقد كل قوم على أمرهم حلفا
مؤكدا على أن لا يتخاذلوا فأخرجت بنو عبد مناف جفنة مملؤة طيبا فوضعتها لاحلافهم
وهم أسد وزهرة وتيم عند الكعبة فغمسوا أيديهم فيها وتعاهدوا، وتعاقدت بنو عبدالدار
وحلفاؤها حلفا آخر مؤكدا فسموا الاحلاف انتهى ونحوه قال في النهاية إلا أنه قال بعد
قوله: " فغمسوا أيديهم فيها وتعاقدوا " فسموا المطيبين. " وصبية النار " إشارة إلى
الكلمة التي قالها النبي صلى الله عليه وآله لعقبة بن أبي معيط حين قتله صبرا يوم
بدر وقال: كالمستعطف له صلى الله عليه وآله: من للصبية يا محمد ؟ قال: النار. و "
حمالة الحطب " هي أم جميل بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب. وقوله عليه السلام: " في
كثير " متعلق بمحذوف أي هذا الذي ذكرنا داخل في كثير مما يتضمن ما ينفعنا ويضركم.
قوله عليه السلام: " وجاهليتنا " أي شرفنا وفضلنا في الجاهلية لا يدفعه أحد. وفي
بعض النسخ: " وجاهليتكم " ولعله أظهر. ووجه الاستدلال بالآية الاولى ظاهر لانه عليه
السلام كان أولى الارحام برسول الله صلى الله عليه وآله وأقربهم إليه وكذا الثانية
لانه كان أقرب الخلق إلى اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وأول من آمن به وصدقه.
وقال الجوهري: الفلج: الظفر والفوز وقد فلج الرجل على خصمه يفلج فلجا والاسم الفلج
بالضم. قوله عليه السلام: " وتلك شكاة " قال الجوهري: يقال هذا أمر ظاهر عنك عاره
أي زائل قال الشاعر: وعيرها الواشون أني أحبها * وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
[71]
وقال: شكوت فلانا شكاة إذا أخبرت بسوء
فعله. وقال ابن ميثم: البيت لابي ذويب وهو مثل يضرب لمن ينكر أمرا ليس منه في شئ
ولا يلزمه دفعه. والخشاش بالكسر الذي يدخل في عظم أنف البعير وخششت البعير إذا جعلت
في أنفه الخشاش. والغضاضة بالفتح: المذلة والمنقصة. قوله عليه السلام: " وهذه حجتي
إلى غيرك " لعل المعنى لست أنت المقصود بها لحقارتك كقوله عليه السلام " غير مخبر
لك " أو لعلمي بأنك لا تقبل حججي ولا تؤمن بها أو لانك عالم بها ولا فائدة في إخبار
العالم بل قصدي بذكرها إلى غيرك من السامعين لعله يؤمن بها من أنكرها ويطمئن بها
قلب من آمن بها. وقال ابن ميثم: أي لست أنت المقصود بها إذ لست من هذا الامر في شئ
بل القصد منها غيرك أي الذين ظلموا وإنما ذكرت منها بقدر ما دعت الحاجة إليه وسنح
لي أن أذكره في جوابك. قوله عليه السلام: " فلك أن تجاب " أي هذه ليست مثل السابقة
التي لم يكن لك السؤال فيها لانك من بني أمية وبينك وبينه رحم. وقوله عليه السلام "
فأينا " ابتداء تقرير الجواب. " والاعدى " من العداوة أو من العدوان والاول أصوب "
وأهدى إلى مقاتله " أي لوجوه قتله ومواضعه من الآراء والحيل " أم من بذل " أراد به
نفسه المقدسة فإنه لما اشتد الحاصر على عثمان بعث عليه السلام إليه وعرض عليه نصرته
فقال عثمان: لا أحتاج إلى نصرتك ولكن اقعد وكف شرك وذلك لان عثمان كان متهما له
عليه السلام بالدخول في أمره وأراد عليه السلام بقوله " من استنصره " معاوية وذلك
أنه بعث عثمان حال حصاره إلى الشام مستصرخا بمعاوية فلم يزل يتراخى عنه ويؤخر
الخروج إلى أن قتل لطمعه في الامر. وذكر " القدر " ونسبة القتل إليه هاهنا مناسب
لتبريه من دمه. والبث:
[72]
النشر. والمنون: الدهر والمنية أي نشر
إليه نوائب الدهر وأسباب المنية وقوله عليه السلام: " والله لقد علم الله " اقتباس
من قوله تعالى: * (قد يعلم الله المعوقين منكم) * قال الطبرسي رحمه الله هم الذين
[كانوا] يعوقون غيرهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله والتعويق: التثبيط
" والقائلين لاخوانهم " يعني اليهود قالوا لاخوانهم المنافقين " هلم إلينا " أي
تعالوا وأقبلوا إلينا ودعوا محمدا صلى الله عليه وآله. وقيل: القائلون هم المنافقون
قالوا لاخوانهم من ضعفة المسلمين: لا تحاربوا وخلوا محمدا صلى الله عليه وآله فإنا
نخاف عليكم الهلاك. " ولا يأتون البأس " أي لا يحضرون القتال. والبأس: الحرب وأصله
الشدة " إلا قليلا " إلا كارهين يكون قلوبهم مع المشركين. ولعل الغرض من الاقتباس
أنه سبحانه عاب المعوقين والقائلين فالمتراخي مقصر على تقدير وجوب الحضور كما
زعمته. ويحتمل أن يكون غرضه واقعا تعويقه عن نصره عليه السلام وإن أوهم ظاهره نصر
عثمان. وقال الجوهري: نقمت على الرجل أنقم بالكسر إذا عتبت عليه. وقال ابن ميثم في
قوله عليه السلام " فرب ملوم لا ذنب له " وأنا ذلك الملوم وهو مثل لاكثم بن صيفي
يضرب لمن قد ظهر للناس منه أمر أنكروه عليه وهم لا يعرفون حجته وعذره فيه وقوله: "
وقد يستفيد " الخ يضرب مثلا لمن يبالغ في النصيحة حتى يتهم أنه غاش وصدر البيت: وكم
سقت في آثاركم من نصيحة وقال في الصحاح والقاموس: المتنصح من تشبه بالنصحاء وهذا
المعنى وإن كان محتملا في كلامه عليه السلام على وجه بعيد لكن الظاهر أنه ليس غرضا
للشاعر والظاهر ما ذكره الخليل في العين حيث قال: التنصح: كثرة النصيحة قال: أكثم
بن صيفي إياكم وكثرة التنصح فإنه يورث التهمة انتهى " والظنة: التهمة.
[73]
قوله عليه السلام: " فلقد أضحكت بعد
استعبار " قال الجوهري: عبرت عينه واستعبرت أي دمعت والعبران: الباكي. وقال ابن
ميثم: أي أتيت بشئ عجيب بالغ في الغرابة فإن الضحك بعد البكاء إنما يكون لتعجب بالغ
وذلك كالمثل في معرض الاستهزاء به. وقيل: معناه لقد أضحكت من سمع منك هذا تعجبا بعد
بكائه على الدين لتصرفك فيه. وألفيت الشئ: وجدته. قوله عليه السلام: " فالبث قليلا
" قال ابن ميثم: مثل يضرب للوعيد بالحرب وأصله أن حمل بن بدر رجل من قشير أغير على
إبل له في الجاهلية في حرب داحس والغبراء فاستنقذها وقال: لبث قليلا يلحق الهيجا
حمل * ما أحسن الموت إذ الموت نزل وقيل: أصله أن مالك بن زهير توعد حمل بن بدر فقال
حمل: لبث قليلا البيت فأرسل مثلا ثم أتى وقتل مالكا فظفر أخوه قيس بن زهير به
وبأخيه حذيفة فقتلهما وقال: شفيت النفس من حمل بن بدر * وسيفي من حذيفة قد شفاني
وقال الزمخشري في المستقصى تمام البيت: ما أحسن الموت إذا حان الاجل وقال: قالوا في
حمل: هو اسم رجل شجاع كان يستظهر به في الحرب ولا يبعد أن يراد به حمل بن بدر صاحب
الغبراء يضربه من ناصره ورائه انتهى. ثم اعلم أن حملا في بعض النسخ بالحاء المهملة
وفي بعضها بالجيم. وقال الفيروز آبادي: أرقل: أسرع. والارقال: ضرب من الخبب.
والجحفل بتقديم الجيم على الحاء: الجيش. والقتام: الغبار. وسطع الغبار والرائحة
والصبح: ارتفع. والسزبال: القميص. " وسرابيل الموت " إنما كناية عن الدروع والاحوال
والهيئات التي وطنوا نفوسهم على القتل فيها فكأنها أكفانهم.
[74]
وقوله عليه السلام " ذرية بدرية " أي
أولاد البدريين. وقد مر أن أخاه [اي معاوية] حنظلة وخاله الوليد وجده عتبة أبو أمه.
398 - ما: المفيد عن محمد بن عمران عن محمد بن موسى عن هشام عن أبي مخنف عن عبد
الله بن عاصم عن جبر بن نوف قال: لما أراد أمير المؤمنين عليه السلام إلى الشام
اجتمع إليه وجوه أصحابه فقالوا: لو كتبت يا أمير المؤمنين إلى معاوية وأصحابه قبل
مسيرنا إليهم كتابا تدعوهم إلى الحق وتأمرهم بما لهم فيه من الحظ كانت الحجة تزداد
عليهم قوة فقال أمير المؤمنين عليه السلام لعبيد لله بن أبي رافع كاتبه اكتب: بسم
الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان ومن
قبله من الناس سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن لله
عبادا آمنوا بالتنزيل وعرفوا التأويل وفقهوا في الدين وبين الله فضلهم في القرآن
الحكيم وأنت يا معاوية وأبوك وأهلك في ذلك الزمان أعداء الرسول مكذبون بالكتاب
مجتمعون على حرب المسلمين من لقيتهم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه حتى إذا
أراد الله تعالى إعزاز دينه وإظهار رسوله دخلت العرب في دينه أفواجا وأسلمت هذه
الامة طوعا وكرها فكنتم ممن دخل في هذا الدين إما رغبة وإما رهبة فليس ينبغي لكم أن
تنازعوا أهل السبق ومن فاز بالفضل فإنه من نازعه منكم فبحوب وظلم فلا ينبغي لمن كان
له قلب أن يجهل قدره ولا يعدو طوره ولا يشفى نفسه بالتماس ما ليس له.
398 - 399 - رواهما الشيخ الطوسي رفع الله
مقامه في الحديث: (10) والحديث: (37) من الجزء (7 و 8) من أماليه ص 115، و 135.
والحديث الاول قد تقدم عن كتاب صفين في أواخر الباب: (11) ص 481 ط الكمباني.
وليلاحظ المختار: (78) وما حوله من باب الكتب من كتاب نهج السعادة: ج 4 ص 216 ط 1.
[75]
إن أولى الناس بهذا الامر قديما وحديثا
أقربهم برسول الله صلى الله عليه وآله وأعلمهم بالكتاب وأقدمهم في الدين وأفضلهم
جهادا وأولهم إيمانا وأشدهم إطلاعا بما تجهله الرعية عن أمرها فاتقوا الله الذي
إليه ترجعون ولا تلبسوا الحق بالباطل لتدحضوا به الحق واعلموا أن خيار عباد الله
الذين يعملون بما يعلمون وأن شرهم الجهلاء الذين ينازعون بالجهل أهل العلم. ألا
وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وحقن دماء هذه الامة فإن
قبلتم أصبتم رشدكم وهديتم لحظكم وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الامة لم تزدادوا
من الله إلا بعدا، ولم يزدد عليكم إلا سخطا والسلام. قال فكتب إليه معاوية أما بعد
فإنه: ليس بيني وبين عمرو عتاب * غير طعن الكلى وحز الرقاب فلما وقف أمير المؤمنين
عليه السلام على جوابه بذلك قال: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء
إلى صراط مستقيم ". بيان: الحز بالحاء المهملة وبالجيم المعجمة: القطع. 399 - ما:
المفيد عن الكاتب عن الاجلح عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد الحماني قال: كتب
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان: أما بعد فإن
الله أنزل إلينا كتابه ولم يدعنا في شبهة ولا عذر لمن ركب ذنبا بجهالة والتوبة
مبسوطة ولا تزر وازرة وزر أخرى وأنت ممن شرع الخلاف متماديا في غمرة الامل مختلف
السر والعلانية رغبة في العاجل وتكذيبا بعد في الآجل وكأنك قد تذكرت ما مضى منك فلم
تجد إلى الرجوع سبيلا. وكتب صلوات الله عليه إلى عمرو بن العاص: من عبد الله علي
أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص أما بعد فإن الذي. أعجبك مما باريت من الدنيا
ووثقت به منها منقلب عنك فلا تطمئن إلى الدنيا
[76]
فإنها غرارة ولو اعتبرت بما مضى حذرت ما
بقي وانتفعت منها بما وعظت به ولكنك تبعت هواك وآثرته ولولا ذلك لم تؤثر على ما
دعوناك إليه غيره لانا أعظم رجاء وأولى بالحجة والسلام. وكتب عليه السلام إلى أمراء
الاجناد: من عبد الله أمير المؤمنين [علي] إلى أصحاب المسالح أما بعد فإن حقا على
الوالي أن لا يغيره عن رعيته فضل ناله ولا مرتبة اختص بها وأن يزيده ما قسم الله له
دنوا من عباده وعطفا عليهم. ألا وإن لكم عندي أن لا أحجبن دونكم سرا إلا في حرب ولا
أطوي دونكم أمرا إلا في حكم ولا أؤخر لكم حقا عن محله وأن تكونوا عندي في الحق سواء
فإذا فعلت ذلك وجبت لي عليكم البيعة ولزمتكم الطاعة وأن لا تنكصوا عن دعوة ولا
تفرطوا في صلاح وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق فإن أنتم لم تسمعوا لي على ذلك لم يكن
أحد أهون علي ممن خالفني فيه ثم أحل لكم فيه عقوبته ولا تجدوا عندي فيها رخصة فخذوا
هذا من أمرائكم وأعطوا من أنفسكم هذا يصلح أمركم والسلام. بيان: قال الجوهري: فلان
يباري فلانا أي يعارضه ويفعل مثل فعله وفلان يباري الريح سخاء [أي يعارضها خيرا
وبركة]. أقول وسيأتي الكتاب الاخير برواية النهج بتغيير ما. 400 - نهج: ومن كتاب له
عليه السلام إلى معاوية: إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما
بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين
والانصار فإن اجتمعوا على
400 - رواه السيد الرضي قدس الله نفسه في
المختار: (6) من الباب الثاني من نهج البلاغة.
[77]
رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى فإن خرج
من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير
سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى. ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك
لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما
بدا لك والسلام. تنبيه: لعل هذا منه عليه السلام إلزام لمعاوية بالاجماع الذي
أثبتوا به خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعدم تمسكه عليه السلام بالنص لعدم التفاتهم
إليه في أول العهد مع عدم تطاول الايام فكيف مع بعد العهد وقوله عليه السلام " إنما
الشورى " الخ أي الشورى الذي تعتقدونه وتحتجون به ولا حاجة إلى حمل الكلام على
التقية كما نقله ابن أبي الحديد من أصحابنا الامامية قوله عليه السلام: " كان ذلك
لله رضا " أي بزعمهم والعزلة الاسم من الاعتزال. والتجني أن يدعى عليك ذنب لم
تفعله. وقال ابن ميثم رحمه الله: هذا الفصل من كتاب كتبه إلى معاوية مع جرير بن عبد
الله البجلي حين نزعه من همدان، وصدره: أما بعد فإن بيعتي يا معاوية لزمتك وأنت
بالشام لانه بايعني القوم. ثم يتلو قوله: " وولاه الله ما تولى " تمام الآية. ويتصل
بها أن قال: " وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي وكان نقضهما كردتهما
فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون. فادخل يا معاوية فيما
دخل فيه المسلمون فإن أحب لامور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء فإن تعرضت له
قاتلتك واستعنت بالله عليك. وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم
حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله. وأما هاتيك التي تريدها فهي خدعة الصبي
عن اللبن.
[78]
ثم يتصل به قوله " ولعمري " إلى قوله " ما
بدا لك " ثم يتصل به " واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا يعرض
فيهم الشورى وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبد الله وهو من أهل الايمان
والهجرة فبايع ولا قوة إلا بالله. وقال رحمه الله: وكتب معاوية إلى أمير المؤمنين
عليه السلام، من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب: أما بعد فلو كنت على ما
كان عليه أبو بكر وعمر إذن ما قاتلتك ولا استحللت ذلك ولكنه إنما أفسد عليك بيعتي
خطيئتك في عثمان بن عفان وإنما كان أهل الحجاز الحكام على الناس حين كان الحق فيهم
فلما تركوه صار أهل الشام الحكام على أهل الحجاز وغيرهم من الناس ولعمري ما حجتك
على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة ولا حجتك علي كحجتك على طلحة والزبير لان أهل
البصرة قد كانوا بايعوك ولم يبايعك أهل الشام وإن طلحة والزبير بايعاك ولم أبايعك.
وأما فضلك في الاسلام وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وموضعك من بني هاشم
فلست أدفعه والسلام. فكتب عليه السلام في جوابه: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى
معاوية بن صخر أما بعد فإنه أتاني كتابك كتاب امرئ ليس له بصر يهديه ولا قائد يرشده
قد دعاه الهوى فأجابه وقاده الضلال فاتبعه فهجر لاغطا وضل خابطا زعمت أنه إنما أفسد
على بيعتك خطيئتي في عثمان ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا
وأصدرت كما أصدروا وما كان الله ليجعلهم على ضلال ولا يضربهم بعمى. وأما ما زعمت أن
أهل الشام الحكام على أهل الحجاز فهات رجلين من قريش الشام يقبلان في الشورى أو تحل
لهما الخلافة فإن زعمت ذلك كذبك المهاجرون والانصار وإلا فأنا آتيك بهما من قريش
الحجاز. وأما ما ميزت بين أهل الشام وأهل البصرة وبينك وبين طلحة والزبير فلعمري ما
الامر في ذلك إلا واحد لانها بيعة عامة واحدة لا يثنى فيها النظر ولا
[79]
يستأنف فيها الخيار والخارج منها طاعن
والمروي فيها مداهن. وأما فضلي في الاسلام وقرابتي من الرسول وشرفي في بني هاشم فلو
استطعت دفعه لفعلت والسلام. فلما وصل هذا الكتاب إلى معاوية كتب [إليه]: أما بعد
فاتق الله يا علي ودع الحسن فإنه طال ما لم ينتفع به أهله ولا تفسد سابقة قديمك بشر
من حديثك فإن الاعمال بخواتيمها ولا تلحدن بباطل في حق من لا حق لك في حقه فإنك إن
تفعل ذلك لا تضلل إلا نفسك، ولا تمحق إلا عملك ولعمري إن ما مضى لك من السوابق
الحسنة لحقيقة أن تردك وتردعك عما اجترأت عليه من سفك الدماء وإجلاء أهل الحق عن
الحل والحرام فاقرأ سورة الفلق وتعوذ بالله من شر ما خلق ومن شر نفسك الحاسد إذا
حسد قفل الله بقلبك وأخذ بناصيتك وعجل توفيقك فإني أسعد الناس بذلك والسلام. فكتب
عليه السلام: أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة ورسالة محبرة نمفتها بضلالك
وأمضيتها بسوء رأيك وكتاب ليس ببعيد الشبه منك حملك على الوثوب على ما ليس لك فيه
حق ولولا علمي بك وما قد سبق من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك مما لا مرد له
دون إنفاذه إذا لوعظتك ولكن عظتي لا تنفع من حقت عليه كلمة العذاب ولم يخف العقاب
ولا يرجو لله وقارا ولم يخف له حذارا فشأنك وما أنت عليه من الضلالة والحيرة
والجهالة تجد الله في ذلك بالمرصاد من دنياك المنقطعة وتمنيك الاباطيل وقد علمت ما
قال النبي صلى الله عليه وآله فيك وفي أمك وأبيك والسلام (1). بيان: أقول: قد روى
السيد رضي الله عنه في النهج بعض الكتابين
(1) رواه ابن ميثم رحمه الله في شرحه على
المختار: (7) من باب كتب أمير المؤمنين من نهج البلاغة: ج 4 ص 356 ط الحديث بطهران.
وليلاحظ المختار: (45 و 99) من باب كتب أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب نهج
السعادة: ج 4 ص 94 و 266 ط 1.
[80]
الذين أوردهما ابن ميثم وخلطهما (1). قوله
عليه السلام: " فهجر " أي هذى. واللغط بالتحريك: الصوت والجلبة ذكره الجوهري وقال:
خبط البعير فهو خابط إذا مشى ضالا فخبط بيديه كل ما يلقاه ولا يتوقى شيئا. وخبطه:
ضربه باليد ومنه قيل: خبط عشواء أي الناقة التي في بصرها ضعف. قوله عليه السلام: "
طاعن " قال ابن ميثم: أي في صحتها فهو طاعن في دين الله فيجب قتاله حتى يرجع إليها.
ورويت في الامر: نظرت فيه وفكرت أي الشاك فيها مداهن. والمداهنة: نوع من النفاق.
قوله عليه السلام: " موصلة " قال ابن أبي الحديد أي مجموعة الالفاظ من هاهنا وهاهنا
وذلك عيب في الكتابة والخطابة وقال: حبرت الشئ تحبيرا: حسنته وزينته أي المزينة
الالفاظ يشير عليه السلام إلى أنه قد كان يظهر عليها أثر التكلف والتصنع. وقال
الجوهري: نمق الكتاب ينمقه بالضم أي كتبه ونمقه تنميقا: زينه بالكتابة. وقال ابن
أبي الحديد في شرح النهج (2): كتب معاوية في أثناء حرب صفين إلى أمير المؤمنين عليه
السلام من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب: أما بعد فإن الله
تعالى يقول في محكم كتابه: * (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن
عملك ولتكونن من الخاسرين) * [65 / الزمر: 39] وإني أحذرك الله أن تحبط عملك
وسابقتك بشق عصا هذه الامة وتفريق جماعتها فاتق الله واذكر موقف القيامة واقلع عما
أسرفت فيه من
(1) قدر روى السيد الرضي قريبا مما رواه
عنه ابن ميثم ثانيا، في المختار: (7) من الباب الثاني من نهج البلاغة. (2) في شرح
المختار 7 من باب الكتب، ج 14، ص 42، ط مصر، قال: وهذا الكتاب كتبه علي عليه السلام
جوابا عن كتاب كتبه معاوية إليه في أثناء حرب صفين بل في أواخرها.
[81]
الخوض في دماء المسلمين وإني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول: لو تمالا أهل صنعاء وعدن على قتل رجل واحد من
المسلمين لاكبهم الله على مناخرهم في النار فكيف يكون حال من قتل أعلام المسلمين
وسادات المهاجرين بله ما طحنت رحا حربه من أهل القرآن وذوي العبادة والايمان من شيخ
كبير وشاب غرير كلهم بالله تعالى مؤمن وله مخلص وبرسوله مقر عارف فإن كنت أبا حسن
إنما تحارب على الامرة والخلافة فلعمري لو صحت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر في حرب
المسلمين ولكنها لم تصح لك وأنى بصحتها وأهل الشام لم يدخلوا فيها ولم يرتضوا بها
فخف الله وسطواته واتق بأس الله ونكاله واغمد سيفك عن الناس فقد والله أكلتهم الحرب
فلم يبق منهم إلا كالثمد في قرارة الغدير والله المستعان. فكتب علي عليه السلام
إليه جوابا عن كتابه: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما
بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة ورسالة محبرة نمقتها بضلالك وأمضيتها بسوء رأيك
وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه ولا قائد يرشده دعاه الهوى فأجابه وقاده الضلال فاتبعه
فهجر لاغطا وضل خابطا. فأما أمرك لي بالتقوى فأرجو أن أكون من أهلها وأستعيذ بالله
من أن أكون من الذين إذا أمروا بها أخذتهم العزة بالاثم. وأما تحذيرك إياي أن يحيط
عملي وسابقتي في الاسلام فلعمري لو كنت الباغي عليك لكان لك أن تحذرني ذلك ولكني
وجدت الله تعالى يقول: * (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) * [9 / الحجرات:
49] فنظرنا إلى الفئتين [فأما الفئة] الباغية فوجدناها الفئة التي أنت فيها لان
بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة وأنت أمير لعمر
على الشام وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر بالمدينة وهو أمير لابي بكر على الشام.
وأما شق عصا هذه الامة فأنا أحق أن أنهاك عنه.
[82]
فأما تخويفك لي من قتل أهل البغي فإن رسول
الله صلى الله عليه وآله أمرني بقتالهم وقتلهم وقال لاصحابه: " إن فيكم من يقاتل
على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله " وأشار إلي وأنا أولى من اتبع أمره (1)
وأما قولك: إن بيعتي لم تصح لان أهل الشام لم يدخلوا فيها فإنما هي بيعة واحدة تلزم
الحاضر والغائب لا يستثنى فيها النظر ولا يستأنف فيها الخيار [و] الخارج منها طاعن
والمروي فيها مداهن فاربع على ظلعك وانزع سربال غيك واترك ما لا جدوى له عليك فإنه
ليس لك عندي إلا السيف حتى تفئ إلى أمر الله صاغرا وتدخل في البيعة راغما والسلام.
بيان: قال الجوهري: بله كلمة مبنية على الفتح مثل كيف ومعناها دع. ويقال: معناها:
سوى وفي الحديث: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على
قلب بشر بله ما اطلعتهم عليه ". 398 - وقال ابن ميثم: كتب أمير المؤمنين عليه
السلام إلى معاوية: [أما بعد] فقد بلغني كتابك تذكر مشاغبتي وتستقبح مواربتي
وتزعمني متجبرا وعن حق الله مقصرا فسبحان الله كيف تستجيز الغيبة وتستحسن العضيهة
إني لم أشاغب إلا في أمر بمعروف أو نهي عن منكر ولم أتجبر إلا على باغ مارق أو ملحد
منافق ولم آخذ في ذلك إلا بقول الله سبحانه: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم
الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم) *. [22 / المجادلة].
وأما التقصير في حق الله فمعاذ الله وإنما المقصر في حق الله جل ثناؤه من
(1) والحديث متواتر معنى أو مستفيض مقطوع
الصدور وقد رواه جمع كثير من حفاظ أهل السنة منهم النسائي في الحديث 154 من كتاب
خصائص علي عليه السلام بتحقيقنا وقد علقناه عليه عن مصادر كثيرة. ورواه ابن عساكر
بأسانيد جمة تحت الرقم 1178 وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ج 3، ص
163، ط 2 من تحقيقنا. 398 - ذكره كمال الدين ابن ميثم رحمه الله في شرحه على
المختار: (30) من باب كتب نهج البلاغة: ج 4 ص 448 ط 3.
[83]
عطل الحقوق المؤكدة وركن إلى الاهواء
المبتدعة وأخلد إلى الضلالة المحيرة. ومن العجب أن تصف يا معاوية الاحسان وتخالف
البرهان وتنكث الوثائق التي هي لله عزوجل طلبة وعلى عباده حجة مع نبذ الاسلام
وتضييع الاحكام وطمس الاعلام والجري في الهوى والتهوس في الردى فاتق الله فيما لديك
وانظر في حقه عليك وارجع إلى معرفة مالا تعذر بجهالته فإن للطاعة أعلاما واضحة
وسبلا نيرة ومحجة نهجة وغاية مطلبة يردها الاكياس وتخالفها الانكاس من نكب عنها جار
عن الحق وخبط في التيه وغير الله نعمته وأحل به نقمته فنفسك نفسك فقد بين الله لك
سبيلك وحيث تناهت بك أمورك فقد أجريت إلى غاية خسر ومحلة كفر وإن نفسك قد أوحلتك
شرا وأقحمتك غيا وأوردتك المهالك وأوعرت عليه المسالك. ومن ذلك الكتاب: وإن للناس
جماعة يد الله عليها وغضب الله على من خالفها فنفسك نفسك قبل حلول رمسك فإنك إلى
الله راجع وإلى حشره مهطع وسيهظك كربه ويحل بك غمه في يوم لا يغني النادم ندمه ولا
يقبل من المعتذر عذره يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون. 399 - نهج:
فاتق الله فيما لديك إلى قوله: " وأوعرت عليك المسالك ". توضيح: قال الفيروز آبادي:
الشغب: تهييج الشر كالتشغيب وشغبهم وبهم وعليهم كمنع وفرح: هيج الشر عليهم. وشاغبه:
شاره. وقال: المواربة: المداهاة والمخاتلة. وفي أكثر النسخ: " موازرتي " أي موازرتي
عليك. والعضيهة: الافك والبهتان. وركن إليه كعلم: مال. وأخلدت إلى فلان أي ركنت
إليه وأخلد بالمكان: أقام. والطمس: إخفاء الاثر. وقال الجوهري: الهوس: الطوفان
بالليل والهوس: شدة الاكل. والهوس: السوق اللين يقال: هست. الابل فهاست أي ترعى
وتسير. والهوس
399 - رواه السيد الرضي رحمه الله في
المختار: (30) من الباب الثاني من نهج البلاغة.
[84]
بالتحريك: طرف من الجنون. قوله عليه
السلام: " فيما لديك " أي من مال المسلمين وفيئهم أو في نعمة عليك. ومعرفة مالا
يعذر بجهالته معرفة الامام وطاعته. والاعلام: الائمة أو الادلة والنهج: الطريق
الواضح. " والمطلبة " النسخ المصححة متفقة على تشديد الطاء قال الجوهري: طلبت الشئ
طلبا وكذا اطلبته على افتعلته والتطلب: الطلب مرة بعد أخرى انتهى والمعنى غاية من
شأنها أن تطلب ويطلبها العقلاء. ويكشف عنه قوله عليه السلام " يردها الاكياس ".
وقرأ ابن أبي الحديد بتخفيف الطاء وقال: أي مساعفة لطالبها يقال: طلب فلان مني كذا
فاطلبته أي أسعفته به. والانكاس جمع نكس بالكسر وهو الرجل الضعيف ذكره الجوهري
والجزري. وقال ابن أبي الحديد وابن ميثم: الدنى من الرجال. ونكب عن الطريق: عدل.
والخبط: المشي على غير استقامة. قوله عليه السلام: " تناهت بك " يقال: تناهى أي بلغ
والباء للتعدية أي بين الله لك سبيلك وغايتك التي توصلك إليها أعمالك أو المعنى قف
حيث تناهت بك أمورك كقولهم: حيث أنت، وقولهم: مكانك فلا يكون معطوفا ولا متصلا
بقوله: فقد بين الله لك سبيلك. قوله عليه السلام: " فقد أجريت " هو من إجراء الخيل
للمسابقة. وقال في الصحاح: وحل الرجل وقع في الوحل وأوحله غيره. والاقتحام: الدخول
في الامر بشدة ويقال: جبل وعر ومطلب وعر أي صعب حزن. والرمس بالفتح: القبر.
والمهطع: المسرع. وبهظه الامر: أثقله. 400 - وروى ابن أبي الحديد وابن ميثم أن أمير
المؤمنين عليه السلام كتب إلى
400 - رواه ابن أبي الحديد وابن ميثم في
شرحيهما على المختار: (32) من الباب الثاني من كتاب نهج البلاغة. (*)
[85]
معاوية بن أبي سفيان: أما بعد فإن الدنيا
دار تجارة ربحها أو خسرها الآخرة فالسعيد من كانت بضاعته فيها الاعمال الصالحة ومن
رأى الدنيا بعينها وقدرها بقدرها وإني لاعظك مع علمي بسابق العلم فيك مما لا مرد له
دون نفاذه ولكن الله تعالى أخذ على العلماء أن يؤدوا الامانة وأن ينصحوا الغوي
والرشيد فاتق الله ولا تكن ممن لا يرجو لله وقارا ومن حقت عليه كلمة العذاب فإن
الله بالمرصاد وإن دنياك ستدبر عنك وستعود حسرة عليك فانتبه من الغي والضلال على
كبر سنك وفناء عمرك فإن حالك اليوم كحال الثوب المهيل الذي لا يصلح من جانب إلا فسد
من آخر وقد أرديت جيلا من الناس كثيرا خدعتهم بغيك وألقيتهم في موج بحرك تغشاهم
الظلمات وتتلاطم بهم الشبهات فجاروا عن وجهتهم ونكصوا على أعقابهم وتولوا على
أدبارهم وعولوا على أحسابهم إلا من فاء من أهل البصائر فإنهم فارقوك بعد معرفتك
وهربوا إلى الله من موازرتك إذ حملتهم على الصعب وعدلت بهم عن القصد فاتق الله يا
معاوية في نفسك وجاذب الشيطان قيادك فإن الدنيا منقطعة عنك والآخرة قريب منك
والسلام. 401 - قال ابن أبي الحديد قال أبو الحسن علي بن محمد المدائني: فكتب إليه
معاوية: من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فقد وقفت على كتابك
وقد أبيت على الغي إلا تماديا (1) وإني لعالم أن الذي يدعوك إلى ذاك مصرعك الذي
لابد لك منه وإن كنت موائلا فازدد غيا إلى غيك فطال ما خف عقلك ومنيت نفسك ما ليس
لك والتويت على من هو خير منك ثم كانت العافية لغيرك واحتملت الوزر بما أحاط بك من
خطيئتك والسلام. 401 - رواه ابن أبي الحديد - مع التوالي - في شرحه على المختار:
(32) من باب كتب نهج البلاغة: ج 16، ص 133، ط الحديث بمصر، وفي ط الحديث ببيروت: ج
4 ص 768. (1) هذا هو الظاهر من السياق وفي شرح نهج البلاغة ط مصر: على الفتن. وفي ط
الكمباني: على الغبن.
[86]
قال: فكتب علي عليه السلام إليه: أما بعد
فإن ما أتيت به من ضلالك ليس ببعيد الشبه مما أتى به أهلك وقومك الذين حملهم الكفر
وتمني الاباطيل على حسد محمد صلى الله عليه وآله حتى صرعوا مصارعهم حيث علمت لم
يمنعوا حريما ولم يدفعوا عظيما وأنا صاحبهم في تلك المواطن الصالي بحربهم والفال
لحدهم والقاتل لرؤسهم ورؤوس الضلالة والمتبع إنشاء الله خلفهم بسلفهم فبئس الخلف
خلف اتبع سلفا ومحله محطه النار والسلام. فكتب إليه معاوية: أما بعد فقد طال في
الغي ما استمررت أدراجك كما طال ما تمادى عن الحرب نكوصك وإبطاؤك تتوعد وعيد الاسد
وتروغ روغان الثعلب فحتام تحيد عن اللقاء ومباشرة الليوث الضارية والافاعي المقاتلة
فلا تستبعدنها فكل ما هو آت قريب إنشاء الله والسلام. قال: فكتب إليه علي عليه
السلام: أما بعد فما أعجب ما يأتيني منك، وما أعلمني بما أنت صائر إليه، وليس
إبطائي عنك إلا ترقبا لما أنت له مكذب وأنا له مصدق وكأني بك غدا تضج من الحرب ضجيج
الجمال من الاثقال وستدعوني أنت وأصحابك إلى كتاب تعظمونه بألسنتكم وتجحدونه
بقلوبكم والسلام. قال: فكتب إليه معاوية: أما بعد فدعني من أساطيرك واكفف عني من
أحاديث واقصر عن تقولك على رسول الله وافترائك من الكذب ما لم يقل وغرور من معك
والخداع لهم فقد استغويتهم ويوشك أمرك أن ينكشف لهم فيعتزلوك ويعلموا أن ما جئت به
باطل مضمحل والسلام. قال فكتب إليه علي عليه السلام: أما بعد فطال ما دعوت أنت
وأولياؤك أولياء الشيطان الرجيم الحق أساطير الاولين ونبذتموه وراء ظهوركم وجهدتم
في إطفاء نور الله بأيديكم وأفواهكم والله متم نوره ولو كره الكافرون.
[87]
ولعمري ليتمن النور على كرهك ولينفذن
العلم بصغارك ولتجازين بعملك فعث في دنياك المنقطعة عنك ما طاب لك فكأنك بأجلك قد
انقضى وعملك قد هوى ثم تصير إلى لظى لم يظلمك الله شيئا وما ربك بظلام للعبيد. قال:
فكتب إليه معاوية: أما بعد، فما أعظم الرين على قلبك والغطاء على بصرك الشر من
شيمتك. إلى آخر ما مر برواية أخرى. قال: فكتب إليه علي عليه السلام: أما بعد فإن
مساويك مع علم الله فيك حالت بينك وبين أن يصلح أمرك أو أن يرعوي قلبك يا ابن الصخر
اللعين زعمت أن يزن الجبال حلمك ويفصل بين أهل الشك علمك وأنت الجلف المنافق الاغلف
القلب القليل العقل الجبان الرذل فإن كنت صادقا فيما تسطر ويعينك عليه أخو بني سهم
فدع الناس جانبا وابرز لما دعوتني إليه من الحرب والصبر على الضرب واعف الفريقين من
القتال لتعلم أينا المرين على قلبه المغطى على بصره فأنا أبو الحسن: قاتل جدك وأخيك
وخالك وما أنت منهم ببيعد والسلام. إيضاح: أقول: روى السيد رضى الله عنه في النهج
الكتاب الاول من قوله عليه السلام وأرديت جيلا إلى آخر هذا الكتاب (1). قوله عليه
السلام: " ومن رأى " عطف على " من كانت " أي السعيد من يريد الدنيا بعينها أي
يعرفها بحقيقتها أو يراها بالعين التي بها تعرف وهي عين البصيرة ويعلم ما هي عليه
من التغير والزوال وأنها خلقت لغيرها ليقدرها بمقدارها ويجعلها في نظره لما خلقت
له. قوله عليه السلام: " ممن لا يرجو لله وقارا " أي لا يتوقع لله عظمة فيعبده
(1) أي الكتاب الاول الذي مر هاهنا تحت
الرقم: (400) الذي رواه المصنف عن ابن أبي الحديد وابن ميثم رواه الرضي تحت الرقم:
(32) من الباب الثاني من نهج البلاغة.
[88]
ويطيعه والوقار الاسم من التوقير وهو
التعظيم. وقيل الرجاء ها هنا بمعنى الخوف. والمهيل: المتداعي في التمزق ومنه رمل
مهيل أي ينهال ويسيل. وارديت أي أهلكت. والجيل: الصنف وروي بالباء الموحدة وهو
الخلق. وتغشاهم أي تأتيهم وتحيط بهم. وحاروا: عدلوا وتحيروا. ونكصوا أي رجعوا.
وعولوا على أحسابهم أي اعتمدوا على نخوة الجاهلية وتعصبهم ورجعوا عن الدين. إلا من
فاء أي رجع. والموازرة: المعاونة. والصعب مقابلة الذلول كناية عن الباطل لاقتحامه
بصاحبه في المهالك والقياد بالكسر: حبل يقاد به الدابة. ووائل منه على فاعل طلب
النجاة ذكره الجوهري وقال: صليت اللحم وغيره أصليه صليا إذا شويته ويقال: أيضا صليت
الرجل نارا إذا أدخلته النار وجعلته يصلاها وصلى فلان النار بالكسر: احترق وصلى
بالامر: قاسى حره وشدته. وقال: فللت الجيش: هزمته. ويقال: فله فانفل أي كسره
فانكسر. قوله عليه السلام: " ومحله محطه " الضمير الاول راجع إلى الخلف والثاني إلى
السلف والنار بدل أو عطف بيان ل [قوله] " محطه " ولعل الاصوب محله ومحطه فالضميران
للسلف. ودرج الرجل: مشى وأدرجت الكتاب: طويته. وقولهم: خل درج الضب أي طريقه والجمع
الادراج. وراغ: مال. قوله عليه السلام: " لما أنت به مكذب " أي ما أخبرني به النبي
صلى الله عليه وآله من وقت الحرب وشرائطه أو إتمام الحجة واتباع أمره تعالى في ذلك
ونزول الملائكة للنصرة وبكل ذلك كان لعنه الله مكذبا. قوله عليه السلام: " فعث " من
عاث يعيث إذا أفسد وفي بعض النسخ " فعش ". أقول: قال ابن أبي الحديد بعد إيراد تلك
الكتب: قلت وأعجب وأطرف ما جاء به الدهر. وإن كانت عجائبه وبدائعه جمة - أن يفضي
الامر بعلي عليه السلام إلى أن يصير معاوية ندا له ونظيرا مماثلا يتعارضان الكتاب
والجواب ويتساويان فيما يواجه به أحدهما صاحبه ولا يقول له علي عليه السلام كلمة
إلا قال له مثلها وأخشن منها فليت محمدا صلى الله عليه وآله كان
[89]
مشاهد ذلك ليرى عيانا لا خبرا أن الدعوة
التي قام بها وقاسى أعظم المشاق في تحملها وكابد الاهوال في الذب عنها وضرب بالسيوف
عليها لما مهد دولتها وشيد أركانها وملا الآفاق بها خلصت صفوا عفوا لاعدائه الذين
كذبوه لما دعا إليها وأخرجوه عن أوطانه لما حض عليها وأدموا وجهه وقتلوا عمه وأهله
فكأنه كان يسعى لهم ويدأب لراحتهم كما قال أبو سفيان في أيام عثمان وقد مر بقبر
حمزة فضربه برجله وقال: " يا با عمارة إن الامر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس في يد
غلماننا اليوم يتلعبون به " ثم آل الامر إلى أن يفاخر معاوية عليا كما يتفاخر
الاكفاء والنظراء (1). 402 - وقال في موضع آخر (2) كتب معاوية إليه عليه السلام من
معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإنا بني عبد مناف لم نزل ننزغ من
قليب واحد ونجري في حلبة واحدة وليس لبعضنا على بعض فضل ولا لقائمنا على قاعدنا فخر
كلمتنا مؤتلفة وألفتنا جامعة ودارنا واحدة ويجمعنا كرم العرق ويحوينا شرف الفخار
ويحنو قوينا على ضعيفنا ويواسى غنينا فقيرنا قد خلصت قلوبنا من دغل الحسد وطهرت
أنفسنا من خبث السجية فلم نزل كذلك حتى كان منك من الادهان في أمر ابن عمك والحسد
له وتضريب الناس عليه حتى قتل بمشهد منك لا تدفع عنه بلسان ولا يد فليتك أظهرت نصره
حيث أشهرت ختره فكنت كالمتعلق بين الناس بعذر وإن ضعف والمتبري من دمه بدفع وإن وهن
ولكنك جلست في دارك تدس إليه الدواهي وترسل عليه الافاعي حتى إذا قضيت وطرك منه
أظهرت شماتة وأبديت طلاقة وحسرت
(1) وقد ذكر ابن أبي الحديد بعده أبياتا
حسنة يعجبني أن أذكر منها وهي: إذا عير الطائي بالبخل مادر * وقرع قسا بالفهاهة
باقل وقال السهى للشمس: أنت خفية * وقال الدجى: يا صبح لونك حائل وفاخرت الارض
السماء سفاهة * وكاثرت الشهب الحصا والجنادل فيا موت زر إن الحياة ذميمة * ويا نفس
جدي إن دهرك هازل (2) ذكره ابن أبي الحديد في شرح المختار (64) من باب كتب نهج
البلاغة: ج 5 ص 178، ط الحديث ببيروت.
[90]
للامر عن ساعدك وشمرت عن ساقك ودعوت إلى
نفسك وأكرهت أعيان المسلمين على بيعتك. ثم كان منك بعدما كان من قتلك شيخي المسلمين
أبي محمد طلحة وأبي عبد الله الزبير وهما من الموعودين بالجنة والمبشر قاتل أحدهما
بنار الآخرة هذا إلى تشريدك بأم المؤمنين عائشة وإحلالها محل الهوان مبتذلة بن أيدي
الاعراب وفسقة أهل الكوفة فمن بين منتهر لها وبين شامت بها وبين ساخر منها. أترى
ابن عمك كان بهذا - لوراه - راضيا أم كان يكون عليك ساخطا ولك عنه زاجرا أن تؤذي في
أهله وتشرد بحليلته وتسفك دماء أهل ملته. ثم تركك دار الهجرة التي قال رسول الله
صلى الله عليه وآله عنها " إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد "
فلعمري لقد صح وعده وصدق قوله ولقد نفت خبثها وطردت منها من ليس بأهل أن يستوطنها
فأقمت بين المصرين وبعدت عن بركة الحرمين ورضيت بالكوفة بدلا من المدينة وبمجاورة
الخورنق والحيرة عوضا عن مجاورة قبر خاتم النبوة. ومن قبل ذلك ما عنيت خليفتي رسول
الله صلى الله عليه وآله أيام حياتهما فقعدت عنهما والتويت عليهما وامتنعت من
بيعتهما ورمت أمرا لم يرك الله تعالى له أهلا ورقيت سلما وعرا وحاولت مقاما دحضا
وادعيت ما لم تجد عليه ناصرا ولعمري لو وليتها حينئذ لما ازددت إلا فسادا واضطرابا
ولا أعقبت ولا يتكها إلا انتشارا وارتدادا لانك الشامخ بأنفه الذاهب بنفسه المستطيل
على الناس بلسانه ويده وها أنا السائر إليك في جمع من المهاجرين والانصار تحفهم
سيوف شامية ورماح قحطانية حتى يحاكموك إلى الله فانظر لنفسك والمسلمين وادفع إلي
قتلة عثمان فإنهم خاصتك وخلصاؤك والمحدقون بك فإن أبيت إلا سلوك سبيل اللجاج
الاصرار على الغي والضلال فاعلم أن هذه الآية نزلت فيك وفي أهل العراق معك " ضرب
الله مثلا كانت قرية مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها
الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ". فأجاب على عليه السلام كتابه بما رواه
السيد رضي الله عنه في النهج
[91]
والطبرسي رحمه الله في الاحتجاج (1)
واللفظ للسيد قال: [و] من كتاب له عليه السلام إلى معاوية جوابا عن كتاب منه: أما
بعد فإنا كنا نحن وأنتم على ما ذكرت من الالفة والجماعة ففرق بيننا وبينكم أمس أنا
آمنا وكفرتم واليوم أنا استقمنا وفتنتم وما أسلم مسلمكم إلا كرها وبعد أن كان أنف
الاسلام كله لرسول صلى الله عليه وآله حزبا. وذكرت أني قتلت طلحة والزبير وشردت
بعائشة ونزلت بين المصرين وذلك أمر غبت عنه فلا الجناية عليك ولا العذر فيه إليك.
وذكرت أنك زائري في المهاجرين والانصار وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك فإن كان فيك
عجل فاسترفه فإني إن أزرك فذلك جدير أن يكون الله إنما بعثني للنقمة منك وإن تزرني
فكما قال أخو بني أسد: مستقبلين رياح الصيف تضربهم * بحاصب بين أغوار وجلمرد وعندي
السيف الذي أعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد وإنك والله ما علمت الاغلف القلب
المقارب العقل والاولى أن يقال لك: إنك رقيت سلما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك لانك
نشدت غير ضالتك ورعيت غير سائمتك وطلبت أمرا لست من أهله ولا في معدنه فما أبعد
قولك من فعلك وقريب ما أشبهت من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة وتمنى الباطل على
الجحود بمحمد صلى الله عليه وآله فصرعوا مصارعهم حيث علمت لم يدفعوا عظيما ولم
يمنعوا حريما بوقع سيوف ما خلا منها الوغى ولم تماشها الهوينا. وقد أكثرت في قتلة
عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله وأما
تلك التي تريد فإنها خدعة الصبي عن
(1) رواه السيد رفع الله مقامه في
المختار: (64) من باب كتب أمير المؤمنين عليه السلام من نهج البلاغة. ورواه الطبرسي
قدس سره في الكتاب الثاني مما أورده في عنوان: " احتجاج علي عليه السلام على
معاوية... " من كتاب الاحتجاج: ج 1، ص 179، ط بيروت.
[92]
اللبن في أول الفصال والسلام [لاهله].
تبيين: [قوله عليه السلام]: كنا نحن وأنتم أي قبل البعثة " انا استقمنا " أي على
منهاج الحق " وبعد أن كان أنف الاسلام كله لرسول الله صلى الله عليه وآله حزبا " في
أكثر النسخ بالزاء بعد الحاء المهملة المكسورة وفي بعضها بالراء المهملة بعد الحاء
المفتوحة وكذلك كان في نسخة ابن أبي الحديد قال أي بعد أن كان أنف الاسلام محاربا
لرسول الله صلى الله عليه وآله. وأنف كل شئ أوله وكان أبو سفيان وأهله من بني عبد
شمس من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله في أول الهجرة إلى فتح مكة
انتهى. والاظهر ما في أكثر النسخ كما كان في نسخة ابن ميثم قال: أي بعد أن اشتد
الاسلام وصار للرسول صلى الله عليه وآله حزب قوى من الاشراف واستعار لفظ الانف لهم
باعتبار كونهم أعزاء أهله انتهى. أو باعتبار أنهم مقدمون على غيرهم فإنهم السابقون
الاولون من المهاجرين والانصار فيكون هذا الكلام كالدليل على كون إسلامهم عن كره
وإجبار. فلا عليك في الاحتجاج فلا الجناية عليك وهو أظهر. وقال ابن أبي الحديد أجمل
عليه السلام في الجواب والجواب المفصل أن طلحة والزبير قتلا أنفسهما ببيعتهما
ونكثهما ولو استقاما على الطريقة لسلما ومن قتله الحق فدمه هدر. وأما الوعد لهما
بالجنة فمشروط بسلامة العاقبة والكلام في سلامتها. وأما قوله: بشر قاتل ابن صفية
بالنار فقد اختلف فيه فقال قوم من علماء الحديث وأرباب السيرة هو كلام علي غير
مرفوع. وقوم منهم جعلوه مرفوعا وعلى كل حال فهو حق لان ابن جرموز قتله موليا خارجا
من الصف وقاتل من هذه حاله فاسق مستحق للنار. وأما عائشة فأي ذنب لامير المؤمنين
عليه السلام ي ذلك ولو أقامت في
[93]
منزلها لم تبتذل بين الاعراب وأهل الكوفة.
على أن عليا عليه السلام أكرمها وصانها وعظم من شأنها ولو كانت فعلت بعمر ما فعلت
به ثم ظفر بها لقتلها ومزقها إربا إربا ولكن عليا عليه السلام كان حليما كريما.
وأما قوله: لو عاش رسول الله صلى الله عليه وآله إلى آخر فلعلي عليه السلام أن يقلب
الكلام عليه ويقول: أفتراه لو عاش أكان رضي لحليلته أن تؤذي أخاه ووصيه. وأيضا
أتراه لو عاش أكان رضي لك يا ابن أبي سفيان أن تنازع عليا الخلافة وتفرق جماعة هذه
الامة. وأيضا أتراه لو عاش أكان رضي لطلحة والزبير أن يبايعا ثم ينكثا لا بسبب بل
قالوا: جئنا نطلب الدراهم فقد قيل لنا إن بالبصرة مالا كثيرا. فأما قوله: " ثم تركك
دار الهجرة " فلا عيب عليه إذا انتقضت عليه أطراف الاسلام بالبغي والفساد أن يخرج
من المدينة إليها ويهذب أهلها وليس كل من خرج من المدينة كان خبيثا فقد خرج عنها
عمر مرارا إلى الشام. ثم لعلي عليه السلام أن يقول: وأنت يا معاوية قد نفتك المدينة
أيضا فأنت إذا خبيث وكذلك طلحة والزبير وعائشة الذين تتعصب لهم وتحتج على الناس
بهم. وقد خرج عن المدينة الصالحون كابن مسعود وأبي ذر وغيرهما وماتوا في بلاد نائية
عنها. وأما قوله بعدت عن بركة الحرمين فكلام إقناعي ضعيف والواجب على الامام أن
يقدم الاهم فالاهم من مصالح الاسلام وتقديم قتال أهل البغي على المقام في الحرمين
أولى. وأما ما ذكره من خذلان عثمان وشماتته به وإكراه الناس على البيعة فكله
[94]
دعوى والامر بخلافها. وأما قوله: " التويت
على أبي بكر وعمرو وقعدت عنهما وحاولت الخلافة " فإن عليا عليه السلام لم يكن يجحد
ذلك ولا ينكره ولا ريب أنه [كان] يدعي الامر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله
لنفسه على الجملة إما للنص كما تقوله الشيعة أو لامر آخر كما يقوله أصحابنا. فأما
قوله: " لو وليتها حينئذ لفسد الامر واضطراب الاسلام " فهذا علم غيب لا يعلمه إلا
الله ولعله لو وليها حينئذ. لاستقام الامر فإنه ما وقع الاضطراب عند ولايته بعد
عثمان إلا لان أمره هان عندهم بتأخره عن الخلافة وتقديم غيره عليه فصغر شأنه في
النفوس وقرر من تقدمه في قلوب الناس أنه لا يصلح لها كل الصلوح ولو كان وليها
ابتداء وهو على تلك الجلالة التي كان عليها أيام حياة رسول الله صلى الله عليه وآله
وتلك المنزلة الرفيعة والاختصاص الذي كان له لكان الامر غير الذي رأيناه. وأما
قوله: " لانك الشامخ... " (1) فقد أسرف في وصفه بما وصفه به ولا شك أنه عليه السلام
كان عنده زهو ولكن لا هكذا وكان عليه السلام مع زهوه ألطف الناس خلقا انتهى كلامه.
وأقول على أصولنا لا يستحق الملعون الجواب بما قد ظهر من كفره ونفاقه من كل باب وهو
عليه السلام كان أعلم بما يأتي به من الحق والصواب ولا ريب أن الحق يؤب معه حيث آب.
قوله: " وقد انقطعت الهجرة " قال ابن ميثم لما أوهم كلامه أنه من المهاجرين أكذبه
بقوله: " وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أبوك " أي حين الفتح وذلك إن معاوية وأباه
وجماعة من أهله إنما أظهروا الاسلام بعد الفتح وقد قال صلى الله عليه وآله: لا هجرة
بعد الفتح. وسمي عليه السلام أخذ العباس لابي سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله [غير مختار] وعرضه على القتل أسرا. وروي " يوم أسر أخوك " وقد كان أسر أخوه
عمرو بن أبي سفيان يوم
(1) هذا هو الصواب المذكور في شرح ابن أبي
الحديد. وفي ط الكمباني من البحار: لافك التابة.
[95]
بدر فعلى هذه الرواية يكون الكلام في معرض
التذكرة له بأن من شأنه وشأن أهله أن يوسروا ولا يسلموا فيكف يدعون مع ذلك الهجرة
فإن الهجرة بهذا الاعتبار منقطعة عنهم ولا يكون " يوم أسر " ظرفا لانقطاع الهجرة
لان الهجرة إنما انقطعت بعد الفتح انتهى ولا يخفى ما فيه من التكلف والبعد. وقال
ابن أبي الحديد: " يوم أسر أخوك " يعني يزيد بن أبي سفيان أسر يوم الفتح في باب
الخندمة وكان خرج في نفر من قريش يحاربون ويمنعون من دخول مكة فقتل منهم قوم وأسر
يزيد بن أبي سفيان أسره خالد بن الوليد فخلصه أبو سفيان منه وأدخله داره فأمن لان
رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قوله: " فاسترفه
" أي اطلب الرفاهية على نفسك في ذلك فإنك إنما تستعجل إلى ما يضرك أو لا ترهق نفسك
بالعجل فإني أزورك إن لم تزرني فكما قال أخو بني أسد. قال ابن أبي الحديد: كنت أسمع
قديما أن هذا البيت من شعر بشر بن أبي خازم الاسدي والآن فقد تصفحت شعره. فلم أجده
ولا وقفت بعد على قائله. " وريح حاصب " تحمل الحصباء وهي صغار الحصا وإذا كانت بين
أغوار وهي ما سفل من الارض وكانت مع ذاك ريح صيف كانت أعظم مشقة وأشد ضرارا على من
تلاقيه. [فأما قوله]: " وجلمود " يمكن أن يكون عطفا على حاصب وأن يكون عطفا على "
أغوار " أي بين أغوار من الارض وحرة وذلك أشد لاذاها لما تكتسبه الحرة من لفح
السموم ووهجها والوجه الاول أليق. انتهى. وقال الجوهري: الجلمد والجلمود: الصخر.
وقال: أغضضته بسيفي أي ضربته به وعض الرجل بصاحبه يعض غضيضا أي لزمه. وقال ابن أبي
الحديد: أعضضته أي جعلته معضوضا برؤوس أهلك به وأكثر ما يأتي أفعلت أن تجعله فاعلا.
وهنا من المقلوب أي عضضت رؤوس أهلك به.
[96]
وقال ابن ميثم: [قوله: " عضضته " يروى
بالضاد المعجمة] أي جعلته عاضا لهم وألزمته بهم ويروى " أغصصته " بالغين المعجمة
والصادين المهملتين تقول: أغصصت [السيف] بفلان أي جعلته يغص به المضروب هو الذي يغص
بالسيف أي لا يكاد يسيغه. وقد مر مرارا أن [مراده عليه السلام من قوله:] " الجد "
[جد معاوية] عتبة بن ربيعة، والخال الوليد والاخ حنظلة قتلهم عليه السلام يوم بدر.
قوله عليه السلام: " ما علمت " كلمة ما موصولة وهي بصلتها خبر " إن " والاغلف بيان
للموصول. ويحتمل أن يكون المعنى ما دمت علمتك واطلعت عليك وجدتك كذلك. وقيل: " ما "
مصدرية والاغلف القلب من لا بصيرة له كأن قلبه في غلاف " والمقارب العقل " في أكثر
النسخ بصيغة الفاعل وكذا صححه الشارحان. وقال الجوهري: شئ مقارب بكسر الراء: بين
الجيد والردئ ولا نقل مقارب بفتح الراء. وفي بعض النسخ المصححة بالفتح فيحتمل أن
يكون بالمعنى المذكور أيضا. وقال في القاموس: شئ مقارب بكسر الراء: بين الجيد
والردئ أو دين مقارب بالكسر ومتاع مقارب بالفتح انتهى. أو أريد به العقل الذي قاربه
الشيطان ومسه أي أنت الذي تخبطه الشيطان من المس. قوله: " والاولى أن يقال لك "
جواب لقوله: " ورقيت سلما " وفي القاموس: طلع الجبل: علاوه كطلع بالكسر " عليك لا
لك " أي هذا المطلع أو الارتقاء وبال عليك غير نافع لك " ما أبعد قولك " أي دعواك
أنك أمير المؤمنين وخليفة المسلمين من فعلك وهو الخروج باغيا على الامام المفترض
الطاعة وشق عصا المسلمين مع ما ترتكبه من المنكرات والفسوق كلبس الحرير والمنسوج
بالذهب وغير ذلك كما ذكره ابن أبي الحديد " وقريب ما أشبهت " ما مصدرية أي قريب
شبهك بأعمامك وأخوالك من بني أمية
[97]
الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه
وآله " بوقع سيوف " متعلق بصرعوا و " ما خلا " صفة لسيوف و " الوغى " بالتحريك:
الجلبة والاصوات ومنه قيل للحرب وغى لما فيها من الصوت والجلبة " ولم تماشها
الهوينا " أي لم يلحق ضربنا ووقعها هون ولا سهولة ولم يجر معها وروي " ولم يتماسها
" بالسين المهملة أي لم يخالطها شئ من ذلك " والهوينا " موصوفها محذوفة كالضربة
والحالة ونحوها. وأما تلك التي تريد أي طلبك قتلة عثمان. 403 - وقال ابن ميثم وابن
أبي الحديد: كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية: أما بعد فإن الدنيا حلوة
خضرة ذات زينة وبهجة لم يصب إليها أحد إلا وشغلته بزينتها عما هو أنفع له منها
وبالآخرة أمرنا وعليها حثثنا فدع يا معاوية ما يفنى واعمل لما يبقى واحذر الموت
الذي إليه مصيرك والحساب الذي إليه عاقبتك واعلم أن الله إذا أراد بعبد خيرا حال
بينه وبين ما يكره ووفقه لطاعته وإذا أراد بعبد شرا أغراه بالدنيا وأنساه الآخرة
وبسط له أمله وعاقه عما فيه صلاحه. وقد وصلني كتابك فوجدتك ترمي غير غرضك وتنشد غير
ضالتك وتخبط في عماية وتتيه في ضلالة وتعتصم بغير حجة وتلوذ بأضعف شبهة. فأما سؤالك
إلي المتاركة والاقرار لك على الشام فلو كنت فاعلا ذلك اليوم لفعلته أمس. وأما
قولك: إن عمر ولاكها. فقد عزل عمر من كان ولاه صاحبه وعزل عثمان من كان عمر ولاه
ولم ينصب للناس إمام إلا ليرى من صلاح الامة ما قد كان ظهر لمن كان قبله أو خفي
عنهم غيه والامر يحدث بعد الامر ولكل
403 - روياه في شرح المختار: (37) من
الباب الثاني من نهج البلاغة من شرحيهما.
[98]
وال رأي واجتهاد. فسبحان الله ما أشد
لزومك للاهواء المبتدعة والحيرة المتبعة مع تضييع الحقائق وإطراح الوثائق التي هي
لله طلبة وعلى عباده حجة. فأما إكثارك الحجاج في عثمان وقتلته فإنك إنما نصرت عثمان
حيث كان النصر لك وخذلته حيث كان النصر له والسلام. 404 - ج: من كتاب له عليه
السلام " فسبحان الله " إلى قوله " والسلام ". بيان: الحقائق هي ما يحق للرجل أن
يحميه كما يقال: حامي الحقيقة. وقيل: هي الامور التي ينبغي أن يعتقدها من خلافته
عليه السلام ووجوب طاعته. ووثائق الله: عهوده المطلوبة له وهي على عباده حجة يوم
القيامة. وقال ابن أبي الحديد (1): وأما قوله عليه السلام: " إنما نصرت عثمان " إلخ
فقد روى البلاذري أنه لما أرسل عثمان إلى معاوية يستمده بعث يزيد بن أسد القسري جد
خالد بن عبد الله أمير العراق وقال: إذا أتيت ذا خشب فأقم بها ولا تتجاوزها ولا
تقل: الشاهد يرى مالا يرى الغائب فإني أنا الشاهد وأنت الغائب. قال: فأقام [القسري]
ب " ذي خشب " حتى قتل عثمان فاستقدمه حينئذ معاوية فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان
أرسل معه وإنما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان فيدعو إلى نفسه.
404 - رواه الطبرسي رحمه الله في أواخر
عنوان: " احتجاجه عليه السلام على معاوية في جواب كتبه إليه... " من كتاب الاحتجاج:
ج 1، ص 180. والظاهر أنه سقط من نسخة الكباني من بحار الانوار لفظة " نهج " إذ من
البعيد أنه خفي على المصنف كون الكلام مذكورا تحت الرقم: (37) من باب الكتب من نهج
البلاغة. (1) ذكره في شرح المختار: (37) من نهج البلاغة من شرحه: ج 4 ص 785 ط
الحديث ببيروت.
[99]
وكتب معاوية إلى ابن عباس عند صلح الحسن
عليه السلام كتابا يدعوه فيه إلى بيعته ويقول له فيه: ولعمري لو قتلتك بعثمان رجوت
أن يكون ذلك لله رضا وأن يكون رأيا صوابا فإنك من الساعين عليه والخاذلين له
والسافكين دمه وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك مني ولا بيدك أمان. فكتب إليه ابن
عباس جوابا طويلا يقول فيه: وأما قولك: إني من الساعين على عثمان والخاذلين له
والسافكين دمه. فأقسم بالله لانت المتربص بعثمان والمحب لهلاكه والحابس الناس قبلك
عنه على بصيرة من أمره ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ فما حفلت - حتى
بعثت به معذرا بأخرة - وأنت تعلم أنهم لن يدركوه حتى يقتل فقتل كما كنت أردت ثم
علمت بعد ذلك أن الناس - لن يعدلوا - بيننا وبينك فطفقت تنعي عثمان وتلزمنا دمه
وتقول: قتل عثمان مظلوما فإن يك قتل مظلوما فأنت أظلم الظالمين ثم لم تزل مصوبا
ومصعدا وجاثما ورابضا تستغوي الجهال وتنازعنا حقنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت "
وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين " (1). بيان: بعثت به أي بالجيش أو الصريخ "
معذرا " بالتشديد وهو المقصر ومن يبدي عذرا وليس بمحق " بأخرة " أي بتأخير وتسويف
أو آخرا حيث لا ينفع. قال الجوهري: بعته بأخره: بكسر الخاء وقصر الالف أي بنسئة
وجاء فلان بأخرة بفتح الخاء أي أخيرا. وفي النهاية فيه: " فصعد في النظر وصوبه " أي
نظر إلى أعلاي وأسفلي يتأملني انتهى. وجثم الطائر: تلبد بالارض. وربوض الغنم والكلب
مثل بروك الابل وجثوم الطير فتارة شبهه بالطيور الخاطفة وتارة بالكلاب الضارية
الصايدة. 405 - وقال ابن أبي الحديد: روى نصر بن مزاحم أنه كتب أمير المؤمنين
(1) اقتباس من الآية: (111) من سورة
الانبياء. 405 - رواه ابن أبي الحديد تاما - وابن ميثم ناقصا - في شرح المختار:
(10) من الباب
[100]
عليه السلام إلى معاوية: من عبد الله علي
أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام على من اتبع الهدى فإني أحمد إليك الله
الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإنك قد رأيت مرور الدنيا وانقضاءها وتصرمها وتصرفها
بأهلها فيما مضى منها وخير ما اكتسبت [مما] بقي من الدنيا ما أصاب العباد الصالحون
فيما مضى منها من التقوى ومن يقس الدنيا بالآخرة يجد بينهما بونا بعيدا واعلم يا
معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من أهله لا في القديم ولا في الحديث ولا في البقية
ولست تقول فيه بأمر بين يعرف له أثر ولا عليك منه شاهد ولست متعلقا بآية من كتاب
الله ولا عهد من رسول الله فكيف أنت صانع إذا تقشعت عنك غيابة ما أنت فيه فيه من
دنيا قد فتنت بزينتها وركنت إلى لذتها وخلا بينك وبين عدوك فيها عدو كلب مضل جاهد
مليح ملح مع ما قد ثبت في نفسك من حبها، دعتك فأجبتها وقادتك فاتبعتها وأمرتك
فأطعتها فاقعس عن هذا الامر وخذ أهبة الحساب فإنه يوشك أن يقفك واقف على مالا يجنك
به مجن. ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية أو ولاة لامر هذه الامة بلا قدم حسن ولا
شرف تليد على قومكم فاستقيظ من سنتك وارجع إلى خالقك وشمر لما سينزل بك ولا تمكن
عدوك الشيطان من بغيته فيك مع أني أعرف أن الله ورسوله صادقان - نعوذ بالله من لزوم
سابق الشقاء - وإن لا تفعل فإني أعلمك ما أغفلت من نفسك إنك مترف قد أخذ منك
الشيطان مأخذه فجرى منك مجرى الدم في العروق ولست من أئمة هذه الامة ولا من رعاتها.
واعلم أن هذا الامر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدوناه ولامتنوا علينا به
الثاني من نهج البلاغة من شرحيهما: ج 4 ص
528 ط الحديث ببيروت، وفي شرح كمال الدين ابن ميثم: ج 4 ص 371. ورواه نصر بن مزاحم
رحمه الله في أواسط الجزء الثاني من كتاب صفين ص 108، ط مصر. ورويناه عنه وعن مصدر
آخر تحت الرقم: (91 - 92) من باب كتب أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب نهج
السعادة: ج 4 ص 246.
[101]
ولكنه قضاء ممن منحناه واختصنا به على
لسان نبيه الصادق المصدق لا أفلح من شك بعد العرفان والبينة. رب احكم بيننا وبين
عدونا بالحق وأنت خير الحاكمين. قال نصر: فكتب إليه معاوية بالجواب: من معاوية بن
أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فدع الحسد فإنك طال ما لم تنتفع به. إلى آخر
ما مر برواية ابن ميثم [رحمه الله]. أقول: وجدت في كتاب صفين لنصر مثله. (1) وروى
ابن ميثم رحمة الله كتابه عليه السلام نحوا مما مر. (2) 406 - وذكر السيد [الرضي]
رضي الله عنه في النهج بعضه فلنذكره للاختلاف الكثير بينهما، قال: ومن كتاب له عليه
السلام إليه أيضا: وكيف أنت صانع إذا تكشفت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد تبهجت
بزينتها وخدعت بلذتها دعتك فأجبتها وقادتك فاتبعتها وأمرتك فأطعتها وإنه يوشك أن
يقفك واقف على مالا ينجيك منه مجن. فاقعس عن هذا الامر وخذ أهبة الحساب وشمر لما قد
نزل بك ولا تمكن الغواة من سمعك وإن لا تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك فإنك مترف قد
أخذ الشيطان منك مأخذه وبلغ فيك أمله وجرى منك مجرى الروح والدم. ومتى كنتم يا
معاوية ساسة الرعية وولاة أمر الامة بغير قدم سابق ولا شرف باسق ونعوذ بالله من
لوازم سابق الشقاء وأحذرك أن تكون متماديا في غرة الامنية مختلف العلانية والسريرة.
وقد دعوت إلى الحرب فدع الناس جانبا واخرج إلي واعف الفريقين عن القتال لتعلم أينا
المرين على قلبه والمغطى على بصره فأنا أبو الحسن قاتل جدك
(1) تقدم أن نصر بن مزاحم رحمه الله رواه
في أواسط الجزء الثاني من كتاب صفين ص 108، ط مصر. (2) تقدم أن كمال الدين ابن ميثم
رواه في شرح المختار: (10) من الباب الثاني من نهج البلاغة من شرحه: ج 4 ص 371. 406
- رواه السيد رحمه الله في المختار: (10) من الباب الثاني من نهج البلاغة.
[102]
وخالك وأخيك شدخا يوم بدر وذلك السيف معي
وبذلك القلب ألقى عدوي ما استبدلت دينا ولا استحدثت نبيا وإني لعلى المنهاج الذي
تركتموه طائعين ودخلتم فيه مكرهين. وزعمت أنك جئت ثائرا بعثمان ولقد علمت حيث وقع
دم عثمان فاطلبه من هناك إن كنت طالبا. فكأني قد رأيتك تضج من الحرب إذا عضتك ضجيج
الجمال بالاثقال وكأني بجماعتك تدعوني جزعا من الضرب المتتابع والقضاء الواقع
ومصارع بعد مصارع إلى كتاب الله وهي كافرة جاحدة أو مبايعة حائدة. بيان: وإني أحمد
إليك الله أي أحمد الله منهيا إليك قال في النهاية: في كتابه عليه الصلاة والسلام:
أما بعد فإني أحمد إليك الله أي أحمده معك فأقام إلى مقام مع. وقيل: معناه: أحمد
إليك نعمة الله بتحديثك إياها. وقال الجوهري: قشعت الريح السحاب أي كشفته فانقشع
وتقشع وأقشع أيضا. وفي القاموس: غيابة كل شئ سترك منه ومنه: غيابات الجب وغيبان
الشجر. والجلابيب جمع جلباب وهي الملحفة في الاصل فاستعير لغيرها من الثياب. [قوله
عليه السلام:] قد تبهجت أي صار ذات بهجة وحسن أو تكلفت البهجة. وقال الجوهري: ألاح
بسيفه: لمع به. وألاحه: أهلكه. [قوله]: " أن يقفك واقف " " وقف " جاء لازما ومتعديا
واستعمل هنا متعديا ويقال: أيضا: وقفه على ذنبه أي أطلعه عليه والواقف هو الرب
تعالى عند الحساب أو هو عليه السلام في الدنيا أو عند مخاصمة القيامة. وقيل أي
الموت. و " المجن " بكسر الميم وفتح الجيم: الترس. والتليد: القديم. وقعس عن الامر:
تأخر عنه. والاهبة بالضم: الاستعداد لما قد نزل بك أي الابتلاء بسوء العاقبة أو
الحرب أو الموت أو القتل وما بعده تنزيلا لما لابد من وقوعه منزلة الواقع. وتقول:
أغفلت الشئ إذا
[103]
تركته على ذكر منك وتغافلت عنه ومفعول
أغفلت ضمير " ما " " ومن نفسك " بيان ذلك الضمير وتفسير له. كذا ذكره ابن ميثم.
وقيل: الظرف متعلق الاغفال على تضمين معنى الصرف والابعاد. والاظهر عندي أن " من "
للتبعيض وهو حال عن الضمير أي من صفات نفسك وأحوالها. وأترفته النعمة: أطغته. قوله
عليه السلام: " مأخذه " أي تناولك تناوله الكامل المعروف أو أخذ منك الموضع الذي
يمكنه وينفعه أخذه ويروى بالجمع. و [قال الفيروز آبادي] في [مادة " سوس " من كتاب]
القاموس سست الرعية سياسة: أمرتها ونهيتها. وسابق الشقاء ما سبق في القضاء.
والتمادي تفاعل من المدى وهو الغاية. والغرة: الغفلة. والامنية: طمع النفس. وقال
الجوهري: الرين: الطبع والدنس يقال: ران على قلبه ذنبه: غلب. والشدخ: كسر الشئ
الاجوف. قوله عليه السلام: ولقد علمت حيث وقع أي إن كنت تطلب ثأرك عند من أجلب
وحاصر فالذي فعل ذلك طلحة والزبير فاطلب ثأرك من بني تيم وبني أسد بن عبد العزى وإن
كنت تطلبه ممن خذل فاطلبه من نفسك فإنك خذلته وكنت قادرا على أن تمده بالرجال
فخذلته وقعدت عنه بعد أن استغاث بك. كذا ذكره ابن أبي الحديد. والضجيج: الصياح عند
المكروه والمشقة والجزع أي كأني شاهد لجزعك من الحرب إذا عضنك الحرب. وأصل العض:
اللزوم، ومنه العض بالاسنان أي إذا لزمتك واثرت فيك شدتها تضج كما يضج الجمل بثقل
حمله " ومصارع بعد مصارع " أي من سقوط على الارض بعد سقوط " وهي كافرة " أي جماعتك
والكافرة الجاحدة أصحابه الذين لم يبايعوا. والمبايعة الحائدة هم الذين بايعوه ثم
عدلوا إليه من [قولهم]: حاد
[104]
عن الشئ إذا عدل ومال. وهذا من إخباره
عليه السلام بالغايبات وهو من المعجزات الباهرات. 407 - وقال ابن ميثم رحمه الله:
روي أن معاوية استشار بعمرو بن العاص في أن يكتب إلى علي عليه السلام كتابا يسأله
فيه لصلح فضحك عمرو وقال: أين أنت يا معاوية من خدعة علي قال: ألسنا بني عبد مناف ؟
قال: بلى ولكن لهم النبوة دونك وإن شئت أن تكتب فاكتب فكتب معاوية إليه مع رجل من
السكاسك يقال له عبد الله بن عقبة: أما بعد فإني أظنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا
وبك ما بلغت وعلمنا لم يجنها بعضنا على بعض وإنا وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد
بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى ونصلح ما بقي وقد كنت سألتك الشام على أن لا
يلزمني لك طاعة ولا بيعة فأبيت ذلك علي فأعطاني الله ما منعت وأنا أدعوك اليوم إلى
ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو ولا أخاف من القتل إلا ما
تخاف وقد والله رقت الاجناد - وذهبت الرجال وأكلت الحرب العرب إلا حشاشات أنفس بقيت
وإنا في الحرب والرجال سواء ونحن بنو عبد مناف وليس لبعضنا على بعض فضل إلا فضل لا
يستذل به عزيز ولا يسترق به حر والسلام. فلما قرأ علي عليه السلام كتابه تعجب منه
ومن كتابه ثم دعا عبيدالله بن أبي رافع كاتبه وقال له: اكتب إليه: أما بعد - فقد
جاءني - كتابك تذكر أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها
بعضنا على بعض وإنا وإياك في غاية لم نبلغها بعد وإني لو قتلت في ذات الله وحييت.
ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله والجهاد لاعداء الله.
407 - رواه كمال الدين ابن ميثم وابن أبي
الحديد في شرح المختار: (17) من نهج البلاغه من شرحيهما: ج 4 ص 389 و 556 ط بيروت.
وقد تقدم عن المصنف العلامة في أواخر الباب: (12) ص 520 من طبع الكمباني نقل الكتاب
عن مصدر آخر.
[105]
وأما قولك: إنه قد بقي من عقولنا ما نندم
به على ما مضى فإني ما نقضت عقلي ولا ندمت على فعلي. وأما طلبك إلي الشام فإني لم
أكن لاعطيك اليوم ما منعتك أمس. وأما قولك: إن الحرب قد أكلت العرب إلا حشاشة أنفس
بقيت ألا ومن أكله الحق فإلى الجنة ومن أكله الباطل فإلى النار. وأما استواؤنا في
الخوف والرجاء فلست بأمضى على الشك مني على اليقين وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا
من أهل العراق على الآخرة. وأما قولك إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل
فعلمري إنا بنو أب واحد ولكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان
كأبي طالب ولا المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق ولا المحق كالمبطل ولا المؤمن
كالمدغل ولبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوى في نار جهنم وفي أيدينا بعد فضل النبوة التي
أذللنا بها العزيز ونعشنا بها الذليل ولما أدخل الله العرب في دينه أفواجا وأسلمت
له هذه الامة طوعا وكرها كنتم ممن دخل في الدين إما رغبة وإما رهبة على حين فاز أهل
السبق بسبقهم وذهب المهاجرون الاولون بفضلهم فلا تجعلن للشيطان فيك نصيبا ولا على
نفسك سبيلا والسلام. توضيح: أقول: روى الكتاب والجواب ابن أبي الحديد وبعض الجواب
السيد رضي الله عنه في النهج (1) وأنا جمعت بين الروايات. قال ابن أبي الحديد:
يقال: طلب إلي فلان كذا والتقدير طلب كذا راغبا
(1) رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في
المختار: (17) من باب كتب أمير المؤمنين من نهج البلاغة. وقد تقدم عن المصنف
العلامة نقل الكتابين عن كتاب صفين ص 471 ط مصر. وقد ذكرناه عن مصادر في المختار:
(101) من باب كتب نهج السعادة: ج 4 ص 268 ط 1.
[106]
إلى فلان. والحشاشات: جمع حشاشة وهي بقية
الروح في المريض. قوله عليه السلام: " فلست بأمضى " قال ابن ميثم: أي بل أنا أمضي
لاني على بصيرة ويقين وحينئذ تبطل المساواة التي ادعاها معاوية انتهى. وأقول: لعله
لما كان غرضه لعنه الله تخويفه عليه السلام ببقية الجنود والرجال لكي يرتدع عليه
السلام عن الحرب أجابه عليه السلام بأنك إذا لم تنزع عن الحرب مع شكك في حصول ما
تطلبه من الدنيا فكيف أترك أنا الحرب مع يقيني بما أطلبه من الآخرة. وفي النهج: "
وأما قولك إنا بنو عبد مناف فكذلك نحن ولكن ليس أمية كهاشم ". وقال ابن أبي الحديد:
الترتيب يقتضي أن يجعل هاشما بإزاء عبد شمس لانه أخوه في قعدد (1) وكلاهما ولد عبد
مناف لصلبه وأن يكون أمية بإزاء عبد المطلب وأن يكون حرب بإزاء أبي طالب وأبو سفيان
بإزاء أمير المؤمنين عليه السلام ولما كان في صفين بإزاء معاوية جعل هاشما بإزاء
أمية بن عبد شمس. ولم يقل ولا أنا كانت لانه قبيح أن يقال ذلك كما لا يقال: السيف
أمضى من العصا بل قبيح به أن يقولها مع أحد من المسلمين كافة نعم قد يقولها لا
تصريحا بل تعريضا لانه يرفع نفسه عن أن يقيسها بأحد وهاهنا قد عرض بذلك في قوله: "
ولا المهاجر كالطليق " لان معاوية كان من الطلقاء لان كل من دخل عليه رسول الله صلى
الله عليه وآله في فتح مكة عنوة بالسيف فملكه ثم من عليه عن إسلام أو عن غير إسلام
فهو من الطلقاء فممن لم يسلم كصفوان بن أمية ومن أسلم ظاهرا كمعاوية بن أبي سفيان
وكذلك كل من أسر في الحرب ثم أطلق بفداء أو بغير فداء فهو طليق. وأما قوله: ولا
الصريح كاللصيق أي الصريح في الاسلام الذي أسلم
(1) كذا في شرح نهج البلاغة لابن أبي
الحديد، وفسر ب قريب الآباء من الجد الاكبر وفي ط الكمباني من البحار: " في تعدده
".
[107]
اعتقادا وإخلاصا ليس كاللصيق الذي أسلم
خوفا من السيف أو رغبة في الدنيا انتهى ملخص كلامه. والظاهر أن قوله: " كاللصيق "
إشارة إلى ما هو المشهور في نسب معاوية كما سيأتي وقد بسط الكلام في ذلك في موضع
آخر من هذا الشرح وتجاهل هنا حفظا لناموس معاوية. وقد ذكر بعض علمائنا في رسالة في
الامامة أن أمية لم يكن من صلب عبد شمس وإنما هو عبد من الروم فاستلحقه عبد شمس
ونسبه إلى نفسه وكانت العرب في الجاهلية إذا كان لاحدهم عبد وأراد أن ينسبه إلى
نفسه أعتقه وزوجه كريمة من العرب فيلحق بنسبه قال: وبمثل ذلك نسب العوام أبو الزبير
إلى خويلد فبنو أمية قاطبة ليسوا من قريش وإنما لحقوا ولصقوا بهم قال: ويصدق ذلك
قول أمير المؤمنين عليه السلام جوابا عن كتابه وادعائه " إنا بنو عبد مناف ": " ليس
المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق " ولم يستطع معاوية إنكار ذلك انتهى. وقال في
النهاية: المدغل أي المنافق من أدغلت في هذا الامر إذا أدخلت فيه ما يفسده وقال:
هوى يهوي هويا إذا هبط. وقال: نعشه الله ينعشه نعشا إذا رفعه. قوله عليه السلام: "
على حين " قال ابن أبي الحديد: قال قوم من النحاة " حين " هنا مبني على الفتح. وقال
قوم: منصوب لاضافته إلى الفعل. قوله عليه السلام: " لا تجعلن " أي لا تستمر على تلك
الحال وإلا فقد كان للشيطان فيك أوفر نصيب. وقال ابن أبي الحديد: ذكر نصر بن مزاحم
في كتاب صفين (1) أن هذا الكتاب كتبه علي عليه السلام إلى معاوية قبل ليلة الهرير
بيومين أو ثلاثة ثم قال: فلما أتى معاوية كتاب علي عليه السلام كتمه عمرو بن العاص
أياما ثم
(1) ذكره ابن أبي الحديد في شرح المختار:
(17) من الباب الثاني من نهج البلاغة. وذكره نصر في أواخر الجزء (7) من كتاب صفين ص
471.
[108]
دعاه فأقرأه إياه فشمت به عمرو ولم يكن
أحد من قريش أشد إعظاما لعلي من عمرو بن العاص منذ يوم لقيه وصفح عنه. 408 - وقال
في موضع آخر: روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمر بن سعد عن أبي روق قال: جاء أبو
مسلم الخولاني في ناس من قراء أهل الشام إلى معاوية قبل مسير أمير المؤمنين عليه
السلام إلى صفين فقالوا له: يا معاوية علام تقاتل عليا عليه السلام وليس لك مثل
صحبته ولا مثل هجرته ولا قرابته ولا سابقته ؟ فقال: إني لا أدعي أن لي في الاسلام
مثل صحبته ولا مثل هجرته ولا قرابته ولكن خبروني عنكم ألستم تعلمون أن عثمان قتل
مظلوما ؟ قالوا: بلى قال: فليدفع إلينا قتلته. لنقتلهم به ولا قتال بيننا وبينه.
قالوا: فاكتب إليه كتابا يأته به بعضنا. فكتب [معاوية] مع أبي مسلم الخولاني: من
معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا
إله إلا هو. أما بعد فإن الله اصطفى محمدا بعلمه وجعله الامين على وحيه والرسول إلى
خلقه واجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر
فضائلهم في الاسلام فكان أفضلهم في الاسلام وأنصحهم لله ورسوله الخليفة من بعده ثم
خليفة خليفته من بعد خليفته ثم الثالث الخليفة المظلوم عثمان فكلهم حسدت وعلى كلهم
بغيت عرفنا ذلك في نظرك الشزر وقولك الهجر في تنفسك الصعداء وفي إبطاءك عن الخلفاء
تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع وأنت كاره.
408 - رواه نصر بن مزاحم بن بشار في آخر
الجزء الثاني من أصل عبد الوهاب من كتاب صفين ص 85 ط مصر. ورواه عنه ابن أبي الحديد
في شرح المختار: (9) من الباب الثاني من نهج البلاغة من شرحه: ج 15، ص 73 ط مصر،
وفي ط بيروت: ج 4 ص 519. وللكلام شواهد ومصادر يجد الباحث كثيرا منها في المختار:
(70) من باب كتب أمير المؤمنين عليه السلام من نهج السعادة: ج 4 ص 170، ط 1.
[109]
ثم لم تكن لاحد منهم بأعظم حسدا منك لابن
عمك عثمان وكان أحقهم أن لا تفعل ذلك به في قرابته وصهره فقطعت رحمه وقبحت محاسنه
وألبت الناس عليه وبطنت وظهرت حتى ضربت إليه آباط الابل وقيدت إليه الخيل العراب
وحمل عليه السلاح في حرم رسول الله صلى الله عليه وآله فقتل معك في المحلة وأنت
تسمع في داره الهائعة لا تردع الظن والتهمة عن نفسك فيه بقول ولا عمل وأقسم قسما
صادقا لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من
الناس أحدا ولمحى ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان والبغي عليه.
وأخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين إيواؤك قتلة عثمان فهم عضدك وأنصارك ويدك
وبطانتك وقد ذكر لي أنك تتنصل من دمه فإن كنت صادقا أمكنا من قتلته لنقتلهم به ونحن
من أسرع الناس إليك وإلا فإنه ليس لك ولاصحابك إلا السيف والذي لا إله إلا هو
لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال والبر والبحر حتى يقتلهم الله أو لتحلفن
أرواحنا بالله والسلام. قال نصر: فلما قدم أبو مسلم على علي عليه السلام بهذا
الكتاب قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنك قد قمت بأمر وليته ووالله ما
أحب أنه لغيرك إن أعطيت الحق من نفسك إن عثمان قتل مسلما محرما مظلوما فادفع إلينا
قتلته وأنت أميرنا فإن خالفك من الناس أحد كانت أيدينا لك ناصرة وألسنتنا لك شاهدة
وكنت ذا عذر وحجة. فقال له علي عليه السلام: أغد علي غدا فخذ جواب كتابك. فانصرف ثم
رجع من غد ليأخذ كتابه فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه فلبست الشيعة أسلحتها ثم
غدوا فملاوا المسجد فنادوا كلنا قتل عثمان وأكثروا من النداء بذلك وأذن لابي مسلم
فدخل فدع إليه علي عليه السلام جواب كتاب معاوية. فقال أبو مسلم: لقد رأيت قوما
مالك معهم أمر قال: وما ذاك ؟ قال: بلغ القوم أنك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان
فضجوا واجتعموا ولبسوا السلاح وزعموا أنهم كلهم قتلة عثمان. فقال علي عليه السلام:
والله ما أردت أن أدفعهم
[110]
إليكم طرفة عين قط لقد ضربت هذا الامر
أنفه وعينه فما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك ولا إلى غيرك فخرج أبو مسلم بالكتاب
وهو يقول: الآن طاب الضراب. وكان جواب علي عليه السلام: من عبد الله علي أمير
المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر
فيه محمدا صلى الله عليه وآله وما أنعم الله به عليه من الهدى والوحي فالحمد لله
الذي صدق الوعد وأيده بالنصر ومكن له في البلاد وأظهر على أهل العداوة والشنآن من
قومه الذين وثبوا عليه وشنفوا له وأظهروا تكذيبه وبارزوه بالعداوة وظاهروا على
إخراجه وعلى إخراج أصحابه وأهله وألبوا عليه العرب وجامعوهم على حربه وجهدوا في
أمره كل الجهد وقلبوا له الامور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون فكان أشد
الناس عليه تأليبا وتحريضا أسرته والادنى من قومه إلا من عصمه الله منهم. يا ابن
هند فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا ولقد قدمت فأفحشت إذ طفقت تخبرنا عن بلاء الله
تبارك وتعالى في نبيه محمد صلى الله عليه وآله وفينا فكنت في ذلك كجالب التمر إلى
هجر أو كداعي مسدده إلى النضال. وذكرت أن الله تعالى اجتبى له من المسلمين أعوانا
أيده الله بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الاسلام فكان أفضلهم كما
زعمت في الاسلام وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق وخليفة الخليفة الفاروق ولعمري
ذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله وإن نقص لم يلحقك ثلمه (1) وما أنت والصديق ؟ فالصديق
من صدق بحقنا وأبطل باطل عدونا ! وما أنت والفاروق ؟ فالفاروق من فرق بيننا وبين
أعدائنا (2).
(1) الثلم: النقص والخلال. (2) كذا في طبع
الكمباني من أصلي، ومن عدم وجود الكلام على هذا النسق في جميع المصادر في رسالة
[111]
وذكرت أن عثمان كان في الفضل تاليا فإن
يكن عثمان محسنا فسيجزيه الله بإحسانه وإن يكن مسيئا سيلقى ربا غفورا لا يتعاظمه
ذنب أن يغفره. ولعمري إني لارجو إذا أعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الاسلام
ونصيحتهم لله ولرسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الاوفر. إن محمدا صلى الله عليه وآله
لما دعا إلى الايمان بالله والتوحيد له كنا أهل البيت أول من آمن به وصدقه فيما جاء
به فلبثنا أحوالا كاملة مجرمة تامة وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا.
فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا وهموا بنا الهموم وفعلوا بنا الافاعيل
معاوية، وعدم وجود هذه القطعة بهذه
الخصوصية في مصدري المصنف - كتاب صفين وشرح ابن أبي الحديد - وغيرهما يتبين جليا أن
هاهنا زيد في جواب أمير المؤمنين عليه السلام ما ليس منه، ولاجل التوضيح نسوق حرفيا
لفظي كتاب صفين وشرح ابن أبي الحديد، وهذا نصهما: وذكرت أن الله تعالى اجتبى له من
المسلمين أعوانا أيده الله بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الاسلام
فكان أفضلهم - زعمت - في الاسلام وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة وخليفة الخليفة....
ولفظتا " تعالى " واللام في قوله " ولرسوله " من شرح النهج فقط. وفي بداية حرب صفين
تحت الرقم (359) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب أنساب الاشراف: ج 1، ص
366 من المخطوطة، وفي ط 1: ج 2، ص 279 ما هذا لفظه: وذكرت أن الله جل ثناؤه وتباركت
أسماؤه، اختار له من المؤمنين أعوانا أيده بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدم [قدر
" خ "] فضائلهم في الاسلام فكان أفضلهم خليفته وخليفة خليفته من بعده، ولعمري إن
مكانهما... ". وفي كتاب العسجدة في الخلفاء تحت الرقم (11) منه من العقد الفريد: ج
3، ص 107، ط 2 ما هذا نصه: وذكرت أن الله اختار [له] من المسلمين أعوانا أيده بهم
فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الاسلام فكان أفضلهم - بزعمك - في
الاسلام وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة وخليفة الخليفة... فظهر مما ذكرناه أن ما
ذكرها هنا في أصلي المطبوع غير موجود في مصدره المأخوذ منه ولا في غيره من المصادر
القديمة فلا اعتبار له. وعلى فرض ثبوت مصدر معتبر له أيضا لا يدل على مدح لانه
حكاية كلام لمعاوية مقرونة بالرد.
[112]
ومنعونا الميرة وأمسكوا عنا العذب
وأحلسونا الخوف وجعلوا علينا الارصاد والعيون واضطرونا إلى جبل وعر وأوقدوا لنا نار
الحرب وكتبوا علينا بينهم كتابا لا يواكلوننا ولا يشاربوننا ولا يناكحوننا ولا
يبايعوننا ولا نأمن فيهم حتى ندفع إليهم محمدا صلى الله عليه وآله فيقتلوه ويمثلوا
به فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم فعزم الله لنا على منعه والذب عن حوزته
والرمياء من وراء جمرته (1) والقيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار
فمؤمننا يرجو بذلك الثواب وكافرنا يحامي به عن الاصل. وأما من أسلم من قريش بعد
فإنهم مما نحن فيه أخلياء فمنهم الحليف الممنوع ومنهم ذو العشيرة التي تدافع عنه
فلا يبغيه أحد مثل ما بغانا به قومنا من التلف فهم من القتل بمكان نجوة وأمن فكان
ذلك ما شاء الله أن يكون. ثم أمر الله تعالى رسوله بالهجرة وأذن له بعد ذلك في قتال
المشركين فكان إذا احمر البأس ودعيت نزال أقام اهل بيته فاستقدموا فوقى أصحابه بهم
حد الاسنة والسيوف فقتل عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد وجعفر وزيد يوم مؤتة. وأراد من
لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي صلى الله عليه وآله غير مرة
إلا أن آجالهم عجلت ومنيته أخرت والله ولى الاحسان إليهم والمنة عليهم بما قد
أسلفوا من الصالحات. فما سمعت بأحد ولا رأيته هو أنصح لله في طاعة رسوله ولا أطوع
لنبيه في طاعة ربه ولا أصبر على اللاواء والضراء وحين البأس ومواطن المكروه مع
النبي صلى الله عليه وآله من هؤلاء النفر الذين سميت لك وفي المهاجرين خير كثير
تعرفه جزاهم الله خيرا بأحسن أعمالهم. وذكرت حسدي الخلفاء وإبطائي عنهم وبغيي عليهم
فأما البغي [عليهم] فمعاذ الله أن يكون.
(1) كذا في أصلي، وفي كتاب صفين ط مصر،
وشرح المختار (9) من كتب نهج البلاغة لابن أبي الجديد: " والرمي من وراء حرمته... "
ولكن قال عند الشرح: ويروى: والرمياء.
[113]
وأما الابطاء عنهم والكراهية لامرهم فلست
أعتذر إلى الناس من ذلك إن الله تعالى ذكره لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله قالت
قريش: منا أمير. وقالت الانصار: منا أمير. فقالت قريش: منا محمد فنحن أحق بالامر
فعرفت ذلك الانصار فسلمت لهم الولاية والسلطان. فإذا استحقوها بمحمد دون الانصار
فإن أولى الناس بمحمد أحق به منهم وإلا فإن الانصار أعظم العرب فيها نصيبا فلا أدري
أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا أو الانصار ظلموا بل عرفت أن حقي هو المأخوذ
وقد تركته لهم تجاوز الله عنهم. وأما ما ذكرت من أمر عثمان وقطيعتي رحمه وتأليبي
عليه فإن عثمان عمل ما قد بلغك فصنع الناس به ما رأيت وإنك لتعلم أني قد كنت في
عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدالك. وأما ما ذكرت من أمر قتلة عثمان فإني نظرت في
هذا الامر وضربت أنفه وعينه فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك. ولعمري لئن لم تنزع عن
غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك لا يكلفونك أن تطلبهم في بر ولا بحر ولا سهل
ولا جبل. وقد كان أبوك قد أتاني حين ولى الناس أبا بكر فقال: أنت أحق بمقام محمد
وأولى الناس بهذا الامر وأنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك ابسط يدك أبايعك فلم
أفعل وأنت تعلم أن أباك قد كان قال ذلك وأراده حتى كنت أنا الذي أبيت [عليه] لقرب
عهد الناس بالكفر ومخافة الفرقة بين أهل الاسلام فأبوك كان أعرف بحقي منك فإن تعرف
من حقي ما كان أبوك يعرف تصب رشدك وإن لم تفعل فسيغني الله عنك والسلام. توضيح:
وجدت الكتاب والجواب في أصل كتاب نصر (1).
(1) تقدم أنه رواه نصر بن مزاحم في أواسط
الجزء الثاني - أواخر الجزء الثاني من أصل
[114]
وقال في القاموس: شزره وإليه يشزره: نظر
منه في أحد شقيه أو هو نظر فيه إعراض أو نظر الغضبان بمؤخر العين أو النظر عن يمين
وشمال. وقال في النهاية: الخشاش عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع
لانقياده ومنه حديث جابر " فانقادت معه الشجرة كالبعير المخشوش " هو الذي جعل في
أنفه الخشاش انتهى. وضرب آباط الابل كناية عن ركوبها والسير عليها وإيجافها
والهائعة: الصوت تفزع منه وتخافه من عدو. ونهنهه عن الامر: زجره. وتنصل إليه من
الجناية: خرج وتبرا. وفي النهاية: شنفوا له أي أبغضوه. وقال الجوهري: ألبت الجيش:
جمعته وتألبوا: تجمعوا. والتأليب التحريض وهو الحث على القتال. وقال: هجر اسم بلد
وفي المثل كمبضع التمر إلى هجر. وقال في بضع: أبضعت الشئ واستبضعته أي جعلته بضاعة
وفي المثل: كمستبضع تمر إلى هجر. وذلك أن هجر معدن التمر. قوله عليه السلام: أو
كداعي مسدده أي كمن يدعو من يعلمه الرمى إلى المناضلة: أي المراماة. قال الجوهري:
التسديد: التوفيق للسداد وهو الصواب والقصد من القول والعمل إلى أن قال: وقد استد
الشئ أي استقام وقال: أعلمه الرماية كل يوم * فلما استد ساعده رماني وقال: حول مجرم
وسنة مجرمة أي تامة انتهى والاجتياح: الاستيصال. قوله عليه السلام: " ومنعونا
[الميرة وأمسكوا عنا العذب] " وفي النهج: " ومنعونا العذب " وقال ابن أبي الحديد:
العذب هنا: العيش العذب لا الماء العذب على أنه قد نقل أنهم منعوا أيام الحصار في
شعب بني هاشم من الماء العذب. قوله [عليه السلام]: " وأحلسونا الخوف " أي ألزموناه
والحلس: كساء رقيق
عبد الوهاب - من كتاب صفين ص 85 وفي ط: ص
112.
[115]
يكون تحت برذعة البعير. وأحلاس: البيوت:
ما يبسط تحت حر الثياب ولما كان حلس البعير وحلس البيت ملازما لهما قال: وأحلسونا
الخوف. قوله عليه السلام: " إلى جبل وعر " أي غليظ حزن يصعب الصعود إليه وهذا مثل
ضربه لصعوبة مقامهم. ويحتمل الحقيقة لان الشعب الذي حصروا فيه مضيق بين جبلين. وفي
النهج: " فعزم الله لنا عن الذب عن حوزته والرمي من وراء حرمته مؤمننا يبغي بذلك
الاجر ". قوله عليه السلام: " فعزم الله لنا " أي وفقنا لذلك وجعلنا عازمين. وقيل:
أراد لنا الارادة اللازمة منه واختار لنا أن نذب عن حوزة الاسلام وحوزة الملك:
بيضته. والذب: المنع والدفع.. والحرمة: مالا يحل انتهاكه. والرمي من وراء الحرمة
كناية عن المحافظة والمحاماة. والوراء إما بمعنى الامام أو كناية عن الحماية الخفية
أو لان الوراء مظنة أن يؤتى منه غفلة. والضميران في " حوزته وحرمته " راجعان إلى
النبي صلى الله عليه وآله أو إلى الله تعالى فإن حرمته حرمة الله. و " رميا " بكسر
الراء والميم المشددة وتشديد الياء مبالغة في الرمي قال الجوهري: وكانت بينهم رميا
ثم صاروا إلى حجيزي. وقال: الجمرة: كل قبيل انضموا فصاروا يدا واحدة ولم يخالفوا
غيرهم فهي جمرة. قوله عليه السلام: يحامي عن الاصل أي يدافع عن محمد صلى الله عليه
وآله حمية ومحافظة على النسب. وفي النهج بعد ذلك ومن أسلم من قريش خلو مما نحن فيه
بحلف يمنعه أو عشيرة تقوم دونه فهو من القتل بمكان أمن. وكان رسول الله صلى الله
عليه وآله إذا احمر البأس وأحجم الناس قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حر السيوف
والاسنة فقتل عبيدة بن الحرث يوم بدر وقتل حمزة يوم أحد وقتل جعفر يوم مؤتة وأراد
من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة ولكن آجالهم عجلت ومنيته أخرت.
وقال ابن ميثم: الواو في قوله: " ومن أسلم " للحال أي والحال أن من أسلم من قريش
عدا بني هاشم وبني عبد المطلب خالين مما نحن فيه من
[116]
البلاء آمنين من الخوف أو القتل فمنهم من
كان له حلف وعهد مع المشركين يمنعه ومنهم من كان له عشيرة تحفظه. قوله عليه السلام:
" إذا احمر البأس " قال السيد الرضي (1) في النهج: [هذا] كناية عن اشتداد الامر.
وقد قيل في ذلك أقوال أحسنها أنه شبه حمى الحرب بالنار التي تجمع الحرارة والحمرة
بفعلها ولونها. ومما يؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله: الآن حمى الوطيس.
والوطيس: مستوقد النار. وأحجم الناس أي نكصوا وتأخروا. وأراد بقوله: " من لو شئت
ذكرت اسمه " نفسه عليه السلام. أقول: ذكر الرضي رضي الله عنه هكذا المكتوب بإسقاط
كثير وزاد في آخره بعض الفقرات من مكتوب آخر سيأتي في محله ورواه ابن ميثم أيضا
نحوا مما روينا عن ابن أبي الحديد ووجدناه في مواضع أخر فجمعنا بين الروايات. 409 -
نهج: ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية: أما بعد فإن الله سبحانه جعل الدنيا لما
بعدها وابتلى فيها أهلها ليعلم أيهم أحسن عملا ولسنا للدنيا خلقنا ولا بالسعي فيها
أمرنا وإنما وضعنا فيها لنبتلي بها وقد ابتلاني بك وابتلاك بي فجعل أحدنا حجة على
الآخرة فعدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن فطلبتني بما لم تجن يدي ولا لساني
وعصبته أنت وأهل الشام بي وألب عالمكم جاهلكم وقائمكم قاعدكم فاتق الله في نفسك
(1) ذكره رحمه الله في ذيل المختار الاخير
من غريب كلام أمير المؤمنين عليه السلام قبل المختار: (261) من الباب الثالث من نهج
البلاغة، وما نقله المصنف هنا معنى كلام السيد وليس بنص كلامه في جميع الفقرات. 409
- رواه السيد الرضي رضي الله عنه في المختار: (55) من باب كتب أمير المؤمنين عليه
السلام في نهج البلاغة. (*)
[117]
ونازع الشيطان قيادك واصرف إلى الآخرة
وجهك فهي طريقنا وطريقك واحذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعة تمس الاصل وتقطع
الدابر فإني أولي بالله ألية غير فاجرة لئن جمعتني وإياك جوامع الاقدار لا أزال
بباحتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. توضيح: قوله عليه السلام: بالسعي
فيها أي لها وفي تحصيلها. وقيل: أي ما أمرنا بالسعي فيها لها. وقد ابتلاني بك أي
بأن أمرني بنهيك عن المنكر والجهاد معك. وابتلاك بي بأن فرض عليك طاعتي فجعل أحدنا
أي نفسه عليه السلام وفي الاجمال أنواع البلاغة كما لا يخفى. فعدوت على طلب الدنيا
أي وثبت عليها واختلستها. وقيل " على " هاهنا متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام أي
تعديت وظلمت مصرا على طلب الدنيا. وتأويل القرآن ما كان يموه به معاوية على أهل
الشام ويقول لهم: أنا ولي عثمان وقال تعالى: * (من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
سلطانا) * [33 / الاسراء] ثم يعدهم الظفر والدولة على أهل العراق بقوله تعالى: *
(فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) * وعصبته أي ألزمتنيه كما تلزم العصابة وقال
الفيروز آبادي: العصب: الشد. وألب عالمكم التأليب: التحريض. وقال ابن ميثم: أي
عالمكم بحالي وقائمكم بجهادي ومنازعتي. (1) [قوله عليه السلام:] " في نفسك " أي
[في] أمرها أو بينك وبين الله. والقياد: ما يقاد به الدابة. ومنازعته جذبه وعدم
الانقياد له. " واحذر أن يصيبك الله منه " قال ابن أبي الحديد: الضمير في منه راجع
إلى الله تعالى ومن لابتداء الغاية.
(1) في الكلام اختلال، وفي شرح نهج
البلاغة لابن ميثم رحمه الله: " وأراد [عليه السلام] ألب عليكم عالمكم بحالى جاهلكم
به، وقائمكم في حربي قاعدكم عنه ".
[118]
وقال القطب الراوندي: أي من البهتان الذي
أتيته ومن للتعليل أي من أجله وهو بعيد. وقال الفيروز آبادي: القارعة: الشديدة من
شدائد الدهر وهي الداهية يقال قرعتهم قوارع الدهر. " تمس الاصل " قال ابن أبي
الحديد: أي تقطعه ومنه ماء ممسوس أي يقطع الغلة انتهى. وفيه نظر إذ المس بمعنى
القطع لم يذكره أحد من أهل اللغة وأما الماء الممسوس فهو الماء بين العذب والمالح
كما ذكره الجوهري أو الذي نالته الايدي كما ذكره الخليل في العين والفيروز آبادي أو
الماء الذي يمس الغلة فيشفيها وكل ما شفي الغليل والعذب الصافي كما ذكره هو.
والظاهر أنه من المس بالمعنى المعروف أي [إحذر] داهية تصيب أصلك كما يقال: أصابه
داء أو بلاء فيكون إصابة الاصل كناية عن الاستيصال كالفقرة التالية. والدابر: العقب
والنسل والتابع وآخر كل شئ. " فإني أولي " أي احلف والاسم منه الالية. " جوامع
الاقدار " قال ابن أبي الحديد: من إضافة الصفة إلى الموصوف للتأكيد. وقال: باحة
الدار: وسطها. " حتى يحكم الله بيننا " أي بالظفر والنصر. 410 - نهج: ومن كتاب له
عليه السلام إلى معاوية: أما بعد فقد آن لك أن تنتفع باللمح الباصر من عيان الامور
فقد سلكت مدارج أسلافك بادعائك الاباطيل واقتحامك غرور المين والاكاذيب وبانتحالك
ما قد علا عنك وابتزازك لما اختزن دونك فرارا من الحق وجحودا لما هو ألزم لك من
لحمك ودمك مما قد وعاه سمعك وملئ به صدرك فماذا بعد الحق إلا الضلال وبعد البيان
إلا اللبس. فاحذر الشبهة واشتمالها على لبستها فإن الفتنة طال ما أغدفت جلابيبها
410 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في
المختار: (65) من الباب الثاني من نهج البلاغة.
[119]
وأغشت الابصار ظلمتها. وقد أتاني كتاب منك
ذو أفانين من القول ضعفت قواها عن السلم وأساطير لم يحكها منك علم ولا حلم أصبحت
منها كالخائض في الدهاس والخابط في الديماس وترقيت إلى مرقبة بعيدة المرام نازحة
الاعلام يقصر دونها الانوق ويحاذى بها العيوق. وحاش لله أن تلي للمسلمين بعدي صدرا
أو وردا أو أجري لك على أحد منهم عقدا أو عهدا فمن الآن فتدارك نفسك وانظر لها فإنك
إن فرطت حتى ينهد إليك عباد الله ارتجت عليك الامور ومنعت أمرا هو منك اليوم مقبول
والسلام. بيان: قال ابن أبي الحديد: هذا الكتاب هو جواب كتاب وصل من معاوية إليه
بعد قتل علي عليه السلام الخوارج وفيه تلويح بما كان يقوله من قبل أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وعدني بقتال طائفة أخرى غير أصحاب الجمل وصفين وأنه سماهم المارقين
فلما واقفهم في النهروان وقتلهم في يوم واحد وهم عشرة آلاف فارس أحب أن يذكر معاوية
بما كان يقوله من قبل ويعد به أصحابه وخواصه فقال له: قد آن لك أي قرب وحان أن
تنتفع بما عاينت وشاهدت معاينة من صدق القول الذي كنت أقوله للناس ويبلغك وتستهزئ
به وقال: يقال: قد رأيته لمحا باصرا أي نظرا بتحديق شديد ومخرجه مخرج رجل لابن
وتامر أي ذو لبن وتمر فمعنى باصر أي ذو بصر وعيان الامور: معاينتها أي قرب أن تنتفع
بما تعلمه يقينا من استحقاقي للخلافة وبراءتي من كل شبهة. وقال ابن ميثم: وصف اللمح
بالباصر مبالغة في الابصار كقولهم: ليل أليل. والمدرج: المسلك. وقال ابن أبي
الحديد: الاباطيل جمع باطل على غير القياس وإقحامك أي القائك نفسك بلا روية في غرور
المين وهو الكذب وبانتحالك أي ادعائك كذبا ما قد علا عنك أي لم تبلغه ولست أهلا له.
[120]
وابتزازك أي استلابك. لما اختزن دونك أي
منعك الله منه من إمرة المسلمين وبيت مالهم من قولهم: اختزن المال أي أحرزه " فرارا
" أي فعلت ذلك كله فرارا من الحق " لما هو ألزم لك " بعني [من] فرض طاعتي عليك. قال
ابن ميثم: لانهما دائما في التغير والتبدل بخلاف وجوب الطاعة فإنه أمر لازم انتهى.
ويمكن أن يقال لانك تفارقهما ولا تفارقه والظاهر أن ذلك مجاز عن شدة اللزوم. " مما
قدوعاه سمعك " أي من النص وكلمة ما في " ماذا " استفهامية أو نافية. " على لبستها "
في بعض النسخ بالضم وفي بعضها بالكسر قال في النهاية: اللبسة بالكسر الهيئة والحالة
وقال ابن أبي الحديد: اللبسة بالضم يقال في الامر لبسة أي اشتباه وليس بواضح ويجوز
أن يكون اشتمالها مصدرا مضافا إلى معاوية أي اشتمالك إياها على اللبسة أي ادراعك
إياها وتقمصك بها على ما فيها من الابهام والاشتباه ويجوز أن يكون مصدرا مضافا إلى
ضمير الشبهة فقط أي احذر الشبهة واحتوائها على اللبسة التي فيها. وقال: أغدفت
المرأة قناعها أي أرسلته على وجهها. وأغشت الابصار أي جعلتها غشاء وسترا للابصار
وفي بعض النسخ بالعين المهملة وهو سوء البصر بالليل أو العمى فالظلمة مرفوعة
بالفاعلية. " ذو أفانين " أي أساليب مختلفة لا يناسب بعضها بعضا. " ضعفت قواها عن
السلم " قال ابن ميثم: أي ليس لها قوة أن يوجب صلحا. وقال ابن أبي الحديد أي عن
الاسلام أي لم تصدر تلك الافانين المختلفة عن مسلم وكان كتب إليه أن يفرده بالشام
وأن يوليه العهد من بعده وأن لا يكلفه الحضور عنده. وقرأ أبو عمرو * (ادخلوا في
السلم كافة) * [208 / البقرة] [وقال:] ليس المعني بهذا الصلح بل الاسلام والايمان
لا غير. وقال: الاساطير: الاباطيل واحدها أسطورة وإسطارة بالكسر. وحوك الكلام صنعته
ونظمه. والحلم: العقل أو الاناة.
[121]
وقال ابن ميثم: لان الكتاب كان فيه خشونة
وتهور وذلك ينافي الحلم وينافي غرضه من الصلح. وقال الجوهري: الدهس والدهاس مثل
اللبث واللباث: المكان السهل اللين لا يبلغ أن يكون رملا وليس هو بتراب ولا طين
ولونه الدهسة. وقال: الديماس: السرب المظلم تحت الارض والسرب البيت في الارض تقول:
السرب الوحشي في سربه والغرض عدم استقامة القول. والمرقبة: الموضع العالي أي دعوى
الخلافة. والمرام: المقصد وبعده كناية عن الرفعة ونزوح الاعلام [كناية] عن صعوبة
الوصول إليها. وفي الصحاح: نزحت الدار نزوحا: بعدت. وقال: الانوق على فعول: طائر
وهو الرحمة وفي المثل: أغر من بيض الانوق لانها تحرزه فلا تكاد يظفر بها لان
أوكارها في رؤوس الجبال والاماكن البعيدة وهي تحمق مع ذلك انتهى. [قوله عليه
السلام:] " وحاش لله " أصله حاشا لله أي معاذ الله وهو فعل ماض على صيغة المفاعلة
مأخوذ من " الحشى " أي الناحية وفاعله " أن تلي " وقال الزجاج: حاش لله: برائة لله.
والصدر بالتحريك: رجوع الشاربة عن الماء كالورد بالكسر: الاشراف على الماء. [قوله
عليه السلام:] " فتدارك نفسك " أي تدبر آخر أمرك. [وقوله عليه السلام] " حتى " أي
ينهض. [قوله عليه السلام:] " إرتجت عليك " أي أغلقت. 411 - نهج ومن كتابه عليه
السلام: أما بعد فإني على التردد في جوابك والاستماع إلى كتابك لموهن رأيي ومخطئي
فراستي وإنك إذ تحاولني الامور وتراجعني السطور كالمستثقل النائم تكذبه أحلامه أو
المتحير القائم بهظه مقامه (1) لا يدري أله ما يأتي أم عليه
411 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في
المختار: (72) من باب كتب نهج البلاغة. (1) كذا في النسخة المطبوعة من ط الكمباني
من البحار، وفيما عندي من نسخ المطبوعة من نهج البلاغة: " يبهظه ".
[122]
ولست به غير أنه بك شبيه. وأقسم بالله
[أنه] لولا بعض الاستبقاء لوصلت إليك مني نوازع تقرع العظم وتهلس اللحم واعلم أن
الشيطان قد ثبطك عن أن تراجع أحسن أمورك وتأذن لمقال نصيحتك والسلام. بيان: [قوله
عليه السلام:] " فإني على التردد " قال ابن أبي الحديد: ليس معناه التوقف بل التردد
والتكرار أي أنا لائم نفسي على أني أكرر تارة بعد تارة أجوبتك عما تكتبه وأجعلك
نظيرا لي أكتب وتجيبني وتكتب وأجيبك وإنما كان ينبغي أن يكون جواب مثلك السكوت
[قوله عليه السلام:] " لموهن رأيي " أي أعدة واهنا ضعيفا والغرض المبالغة في عدم
استحقاقه للجواب وإلا فلم يكن فعله عليه السلام إلا حقا وصوابا. [قوله عليه
السلام]: " وإنك إذ تحاولني الامور " الظاهر من كلام الشارحين أنهما حملا المحاولة
على معنى القصد والارادة وحينئذ يحتاج إلى تقدير حرف الجر. ويحتمل أن يكون مفاعلة
من حال بمعنى حجز ومنع أي تمانعني الامور وتراجعني السطور أي بالسطور كالمستثقل
النائم قال ابن أبي الحديد: أي كالنائم يرى أحلاما كاذبة أو كمن قام بين يدي سلطان
أو بين قوم عقلاء ليعتذر عن أمر أو ليخطب لامر في نفسه " قد بهظه مقامه ذلك " أي
أثقله فهو لا يدري هل ينطق بكلام هو له أم عليه فيتحير انتهى. وفي قوله عليه
السلام: " إنه بك شبيه " إيذان بأن معاوية أقوى في ذلك ويقال: استبقيت من الشئ أي
تركت بعضه واستبقاه أي استحياه ويحتمل أن يكون من أبقيت عليه أي رحمته. " نوازع
تقرع العظم " قال ابن أبي الحديد: روى نوازع جمع نازعة أي جاذبة قالعة ويروى "
قوارع " بالقاف والراء ويروى " تهلس اللحم ". " تلهس " بتقديم اللام فأما تهلس بكسر
اللام فالمعنى تذيبه حتى يصير كبدن به الهلاس وهو السل. وأما تلهس فهو بمعنى تلحس
[123]
أبدلت الحاء هائا وهو من لحست كذا بلساني
بالكسر: ألحسته أي تأتي على اللحم حتى تلحسه لحسا لان الشئ إنما يلحس إذا ذهب وبقي
أثره. ويروى " وتنهس " بالنون والسين المهملة والنهس والنهش بالمهملة والمعجمة هو
أخذ اللحم بمقدم الاسنان. وأما بعض الاستبقاء الذي أشار إليه فقال ابن ميثم: لولا
بعض المصالح لوصلت إليك مني قوارع وأراد شدائد الحرب. وقال ابن أبي الحديد:
الامامية تقول: إن النبي صلى الله عليه وآله فوض إليه أمر نسائه بعد موته وجعل إليه
أن يقطع عصمة أيتهن شاء إذا رأى ذلك وله من الصحابة جماعة يشهدون له بذلك فقد كان
قادرا على أن يقطع عصمة أم حبيبة ويبيح نكاحها للرجال عقوبة لها ولمعاوية فإنها
كانت تبغض عليا عليه السلام كما يبغضه أخوها ولو فعل ذلك لانتهس لحمه وقد رووا عن
رجالهم أنه تهدد عائشة بضرب من ذلك قال: وأما أصحابنا فيقولون: قد كان معه من
الصحابة قوم كثيرون سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله يلعن معاوية بعد إسلامه
ويقول: إنه منافق كافر وإنه من أهل النار والاخبار في ذلك مشهورة فلو شاء أن يحمل
إلى أهل الشام خطوطهم وشهاداتهم بذلك وأسمعهم قوله مشافهة لفعل ولكن رآى العدول عن
ذلك مصلحة لامر يعلمه هو عليه السلام. وقال أبو زيد البصري: إنما أبقى عليه لانه
خاف أن يفعل معاوية كفعله عليه السلام فيقول لعمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وبسر بن
أرطأة وأمثالهم: ارووا أنتم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يقول في علي عليه
السلام أمثال ذلك انتهى. وقال الجوهري ثبطه عن الامر تثبيطا: شغله عنه، وقال: أذن
له إذنا: استمع. 412 - وروى ابن أبي الحديد من كتاب أبي العباس يعقوب بن أبى أحمد
[124]
الصيمري أن معاوية لعنه الله كتب إلى أمير
المؤمنين عليه السلام: أما بعد فإنك المطبوع على قلبك المغطى على بصرك الشر من
شيمتك والعتو من خليفتك فشمر للحرب واصبر للضرب فو الله ليرجعن الامر إلى ما علمت
والعاقبة للمتقين هيهات هيهات أخطأك ما تمنى وهوى قلبك فيما هوى فاربع على ظلعك وقس
شبرك بفترك تعلم أين حالك من حال من يزن الجبال حلمه ويفصل بين أهل الشك علمه
والسلام. فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام: أما بعد يا ابن الصخر يا ابن اللعين
يزن الجبال فيما زعمت حلمك ويفصل بين أهل الجهل علمك وأنت الجاهل القليل الفقه
المتفاوت العقل الشارد عن الدين. وقلت: فشمر للحرب واصبر للضرب. فإن كنت صادقا فيما
تزعم ويعينك عليه ابن النابغة فدع الناس جانبا واعف الفريقين من القتال وابرز إلي
لتعلم أينا المرين على قلبه المغطى على بصره فأنا أبو الحسن حقا قاتل أخيك وخالك
وجدك شدخا يوم بدر وذلك السيف بيدي وبذلك القلب ألقى عدوي. ثم قال: الشدخ: كسر الشئ
الاجوف [يقال:] شدخت رأسه فانشدخ. وهؤلاء الثلاثة حنظلة بن أبي سفيان والوليد بن
عتبة وأبوه عتبة بن ربيعة فحنظلة أخوه والوليد خاله وعتبة جده وقد قتلوا في غزاة
بدر. 413 - أما بعد فما أعجب ما يأتيني منك وما أعلمني بمنزلتك التي أنت إليها صائر
ونحوها سائر وليس إبطائي عنك إلا لوقت أنا به مصدق وأنت به مكذب فكأني أراك وأنت
تضج من الحرب وإخوانك يدعونني خوفا من السيف
412 - رواه ابن أبي الحديد في شرح
المختار: (10) من باب كتاب أمير المؤمنين عليه السلام من نهج البلاغة: ج 4 ص 525 ط
الحديث ببيروت. 413 - رواه أيضا في شرح المختار المتقدم الذكر، قال: وقد رأيت له
[عليه السلام] ذكر هذا المعني في كتاب غير هذا، وهو: " أما بعد فما أعجب ما يأتيني
منك.
[125]
إلى كتاب هم به كافرون وله جاحدون. ثم
قال: ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية: قال: وكتب أيضا عليه السلام: 414 - أما
بعد فطال ما دعوت أنت وأولياؤك أولياء الشيطان الحق أساطير ونبذتموه وراء ظهوركم
وحاولتم إطفاءه بأفواهكم " ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ". ولعمري
لينفذن العلم فيك وليتمن النور بصغرك وقمأتك ولتخسأن طريدا مدحورا أو قتيلا مثبورا
ولتجزين بعملك حيث لا ناصر لك ولا مصرح عندك. وقد أسهبت في ذكر عثمان ولعمري ما
قتله غيرك ولا خذله سواك، ولقد تربصت به الدوائر وتمنيت له الاماني طمعا فيما ظهر
منك ودل عليه فعلك وإني لارجو أن ألحقك به على أعظم من ذنبه وأكبر من خطيئته فأنا
ابن عبد المطلب صاحب السيف وإن قائمه لفي يدي وقد علمت من قتلت به من صناديد بني
عبد شمس وفراعنة بني سهم وجمح ومخزوم وأيتمت أبناءهم وأيمت نساءهم وأذكرك ما لست له
ناسيا يوم قتلت أخاك حنظلة وجررت برجله إلى القليب وأسرت أخاك عمرا فجعلت عنقه بين
ساقيه رباطا وطلبتك ففررت ولك حصاص فلولا أني لا أتبع فأرا لجعلتك ثالثهما وأنا
أولي لك بالله ألية برة غير فاجرة لئن جمعتني وإياك جوامع الاقدار لاتركنك مثلا
يتمثل به الناس أبدا ولاجعجعن بك في مناخك حتى يحكم الله بيني وبينك وهو خير
الحاكمين. ولئن أنسا الله في أجلي قليلا لاغزينك سراة المسلمين ولانهدن إليك في
جحفل من المهاجرين والانصار ثم لا أقبل لك معذرة ولا شفاعة ولا أجيبك
414 - ذكره في شرح المختار السالف الذكر
قال: ووقفت له عليه السلام على كتاب آخر إلى معاوية يذكر فيه هذا المعنى أوله: "
أما بعد فطالما دعوت أنت وأولياؤك... ".
[126]
إلى طلب وسؤال ولترجعن إلى تحيرك وترددك
وتلددك فقد شاهدت وأبصرت ورأيت سحب الموت كيف هطلت عليك بصيبها حتى اعتصمت بكتاب
أنت وأبوك أول من كفر به وكذب بنزوله، ولقد كنت تفرستها وآذنتك أنت فاعلها وقد مضى
منها ما مضى وانقضى من كيدك فيها ما انقضى وأنا سائر نحوك على أثر هذا الكتاب فاختر
لنفسك وانظر لها وتداركها فإنك إن فرطت واستمررت على غيك وغلوائك حتى ينهد إليك
عباد الله ارتجت عليك الامور ومنعت أمرا هو اليوم منك مقبول. يا ابن حرب إن لجاجك
في منازعة الامر أهله من سفاه الرأي فلا يطمعنك أهل الضلال ولا يوبقنك سفه رأي
الجهال فو الذي نفس علي بيده لئن برقت في وجهك بارقة من ذي الفقار لتصعقن صعقة لا
تفيق منها حتى ينفخ في الصور النفخة التي يئست منها كما يئس الكفار من أصحاب
القبور. توضيح: قال [ابن الاثير] في النهاية: في حديث أبي هريرة: " إذا سمع الشيطان
الاذان ولى وله حصاص " الحصاص: شدة العدو وحدته وقيل هو أن يمصع بذنبه ويصر بأذنيه
ويعدو وقيل هو الضراط. وقال جعجع القوم إذا أناخوا بالجعجاع وهي الارض والجعجاع
أيضا الموضع الضيق الخشن ومنه كتاب عبيد الله [بن زياد]: وجعجع بحسين وأصحابه أي
ضيق عليهم المكان. وقال في القاموس: الجعجاع: الارض عامة والحرب ومناخ سوء لا يقر
فيه صاحبه والفحل الشديد الرغاء. والجعجعة: صوت الرحا ونحر الجزور وأصوات الجمال
إذا اجتمعت وبروك البعير وتبريكه والحبس والقعود على غير طمأنينة. وتجعجع: ضرب
بنفسه الارض من وجع. وفي النهاية: السرى: النفيس الشريف. وقيل: لسخي ذو المروءة
والجمع سراة بالفتح على غير قياس وتضم السين. وفي قوله عليه السلام: " لاغرينك "
كأنه على الحذف والايصال وفي
[127]
بعض النسخ بالزاي من أغزاه إذا حمله على
الغزو. وفي القاموس: الجحفل كجعفر: الجيش الكثير. قوله عليه السلام: " فقد شاهدت "
يدل على أنه كان الكتاب بعد الرجوع عن صفين عند إرادة العود إليه والغلواء بضم
الغين وفتح اللام وقد تسكن: الغلو وشرة الشباب وأوله. وقال الجوهري: ارتجت الباب:
أغلقته. وارتج على القارئ على ما لم يسم فاعله إذا لم يقدر على القراءة كأنه أطبق
عليه كما يرتج الباب ولا تقل ارتج عليه بالتشديد. 415 - كنز الفوائد للكراجكي: نسخة
كتاب معاوية بن أبي سفيان إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أما بعد
فإن الهوى يضل من اتبعه والحرص يتعب الطالب المحروم وأحمد العاقبتين ما هدي إلى
سبيل ومن العجب العجيب ذام مادح أو زاهد راغب ومتوكل حريص كلاما ضربته لك مثلا
لتدبر حكمته بجمع الفهم ومباينة الهوى ومناصحة النفس فلعمري يا ابن أبي طالب لولا
الرحم التي عطفتني عليك والسابقة التي سلف لك لقد كان اختطفك بعض عقبان أهل الشام
فصعد بك في الهواء ثم قذفك على دكادك شوامخ الابصار فألفيت كسحيق الفهر على مسن
الصلابة لا يجد الذر فيك مرتقا ولقد عزمت عزمة من لا تعطفه رقة إن لا تذر ولا تباين
ما قربت به أملك وطال له طلبك لاوردنك موردا تستمر مداقه إن فسح لك في الحياة بل
نظنك قبل ذلك من الهالكين وبئس الرأي رأي يورد أهله المهالك ويمنيهم العطب إلى حين
لات مناص وقد قذف بالحق على الباطل وظهر أمر الله وهم
415 - رواه - وما بعده - العلامة الكراجكي
رحمه الله في الفصل الثالث من الرسالة من الثالثة كتاب كنز الفوائد: ج 2 ص 201 ط 1.
ورويناه عنه في المختار: (157) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 290.
[128]
كارهون ولله الحجة البالغة والمنة الظاهرة
والسلام. جواب أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: من عبد الله أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب إ ؟ معاوية بن أبي سفيان. أما بعد فقد أتاني كتابك بتنويق المقال
وضرب الامثال وانتحال الاعمال تصف الحكمة ولست من أهلها وتذكر التقوى وأنت على ضدها
قد اتبعت هواك فحاد بك [عن] المحجة ولحج بك عن سواء السبيل فأنت تسحب أذيال لذات
الفتن وتخبط في زهرة الدنيا كأنك لست توقن بأوبة البعث ولا برجعة المنقلب قد عقدت
التاج ولبست الخز وافترشت الديباج سنة هرقلية وملكا فارسيا ثم لم يقنعك ذلك حتى
يبلغني أنك تعقد الامر من بعدك لغيرك فيملك دونك وتحاسب دونه. ولعمري لئن فعلت ذلك
فما ورثت الضلالة عن كلالة وإنك لابن من كان يبغي على أهل الدين ويحسد المسلمين.
وذكرت رحما عطفتك علي فأقسم بالله الاعز الاجل أن لو نازعك هذا الامر في حياتك من
أنت تمهده له بعد وفاتك لقطعت حبله ولبتت أسبابه. وأما تهديدك لي بالمشارب الوبيئة
والموارد المهلكة فأنا عبد الله علي بن أبي طالب أبرز إلي صفحتك كلا ورب البيت ما
أنت أبي عذر عند القتال ولا عند منافحة الابطال وكأني بك لو شهدت الحرب وقد قامت
على ساق وكشرت عن منظر كريه والارواح تختطف اختطاف البازي زغب القطا لصرت كالمولهة
الحيرانة تصربها العبرة بالصدمة لا تعرف أعلا الوادي عن أسفله. فدع عنك مالست من
أهله فإن وقع الحسام غير تشقيق الكلام فكم عسكر قد شهدته وقرن نازلته ورأيت اصطكاك
قريش بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنت وأبوك ومن هو أعلا منكما لي تبع
وأنت اليوم تهددني.
[129]
فأقسم بالله أن لو تبدي الايام عن صفحتك
لنشب فيك مخلب ليث هصور لا يفوته فريسته بالمراوغة كيف وأنى لك بذلك وأنت قعيدة بنت
البكر المخدرة يفزعها صوت الرعد وأنا علي بن أبي طالب الذي لا أهدد بالقتال ولا
أخوف بالنزال فإن شئت يا معاوية فابرز والسلام. فلما وصل هذا الجواب إلى معاوية بن
أبيي سفيان جمع جماعة من أصحابه وفيهم عمرو بن العاص فقرأ عليهم فقال له عمرو: قد
أنصفك الرجل كم رجل أحسن في الله قد قتل بينكما ابرز إليه فقال له: أبا عبد الله
أخطأت استك الحفرة أنا أبرز إليه مع علمي أنه ما برز إليه أحد إلا وقتله لا والله
ولكني سأبرزك إليه. 416 - نسخة كتاب [آخر] من معاوية بن أبي سفيان إلى أمير
المؤمنين عليه السلام: أما بعد فإنا لو علمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم
يجنها بعضنا على بعض وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا منها ما نرم به ما
مضى ونصلح ما بقي وقد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني لك طاعة فأبيت ذلك علي وأنا
أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو ولا تخاف من
الفناء إلا ما أخاف وقد والله رقت الاجناد وذهبت الرجال ونحن جميعا بنو عبد مناف
ليس لبعضنا فضل على بعض يستذل به عزيز ولا يسترق به حر. جواب أمير المؤمنين عليه
السلام: من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان.
416 - الكتابان رواهما العلامة الكراجكي
رفع الله مقامه في الفصل الثالث من الرسالة الثالثة من كتاب كنز الفوائد: ج 2 ص 206
ط 1. وقد تقدم عن المصنف نقل الكتابين عن مصدر آخر في أواخر الباب: (12) من هذا
الكتاب ص 520 ط 1. وأيضا تقدم عن المصنف رواية الكتابين عن مصادر أخر في أواسط هذا
الباب ص 546 ط الكمباني. وللكتابين مصادر أخر كثيرة يجد الباحث كثيرا منها في ذيل
المختار: (101) من باب كتب أمير المؤمنين من نهج السعادة: ج 4 ص 272 ط 2.
[130]
أما بعد، فقد جاء في كتابك تذكر أنك لو
علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض. وإنا وإياك نلتمس غاية
منها لم نبلغها بعد. وأما طلبك إلي الشام فإني لم أكن لاعطيك اليوم ما منعتك أمس.
وأما استواؤنا في الخوف والرجاء فلست بأمضى على الشك مني على اليقين ولا أهل الشام
على الدنيا بأحرص من أهل العراق على الآخرة. وأما قولك: إنا بنو عبد مناف. فكذلك
نحن [و] لكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي طالب ولا
الطليق كالمهاجر ولا المبطل كالمحق. وفي أيدينا فضل النبوة التي قتلنا بها العزيز
وبعنا بها الحر والسلام. توضيح: الدكادك جمع الدكداك وهو من الرمل ما التبد منه
بالارض ولم يرتفع. والابصار كأنه جمع البصر بالضم وهو الجانب وحرف كلشئ. [قوله عليه
السلام:] " كسحيق الفهر " أي كالشئ الذي سحقه الفهر. وفي القاموس: الفهر بالكسر:
الحجر قدر ما يدق به الجوز أو ما يملا الكف. وقال الصلاية: مدق الطيب انتهى. ولعل
المراد " بمسنها ": وسطها كمسان الطريق. والمسن بالكسر: حجر يحد عليه السكين. وفي
القاموس: المنوق كمعظم: المذلل من الجمال، ومن النخل: الملقح. والنواق: رائض الامور
ومصلحها. والنوقة: الحذاقة في كل شئ. وتنوق في مطعمه وملبسه: تجود وبالغ. وقال: لحج
السيف كفرح: نشب في الغمد. ومكان لحج ككتف: ضيق والملحج: الملجأ. ولحجه كمنعه: ضربه
وإليه لجأ. " فما ورثت الضلالة " أي لم تأخذ هذه الضلالة من بعيد في النسب بل أخذت
من أبيك. قال الجوهري: الكلالة الذي لا ولد له ولا والد، والعرب تقول: لم يرثه
[131]
كلالة أي لم يرثه عن عرض بل عن قرب
واستحقاق قال الفرزدق: ورثتم قناة الملك غير كلالة * عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
والوبيئة فعيلة من الوباء وهو الطاعون أو المرض العام يقال: أرض وبيئة أي كثيرة
الوباء وقد يخفف فيشدد " ما أنت بأبي عذر " أي لابتدائي بالقتال يقال: فلان أبو
عذرها إذا كان هو الذي افترعها وافتضها. وقولهم: ما أنت بذي عذر هذا الكلام أي لست
بأول من افتضه. ولا يبعد أن يكون بالغين المعجمة والدال المهملة قال الجوهري: رجل
ثبت الغدر أي ثابت في قتال وكلام. والمنافحة: المدافعة والمضاربة وقرب كل من
القرنين إلى الآخر بحيث يصل إليه نفحه أي ريحه ونفسه. وقال الجوهري: كشر البعير عن
نابه أي كشف عنه. والكشر: التبسم. وقال: الزغب الشعيرات الصفر على ريش الفرخ
والفراخ زغب وقال: يقال شقق الكلام إذا أخرجه أحسن مخرج والهصر بالكسر والهصور:
الاسد وراغ الرجل والثعلب روغا وروغانا: مال وحاد عن الشئ. وقعيدة الرجل: امرأته
والخدر: ستر يمد للجارية في ناحية البيت. وبالفتح إلزام البنت الخدر كالاخدار
والتخدير وهي مخدورة ومخدرة ومخدرة. 417 - كنز الفوائد: كتب معاوية إلى أمير
المؤمنين عليه السلام افتخارا. فقال عليه السلام: أعلي يفتخر ابن آكلة الاكباد ؟ ثم
قال لعبيدالله بن أبي رافع: اكتب: محمد النبي أخي وصنوي * وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يضحي ويمسي * يطير مع الملائكة ابن أمي وبنت محمد سكنى وعرسي * مساط
لحمها (1) بدمي ولحمي
417 - رواه العلامة الكراجكي رحمه الله في
الفصل: (3) من الرسالة (3) من كتاب كنز الفوائد: ج 1، ص 123، وفي ج 2 ص 233. (1)
وكتب في هامش ط الكمباني من البحار أن في نسخة من كنز الفوائد: " مسوط لحمها بدمي
ولحمي ". (*)
[132]
وسبطا أحمد ابناي منها * فأيكم له سهم
كسهمي سبقتكم إلى الاسلام طرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي وأوجب لي الولاء معا عليكم
* خليلي يوم دوح غدير خمي أقول: ذكرها في الديوان مع زيادة وتغيير هكذا: وأوجب لي
ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم وأوصاني النبي على اختيار * لامته رضى منكم
بحكمي ألا من شاء فليؤمن بهذا * وإلا فليمت كمدا بغم أنا البطل الذي لم تنكروه *
ليوم كريهة وليوم سلمي بيان: السكن بالتحريك: كل ما سكنت إليه. والعرس بالكسر:
امرأة الرجل. والسوط: خلط الشئ بعضه ببعض وسوطه أي خلطه. والدوح: جمع الدوحة وهي
الشجرة العظيمة. والكمد بالتحريك: الحزن المكتوم. 418 - ج: روى أبو عبيدة قال: كتب
معاوية إلى علي أمير المؤمنين عليه السلام: إن لي فضائل كثيرة كان أبي سيدا في
الجاهلية وصرت ملكا في الاسلام وأنا صهر رسول الله صلى الله عليه وآله وخال
المؤمنين وكاتب الوحي فقال أمير أمير المؤمنين عليه السلام: أبالفضائل يبغي علي ابن
آكلة الاكباد ؟ اكتب إليه يا غلام: " محمد النبي أخي وصهري " [وساق الابيات] إلى
قوله: سبقتكم إلى الاسلام طرا * مقرا بالنبي في بطن أمي وصليت الصلاة وكنت طفلا *
صغيرا ما بلغت أوان حلمي
418 - رواه الطبرسي رحمه الله في أواخر
عنوان: " احتجاجه عليه السلام على معاوية في جواب كتبه إليه " من كتاب الاحتجاج: ج
1، ص 265. وللابيات مصادر كثيرة يقف الباحث على عدة منها في كتاب الغدير: ج 2 ص 25
ط 2. وقد رويناها أيضا عن مصادر كثيرة في المختار: (66) من باب كتب أمير المؤمنين
عليه السلام من نهج السعادة: ج 4 ص 163، ط 1.
[133]
[وساق الابيات] إلى قوله: فويل ثم ويل ثم
ويل * لمن يلقى الاله غدا بظلمي فقال معاوية: إخفوا هذا الكتاب لا يقرؤه أهل الشام
فيميلوا إلى ابن أبي طالب. 419 - كتاب صفين لنصر بن مزاحم قال: كتب علي عليه السلام
إلى معاوية: أصبحت مني يا ابن حرب جاهلا * أن لم نرام منكم الكواهلا بالحق والحق
يزيل الباطلا * هذا لك العام وعاما قابلا 420 - كتاب الغارات لابراهيم بن محمد
الثقفي [قال:] روي أن عليا عليه السلام كتب إلى معاوية: من عبد الله أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب إلى معاوية [وبعد ف] إن الله تبارك وتعالى ذا الجلال والاكرام خلق
الخلق واختار خيرة من خلقه واصطفى صفوة من عباده " يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم
الخيرة، سبحان الله وتعالى عما يشركون " (1) فأمر الامر وشرع الدين وقسم القسم على
ذلك وهو فاعله وجاعله وهو الخالق وهو المصطفي وهو المشرع وهو القاسم وهو الفاعل لما
يشاء له الخلق وله الامر وله الخيرة والمشيئة والارادة والقدرة والملك والسلطان.
أرسل رسوله خيرته وصفوته بالهدى ودين الحق وأنزل عليه كتابه فيه تبيان كل شئ من
شرائع دينه فبينه لقوم يعلمون، وفيه فرض الفرائض، وقسم فيه سهاما أحل بعضها لبعض
وحرم بعضها لبعض بينها يا معاوية إن كنت تعلم الحجة ؟ وضرب أمثالا لا يعلمها إلا
العالمون فأنا سائلك عنها أو بعضها إن كنت تعلم ؟ ! واتخذ الحجة بأربعة أشياء على
العالمين فما هي يا معاوية ؟ ولمن هي ؟ واعلم أنهن حجة لنا أهل البيت على من
419 - رواه نصر في أوائل الجزء الثالث من
كتاب صفين ص 137، ط 2 بمصر. 420 - الحديث وما بعده موجود تحت الرقم: (100) من تلخيص
كتاب الغارات ص 195 - 203 ط 1. (1) ما بين القوسين المزدوجين اقتباس من الآية: (68)
من سورة القصص: 28.
[134]
خالفنا ونازعنا وفارقنا وبغى علينا
والمستعان الله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون. وكان جملة تبليغه رسالة ربه
فيما أمره وشرع وفرض وقسم جملة الدين يقول الله: " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول
وأولي الامر منكم " * [62 / النساء: 4] هي لنا أهل البيت ليست لكم. ثم نهى عن
المنازعة والفرقة وأمر بالتسليم والجماعة فكنتم أنتم القوم الذين أقررتم لله
ولرسوله فبدا لكم (1) فأخبركم الله أن محمدا لم يك أبا أحد من رجالكم ولكن رسول
الله وخاتم النبيين (2). وقال عزوجل: * (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) *
[144 / آل عمران: 3] فأنت وشركاؤك يا معاوية القوم الذين انقلبوا على أعقابهم
وارتدوا ونقضوا الامر والعهد فيما عاهدوا الله ونكثوا البيعة ولم يضروا الله شيئا.
ألم تعلم يا معاوية أن الائمة منا ليست منكم وقد أخبركم الله أن أولي الامر [هم]
المستنبطو للعلم (3) وأخبركم أن الامر الذي تختلفون فيه يرد إلى الله وإلى الرسول
وإلى أولي الامر المستنبطي العلم فمن أوفى بما عاهد الله عليه يجد الله موفيا بعهده
يقول الله: * (أوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون) * [40 / البقرة] وقال عزوجل:
* (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة
وآتيناهم ملكا عظيما) * [35 / النساء: 4] وقال للناس بعدهم: * (فمنهم من آمن ومنهم
من صد عنه) * [58 / النساء: 4] فتبوأ مقعدك من جهنم وكفى بجهنم سعيرا. [و] نحن آل
إبراهيم المحسودون وأنت الحاسد لنا.
(1) هذا هو الظاهر، وفي ط الكمباني من
البحار: " وبذلكم ". (2) مقتبس من الآية: (40) من سورة الاحزاب: 33 " ما كان محمد
أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين... ". (3) الظاهر أن هذا هو
الصواب، وفي أصلي من ط الكباني: " أن أولي الامر المستنبطو العلم ".
[135]
خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد
له الملائكة وعلمه الاسماء كلها واصطفاه على العالمين فحسده الشيطان فكان من
الغاوين. ونوحا حسده قومه إذ قالوا: * (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم)
* [24 / المؤمنون] ذلك حسد منهم لنوح أن يقروا له بالفضل وهو بشر. ومن بعده حسدوا
هودا إذ يقول قومه: * (وما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما
تشربون، ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون " [34 - 35 / المؤمنون] قالوا ذلك
حسدا أن يفضل الله من يشاء ويختص برحمته من يشاء. ومن قبل ذلك ابن آدم قابيل قتل
هابيل حسدا فكان من الخاسرين. وطائفة من بني إسرائيل * (إذ قالوا لنبي لهم: ابعث
لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) * [345 / البقرة] فلما بعث الله لهم طالوت ملكا حسدوه
وقالوا: أنى يكون له الملك علينا (1) وزعموا أنهم أحق بالملك منه كل ذلك نقص عليك
من أنباء ما قد سبق وعندنا تفسيره وعندنا تأويله وقد خاب من افترى ونعرف فيكم شبهه
وأمثاله * (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) * [101 / يونس 10] فكان نبينا
صلى الله عليه وآله فلما جاءهم [ما عرفوا] كفروا به (2) حسدا من عند أنفسهم * (أن
ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده) * 3 حسدا من القوم على تفضيل بعضنا على
بعض. ألا ونحن أهل البيت آل إبراهيم المحسودون حسدنا كما حسد آباؤنا من قبلنا سنة
ومثلا، وقال الله: وآل إبراهيم وآل لوط وآل عمران وآل يعقوب وآل
(1) اقتباس من الآية: (246) من سورة
البقرة. (2) اقتباس من الآية: (89) من سورة البقرة: 2. (3) اقتباس من الآية: (90)
من سورة البقرة، وأولها: * (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا
أن ينزل الله...) *. والآية 109 من سورة البقرة.
[136]
موسى وآل هارون وآل داود (1) فنحن آل
نبينا محمد صلى الله عليه وآله. ألم تعلم يا معاوية * (إن أولى الناس بإبراهيم
للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا) * [68 / آل عمران: 3]. ونحن أولوا الارحام
قال الله تعالى: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الارحام
بعضهم أولى بعض في كتاب الله) * [6 / الاحزاب]. نحن أهل بيت اختارنا الله واصطفانا
وجعل النبوة فينا والكتاب لنا والحكمة والعلم والايمان وبيت الله ومسكن إسماعيل
ومقام إبراهيم فالملك لنا ويلك يا معاوية.
(1) كذا في أصلي المطبوع، والظاهر أن راوي
الرسالة نقل لفظ الامام بالمعنى ولم يتحفظ على ألفاظه عليه السلام، والكلام إشارة
إلى آيات من القرآن الكريم منها قوله تعالى في الآية: (33) من سورة آل عمران: * (إن
اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) *. ومنها قوله عزوجل في
الآية: (54) من سورة النساء: * (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ؟ فقد
آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) *. ومنها قوله تعالى في
الآية (248) من سورة البقرة: * (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم
وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة) *. ومنها قوله عز شأنه في الآية:
(84) من سورة الانعام: * (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون) *.
ومنها قوله جل وعلا في الآية: (6) من سورة يوسف: * (ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب)
*. ومنها قوله عز شأنه في الآية: (59) من سورة الحجر: * (إلا آل لوط إنا لمنجوهم
أجمعين) *: ومنها قوله تعالى في الآية: (13) من سورة " سبأ ": * (اعملوا آل داود
شكرا وقليل من عبادي الشكور) *. إلى غير ذلك مما أشاد القرآن الكيم في مدح المصطفين
من آل الرسل والانبياء. وعسى أن يمن الله علينا بالظفر على كلام الامام في مصدر
وثيق ذكر فيه الكلام حرفيا مسندا فيغنينا عن كثير مما تكلفنا في كونه مشارا إليه من
كلام الامام.
[137]
ونحن أولى بإبراهيم ونحن آله وآل عمران
وأولى بعمران وآل لوط ونحن أولى بلوط وآل يعقوب ونحن أولى بيعقوب وآل موسى وآل
هارون وآل داوود و أولى بهم وآل محمد أولى به. ونحن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم
الرجس وطهرهم تطهيرا (1) ولكل نبي دعوة في خاصة نفسه وذريته وأهله ولكل نبي وصية في
آله. ألم تعلم أن إبراهيم أوصى بابنه يعقوب ويعقوب أوصى بنيه إذ حضره الموت وأن
محمدا أوصى إلى آله سنة إبراهيم والنبيين اقتداء بهم كما أمره الله ليس لك منهم ولا
منه سنة في النبيين وفي هذه الذرية التي بعضها من بعض قال الله لابراهيم وإسماعيل
(2) وهما يرفعان القواعد من البيت * (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة
لك) * فنحن الامة المسلمة وقالا: * (ربنا وابعث فيهم رسولا يتلو عليهم آياتك) *
الآية: [122 - 123 / البقرة: 2]. فنحن أهل هذه الدعوة ورسول الله منا ونحن منه
بعضنا من بعض وبعضنا أولى ببعض في الولاية والميراث: * (ذرية بعضها من بعض والله
سميع عليم) * (3) وعلينا نزل الكتاب وفينا بعث الرسول وعلينا تليت الآيات ونحن
المنتحلون للكتاب والشهداء عليه والدعاة إليه والقوام به * (فبأي حديث بعده يؤمنون)
* (4) أفغير الله يا معاوية تبغي ربا ؟ أم غير كتابه كتابا ؟ أم غير الكعبة بيت
الله ومسكن إسماعيل ومقام أبينا إبراهيم تبغي قبلة ؟ أم غير ملته تبغي
(1) قطعة من الآية: (33) من سورة الاحزاب،
والاخبار من طريق أهل السنة متواترة على أن الآية الكريمة نزلت في علي وفاطمة
والحسن والحسين عليهم السلام وليلاحظ ما رواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية
الكريمة من كتاب شواهد التنزيل: ج 2 ص 10 - 93 ط 1. (2) كذا في أصلي فإن صح فاللام
في قوله: " لابراهيم " بمعنى " عن " أي قال الله تعالى حاكيا عن إبراهيم
وإسماعيل... (3) اقتباس من الآية: (31) من سورة آل عمران: 3. (4) اقتباس من الآية:
(185) من سورة الاعراف: 7. (*)
[138]
دينا أم غير الله تبغي ملكا ؟ فقد جعل
الله ذلك فينا فقد أبديت عداوتك لنا وحسدك وبغضك ونقضك عهد الله وتحريفك آيات الله
وتبديلك قول الله قال الله لابراهيم: * (إن الله اصطفى لكم الدين) * [126 / البقرة]
أفترغب عن ملته وقد اصطفاه الله في الدنيا وهو في الآخرة من الصالحين ؟ أم غير
الحكم تبغي حكما ؟ أم غير المستحفظ منا تبغي إماما ؟ الامامة لابراهيم وذريته
والمؤمنون تبع لهم لا يرغبون عن ملته قال: * (فمن تبعه فإنه مني) * [36 / إبراهيم]
أدعوك يا معاوية إلى الله ورسوله وكتابه وولي أمره الحكيم من آل إبراهيم وإلى الذي
أقررت به زعمت إلى الله والوفاء بعهده * (وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا
وأطعنا) * (1) * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا
بينهم) * (2) * (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم
دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة) * [93 / النحل]. فنحن الامة الاربى * (فلا
تكونوا كالذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون) * (3) إتبعنا واقتد بنا فإن ذلك لنا آل
إبراهيم على العالمين مفترض فإن الافئدة من المؤمنين والمسلمين تهوي إلينا وذلك
دعوة المرء المسلم (4) فهل
(1) اقتباس من الآية (7) من سورة المائدة:
5. (2) كذا في أصلي المطبوع، والظاهر أن راوي كلام الامام قد اختلط عليه الامر ولم
يضبط الكلام حرفيا، لعل الامام هاهنا اقتبس من آيتين من القرآن الكريم: أولاهما
الآية: (105) من سورة آل عمران وهذا نصها: * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من
بعد ما جاءهم البينات...) *. وثانيهما الآية: (14) من سورة الشورى: 42: * (وما
تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم...) *. (3) اقتباس من الآية: (21) من
سورة الانفال: 8، وفيها: * (ولا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون) *. (4)
وهو إبراهيم الخليل على نبينا وآله عليه السلام والكلام إشارة إلى قوله تعالى في
الآية: (35) وما بعده من سورة إبراهيم حكاية عنه. * (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا
البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الاصنام... ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير
[139]
تنقم منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل
إلينا (1) واقتدينا وإتبعنا ملة إبراهيم صلوات الله عليه وعلى محمد وآله. فكتب
[إليه] معاوية من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب: قد انتهى إلي كتابك
فأكثرت فيه ذكر إبراهيم وإسماعيل وآدم ونوح والنبيين وذكر محمد وقرابتكم منه
ومنزلتكم وحقك ولم ترض بقرابتك من محمد حتى انتسبت إلى جميع النبيين ألا وإنما كان
محمد رسولا من الرسل إلى الناس كافة فبلغ رسالات ربه لا يملك شيئا غيره ألا وإن
الله ذكر قوما جعلوا بينه وبين الجنة نسبا وقد خفت عليك أن تضارعهم ألا وإن الله
أنزل في كتابه أنه لم يك يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولا ولي من الذل
فأخبرنا ما فضل قرابتك وما فضل حقك وأين وجدت اسمك في كتاب الله وملكك وإمامتك
وفضلك ألا وإنما نقتدي بمن كان قبلنا من الائمة والخلفاء الذين اقتديت بهم فكنت كمن
اختار ورضي ولسنا منكم قتل خليفتنا أمير المؤمنين عثمان بن عفان وقال الله: * (ومن
قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * [33 / الاسراء: 17] فنحن أولى بعثمان وذريته
وأنتم أخذتموه على رضى من أنفسكم جعلتموه خليفة وسمعتم له وأطعتم. فأجابه علي عليه
السلام: أما الذي عيرتني به يا معاوية من كتابي وكثرة ذكر آبائي إبراهيم وإسماعيل
والنبيين فإنه من أحب آباءه أكثر ذكرهم فذكرهم حب الله ورسوله وأنا أعيراء ببغضهم
فإن بغضهم بغض الله ورسوله وأعيرك بحبك آباءك وكثرة ذكرهم فإن حبهم كفر.
ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا
الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) *. (1)
اقتباس من الآية: (59) من سورة المائدة: (5) وهذا نصها: * (قل يا أهل الكتاب هل
تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وان أكثركم فاسقون.
[140]
وأما الذي أنكرت من نسبي من إبراهيم
وإسماعيل وقرابتي من محمد صلى الله عليه وآله وفضلي وحقي وملكي وإمامتي فإنك لم تزل
منكرا لذلك لم يؤمن به قلبك ألا وإنا أهل البيت كذلك لا يحبنا كافر ولا يبغضنا
مؤمن. والذي أنكرت من قول الله عزوجل: * (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة
وآتيناهم ملكا عظيما) * [55 / النساء: 4] فأنكرت أن تكون فينا فقد قال الله: *
(النبي أول بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله) * [6 / الاحزاب: 33] ونحن أولى به والذي أنكرت من أمامة محمد صلى الله
عليه وآله وزعمت أنه كان رسولا ولم يكن إماما فإن إنكارك على جميع النبيين الائمة
ولكنا نشهد أنه كان رسولا نبيا إماما صلى الله عليه وآله ولسانك دليل على ما في
قلبك وقال الله تعالى: * (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو
نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم) * [30
/ محمد: 47] ألا وقد عرفناك قبل اليوم وعداوتك وحسدك وما في قلبك من المرض الذي
أخرجه الله والذي أنكرت من قرابتي وحقي فإن سهمنا وحقنا في كتاب الله قسمة لنا مع
نبينا فقال: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) * [42
/ الانفال: 8] وقال: * (فلت ذا القربى حقه) * [27 / الاسراء: 17] وليس وجدت سهمنا
مع سهم الله ورسوله، وسهمك مع الابعدين لا سهم لك إن [إذ " خ "] فارقته فقد أثبت
الله سهمنا وأسقط سهمك بفراقك. وأنكرت إمامتي وملكي فهل تجد في كتاب الله قوله لآل
إبراهيم: * (واصطفاهم على العالمين) * [30 / آل عمران: 3] فهو فضلنا على العالمين
وتزعم أنك لست من العالمين ؟ أو تزعم أنا لسنا من آل إبراهيم فإن أنكرت ذلك لنا فقد
أنكرت محمدا صلى الله عليه وآله فهو منا ونحن منه فإن استطعت أن تفرق بيننا وبين
إبراهيم صلوات الله عليه وآله وإسماعيل ومحمد وآله في كتاب الله فافعل.
[141]
بيان: قوله عليه السلام: " جملة الدين "
كان يحتمل الجيم والحاء المهملة فعلى الاول لعله بدل أو عطف بيان أو تأكيد لقوله: "
جملة تبليغه " وقوله: " يقول الله " بتأويل المصدر خبر ويمكن أن يقرأ " بقول الله "
بالباء الموحدة وعلى الثاني " جملة الدين " خبر. قوله عليه السلام: " إن أولى الامر
" إشارة إلى قوله سبحانه: * (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الامر منهم لعلمه الذين
يستنبطونه منهم) * [83 / النساء: 4]. قوله عليه السلام: " دعوة المرء المسلم " لعل
المراد به إبراهيم عليه السلام حيث قال: * (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي
زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) * وإنما
عبر هكذا للاشارة إلى أن قائله أحد الذين مر ذكرهما حيث قالا: " واجعلنا مسلمين لك
" الآية. قوله عليه السلام واصطفاهم إشارة إلى قوله سبحانه: * (إن الله اصطفى آدم
ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) *. 421 - كتاب: سليم بن قيس من عينه
بالاسناد عن أبان عنه قال: وحدثني أيضا عمر بن أبي سلمة وزعم أبو هريرة العبدي أنه
سمعه عن عمر بن أبي سلمة [قال:] إن معاوية دعا أبا الدرداء ونحن مع أمير المؤمنين
عليه السلام بصفين ودعا أبا هريرة فقال لهما: انطلقا إلى علي عليه السلام فاقرآه
مني السلام وقولا له: والله إني لاعلم أنك أولى الناس بالخلافة وأحق بها مني لانك
من المهاجرين الاولين وأنا من الطلقاء وليس لي مثل سابقتك في الاسلام وقرابتك من
رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمك بكتاب الله وسنة نبيه عليه وآله السلام ولقد
بايعك المهاجرون والانصار بعد ما تشاوروا قبل ثلاثة أيام ثم
421 - الحديث مذكور في كتاب سليم بن قيس
الهلالي المطبوع بالنجف الاشرف ص 160.
[142]
أتوك فبايعوك طائعين غير مكرهين وكان أول
من بايعك طلحة والزبير ثم نكثا بيعتك ظلما وطلبا ما ليس لهما. وبلغني أنك تعتذر من
قتل عثمان وتتبرأ من دمه وتزعم أنه قتل وأنت قاعد في بيتك وأنك قد قلت حين قتل:
اللهم لم أرض ولم أمالئ وقلت له يوم الجمل حين نادوا يا لثارات عثمان قلت: كبت قتلة
عثمان ليوم لوجههم إلى النار أنحن قتلناه إنما قتله هما وصاحبتهما وأمروا بقتله
وأنا قاعد في بيتي وانا ابن عم عثمان والمطالب بدمه. فإن كان الامر كما قلت فأمكنا
من قتلة عثمان وادفعهم إلينا نقتلهم بابن عمنا ونبايعك ونسلم إليك الامر هذه واحدة.
وأما الثانية فقد أنبأتني عيوني وأتتني الكتب عن أولياء عثمان ممن هو معك يقاتل
وتحسب أنه على رأيك وراض بأمرك وهواه معنا وقلبه عندنا وجسده معك وأنك تظهر ولاية
أبي بكر وعمر وتترحم عليهما وتكف عن عثمان ولا تذكره ولا تترحم عليه ولا تلعنه. وفي
رواية أخرى ولا تسبه ولا تتبرأ منه. وبلغني أنك إذا خلوت ببطانتك الخبيثة وشيعتك
وخاصتك الضالة المغيرة الكاذبة تبرأت عندهم من أبي بكر وعمر وعثمان ولعنتهم وادعيت
أنك وصي رسول الله في أمته وخليفته فيهم وأن الله [تعالى] جل اسمه فرض على المؤمنين
طاعتك وأمر بولايتك في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وأنه أمر محمدا أن يقوم
بذلك في أمته وأنه أنزل عليه * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم
تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * [67 / المائدة: 5] فجمع قريشا
والانصار وبني أمية بغدير خم - وفي رواية أخرى: فجمع أمته بغدير خم - فبلغ ما أمر
به فيك عن الله وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب وأخبرهم أنك أولى بهم من أنفسهم وأنك
منه بمنزلة هارون من موسى. وبلغني أنك لا تخطب خطبة إلا قلت قبل أن تنزل عن منبرك
والله إني
[143]
لاولى بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض رسول
الله صلى الله عليه وآله. والله لئن كان ما بلغني عنك حقا فلظلم أبي بكر وعمر إياك
أعظم من ظلم عثمان لانه بلغني أنك تقول: لقد قبض رسول الله ونحن شهود فانطلق عمر
وبايع أبا بكر وما استامرك ولا شاورك ولقد خاصم الرجلان الانصار بحقك وحجتك وقرابتك
من رسول الله صلى الله عليه وآله ولو سلما لك الامر وبايعاك كان عثمان أسرع الناس
إلى ذلك لقرابتك منه وحقك عليه لانه ابن عمك وابن عمتك. ثم عمد أبو بكر فردها إلى
عمر عند موته ما شاورك ولا استأمرك حين استخلفه وبايع له. ثم جعلك عمر في الشورى
بين ستة منكم وأخرج منها جميع المهاجرين والانصار وغيرهم فوليتم ابن عوف أمركم في
اليوم الثالث حين رأيتم الناس قد اجتمعوا واخترطوا سيوفهم وحلفوا بالله لئن غابت
الشمس ولم تختاروا أحدكم لنضربن أعناقكم ولننفذ فيكم أمر عمر ووصيته فوليتم أمركم
ابن عوف فبايع عثمان وبايعتموه. ثم حصر عثمان فاستنصركم فلم تنصروه ودعاكم فلم
تجيبوه وبيعته في أعناقكم وأنتم يا معشر المهاجرين والانصار حضور شهود فخليتم بينه
وبين أهل مصر [فخليتم (خ)] حتى قتلوه وأعانهم طوائف منكم على قتله، وخذله عامتكم
فصرتم في أمره بين قاتل وآمر وخاذل ثم بايعك الناس وأنت أحق بها مني فأمكني من قتلة
عثمان حتى أقتلهم وأسلم الامر لك وأبايعك أنا وجميع من قبلي من أهل الشام. فلما قرأ
علي عليه السلام كتاب معاوية وبلغه أبو الدرداء رسالته ومقالته قال علي عليه السلام
لابي الدرداء: قد أبلغتماني ما أرسلكما به معاوية فاسمعا مني ثم أبلغاه عني وقولا
له: إن عثمان بن عفان لا يعدو أن يكون أحد رجلين إما إمام هدى حرام
[144]
الدم واجب النصرة لا تحل معصيته ولا يسع
الامة خذلانه أو إمام ضلالة حلال الدم لا تحل ولايته ولا نصرته فلا يخلو من إحدى
الخصلتين والواجب في حكم الله وحكم الاسلام على المسلمين بعدما يموت إمامهم أو يقتل
ضالا كان أو مهتديا مظلوما كان أو ظالما حلال الدم أو حرام الدم أن لا يعملوا عملا
ولا يحدثوا حدثا ولا يقدموا يدا ولا رجلا ولا يبدؤا بشئ قبل أن يختاروا لانفسهم
إماما يجمع أمرهم عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء والسنة يجمع أمرهم ويحكم بينهم
ويأخذ للمظلوم من الظالم ويحفظ أطرافهم ويجبي فيئهم ويقيم حجتهم وجمعتهم ويجبي
صدقاتهم ثم يحتكمون إليه في إمامهم المقتول ظلما ليحكم بينهم بالحق فإن كان إمامهم
قتل مظلوما حكم لاوليائه بدمه وإن كان قتل ظالما أنظر كيف كان الحكم في هذا. وأن
أول ما ينبغي للمسلمين أن يفعلوه أن يختاروا إماما يجمع أمرهم إن كانت الخيرة لهم
ويتابعوه ويطيعوه وإن كانت الخيرة إلى الله عزوجل وإلى رسوله فإن الله قد كفاهم
النظر في ذلك والاختيار ورسول الله صلى الله عليه وآله قد رضي لهم إماما وأمرهم
بطاعته واتباعه. وقد بايعني الناس بعد قتل عثمان وبايعني المهاجرون والانصار بعدما
تشاوروا بي ثلاثة أيام وهم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وعقدوا إمامتهم ولي
بذلك أهل بدر والسابقة من المهاجرين والانصار غير أنهم بايعوهم قبل على غير مشورة
من العامة وإن بيعتي كانت بمشورة من العامة. فإن كان الله جل اسمه جعل الاختيار إلى
الامة وهم الذين يختارون وينظرون لانفسهم واختيارهم لانفسهم ونظرهم لها خير لهم من
اختيار الله ورسوله لهم وكان من اختاروه وبايعوه بيعته بيعة. هدى وكان إماما واجبا
على الناس طاعته ونصرته فقد تشاوروا في واختاروني بإجماع منهم. وإن كان الله عزوجل
هو الذي يختار وله الخيرة فقد اختارني للامة واستخلفني عليهم وأمرهم بطاعتي ونصرتي
في كتابه المنزل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله فذلك أقوى بحجتي وأوجب بحقي.
[145]
ولو أن عثمان قتل على عهد أبي بكر وعمر
أكان لمعاوية قتالهما والخروج عليهما للطلب ؟ قال أبو هريرة وأبو الدرداء: لا. قال
علي عليه السلام: فكذلك أنا فإن قال معاوية نعم فقولا [له]: [إذن] يجوز لكل من ظلم
بمظلمة أو قتل له قتيلا أن يشق عصا المسلمين ويفرق جماعتهم ويدعو إلى نفسه مع أن
ولد عثمان أولى بطلب دم أبيهم من معاوية. قال: فسكت أبو الدرداء وأبو هريرة وقالا:
قد أنصفت من نفسك. قال علي عليه السلام: ولعمري لقد أنصفني معاوية إن تم على قوله
وصدق ما أعطاني فهؤلاء بنو عثمان رجال قد أدركوا ليسوا بأطفال ولا مولى عليهم
فليأتوا أجمع بينهم وبين قتلة أبيهم فإن عجزوا عن حجتهم فليشهدوا لمعاوية بأنه
وليهم ووكيلهم في خصومتهم وليقعدوا هم وخصماؤهم بين يدي مقعد الخصوم إلى الامام
والوالي الذين يقرون بحكمه وينفذون قضاءه فأنظر في حجتهم وحجة خصمائهم فإن كان
أبوهم قتل ظالما وكان حلال الدم أبطلت دمه - وفي رواية أخرى أهدرت دمه - وإن كان
[أبوهم قتل] مظلوما حرام الدم أقدتهم من قاتل أبيهم فإن شاؤا قتلوا وإن شاؤا عفوا
وإن شاؤا قبلوا الدية. وهؤلاء قتلة عثمان في عسكري يقرون بقتله ويرضون بحكمي عليهم
فليأتني ولد عثمان ومعاوية إن كان وليهم ووكيلهم فليخاصموا قتلته وليحاكموهم حتى
أحكم بينهم بكتاب الله وسنة نبية صلى الله عليه وآله وان كان معاوية إنما يتجنى
ويطلب الاعاليل والاباطيل فليتجن ما بدا له فسوف يعين الله عليه. قال أبو الدرداء
وأبو هريرة: قد والله أنصفت من نفسك وزدت على النصفة وأزحت علته وقطعت حجته وجئت
بحجة قوية صادقة ما عليها لون. ثم خرج أبو هريرة وأبو الدرداء فإذا نحو من عشرين
ألف رجل مقنعين في الحديد فقالوا: نحن قتلة عثمان مقرون راضون بحكم علي عليه السلام
علينا ولنا فليأتنا أولياء عثمان فليحاكمونا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دم
أبيهم وان وجب علينا القود أو الدية اصطبرنا لحكمه وسلمنا فقالا: قد
[146]
أنصفتم ولا يحل لعلي عليه السلام دفعكم
ولا قتلكم حتى يحاكموكم إليه فيحكم بينكم وبين أصحابكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى
الله عليه وآله. وانطلق أبو الدرداء وأبو هريرة حتى قدما على معاوية فأخبراه بما
قال علي عليه السلام وما قال قتلة عثمان وما قال أبو النعمان بن صمان (1). فقال
معاوية: فما رد عليكما في ترحمه على أبي بكر وعمر وكفه عن الترحم على عثمان وبراءته
منه في السر وما يدعي من إستخلاف رسول الله صلى الله عليه وآله إياه وأنه لم يزل
مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله قالا: بلى قد ترحم على أبي بكر وعمر
وعثمان عندنا ونحن نسمع ثم قال لنا فما يقول: إن كان الله جعل الخيار إلى الامة
فكانوا هم الذين يختارون وينظرون لانفسهم وكان اختيارهم لانفسهم ونظرهم لها خيرا
لهم وأرشد من اختيار الله واختيار رسول الله صلى الله عليه وآله فقد اختاروني
وبايعوني فبيعتي بيعة هدى وأنا إمام واجب على الناس نصرتي لانهم قد تشاوروا في
واختاروني وإن كان اختيار الله واختيار رسوله خيرا لهم وأرشد من اختيارهم لانفسهم
ونظرهم لها فقد اختارني الله ورسوله للامة واستخلفاني عليهم وأمراهم بنصرتي وطاعتي
في كتاب الله المنزل على لسان نبيه المرسل وذلك أقوى بحجتي وأوجب لحقي. ثم صعد
المنبر في عسكره وجمع الناس ومن بحضرته من النواحي والمهاجرين والانصار ثم حمد الله
وأثنى عليه ثم قال: معاشر الناس إن مناقبي أكثر من أن تحصى وبعدما أنزل الله في
كتابه من ذلك وما قال رسول الله إني سأنبئكم عن خصال سبعة قالها رسول الله أكتفي
بها من جميع مناقبي وفضلي أتعلمون أن الله فضل في كتابه الناطق السابق إلى الاسلام
في غير آية من كتابه على المسبوق وأنه لم يسبقني إلى الله ورسوله أحد من الامة
قالوا: اللهم نعم.
(1) كذا.
[147]
قال: أنشدكم الله [أتعلمون ما] سئل رسول
الله صلى الله عليه وآله عن قوله: * (السابقون السابقون أولئك المقربون) * [10 /
الواقعة]. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنزلها الله في الانبياء وأوصيائهم
وأنا أفضل أنبياء الله ورسله ووصيي علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل الاوصياء.
فقام نحو من سبعين بدريا جلهم من الانصار وبقيتهم من المهاجرين منهم أبو الهيثم ابن
التيهان وخالد بن زيد أبو أيوب الانصاري وفي المهاجرين عمار بن ياسر فقالوا: نشهد
أنا قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله قال ذلك. قال: فأنشدكم بالله في قول
الله: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم) * [49
/ النساء: 4] وقوله: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا [الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون]) * الآية (1) ثم قال: ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله
ولا المؤمنين وليجة (2) فقال الناس يا رسول الله أخاص لبعض المؤمنين أم عام لجميعهم
فأمر الله عزوجل رسوله أن يعلمهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم
وصيامهم وزكاتهم وحجهم فنصبني للناس بغدير خم وقال: إن الله أرسلني برسالة ضاق بها
صدري وظننت أن الناس مكذبي بها فأوعدني لابلغنها أو يعذبني قم يا علي ثم نادى بأعلى
صوته بعد أن أمر بلالا أن ينادى بالصلاة جامعة فصلى بهم الظهر ثم قال: أيها الناس
إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فعلي مولاه
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر
(1) وهي الآية: (55) من سورة المائدة،
وليراجع ما رواه أبو نعيم الحافظ في شأن نزول الآية الكريمة من كتاب النور المشتعل
ص 61 - 85 وما رواه الحافظ الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل: ج 1، ص 161 - 184، ط 1.
(2) وهي الآية: (16) من سورة التوبة وإليك تمام الآية الكريمة: * (أم حسبتم أن
تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا
المؤمنين وليجة، والله خبير بما تعملون) *.
[148]
من نصره واخذل من خذله فقام إليه سلمان
الفارسي فقال: يا رسول الله ولاؤه فيما ذا ؟ فقال: ولاؤه كولايتي من كنت أولى به من
نفسه فعلي أولى به من نفسه وأنزل الله: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم
نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) * [3 / المائدة: 5]. فقال سلمان: يا رسول الله أنزلت
هذه الآيات في علي خاصة ؟ فقال: فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة فقال سلمان: يا
رسول الله صلى الله عليه وآله بينهم لنا. فقال: علي عليه السلام أخي ووزيري ووصيي
وصنوي ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي وأحد عشر إماما من ولده: الحسن ثم
الحسين عليه السلام ثم تسعة من ولد الحسين عليه السلام واحد بعد واحد القرآن معهم
وهم مع القرآن لا يفارقونه حتي يردوا علي الحوض. فقام اثنا عشر رجلا من البدريين
فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله كما قلت سواء لم تزد
حرفا ولم تنقص حرفا وقال بقية السبعين: قد سمعنا ذلك ولم نحفظه كله وهؤلاء الاثني
عشر خيارنا وأفضلنا. فقال: صدقتم ليس كل الناس يحفظ بعضهم أحفظ من بعض. فقام من
الاثني عشر أربعة: أبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب وعمار وخزيمة بن ثابت ذو
الشهادتين فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظنا أنه
قال يومئذ - وهو قائم وعلي عليه السلام قائم إلى جانبه - أيها الناس إن الله أمرني
أن أنصب لكم إماما يكون وصيي فيكم وخليفتي في أمتي وفي أهل بيتي من بعدي والذي فرض
الله على المؤمنين في كتابه طاعته وأمركم فيه بولايته فراجعت ربي خشية طعن أهل
النفاق وتكذيبهم فأوعدني لابلغها أو ليعذبني. أيها الناس إن الله أمركم في كتابه
بالصلاة وقد بينتها لكم وسننتها والزكاة والصوم والحج فبينتها وفسرتها لكم وأمركم
في كتابه بالولاية وإن أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لعلي بن أبي طالب عليه السلام
والاوصياء من ولدي وولد أخي ووصيي علي أولهم ثم الحسن ثم الحسين ثم تسعة من ولد
الحسين عليه
[149]
السلام لا يفارقون الكتاب حتى يردوا علي
الحوض. أيها الناس إني قد أعلمتكم مفزعكم وإمامكم بعدي ودليلكم وهاديكم وهو أخي علي
بن أبي طالب عليه السلام وهو فيكم بمنزلتي فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم فإن
عنده جميع ما علمني الله عزوجل [و] أمرني الله أن أعلمه إياكم وأعلمكم أنه عنده
فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم
فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلونه ولا يزايلهم. ثم قال علي عليه السلام لابي
الدرداء وأبي هريرة ومن حوله: يا أيها الناس أتعلمون أن الله تبارك وتعالى أنزل في
كتابه: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * فجمعني
رسول صلى الله عليه وآله وفاطمة والحسن والحسين في كساء وقال: اللهم هؤلاء [أحبتي "
خ "] وعترتي وحامتي وأهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقالت أم سلمة: وأنا
؟ فقال: إنك إلى خير وإنما أنزلت في وفي أخي علي وابنتي فاطمة وابني الحسن والحسين
صلوات الله عليهم خاصة ليس معنا غيرنا وفي تسعة من ولد الحسين من بعدي. فقام كلهم
فقالوا: نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله
فحدثنا به كما حدثتنا أم سلمة. ثم قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن الله جل اسمه
أنزل: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) * [119 / التوبة: 9]
فقال سلمان: يا رسول الله أعامة أم خاصة فقال: أما المأمورون فعامة لان جماعة
المؤمنين أمروا بذلك وأما الصادقون فخاصة علي بن أبي طالب وأوصيائي من بعده إلى يوم
القيامة وقلت لرسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك: يا رسول الله لم خلفتني
؟ فقال: إن المدنية لا تصلح إلا بي أو بك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة
فإنه لا نبي بعدي.
[150]
فقام رجال ممن معه من المهاجرين والانصار
فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك. فقال:
أنشدكم الله أتعلمون أن الله أنزل في سورة الحج: * (يا أيها الذين آمنوا اركعوا
واسجدوا واعبدوا ربكم) * إلى آخر السورة (1) فقام سلمان فقال يا رسول الله من هؤلاء
الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس الذين اجتباهم الله وما جعل عليهم في
الدين من حرج ملة أبيهم إبراهيم ؟ قال: عني بذلك ثلاثة عشر إنسانا أنا وأخي وإحدى
عشر من ولدي قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله
عليه وآله قام خطيبا ولم يخطب بعدها وقال: إني قد تركت فيكم أيها الناس أمرين لن
تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي فإنه قد عهد إلي اللطيف الخبير أنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض فقالوا: اللهم نعم قد شهدنا ذلك كله فقال حسبي الله.
فقام الاثني عشر فقالوا: نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين خطب في اليوم
الذي قبض فيه قام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال: يا رسول الله أكل أهل بيتك ؟
فقال: لا ولكن أوصيائي منهم علي أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن
بعدي هذا أولهم وآخرهم ثم وصيي ابني هذا - وأشار إلى الحسن - ثم وصيه هذا - وأشار
إلى الحسين - ثم وصيي ابني وسمى أخي ثم وصيه سميي ثم سبعة من ولده واحد بعد واحد
حتى يردوا على الحوض شهداء لله في أرضه وحججه على خلقه من أطاعهم أطاع الله ومن
عصاهم عصى الله. فقام السبعون البدريون ونحوهم من الآخرين فقالوا: أدركنا ما كنا
نسينا نشهد أنا قد سمعنا ذلك من رسول الله.
(1) الآية: (77 - 78) من سورة الحج: 22.
[151]
فلم يدع [عليه السلام] شيئا إلا ناشدهم
فيه حتى أتى على آخر مناقبه وما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه كل ذلك
يصدقونه ويشهدون أنه حق. فلما حدث أبو الدرداء وأبو هريرة معاوية بكل ذلك وبما رد
عليه الناس وجم من ذلك وقال: يا أبا الدرداء ويا أبا هريرة لئن كان ما تحدثاني عنه
حقا لقد هلك المهاجرون والانصار غيره وغير أهل بيته وشيعته. ثم كتب معاوية إلى أمير
المؤمنين عليه السلام: لئن كان ما قلت وادعيت واستشهدت عليه أصحابك حقا لقد هلك أبو
بكر وعمر وعثمان وجميع المهاجرين والانصار غيرك وغير أهل بيتك وشيعتك وقد بلغني
ترحمك عليهم واستغفارك لهم وانهم لعلى وجهين مالها ثالث إما تقية إن أنت تبرأت منهم
خفت أن يتفرق عنك أهل عسكرك الذين تقاتلني بهم وإن كان الذي ادعيت باطلا وكذبا فقد
جاءني بعض من تثق به من خاصتك بأنك تقول لشيعتك وبطانتك بطانة السوء: أني قد سميت
ثلاثة من بني أبا بكر وعمر وعثمان فإذا سمعتموني أترحم على أحد من أئمة الضلالة
فإنما أعني بذلك بني والدليل على ذلك - وفي رواية أخرى: على صدق ما أتوني به ورقوه
إلي - أن قد رأيناك بأعيننا فلا نحتاج أن نسأل عن ذلك غيرنا وإلا فلم حملت امرأتك
فاطمة على حمار وأخذت بيد ابنيك الحسن والحسين إذ بويع أبو بكر فلم تدع أحدا من أهل
بدر والسابقة إلا وقد دعوتهم واستنفرتهم عليه فلم تجد منهم إنسانا غير أربعة: سلمان
وأبو ذر والمقداد والزبير لعمري لو كنت محقا لاجابوك وساعدوك ونصروك، ولكن ادعيت
باطلا وما لا يقرون به وسمعتك أذناي وأنت تقول لابي سفيان حين قال لك: غلبك عليه
أذل أحياء قريش تيم وعدي ودعاك إلى أن ينصرك فقلت: لو وجدت أعوانا أربعين رجلا من
المهاجرين والانصار من أهل السابقة لناهضت الرجل فإنا لم نجد غير أربعة رهط بايعت
مكرها. قال: فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام: أما بعد فقد قرأت كتابك فكثر ما
يعجبني مما خطت فيه يدك وأطنبت
[152]
فيه من كلامك ومن البلاء العظيم والخطب
الجليل على هذه الامة أن يكون مثلك يتكلم أو ينظر في عامة أمرهم أو خاصته وأنت من
تعلم وابن من قد علمت وأنا من قد علمت وابن من تعلم وسأجيبك فيما قد كتبت بجواب لا
أظنك تعقله أنت ولا وزيرك ابن النابغة عمرو الموافق لك كما وافق شن طبقة فإنه هو
الذي أمرك بهذا الكتاب وزينه لك أو حضركما فيه إبليس ومردة أصحابه - وفي رواية أخرى
ومردة أبالسته - وإن رسول صلى الله عليه وآله قد كان خبرني أنه رأى على منبره إثني
عشر رجلا أئمة ضلالة من قريش يصعدون على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وينزلون
على صورة القرود يردون أمته على أدبارهم عن الصراط المستقيم اللهم وقد خبرني
بأسمائهم رجلا رجلا وكم يملك كل واحد منهم واحد بعد واحد عشرة منهم من بني أمية
ورجلين من حيين مختلفين من قريش عليهما مثل أوزار الامة جميعا إلى يوم القيامة ومثل
جميع عذابهم فليس دم يهراق في غير حقه ولا فرج يغشى ولا حكم بغير حق إلا كان عليهما
وزره (1). وسمعته يقول: إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله
دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا (2) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا أخي
إنك لست كمثلي إن الله أمرني أن أصدع بالحق وأخبرني أنه يعصمني
(1) وهذا من فروع مسألة وقاعدة: " من سن
سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " والقاعدة متواترة عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد رواها مسلم بأسانيد كثيرة في باب الحث على الصدقة
وهو الباب: (20) من كتاب الزكاة (12) تحت الرقم: (1017) وفي باب: " من سن سنة حسنة
أو سيئة... " وهو الباب (6) من كتاب العلم: (47) من صحيحه: ج 2 ص 704 وج 4 ص 2059 ط
دار الاحياء للتراث. ورواها أيضا الطبراني في ترجمة جرير أو جابر من كتاب المعجم
الكبير. (2) ولهذه القطعة من الكلام أيضا شواهد في كتب أهل السنة ولها مصادر، وقد
رواها الحافظ ابن عساكر بأسانيد في ترجمة معاوية ومروان من تاريخ دمشق، وبعض طرقها
ينتهي إلى معاوية نفسه.
[153]
من الناس فأمرني أن أجاهد ولو بنفسى فقال:
* (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) * وقال: * (حرض المؤمنين على القتال) *
(1) وقد مكثت بمكة ما مكثت لم أومر بقتال ثم أمرني بالقتال لانه لا يعرف الدين إلا
بي ولا الشرايع ولا السنن والاحكام والحدود والحلال والحرام وإن الناس يدعون بعدي
ما أمرهم الله به وما أمرهم فيك من ولايتك وما أظهرت من محبتك متعمدين غير جاهلين
مخالفة لما أنزل الله فيك فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم فإن لم تجد أعوانا فاكفف
يدك واحقن دمك فإنك إن نابذتهم قتلوك وإن تابعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق وإلا
فادع الناس فإن استجابوا لك ووازروك فنابذهم وجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك
واحقن دمك واعلم أنك إن دعوتهم لم يستجيبوا لك فلا تدعن عن أن تجعل الحجة عليهم إنك
يا أخي لست مثلي إني قد أقمت حجتك وأظهرت لهم ما أنزل الله فيك وإنه لم يعلم أني
رسول الله وأن حقي وطاعتي واجبان حتى أظهرت ذلك و [أما] أنت فإني كنت قد أظهرت حجتك
وقمت بأمرك فإن سكت عنهم لم تأثم غير أنه أحب أن تدعوهم وإن لم يستجيبوا لك ولم
يقبلوا منك وتظاهرت عليك ظلمة قريش فدعهم فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم ونابذتهم
وجاهدتهم من غير أن يكون معك فئة تقوى بهم أن يقتلوك، والتقية من دين الله ولا دين
لمن لا تقية له وإن الله قضى الاختلاف والفرقة على هذه الامة ولو شاء لجمعهم على
الهدى ولم يختلف إثنان منها ولا من خلقه ولم يتنازع في شئ من أمره ولم يجحد المفضول
ذا الفضل فضله ولو شاء عجل منه النقمة وكان منه التغيير حين يكذب الظالم ويعلم الحق
أين مصيره والله جعل الدنيا دار الاعمال وجعل الآخرة دار الثواب والعقاب * (ليجزي
الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) * فقلت شكرا لله على نعمائه
وصبرا على بلائه وتسليما ورضى بقضائه. ثم قال: يا أخي أبشر فإن حياتك وموتك معي (2)
وأنت أخي وأنت
(1) الآية 48 و 65 / الانفال. وكان في
الاصل: جاهد في سبيل الله. (2) ولهذه القطعة من الحديث أسانيد ومصادر، وقد رواها
أهل السنة بأسانيدهم التي
[154]
وصيي وأنت وزيري وأنت وارثي وأنت تقاتل
على سنتي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه أهله
وتظاهروا عليه وكادوا يقتلونه فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك فإنها ضغائن في
صدور قوم [لهم] أحقاد بدر وتراث أحد وإن موسى أمر هارون حين استخلفه في قومه إن
ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم فإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق
بينهم فافعل أنت كذلك إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم وإن لم ؟ جد اعوانا فاكفف يدك
واحقن دمك فإنك إن نابذتهم قتلوك واعلم انك إن لم تكف يدك وتحقن دمك إذا لم تجد
اعوانا تخوفت عليك أن يرجع الناس إلى عبادة الاصنام والجحود بأني رسول الله فاستظهر
بالحجة عليهم ودعهم ليهلك الناصبون لك والباغون عليك ويسلم العامة والخاصة فإذا
وجدت يوما أعوانا على إقامة كتاب الله والسنة فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على
تنزيله فإنما يهلك من الامة من نصب لك أو لاحد من أوصيائك وعادى وجحد ودان بخلاف ما
أنتم عليه. ولعمري يا معاوية لو ترحمت عليك وعلى طلحة والزبير كان ترحمي عليكم
واستغفاري لكم لعنة عليكم وعذابا وما أنت وطلحة والزبير بأعظم جرما ولا أصغر ذنبا
ولا أهون بدعة وضلالة من الذين أسسا لك ولصاحبك الذي تطلب بدمه ووطئا لكما ظلمنا
أهل البيت وحملاكم على رقابنا قال الله تبارك وتعالى: * (ألم تر إلى الذين أوتوا
نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين
آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا أم لهم نصيب من
الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) * [50
- 53 / النساء] فنحن الناس ونحن المحسودون قال الله عزوجل: * (لقد آتينا
تنتهي إلى الشهيد الفقيه المجاهد قتيل
الظلمة والطغاة والمنافقين حجر بن عدي الكندي رفع الله درجاته. وليراجع الحديث:
(946) وما بعده وتعليقاتها من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ج 2 ص
434 - 436 ط 2. (*)
[155]
آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا
عظيما) * [54 / النساء] فالملك العظيم أن جعل منهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ومن
عصاهم عصى الله والكتاب والحكمة والنبوة فلم يقرون بذلك في آل إبراهيم وينكرونه في
آل محمد صلى الله عليه وآله. يا معاوية فإن تكفر بها أنت وصاحبك ومن قبلك من طغام
أهل الشام واليمن والاعراب أعراب ربيعة ومضر جفاة الامة: فقد وكل الله بها قوما
ليسوا بها بكافرين (1). يا معاوية إن القرآن حق ونور وهدى ورحمة وشفاء للمؤمنين
والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى (2). يا معاوية إن الله لم يدع صنفا
من أصناف الضلالة والدعاة إلى النار إلا وقد رد عليهم واحتج عليهم في القرآن ونهى
عن اتباعهم وأنزل فيهم قرآنا ناطقا علمه من علمه وجهله من جهله إني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول ليس من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما من حرف إلا وله
تأويل * (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) * [7 / آل عمران: 3]. وفي
رواية أخرى وما منه حرف إلا وله حد مطلع على ظهر القرآن وبطنه وتأويله * (وما يعلم
تأويله إلا الله والراسخون في العلم) * الراسخون في العلم نحن آل محمد، وأمر الله
ساير الامة أن يقولوا آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الالباب وأن
يسلموا إلينا ويردوا الامر إلينا وقد قال الله: * (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي
الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * [83 / النساء: 4] هم الذين يسئلون عنه
ويطلبونه.
(1) اقتباس من الاية: (89) من سورة
الانعام وهذا نصها: * (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين)
*. (2) إشارة إلى الآية: (44) من سورة " فصلت ": * (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء،
والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى...) *.
[156]
ولعمري لو أن الناس حين قبض رسول الله صلى
الله عليه وآله سلموا لنا واتبعونا وقلدونا أمورهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم
ولما طمعت أنت يا معاوية فما فاتهم منا أكثر مما فاتنا منهم. ولقد أنزل الله في
وفيك [آيات من] سورة خاصة الامة يأولونها على الظاهر ولا يعلمون ما الباطن وهي في
سورة الحاقة: فأما من أوتي كتابه بيمينه... وأما من أوتي كتابه بشماله... وذلك أنه
يدعي بكل إمام ضلالة وإمام هدى ومع كل واحد منهما أصحابه الذين بايعوه فيدعى بي وبك
يا معاوية وأنت صاحب السلسلة الذي يقول: * (يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما
حسابيه) * [25 - 26 / الحاقة: 69] سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك
وكذلك كل إمام ضلالة كان قبلك أو يكون بعدك له مثل ذلك من خزي الله وعذابه ونزل
فيكم قول الله عزوجل: * (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة
الملعونة في القرآن) * (1) وذلك إن رسول الله رآى إثنا عشر إماما من أئمة الضلالة
على منبره يردون الناس على أدبارهم القهقرى رجلان من قريش وعشرة من بني أمية أول
العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه وأنت وابنك وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص أو لهم
مروان (2) وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وطرده وما ولد حين أسمع
(1) وهي الآية: (60) من سورة الاسراء:
(17). وقد روى الحافظ الكبير ابن عساكر بأسانيد نزول الآية الكريمة في بني أبي
العاص بن الربيع في ترجمة مروان من تاريخ دمشق. ورواه أيضا العلامة الاميني رحمه
الله عن مصادر كثيرة جدا في عنوان: " الحكم [بن أبي العاص] في القرآن " من كتاب
الغدير: ج 8 ص 247 - 250. (2) في النسخ هنا تصحيف واشتباه فخلفاء بني أمية على
المشهور أربعة عشر عثمان ومعاوية ويريد ومروان بن الحكم وابنه عبد الملك وسليمان بن
عبد الملك وهشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بن عبد الملك ويزيد بن وليد الناقص
وإبراهيم بن الوليد ومروان بن محمد وعلى بعض النسخ لعله أسقط بعضهم لقلة ملكهم
وعدهم استقرار أمرهم كما يظهر من التواريخ. منه رحمه الله.
[157]
نبينا رسول الله صلى الله عليه وآله. إنا
أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ولم يرض لنا الدنيا ثوابا وقد سمعت رسول
الله أنت ووزيرك وصويحبك يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا كتاب الله
دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا. يا معاوية إن نبي الله زكريا نشر بالمنشار
ويحيى ذبح وقتله قومه وهو يدعوهم إلى الله عزوجل وذلك لهوان الدنيا على الله إن
أولياء الشيطان قد حاربوا أولياء الرحمن قال الله: * (إن الذين [يكفرون بآيات الله
و] يقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشره بعذاب أليم)
* [21 / آل عمران: 3]. يا معاوية إن رسول الله قد أخبرني أن أمته سيخضبون لحيتي من
دم رأسي وأني مستشهد وستلي الامة من بعدي وأنك ستقتل ابني الحسن غدرا بالسم وأن
ابنك يزيد لعنه الله سيقتل ابني الحسين يلي ذلك منه ابن زانية وأن الامة سيليها من
بعدك سبعة من ولد أبي العاص وولد مروان بن الحكم وخمسة من ولده تكلمة إثنا عشر
إماما قد رآهم رسول الله يتواثبون على منبره تواثب القردة يردون أمته عن دين الله
على أدبارهم القهقرى وأنهم أشد الناس عذابا يوم القامة وأن الله سيخرج الخلافة منهم
برايات سود تقبل من المشرق يذلهم الله بهم ويقتلهم تحت كل حجر وأن رجلا من ولدك
ميشوم وملعون جلف جاف منكوس القلب فظ غليظ قاس قد نزع الله من قلبه الرأفة والرحمة
أخواله من كلب كأني أنظر إليه ولو شئت لسميته ووصفته وابن كم هو فيبعث جيشا إلى
المدينة فيدخلونها فيسرفون فيها في القتل والفواحش ويهرب منهم رجل من ولدي زكي تقي
الذي يملا الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا وإني لاعرف اسمه وابن كم هو يومئذ
وعلامته وهو من ولدا بني الحسين عليه السلام الذي يقتله ابنك يزيد وهو الثائر بدم
أبيه فيهرب إلى مكة ويقتل صاحب ذلك الجيش رجلا من ولدي زكيا بريئا عند أحجار الزيت
ثم يصير ذلك الجيش إلى مكة وإني لاعلم اسم أميرهم وعدتهم وأسمائهم وسمات
[158]
خيولهم فإذا دخلوا البيداء واستوت بهم
الارض خسف بهم قال الله عزوجل: * (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) *
[51 / سبأ] قال من تحت أقدامهم فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد يقلب الله
وجهه من قبل قفاه ويبعث الله للمهدي أقواما يجمعون من أطراف الارض قزع كقزع الخريف
والله إني لاعرف أسماءهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم فيدخل المهدي الكعبة ويبكي
ويتضرع قال عزوجل: * (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض) *
62 / النمل 27] هذا لنا خاصة أهل البيت أما والله يا معاوية لقد كتبت إليك هذا
الكتاب وإني لاعلم أنك لا تنتفع به وأنك ستفرح إذا أخبرتك أنك ستلي الامر وابنك
بعدك لان الآخرة ليست من بالك وأنك بالآخرة لمن الكافرين وستندم كما ندم من أسس هذا
الامر لك وحملك على رقابنا حين لم تنفعه الندامة. ومما دعاني إلى الكتاب بما كتبت
به إني أمرت كاتبي أن ينسخ ذلك لشيعتي وأصحابي لعل الله أن ينفعهم بذلك أو يقرأه
واحد من قبلك فخرج الله به من الضلالة إلى الهدى ومن ظلمك وظلم أصحابك وفتنتكم
وأحببت أن أحتج عليك. فكتب إليه معاوية: هنيئا لك يا أبا الحسن تملك الآخرة وهنيئا
لنا تملك الدنيا. بيان: قال الجوهري: مالاته على الامر ممالاة: ساعدته عليه وشايعته
وفي الحديث: ما قتلت عثمان ولا مالات على قتله. وقال القود: القصاص. وأقدت القاتل
بالقتيل أي قتلته به يقال: أقاده السلطان من أخيه واستقدت الحاكم أي سألته أن يقيد
القاتل بالقتيل. وقال: زاح الشئ: بعد وذهب. " ما عليها لون " اللون: الدقل وهو أردء
التمر أي ما ذكرت في حجتك كلها قوية ليس فيها كلام ضعيف تشبيها بهذا النوع من
التمر. وقال الجوهري: قولهم: وافق شن طبقة (1) قال ابن السكيت: هو شن بن أفصى بن
عبد القيس وطبق
(1) وشن حي بن عبد القيس وهو شن بن أفصى
بن عبد القيس بن أفصى بن دعمة بن
[159]
حي من أياد وكانت شن لا يقام لها فواقعتها
طبق فانتصفت منها فقيل وافق شن طبقة وافقه فاعتنقه انتهى. وسيأتي الكلام فيه وفي
بعض أجزاء الخبر. 422 - ني: ابن عقدة ومحمد بن همام وعبد العزيز وعبد الواحد ابنا
عبد - الله بن يونس عن رجالهم عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن أبان بن
أبي عياش. وأخبرنا به من غير هذه الطرق هارون بن محمد عن أحمد بن عبيدالله بن جعفر
بن المعلي الهمداني عن عمرو بن جامع بن عمرو الكندي عن عبد الله بن المبارك شيخ لنا
كوفي ثقة عن عبد الرزاق بن همام عن معمر عن أبي عياش عن سليم. وذكر أبان أنه سمعه
أيضا عن عمر بن أبي سلمة. قال معمر: وذكر ابراهيم العبدي أنه أيضا سمعه عن عمر بن
أبي سلمة عن سليم: أن معاوية لما دعا أبا الدرداء وأبا هريرة ونحن مع أمير المؤمنين
صلوات الله عليه في صفين فحملهما الرسالة إلى أمير المؤمنين وأدياها إليه قال: قد
بلغتماني ما أرسلكما به معاوية فاستمعا مني وأبلغاه عني كما بلغتماني قالا: نعم.
فأجابه علي عليه السلام الجواب بطوله حتى انتهى إلى ذكر نصب رسول الله صلى الله
عليه وآله إياه بغدير خم. وساق الحديث نحوا مما روينا من كتاب سليم إلى قوله:
فانطلق ابو الدرداء وأبو هريرة فحدثا معاوية بكل ما قال علي عليه السلام واستشهد
عليه وما رد عليه الناس وشهدوا به.
جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار منهم
الاعور الشني وفي المثل وافق [شن طبقه]. كذا في هامش هذا المقام من البحار ط
الكمباني. 422 - رواه النعماني رحمه الله في الحديث: (8) من الباب: (4) من كتاب
الغيبة ص 45 ط 2.
[161]
[الباب السابع عشر] باب ما ورد في معاوية
وعمرو بن العاص وأوليائهما وقد مضى بعضها في باب مثالب بني أمية 423 - فس: * (وإما
تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) * نزلت في معاوية لما خان أمير المؤمنين
عليه السلام. بيان: لعل المراد أن أمير المؤمنين عمل بهذا الحكم في معاوية قال
البيضاوي: * (وإما تخافن من قوم) * معاهدين خيانة نقض عهد تلوح لك * (فانبذ إليهم)
* فاطرح إليهم عهدهم (على سواء) على عدل أو طريق قصد في العداوة ولا تناجزهم الحرب
فإنه يكون خيانة منك أو على سواء في الخوف أو العلم بنقض العهد. 424 - قب:
المحاضرات عن الراغب أنه قال أمير المؤمنين عليه السلام لا يموت ابن هند حتى يعلق
الصليب في عنقه. وقد رواه الاحنف بن قيس وابن شهاب الزهري والاعثم الكوفي وأبو حيان
التوحيدي وأبو الثلاج في جماعة
423 - رواه علي بن إبراهيم في تفسير
الآية: (58) من سورة الانفال: 8. ورواه عنه البحراني في تفسير الآية الكريمة من
تفسير البرهان: ج 2 ص 90 ط 3. 424 - المناقب لابن شهر آشوب، فصل " في إخباره بالغيب
"، ج 2، ص 259، ط ايران.
[162]
فكان كما قال عليه السلام. 425 - فس: (ومن
يعصى الله ورسوله) في ولاية علي صلوات الله عليه (فإن له نار جهنم خالدين فيها
أبدا) [23 / الجن]. قال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي أنت قسيم النار تقول: هذا
لي وهذا لك قالوا: فمتى يكون ؟ متى ما تعدنا يا محمد من أمر علي والنار ؟ فأنزل
الله تعالى: * (حتى إذا رأوا ما يوعدون) * يعني الموت والقيامة * (فسيعلمون) * يعني
فلانا وفلانا وفلانا ومعاوية وعمرو بن العاص وأصحاب الضغائن من قريش * (من أضعف
ناصرا وأقل عددا " (1). 426 - فس: محمد بن جعفر عن محمد بن عيسى عن زياد، عن الحسن
بن علي بن فضال عن ابن بكير عن الحسن بن زياد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول في قوله: " وإنا لا ندري أشر أريد بمن في الارض أم أراد بهم ربهم رشدا " فقال:
لا بل والله شر أريد بهم حين بايعوا معاوية وتركوا الحسن بن علي صلوات الله عليهما.
427 - ن: بإسناد التميمي عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين قال: لقد
علم المستحفظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
425 - رواه علي بن إبراهيم في تفسير الآية
الكريمة وهي الآية: (23) من سورة الجن: (72) من تفسيره. ورواه أيضا عنه السيد هاشم
البحراني رحمه الله في تفسير الآية الكريمة من سورة الجن من تفسير البرهان: ج 4 ص
393. (1) هذا هو الظاهر، وفي أصلي: " فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا " يعني
فلانا وفلانا وفلانا ومعاوية وعمرو بن العاص وأصحاب الضغائن من قريش " من أضعف
ناصرا وأقل عددا ". 426 - رواه علي بن إبراهيم رحمه الله في تفسير الآية: (10) من
سورة الجن من تفسيره. 427 - رواه الشيخ الصدوق رفع الله مقامه في أواخر الباب: (31)
تحت الرقم: (275) منه من كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2 ص 63، وفي ط بيروت
ص 69.
[163]
وآله أن أهل صفين قد لعنهم الله عزوجل على
لسان نبيه صلى الله عليه وآله وقد خاب من افترى. 428 - فس: * (فلا صدق ولا صلى) *
[31 / القيامة: 75] فإنه كان سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وآله دعا إلى
بيعة علي يوم غدير خم فلما بلغ الناس وأخبرهم في علي ما أراد الله أن يخبرهم به
رجعوا الناس فاتكأ معاوية على المغيرة بن شعبة وأبي موسى الاشعري ثم أقبل يتمطى نحو
أهله ويقول: والله ما نقر لعلي بالولاية أبدا ولا نصدق محمدا مقالته فيه فأنزل الله
جل ذكره: * (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى أولى لك فأولى)
* وعيدا للفاسق فصعد رسول الله المنبر وهو يريد البرائة منه فأنزل الله: * (لا تحرك
به لسانك لتعجل به) * فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يسمه. بيان: " فلا صدق
" من الصدق أو التصديق " يتمطى " أي يتبختر افتخارا بذلك " أولى لك " ويل لك. 429 -
فس: دخل رسول الله المسجد وفيه عمرو بن العاص والحكم بن
428 - رواه علي بن إبراهيم رحمه الله في
تفسير الآية الكريمة من تفسيره: ج 2، ص 397، ط 2. ورواه البحراني عنه وعن ابن شهر
أشوب في تفسير الآية الكريمة من تفسير البرهان: ج 4 ص 406. ورواه بأسانيد فرات بن
إبراهيم الكوفي رحمه الله في تفسير السورة المباركة من تفسيره ص 195، ط 1. ورواه
عنه الحافظ الحسكاني في الحديث: (1040) من كتاب شواهد التنزيل: ج 2 ص 295 ط 1. 429
- رواه علي بن إبراهيم رحمه الله في تفسير الآية الكريمة من تفسيره. ورواه عنه
السيد هاشم البحراني رحمه الله في تفسير الآية الكريمة من تفسير البرهان: ج 4 ص
515. وكلمتا " عمرو بن " مقحمتان في الحديث، أو أن لفظة " أبو " سقطت من الحديث أي
و [كان] فيه أبو عمرو بن العاص والحكم...
[164]
أبي العاص فقال عمرو: يا أبا الابتر وكان
الرجل في الجاهلية إذا لم يكن له ولد يسمى أبترا ثم قال عمرو: وإني لاشنأ محمدا أي
أبغضه فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وآله * (إن شانئك) * أي مبغضك عمرو بن
العاص * (هو الابتر) * يعني لا دين له ولا نسب. 430 - يب: ابن طريف عن ابن علوان عن
جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى أهل مكة أن
يواجروا دورهم وأن يغلقوا عليها أبوابا وقال: " سواء العاكف فيه والباد " قال: وفعل
ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي عليه السلام حتى كان في زمن معاوية. 431 - مع: المكتب
عن ابن زكريا عن ابن حبيب عن نصر بن عبيد عن نصر بن مزاحم عن عبد الغفار بن القاسم
عن الاعمش عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: أقبل ابو سفيان ومعاوية يتبعه
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم العن التابع والمتبوع اللهم عليك
بالاقيعس. قال ابن البراء لابيه من الاقيعس ؟ قال: معاوية. 432 - كتاب صفين مثله.
430 - رواه الشيخ الطوسي رفع الله مقامه
في كتاب الحج من كتاب تهذيب الاحكام. وقريبا منه رواه الشيخ رحمه الله في الحديث:
(104) من باب الزيادات من كتاب التهذيب: ج 5 ص 388 ط النجف. وقريبا منه رواه السيد
الرضي رحمه الله في ذيل المختار: (67) من باب كتب أمير المؤمنين عليه السلام من نهج
البلاغة. وفي تفسير الآية: (24) وما بعدها من سورة الحج في تفسير البرهان: ج 3 ص 83
- 84 ط 3 شواهد. 431 - رواه الشيخ الصدوق رفع الله مقامه في الباب: معنى الاقيعس من
كتاب معاني الاخبار: ج 2 ص 327 ط النجف. 432 - رواه نصر بن مزاحم المنقري في أوائل
الجزء الرابع من كتاب صفين ص 216 ط مصر. ورواه العلامة الاميني مع أحاديث أخر في
معناه عن مصادر كثيرة في عنوان:
[165]
قال الصدوق رضي الله عنه: الاقيعس تصغير
الاقعس وهو الملتوي العنق والقعاس التواء يأخذ في العنق من ريح كأنما يكسره إلى ما
وراءه والاقعس العزيز الممتنع ويقال عز اقعس. والقوعس: الغليظ العنق الشديد الظهر
من كل شئ. والقعوس: الشيخ الكبير. والقعس: نقيض الحدب والفعل قعس يقعس قعسا والجمع
قعساوات وقعس. والقعساء من النملة الرافعة صدرها وذنبها والاقعنساس شدة والتقاعس هو
من تقاعس فلان إذا لم ينفذ ولم يمض لما كلف ومقاعس حي من تميم. 433 - مع: ابن
الوليد عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا عن الاشعري عن السياري عن الحكم بن سالم
عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في
الله قلنا: صدق الله وقالوا: كذب الله قاتل أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وآله
وقاتل معاوية علي بن أبي طالب وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي عليه السلام
والسفياني يقاتل القائم عليه السلام. 434 - قب: كتاب أحمد بن عبد الله المؤذن عن
أبي معاوية الصرير عن الاعمش عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة وابن عباس وفي تفسير
ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله: " أليس الله بأحكم الحاكمين " وقد
" المغالات في معاوية " من كتاب الغدير: ج
10، ص 139 - 177. ولاحظ ما رواه ابن أبي الحديد في آخر شرحه على المختار: (54) من
نهج البلاغة: ج 1، ص 760 433 - رواه الصدوق رحمه الله في الباب: " معنى قول الصادق
عليه السلام: إنا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله عزوجل من كتاب معاني
الاخبار: ج 2 ص 328 ط النجف. وفي أواسط شرحه على المختار (56) ج 1، ص 794، ط بيروت.
434 - رواه ابن شهر اشوب رحمه الله في عنوان: " فصل في طاعة علي وعصيانه " من مناقب
آل أبي طالب: ج 3 ص 7 ط النجف. ورواه عنه البحراني في تفسير الآية الاخيرة من سورة
" التين: 95 " من تفسير البرهان: ج 4 ص 477 ط 3.
[166]
دخلت الروايات بعضها في بعض أن النبي صلى
الله عليه وآله أنتبه من نومه في بيت أم هانئ فزعا فسألته عن ذلك فقال: يا أم هانئ
إن الله عزوجل عرض علي في منامي القيامة وأهوالها والجنة ونعيمها والنار وما فيها
وعذابها فأطلعت في النار فإذا أنا بمعاوية وعمرو بن العاص قائمين في حر جهنم ترضخ
رؤوسهما الزبانية بحجارة من جمر جهنم يقولون لهما هل آمنتا بولاية علي بن أبي طالب.
قال ابن عباس فيخرج علي من حجاب العظمة ضاحكا مستبشرا وينادي: حكم لي ورب الكعبة
فذلك قوله: " أليس الله بأحكم الحاكمين " فيبعث الخبيث إلى النار ويقوم علي في
الموقف يشفع في أصحابه وأهل بيته وشيعته. 435 - مع: ابن المتوكل عن الحميري عن ابن
عيسى عن ابن محبوب عن الثمالي قال: سمعت أبا جعفر يقول قال رسول الله صلى الله عليه
وآله ومعاوية يكتب بين يديه وأهوى بيده إلى خاصرته بالسيف من أدرك هذا يوما أميرا
فليبقر خاصرته بالسيف فرآه رجل ممن سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله يوما
وهو يخطب بالشام على الناس فاخترط سيفه ثم مشى إليه فحال الناس بينه وبينه فقالوا:
يا عبد الله مالك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من أدرك هذا يوما
أميرا فليبقر خاصرته بالسيف قال: فقالوا: أتدري من استعمله ؟ قال: لا. قالوا: أمير
المؤمنين عمر فقال الرجل: سمع وطاعة لامير المؤمنين. بيان بقره كمنعه: شقه ووسعه.
436 - ن: الحسين بن أحمد البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن أحمد بن
435 - رواه الشيخ الصدوق رفع الله مقامه
في الباب: معنى استعانة النبي بمعاوية في كتابة الوحي من كتاب معاني الاخبار: ج 2 ص
328 ط النجف. وفيه: سمعا وطاعة. 436 - رواه الشيخ الصدوق رحمه الله في آخر الباب:
(32) من كتاب عيون أخبار الرضا - عليه السلام -: ج 2 ص 86 ط النجف.
[167]
محمد بن إسحاق عن أبيه قال: حلف رجل
بخراسان بالطلاق أن معاوية ليس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أيام كان
الرضا عليه السلام بها فأفتى الفقهاء بطلاقها فسئل الرضا عليه السلام فأفتى أنها لا
تطلق فكتب الفقهاء رقعة أنفذوها إليه وقالوا له: من أين قلت يا ابن رسول الله صلى
الله عليه وآله إنها لم تطلق فوقع عليه السلام في رقعتهم قلت هذا من روايتكم عن أبي
سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لمسلمة الفتح وقد كثروا عليه:
أنتم خير وأصحابي خير ولا هجرة بعد الفتح فأبطل الهجرة ولم يجعل هؤلاء أصحابا له
فرجعوا إلى قوله. 437 - ل: ابن موسى عن ابن زكريا عن ابن حبيب عن نصير بن عبيد عن
نصر بن مزاحم عن يحيى بن يعلى عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن سالم بن أبي
الجعد عن أبي حرب بن أبي الاسود عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال: سمعت النبي صلى
الله عليه وآله يقول: من شر خلق الله خمسة إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه وفرعون دو
الاوتاد ورجل من بني إسرائيل ردهم عن دينهم ورجل من هذه الامة يبايع على كفر عند
باب لد قال: ثم قال: إني لما رأيت معاوية يبايع عند لد ذكرت قول رسول الله صلى الله
عليه وآله فلحقت بعلي فكنت معه. 438 - كتاب صفين لنصر بن مزاحم عن يحيى بن يعلى
مثله. بيان: قال الفيروز آبادي " لد " بالضم قرية بفلسطين يقتل عيسى عليه السلام
الدجال عند بابها. 439 - ير: الحسن بن علي عن العباس بن عامر عن أبان عن بشير
النبال
437 - رواه الشيخ الصدوق رفع الله مقامه
في الحديث الاخير من باب الخمسة من الخصال ج 1، ص 319 ط 3. 438 - رواه نصر بن مزاحم
المنقري رحمه الله في أوائل الجزء الرابع من كتاب صفين ص 217 ط مصر. 439 - رواه
الصفار كتاب بصائر الدرجات في باب أن الائمة يعرضون عليهم أعدائهم، ح 1، ص 284، ط
قم.
[168]
عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: كنت خلف
أبي وهو على بغلته فنفرت بغلته فإذا رجل شيخ في عنقه سلسلة ورجل يتبعه فقال: يا علي
بن الحسين اسقني اسقني. فقال الرجل: لا تسقه لا سقاه الله قال وكان الشيخ معاوية.
440 - ختص: أيوب بن نوح والحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة عن العباس مثله. 441
- ير: محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن الحسين بن أبي العلاء عن هارون بن خارجة
عن يحيى بن أم الطويل قال: صحبت علي بن الحسين عليه السلام في المدينة إلى مكة وهو
على بغلته وأنا على راحلة فجزنا وادي ضجنان فإذا نحن برجل أسود في رقبته سلسلة قال:
وهو يقول يا علي بن الحسين اسقني سقاك الله. قال: فقال علي فوضع رأسه على صدره ثم
حرك دابته قال: فالتفت فإذا رجل يجذبه وهو يقول: لا تسقه لا سقاه الله قال: فحركت
راحلتي فلحقت بعلي بن الحسين عليه السلام قال: فقال لي: أي شئ رأيت ؟ فأخبرته فقال:
ذاك معاوية لعنه الله. 442 - حة: محمد بن محمد بن علي بن الذيات عن الحسن بن إسحاق
بن موهوب عن محمد بن القاضي عبد الله عن المبارك بن عبد الجبار، عن أحمد بن عبد
الواحد عن علي بن محمد بن عقبة عن سليمان بن الربيع عن نصر بن
440 - رواه الشيخ المفيد رحمه الله - مع
أحاديث أخر بأسانيد أخر في معناه - في أواسط كتاب الاختصاص ص 269 ط النجف. 441 -
رواه الصفار في كتاب بصائر الدرجات. في باب أن الائمة عليهم السلام يعرضون عليهم
أعدائهم، ص 286. 442 - رواه ابن طاووس رحمه الله في كتاب فرحة الغري ص 24، ط النجف.
وقصة لعن معاوية عليا عليه السلام والسبطين وحواريه مذكورة في أواخر الجزء (8) وهو
الجزء الاخير من كتاب صفين ص 553 ط مصر. ورواها أيضا الطبري في ختام عنوان: "
اجتماع الحكمين بدومة الجندل " من حوادث سنة: (37) من تاريخه: ج 5 ص 71 ط بيروت.
[169]
مزاحم التميمي في كتاب صفين قال: كان
معاوية إذا قنت لعن عليا عليه السلام وابن عباس وقيس بن سعد والحسن والحسين عليهما
السلام ولم ينكر ذلك عليه إما خوفا من مؤمن أو اعتقادا من جاهل وكان خالد بن عبد
الله بن يزيد بن أسد بن كريز بن عامر بن عبد الله بن عبد شمس بن عمعمة بن حريز بن
شق بن مصعب بن يشكر بن دهم بن أفرك بن بدير بن قسر القسري يقول على المنبر: العنوا
علي بن أبي طالب فإنه لص بن لص بضم اللام فقام إليه أعرابي. فقال: والله ما أعلم من
أي شئ أعجب من سبك علي بن أبي - طالب أم من معرفتك بالعربية. 443 - كشف: من كتاب
الموفقيات للزبير بن بكار الزبيري عن رجاله قال: قال مطرف بن المغيرة بن شعبة: وفدت
مع أبي المغيرة على معاوية وكان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلى فيذكر معاوية
ويذكر عقله ويعجب بما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ورأيته مغتما
فانتظرته ساعة وظننت أنه لشئ حدث فينا وفي عملنا فقلت: ما لي أراك مغتما منذ الليلة
فقال: يا بني جئت من عند أخبث الناس قلت: وما ذاك ؟ قال: قلت له وخلوت به إنك قد
بلغت سنا فلو أظهرت عدلا وبسطت خيرا فإنك قد كبرت ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم
فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شئ تخافه. فقال: هيهات هيهات ملك أخو تيم
فعدل وفعل ما فعل فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل: أبو بكر. ثم
ملك أخو بني عدي فاجتهد وشمر عشر سنين فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول
قائل: عمر ثم ملك عثمان فهلك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه وفعل ما فعل وعمل به ما
عمل فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فعل به، وإن أخا بني
443 - رواه علي بن عيسى الاربلي رحمه الله
في أواخر عنوان: " في ذكر مناقب شتى... " وقبيل عنوان: " ذكر قتله ومدة خلافته... "
من كتاب كشف الغمة: ج 2 ص 44 ط بيروت.
[170]
هاشم يصاح به في كل يوم خمس مرات " أشهد
أن محمدا رسول الله " فأي عمل يبقى بعد هذا لا أم لك لا والله إلا دفنا دفنا. بيان:
أي أقتلهم وأدفنهم دفنا أو أدفن وأخفي ذكرهم وفضائلهم وهو أظهر. 444 - 446 - كنز:
عن الحسن بن محبوب عن محمد بن مسكان عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه
السلام أنه قال: نزلت سورة الحاقة في أمير المؤمنين عليه السلام وفي معاوية عليه من
الله جزاء ما عمله. ويؤيده ما رواه محمد بن عباس عن الحسن بن أحمد عن محمد بن عيسى
عن رجل عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: قوله عزوجل: * (فأما من
أوتي كتابه بيمينه) * إلى آخر الآيات فهو أمير المؤمنين * (وأما من أوتي كتابه
بشماله) * فالشامي لعنه الله وروي عن أبي عبد الله أن معاوية صاحب السلسلة وهو
فرعون هذه الامة. 447 - كا: أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار، عن بعض أصحابنا
رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما العقل ؟ قال: ما عبد به الرحمن
واكتسب به الجنان. قال: قلت: فالذي كان في معاوية ؟ فقال: تلك النكراء تلك الشيطنة
وهي شبيهة بالعقل. 448 - كا: العدة عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الحسين بن
أبي
444 - 446 - رواه العلامة الكراجكي رحمه
الله في كتاب كنز الفوائد. 447 - رواه ثقة الاسلام الكليني رفع الله مقامه في
الحديث الثالث من كتاب العقل والجهل من الكافي: ج 1، ص 11. 448 - 449 - رواهما ثقة
الاسلام الكليني في باب قوله عزوجل: " سواء العاكف والباد " من كتاب الحج من كتاب
الكافي: ج 4 ص 242 ط الآخوندي. ورواهما عنه السيد البحراني في تفسير الآية: (25) من
سورة الحج من تفسير البرهان: ج 3 ص 83 ط 3. وفيهما بقطرانهم، وسيأتي في كتاب الحج
باب فضل مكة بعض الروايات المرتبطة بالمقام.
[171]
العلاء قال: قال أبو عبد الله عليه
السلام: إن معاوية أول من علق على بابه مصراعين بمكة فمنع حاج بيت الله ما قال الله
عزوجل: * (سواء العاكف فيه والباد) * [25 / الحج: 22]. وكان الناس إذا قدموا مكة
نزل البادي على الحاضر حتى يقضي حجه. وكان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله
عزوجل: * (في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم) * [32
/ الحاقة: 69]. وكان فرعون هذه الامة. 449 - كا: الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن
الوشاء عن أبان بن عثمان عن يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام عن
أبيه عليه السلام قال: لم يكن لدور مكة أبواب وكان أهل البلدان يأتون بقطوانهم
فيدخلون فيضربون بها وكان أول من بوبها معاوية. أقول: سيأتي أخبار كثيرة في كتاب
الحج في أن أول من ابتدع ذلك معاوية لعنه الله. 450 - يب: الحسين بن سعيد عن فضالة
عن معاوية بن وهب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن أول من خطب وهو جالس
معاوية واستأذن الناس في ذلك من وجع كان في ركبتيه وكان يخطب خطبة وهو جالس و خطبة
وهو قائم ثم يجلس بينهما. 451 - د: كان معاوية يكتب فيما ينزل به يسئل له علي بن
أبي طالب
450 - رواه الشيخ الطوسي رفع الله مقامه
في الحديث: (74) من عنوان: " باب العمل في ليلة الجمعة ويومها " من كتاب الصلاة من
كتاب التهذيب: ج 3 ص 20 ط النجف. 451 - رواه علي بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي -
أخو العلامة الحلي - المولود عام: (635) في كتاب العدد القوية لدفع المخاوف
اليومية، والكتاب إلى الآن لم ينشر. والحديث رواه حرفيا أبو عمر بن عبد البر في
أواسط ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب الاستيعاب بهامش الاصابة: ج 3 ص 44.
وبعض محتويات الحديث رواه ابن أبي الدنيا في آخر مقتل أمير المؤمنين عليه
[172]
عليه السلام عن ذلك فلما بلغه قتله قال:
ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا أهل الشام.
فقال: دعني عنك. 452 - ختص: هلك معاوية لعنه الله وهو ابن ثمانية وسبعين سنة وولى
الامر عشرين سنة. 453 - ختص: ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد،
عن علي بن أبي المغيرة قال: نزل أبو جعفر عليه السلام بضجنان فقال ثلاث مرات: لا
غفر الله لك فلما قال ذلك قال: أتدرون لمن قلت أو قال له بعض أصحابنا فقال: مر بي
معاوية بن أبي سفيان يجر سلسلة قد أدلع لسانه يسألني أن أستغفر له ثم قال: إنه
يقال: إنه واد من أودية جهنم. أقول: قد أوردنا مثله بأسانيد في باب أحوال البرزخ
وباب معجزات الباقر عليه السلام. 454 - كا: محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن
الحكم عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لما كان سنة إحدى
وأربعين أراد معاوية الحج فأرسل نجارا وأرسل بالآلة وكتب إلى صاحب المدينة أن يقلع
منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ويجعلوه على قدر منبره بالشام فلما نهضوا
ليقلعوه انكسفت الشمس وزلزلت الارض فكفوا
السلام الموجود - بنقص في أوله - في
المجموعة: (95) من المكتبة الظاهرية الورق 232 منه. ورواه ابن عساكر بأسانيد عن ابن
أبي الدنيا وغيره في الحديث: (1505) وما بعده من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام
من تاريخ دمشق: ج 3 ص 405 - 409 ط 2. 452 - رواه الشيخ المفيد في كتاب الاختصاص ص
131، ط طهران. 453 - رواه الشيخ المفيد رحمه الله في أواسط كتاب الاختصاص ص 270 ط
النجف. 454 - رواه ثقة الاسلام الكليني رفع الله مقامه في عنوان: " المنبر والروضة
ومقام النبي صلى الله عليه وآله " من أبواب الزيارات في آخر كتاب الحج من الكافي: ج
4 ص 554 ط الآخوندي.
[173]
وكتبوا بذلك إلى معاوية فكتب إليهم يعزم
عليهم لما فعلوه ففعلوا فمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله المدخل الذي رأيت. 455
- تقريب: قال ابن الاثير في الكامل: أراد معاوية في سنة خمسين من الهجرة أن ينقل
منبر رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة إلى الشام وقال لا نترك منبر النبي
صلى الله عليه وآله وعصاه في المدينة وهم قتلة عثمان وطلب العصا وهي عند سعد القرظي
فحرك المنبر فكسفت الشمس حتى رأيت النجوم بادية فأعظم الناس ذلك فتركه. وقيل أتاه
جابر وأبو هريرة فقالا: لا يصلح أن يخرج منبر رسول الله صلى الله عليه وآله من موضع
وضعه فيه وتنقل عصاه إلى الشام فتركه وزاد فيه ست درجات واعتذر مما صنع. أقول: يظهر
من الخبر أن هذا اعتذار من القوم له. 456 - كتاب سليم بن قيس: عن أبان عن سليم وعمر
بن أبي سلمة قالا: قدم معاوية حاجا في خلافته المدينة بعدما قتل أمير المؤمنين
صلوات الله
455 - ذكره عز الدين محمد بن محمد بن عبد
الكريم المعروف بابن الاثير في أوائل حوادث سنة خمسين من كتاب الكامل: ج 3 ص 229 ط
بيروت. ورواه الطبري بأسانيد في أواسط حوادث سنة (50) من تاريخ الامم والملوك: ج 5
ص 238، وفي ط 1: ج 2 ص 92. ورواه عنه ابن كثير في أول حوادث سنة (50) من تاريخ
الامم والملوك: ج 5 ص 238، وفي ط 1: ج 2 ص 92. ورواه عنه ابن كثير في أول حوادث
سنة: (50) من كتاب البداية والنهاية: ج 8 ص 45 ط بيروت. ورواه أيضا المسعودي في
أوائل عنوان: " ذكر لمع من أخبار معاوية... ". من كتاب مروج الذهب: ج 3 ص 35 ط مصر.
456 - رواه سليم بن قيس الهلالي في كتابه، ص 199، ط بيروت. ورواه عنه السيد علي خان
المدني والعلامة الاميني في ترجمة قيس بن عبادة من كتاب الدرجات الرفيعة ص 439
والغدير: ج 2 ص 106، ط بيروت.
[174]
عليه وصالح الحسن - وفي رواية أخرى بعدما
مات الحسن عليه السلام واستقبله أهل المدينة فنظر فإذا الذي استقبله من قريش أكثر
من الانصار فسأل عن ذلك فقيل: إنهم يحتاجون ليست لهم دواب فالتفت معاوية إلى قيس بن
سعد بن عبادة فقال: يا معشر الانصار مالكم لا تستقبلوني مع إخوانكم من قريش ؟ فقال
قيس وكان سيد الانصار وابن سيدهم: أقعدنا يا أمير المؤمنين أن لم يكن لنا دواب قال
معاوية: فأين النواضح ؟ فقال قيس: أفنيناها يوم بدر ويوم أحد وما بعدهما في مشاهد
رسول الله حين ضربناك وأباك على الاسلام حتى ظهر أمر الله وأنت كارهون ! قال
معاوية: اللهم غفرا قال قيس: أما إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: سترون بعدي
أثرة. ثم قال: يا معاوية تعيرنا بنواضحنا ؟ والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر وأنتم
جاهدون على إطفاء نور الله وأن يكون كلمة الشيطان هي العليا ثم دخلت أنت وأبوك كرها
في الاسلام الذي ضربناكم عليه ! ! فقال معاوية كأنك تمن علينا بنصرتكم إيانا فلله
ولقريش بذلك المن والطول ألستم تمنون علينا يا معشر الانصار بنصرتكم رسول الله وهو
من قريش وهو ابن عمنا ومنا فلنا المن والطول أن جعلكم الله أنصارنا وأتباعنا فهداكم
بنا. فقال قيس: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين فبعثه إلى
الناس كافة وإلى الجن والانس والاحمر وألاسود والابيض اختاره لنبوته واختصه برسالته
فكان أول من صدقه وآمن به ابن عمه علي بن أبي طالب وأبو طالب يذب عنه ويمنعه ويحول
بين كفار قريش وبين أن يردعوه ويؤذوه وأمر أن يبلغ رسالة ربه فلم يزل ممنوعا من
الضيم والاذى حتى مات عمه أبو طالب وأمر ابنه بموازرته فوازره ونصره وجعل نفسه دونه
في كل شديدة وكل ضيق وكل خوف واختص الله بذلك عليا عليه السلام من بين قريش وأكرمه
من بين جميع العرب والعجم فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله جميع بني عبد المطلب
فيهم أبو طالب وأبو لهب وهم يومئذ أربعون رجلا فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله
وخادمه علي عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله
[175]
في حجر عمه أبي طالب فقال: أيكم ينتدب أن
يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن من بعدي ؟ فأمسك القوم حتى
أعادها ثلاثا فقال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله فوضع رأسه في حجره وتفل في
فيه وقال اللهم املا جوفه علما وفهما وحكما. ثم قال لابي طالب: يا أبا طالب اسمع
الآن لابنك واطع فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى وآخا صلى الله عليه
وآله بين علي وبين نفسه. فلم يدع قيس شيئا من مناقبه إلا ذكرها واحتج بها وقال:
منهم جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين اختصه الله بذلك من بين الناس ومنهم
حمزة سيد الشهداء ومنهم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة [العالمين " خ ل "] فإذا وضعت من
قريش رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته وعترته الطيبين فنحن والله خير منكم
يا معشر قريش وأحب إلى الله ورسوله وإلى أهل بيته منكم. لقد قبض رسول الله صلى الله
عليه وآله فاجتمعت الانصار إلى أبي ثم قالوا: نبايع سعدا فجاءت قريش فخاصمونا بحقه
وقرابته فما يعدو قريش أن يكونوا ظلموا الانصار [أ] وظلموا آل محمد ولعمري ما لاحد
من الانصار ولا لقريش ولا لاحد من العرب والعجم في الخلافة حق مع علي بن أبي طالب
عليه السلام وولده من بعده. فغضب معاوية وقال يا ابن سعد عمن أخذت هذا وعمن رويته
وعمن سمعته أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته ؟ فقال قيس: سمعته وأخذته ممن هو خير من أبي
وأعظم علي حقا من أبي قال: من ؟ قال: علي بن أبي طالب عليه السلام عالم هذه الامة
وصديقها الذي أنزل الله فيه: * (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم
الكتاب) * [43 / الرعد: 13] فلم يدع [قيس] آية لزلت في علي عليه السلام إلا ذكرها
قال معاوية: فإن صديقها أبو بكر، وفاروقها عمر، " والذي عنده علم الكتاب " عبد الله
بن سلام. قال قيس: أحق بهذه الاسماء وأولى بها الذي أنزل الله فيه: * (أفمن كان على
بينة من
[176]
ربه ويتلوه شاهد منه) * [43 / هود] والذي
نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم فقال: من كنت مولاه أولى به من نفسه
فعلي أولى به من نفسه وقال في غزوة تبوك: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا
نبي بعدي. وكان معاوية يومئذ بالمدنية فعند ذلك نادى مناديه وكتب بذلك نسخة إلى
عماله: ألا برئت الذمة ممن روى حديثا في مناقب علي وأهل بيته وقامت الخطبة في كل
مكان على المنابر بلعن علي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة منه (1) والوقيعة في
أهل بيته واللعنة لهم بما ليس فيهم عليهم السلام.
(1) والقصة متواترة ولها شواهد كثيرة جدا
يمكن أن يفرد لها تأليف مستقل ضخم، ثم إن كثيرا من محتويات هذه الرواية رواه حرفيا
أبو الحسن المدائني في كتاب الاحداث، وابن عرفة المعروف بنفطويه في تاريخه كما رواه
عنهما ابن أبي الحديد في شرح المختار: (203 / أو 210) من نهج البلاغة من شرحه: ج 3
ص 595 ط الحديث ببيروت. وبعض شواهدها مذكورة في الحديث: (32) من باب مناقب علي عليه
السلام من صحيح مسلم: ج 7 ص 119، وفي ط: ج 4 ص 1870. ورواه أيضا الترمذي في الحديث:
(14) من باب مناقب علي عليه السلام من كتاب المناقب من سننه: ج 5 ص 638. وأيضا يجد
الباحث شواهد أخر في الحديث: (271) وتواليه وتعليقاتها من ترجمة أمير المؤمنين عليه
السلام من تاريخ دمشق: ج 1، ص 226 - 234، ط 2. وأيضا للموضوع شواهد أخر في الحديث:
(91 - 92) من كتاب خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي ص 169. وأيضا للقصة
شواهد في الحديث: (667) وما بعده وتعليقاتها من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق:
ج 2 ص 182، ط 2. وأيضا ذكر ابن أبي الحديد شواهد كثيرة في شرح المختار: (56) من نهج
البلاغة: ج 1، ص 356، وفي ط الحديث ببيروت: ج 1، ص 778. وروى الياقوت الحموي في
عنوان: " سجستان " من كتاب معجم البلدان: ج 5 ص 38 قال: لعن علي بن أبي طالب رضي
الله عنه على منابر الشرق والغرب ولم يلعن على منبر سجستان إلا مرة، وامتنعوا على
بني أمية حتى زادوا في عهدهم: وأن لا يلعن على منبرهم أحد.
[177]
ثم قال الياقوت: وأي شرف أعظم من امتناعهم
من لعن أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين
مكة والمدينة. أقول: وقريبا منه جدا ذكره صاحب تاريخ روضة الصفا عن أهل الجبل وذكر
أبياتا في مدحهم. وأيضا روى السيد مرتضى الداعي الحسيني أن أهل شيراز امتنعوا عن
اللعن أربعين شهرا ودفعوا في ذلك إلى عمال بني أمية جعلا بخلاف جهال ونواصب إصبهان
فإنهم دفعوا الجعل كي يلعنوه ! ! هكذا ذكره في كتاب تبصرة العوام. وروى ابن عبد ربه
في عنوان: (أخبار معاوية) من كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم من العقد
الفريد، ج 2، ص 30 وفي ط 2، ج 3، ص 127، قال: لما مات الحسن بن علي عليهما السلام
حج معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن عليا على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله
فقيل له: إن هاهنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه. فأرسل
إليه [معاوية] وذكر له ذلك ؟ ! فقال: إن فعلت لاخرجن من المسجد ثم لا أعود إليه،
فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد، فلما مات لعنه على المنبر وكتب إلى عماله: أن
يلعنوه على المنابر. ففعلوا. فكتبت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله إلى
معاوية: إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ! ! وذلك إنكم تلعنون علي بن أبي طالب
ومن أحبه وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله. فلم يلتفت [معاوية] إلى كلامها. وقال
الجاحظ: إن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك
وصد عن سبيلك فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا أليما. وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه
الكلمات يشاد بها على المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز. وإن قوما من بني أمية
قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين إنك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن هذا الرجل. فقال:
لا والله حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلا. رواه عنه
ابن ابي الحديد في شرحه - على المختار: (56) من نهج البلاغة -: ج 1، ص 356، وفي ط
الحديث ببيروت: ج 1، ص 778. ورواه مع ما تقدم العلامة الاميني في ترجمة قيس بن سعد
من كتاب الغدير: ج 2
[178]
ثم إن معاوية مر بحلقة من قريش فلما رأوه
قاموا إليه غير عبد الله بن عباس: فقال له: يا ابن عباس ما منعك من القيام كما قام
أصحابك إلا لموجدة علي بقتالي إياكم يوم صفين يا ابن عباس إن ابن عمي عثمان قتل
مظلوما. قال ابن عباس: فعمر بن الخطاب قد قتل أيضا مظلوما قال فتسلم
ص 102، ط بيروت ثم قال: قال الزمخشري في
ربيع الابرار - على ما يعلق بالخاطر - الحافظ السيوطي: إنه كان في أيام بني أمية
أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب بما سنه لهم معاوية من ذلك. وفي
ذلك يقول الشيخ أحمد الحفظي الشافعي في أرجوزته: وقد حكى الشيخ السيوطي إنه * قد
كان فيما جعلوه سنة سبعون ألف منبر وعشرة * من فوقهن يلعنون حيدرة وهذه في جنبها
العظائم * تصغر بل توجه اللوائم فهل ترى من سنها يعادي ؟ * أم لا وهل يستر أو يهادى
أو عالم يقول: عنه نسكت * أجب فإني للجواب منصت أليس ذا يؤذيه أم لا فاسمعن * إن
الذي يؤذيه من ومن ومن عاون أخا العرفان بالجواب * وعاد من عادى أبا تراب وليت شعري
هل يقال: اجتهدا * كقولهم في بغيه أم ألحد ! بل جاء في حديث أم سلمة * هل فيكم الله
يسب مه لمه ؟ وأيضا روى ابن أبي الحديد في شرح المختار: (56) من نهج البلاغة: ج 1 ص
782 ط الحديث ببيروت قال: وذكر شيخنا أبو جعفر الاسكافي أن معاوية وضع قوما من
الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن
فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو
هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير. أقول: ثم ذكر
نموذجا من تلك الاحاديث المختلقة فراجعه البتة فإنه يوضح لك وزن روايات أهل السنة.
وليلاحظ البتة ما أورده العلامة الاميني عن مصادر كثيرة في الغدير: ج 10، ص 260 -
266.
[179]
الامر إلى ولده وهذا ابنه قال: إن عمر
قتله مشرك. قال ابن عباس: فمن قتل عثمان ؟ قال: قتله المسلمون ! ! قال: فذلك أدحض
لحجتك وأحل لدمه إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلا بحق. قال: فإنا قد كتبنا في
الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته فكف لسانك يا ابن عباس واربع على نفسك قال:
فتنهانا عن قراءة القرآن ؟ قال: لا. قال: فتنهانا عن تأويله قال: نعم. قال: فنقرأه
ولا نسأل عن ما عنى الله به قال: نعم قال: فأيما أوجب علينا قراءته أو العمل به ؟
قال: العمل به. قال: فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا ؟ قال: يسئل
عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك قال: إنما أنزل القرآن على أهل
بيتي فاسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط واليهود والنصارى والمجوس ؟ قال: فقد
عدلتني بهؤلاء ؟ قال: لعمري ما أعدلك بهم إلا إذا نهيت الامة أن يعبدوا الله
بالقرآن وبما فيه من أمر أو نهي أو حلال أو حرام أو ناسخ أو منسوخ أو عام أو خاص أو
محكم أو متشابه وإن لم تسأل الامة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا قال معاوية:
فاقرأوا القرآن ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم ومما قال رسول الله وارووا ما
سوى ذلك. قال ابن عباس: قال الله تعالى في القرآن: * (يريدون أن يطفئوا نور الله
بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) * [32 / التوبة] قال
معاوية: يا ابن عباس اكفني نفسك وكف عني لسانك وإن كنت لابد فاعلا فليكن سرا فلا
تسمعه أحدا علانية. ثم رجع إلى منزله فبعث إليه بخمسين ألف درهم وفي رواية أخرى
مائة ألف درهم ثم اشتد البلاء بالامصار كلها على شيعة علي وأهل بيته وكان أشد الناس
بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة واستعمل عليها زيادا ضمها إليه مع البصرة
وجمع له العراقين وكان يتبع الشيعة وهو بهم عالم لانه كان منهم قد عرفهم وسمع
كلامهم أول شئ فقتلهم تحت كل كوكب وتحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الايدي والارجل
منهم وصلبهم على جذوع النخل وسمل أعينهم وطردهم وشردهم حتى انتزحوا عن العراق فلم
يبق بها أحد منهم إلا مقتول أو مصلوب أو طريد أو هارب.
[180]
وكتب معاوية إلى عماله وولاته في جميع
الارضين والامصار أن لا يجيزوا لاحد من شيعة علي ولا من أهل بيته ولا من أهل ولايته
الذين يروون فضله ويتحدثون بمناقبه شهادة وكتب إلى عماله: انظروا من قبلكم من شيعة
عثمان ومحبيه وأهل بيته وأهل ولايته الذين يروون فضله ويتحدثون بمناقبه فأدنوا
مجالسهم وأكرموهم وقربوهم وشرفوهم واكتبوا إلي بما يروي كل واحد منهم فيه باسمه
واسم أبيه وممن هو ففعلوا ذلك حتى أكثروا في عثمان الحديث وبعث إليهم بالصلات
والكسي وأكثر لهم القطائع من العرب والموالي فكثروا في كل مصر وتنافسوا في المنازل
والضياع واتسعت عليهم الدنيا فلم يكن أحد يأتي عامل مصر من الامصار ولا قرية فيروي
في عثمان منقبة أو يذكر له فضيلة إلا كتب اسمه وقرب وشفع فمكثوا بذلك ما شاء الله.
ثم كتب إلى عماله أن الحديث قد كثر في عثمان وفشا في كل مصر ومن كل ناحية فإذا
جاءكم كتابي هذا فدعوهم إلى الرواية في أبي بكر وعمر فإن فضلهما وسوابقهما أحب إلي
وأقر لعيني وأدحض لحجة أهل هذا البيت وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله فقرأ كل قاض
وأمير من ولاته كتابه على الناس وأخذ الناس في الروايات فيهم وفي مناقبهم. ثم كتب
نسخة جمع فيها جميع ما روي فيهم من المناقب والفضائل وأنفذهما إلى عماله وأمرهم
بقرائتها على المنابر في كل كورة وفي كل مسجد وأمرهم أن ينفذوا إلى معلمي الكتاتيب
أن يعلموها صبيانهم حتى يرووها ويتعلموها كما يتعلمون القرآن حتى علموها بناتهم
ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله. ثم كتب إلى عمال نسخة واحدة إلى
جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من
الديوان ولا تجيزوا له شهادة. ثم كتب كتابا آخر من اتهمتموه ولم تقم عليه بينة
فاقتلوه ! ! فقتلوهم على التهم والظن والشبه تحت كل كوكل حتى لقد كان الرجل يسقط
بالكلمة فيضرب عنقه ولم يكن ذلك البلاء في بلد أكبر ولا أشد منه بالعراق ولاسيما
[181]
بالكوفة حتى أن الرجل من شيعة علي وممن
بقي من أصحابه بالمدينة وغيرها ليأتيه من يثق به فيدخل بيته ثم يلقى عليه ستر فيخاف
من خادمه ومملوكه فلا يحدثه حتى يأخذ [عليه] الايمان المغلظة ليكتمن عليه. وجعل
الامر لا يزداد إلا شدة وكثر عندهم عدوهم وأظهروا أحاديثهم الكاذبة في أصحابهم من
الزور والبهتان فينشأ الناس على ذلك ولا يتعلمون إلا منهم ومضى على ذلك قضاتهم
وولاتهم وفقهاؤهم. وكان أعظم الناس في ذلك بلاء وفتنة القراء المراؤن المتصنعون
الذين يظهرون لهم الحزن والخشوع والنسك ويكذبون ويعلمون الاحاديث ليحظوا بذلك عند
ولاتهم ويدنو لذلك مجالسهم ويصيبوا بذلك الاموال والقطائع والمنازل حتى صارت
أحاديثهم تلك ورواياتهم في أيدي من يحسب أنها حق وأنها صدق فرووها وقبلوها وتعلموها
وعلموها وأحبوا عليها وأبغضوا وصارت بأيدي الناس المتدينين الذين لا يستحلون الكذب
ويبغضون عليه أهله فقبلوها وهم يرون أنها حق ولو علموا أنها باطل لم يرووها ولم
يتدينوا بها. فصار الحق في ذلك الزمان باطلا والباطل حقا والصدق كذبا والكذب صدقا
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لتشملنكم فتنة يربوا فيها الوليد وينشأ فيها
الكبير تجري الناس عليها ويتخذونها سنة فإذا غير منها شئ قالوا أتى الناس منكرا
غيرت السنة. فلما مات الحسن بن علي عليهما السلام لم يزل الفتنة والبلاء يعظمان
ويشتدان فلم يبق ولي لله إلا خائفا على دمه. وفي رواية أخرى إلا خائفا على دمه أنه
مقتول وإلا طريدا [وإلا شريدا: " خ ل "] ولم يبق عدو لله إلا مظهرا الحجة غير مستتر
ببدعته وضلالته. فلما كان قبل موت معاوية بسنة حج الحسين بن علي صلوات الله عليه
وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر فجمع الحسين عليه السلام بني هاشم رجالهم
ونساءهم ومواليهم ومن حج منهم ومن الانصار ممن يعرفه الحسين وأهل
[182]
بيته ثم أرسل رسلا لا تدعوا أحدا ممن حج
العام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلا أجمعوهم
لي فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادقه عامتهم من التابعين ونحو من
مائتي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال: أما بعد فإن هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم
وإني أريد أن أسألكم عن شئ فإن صدقت فصدقوني وإن كذبت فكذبوني وأسألكم بحق الله
عليكم وحق رسوله صلى الله عليه وآله وقرابتي. من نبيكم عليه وآله السلام لما سترتم
مقامي هذا ووصفتم مقالتي ودعوتم أجمعين في أمصاركم من قبائلكم من آمنتم من الناس.
وفي رواية أخرى بعد قوله: فكذبوني: اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي ثم ارجعوا إلى
أمصاركم وقبائلكم فمن آمنتم من الناس ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا،
فإني أتخوف أن يدرس هذا الامر ويذهب الحق ويغلب * (والله متم نوره ولو كره
الكافرون) *. وما ترك شيئا مما أنزل الله فيهم من القرآن إلا تلاه وفسره ولا شيئا
مما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته إلا
رواه وكل ذلك يقول أصحابه: اللهم نعم وقد سمعناه وشهدناه ويقول: التابع اللهم قد
حدثني به من أصدقه وأئتمنه من الصحابة فقال: أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به
وبدينه. قال سليم: فكان فيما ناشدهم الحسين عليه السلام وذكرهم أن قال: أنشدكم الله
أتعلمون أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان أخا رسول الله ؟ حين آخا بين أصحابه
فآخا بينه وبين نفسه وقال: أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله اشترى موضع
[183]
مسجده ومنازله فابتناه ثم ابتنى فيه عشرة
منازل تسعة له وجعل عاشرها في وسطها لابي ثم سد كل باب شارع إلى المسجد غير بابه
فتكلم في ذلك من تكلم فقال: ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه ولكن الله أمرني بسد
[أبوابكم] وفتح بابه. ثم نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره وكان يجنب في المسجد
ومنزله في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله فولد لرسول الله صلى الله عليه وآله
فيه أولاد قالوا اللهم نعم. قال: أفتعلمون أن عمر بن الخطاب حرص على كوة قدر عينه
يدعها من منزله إلى المسجد فأبى عليه ثم خطب فقال: إن الله أمرني أن أبني مسجدا
طاهرا لا يسكنه غيري وغير أخي وابنيه قالوا اللهم نعم. قال: أنشدكم الله أتعلمون أن
رسول الله صلى الله عليه وآله نصبه يوم غدير خم فنادى له بالولاية وقال: ليبلغ
الشاهد الغائب قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله
عليه وآله قال له في غزوة تبوك: أنت مني بمنزلة هارون من موسى وأنت ولي كل مؤمن
بعدي ؟ قالوا اللهم نعم. قال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله
حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأت إلا به وبصاحبته وابنيه ؟ قالوا:
اللهم نعم. قال: أنشدكم الله أتعلمون أنه دفع إليه اللواء يوم خيبر ثم قال لادفعها
إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرار غير فرار يفتحها الله على يديه ؟
قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعثه ببراءة وقال:
لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى
الله عليه وآله لم ينزل به شديدة قط إلا قدمه لها ثقة به وأنه لم يدعه باسمه قط إلا
يقول يا أخي وادعوا إلى أخي
[184]
قالوا: اللهم نعم. قال: أفتعلمون أن رسول
الله صلى الله عليه وآله قضى بينه وبين جعفر وزيد فقال: يا علي أنت مني وأنا منك
وأنت ولي كل مؤمن بعدي. قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أنه كانت له من رسول الله
صلى الله عليه وآله كل يوم خلوة وكل ليلة دخلة إذا سأله أعطاه وإذا سكت ابتدأه ؟
قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله فضله على جعفر
وحمزة حين قال لفاطمة: زوجتك خير أهل بيتي أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكبرهم علما
قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أنا سيد ولد
آدم وأخي علي سيد العرب وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة والحسن والحسين إبناي سيدا شباب
أهل الجنة. قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره
بغسله وأخبره أن جبرئيل عليه السلام يعينه ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال في آخر خطبة خطبها إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب
الله وأهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضلوا قالوا: اللهم نعم. فلم يدع شيئا أنزله الله
في علي بن أبي طالب عليه السلام خاصة وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان نبيه صلى
الله عليه وآله إلا ناشدهم فيه فيقول الصحابة: اللهم نعم قد سمعنا. ويقول التابع:
اللهم نعم قد حدثنيه من أثق به فلان وفلان ثم قد ناشدهم أنهم قد سمعوه يقول: من زعم
أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب ليس يحبني ويبغض عليا فقال له قائل: يا رسول الله
وكيف ذلك ؟ قال: لانه مني وأنا منه من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني ومن
أبغضني فقد أبغض الله فقالوا: اللهم نعم قد سمعنا
[185]
وتفرقوا على ذلك. بيان: قوله: اللهم غفرا
أي اللهم اغفر لي غفرا أو اللهم افتتاح للكلام والخطاب لقيس أي اغفر ما وقع مني أو
استر معايبي. وقال [ابن الاثير] في النهاية: فيه قال للانصار: " إنكم ستلقون بعدي
أثرة فاصبروا " الاثرة بفتح الهمزة والثاء الاسم من اثر يوثر إيثارا إذا أعطى أراد
أنه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفئ. والاستيثار: الانفراد بالشئ. وقال
الجوهري: سمل العين: فقؤها يقال: سملت عينه تسمل إذا فقأت بحديدة محماة. وقال: نزحت
الدار: بعدت. وبلد نازح وقوم منازيح وقد نزع بفلان إذا بعد عن دياره غيبة بعيدة
وتقول: أنت بمنتزح من كذا أي بعيد منه. قوله عليه السلام: " فولد لرسول الله صلى
الله عليه وآله " أي ولد له أولاد من فاطمة كانوا أولادا لرسول الله صلى الله عليه
وآله. 457 - ما: ابن الصلت عن ابن عقدة عن أحمد بن القاسم عن عباد عن علي بن عابس
عن حصين عن عبد الله بن معقل عن علي عليه السلام أنه قنت في الصبح فلعن معاوية
وعمرو بن العاص وأبا موسى وأبا الاعور وأصحابهم. 458 - 474 - كتاب صفين لنصر بن
مزاحم عن أبي عبد الرحمن عن
457 - رواه الشيخ الطوسي في الحديث الاخير
من المجلس 25 من أماليه، ج 2، ص 733، ط بيروت. 458 - 474 - هذه الاحاديث كلها - ما
عدا الحديث الاول - موجودة في أوائل الجزء الرابع من كتاب صفين ص 215 وما بعدها من
ط مصر. وأما الحديث الاول فقد رواه ابن أبي الحديد أيضا عن كتاب صفين في شرح
المختار: (54) من نهج البلاغة من شرحه: ج 4 ص 31 ط مصر، وفي ط الحديث ببيروت: ج 1،
ص 760. وما وضعناه بين المعقوفين قد سقط عن ط الكمباني من البحار، وأخذناه من
[186]
يونس بن الارقم عن عوف عن عبد الله عن
عمرو [بن هند البجلي عن أبيه قال] فلما نظر علي عليه السلام إلى رايات معاوية وأهل
الشام قال والذي فلق الحبة وبرئ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما
وجدوا عليه أعوانا رجعوا إلى عداوتهم منا إلا أنهم لم يدعوا الصلاة. وعن عبد العزيز
بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال: لما كان قتال صفين قال رجل لعمار: يا أبا اليقظان
ألم يقل رسول الله قاتلوا الناس حتى يسلموا فإذا أسلموا عصموا مني دماءهم وأموالهم
؟ قال: بلى ولكن والله ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه
أعوانا. وبالاسناد عن حبيب عن منذر الثوري قال: قال محمد بن الحنفية: لما أتاهم
رسول الله صلى الله عليه وآله من أعلى الوادي ومن أسفله وملؤا الاودية كتائب - يعني
يوم فتح مكة استسلموا حتى وجدوا أعوانا (1) وعن الحكم بن ظهير عن إسماعيل عن الحسن
و [أيضا عن] الحكم عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري
فاضربوا عنقه قال الحسن: فما فعلوا ولا أفلحوا. وعن عمرو بن ثابت عن إسماعيل عن
الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري
فاقتلوه. (2)
شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة. وهذا
الحديث ما وجدته في مظانه من كتاب صفين ط مصر، والظاهر أنه قد سقط عنها كما سقط عنه
أحاديث أخر. (1) هذا هو الظاهر الموافق لما رواه عن نصر بن مزاحم ابن أبي الحديد في
آخر شرحه على المختار: (54) من نهج البلاغة: ج 1، ص 760. وفي ط الكمباني من البحار:
" عن منذر العلوي قال: قال محمد بن الحنفية: لما أتاهم العدو من أعلى الوادي ومن
أسفله وملؤا الاودية كتائب استسلموا حتى وجدوا أعوانا ". (2) وقريبا منه رواه أيضا
ابن عدي بأسانيد كثيرة في تضاعيف تراجم جماعة ممن ذكره وترجم له،
[187]
قال: فحدثني بعضهم قال: [قال] أبو سعيد
الخدري: فلم نفعل ولم نفلح. (1) وعن يحيى بن يعلى عن الاعمش عن خيثمة قال: قال عبد
الله بن عمر: إن معاوية في تابوت في الدرك الاسفل من النار ولولا كلمة فرعون: " أنا
ربكم الاعلى " ما كان أحد أسفل من معاوية. وعن جعفر الاحمر عن ليث عن مجاهد عن عبد
الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يموت معاوية على غير ملة
الاسلام. وعن جعفر، عن ليث، عن محارب بن زياد، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: يموت معاوية على غير ملتي. وعن قيس بن الربيع وسليمان بن
قرم عن الاعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن علي عليه السلام قال: رأيت
النبي صلى الله عليه
فرواه في ترجمة الحكم بن ظهير من كتاب
الكامل: ج 2 ص 626 ط 1، قال: أخبرنا علي بن العباس، حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا
الحكم بن ظهير، عن عاصم، عن زر [بن حبيش] عن عبد الله [بن مسعود قال:] ان رسول الله
صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه. ورواه أيضا في
ترجمة عمرو بن عبيد في ج 5 ص 1751، و 1754، و 1756. وأيضا رواه بأسانيد في ترجمة
علي بن زيد بن جدعان في ج 5 ص 1844. وأيضا رواه بأسانيد في ترجمة عبد الرزاق في ج 5
ص 1951. ورواه أيضا في آخر ترجمة مؤلف كتاب مغازي النبي صلى الله عليه وآله محمد بن
إسحاق في ج 5 ص 1125. ورواه أيضا في ترجمة مجالد بن سعيد في ج 6 ص 2416. ورواه أيضا
في ترجمة الوليد بن القاسم في ج 7 ص 2544. ورواه أيضا البلاذري في ترجمة معاوية من
كتاب أنساب الاشراف: ح 2 / الورق 75 / ب /. (1) هذا هو الظاهر الموافق لما رواه ابن
أبي الحديد عن نصر في آخر شرحه على المختار: (54) من نهج البلاغة: ج 1، ص 760، ط
بيروت، وفيه أيضا: " فقال الحسن: فو الله ما فعلوا ولا أفلحوا ".
[188]
وآله في النوم فشكوت إليه ما لقيت من أمته
من الاود واللدد فقال: انظر فإذا عمرو بن العاص ومعاوية معلقين منكسين تشدخ رؤوسهما
بالصخر (1). وعن يحيى بن يعلى عن عبد الجبار بن عباس عن عمار الدهني عن أبي المثنى
عن عبد الله بن عمر قال: ما بين تابوت معاوية وتابوت فرعون إلا درجة وما انخفضت تلك
الدرجة إلا لانه قال: أنا ربكم الاعلى. وعن أبي عبد الرحمن عن العلاء بن يزيد
القرشي (2) عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: دخل زيد بن أرقم على معاوية فإذا عمرو
بن العاص جالس معه على السرير فلما رأى ذلك زيد جاء حتى رمى بنفسه بينهما فقال له
عمرو بن العاص: أما وجدت لك مجلسا إلا أن تقطع بيني وبين أمير المؤمنين ؟ فقال زيد:
إن رسول الله صلى الله عليه وآله غزا غزوة وأنتما معه فرأكما مجتمعين فنظر إليكما
نظرا شديدا ثم رأكما اليوم الثاني واليوم الثالث كل ذلك يديم النظر إليكما فقال في
اليوم الثالث: إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما فإنهما لن
يجتمعا على خير. وعن محمد بن فضيل عن يزيد بن أبى زياد (3) عن سليمان بن عمرو بن
(1) وقريبا منه جدا رواه ابن أبي الحديد
بسندين في شرح المختار: (56) من نهج البلاغة من شرحه: ج 1، ص 814 ط بيروت. (2) كذا
في ط مصر من كتاب صفين، وفي ط الكمباني من البحار: " عن العلاء بن يزيد القرشي...
". وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق عليه السلام. وقريبا من هذا الحديث روي عن
عبادة بن صامت الصحابي كما رواه عنه ابن عبد ربه في عنوان: " خبر عمرو بن العاص مع
معاوية " من كتاب العقد الفريد: ج 3 ص 114. ورواه أيضا الباعوني في الباب: (64) من
كتاب جواهر المطالب الورق 82 /. وقد رويناه عن مصدر آخر، عن شداد بن أوس في تعليق
المختار: (172) من نهج السعادة: ج 2 ص 85. (3) هو من رجال الصحاح الست مترجم في
تهذيب التهذيب 11 / 329. والحديث رواه أيضا أبو يعلى والبزاز في مسنديهما.
[189]
الاحوص قال: أخبرني أبو هلال: أنه سمع أبا
برزة الاسلمي أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فسمعوا غناء فتشرفوا له
فقام رجل فاستمع له وذلك قبل أن تحرم الخمر فأتاهم ثم رجع فقال هما معاوية وعمرو بن
العاص يجيب أحدهما الآخر وهو يقول: لا يزال حواري تلوح عظامه * زوى الحرب عنه أن
يجن فيقبرا فرفع رسول الله يديه فقال: اللهم اركسهم في الفتنة ركسا اللهم دعهم إلى
النار دعا. وعن محمد بن فضيل عن أبي حمزة الثمالي عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله
بن عمر قال: إن تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون وذلك بأن فرعون قال: أنا
ربكم الاعلى. وعن شريك عن ليث عن طاوس عن عبد الله بن عمر قال: أتيت النبي
ورواه أحمد في المسند، ج 4، ص 421 في مسند
أبي برزة. ورواه الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة يزيد بن أبي زياد. ورواه ابن
قيم الجوزية في المنار المنيف في الفصل 37، ص 118. ورواه الطبراني في المعجم الكبير
كما في الغدير من طريق ابن عباس. ورواه السيوطي في اللئالي المصنوعة 1 / 427. ورواه
محمد بن سليمان الكوفي بسنده عن أبي برزة تحت الرقم 786 في أواسط الجزء الخامس من
مناقب علي عليه السلام الورق 169 / أو في ط 1، ج 2، ص 280. ورواه نصر في وقعة صفين،
ص 219 ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة كما تقدمت الاشارة إليه. قال
الاميني: لما لم يجد القوم غمزا في إسناد هذا الحديث وكان ذلك عزيزا على من يتولى
معاوية فحذف أحمد [في المسند] الاسمين وجعل مكانهما (فلان وفلان) واختلق آخرون
تجاهه ما أخرجه ابن قانع في معجمه [بسند ضعيف]... عن صالح شقران قال: بينما نحن
ليلة في سفر إذ سمع النبي صلى الله عليه وآله صوتا فذهبت انظر فإذا معاوية بن أبي
رافع وعمرو بن رفاعة... (الحديث). ثم ذكر الاميني بعده كلاما جيدا فراجع ألبتة ج
10، ص 140 هذا وفي صفين: يزال حواري... يحس. أما يزال ولا يزال فلكل منهما وجه
والمعنى واحد.
[190]
صلى الله عليه وآله فسمعته يقول: يطلع
عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت وهو على غير سنتي فشق ذلك علي وتركت أبي يلبس
ثيابه ويجئ فطلع معاوية. وعن تليد (1) بن سليمان عن الاعمش عن علي بن الاقمر قال:
وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا ثم قلنا: لو مررنا برجل قد شهد رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وعاينه فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا: يا صاحب رسول الله حدثنا ما
شهدت ورأيت قال: إن هذا أرسل إلي يعني معاوية فقال: لئن بلغني أنك تحدث لاضربن عنقك
فجثوت على ركبتي بين يديه ثم قلت وددت أن أحد سيف في جندك على عنقي. (2) فقال:
والله ما كنت لاقاتلك ولا أقتلك وأيم الله ما يمنعني أن أحدثكم ما سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله [قال فيه، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه يدعوه]
وكان يكتب بين يديه فجاء الرسول فقال: هو يأكل فأعاد عليه الرسول الثالثة (3) فقال:
هو يأكل. فقال: لا أشبع الله بطنه. فهل ترونه يشبع ؟. قال: وخرج [معاوية] من فج -
قال: - فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية
وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق فلما نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
اللهم العن القائد والسائق والراكب. قلنا أنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله
؟ قال: نعم وإلا فصمتا اذناي كما عميتا عيناي. (4)
(1) له ترجمة في التهذيب وغيره وفي الاصل:
بليد. (2) هذا هو الظاهر، وفي ط الكمباني من البحار: " إن أحد سيف في جسدك... ".
(3) كذا في أصلي غير أن ما بين المعقوفين قد سقط منه وأخذناه من كتاب صفين ص 220 ط
مصر. (4) وقريبا منه رواه العلامة الاميني رحمه الله عن مصادر أخر في عنوان: "
المغالات في معاوية " من الغدير: ج 10، ص 120.
[191]
وعن عبد العزيز بن الخطاب عن صالح بن أبي
الاسود عن إسماعيل عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم
معاوية على منبري يخطب فاقتلوه. 475 - أقول: قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح
نهج البلاغة روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الاحداث قال:
كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من
فضل أبي تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤن
منه ويقعون فيه وفي أهل بيته. وساق الخبر نحوا مما مر إلى أن (1) قال:
وروى ابن أبي الحديد في أواسط شرح
المختار: (56) من نهج البلاغة من شرحه: ج 1، ص 793، ط بيروت قال: وروى شيخنا أبو
عبد الله البصري المتكلم عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال: أتيت مسجد رسول الله
صلى الله عليه وآله والناس يقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. فقلت: ما
هذا ؟ قالوا: معاوية قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا من المسجد فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: لعن الله التابع والمتبوع رب يوم لامتي من معاوية ذي الاستاه.
قالوا: يعني الكبير العجز. وقال: روى العلاء بن حريز القشيري أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لمعاوية لتتخذن يا معاوية البدعة سنة والقبيح حسنا أكلك كثير وظلمك
عظيم. قال: وروى الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ قال: قال علي عليه
السلام: نحن وآل أبي سفيان قوم تعادوا في الامر والامر يعودكما بدا. 475 - رواه ابن
أبي الحديد في شرح المختار: (203 / أو 210) من نهج البلاغة: ج 3 ص 595 ط الحديث
ببيروت. (1) كان ينبغي على المصنف أن يذكر الكلام حرفيا ولا يحيل على الغائب الذي
أكثر الناس عن الوصول إليه قاصرون أو لمدلول أمثاله مستنكرون، وكيف كان فنحن نذكر
الكلام حرفيا أخذا من شرح المختار، (203 / أو 201) من نهج البلاغة لابن أبي الحديد:
ج 3 ص 595 قال: وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الاحداث
قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى
[192]
شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته. فقامت
الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته،
وكان أشد الناس بلاءا حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام،
فاستعمل عليهم [معاوية] زياد بن سمية وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم
عارف لانه كان منهم أيام علي عليه السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم وقطع
الايدي والارجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق، فلم
يبق بها معروف منهم. وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لاحد من
شيعة علي وأهل بيته شهادة. وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه
وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا
إلي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته. ففعلوا ذلك حتى أكثروا في
فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء
والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي. فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل
والدنيا، فليس يجئ أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة
أو منقبة ألا كتب اسمه وقربه وشفعه. فلبثوا بذلك حينا. ثم كتب [معاوية] إلى عماله
أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا
فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الاولين، ولا تتركوا خبرا
يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب
إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد إليهم من مناقب عثمان وفضله. فقرئت
كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس
في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر وألقي إلى معلمي
الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما
يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله.
ثم كتب [معاوية] إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت
[193]
فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن علي
عليه السلام فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا خائف على دمه أو
طريد في الارض. ثم تفاقم الامر بعد قتل الحسين عليه السلام وولى عبد الملك بن مروان
فاشتد الامر على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف فتقرب إليه أهل النسك والصلاح
والدين ببغض علي عليه السلام وموالاة أعدائه [وموالات من يدعى من الناس أنهم أيضا
أعداؤه] فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم وأكثروا من النقص من علي
عليه السلام وعيبه والطعن فيه والشنآن له حتى أن إنسانا وقف للحجاج ويقال: أنه جد
الاصمعي عبد الملك بن قريب فصاح بن أيها الامير إن أهلي عقوني وسموني عليا وإني
فقير بائس وأنا إلى صلة الامير محتاج فتضاحك له الحجاج وقال: للطف ما توسلت به قد
عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته
فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه. وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالات
هؤلا القوم فنكلوا به وأهدموا داره. فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا
سيما بالكوفة حتى أن الرجل من شيعة علي عليه السلام ليأتيه من يثق به فيدخل بيته
فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الايمان الغليظة
ليكتمن عليه. فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة
والولاة. وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤن، والمستضعفون الذين يظهرون
الخشوع والنسك فيفتعلون الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا
به الاموال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الاخبار والاحاديث إلى أيدي الديانين
الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها
باطلة لما رووها ولا تدينوا بها. فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليه
السلام فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف علي دمه أو
طريد في الارض. أقول ثم ساق الحديث كما رواه المصنف في المتن. وأيضا روى ابن أبي
الحديد قبل الحديث المذكور حديثا آخر عن الامام الباقر عليه السلام يشترك في كثير
من المعاني مع الحديث المذكور فعلى طلاب الحق أن يراجعوه ويتعمقوا فيه.
[194]
وليتك موضع كذا. وقد روى ابن عرفة المعروف
بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: إن
أكثر الاحاديث الموصوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني امية تقربا إليهم بما
يظنون أنهم يرغمون به أنف بني هاشم. 476 - 477 - مد: من الجمع بين الصحاح الستة
لررين العبدري من صحيح النسائي بإسناده عن زيد بن وهب قال: مررت على أبي ذر بالربذة
فقلت: ما أنزلك بهذه الارض ؟ قال: كنا بالشام فقرأت: * (والذين يكئزون الذهب والفضة
ولا ينفقونها في سبيل الله) * الآية قال معاوية: ما هذه فينا ما هذه إلا في أهل
الكتاب فقلت إنها فينا وفيهم فكان بيني وبينهم في هذا الكلام
476 - 477 - رواهما يحيى بن الحسن ابن
البطريق رفع الله مقامه في الحديث: (34 - 35) من الفصل الاخير - وهو " فصل في [ذكر]
شئ من الاحداث بعد رسول الله، وذكر أعداء أمير المؤمنين... " - من كتاب العمدة ص
237 - 238. والحديث الثاني الذي رواه الحميدي مذكور في آخر الباب: (25) - وهو باب
من لعنه النبي أو سبه أو دعا عليه - من كتاب البر والصلة تحت الرقم: (2604) من صحيح
مسلم: ج 4 ص 2010 قال: حدثنا محمد بن المثنى العنزي ح [كذا] وحدثنا ابن بشار -
واللفظ لابن المثنى - قالا: حدثنا أمية بن خالد حدثنا شعبة، عن أبي حمزة القصاب: عن
ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف
باب قال: فجاء فحطأني حطأة [أي ضرب بين كتفي بكفه مبسوطة] وقال: اذهب وادع لي
معاوية. قال: فجئت فقلت هو يأكل. قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية. قال: فجئت
فقلت: هو يأكل. فقال: لا أشبع الله بطنه. قال: ابن المثنى: قلت لامية: ما [معنى]
حطأني ؟ قال: فقدني فقدة. حدثني إسحاق بن منصور، أخبرنا النضر بن شميل، حدثنا شعبة،
أخبرنا أبو حمزة [قال:] سمعت ابن عباس يقول: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم فاختبأت منه. فذكر بمثله.
[195]
فوصل ذلك إلى عثمان فكتب إلي إن شئت تنحيت
عنه فذلك الذي أنزلني هنا. ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي من إفراد مسلم بإسناده
عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فتواريت
خلف باب فجاء فحطاني حطأة وقال: اذهب فادع لي معاوية قال: فجئت فقلت: هو يأكل. ثم
قال: اذهب فادع لي معاوية قال: فجئت فقلت هو يأكل. فقال: لا أشبع الله بطنه. 478 -
أقول: رواه في الاستيعاب بإسناده عن ابن عباس. 479 - وروى العلامة قدس سره في كشف
الحق نقلا عن صحيح مسلم مثله ثم قال: قال الحسن بن مثنى: قلت ما معنى حطاني ؟ قال:
وقذني وقذة وأقول: قال في [مادة (حطا) من] النهاية: في حديث ابن عباس: قال: " أخذ
النبي بقفاي فحطاني حطوة " قال الهروي: هكذا جاء به الرواي غير مهموز وقال: قال ابن
الاعرابي: الحطو: تحريك الشئ مزعزعا. وقال: رواه شمر بالهمزة يقال: حطأه يحطؤه حطأ
إذا دفعه بكفه. وقيل: لا يكون الحطأة إلا ضربة
478 - رواه أبو عمر ابن عبد البر في ترجمة
معاوية من كتاب الاستيعاب بهامش الاصابة: ج 3 ص 401 قال: وروى أبو داود الطيالسي
قال: حدثنا هشيم وأبو عوانة عن أبي حمزة عن ابن عباس [قال:] إن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم بعث إلى معاوية يكتب له فقيل: إنه يأكل. ثم بعث إليه فقيل: إنه
يأكل. فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: لا أشبع الله بطنه. وقد أشار إليه
أيضا ابن حجر في ترجمة معاوية من كتاب الاصابة: ج 3 ص 434 ولكنه راوغ ولم يسرد
الحديث حرفيا قال: وفي مسند أحمد - وأصله في مسلم - عن ابن عباس قال: قال لي النبي
صلى الله عليه وآله وسلم: ادع لي معاوية وكان كاتبه ! ! ! 479 - رواه العلامة رحمه
الله في المطلب الرابع من كتاب نهج الحق وكشف الصدق ص 380 ط بيروت وانظر دلائل
الصدق: ج 3 ص 220 ط 1.
[196]
بالكف بين الكتفين انتهى. 480 - وروى في
المستدرك من الفردوس بإسناده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
أول من يختصم من هذه الامة بين يدي الرب عزوجل علي عليه السلام ومعاوية. 481 - كتاب
عباد العصفري عن حماد بن عيسى العبسي عن بلال بن يحيى عن حذيفة بن اليمان قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان على المنبر فاضربوه
بالسيف، وإذا رأيتم الحكم بن أبي العاص ولو تحت أستار الكعبة فاقتلوه. الخبر. 482 -
كتاب محمد بن المثنى عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح المحاربي
480 - لم يتبين لي أن كتاب المستدرك هذا
لمن ولكن الحديث مؤيد بما رواه جماعة مما هو في معناه. وقد رواه أبو بكر ابن أبي
شيبة في عنوان: " أول ما يقضى بين الناس " من كتاب الديات من المصنف: ج 11 / الورق
49 / أ / قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن التيمي عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، قال:
قال علي: أنا أول من يجثو للخصوم بين يدي الله يوم القيامة. حدثنا وكيع قال: حدثنا
فضيل بن مرزوق، عن عطية بن سعد العوفي، عن عبد الرحمان بن جندب: عن علي [عليه
السلام] أنه سئل عن قتلاه وقتلى معاوية ؟ فقال: أجئ أنا ومعاوية فنختصم عند ذي
العرش فأينا فلج فلج أصحابه. أقول: وعلى هذا يحمل إطلاق الحديث الاول وما رواه
المصنف في المتن وأمثالهما فالاولية إضافية. والحديث الثاني رواه حرفيا ابن ديزيل
كما في شرح المختار: (35) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 1، ص 454.
وللحديث الاول أيضا مصادر وأسانيد أخر بعضها مذكور في الحديث: (227) وتعليقه من
ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 224 481 - لا يحضرني كتاب عباد العصفري.
482 - لم أطلع بعد على كتاب محمد بن المثنى هذا، ولكن الحديث مؤيد بشواهد قطعية وقد
ذكر العلامة الاميني قصة لعن أمير المؤمنين عليه السلام معاوية وعتاته عن مصادر جمة
[197]
قال: قال الحرث بن المغيرة النضري لابي
عبد الله عليه السلام إن أبا معقل المزني حدثني عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه
صلى بالناس المغرب فقنت في الركعة الثانية ولعن معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى
الاشعري وأبا الاعور السلمي قال الشيخ عليه السلام صدق فالعنهم. 483 - نهج: ومن
كلام له عليه السلام: والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية
الغدر كنت من أدهى الناس ولكن كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به
يوم القيامة والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة. بيان: قوله: " بأدهى
مني " الدهاء بالفتح: الفطنة وجودة الرأي ويقال: رجل داهية وهو الذي لم يغلب عليه
أحد في تدابير أمور الدنيا. وقال ابن أبي الحديد: الغدرة بضم الفاء وفتح العين:
الكثير الغدر والكفرة والفجرة: الكثير الكفر والفجور وكل ما كان على هذا البناء فهو
الفاعل فإن سكنت العين فهو المفعول تقول رجل ضحكة أي يضحك وضحكة أي يضحك منه. ويروى
غدرة وفجرة وكفرة على فعلة للمرة الواحدة. وقال ابن ميثم قال بعض الشارحين: وجه
لزوم الكفر هاهنا أن الغدر على وجه استباحة ذلك واستحلاله كما هو المشهور من حال
ابن العاص ومعاوية في استباحة ما علم تحريمه ضرورة وجحده هو الكفر. ويحتمل أن يريد
كفر نعم الله وسترها بإظهار معصيته كما هو المفهوم منه لغة. أقول: اطلاق الكفر على
ارتكاب الكبائر واجتناب الفرائض شائع في الاخبار. قوله عليه السلام: " ما استغفل "
أي لا يمكن للخصم أن يجعلني غافلا بكيده بل
من كتب أهل السنة في ترجمة عمرو بن العاص
من كتاب الغدير: ج 2 ص 132، ط بيروت. 483 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في
المختار: (198 / أو 200) من نهج البلاغة.
[198]
أعلم مقصوده لكني قد أعرض عنه للمصلحة
وأحكم بظاهر الامر رعاية للشريعة أولا تجوز المكيدة علي كما تجوز على ذوي الغفلة. "
ولا استغمز " الغمز: العصر باليد والكبس أي لا ألين بالخطب الشديد بل أصبر عليه.
ويروى بالراء المهملة أي لا أستجهل بشدائد المكاره. 484 - كشف الحق للعلامة قدس
الله روحه [قال:] روى صاحب كتاب الهاوية أن معاوية قتل أربعين ألفا من المهاجرين
والانصار وأولادهم. 485 - أقول: قال مؤلف الزام النواصب والعلامة رحمه الله في كشف
الحق: روى أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي في كتاب المثالب: كان معاوية
لعمارة بن الوليد المخزومي ولمسافر بن أبي عمرو ولابي سفيان ولرجل آخر سماه وكانت
هند أمه من المغلمات وكان أحب الرجال إليها السودان وكانت إذا ولدت أسود دفنته
وكانت حمامة إحدى جدات معاوية لها راية في ذي المجاز. قالا: وذكر أبو سعيد إسماعيل
بن علي السمعاني الحنفي من علماء [أهل] السنة في مثالب بني أمية والشيخ أبو الفتوح
جعفر بن محمد الهمداني من علمائهم في كتاب بهجة المستفيد: أن مسافر بن عمرو بن أمية
بن عبد شمس، كان ذا جمال وسخاء فعشق هندا وجامعها سفاحا واشتهر ذلك في قريش فلما
حملت وظهر السفاح هرب مسافر من أبيها إلى الحيرة وكان سلطان العرب عمرو بن هند،
وطلب أبوها عتبة أبا سفيان ووعده بمال جزيل وزوجه هندا فوضعت بعد ثلاثة أشهر معاوية
ثم ورد أبو سفيان على عمرو بن هند فسأله مسافر عن حال هند فقال: إني تزوجتها فمرض
ومات. 486 - وقال العلامة رحمه الله في كشف الحق: إدعى معاوية أخوة زياد
484 - رواه العلامة قدس سره في أواخر
المطلب الرابع من كتاب كشف الحق ونهج الصدق ص 312، ط بيروت وانظر دلائل الصدق: ج 3
ص 235 ط 1. 485 - رواه العلامة في آخر المطلب الرابع من كتاب كشف الحق ونهج الصدق،
ص 307، ط بيروت وليلاحظ كتاب دلائل الصدق: ج 3 ص 236 ط 1، أو إحقاق الحق. 486 -
ذكره العلامة رفع الله مقامه في أوائل المطلب الرابع من كتاب كشف الحق ونهج الصدق ص
307 ط بيروت.
[199]
وكان له مدع يقال له أبو عبيدة عبد بني
علاج من ثقيف فأقدم معاوية على تكذيب ذلك الرجل مع أن زيادا ولد على فراشه وادعى
معاوية أن أبا سفيان زنا بوالدة زياد وهي عند زوجها المذكور وأن زيادا من أبي سفيان
انتهى. 487 - وقال العلامة الشيرازي في نزهة القلوب: أولاد الزنا نجب لان الرجل
يزني بشهوته ونشاطه فيخرج الولد كاملا وما يكون من الحلال فمن تصنع الرجل إلى
المرأة ولهذا كان عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان من دهاة الناس. ثم ساق الكلام
في بيان نسبهما على ما سيأتي من كتاب ربيع الابرار ثم زاد على ذلك وقال: ومنهم زياد
بن أبيه وفيه يقول الشاعر: ألا أبلغ معاوية بن حرب * مغلغلة من الرجل اليماني أتغضب
أن يقال أبوك عف * وترضى أن يكون أبوك زان 488 - كتاب الغارات لابراهيم بن محمد
الثقفي عن يوسف بن كليب المسعودي عن الحسن بن حماد الطائي عن عبد الصمد البارقي قال
قدم عقيل على علي عليه السلام وهو جالس في صحن مسجد الكوفة فقال: السلام عليك يا
أمير المؤمنين ورحمة الله قال: وعليك السلام يا أبا يزيد ثم التفت إلى الحسن بن علي
عليه السلام فقال: قم وأنزل عمك فذهب به وأنزله وعاد إليه فقال له: اشتر له قميصا
جديدا ورداءا جديدا وإزارا جديدا ونعلا جديدا فغدا على علي عليه السلام في الثياب
فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين قال: وعليك السلام يا أبا يزيد. قال يا أمير
المؤمنين ما أراك أصبت من الدنيا شيئا إلا هذه الحصبا قال: يا أبا يزيد يخرج عطائي
فأعطيكاه. فارتحل عن علي عليه السلام إلى معاوية فلما سمع به معاوية نصب
487 - لم أظفر بكتاب نزهة القلوب بعد. 488
- الحديث مذكور تحت الرقم: (32) من تلخيص كتاب الغارات ص 65 ط 1. ورواه عنه ابن أبي
الحديد في شرح المختار: (29) من نهج البلاغة: ج 1، ص 157. (*)
[200]
كراسيه وأجلس جلساءه فورد عليه فأمر له
بمائة ألف درهم فقبضها فقال له معاوية: أخبرني عن العسكرين ؟ قال: مررت بعكسر أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فإذا ليل كليل النبي صلى الله عليه وآله
ونهار كنهار النبي إلا أن رسول الله صلى الله عليه وآله ليس في القوم ومررت بعسكرك
فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر برسول الله صلى الله عليه وآله ليلة العقبة
فقال: من هذا الذي عن يمينك يا معاوية ؟ قال: هذا عمرو بن العاص. قال: هذا الذي
اختصم فيه ستة نفر فغلب عليه جزارها، فمن الآخر ؟ قال: الضحاك بن قيس الفهري قال:
أما والله لقد كان أبوه جيد الاخذ خسيس النفس فمن هذا الآخر ؟ قال أبو موسى الاشعري
قال: هذا ابن المراقة. فلما رأى معاوية أنه قد أغضب جلساءه قال: يا أبا يزيد ما
تقول في قال: دع عنك قال: لتقولن قال: أتعرف حمامة ؟ قال: ومن حمامة ؟ قال: أخبرتك.
ومضى عقيل فأرسل معاوية إلى النسابة فقال: أخبرني من حمامة ؟ قال أعطني الامان على
نفسي وأهلي. فأعطاه قال: حمامة جدتك وكانت بغية في الجاهلية لها راية تؤتى. قال
الشيخ: قال أبو بكر بن زبين (1) هي أم أم أبي سفيان. 489 - وقال ابن أبي الحديد في
شرح نهج البلاغة: معاوية هو أبو عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية
بن عبد شمس بن عبد مناف. وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف وأبو
سفيان هو الذي قاد قريشا في حروبها إلى النبي صلى الله عليه وآله وكانت هند
(1) كذا في الاصل ولعل الصواب: الزبير بن
أبي بكر. 489 - رواه ابن أبي الحديد في شرحه على المختار: (25) من نهج البلاغة: ج
1، ص 270 ط الحديث ببيروت. وما رواه عن كتاب ربيع الابرار موجود فيه في " باب
القرابات والانساب " منه في ج 3 ورواه عنه العلامة الاميني في الغدير: ج 1، ص 170.
[201]
تذكر في مكة بفجور وعهر. وقال الزمخشري في
كتاب ربيع الابرار: كان معاوية يعزى إلى أربعة إلى مسافر بن أبي عمرو وإلى عمارة بن
الوليد بن المغيرة وإلى العباس بن عبد المطلب وإلى الصباح مغن كان لعمارة بن الوليد
قال: وكان أبو سفيان دميما قصيرا وكان الصباح عسيفا لابي سفيان شابا وسيما فدعته
هند إلى نفسها فغشيها وقالوا: إن عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا وقالوا: إنها
كرهت أن تضعه في منزلها فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك وفي هذا المعنى يقول حسان أيام
المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله قبل عام
الفتح: لمن الصبي بجانب البطحاء * في الترب ملقى غير ذي مهد نجلت به بيضاء آنسة *
من عبد شمس صلتة الخد قال ابن أبي الحديد: وولى معاوية إثنتين وأربعين سنة منها
إثنتان وعشرون سنة ولي فيها إمارة الشام مذ مات أخوه يزيد بن أبي سفيان بعد خمس
سنين من خلافة عمر إلى أن قتل أمير المؤمنين عليه السلام في سنة أربعين ومنها عشرون
سنة خليفة إلى أن مات في سنة ستين. وكان أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله
واختلف في كتابته له كيف كانت فالذي عليه المحققون من أهل السيرة أن الوحي كان
يكتبه علي عليه السلام وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم، وأن حنظلة بن الربيع ومعاوية بن
أبي سفيان كانا يكتبان له إلى الملوك وإلى رؤساء القبائل ويكتبان حوائجه بين يديه
ويكتبان ما يجبى من أموال الصدقات ما يقسم له في أربابها. وكان معاوية على أس الدهر
مبغضا لعلي عليه السلام شديد الانحراف عنه وكيف لا يبغضه وقد قتل أخاه حنظلة يوم
بدر وخاله الوليد بن عتبة وشرك عمه [حمزة] في جده وهو عتبة أو في عمه وهو شيبة على
اختلاف الرواية وقتل من بني عمه من بني عبد شمس نفرا كثيرا من أعيانهم وأماثلهم ثم
[202]
جاءت الطامة الكبرى واقعة عثمان فنسبها
كلها إليه بشبهة إمساكه عنه وانضواء كثير من قتلته إليه فتأكدت البغضة وثارت
الاحقاد وتذكرت تلك التراث الاولى حتى أفضى الامر إلى ما أفضى إليه. وقد كان معاوية
مع عظم قدر علي عليه السلام في النفوس واعتراف العرب بشجاعته وأنه البطل الذي لا
يقام له يتهدده وعثمان بعد حي بالحرب والمنابذة ويراسله من الشام رسائل خشنة. ثم
قال ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا يرمى بالزندقة وقد ذكرنا في نقض السفيانية
على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلامية عنه من الالحاد
والتعرض لرسول الله صلى الله عليه وآله وما تظاهر به من الجبر والارجاء ولو لم يكن
شئ من ذلك لكان في محاربته الامام ما يكفي في فساد حاله لا سيما على قواعد أصحابنا
وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها إن لم يكفرها
التوبة. وقال في موضع آخر: معاوية عند أصحابنا مطعون في دينه منسوب إلى الالحاد قد
طعن فيه شيخنا أبو عبد الله البصري في كتاب نقض السفيانية على الجاحظ وروى عنه
أخبارا تدل على ذلك. 490 - 491 - روى ذلك أحمد بن أبي طاهر في كتاب أخبار الملوك أن
معاوية سمع المؤذن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله فقالها فقال: أشهد أن محمدا رسول
الله فقال: لله أبوك يا ابن عبد الله لقد كنت عالي الهمة ما رضيت لنفسك إلا أن تقرن
اسمك باسم رب العالمين. قال: وروى نصر بن مزاحم عن الحكم بن ظهير عن إسماعيل عن
490 - ما وصلني بعد خبر عن كتاب أخبار
الملوك. 491 - الحديث موجود في أوائل الجزء الرابع من كتاب صفين ص 216 ط الحديث
بمصر. وتقدم تحت الرقم: (461) ص 565 ط 1، نقل المصنف الحديث مباشرة عن كتاب صفين.
[203]
الحسن. قال: وحدثنا الحكم أيضا عن عاصم بن
أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قالا: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه. فقال الحسن: فو
الله ما فعلوا ولا أفلحوا. 492 - وروى أيضا في موضع آخر من تاريخ محمد بن جرير
الطبري أنه قال: في هذه السنة: [284] عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان على
المنابر وأمر بإنشاء كتاب يقرء على الناس فخوفه عبيدالله بن سليمان اضطراب العامة
وأنه لا يأمن أن تكون فتنة. فلم يلتفت إليه فكان أول شئ بدأ به المعتضد من ذلك
التقديم إلى العامة بلزوم أعمالهم وترك الاجتماع والعصبية [والشهادات عند السلطان
إلا أن يسألوا] (1) ومنع القصاص عن القعود على الطرقات. وأنشئ هذا [الكتاب] وعملت
منه نسخ قرئت بالجانبين من مدينة السلام في الارباع والمحال والاسواق في يوم
الاربعاء لست بقين منها ومنع القصاص من القعود في الجانبين ومنع أهل الحلق في
الفتيا [أو غيرهم] من القعود في المسجدين.
492 - رواه الطبري في حوادث: سنة: (284)
من تاريخ الامم والملوك: ج 10، ص 55 ط الحديث ببيروت. ورواه عنه ابن أبي الحديد في
شرح المختار: (27) من باب الكتب من نهج البلاغة: ج 4 ص 593 ط الحديث ببيروت. وبما
أن الكتاب كان في قدح معاوية خاصة وبني أمية عامة لم يسقه ابن كثير حرفيا بل اكتفى
بالاشارة إليه في حوادث سنة: (284) من كتاب البداية والنهاية: ج 6 ص 76 ط بيروت.
(1) ومثله في شرح ابن أبي الحديد، وفي تاريخ الطبري: " وترك الاجتماع والقضية
والشهادات عند السلطان... ". وما وضعناه بين المعقوفين مأخوذ منه ومن شرح ابن أبي
الحديد، غير أن ما ساقه المصنف هنا أكثريا بحسب اللفظ أقرب إلى ما في شرح نهج
البلاغة منه إلى ما في تاريخ الطبري.
[204]
ونودي في المسجد الجامع بنهي الناس عن
الاجتماع على قاص أو غيره ومنع القصاص وأهل الحق من القعود. ونودي أن الذمة قد برئت
ممن اجتمع من الناس في مناظرة وجدل. وتقدم إلى الشراب الذين يسقون الماء في
الجامعين أن لا يترحموا على معاوية ولا يذكروه [بخير] وكانت عادتهم جارية بالترحم.
وتحدث الناس أن الكتاب الذي قد أمر المعتضد بإنشائه بلعن معاوية يقرأ بعد صلاة
الجمعة على المنبر فلما صلى الناس [الجمعة] بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة
الكتاب فلم يقرأ. وقيل: (1) إن عبيدالله بن سليمان صرفه عن قرائته وانه أحضر يوسف
بن
(1) من قوله: " وقيل: إن عبيدالله بن
سليمان صرفه عن قراءته - إلى قوله: - فأمسك المعتضد فلم يرد إليه جوابا ولم يأمر
بعد ذلك في الكتاب بشئ " ذكره الطبري في خاتمة الكتاب، وأما ابن أبي الحديد فذكره
مثل ما ذكره المصنف هاهنا. ثم إن الطبري ذكر قبل الكتاب بعد قوله: " فلما صلى الناس
الجمعة بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة الكتاب فلم يقرأ " ما نصه: فذكر أن
المعتضد أمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية، فأخرج له من
الديوان فأخذ من جوامعه نسخة هذا الكتاب، وذكر أنها نسخة الكتاب الذي أنشئ للمعتضد
بالله: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله العلي العظيم، الحليم الحكيم، العزيز
الرحيم، المتفرد بالوحدانية، الباهر بقدرته الخالق بمشيئته وحكمته، الذي يعلم سوابق
[أسرار " خ "] الصدور، وضمائر القلوب، لا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة
في السماوات العلى ولا في الارضين السفلى قد أحاط بكل شئ علما وأحصى كل شئ عددا،
وضرب [وجعل " خ "] لكل شئ أمدا، وهو العليم الخبير. والحمد لله الذي برأ خلقه
لعبادته، وخلق عباده لمعرفته، على سابق علمه في طاعة مطيعهم وماضي أمره في عصيان
عاصيهم، فبين لهم ما يأتون وما يتقون، ونهج لهم سبل النجاة، وحذرهم مسالك الهلكة،
وظاهر عليهم الحجة وقدم إليهم المعذرة، واختار لهم دينه الذي ارتضى لهم وأكرمهم به،
وجعل المعتصمين بحبله والمتمسكين بعروته أولياءه وأهل طاعته، والمعاندين عنه
والمخالفين له أعداءه وأهل معصيته، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن
الله لسميع عليم. والحمد لله الذي اصطفى محمدا رسوله من جميع بريته واختاره لرسالته
وابتعثه بالهدى والدين المرتضى إلى عباده أجمعين، وأنزل عليه الكتاب المبين
المستبين، وتأذن له بالنصر والتمكين، وأيده بالعز والبرهان المتين فاهتدى به من
اهتدى، واستنقذ به من استجاب له من العمى وأضل من أدبر وتولى حتى أظهر (*)
[205]
يعقوب القاضي وأمره أن يعمل الحيلة في
إبطال ما عزم المعتضد عليه فمضى يوسف فكلم المعتضد في ذلك وقال له: إني أخاف أن
تضطرب العامة ويكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة فقال: إن تحركت العامة أو نطقت
وضعت السيف فيها فقال: يا أمير المؤمنين فما تصنع بالطالبين الذين يخرجون في كل
ناحية ويميل إليهم خلق كثير لقرابتهم من رسول الله وما في هذا الكتاب من إطرائهم أو
كما قال وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل وكانوا هم أبسط ألسنة وأثبت حجة منهم
اليوم فأمسك المعتضد فلم يرد عليه جوابا ولم يأمر بعد ذلك في الكتاب بشئ. وكان من
جملة الكتاب بعد أن قدم حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه
وآله: أما بعد فقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة العامة من شبهة قد دخلتهم
في أديانهم وفساد قد لحقهم في معتقدهم وعصبية قد غلبت عليها أهواؤهم ونطقت بها
ألسنتهم على غير معرفة ولا روية قد قلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة ولا بصيرة
وخالفوا السنن المتبعة إلى الاهواء المبتدعة قال الله عزوجل: * (ومن أضل ممن اتبع
هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * [50 / القصص] خروجا عن
الجماعة ومسارعة
الله أمره وأعز نصره وقهر من خالفه، وأنجز
له ما وعده، وختم به رسله [رسالته " خ "] وقبضه مؤديا لامره مبلغا لرسالته ناصحا
لامته، مرضيا مهتديا إلى أكرم مآب المنقلبين وأعلى منازل أنبيائه المرسلين وعباده
الفائزين، فصلى الله عليه أفضل صلاة وأتمها وأجلها وأعظمها وأزكاها وأطهرها وعلى
آله الطيبين. والحمد لله الذي جعل أمير المؤمنين وسلفه الراشدين المهتدين ورثة خاتم
النبيين وسيد المرسلين والقائمين والمقومين لعباده المؤمنين والمستحفظين ودائع
الحكمة ومواريث النبوة، والمستخلفين في الامة، والمنصورين بالعز والمنعة والتأييد
والغلبة حتى يظهر الله دينه على الدين كله ولو كره المشركون. وقد انتهى إلى أمير
المؤمنين ما عليه جماعة من العامة من شبهة قد دخلتهم في أديانهم وفساد قد لحقهم في
معتقدهم. أقول: جميع ما ذكره المعتضد في مقدمة كتابه حق غير هذا الذيل الذي ذكره
حول سلفه فإن كله باطل وبعض سلفه كالمنصور والرشيد والمتوكل لم يكونوا أقل ضلالة من
معاوية بل بعضهم كان أعتى وأطغى منه، ومن أراد أن يعرف شيئا يسيرا من تورط هؤلاء في
الطغيان فعليه بكتاب أنساب الاشراف.
[206]
إلى الفتنة وإيثارا للفرقة وتشتيتا للكلمة
وإظهارا لموالاة من قطع الله عنه الموالاة ويتر منه العصمة وأخرجه من الملة وأوجب
عليه اللعنة وتعظيما لمن صغر الله [حقه] وأوهن أمره وأضعف ركنه من بني أمية الشجرة
الملعونة ومخالفة لمن استنقذهم الله به من الهلكة وأسبغ عليهم به النعمة من أهل بيت
البركة والرحمة * (والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) *. فأعظم أمير
المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك ورأى ترك إنكاره حرجا عليه في الدين وفسادا لمن قلده
الله أمره من المسلمين وإهمالا لما أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين وتبصير
الجاهلين وإقامة الحجة على الشاكين وبسط اليد عن المعاندين. وأمير المؤمنين يخبركم
معاشر المسلمين أن الله عزوجل ثناؤه لما ابتعث محمدا صلى الله عليه وآله بدينه
وأمره أن يصدع بأمره بدأ بأهله وعشيرته فدعاهم إلى ربه وأنذرهم وبشرهم ونصح لهم
وأرشدهم وكان من استجاب له وصدق قوله واتبع أمره نفر يسير من بني أبيه (1) من بين
مؤمن بما أتى به من ربه وناصر لكلمته وإن لم يتبع دينه إعزازا له واشفاقا عليه
فمؤمنهم مجاهد ببصيرته وكافرهم مجاهد بنصرته وحميته يدفعون من نابذه ويقهرون من
عابه وعانده ويتوثقون له ممن كانفه وعاضده ويبايعون له من سمح له بنصرته ويتجسسون
أخبار أعدائه ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين حتى بلغ المدى وحان
وقت الاهتداء فدخلوا في دين الله وطاعته وتصديق رسوله والايمان به بأثبت بصيرة
وأحسن هدى ورغبة. فجعلهم الله أهل بيت الرحمة أهل بيته الذين أذهب عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا معدن الحكمة وورثة النبوة وموضع الخلافة أوجب الله لهم الفضيلة وألزم
العباد لهم الطاعة (1).
(1) كذا في تاريخ الطبري طبع الحديث
ببيروت، وفي ط الحديث ببيروت من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: " نفير يسير... "
وفي ط الكمباني من البحار: " إمرء يسير... ".
[207]
وكان ممن عانده وكذبه وحاربه من عشيرته
العدد الكثير والسواد الاعظم يتلقونه بالضرر والتثريب ويقصدونه بالاذى والتخويف
وينابذونه بالعداوة وينصبون له المحاربة ويصدون عن قصده وينالون بالتعذيب من اتبعه.
وكان أشدهم في ذلك عداوة وأعظمهم له مخالفة أولهم في كل حرب ومناصبة ورأسهم في كل
اجلاب وفتنة لا ترفع عن الاسلام راية إلا كان صاحبها وقائدها ورئيسها أبا سفيان بن
حرب صاحب أحد والخندق وغيرهما وأشياعه من بني أمية الملعونين في كتاب الله ثم
الملعونين على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله في مواطن عدة لسابق علم الله فيهم
وماضي حكمه في أمرهم وكفرهم ونفاقهم فلم يزل لعنه الله يحارب مجاهدا ويدافع مكايدا
ويجلب منابذا حتى قهره السيف وعلا أمر الله وهم كارهون فتعوذ بالاسلام غير - منطو
عليه وأسر الكفر غير مقلع عنه فقبله وقبل ولده على علم منه بحاله وحالهم ثم أنزل
الله تعالى كتابا فيما أنزله على رسوله يذكر فيه شأنهم (1) وهو
(1) هذا هو الصواب، وفي أصولي: " فجعلهم
الله أهل بيت الرحمة وأهل بيت الدين [الذين " خ "] أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا
ومعدن الحكمة... ". ومعلوم أن بني عباس من جدهم إلى المعتضد كاتب هذه الرسالة لم
يكونوا على هذه الاوصاف وكان جدهم العباس وابنه حبر الامة عبد الله لم يريا أنفسهم
أهلا للخلافة ولا رآهم الناس أهلا لها، ولهذا قال العباس بعد وفاة النبي لعلي: هلم
أبايعك... وأيضا لم ير أبو بكر وعمر وعثمان للعباس وبنيه سهما في الخلافة. وأما
أحفاد العباس بل وكثير من أبنائه فكانوا أهل لهو وتورط في الشهوات ومعدن الرجس
والقسوة والتوغل في ملاذ الدنيا والركون إليها وقد بلغوا أقصى حد الظلم والعدوان،
وسير إجمالي في سيرة المنصور والرشيد والمتوكل يوضح ما أشرنا إليه كالشمس في رائعة
النهار ! ! أهؤلاء أهل بيته الرحمة ؟ فمن أهل بيت القسوة والجفوة ؟ أهؤلاء أذهب
الله عنهم الرجس ؟ أهؤلاء معدن الحكمة ؟ فمن معدن الجهالة والسفاهة ؟ أهؤلاء ورثة
النبوة وموضع الخلافة ؟ فمن ورثة الطغيان والالحاد ؟ وأي فضيلة كانت فيهم غير
النسب، ونسب عمه أبي لهب كان أقرب من نسبهم ولم يفده شيئا، وكيف ألزم الله طاعتهم
على العباد وكانوا طغى العباد، وأظلم الظالمين والله تعالى يقول: " لا ينال عهدي
الظالمين ". (1) هذا هو الظاهر المذكور في شرح ابن أبي الحديد، وفي أصلي من طبع
الكمباني من البحار: " ثم أنزل الله تعالى كتابا فيما أنزل الله على رسوله فيهم
شأنهم ".
[208]
قوله: * (والشجرة الملعونة في القرآن) *
[60 / الاسراء] ولا خلاف بين أحد أنه تبارك وتعالى أراد بها بني أمية. ومما ورد من
ذلك في السنة ورواه ثقاة الامة قول رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وقد رآه مقبلا
على حمار ومعاوية يقوده ويزيد يسوقه: لعن الله الراكب والقائد والسائق. ومنه ما
روته الرواة عنه من قوله يوم بيعة عثمان: " تلقفوها يا بني عبد شمس تلقف الكرة فو
الله ما من جنة ولا نار " وهذا كفر صراح يلحقه اللعنة من الله كما لحقت * (الذين
كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) *
[77 / المائدة: 5]. ومنه ما يروى من وقوفه على ثنية أحد بعد ذهاب بصره وقوله
لقائده: هاهنا دمينا محمدا وقتلنا أصحابه (1). ومنها الكلمة التي قالها للعباس قبل
الفتح - وقد عرضت عليه الجنود -: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما ! ! فقال له العباس:
ويحك إنه ليس بملك إنها النبوة. ومنه قوله يوم الفتح وقد رأى بلالا على ظهر الكعبة
يؤذن ويقول: أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد أسعد الله عتبة بن
ربيعة إذ لم يشهد هذا المشهد.
وفي تاريخ الطبري: فمما لعنهم الله به على
لسان نبيه صلى الله عليه وآله وأنزل به كتابا قوله: " والشجرة الملعونة في القران
ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا " [60 / الاسراء: 17] ولا أختلاف بين أحد انه
اراد بها بني أمية. ومنه قول الرسول عليه السلام: وقد رآه مقبلا على حمار ومعاوية
يقود به ويزيد ابنه يسوق به: لعن الله القائد والراكب. (1) كذا في أصلي، وفي ط
الحديث ببيروت من شرح ابن أبي الحديد: " ها هنا رمينا محمدا... " وفي ط بيروت من
تاريخ الطبري: " ها هنا ذببنا محمدا وأصحابه... ".
[209]
ومنها الرؤيا التي رآها رسول الله صلى
الله عليه وآله فوجهم لها قالوا: فما رئي بعدها ضاحكا رأى نفرا من بني أمية ينزون
على منبره نزو القردة (1) ومنها طرد رسول الله صلى الله عليه وآله الحكم بن [أبي]
العاص لمحاكاته إياه في مشيته وألحقه الله بدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله آفة
باقية حين التفت إليه فرآه يتخلج يحكيه فقال " كن كما أنت " فبقي على ذلك سائر
عمره. هذا إلى ما كان من مروان ابنه وافتتاحه أول فتنة كانت في الاسلام واحتقابه كل
دم حرام سفك فيها أو أريق بعدها (2). ومنها ما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله
عليه وآله: * (ليلة القدر خير من ألف شهر) * قالوا: ملك بني أمية (3). ومنها أن
رسول الله صلى الله عليه وآله دعا معاوية ليكتب بين يديه فدافع بأمره واعتل بطعامه
فقال صلى الله عليه وآله: لا أشبع الله بطنه. فبقي لا يشبع ويقول: والله ما أترك
الطعام شبعا ولكن إعياءا. ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يطلع من هذا
الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملتي. فطلع معاوية. ومنها أن رسول الله صلى الله
عليه وآله قال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه.
(1) ومثله في شرح ابن أبي الحديد: وينزون
- على زنة يدعون -: يثبون ويعلون عليه. وفي تاريخ الطبري: ومنه الرؤيا التي رآها
النبي صلى الله عليه وسلم فوجم لها فما رئي ضاحكا بعدها فأنزل الله: * (وما جعلنا
الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس [والشجرة الملعونة في القرآن]) * [60 / الاسراء:
17]. (2) هذا هو الصواب كما في تاريخ الطبري وشرح ابن أبي الحديد. والاحتقاب:
الارتكاب. وفي ط الكمباني من البحار: " احتقانه ". (3) ومثله في شرح ابن أبي الحديد
على نهج البلاغة، وفي تاريخ الطبري: " ومنه ما أنزل الله على نبيه في سورة القدر: "
ليلة القدر خير من ألف شهر " من ملك بني أمية.
[210]
ومنها الحديث المشهور المرفوع أنه صلى
الله عليه وآله قال: إن معاوية في تابوت من نار في أسفل درك من جهنم ينادي يا حنان
يا منان فيقال له: " الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ". ومنها انتزاؤه
بالمحاربة لافضل المسلمين في الاسلام مكانا وأقدمهم إليه سبقا وأحسنهم فيه أثرا
وذكرا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ينازعه حقه بباطله ويجاهد أنصاره بضلاله
وأعوانه ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يحاولانه من إطفاء نور الله وجحوده دينه *
(ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) * (1) يستهوي أهل الجهالة ويموه
لاهل الغباوة بمكره وبغيه الذين قدم رسول الله صلى الله عليه وآله الخبر عنهما فقال
لعمار بن ياسر: " تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار " مؤثرا
للعاجلة كافرا بالآجلة خارجا من طريقة الاسلام (2) مستحلا للدم الحرام حتى سفك في
فتنته وعلى سبيل غوايته وضلالته دماء ما لا يحصى عدده من خيار المسلمين الذابين عن
دين الله والناصرين لحقه مجاهدا في عداوة الله مجتهدا في أن يعصى الله فلا يطاع
وتبطل أحكامه فلا تقام ويخالف دينه فلا يدان وأن تعلو كلمة الضلال وترتفع دعوة
الباطل وكلمة الله هي العليا ودينه المنصور وحكمه النافذ وأمره الغالب وكيد من
عاداه وحاده المغلوب الداحض حتى احتمل أوزار تلك الحروب وما اتبعها وتطوق تلك
الدماء وما سفك بعدها وسن سنن الفساد التي عليه إثمها وإثم من عمل بها وأباح
المحارم لمن ارتكبها ومنع الحقوق أهلها وغرته الآمال واستدرجه الامهال. وكان مما
أوجب الله عليه به اللعنة قتله من قتل صبرا (3) من خيار
(1) هذا هو الصواب المذكور في شرح ابن أبي
الحديد، وهي الآية: (32) من سورة التوبة: (9) وفي ط الكمباني من البحار وتاريخ
الطبري: " ولو كره المشركون ". (2) كذا في طبع الكمباني من كتاب البحار، وفي تاريخ
الطبري وشرح ابن أبي الحديد " خارجا من ربقة الاسلام... ". (3) ومثله في شرح ابن
أبي الحديد على نهج البلاغة، وفي تاريخ الطبري: " ثم مما أوجب
[211]
الصحابة والتابعين وأهل الفضل والدين مثل
عمرو بن الحمق الخزاعي وحجر بن عدي الكندي فيمن قتل من أمثالهم على أن يكون له
العزة والملك والغلبة. ثم ادعاؤه زياد بن سمية أخا ونسبته إياه إلى أبيه والله
تعالى يقول: * (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) * [5 / الاحزاب: 33] ورسوله يقول:
ملعون من ادعى إلى غير أبيه أو انتمي إلى غير مواليه (1). وقال: " الولد للفراش
وللعاهر الحجر " فخالف حكم الله تعالى ورسوله جهارا وجعل الولد لغير الفراش والحجر
لغير العاهر فأحل بهذه الدعوة من محارم الله ورسوله في أم حبيبة أم المؤمنين وفي
غيرها من النساء من شعور ووجوه قد حرمها الله وأثبت بها من قربى قد أبعدها الله ما
لم يدخل الدين خلل مثله ولم ينل الاسلام تبديلا يشبهه. ومن ذلك إيثاره لخلافة الله
على عباده ابنه يزيد السكير الخمير صاحب الديكة والفهود والقردة وأخذ البيعة له على
خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعد والاخافة والتهديد والرهبة وهو يعلم سفهه
ويطلع على رهقه وخبثه ويعاين سكراته وفعلاته وفجوره وكفره فلما تمكن قاتله الله
فيما تمكن منه طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين فأوقع بأهل المدينة في
وقعة الحرة
الله له به اللعنة قتله من قتل صبرا من
خيار الصحابة والتابعين وأهل الفضل والديانة، مثل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي فيمن
قتل [من] أمثالهم في أن تكون له العزة والملك والغلبة، ولله العزة والملك والقدرة،
والله عزوجل يقول: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه
ولعنه وأعد له عذابا عظيما) * [93 / النساء: 4]. (1) ومثله في شرح ابن أبي الحديد،
غير أن فيه " ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول... " وفي تاريخ الطبري: ومما
استحق به اللعنة من الله ورسوله إدعاؤه زياد بن سمية، جرأة على الله، والله يقول: "
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله... " [5 / الاحزاب: 33] ورسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: ملعون من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه.
[212]
الوقعة التي لم يكن في الاسلام أشنع منها
ولا أفحش فشفي عند نفسه غليله وظن أنه قد انتقم من أولياء الله وبلغ الثار لاعداء
الله فقال مجاهرا بكفره ومظهرا لشركه: ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع
الاسل قول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله ولا يؤمن
بالله وبما جاء من عنده. ثم من أغلظ ما انتهك وأعظم ما اجترم سفكه دم الحسين بن علي
صلوات الله عليهما مع موقعه من رسول الله صلى الله عليه وآله ومكانه ومنزلته من
الدين والفضل والشهادة له ولاخيه بسيادة شباب أهل الجنة اجتراءا على الله وكفرا
بدينه وعداوة لرسوله ومجاهرة لعترته وإستهانة لحرمته كأنما يقتل لعنه الله قوما من
كفرة الترك والديلم لا يخاف من الله نقمة ولا يراقب منه سطوة [فبتر الله عمره]
واجتث أصله وفرعه وسلبه ما تحت يده وأعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله
بمعصيته. هذا إلى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب الله وتعطيل أحكام الله واتخاذ
مال الله بينهم دولا وهدم بيت الله واستحلال حرامه ونصبهم المجانيق عليه ورميهم
بالنيران إليه لا يألون إحراقا وإخرابا ولما حرم الله منه استباحة وانتهاكا ولمن
لجأ إليه قتلا وتنكيلا ولمن آمنه الله به إخافة وتشريدا حتى إذا حقت عليهم كلمة
العذاب واستحقوا من الله الانتقام وملاوا الارض بالجور والعدوان وعموا عباد الله
بالظلم والاقتسار وحلت عليهم السخط ونزلت بهم من الله السطوة أتاح الله لهم من عترة
نبيه وأهل وراثته ومن استخلصه منهم لخلافته مثل ما أتاح من أسلافهم المؤمنين
وآبائهم المجاهدين لاوائلهم الكافرين فسفك الله دماءهم مرتدين كما سفك بآبائهم دماء
ابائهم مشركين وقطع الله دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العاليمن يا أيها الناس إن
الله إنما أمر ليطاع ومثل ليتمثل وحكم ليفعل قال سبحانه * (إن الله لعن الكافرين
وأعد لهم سعيرا) * [64 / االاحزاب: 33] وقال:
[213]
" أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ".
[159 / البقرة: 2]. فالعنوا أيها الناس من لعنه الله ورسوله وفارقوا من لا تنالون
القربة من الله إلا بمفارقته. اللهم العن أبا سفيان ابن أمية ومعاوية ابنه ويزيد بن
معاوية ومروان بن الحكم وولده وولد ولده. اللهم العن أئمة الكفر وقادة الضلال
وأعداء الدين ومجاهدي الرسول ومعطلي الاحكام ومبدلي الكتاب ومنتهكي الدم الحرام.
اللهم إنا نبرء إليك من موالاة أعدائك ومن الاغماض لاهل معصيتك كما قلت: * (لا تجد
قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * [22 / المجادلة].
أيها الناس اعرفوا الحق تعرفوا أهله وتأملوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها فقفوا عند
ما وقفكم الله عليهم وانفذوا لما أمركم الله به وأمير المؤمنين يستعصم بالله لكم
ويسأله توفيقكم ويرغب إليه في هدايتكم والله حسبه وعليه توكله ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم. (1)
(1) ومثله في شرح ابن أبي الحديد على نهج
البلاغة، ولكن في ط الحديث ببيروت من تاريخ الطبري بعده زيادة هكذا نصها: يا أيها
الناس اعرفوا الحق تعرفوا أهله، وتأملوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها، فإنه إنما يبين
عن الناس أعمالهم، ويلحقهم بالضلال والصلاح اباؤهم فلا يأخذكم في الله لومة لائم،
ولا يميلن بكم عن دين الله استهواء من يستهويكم وكيد من يكيدكم وطاعة من تخرجكم
طاعته إلى معصية ربكم. أيها الناس بنا هداكم الله ونحن المستحفظون فيكم أمر الله،
ونحن ورثة رسول الله والقائمون بدين الله، فقفوا عندما نقفكم عليه، وانفذوا لما
نأمركم به، فإنكم ما أطعتم خلفاء الله وأئمة الهدى على سبيل الايمان والتقوى وأمير
المؤمنين يستعصم الله لكم ويسأله توفيقكم ويرغب إلى الله في هدايتكم لرشدكم وفي حفظ
دينه عليكم حتى تلقوه به مستحقين طاعته، مستحقبين لرحمته، والله حسب أمير المؤمنين
فيكم وعليه توكله، وبالله على ما قلده من أموركم استعانته ولا حول لامير المؤمنين
ولا قوة إلا
[214]
وقال في موضع آخر (1): إن معاوية لعنه
الله أمر الناس بالعراق والشام وغيرهما بسب علي صلوات الله عليه والبراءة منه وخطب
بذلك على منابر الاسلام وصار ذلك سنة في أيام بني أمية إلى أن قام عمر بن عبد
العزيز فأزاله. وقال الجاحظ: إن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إن أبا
تراب ألحد في دينك وصد عن سبيلك فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا أليما. وكتب بذلك
إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات ينادى بها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبد العزيز.
وذكر المبرد في الكامل أن خالد بن عبد الله القسري لما كان أمير العراق في خلافة
هشام كان يلعن عليا عليه السلام على المنبر. وذكر الجاحظ أن قوما من بني أمية قالوا
لمعاوية: إنك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن لعن هذا الرجل ؟ فقال: لا والله حتى يربو
عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلا. وأراد زياد أن يعرض على أهل
الكوفة البراءة من علي ولعنه وأن يقتل كل من امتنع من ذلك ويخرب منزله فضربه الله
ذلك اليوم بالطاعون فمات بعد ثلاثة أيام وذلك في أيام معاوية.
بالله، والسلام عليكم. وكتب أبو القاسم
عبيدالله بن سليمان في سنة أربع وثمانين ومائتين. (1) الظاهر من سياق الكلام جليا
أن الضمير في قوله: " وقال في موضع آخر " راجع إلى أحمد بن أبي طاهر المتقدم في
بداية الحديث (490) في ص 567، أي وقال أحمد بن أبي طاهر في موضع أخر من كتاب أخبار
الملوك. وكتاب أخبار الملوك ما اطلعت عليه بعد، ولكن هذه الاخبار لها مصادر أخر،
وجميعها مع أخبار أخر في معناها ذكرها بأوضح مما ذكره صاحب كتاب أخبار الملوك - ابن
أبي الحديد في شرح المختار: (56) من نهج البلاغة: ج 1، ص 778 - 815 ط الحديث
ببيروت.
[215]
قال: وقال أبو جعفر الاسكافي: وروي أن
معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي عليه
السلام * (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو
ألد الخصام وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب
الفساد) * وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي * (ومن الناس من يشرى نفسه
ابتغاء مرضات الله) * فلم يقبل فبذل له مأتي ألف درهم فلم يقبل فبذل له ثلاثمائة
ألف فلم يقبل فبذل أربعمائة فقبل. وروى ذلك وقال: إن معاوية وضع قوما من الصحابة
وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام فاختلقوا ما أرضاه
منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير. قال:
وقد روي عن علي عليه السلام أنه قال: أكذب الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله
أبو هريرة الدوسي. قال: وقد روى الواقدي أن معاوية لما عاد من العراق إلى الشام خطب
فقال: أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنك ستلي الخلافة من بعدي
فاختر الارض المقدسة فإن فيها الابدال وقد اخترتكم فالعنوا أبا تراب. فلعنوه. قال:
وروى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلم عن نصر بن عاصم الليثي (1) عن أبيه قال:
أتينا مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله والناس
(1) هذا هو الصواب، وفي ط الكمباني من
كتاب البحار: " عن نصر، عن عاصم الليثي... ". ونصر هذا من رجال صحاح أهل السنة
مترجم في كتاب تهذيب التهذيب: ج 10 ص 427. وأما أبو عاصم بن عمرو بن خالد الليثي
فهو من الصحابة والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة قال ابن عبد البر في حرف العين من
كتاب الاستيعاب بهامش الاصابة: ج 3
[216]
يقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب
رسوله فقلت: ما هذا ؟ قالوا: معاوية قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله: لعن الله التابع والمتبوع رب يوم لامتي من معاوية ذي
الاستاه قالوا: يعني كبير العجر.
ص 135. عاصم بن عمرو بن خالد الليثي والد
نصر بن عاصم روى عنه ابنه نصر بن عاصم: حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم،
حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا غسان بن مضر، حدثنا أبو سلمة
سعيد بن يزيد: عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ويل لهذه الامة من ذي الاستاه. وقال مرة أخرى: ويل لامتي من فلان ذي الاستاه.
وقال أحمد [بن زهير]: لا أدري سمع هذا عاصم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا
؟. انظروا إلى هذا الاعور ! ! الصحابي العادل عنده يقول: " قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ويل لهذه الامة من ذي الاستاه " ثم هو يبدي هواه وحبه لامامه الذي أصمه
عن الحق ويقول: لا أدري أسمع عاصم هذا عن رسول الله أم لا ؟ ! !. وذكره أيضا الحافظ
ابن حجر في ترجمة عاصم تحت الرقم: (4355) من كتاب الاصابة: ج 2 ص 246 قال: ذكره ابن
أبي خيثمة وغيره في الصحابة. وروى البغوي من طريق نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ويل لهذه الامة من فلان ذي الاستاه. قال البغوي:
لا أدري له صحبة أم لا ؟. قال ابن حجر: قلت: [الحديث] قد أخرجه الطبراني من الوجه
الذي أخرجه منه البغوي فزاد في أوله ما يدل على صحبته وهو قوله: دخلت المسجد - مسجد
المدينة - وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: نعوذ بالله من غضب
الله وغضب رسوله. قلت: مم ذاك ؟ قالوا: كان يخطب آنفا فقام رجل فأخذ بيد ابنه ثم
خرجا ! ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لعن الله القائد والمقود به، ويل
لهذه الامة من فلان ذي الاستاه. وليراجع مسند عاصم بن عمرو بن خالد أو ابنه نصر من
المعجم الكبير للطبراني.
[217]
قال: وروى العلاء بن جرير أن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال لمعاوية: لتتخذن يا معاوية البدعة سنة والقبيح حسنا أكلك
كثير وظلمك عظيم. قال: وروى الحرث بن حصيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ قال: قال
علي عليه السلام: نحن وآل أبي سفيان قوم تعادوا في الله والامر يعود كما بدا. قال
وروي عن عمر بن مرة عن أبي عبد الله بن سلمة عن علي عليه السلام قال: رأيت الليلة
رسول الله صلى الله عليه وآله فشكوت إليه فقال: هذه جهنم فانظر من فيها فإذا معاوية
وعمرو بن العاص معلقين بأرجلهم منكسين ترضخ رؤوسهما بالحجارة أو قال: تشدخ. قال:
وروى صاحب كتاب الغارات عن الاعمش عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله: يقول سيظهر
على الناس رجل من امتي عظيم السرة واسع البلعوم يأكل ولا يشبع يحمل وزر الثقلين
يطلب الامارة يوما فإذا أدركتموه فابقروا بطنه. قال: وكان في يد رسول الله صلى الله
عليه وآله قضيب قد وضع طرفه في بطن معاوية. توضيح: الواجم: الذي اشتد حزنه وأمسك عن
الكلام. وتخلج المفلوج في مشيته بالخاء المعجمة ثم الجيم أي تفكك وتمايل. والسابلة
أبناء السبيل. قوله عليه السلام: " الامر ويعود كما بدا " أي يقع الحرب بيني وبينهم
كما وقع بين النبي وبينهم أو يعودون إلى الكفر أو إشارة إلى السفياني. وقال
الجوهري: السرم يعني بالضم: مخرج الثفل وهو طرف المعى المستقيم كلمة مولدة. 507 -
ما جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن هارون بن حميد عن
(507) رواه الشيخ الطوسي رفع الله مقامه
في الحديث الاخير من المجلس: (8) من المجلد الثاني من أماليه ص 609.
[218]
جرير بن أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي
المغيرة (1) عن سعيد بن جبير: عن ابن عباس قال: كنت عند معاوية وقد نزل بذي طوى
فجاءه سعد بن أبي وقاص فسلم عليه فقال معاوية: يا أهل الشام هذا سعد وهو صديق لعلي
قال: فطأطأ القوم رؤوسهم وسبوا عليا عليه السلام فبكى سعد فقال له معاوية: ما الذي
أبكاك ؟ قال: ولم لا أبكي لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يسب عندك ولا
أستطيع أن أغير وقد كان في علي خصال لان تكون في واحدة منهن أحب ألي من الدنيا وما
فيها أحدها أن رجلا كان باليمن فجفاه علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: لاشكونك
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله عن
علي عليه السلام فثنا عليه فقال: أنشدك بالله الذي أنزل علي الكتاب واختصني
بالرسالة أعن سخط [تقول] ما تقول في علي عليه السلام ؟ قال: نعم يا رسول الله قال:
ألا تعلم أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قال: بلى ؟ قال: فمن كنت مولاه فعلي
مولاه. والثانية: أنه بعث يوم خيبر عمر بن الخطاب إلى القتال فهزم وأصحابه فقال صلى
الله عليه وآله: لاعطين الراية غدا إنسانا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فغدا
المسلمون وعلي أرمد فدعاه فقال خذ الراية فقال: يا رسول الله إن عينى كما ترى !
فتفل فيها فقام فأخذ الراية ثم مضى بها حتى فتح الله عليه. والثالثة [أنه] خلفه في
بعض مغازيه فقال علي عليه السلام: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه
لا نبي بعدي.
(1) هذا هو الصواب، وفي ط الكمباني من
البحار: " عن ابن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المايرة ". والرجلان قميان مؤثقان
عند حفاظ أهل السنة، وذكرهما ابن حجر ولكن ذكر الاول بعنوان التمييز، والثاني
بعنوان كونه من رجال الصحاح في كتاب تهذيب التهذيب: ج 1، ص 350 وج 2 ص 108.
[219]
والرابعة: سد الابواب في المسجد إلا باب
علي. والخامسة: نزلت هذه الآية * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا) * [33 / الاحزاب] فدعا النبي صلى الله عليه وآله عليا وحسنا وحسينا
وفاطمة عليهم السلام فقال: اللهم هؤلاء أهلي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. بيان:
الثناء بتقديم المثلثة يطلق على المدح والذم وفي الاول أغلب وبتقديم النون بالعكس.
508 - كنز الكراجكي بلغ الحسين بن علي صلوات الله عليه كلام نافع بن جبير في معاوية
وقوله إنه كان يسكته الحلم وينطقه العلم فقال عليه السلام: بل كان ينطقه البطر
ويسكته الحصر. بيان: الحصر بالتحريك العي.
508 - رواه العلامة الكراجكي في كتاب كنز
الفوائد.
[221]
[الباب الثامن عشر] باب ما جرى بينه عليه
السلام وبين عمرو بن العاص لعنه الله وبعض أحواله 509 - ج: قال عليه السلام في عمرو
جوابا عما قال فيه: عجبا لابن النابغة يزعم لاهل الشام أن في دعابة وأني امرؤ
تلعابة أعارس [أعافس " خ "] وأمارس لقد قال باطلا ونطق آثما أما وشر القول الكذب
إنه يقول فيكذب ويعد فيخلف ويسأل فيلحف ويسأل فيبحل ويخون العهد ويقطع الال فإذا
كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو ما لم تأخذ السيوف مآخذها فإذا كان ذلك كان أكبر
مكيدته أن يمنح القوم سبته. أم والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت وإنه ليمنعه
عن قول الحق نسيان الآخرة إنه لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه أتية ويرضخ على
ترك الدين له رضيخة. 510 - نهج: ومن كلام له عليه السلام في ذكر عمرو بن العاص:
عجبا لابن النابغة. وذكر نحوه.
509 - رواه الطبرسي رحمه الله قبل عنوان:
" وكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية احتجاجا عليه " من كتاب الاحتجاج: ج 1، ص 182.
510 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار: (82) من كتاب نهج البلاغة.
[222]
بيان: نبغ الشئ: ظهر. قال بعض الشارحين:
سميت أم عمرو النابغة لشهرتها بالفجور وتظاهرها به وسيأتي وصف نسبه لعنه الله. وزعم
- كنصر - زعما مثلثة أي قال حقا أو باطلا وأكثر ما يستعمل في الباطل و ما يشك فيه.
والدعابة - بالضم -: المزاح، والمراد هنا الدعابة الخارجة عن الاعتدال. وروي أنه
كان يقول لاهل الشام: إنما أخرنا عليا لان فيه هزلا لا جد معه وتبع في ذلك أثر
عمر... حيث قال يوم الشورى لما أراد صرف الامر عنه عليه السلام: لله أنت لولا أن
فيك دعابة. ورجل تلعابة بالكسر أي كثير اللعب. والمعافسة والعفاس بالكسر: الملاعبة.
وفي بعض نسخ [كتاب] الاحتجاج: " أعاوس " مكان " أعافس " ولعله من " أعرس الرجل "
إذا دخل بامرأته عند بنائها، وقد يطلق على الجماع. والممارسة: المزاولة، قال [ابن
الاثير] في [مادة: " مرس " من كتاب] النهاية: و [قد] يطلق على الملاعبة و منه حديث
علي: " زعم أنني كنت أعافس وأمارس " أي ألاعب النساء. و " ألحف " أي ألح. و " إل "
بالكسر: العهد والقرابة والحلف والجار. ذكره الفيروز آبادي [في مادة " إل " من كتاب
القوموس]. والمراد بقطع " الال " هنا قطع الرحم أو تضييع الحليف والجار. و " المآخذ
" على لفظ الجمع وفي بعض النسخ على المفرد. وكلمة " كان " الاولى تامة والاشارة إلى
أخذ السيوف مآخذها وهو التحام الحرب ومخالطة السيوف " وأكبر " بالباء الموحدة وهو
أظهر مما في بعض النسخ من المثلثة. والمكيدة: المكر والحيلة. و " يمنح " - كيمنع -
أي يعطي. و " السبة " الاست، أي العجز أو حلقة الدبر. والمراد بإعطاء القوم سبته ما
ذكره أرباب السير ويضرب به المثل من كشفه سوأته شاغرا برجليه لما لقيه أمير
المؤمنين عليه السلام في بعض أيام صفين وقد اختلطت الصفوف واشتعل نار الحرب فحمل
عليه السلام عليه فألقى نفسه عن فرسه رافعا رجليه كاشفا عورته فانصرف عنه لافتا
وجهه وفي ذلك قال أبو فراس: ولا خير في دفع الاذى بمذلة * كما ردها يوما بسوأته
عمرو والاتية: العطية. والرضخ: العطاء القليل. والمراد بالاتية والرضيخة ولاية مصر
[223]
ولعل التعبير عنها بالرضيخة لقلتها
بالنسبة إلى ترك الدين. 511 - ما: المفيد عن محمد بن عمران عن الحسن بن علي عن أحمد
بن سعيد عن الزبير بن بكار عن علي بن محمد قال: كان عمرو بن العاص يقول: إن في علي
دعابة فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فقال: زعم ابن النابغة أني تلعابة مزاحة
ذو دعابة أعافس وأمارس. هيهات يمنع من العفاس والمراس ذكر الموت وخوف البعث والحساب
ومن كان له قلب ففي هذا عن هذا له واعظ وزاجر. أما وشر القول الكذب إنه ليحدث فيكذب
ويعد فيخلف فإذا كان يوم البأس فأي زاجر وآمر هو (1) ما لم يأخذ السيوف هام الرجال
فإذا كان ذلك فأعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم أسته. 512 - كتاب الغارات
لابراهيم بن محمد الثقفي قال: بلغ عليا عليه السلام أن ابن العاص ينتقصه عند أهل
الشام فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا عجبا - عجبا لا ينقضي - لابن
النابغة يزعم لاهل الشام إلى آخر الكلام وجمع بين الروايتين.
511 - رواه الشيخ الطوسي رفع الله مقامه
في الحديث: (21) من الجزء الخامس من أماليه ص 131، ط بيروت. وليلاحظ الحديث: (36)
من أمالي الشيخ المفيد ص 82. (1) هذا هو الظاهر المذكور في المطبوع من أمالي الشيخ،
وفي ط الكمباني من البحار: " فأي زاجر وأين هو ؟.. ". 512 - الحديث مذكور تحت
الرقم: (188) من المطبوع من منتخب كتاب الغارات: ج 1، ص 513 ط 1. وللحديث صور
مختلفة وأسانيد ومصادر كثيرة جدا على وسع الباحث أن يقف على بعضها تحت الرقم: (98)
من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب أنساب الاشراف: ج 2 ص 127، ط 1، وفي
المخطوطة: ج 1 / الورق 225. وذكره أيضا عن مصادر وغلى صور العلامة الاميني في ترجمة
عمرو بن العاص من كتاب الغدير: ج 2 ص 128، ط بيروت.
[224]
513 - كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أبان
بن أبي عياش عن سليم قال: إن عمرو بن العاص خطب بالشام فقال: بعثني رسول الله صلى
الله عليه وآله على جيش فيه أبو بكر وعمر فظننت أنه إنما بعثني لكرامتي عليه فلما
قدمت قلت: يا رسول الله أي الناس أحب إليك ؟ فقال: عائشة. فقلت: من الرجال ؟ قال:
أبوها. أيها الناس وهذا علي يطعن على أبي بكر وعمر وعثمان وقد سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول: إن الله ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه وقال في عثمان: إن
الملائكة لتستحيي من عثمان. وقد سمعت عليا وإلا فصمتا يعني أذنيه يروى على عهد عمر
أن نبي الله نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين فقال: يا علي هذان سيدا كهول أهل الجنة من
الاولين والآخرين ما خلا النبيين منهم والمرسلين ولا تحدثهما بذلك فيهلكا. فقام علي
عليه السلام فقال: العجب: لطغاة أهل الشام حيث يقبلون قول عمرو ويصدقونه وقد بلغ من
حديثه وكذبه وقلة ورعه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد لعنه سبعين
لعنة ولعن صاحبه الذي يدعو إليه في غير موطن وذلك أنه هجا رسول الله صلى الله عليه
وآله بقصيدة سبعين بيتا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم إني لا أقول
الشعر ولا أحله فالعنه أنت وملائكتك بكل بيت لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة.
ثم ما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله قام فقال: إن محمدا قد صار أبتر
لا عقب له وإني لاشنأ الناس له وأقولهم فيه سوء فأنزل الله * (إن شانئك هو الابتر)
* يعني أبتر من الايمان [و] من كل خير. ما لقيت من هذه الامة من كذابيها ومنافقيها
لكأنى بالقراء الضعفة المتهجدين رووا حديثه وصدقوه فيه واحتجوا علينا أهل البيت
بكذبه أنا نقول: خير هذه الامة أبو بكر وعمر ولو شئت لسميت الثالث ! !. والله ما
أراد بقوله في عائشة وأبيها إلا رضا معاوية بسخط الله عزوجل ولقد استرضاه بسخط
الله.
513 - كتاب سليم بن قيس الهلالي ص 172 ط
بيروت.
[225]
وأما حديثه الذي يزعم أنه سمعه مني فلا
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة [إنه] ليعلم أنه قد كذب علي يقينا وأن الله لم يسمعه
مني سرا ولا جهرا. اللهم العن عمروا والعن معاوية بصدهما عن سبيلك وكذبهما على
كتابك واستخفافهما بنبيك صلى الله عليه وآله وكذبهما عليه وعلي. 514 - أقول: قال
ابن ميثم رحمه الله: كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى عمرو بن العاص من عبد الله
علي أمير المؤمنين إلى الابتر ابن الابتر عمرو بن العاص شانئ محمد وآل محمد في
الجاهلية والاسلام، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإنك تركت مروتك لامرئ فاسق
مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه ويسفه الحليم بخلطته، فصار قلبك لقلبه تبعا كما وافق
شن طبقة فسلبك دينك وأمانتك ودنياك وآخرتك وكان علم الله بالغا فيك فصرت كالذئب
يتبع الضرغام إذا ما الليل دجا أو الصبح أنى (1) يلتمس فاضل سؤره وحوايا فريسته
ولكن لا نجاة من القدر ولو بالحق أخذت لادركت ما رجوت وقد رشد من كان الحق قائده.
فإن يمكن الله منك ومن ابن آكلة الاكباد ألحقكما بمن قتله الله من ظلمة قريش على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وإن تعجزا أو تبقيا بعدي فالله حسبكما وكفى
بانتقامه انتقاما وبعقابه عقابا والسلام. وروى ابن أبي الحديد مثله عن نصر بن مزاحم
من كتاب صفين. 515 - ج نهج ومن كتاب له عليه السلام إلى عمرو بن العاص:
514 - رواه كمال الدين ابن ميثم البحراني
رحمه الله في شرحه على المختار: (39) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 5 ص 85 ط
بيروت، وفي ط 3 ج 5 ص 58. ورواه أيضا ابن أبي الحديد - نقلا عن كتاب صفين - في شرحه
على المختار (39) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 163، وفي ط الحديث
ببيروت: ج 4 ص 791. (1) هذا هو الظاهر من السياق والمستفاد قطعيا مما يأتي في بيان
المصنف، وفي ط الكمباني من البحار هنا: " أو الصبح إذا يلتمس... " وهذا السياق أحسن
مما في أصلي من شرح ابن أبي الحديد: " أو أتى الصبح... ".
[226]
فإنك جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه
مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه ويسفه الحليم بخلطته فاتبعت أثره وطلبت فضله اتباع
الكلب للضرغام يلوذ إلى مخالبه وينتظر ما يلقى إليه من فضل فر ؟ سته فأذهبت دنياك
وآخرتك ولو بالحق أخذت أدركت ما طلبت فإن يمكن الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما
بما قدمتما وإن تعجزا وتبقيا فما أمامكما شر لكما والسلام. بيان: إلى الابتر إشارة
إلى قوله تعالى * (إن شانئك هو الابتر) * فإنه نزل فيه. قال ابن أبي الحديد: أما غي
معاوية فلا ريب في ظهور ضلاله وبغيه. وأما مهتوك ستره فإنه كان كثير الهزل والخلاعة
صاحب جلساء وسمار ومعاوية لم يتوقر ولم يلزم قانون الرياسة إلا منذ خرج على أمير
المؤمنين واحتاج إلى الناموس والسكينة وإلا فقد كان في أيام عثمان شديد التهتك
موسوما بكل قبيح وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلا منه إلا أنه كان يلبس الحرير
ويشرب في آنية الذهب والفضة ويركب البغلات ذوات السروج المحلاة بها وعليها جلال
الديباج والوشي وكان حينئذ شابا عنده نزق الصبا وأشر الشبيبة وسكر السلطان والامرة
ونقل الناس عنه في كتب السيرة أنه كان يشرب الخمر في أيام عثمان بالشام فأما بعد
وفاة أمير المؤمنين عليه السلام واستقرار الامر له فقد اختلف فيه فقيل إنه شرب
الخمر في سر وقيل: لم يشرب ولا خلاف في أنه سمع الغناء وطرب عليه وأعطى ووصل عليه
أيضا. وأما قوله " يشين الكريم بمجلسه ويسفه الحليم بخلطته " فالامر كذلك لانه لم
يكن في مجلسه إلا شتم بني هاشم وقذفهم والتعرض بذكر الاسلام والطعن عليه وإن أظهر
الانتماء إليه.
515 - رواه الطبرسي رحمه الله في آخر
عنوان: " احتجاج علي عليه السلام على معاوية في جواب كتاب كتب إليه... " من كتاب
الاحتجاج: ج 1، ص 182، ط بيروت. ورواه السيد الرضي قدس الله نفسه في المختار: (39)
من باب كتب أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب نهج البلاغة.
[227]
قوله عليه السلام " كما وافق شن طبقة "
قال في مجمع الامثال قال الشرقي بن القطامي: كان رجل من دهاة العرب وعقلائهم يقال
له شن فقال: والله لاطوفن حتى أجد امرأة مثلي فأتزوجها فبينما هو في بعض مسيره إذا
رافقه رجل في الطريق فسأله شن: أين تريد ؟ فقال: موضع كذا وكذا. يريد القرية التي
يقصدها شن فرافقه حتى إذا أخذا في مسيرهما قال شن: أتحملني أم أحملك ؟ فقال له
الرجل: يا جاهل أنا راكب وأنت راكب فكيف أحملك أم تحملني. فسكت عنه شن فسارا حتى
إذا قربا من القرية إذا هما بزرع قد استحصد فقال: أترى هذا الزرع أكل أم لا ؟ فقال
له الرجل: يا جاهل ترى نبتا مستحصدا فتقول أكل أم لا، فسكت عنه شن حتى إذا دخلا
القرية لقيتهما جنازة فقال شن: أترى صاحب هذا النعش حيا أم ميتا ؟ فقال الرجل: ما
رأيت أجهل منك جنازة تسأل عنها أميت صاحبها أم حي فسكت عنه شن فأراد مفارقته فأبى
الرجل أن يتركه حتى يسير به إلى منزله فمضى معه. وكان للرجل بنت يقال لها طبقة فلما
دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه فأخبرها بمرافقته إياه وشكى إليها جهله وحدثها
بحديثه فقالت: يا أبت ما هذا بجاهل. أما قوله " أتحملني أم أحملك " فأراد: أتحدثني
أم أحدثك حتى نقطع طريقنا. وأما قوله " أترى هذا الزرع أكل أم لا " فإنما أراد: هل
باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا ؟ وأما قوله في الجنازة فأراد: هل ترك عقبا يحيي بهم
ذكره أم لا. فخرج الرجل فقعد مع شن فحادثه ساعة ثم قال: أتحب أن أفسر لك ما سألتني
عنه ؟ قال: نعم. ففسره، فقال شن: ما هذا من كلامك فأخبرني من صاحبه ؟ فقال: ابنة
لي. فخطبها إليه، فزوجه وحملها إلى أهله فلما رأوها قالوا: وافق شن طبقة. فذهبت
مثلا يضرب للمتوافقين. وقال الاصمعي: هم قوم كان لهم وعاء أدم فتشنن فجعلوا له طبقا
فوافقه
[228]
فقيل: وافق شن طبقة. وهكذا رواه أبو عبيدة
في كتابه وفسره. وقال ابن الكلبي: طبقة قبيلة من أياد كانت لا تطاق فوقعت بها شن
ابن أقصى بن عبد القيس فانتصفت منها وأصابت فيها فضربتا مثلا للمتفقين في الشدة
وغيرها. قال الشاعر: لقيت شن أياد بالقنا * طبقا وافق شن طبقة فزاد المتأخرون فيه:
وافقه فاعتنقه. انتهى. وقال الجوهري: أنى يأني أنيا [وإنى وأناء] أي حان وأنى
[تأنية] أيضا: أدرك. وفي بعض النسخ بالتاء. والحوايا: الامعاء [وهو] جمع حوية. قوله
عليه السلام " أدركت " أي من الدنيا بقدر كفايتك أو من الآخرة. قوله عليه السلام "
فإن يمكن الله " المفعول محذوف أي يمكنني قوله عليه السلام " وإن تعجزا " أي غلبتما
علي. فالمفعول محذوف أيضا. ولنذكر هنا نسب هذا الابتر لعنه الله وصاحبه الاكفر وبعض
مثالبه ومثالب أبيه. اعلم أن العاص بن وائل أباه كان من المستهزئين برسول الله صلى
الله عليه وآله والكاشفين له بالعداوة والاذى وفيه وفي أصحابه نزول * (إنا كفيناك
المستهزئين) * [95 / الحجر: 15] ولقب في الاسلام بالابتر لقوله " سيموت هذا الابتر
غدا فينقطع ذكره " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يشتم رسول الله صلى الله
عليه وآله ويضع في طريقه الحجارة ليعثر بها إذا خرج ليلا للطواف وهو أحد القوم
الذين روعوا زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله في هودجها حتى أجهضت جنينا
ميتا فلما بلغه صلى الله عليه وآله لعنهم.
[229]
وعمرو هجا رسول الله صلى الله عليه وآله
هجاء كثيرا وكان يعلمه صبيان مكة فينشدونه ويصيحون برسول الله صلى الله عليه وآله
إذا مر بهم رافعين أصواتهم بالهجاء في وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وهو
يصلي بالحجر: اللهم إن عمرو بن العاص هجاني ولست بشاعر فالعنه بعدد ما هجاني. رواه
عبد الحميد ابن أبي الحديد عن الواقدي وغيره من أهل الحديث. (1) 516 - قال: وروى
أهل الحديث أن النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاص عمدوا إلى سلى جمل
(2) فرفعوه بينهم ووضعوه على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ساجد بفناء
الكعبة فسال عليه فصبر ولم يرفع رأسه وبكى في سجوده ودعا عليهم فجاءت إبنته فاطمة
عليها السلام وهي باكية فرفعته عنه فألقته وقامت على رأسه [وهي] باكية فرفع رأسه
وقال: اللهم عليك بقريش قالها ثلاثا ثم قال رافعا صوته: إني مظلوم فإنتصر قالها
ثلاثا ثم قام فدخل منزله وذلك بعد وفاة عمه أبي طالب بشهرين. قال: ولشدة عداوة
[عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وآله] أرسله أهل مكة إلى النجاشي ليطرد
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله عن بلاده مهاجرة حبشة وليقتل جعفر بن أبي طالب
عنده إن أمكنه فكان منه في أمر جعفر هناك ما هو مشهور في السير. وقال ابن أبي
الحديد: ذكر الزمخشري في كتاب ربيع الابرار قال: كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمه
لرجل من عنزة فسبيت فاشتراها عبد الله بن جذعان التيمي بمكة فكانت بغيا ثم أعتقها
فوقع عليها أبو لهب بن عبد
(1) رواه مع ما يليه في شرحه على المختار:
(82) من نهج البلاغة. ج 2 ص 456 ط الحديث ببيروت. (2) السلى على زنة بلى: غلاف
الولد في بطن أمه.
[230]
المطلب وأمية بن خلف الجمحي وهشام بن
المغيرة المخزومي وأبو سفيان بن حرب والعاص بن وائل السهمي في طهر واحد فولدت عمرا
فادعاه كلهم فحكمت أمه فيه فقالت: هو من العاص بن وائل وذلك لان العاص بن وائل كان
ينفق عليها كثيرا. قالوا: وكان أشبه بأبي سفيان. قال: وروى أبو عبيدة معمر بن
المثنى في كتاب الانساب أن عمرا اختصم فيه يوم ولادته رجلان، أبو سفيان بن حرب
والعاص بن وائل. فقيل: لتحكم أمه. فقالت أمه: إنه من العاص بن وائل. فقال أبو
سفيان: أما إني لا أشك أني وضعته في رحم أمه فأبت إلا العاص. فقيل لها: أبو سفيان
أشرف نسبا. فقالت: إن العاص بن وائل كثير النفقة علي وأبو سفيان شحيح. ففي ذلك يقول
حسان بن ثابت لعمرو بن العاص حيث هجاه مكافئا له عن هجاء رسول الله صلى الله عليه
وآله: أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت * لنا فيك منه بينات الدلائل ففاخر به إما فخرت
فلا تكن * تفاخر بالعاص الهجين بن وائل وإن التي في ذاك يا عمرو حكمت * فقالت رجاء
عند ذاك لنائل من العاص عمرو تخبر الناس كلما * تجمعت الاقوام عند المحافل وروى ابن
عبد البر في الاستيعاب (1) عن ابن الكلبي في كتابه في أخبار صفين أن بسر بن أرطاة
بارز عليا عليه السلام يوم صفين فطعنه علي عليه السلام فانكشف له فكف عنه كما عرض
له مثل ذلك مع عمرو بن العاص. قال: ولهم فيها أشعار مذكورة في موضعها من ذلك
الكتاب. منها فيما ذكر ابن الكلبي والمدائني قول الحارث بن النضر السهمي: أفي كل
يوم فارس ليس ينتهي * وعورته وسط العجاجة بادية يكف لها عنه على سنانه * ويضحك منه
في الخلاء معاوية
(1) الحديث موجود في آخر ترجمة بسر بن
أرطاة من كتاب الاستيعاب بهامش الاصابة: ج 1، ص 161. وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي
الحديد، ج 6، ص 316، وفيه: الخيل المغيرة صبحة.
[231]
بدت أمس من عمرو فقنع رأسه * وعورة بسر
مثلها حذو حاذية فقولا لعمرو ثم بسر ألا انظرا * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية ولا
تحمدا إلا الحيا وخصاكما * هما كانتا والله للنفس واقية ولولاهما لم تنجوا من سنانه
* وتلك بما فيها عن العود ناهية متى تلقيا الخيل المشيخة صحبة (1) * وفيها علي
فاتركا الخيل ناحية وكونا بعيدا حيث لا يبلغ القنا * نحوركما إن التجارب كافية وروي
أن معاوية قال لبسر بعد ذلك وكان يضحك: لا عليك يا بسر ارفع طرفك ولا تستحي فلك
بعمرو أسوة وقد أراك الله منه وأراه منك. فصاح فتى من أهل الكوفة: ويلكم يا أهل
الشام أما تستحيون لقد علمكم عمرو كشف الاستار ثم أنشد الابيات. وروي أنه قال
معاوية لعمرو يوما بعد استقرار خلافته: يا أبا عبد الله لا أراك إلا ويغلبني الضحك.
قال: بماذا. قال: أذكر يوم حمل عليك أبو تراب في صفين فأزريت نفسك فرقا من شبا
سنانه وكشفت سوأتك له. فقال عمرو: أنا منك أشد ضحكا، إني لاذكر يوم دعاك إلى البراز
فانتفخ سحرك وربا لسانك في فمك وغصصت بريقك وارتعدت فرائصك وبدا منك ما أكره ! ! !
فقال معاوية - بعدما جرى بينهما -: الجبن والفرار من علي لا عار على أحد فيهما.
وكان بسر ممن يضحك من عمرو فلما علم أنه لا محيص حذا حذوه وصار مضحكة له أيضا. وروى
ابن أبي الحديد عن البلاذري في كتاب أنساب الاشراف قال: قام عمرو بن العاص بالموسم
فأطرى معاوية وبني أ ؟ ة وتناول بني هاشم وذكر مشاهده بصفين ويوم أبي موسى فقام
إليه ابن عباس فقال: يا عمرو إنك بعت دينك من معاوية فأعطيته ما في يدك ومناك ما في
يد غيره فكان الذي أخذ منك فوق الذي أعطاك وكان الذي أخذت منه دون الذي أعطيته وكل
راض بما
(1) وفي شرح النهج لابن أبي الحديد، ج 6،
ص 317: المغيرة صبحة.
[232]
أخذ وأعطى. فلما صارت مصر في يدك تتبعك
بالنقض عليك والتعقب لامرك ثم بالعزل لك حتى لو أن نفسك في يدك لارسلتها وذكرت يومك
مع أبي موسى فلا أراك فخرت إلا بالغدر ولا مننت إلا بالفجور والغش وذكرت مشاهدك
بصفين فو الله ما ثقلت علينا وطأتك ولا نكأت فينا جرأتك ولقد كنت فيها طويل اللسان
قصير البنان آخر الحرب إذا أقبلت وأولها إذا أدبرت. لك يدان، يد لا تقبضها عن شر
ويد لا تبسطها إلى خير ووجهان، وجه مونس ووجه موحش. ولعمري من باع دينه بدنيا غيره
لحري حزنه على ما باع. وأما إن لك بيانا ولكن فيك خطل وإن لك لرأيا ولكن فيك فشل
وإن أصغر عيب فيك لاعظم عيب في غيرك ! !
[233]
[الباب التاسع عشر] باب نادر 517 - فس:
الحسين بن عبيدالله الكسيني عن أبي سعيد البجلي عن عبد الملك بن هارون عن أبي عبد
الله عن آبائه صلوات الله عليهم قال: لما بلغ أمير المؤمنين عليه السلام أمر معاوية
عليه اللعنة وأنه في مائة ألف قال: من أي القوم ؟ قالوا: من أهل الشام. قال عليه
السلام: لا تقولوا من أهل الشام ولكن قولوا من أهل الشوم وهم من أبناء مصر لعنوا
على لسان داود فجعل منهم القردة والخنازير. ثم كتب إلى معاوية: لا تقتل الناس بيني
وبينك ولكن هلم إلى المبارزة فإن أنا قتلتك فإلى النار أنت ويستريح الناس منك ومن
ضلالتك وإن قتلتني فأنا إلى الجنة ويغمد عنك السيف الذي لا يسعني غمده حتى أرد مكرك
وبدعتك، وأنا الذي ذكر الله اسمه في التوراة والانجيل بمؤازرة رسول الله صلى الله
عليه وآله وأنا أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وآله تحت الشجرة في قوله
تعالى: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) *. فلما قرأ معاوية
كتابه وعنده جلساؤه قالوا: قد والله لقد أنصفك. فقال معاوية: والله ما أنصفني والله
لارمينه بمائة ألف سيف من أهل الشام من قبل أن يصل إلي ووالله ما أنا من جاله ولقد
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: والله يا علي لو بارزك أهل الشرق والغرب
لقتلتهم أجمعين. فقال له رجل من القوم: ما يحملك يا معاوية على قتال من تعلم وتخبر
517 - تفسير علي بن إبراهيم في ذيل الآية
7 من سورة الشورى " فريق في الجنة وفريق في السعير ".
[234]
فيه عن رسول الله بما تخبر ما أنت ونحن في
قتاله إلا على الضلالة. فقال معاوية: إنما هذا بلاغ من الله وما استطعت والله ما
استطيع أنا وأصحابي رد ذلك حتى يكون ما هو كائن. قال: وبلغ ذلك ملك الروم وأخبر أن
رجلين قد خرجا يطلبان الملك فسأل: من أين خرجا ؟ فقيل له: رجل بالكوفة ورجل بالشام.
قال: فأمر الملك وزراءه فقال: تخللوا هل تصيبون من تجار العرب من يصفهما لي ؟ فأتى
برجلين من تجار الشام ورجلين من تجار مكة فسألهم عن صفتهما فوصفوهما له ثم قال
لخزان بيوت خزائنه: أخرجوا إلي الاصنام فأخرجوها فنظر إليها فقال: الشامي ضال
والكوفي هاد. ثم كتب إلى معاوية أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك وكتب إلى أمير المؤمنين
عليه السلام أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك فأسمع منهما ثم أنظر في الانجيل كتابنا ثم
أخبركما من أحق بهذا الامر وخشي على ملكه. فبعث معاوية يزيد ابنه وبعث امير
المؤمنين الحسن ابنه عليهما السلام. فلما دخل يزيد لعنه الله على الملك أخذ بيده
وقبلها ثم قبل رأسه ثم دخل الحسن بن علي صلوات الله عليهما فقال: الحمد لله الذي لم
يجعلني يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا ولا عابدا للمشس والقمر ولا الصنم والبقر
وجعلني حنيفا مسلما ولم يجعلني من المشركين تبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله
رب العالمين. ثم جلس لا يرفع بصره. فلما نظر ملك الروم إلى الرجلين أخرجهما. ثم فرق
بينهما. ثم بعث إلى يزيد فأحضره ثم أخرج من خزائنه [ثلاث] مائة وثلاثة عشر صندوقا
فيها تماثيل الانبياء وقد زينت بزينة كل نبي مرسل فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم
يعرفه ثم عرض عليه صنم صنم فلا يعرف منها شيئا ولا يجيب منها بشئ ثم سأله عن أرزاق
الخلائق وعن أرواح المؤمنين أين تجتمع وعن أرواح الكفار أين تكون إذا ماتوا فلم
يعرف من ذلك شيئا.
[235]
ثم دعا الملك الحسن بن علي عليهما السلام
فقال: إنما بدأت بيزيد بن معاوية كي يعلم أنك تعلم ما لا يعلم ويعلم أبوك ما لا
يعلم أبوه فقد وصف [لي] أبوك وأبوه ونظرت في الانجيل فرأيت فيه محمدا رسول الله صلى
الله عليه وآله والوزير عليا عليه السلام ونظرت في الاوصياء فرأيت فيها أباك وصي
محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال له الحسن: سلني عما بدا لك فيما تجده في
الانجيل وعما في التوراة وعما في القرآن أخبرك به إن شاء الله. فدعا الملك بالاصنام
فأول صنم عرض عليه في صفة القمر فقال له الحسن عليه السلام فهذه صفة آدم أبي البشر
ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس فقال الحسن عليه السلام هذه صفة حواء أم البشر ثم عرض
عليه آخر في صفة حسنة فقال: هذه صفة شيث بن آدم وكان أول من بعث وبلغ عمره في
الدنيا ألف سنة وأربعين عاما [يوما " خ "] ثم عرض عليه صنم آخر فقال: هذه صفة نوح
صاحب السفينة وكان عمره ألفا وأربعمائة سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ثم
عرض عليه صنم آخر فقال: هذه صفة إبراهيم عليه السلام عريض الصدر طويل الجبهة ثم عرض
عليه صنم فقال هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب ثم أخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة
اسماعيل ثم أخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ثم
عرض عليه صنم آخر فقال: هذه صفة موسى بن عمران وكان عمره مائتين وأربعين سنة وكان
بينه وبين إبراهيم خمسمائة عام ثم أخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة داود صاحب الحرب
ثم أخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة شعيب ثم زكريا ثم يحيى ثم عيسى بن مريم روح
الله وكلمته وكان عمره في الدنيا ثلاثا وثلاثين سنة ثم رفعه الله إلى السماء ويهبط
إلى الارض بدمشق وهو الذي يقتل الدجال ثم عرض عليه صنم صنم فيخبر باسم نبي نبي ثم
عرض عليه الاوصياء والوزراء فكان يخبر باسم وصي وصي ووزير وزير ثم عرض عليه أصنام
بصفة الملوك فقال الحسن عليه
[236]
السلام هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة
ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في القرآن فلعلها من صفة الملوك. فقال الملك أشهد
عليكم يا أهل بيت محمد أنكم قد أعطيتم علم الاولين والآخرين وعلم التوراة والانجيل
والزبور وصحف إبراهيم وألواح موسى. ثم عرض عليه صنم يلوح فلما نظر إليه بكى بكاء
شديدا فقال له الملك: ما يبكيك ؟ فقال: هذه صفة جدي محمد صلى الله عليه وآله كث
اللحية عريض الصدر طويل العنق عريض الجبهة أقنى الانف أفلج الاسنان حسن الوجه قطط
الشعر طيب الريح حسن الكلام فصيح اللسان كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بلغ
عمره ثلاثا وستين سنة ولم يخلف إلا بعده خاتم مكتوب عليه " لا إله إلا الله محمد
رسول الله " صلى الله عليه وآله وكان يتختم في يمينه وخلف سيفه ذو الفقار وقضيبه
وجبة صوف وكساء صوف كان يتسرول به لم يقطعه ولم يخطه حتى لحق بالله. فقال الملك:
إنا نجد في الانجيل أنه يكون له ما يتصدق به على سبطيه فهل كان ذلك ؟ فقال له الحسن
عليه السلام: قد كان ذلك. فقال الملك: فبقي لكم ذلك ؟ فقال: لا قال الملك: لهذه أول
فتنة من هذه الامة غلبا أباكما ثم على ملك نبيكم واختيارهم على ذرية نبيهم منكم
القائم بالحق والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. قال: ثم سأل الملك الحسن عليه
السلام عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم فقال الحسن: أول هذا آدم ثم حواء
ثم كبش إبراهيم ثم ناقة الله ثم إبليس الملعون ثم الحية ثم الغراب الذي ذكره الله
في القرآن. قال: ثم سأله عن أرزاق الخلائق فقال الحسن عليه السلام: أرزاق الخلائق
في السماء الرابعة تنزل بقدر وتبسط بقدر. ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين يكونون إذا
ماتوا ؟ قال: تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة الجمعة وهو عرش الله الادنى
منها يبسط الله
[237]
الارض وإليها يطويها وإليه [ومنها " خ "]
المحشر ومنها استوى ربنا إلى السماء والملائكة. ثم سأله عن أرواح الكفار أين تجتمع
؟ قال: تجتمع في وادي حضرموت وراء مدينة اليمن ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا
من المغرب ويتبعها بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فيحشر أهل الجنة
عن يمين الصخرة ويزلف المتقين وتصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الارضين السابعة
وفيها الفلق والسجين فيعرف الخلائق من عند الصخرة فمن وجبت له الجنة دخلها ومن وجبت
له النار دخلها وذلك قوله: * (فريق في الجنة وفريق في السعير) *. فلما أخبر الحسن
صلوات الله عليه بصفة ما عرض عليه من الاصنام وتفسير ما سأله التفت الملك إلى يزيد
بن معاوية لعنه الله وقال: أشعرت أن ذلك علم لا يعلمه إلا نبي مرسل أو وصي موازر قد
أكرمه الله بموازرة نبيه صلى الله عليه وآله أو عترة نبي مصطفى وغيره المعادي فقد
طبع الله على قلبه وآثر دنياه على آخرته وهواه على دينه وهو من الظالمين. قال: فسكت
يزيد وخمد. قال: فأحسن الملك جائزة الحسن وأكرمه وقال له: ادع ربك حتى يرزقني دين
نبيك فإن حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك وأظنه سما مرديا وعذابا أليما. قال:
فرجع يزيد إلى معاوية وكتب إليه الملك: إنه يقال من آتاه الله العلم بعد نبيكم وحكم
بالتوراة وما فيها والانجيل وما فيه والزبور وما فيه والفرقان وما فيه فالحق
والخلافة له. وكتب إلى علي بن أبي طالب عليه السلام أن الحق والخلافة لك وبيت
النبوة وفي ولدك فقاتل من قاتلك يعذبه الله بيدك ثم يخلده في نار جهنم فإن من قاتلك
نجده في الانجيل أن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وعليه
[238]
لعنة أهل السموات والارضين. بيان: تخللوا
أي ادخلوا في خلال الناس وتجسسوا. قال الجوهري: تخللت القوم إذا دخلت بين خللهم
وخلالهم. وقوله عليه السلام: " وكان أول من بعث " أي من أولاد آدم. قوله عليه
السلام " أول هذا " أي بحسب الرتبة أو الاولوية إضافية " وثم " في بعضها أيضا
للترتيب الرتبي لا الزماني كإبليس. ولعل المراد بالحية الحية التي أدخلت إبليس
الجنة. وذكر الغراب المخصوص ووصفه بعدم الركض في الرحم لانه لم يكن غرابا حقيقة
وكان بصورته أو أطلق الرحم على ما يعم البيضة تغليبا. قوله عليه السلام: " منها
يبسط الله الارض " أي عند خراب الدنيا منها يأخذ في خراب العمارات وتسيير الجبال
وإليها ينتهي افناء الارض وإذهابها بعد الحشر أو هما بمعنى الماضي أي منها بسط
الارض في بدو الخلق وإليها رجع البسط فيكون إضافيا بالنسبة إلى ما سوى الكعبة أو
أجاب عليه السلام موافقا لما في كتبهم ويحتمل أن يكون الطي كناية عن حشر الناس
إليها فيكون ما بعده تفسيرا له. واستواء الرب كناية عن عروج الملائكة منها إلى
تنظيم أمور السماء أو الاخذ بعد الفراغ منها في خلق السماء. 518 - ف: بعث معاوية
رجلا متنكرا يسأل أمير المؤمنين عليه السلام عن مسائل سأله عنها ملك الروم فلما دخل
الكوفة وخاطب أمير المؤمنين عليه السلام أنكره فقرره فاعترف له بالحال فقال أمير
المؤمنين عليه السلام: قاتل الله ابن آكلة الاكباد ما أضله وأضل من معه قاتله الله
لقد أعتق جارية ما أحسن أن يتزوجها حكم الله بيني وبين هذه الامة قطعوا رحمي وصغروا
عظيم منزلتي وأضاعوا أيامي، بالحسن والحسين ومحمد فدعوا فقال: يا أخا أهل الشام
هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وهذا ابني فاسأل أيهم أحببت فقال الشامي:
518 - رواه الحسن بن علي بن شعبة في
الحديث الثالث مما اختاره من كلم الامام عليه السلام في كتاب تحف العقول ص 164. (*)
[239]
اسأل هذا يعني الحسن ثم قال: كم بين الحق
والباطل ؟ وكم بين السماء والارض ؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وعن هذا المحو الذي في
القمر ؟ وعن قوس قزح ؟ وعن هذه المجرة ؟ وعن أول شئ انتضح على وجه الارض ؟ وعن أول
شئ اهتز عليها ؟ وعن العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين ؟ وعن العين التي تأوي
إليها أرواح المشركين ؟ وعن المؤنث ؟ وعن عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فقال الحسن
عليه السلام: يا أخا أهل الشام بين الحق والباطل أربع أصابع ما رأيت بعينيك فهو
الحق وقد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا وبين السماء والارض دعوة المظلوم ومد البصر فمن
قال غير هذا فكذبه وبين المشرق والمغرب يوم مطرد للشمس تنظر إلى الشمس حين تطلع
وتنظر إليها حين تغرب فمن قال غير هذا فكذبه. وأما هذه المجرة فهي أشراج السماء
منها مهبط الماء المنهمر على قوم نوح. وأما قوس قزح فلا تقل: قزح فإن قزح شيطان
ولكنها قوس الله وأمان من الغرق. وأما المحو الذي في القمر فإن ضوء القمر كان مثل
ضوء الشمس فمحاه الله وقال في كتابه: * (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة)
*. وأما أول شئ انتضح على وجه الارض فهو وادي دلس. وأما أول شئ اهتز على وجه الارض
فهي النخلة. وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها سلمى.
وأما العين التي تأوي إليها أرواح الكافرين فهي عين يقال لها برهوت. وأما المؤنث
فإنسان لا يدرى إمرأة هو أم رجل فينتظر به الحلم فإن كانت امرأة بان ثدياها وإن كان
رجلا خرجت لحيته وإلا قيل له يبول على الحائط فإن أصاب الحائط بوله فهو رجل وإن نكص
كما ينكص بول البعير فهي إمرأة.
[240]
وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فأشد شئ
خلق الله الحجر وأشد من الحجر الحديد وأشد من الحديد النار وأشد من النار الماء
وأشد من الماء السحاب وأشد من السحاب الريح وأشد من الريح الملك وأشد من الملك ملك
الموت وأشد من ملك الموت الموت وأشد من الموت أمر الله قال الشامي أشهد أنك ابن
رسول الله صلى الله عليه وآله وأن عليا عليه السلام وصي محمد ثم كتب هذا الجواب
ومضى به إلى معاوية وأنفذه معاوية إلى ابن الاصفر فلما أتاه قال: أشهد أن هذا ليس
من عند معاوية ولا هو إلا من عند معدن النبوة. توضيح: قوله عليه السلام: " فمن قال
غير هذا " أي برأيه. وقال الجوهري: اطرد الشئ تبع بعضه بعضا وجرى تقول: اطرد الامر
إذا استقام. والانهار تطرد أي تجري انتهى ولعل المراد يوم تام أو في أي وقت وفصل
كان. وفي القاموس: الشرج محركة: العرى ومنفسح الوادي ومجرة السماء والشرج: مسيل من
الحرة إلى السهل والجمع شراج. وأشد من الملك أي الملك الموكل بالرياح.
[241]
[الباب العشرون] باب نوادر الاحتجاج على
معاوية 519 - جا: الحسين بن محمد التمار عن محمد بن القاسم الانباري عن أحمد بن
يحيى عن ابن الاعرابي عن حبيب بن بشار عن أبيه عن علي بن عاصم: عن الشعبي قال: لما
وفد شداد بن أوس (1) على معاوية ابن أبي سفيان أكرمه وأحسن قبوله ولم يعتبه على شئ
كان منه ووعده ومناه ثم إنه حضر في يوم حفل فقال له: يا شداد قم في الناس واذكر
عليا وعبه لاعرف بذلك نيتك في مودتي. فقال له شداد: اعفني من ذلك فإن عليا قد لحق
بربه وجوزي بعمله وكفيت ما كان يهمك منه وانقادت لك الامور على إيثارك فلا تلتمس من
الناس مالا يليق بحلمك ! ! فقال له معاوية: لتقومن بما أمرتك به وإلا فالريب فيك
واقع. فقام شداد فقال: الحمد لله الذي افترض طاعته على عباده وجعل رضاه عند أهل
التقوى آثر من رضا خلقه. على ذاك مضى أولهم وعليه يمضي آخرهم.
519 - رواه الشيخ المفيد في الحديث: (7)
من المجلس (11) من أماليه. (1) والرجل من الصحابة ومن أصحاب الصحاح الست، مترجم في
كتاب الاصابة وتهذيب التهذيب وغيرهما.
[242]
أيها الناس إن الآخرة وعد صادق يحكم فيها
ملك قادر وإن الدنيا اجل حاضر يأكل منها البر والفاجر وإن السامع المطيع لله لا حجة
عليه، وإن السامع العاصي لا حجة له وإن الله إذا أراد بالعباد خيرا عمل عليهم
صلحاؤهم وقضى بينهم فقهاؤهم وجعل المال في أسخيائهم وإذا أراد بهم شرا عمل عليهم
سفهاؤهم وقضى بينهم جهلاؤهم وجعل المال عند بخلائهم وإن من صلاح الولاة [أن يصلح]
قرناؤها، ونصحك يا معاوية من أسخطك بالحق وغشك من أرضاك بالباطل وقد نصحتك بما قدمت
وما كنت أغشك بخلافه. فقال له معاوية: اجلس يا شداد فجلس فقال له: إني قد أمرت لك
بمال يغنيك ألست من السمحاء الذين جعل الله المال عندهم لصلاح خلقه. فقال له شداد:
إن كان ما عندك من المال هو لك دون مال المسلمين فعمدت جمعه مخافة تفرقه فأصبته
حلالا وأنفقته حلالا فنعم وإن كان مما شاركك فيه المسلمون فاحتجبته دونهم فأصبته
اقترافا وأنفقته إسرافا فإن الله جل اسمه يقول: * (إن المبذرين كانوا إخوان
الشياطين...) * [27 / الاسراء: 17]. فقال معاوية: أظنك قد خولطت يا شداد أعطوه ما
أطلقناه له ليخرج إلى أهله قبل أن يغلبه مرضه ! ! فنهض شداد وهو يقول: المغلوب على
عقله بهواه سواي وارتحل ولم يأخذ من معاوية شيئا. بيان: في يوم حفل أي يوم اجتمع
فيه الناس عنده يقال: حفل القوم حفلا: اجتمعوا. والمجلس: كثر أهله. 520 - كش: نصر
بن الصباح عن إسحاق بن محمد البصري عن أمير بن علي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال: كان أمير المؤمنين يقول: إن المحامدة تأبى أن يعصى الله عزوجل. قلت ومن
المحامدة قال: محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أمير
المؤمنين عليه
520 - رواه الكشي رحمه الله في ترجمة محمد
بن أبي حذيفة تحت الرقم: (20) من منتخب رجاله ص 66 ط النجف.
[243]
السلام. أما محمد بن أبي حذيفة هو ابن
عتبة بن ربيعة وهو ابن خال معاوية. وأخبرني بعض رواة العامة عن محمد بن إسحاق قال:
حدثني رجل من أهل الشام قال: كان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع علي بن أبي
طالب عليه السلام ومن أنصاره وأشياعه وكان ابن خال معاوية وكان رجلا من خيار
المسلمين فلما توفي علي عليه السلام أخذه معاوية وأراد قتله فحبسه في السجن دهرا ثم
قال معاوية ذات يوم: ألا نرسل إلى هذا السفيه محمد بن أبي حذيفة فنبكته ونخبره
بضلاله ونأمره أن يقوم فيسب عليا قالوا: نعم فبعث إليه معاوية فأخرجه من السجن فقال
له معاوية: يا محمد بن أبي حذيفة ألم يأن لك أن تبصر ما كنت عليه من الضلالة بنصرتك
علي بن أبي طالب الكذاب ألم تعلم أن عثمان قتل مظلوما وأن عائشة وطلحة والزبير
خرجوا يطلبون بدمه وأن عليا هو الذي دس في قتله ونحن اليوم نطلب بدمه. قال محمد بن
أبي حذيفة إنك لتعلم أني أمس القوم بك رحما وأعرفهم بك ؟ قال: أجل. قال: فو الله
الذي لا إله غيره ما أعلم أحدا شرك في دم عثمان وألب الناس عليه غيرك لما استعملك
ومن كان مثلك فسأله المهاجرون والانصار أن يعزلك فأبى ففعلوا به ما بلغك ووالله ما
أحد شرك في قتله بدئا وأخيرا إلا طلحة والزبير وعائشة فهم الذين شهدوا عليه
بالعظيمة وألبوا عليه الناس وشركهم في ذلك عبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعمار
والانصار جميعا. قال قد كان ذلك أي والله إني لاشهد أنك منذ عرفتك في الجاهلية
والاسلام لعلى خلق واحد ما زاد الاسلام فيك قليلا ولا كثيرا وإن علامة ذلك فيك
لبينة تلومني على حبي عليا خرج مع علي كل صوام قوام مهاجري وأنصاري كما خرج معك
أبناء المنافقين والطلقاء والعتقاء خدعتهم عن دينهم وخدعوك عن دنياك والله يا
معاوية ما خفي عليك ما صنعت وما خفي عليهم ما صنعوا إذ أحلوا أنفسهم سخط الله في
طاعتك والله لا أزال أحب عليا لله ولرسوله وأبغضك في الله وفي رسوله أبدا ما بقيت.
[244]
قال معاوية: وإني أراك على ضلالك بعد ردوه
[إلى السجن فردوه] فمات في السجن. بيان: فنبكته التبكيت: التقريع والتأنيب. وبكته
بالحجة أي غلبه وفي بعض النسخ فننكبه على التفعيل من نكب عن الطريق أي عدل أو على
بناء المجرد أي نجعله منكوبا والنكبة إصابة النوائب وفي بعض النسخ: فنبكيه من الا
بكاء وهو تصحيف. 521 - كش: محمد بن مسعود عن علي بن أبي علي الخزاعي عن محمد بن علي
العطار عن عمرو بن عبد الغفار عن أبي بكر بن أبي عياش عن عاصم بن أبي النجود عمن
شهد ذلك أن معاوية حين قدم الكوفة ودخل عليه رجال من أصحاب علي عليه السلام وكان
الحسن عليه السلام قد أخذ الامان لرجال منهم مسمين بأسمائهم وأسماء آبائهم وكان
منهم صعصعة فلما دخل عليه صعصعة قال معاوية لصعصعة: أما والله إني كنت لابغض أن
تدخل في أماني قال: وأنا والله أبغض أن أسميك بهذا الاسم ثم سلم عليه بالخلافة قال:
فقال معاوية: إن كنت صادقا فاصعد المنبر فالعن عليا قال: فصعد المنبر وحمد الله
وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس أتيتكم من عند رجل قدم شره وأخر خيره وإنه أمرني أن
ألعن عليا فالعنوه لعنه الله فضج أهل المسجد بآمين فلما رجع إليه فأخبره بما قال
قال: لا والله ما عنيت غيري ارجع حتى تسميه باسمه فرجع وصعد المنبر ثم قال: أيها
الناس إن أمير المؤمنين أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب عليه السلام فالعنوا من لعن
علي بن أبي طالب قال: فضجوا بآمين قال: فلما خبر معاوية قال: لا والله ما عنى غيري
اخرجوا لا يساكني في بلد فأخرجوه. بيان: لعله أراد أمير المؤمنين أميرهم حقا عليا
عليه السلام فانه عليه السلام كان أمر أصحابه باللعن إذا خافوا القتل أو أراد
أميرهم المسلط عليهم
521 - رواه الكشي رحمه الله في ترجمة
صعصعة تحت الرقم: (19) من مختار رجاله ص 65.
[245]
جورا وقوله: " فالعنوا من لعن " أوهم ان
المراد فالعنوا من لعنه الامير وبينه بأنه علي ومقصوده ظاهر. 522 - كش: روي أن
الاحنف بن قيس وفد إلى معاوية وجارية بن قدامة (1) والحباب بن يزيد فقال معاوية
للاحنف: أنت الساعي على أمير المؤمنين عثمان وخاذل أم المؤمنين عائشة والوارد الماء
على علي بصفين ؟ فقال: يا أمير المؤمنين من ذاك ما أعرف ومنه ما أنكر. أما أمير
المؤمنين عثمان فأنتم معشر قريش حضرتموه بالمدينة والدار منا عنه نازحة وقد حضره
المهاجرون والانصار بمعزل وكنتم بين خاذل وقاتل. وأما عائشة فإني خذلتها في طول باع
ورحب سرب وذلك أني لم أجد في كتاب الله إلا أن تقر في بيتها. وأما وروي الماء بصفين
فإني وردت حين أردت أن تقطع رقابنا عطشا. فقام معاوية وتفرق الناس. ثم أمر معاوية
للاحنف بخمسين ألف درهم ولاصحابه بصلة فقال للاحنف حين ودعه: حاجتك ؟ قال: تدر على
الناس عطياتهم وأرزاقهم وإن سألت المدد أتاك منا رجال سليمة الطاعة شديدة النكاية
وقيل: إنه كان يرى رأي العلوية. ووصل الحباب بثلاثين ألف درهم وكان يرى رأى الاموية
فصار الحباب إلى معاوية وقال: يا أمير المؤمنين تعطى الاحنف ورأيه رأيه خمسين ألف
درهم وتعطيني ورأيي رأيي ثلاثين ألف درهم فقال: يا حباب إني اشتريت بها دينه
522 - رواه الكشي رضوان الله عليه تحت
الرقم: (28) من تلخيص رجاله ص 84 ط النجف. (1) هذا هو الصواب، وها هنا في النسخة
المطبوعة من مختار رجال الكشي والاصول الحاكية عنه تصحيف: " حارثة بن قدامة ".
[246]
فقال الحباب: يا أمير المؤمنين تشتري مني
أيضا ديني. فأتمها وألحقه بالاحنف فلم يأت على الحباب أسبوع حتى مات ورد المال
بعينه إلى معاوية فقال الفرزدق يرثي الحباب: أتأكل ميراث الحباب ظلامة * وميراث حرب
جامد لك ذائبه أبوك وعمي يا معاوية أورثا * تراثا فيختار التراث أقاربه ولو كان هذا
الدين في جاهلية * عرفت من المولى القليل جلائبه ولو كان هذا الامر في غير ملككم *
لاديته أو غص بالماء شاربه فكم من أب لي يا معاوية لم يكن * أبوك الذي من عبد شمس
يقاربه إيضاح: قوله " في طول باع " قال السيد الداماد رحمه الله: الباع قدر مد
اليدين وما بينهما من البدن وبسط اليد بالمال وطول الباع كناية عن المقدرة والميسرة
والاقتدار والشوكة قاله [الزمخشري] في الفائق والاساس و [الفيروز آبادي] وابن
الاثير في] القاموس والنهاية وقال في الصحاح: الرحب بالضم: السعة تقول: فلان رحب
الصدر. والرحب بالفتح: الواسع تقول منه بلد رحب. وقال: السرب بالفتح: الابل. والسرب
أيضا الطريق وفلان آمن في سربه - بالكسر - أي في نفسه. وفلان واسع السرب أي رخي
البال. وفي المغرب: السرب بالفتح في قولهم: خلى سربه أي طريقه ومنه قوله: إذا كان
مخلى السرب أي موسعا عليه غير مضيق عليه. يعني أني لم أخذ لها وهي محتاجة إلى
الانتصار بل خذلتها وهي في طول باع ورحب سرب أي في مندوحة وفسحة عن القتال وتجهيز
الجيش بأن تقر في بيتها موقرة مكرمة رحبة الصدر رخية البال واسعة السرب لانها لم
تكن مأمورة بالمسير إلى البصرة وتجهيز الجيش والمطالبة بدم عثمان ومقاتلة علي بن
أبي طالب على ذلك ولا مضطرة إلى شئ من ذلك بل كانت في سعة عن ذلك كله ومع ذلك فإنها
كانت في طول باع من الشوكة والقدرة واجتماع الجيوش وكثرة الاعوان والانصار والعدد
والعدد.
[247]
وأيضا خذلتها لاني لم أجد في كتاب الله
تعالى إلا أن تقر في بيتها إذ قال عز من قائل: * (وقرن في بيوتكن) * أقول: ويحتمل
أن يكون في طول باع ورحب سرب حالا عن الفاعل أي لم يكن على حرج في ذلك كما يومئ
إليه آخر كلامه رحمه الله. وقوله " جامد لك ذائبه " لعله كناية عن أنه محفوظ لك لم
يبطل منه شئ مما كان في معرض البطلان والضياع ولم يتعد إلى الغير. والجلائب: جمع
جليبة وهو ما جلب وعبد جليب: مجلوب وامرأة جليب من جلبى وجلائب أي عرفت من المولى
القليل الاموال والعبيد أنا أو أنت. قوله " أو غص بالماء شاربه " غص بفتح العين
المعجمة وإهمال الصاد المشددة و " شاربه " بالرفع على الفاعلية. والباء [في قوله:]
" بالماء " للتعدية. [وقال ابن الاثير] في النهاية: يقال: غصصت بالماء أغص غصصا
فأنا غاص وغصان إذا شرقت به أو وقف في حلقك فلم تكد تسيغه والمعنى لو كان هذا الامر
الذي وقع في غير سلطنتكم لاديت فاعل هذا الفعل ولم يكن يقدر أن يبلغه لضعفه. 523 -
بل: قال جابر بن عبد الله الانصاري رضي الله عنه: كنت أنا ومعاوية بن أبي سفيان
بالشام فبينا نحن ذات يوم إذ نظرنا إلى شيخ وهو مقبل من صدر البرية من ناحية العراق
فقال معاوية: عرجوا بنا إلى هذا الشيخ لنسأله من أين أقبل وإلى أين يريد وكان مع
معاوية أبو الأعور السلمي وولدا معاوية خالد ويزيد وعمرو بن العاص قال: فعرجنا إليه
فقال له معاوية: من أين أقبلت يا شيخ وإلى أين تريد ؟ فلم يجبه الشيخ فقال [له]
عمرو بن العاص: لمالا تجيب أمير المؤمنين ! فقال الشيخ: إن الله جعل التحية غير هذه
! فقال معاوية: صدقت يا شيخ [أصبت] وأخطأنا وأحسنت وأسأنا السلام عليك يا شيخ. فقال
523 - كتاب الفضائل هذا منسوب إلى شاذان
بن جبرئيل القمي رحمه الله من أعلام القرن السادس.
[248]
[الشيخ] وعليك السلام. فقال معاوية: ما
اسمك يا شيخ ؟ فقال: إسمي جبل وكان ذلك الشيخ طاعنا في السن بيده شئ من الحديد
ووسطه مشدود بشريط من ليف المقل وفي رجليه نعلان من ليف المقل وعليه كساء قد سقط
لحامه وبقي سدانه وقد بانت شراسيف خديه وقد غطت حواجبه على عينيه. فقال معاوية: يا
شيخ من أين أقبلت وإلى أين تريد ؟ قال: أتيت من العراق أريد بيت المقدس قال معاوية:
كيف تركت العراق ؟ قال: على الخير والبركة والنفاق. قال: لعلك أتيت من الكوفة من
الغري ؟ قال الشيخ: وما الغري ؟ قال معاوية: الذي فيه أبو تراب. قال الشيخ: من تعني
بذلك ومن أبو تراب ؟ قال ابن أبي طالب. قال له الشيخ: أرغم الله أنفك ورض الله فاك
ولعن الله أمك وأباك ولم لا تقول: الامام العادل والغيث الهاطل يعسوب الدين وقاتل
المشركين والقاسطين والمارقين وسيف الله المسلول ابن عم الرسول وزوج البتول تاج
الفقهاء وكنز الفقراء وخامس أهل العباء والليث الغالب أبو الحسنين علي بن أبي طالب
عليه الصلاة والسلام. فعندها قال معاوية: يا شيخ إني أرى لحمك ودمك قد خالط لحم علي
بن أبي طالب عليه السلام ودمه حتى لو مات علي ما أنت فاعل ؟ قال: لا أتهم في فقده
ربي وأجلل في بعده حزني وأعلم أن الله لا يميت سيدي وإمامي حتى يجعل من ولده حجة
قائمة إلى يوم القيامة. فقال: يا شيخ هل تركت من بعدك امرا تفتخر به ؟ قال: تركت
الفرس الاشقر والحجر والمدر والمنهاج لمن أراد المعراج قال عمرو بن العاص: لعله لا
يعرفك يا أمير المؤمنين. فسأله معاوية فقال: يا شيخ أتعرفني قال الشيخ: ومن أنت ؟
قال: أنا معاوية بن أبي سفيان أنا الشجرة الزكية والفروع العلية سيد بني أمية. فقال
له الشيخ: بل أنت اللعين على لسان نبيه وفي كتابه المبين إن الله قال:
[249]
" والشجرة الملعونة في القرآن " والشجرة
الخبيثة والعروق المجتثة الخسيسة الذي ظلم نفسه وربه وقال فيه نبيه الخلافة محرمة
على أبي سفيان الزنيم ابن الزنيم ابن آكلة الاكباد الفاشي ظلمه في العباد. فعندها
اغتاظ معاوية وحنق عليه فرد يده إلى قائم سيفه وهم بقتل الشيخ ثم قال: لولا أن
العفو حسن لاخذت رأسك ثم قال: أرأيت لو كنت فاعلا ذلك قال الشيخ إذا والله أفوز
بالسعادة وتفوز أنت بالشقاوة وقد قتل من هو أشر منك من هو خير مني وعثمان شر منك.
قال معاوية: يا شيخ هل كنت حاضرا يوم الدار قال: وما يوم الدار ؟ قال معاوية: يوم
قتل علي عثمان فقال الشيخ: تالله ما قتله ولو فعل ذلك لعلاه بأسياف حداد وسواعد
شداد وكان يكون في ذلك مطيعا لله ولرسوله. قال: معاوية: يا شيخ هل حضرت يوم صفين
قال: وما غبت عنها قال: كيف كنت فيها ؟ قال الشيخ: أيتمت منك أطفالا وأرملت منك
إخوانا وكنت كالليث أضرب بالسيف تارة وبالرمح أخرى. قال معاوية هل ضربتني بشئ قط ؟
قال الشيخ: ضربتك بثلاثة وسبعين سهما فأنا صاحب السهمين اللذين وقعا في بردتك وصاحب
السهمين اللذين وقعا في مسجدك وصاحب السهمين اللذين وقعا في عضدك ولو كشفت الآن
لاريتك مكانهما. فقال معاوية: يا شيخ هل حضرت يوم الجمل ؟ قال: وما يوم الجمل ؟ قال
معاوية: يوم قاتلت عائشة عليا. قال: وما غبت عنها. قال معاوية: يا شيخ الحق [كان]
مع علي أم مع عائشة قال الشيخ: بل مع علي. قال معاوية: ألم يقل الله * (وأوزواجه
أمهاتهم) * وقال النبي صلى الله عليه وآله [لها] أم المؤمنين ! قال الشيخ: ألم يقل
الله تعالى: يا نساء النبي: " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى " [33
/ الاحزاب: 33] وقال النبي صلى الله عليه وآله: أنت يا علي خليفتي على نسواني وأهلي
وطلاقهن بيدك أفترى في ذلك معها حق حتى سفكت دماء المسلمين وأذهبت أموالهم فلعنة
الله على القوم الظالمين وهما كامرأة
[250]
نوح في النار ولبئس مثوى الكافرين. قال
معاوية يا شيخ ما جعلت لنا شيئا نحتج به عليك فمتى ظلمت الامة وطفيت عنهم قناديل
الرحمة قال لما صرت أميرها وعمرو بن العاص وزيرها. قال فاستلقى معاوية على قفاه من
الضحك وهو على ظهر فرسه فقال: يا شيخ هل من شئ نقطع به لسانك ؟ قال: وماذا قال
عشرون ناقة حمراء محملة عسلا وبرا وسمنا وعشرة آلاف درهم تنفقها على عيالك وتستعين
بها على زمانك قال الشيخ: لست أقبلها. قال: ولم ذلك. قال الشيخ: لاني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول: درهم حلال خير من ألف درهم حرام. قال معاوية: لان
أقمت في دمشق لاضربن عنقك قال: ما أنا مقيم معك فيها. قال معاوية: ولم ذلك ؟ قال
الشيخ: لان الله تعالى يقول: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم
من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) * [113 / هود: 11]. وأنت أول ظالم وآخر ظالم.
ثم توجه الشيخ إلى بيت المقدس. توضيح: قال الجوهري: التعريج على الشئ الاقامة عليه
يقال: عرج فلان على المنزل إذا حبس مطيته عليه وأقام وانعرج الشئ انعطف. 524 - يل
فض: قيل: دخل ضرار صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على معاوية بن
أبي سفيان بعد وفاته عليه السلام فقال له معاوية: يا ضرار صف لي علي بن أبي طالب
وأخلاقه المرضية قال ضرار: كان
524 - كتاب الفضائل والروضة منسوبان إلى
شاذان بن جبرئيل القمي من أعلام القرن السادس، ولكن تنظر بعض علمائنا في صحة النسبة
كما في عنوان: " الروضة والفضائل " من كتاب الذريعة: ج 11، ص 282 وج 16، ص، 25.
وللكلام صور أحسن مما ذكره المصنف هاهنا عن كتاب الروضة والفضائل، وله مصادر
وأسانيد كثيرة جدا، وقد رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار: (77) من الباب
الثالث من نهج البلاغة، ورواه أيضا ابن شهر آشوب في عنوان: " المسابقة بالزهد " من
مناقب آل أبي طالب: ج 1، ص 371 ط النجف ويأتي أيضا هاهنا مسندا تحت الرقم: (538) ص
584. (*)
[251]
والله بعيد المدى شديد القوى ينفجر
الايمان من جوانبه وتنطق الحكمة من لسانه يقول حقا ويحكم فصلا فأقسم لقد شاهدته
ليلة في محرابه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم يصلي قابضا على لمته يتململ تململ
السليم ويأن أنين الحزين ويقول: يا دنيا أبي تعرضت وإلي تشوفت غري غيري لا حان حينك
أجلك قصير وعيشك حقير وقليلك حساب وكثيرك عقاب فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي إليك آه
من بعد الطريق وقلة الزاد. قال معاوية كان والله أمير المؤمنين كذلك وكيف حزنك عليه
؟ قال: حزن امرأة ذبح ولدها في حجرها قال فلما سمع ذلك معاوية بكا وبكا الحاضرون.
بيان: المدى الغاية أي كان ذا همة عالية يتوجه إلى تحصيل معالي الامور وما يعسر
تحصيله على أكثر الخلق. ويقال: نطف الماء ينطف وينطف إذا قطر قليلا قليلا. والسدل
جمع السديل وهو ما يسيل ويرخى على الهودج ويقال: سلمته الحية أي لدغته والسليم
اللديغ. وقيل إنما سمي سليما تقألا بالسلامة. ويقال: هو يتململ عى فراشه إذا لم
يستقر من الوجع والاستفهام عن تعرضها وتشوفها استفهام إنكار لذلك منها واستحقار لها
واستبعاد لموافقته إياها على ما تريد وتشوف إلى الخير: تطلع. ومن السطح: تطاول ونظر
وأشرف. وفي بعض النسخ بالقاف: [تشوقت]. " غري غيري " أي خداعك وغرورك لا يدخل علي
وليس المراد الامر بغرور غيره. وقال الجوهري: حان له أن يفعل كذا يحين حينا أي آن،
وحان حينه أي قرب وقته انتهى. وهذا دعاء عليها أي: لا قرب وقت انخداعي بك وغرورك
لي. 525 - كشف: حضر جماعة عند معاوية وعنده عدي بن حاتم وكان
525 - رواه الاربلي رحمه الله في آخر
عنوان " وقعة الجمل " من كتاب كشف الغمة: ج 1 ص 244 بيروت.
[252]
فيهم عبد الله بن الزبير فقالوا: يا أمير
المؤمنين ذرنا نكلم عديا فقد زعموا أن عنده جوابا فقال: إني أحذركموه فقالوا: لا
عليك دعنا وإياه فقال له ابن الزبير: يا أبا طريف متى فقئت عينك ؟ قال: يوم فر أبوك
وقتل شر قتلة وضربك الاشتر على استك فوقعت هاربا من الزحف وأنشد: أما وأبي يا بن
الزبير لو أنني * لقيتك يوم الزحف ما رمت لي سخطا وكان أبي في طئ وأبوابي * صحيحين
لم تنزع عروقهما القبطا ولو رمت شتمي عند عدل قضاؤة * لرمت به يا ابن الزبير مدى
شحطا فقال معاوية: قد كنت حذرتكموه فأبيتم. بيان: قال الجوهري: الشحط البعد يقال:
شحط المزار [أي بعد] وتشحط المقتول بدمه أي اضطرب فيه. 526 - كشف الحق للعلامة رحمه
الله: روى الجمهور أن أروى بنت الحرث بن عبد المطلب دخلت على معاوية في خلافته
بالشام وهي يومئذ عجوز كبيرة فلما رآها قال: مرحبا بك يا خالة. قالت: كيف أنت يا
ابن أختي لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك وأخذت غير حقك
بلا بلاء كان منك ولا من أبيك بعد أن كفرتم بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله
فأتعس الله منكم الجدود حتى رد الله الحق إلى أهله وكانت كلمة الله هي العليا
ونبينا هو المنصور على كل ما ناوأه ولو كره المشركون فكنا أهل البيت أعظم الناس في
هذا الدين بلاء وعن أهله غناء وقدرا حتى قبض الله نبيه ومغفورا ذنبه مرفوعة منزلته
شريفا عن الله مرضيا فوثب علينا بعده تيم
526 - رواه العلامة رحمه الله في آخر
المطلب الرابع من كتاب كسف الحق ونهج الصدق ص 313 ط بيروت وفي متن دلائل الصدق: ج 3
ص 236 ط 1. وليراجع كتاب بلاغات النساء. ورواه أيضا ابن عبد ربه تحت عنوان " وفود
أروى بنت عبد المطلب " في آخر كتاب الزبرجدة من العقد الفريد. هذا وسيرويه المصنف
ثانية تحت الرقم 532، فلاحظ.
[253]
وعدي وبنو أمية فأنت تهتدي بهداهم وتقصد
لقصدهم فصرنا بحمد الله فيكم أهل البيت بمنزلة قوم موسى في آل فرعون يذبحون أبناءهم
ويستحيون نساءهم وصار سيدنا منكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول: * (يا
ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) * [150 / الاعراف: 7] فلم يجمع بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله شمل ولم يسهل وعث وغايتنا الجنة وغايتكم النار. فقال
لها عمرو بن العاص: أيتها العجوزة الضالة أقصري من قولك وغضي من طرفك. قالت: ومن
أنت ؟ قال: أنا عمرو بن العاص قالت: با ابن النابغة اربع على ظلعك واغض لسان نفسك
ما أنت من قريش في لباب حسبها ولا صحيح نسبها ولقد ادعاك خمسة من قريش كلهم يزعم
أنك ابنه ولطالما رأيت أمك أيام منى بمكة تكسب الخطيئة وتتزن الدراهم من كل عبد
عاهر هايج وتسافح عبيدنا فأنت بهم أليق وهم بك أشبه منك تقرع بينهم. 527 - كشف من
كتاب الموفقيات للزبير بن بكار الزبيري حدث عن رجاله قال: دخل محفن بن أبي محفن
الضبي على معاوية فقال: يا معاوية جئتك من عند ألام العرب وأعيا العرب وأجبن العرب
وأبخل العرب ! ! قال: ومن هو يا أخا بني تميم ؟ قال: علي بن أبي طالب ! ! ! قال
معاوية: اسمعوا يا أهل الشام ما يقول أخاكم العراقي فابتدروه أيهم ينزله عليه
ويكرمه. فلما تصدع الناس عنه قال له: كيف قلت ؟ فأعاد عليه فقال له ويحك يا جاهل
كيف يكون ألام العرب وأبوه أبو طالب وجده عبد المطلب وامرأته
527 - رواه علي بن عيسى الاربلي رحمه الله
قبيل عنوان: " ذكر قتله ومدة خلافته... " من كتاب كشف الغمة: ج 2 ص 47 ط بيروت.
ورواه باختصار بسنده عن ابن أبي الدنيا، الحافظ ابن عساكر في الحديث: (1109) من
ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 76 ط 2. وفيه: جاء ابن أجور التميمي إلى
معاوية...
[254]
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
وأنى يكون أبخل العرب فو الله لو كان له بيتان بيت تبن وبيت تبر لانفد تبره قبل
تبنه. وأني يكون أجبن العرب ؟ فو الله ما التقت فئتان قط إلا كان فارسهم غير مدافع.
وأني يكون أعيى العرب فو الله ما سن البلاغة لقريش غيره ولما قامت أم محفن عنه ألام
وأبخل وأجبن وأعيا لبظر أمه فو الله لولا ما تعلم لضربت الذي فيه عيناك فإياك عليك
لعنة الله والعود إلى مثل هذا. قال: والله أنت أظلم مني فعلى أي شئ قاتلته وهذا
محله ؟ ! قال: على خاتمي هذا حتى يجوز به أمري قال: فحسبك ذلك عوضا من سخط الله
وأليم عذابه. قال: لا يا ابن محفن ولكني أعرف من الله ما جهلت حيث يقول: * (ورحمتي
وسعت كل شئ) *. 528 - وحدث الزبير عن رجاله قال: قدم ابن عباس على معاوية وكان يلبس
أدنى ثيابه ويخفض من شأنه لمعرفته أن معاوية كان يكره إظهاره لشأنه وجاء الخبر إلى
معاوية بموت الحسن بن علي عليهما السلام فسجد شكرا لله تعالى وبان السرور في وجهه
في حديث طويل ذكره الزبير ذكرت منه موضع الحاجة إليه وأذن للناس وأذن لابن عباس
بعدهم فدخل فاستدناه وكان قد عرف بسجدته فقال له: أتدري ما حدث بأهلك ؟ قال: لا
قال: فإن أبا محمد رحمه الله توفي فعظم الله أجرك فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون
عند الله
528 - رواه الاربلي رحمه الله - مع الحديث
التالي - في العنوان المتقدم الذكر آنفا من كتاب كشف الغمة: ج 2 ص 48 ط بيروت.
وللكلام شواهد كثيرة ذكرنا بعضها في تعليق الحديث: (1505) من ترجمة أمير المؤمنين
من تاريخ دمشق: ج 3 ص 408. وأيضا بعض الشواهد يجده الباحث في الحديث: (368)
وتعليقاته من ترجمة الامام الحسن من تاريخ دمشق ص 240 ط بيروت 1.
[255]
نحتسب المصيبة برسول الله صلى الله عليه
وآله وعند الله نحتسب مصيبتنا بالحسن رحمه الله إنه قد بلغتني سجدتك فلا أظن ذلك
إلا لوفاته والله لا يسد جسده حفرتك ولا يزيد انقضاء أجله في عمرك ولطال ما رزينا
بأعظم من الحسن ثم جبر الله. قال معاوية كم كان أتى له ؟ قال: شأنه أعظم من أن يجهل
مولده قال: أحسبه ترك صبية صغارا ؟ قال: كلنا كان صغيرا فكبر. ثم قال: أصبحت سيد
أهلك قال: أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين بن علي فلا. ثم قام وعينه تدمع
فقال معاوية: لله دره لا والله ما هيجنا قط إلا وجدناه سيدا. ودخل [ابن عباس] على
معاوية بعد انقضاء العزاء فقال: يا أبا العباس أما تدري ما حدث في أهلك ؟ قال: لا.
قال: هلك أسامة بن زيد فعظم الله أجرك قال: إنا لله وإنا إليه راجعون رحم الله
أسامة وخرج. وأتاه بعد أيام وقد عزم على محاققته [محاقته " خ ل "] (1) فصلى في
الجامع يوم الجمعة واجتمع الناس عليه يسألونه عن الحلال والحرام والفقه والتفسير
وأحوال الاسلام والجاهلية وافتقد معاوية الناس فقيل: إنهم مشغولون بابن عباس ولو
شاء أن يضربوا معه بمائة ألف سيف قبل الليل لفعل ! فقال: نحن أظلم منه حبسناه عن
أهله ومنعناه حاجته ونعينا إليه أحبته انطلقوا فادعوه فأتاه الحاجب فدعاه فقال: إنا
بنو عبد مناف إذا حضرت الصلاة لم نقم حتى نصلي اصلي إنشاء الله وآتيه فرجع. وصلى
[ابن عباس] العصر وأتاه فقال: حاجتك فما سأله حاجة إلا قضاها وقال: أقسمت عليك لما
دخلت بيت المال فأخذت حاجتك - وإنما أراد أن يعرف أهل الشام ميل ابن عباس إلى
الدنيا فعرف ما يريده - فقال: إن ذلك ليس لي ولا لك فإن أذنت أن أعطي كل ذي حق حقه
فعلت ؟ ! قال: أقسمت عليك إلا دخلت فأخذت حاجتك. فدخل فأخذ برنس خز أحمر
(1) المحاقة: المخاصمة، يقال: حاققت زيدا
على كذا: خاصمته عليه.
[256]
يقال: أنه كان لامير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام ثم خرج فقال: يا أمير المؤمنين بقيت لي حاجة قال: ما هي ؟ قال:
علي بن أبي طالب قد عرفت فضله وسابقته وقرابته وقد كفاكه الموت أحب أن لا يشتم على
منابركم قال: هيهات يا بن عباس هذا أمر دين أليس أليس وفعل وفعل فعدد ما بينه وبين
علي عليه السلام فقال ابن عباس: أولى لك يا معاوية والموعد القيامة ولكل نبأ مستقر
وسوف تعلمون. وتوجه إلى المدينة. 529 - وحدث الزبير عن رجاله عن ابن عباس أن معاوية
أقبل عليه وعلى بني هاشم فقال: إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة كما استحققتم النبوة
ولا يجتمعان لاحد حجتكم في الخلافة شبهة على الناس تقولون: نحن أهل بيت النبي صلى
الله عليه وآله فما بال خلافة النبي في غيرنا وهذه شبهة لانها تشبه الحق فأما
الخلافة فتتقلب في أحياء قريش برضى العامة وشورى الخاصة فلم يقل الناس ليت بني هاشم
ولونا ولو أن بني هاشم ولونا لكان خيرا لنا في دنيانا وآخرتنا فلا هم حيث اجتمعوا
على غيركم تمنوكم ولو زهدتم فيها أمس لم تقاتلوا عليها اليوم. وأما ما زعمتم أن لكم
ملكا هاشميا ومهديا قائما فالمهدي عيسى بن مريم عليه السلام وهذا الامر في أيدينا
حتى نسلمه إليه (1) ولعمري لئن ملكتموها (2) ما رايحة عاد وصاعقة ثمود بأهلك للقوم
منكم ثم سكت. فقال له عبد الله بن عباس رضي الله عنه أما قولك: إنا نستحق الخلافة
بالنبوة فإذا لم نستحقها بها فبم نستحقها. وأما قولك أن الخلافة والنبوة لا تجتمعان
لاحد فأين قول الله تعالى * (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا
عظيما) * [45 / النساء: 4]
(1) ومنه أخذ هذا الاختلاق وقول الزور بعض
شيعة بني عباس المتملقين لهم في أيامهم المتقربين إليهم بالترهات والاباطيل فافترى
على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه قال: الخلافة في ولد عمي العباس إلى أن
يسلموها إلى المسيح عيسى بن مريم ! ! ! (2) كذا في بعض النسخ، وفي بعض آخر: " لئن
ملكتمونا.. ".
[257]
فالكتاب النبوة والحكمة السنة والملك
الخلافة ونحن آل إبراهيم أمر الله فينا وفيهم واحد والسنة لنا ولهم جارية. وأما
قولك إن حجتنا مشتبهة فو الله لهي أضوء من الشمس وأنور من نور القمر وإنك لتعلم ذلك
ولكن ثنى عطفك وصعرك قتلنا أخاك وجدك وأخاه وخالك فلا تبك على أعظم حائلة وأرواح
أهل النار ولا تغضبن لدماء أحلها الشرك ووصعها. فأما ترك الناس أن يجتمعوا علينا
فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم وأما قولك: إنا زعمنا أن لنا ملكا مهديا فالزعم
في كتاب الله شرك قال تعالى: * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا) * [7 / التغابن: 64]
وكل يشهد أن لنا ملكا ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله لامره منا من
يملا الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا لا تملكون يوما واحدا إلا ملكنا يومين،
ولا شهرا إلا ملكنا شهرين ولا حولا إلا ملكنا حولين. وأما قولك إن المهدي عيسى بن
مريم فإنما ينزل عيسى على الدجال فإذا رآه يذوب كما تدوب الشحمة والامام منا رجل
يصلي خلفه عيسى بن مريم ولو شئت سميته. وأما ريح عاد وصاعقة ثمود فإنهما كانا عذابا
وملكنا والحمد لله رحمة. 530 - وحدث الزبير قال: حج معاوية فجلس إلى ابن عباس فأعرض
عنه ابن عباس فقال: لم تعرض عني فو الله إنك لتعلم أني أحق بالخلافة من ابن عمك !
قال ابن عباس: لم ذاك لانه كان مسلما وكنت كافرا ؟ قال: لا ولكن ابن عمي عثمان قتل
مظلوما ! قال ابن عباس: وعمر قتل مظلوما. قال: إن عمر قتله كافر وإن عثمان قتله
المسلمون ! قال ابن عباس: ذاك أدحض لحجتك فأسكت معاوية. 531 - ومن كتاب معالم
العترة للجنابذي عن ذكوان مولى معاوية قال: قال
531 - رواه الاربلي رحمه الله في ترجمة
الامام الحسن في أواخر عنوان: " السادس في علمه
[258]
معاوية: لا أعلمن أحدا سمى هذين الغلامين
ابني رسول الله إلا فعلت وفعلت ولكن قولوا: ابني علي. قال ذكوان: فلما كان بعد ذلك
أمرني أن أكتب بنيه في الشرف قال: فكتبت بنيه وبني بنيه وتركت بني بناته ثم أتيته
بالكتاب فنظر فيه فقال ويحك لقد أغفلت كبر بني فقلت من ؟ قال: أما بنو فلانة -
لابنته - بني أما بنو فلانة بني لابنته ؟ قال: قلت: الله أيكون بنو بناتك بنيك ولا
يكون بنو فاطمة بني رسول الله صلى الله عليه وآله ! قال: ما لك قاتلك الله لا يسمعن
هذا أحد منك. توضيح: قال [ابن الاثير] في النهاية: البظر - بفتح الباء - الهنة التي
تقطعها الخافضة من فرج المرأة عند الختان. وإنما ذكر هاهنا للاستخفاف به وبنسبه
واللام للتعليل. " وما قامت عنه " أنه كناية عنه نفسه. " أليس أليس " أي عدد ما صدر
عنه عليه السلام بالنسبة إليه فقال أليس فعل كذا وأليس فعل كذا وكذا قوله: " وفعل
وفعل ". وقال الجوهري: أولى لك تهديد ووعيد. وقال الاصمعي أي قاربه ما يهلكه أي نزل
به. وقال: عطفا الرجل: جانباه. وثنى فلان عني عطفه إذا أعرض عنك وقال: الصعر: الميل
في الخد خاصة وقد صعر خده وصاعر أي أماله من الكبر ومنه قوله تعالى: * (ولا تصعر
خدك للناس) * [18 / لقمان: 31]. [قوله:] " على أعظم حائلة " أي متغيرة بالية "
ووضعها " أي جعلها وضيعة غير محترمة. وفي الصحاح: كبر الشئ معظمه، وقولهم: هو كبر
قومه بالضم أي هو أقعدهم في النسب. 531 - بشا محمد بن أحمد بن شهريار، عن محمد بن
الحسن الخزاعي
عليه السلام " من كتاب كشف الغمة: ج 2 ص
176. 531 - رواه الطبري في الجزء الاول من كتاب بشارة المصطفى ص 12، ط النجف
الاشرف. ورواه الحموئي عن مصدر آخر في الباب: (68) من السمط الاول من كتاب فرائد
السمطين: ج 1 ص 374 ط بيروت.
[259]
عن علي بن محمد بن بنان، عن الحسن بن محمد
السكوني عن أحمد بن محمد بن مسروق عن محمد بن دينار الضبي عن عبد الله بن ضحاك: عن
هشام بن محمد عن أبيه قال: اجتمع الطرماح وهشام المرادي ومحمد بن عبد الله الحميري
عند معاوية بن أبي سفيان فأخرج بدرة فوضعها بين يديه ثم قال: يا معشر شعراء العرب
قولوا قولكم في علي بن أبي طالب ولا تقولوا إلا الحق وأنا نفي من صخر بن حرب إن
أعطيت هذه البدرة إلا من قال الحق في علي. فقام الطرماح فتكلم وقال في علي ووقع فيه
فقال معاوية: اجلس فقد عرف الله نيتك ورأى مكانك ثم قام هشام المرادي فقال أيضا
ووقع فيه فقال معاوية: اجلس مع صاحبك فقد عرف الله مكانكما فقال عمرو بن العاص
لمحمد بن عبد الله الحميري وكان خاصا به تكلم ولا تقل إلا الحق ثم قال: يا معاوية
قد آليت ألا تعطي هذه البدرة إلا قائل الحق في علي ؟ قال: نعم أنا نفي من صخر بن
حرب إن أعطيتها منهم إلا من قال الحق في علي فقام محمد بن عبد الله فتكلم ثم قال:
بحق محمد قولوا بحق * فإن الافك من شيم اللئام أبعد محمد بأبي وأمي * رسول الله ذي
الشرف التمام أليس علي أفضل خلق ربي * وأشرف عند تحصيل الانام ولايته هي الايمان
حقا * فذرني من أباطيل الكلام وطاعة ربنا فيها وفيها * شفاء للقلوب من السقام علي
إمامنا بأبي وأمي * أبو الحسن المطهر من حرام إمام هدى أتاه الله علما * به عرف
الحلال من الحرام ولو أني قتلت النفس حبا * له ما كان فيها من اثام يحل النار قوم
يبغضوه * وإن صاموا وصلوا ألف عام
ورواه العلامة الاميني عنهما وعن رياض
العلماء في آخر ترجمة عمرو بن العاص من كتاب الغدير: ج 2 ص 177، ط بيروت.
[260]
فلا والله ما تزكو صلاة * بغير ولاية
العدل الامام أمير المؤمنين بك اعتمادي * وبالغرر الميامين اعتصامي برئت من الذي
عادى عليا * وحاربه من أولاد الحرام تناسوا نصبه في يوم حم * من الباري ومن خير
الانام برغم الانف من يشنأ كلامي * علي فضله كالبحر طام وأبرأ من أناس أحروه * وكان
هو المقدم بالمقام علي هزم الابطال لما * رأوا في كفه ماح الحسام على آل النبي صلاة
ربي * صلاة بالكمال وبالتمام فقال معاوية: أنت أصدقهم قولا فخذ هذه البدرة. بيان:
قال في القاموس: ابن نفي كغني نفاه أبوه. وقال: طمى الماء: علا. و [طمى] البحر:
امتلا. 532 - 533 - يف: ذكر ابن عبد ربه في كتاب العقد في قصة دارمية الحجونية أن
معاوية قال لها: أتدرين لم بعثت إليك ؟ قالت: لا يعلم الغيب إلا الله. قال: بعثت
إليك لاسألك على م أحببت عليا وأبغضتيني وواليته وعاديتيني ؟ قالت له: أتعفيني ؟
قال: لا أعفيك ؟ قالت: أما إذا أبيت فإني أحببت عليا على عدله في الرعية وقسمته
بالسوية وأبغضك على قتالك من هو أولى منك بالامر وطلبك ما ليس لك بحق. وواليت عليا
على ما عقد له رسول الله صلى الله عليه وآله من الولاية وعلى حبه للمساكين وإعظامه
لاهل الدين وعاديتك على سفك الدماء وجورك في القضاء وحكمك بالهوى. ومن الكتاب
المذكور في وفود أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية أنه قال لها: كيف كنت
بعدنا ؟ فقالت: بخير يا أمير المؤمنين لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة
وتسميت بغير اسمك وأخذت غير
532 - 533 - رواهما السيد ابن طاووس رحمه
الله في كتاب الطرائف. وقد تقدم ما يرتبط بالحديث الثاني تحت الرقم 526، فراجع.
[261]
حقك من غير دين كان منك ولا من آبائك ولا
سابقة لك في الاسلام بعد أن كفرتم برسول الله صلى الله عليه وآله فأتعس الله منكم
الجدود وأصعر منكم الخدود ورد الحق إلى أهله ولو كره المشركون وكانت كلمتنا هي
العليا ونبينا هو المنصور فوليتم علينا بعد فأصبحتم تحتجون على سائر الناس بقرابتكم
من رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن أقرب إليه منكم وأولى بهذا منكم وكنا فيكم
بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون وكان علي بعد نبينا محمد صلى الله عليه وآله بمنزلة
هارون من موسى فغايتنا الجنة وغايتكم النار. بيان: أتعسه: أهلكه. والجدود: جمع الجد
وهو البخت. 534 - أقول: وجدت في كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أبان بن أبي عياش عنه
أنه قال: دعا معاوية قراء أهل الشام وقضاتهم فأعطاهم الاموال وبثهم في نواحي الشام
ومدائنها يروون الروايات الكاذبة ويضعون لهم الاصول الباطلة ويخبرونهم بأن عليا قتل
عثمان ويتبرأ من أبي بكر وعمر وأن معاوية يطلب بدم عثمان ومعه أبان بن عثمان وولد
عثمان حتى استمالوا أهل الشام واجتمعت كلمتهم ولم يزل معاوية على ذلك عشرين سنة ذلك
عمله في جميع أعماله حتى قدم عليه طغاة أهل الشام وأعوان الباطل المنتزلون له
بالطعام والشراب يعطيهم الاموال ويقطعهم القطائع حتى نشأ عليه الصغير وهرم عليه
الكبير وهاجر عليه الاعرابي وترك أهل الشام لعن الشيطان وقالوا لعن علي وقاتل عثمان
فاستقر على ذلك جهلة الامة وأتباع أئمة الضلالة والدعاة إلى النار فحسبنا الله ونعم
الوكيل ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ولكن الله يفعل ما يشاء. أبان عن سليم قال:
كان لزياد بن سمية كاتب يتشيع وكان لي صديقا فأقرأني كتابا كتبه معاوية إلى زياد
جواب كتابه إليه: أما بعد فإنك كتبت إلي تسألني عن العرب من أكرم منهم ومن أهين ومن
534 - الحديث موجود في كتاب سليم بن قيس ص
173 ص 173، ط بيروت.
[262]
أقرب ومن أبعد ومن آمن منهم ومن أحذر. وفي
رواية أخرى: ومن أو من منهم ومن أخيف وأنا يا أخي أعلم الناس بالعرب أنظر إلى هذا
الحي من اليمن فأكرمهم في العلانية وأهنهم في السر فإني كذلك أصنع بهم أكرمهم في
مجالسهم وأهينهم في الخلاء إنهم أسوء الناس عندي حالا ويكون فضلك وعطاؤك لغيرهم سرا
منهم. وانظر إلى ربيعة بن نزار فأكرم أمراءهم وأهن عامتهم فإن عامتهم تبع لاشرافهم
وساداتهم وانظر إلى مضر فاضرب بعضها ببعض فإن فيهم غلظة وكبرا ونخوة شديدة فإنك إذا
فعلت ذلك وضربت بعضهم ببعض كفاك بعضم بعضا ولا ترض بالقول منهم دون الفعل ولا بالظن
دون اليقين. وانظر إلى الموالي ومن أسلم من الاعاجم فخذهم بسنة عمر بن الخطاب فإن
في ذلك خزيهم وذلهم أن ينكح العرب فيهم ولا ينكحونهم وأن يرثوهم العرب ولا يرثوا
العرب وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم وأن يقدموا في المغازي يصلحون الطريق
ويقطعون الشجر ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة ولا يتقدم أحد منهم في الصف الاول
إذا أحضرت العرب إلا أن يتم الصف ولا تول أحدا منهم ثغرا من ثغور المسلمين ولا مصرا
من أمصارهم ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين ولا أحكامهم فإن هذه سنة عمر فيهم
وسيرته جزاه عن أمة محمد وعن بني أمية خاصة أفضل الجزاء. فلعمري لولا ماصع هو
وصاحبه وقوتهما وصلابتهما في دين الله لكنا وجميع هذه االامة لبني هاشم الموالي
ولتوارثوا الخلافة واحدا بعد واحد كما يتوارث أهل كسرى وقيصر ولكن الله عزوجل
أخرجها من بني هاشم وصيرها إلى بني تيم بن مرة ثم خرجت إلى عدي بن كعب وليس في قريش
حيان أذل منهما ولا أنذل فاطمعنا فيها وكنا أحق بها منهما ومن عقبهما لان فينا
الثروة والعز ونحن أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في الرحم منهما. ثم نالها
صاحبنا عثمان بشورى ورضا من العامة بعد شورى ثلاثة أيام من الستة ونالها من نالها
قبله بغير شورى.
[263]
فلما قتل صاحبنا عثمان مظلوما نلناها به
لان من قتل مظلوما فقد جعل الله لوليه سلطانا. ولعمري يا أخي لو كان عمر سن دية
العبد نصف دية المولى لكان أقرب إلى التقوى ولو وجدت السبيل إلى ذلك ورجوت أن تقبله
العامة لفعلت ولكني قريب عهد بحرب فأتخوف فرقة الناس واختلافهم علي وبحسبك ما سنه
عمر فيهم وهو خزي لهم وذل. وفي رواية أخرى: يا أخي لو أن عمر سن دية الموالي على
النصف من دية العربي فذلك أقرب للتقوى لما كان للعرب فضل على العجم (1) فإذا جاءك
كتابي هذا فأذل العجم وأهنهم وأقصهم ولا تستعن بأحد منهم ولا تقض لهم حاجة فو الله
إنك لابن أبي سفيان خرجت من صلبه وقد كنت حدثتني وأنت يا أخي عندي صدوق أنك قرأت
كتاب عمر إلى الاشعري بالبصرة وكنت يومئذ كاتبه وهو عامل بالبصرة وأنت أنذل الناس
عنده وأنت يومئذ ذليل النفس تحسب أنك مولى لثقيف ولو كنت تعلم يومئذ يقينا كيقينك
اليوم أنك ابن أبي سفيان لاعظمت نفسك وأنفت أن تكون كاتبا لدعي الاشعريين وأنت تعلم
ونحن [نعلم] يقينا أن أبا سفيان كان يحذو حذو أمية بن عبد شمس. وحدثني ابن أبي
المعيط أنك أخبرته أنك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الاشعري وبعث إليه بحبل طوله
خمسة أشبار وقال له: أعرض من قبلك من أهل البصرة فمن وجدت من الموالي ومن أسلم من
الاعاجم قد بلغ خمسة أشبار فقدمه فاضرب عنقه فشاورك أبو موسى في ذلك فنهته وأمرته
أن يراجع فراجعه وذهبت أنت بالكتاب إلى عمر وإنما صنعت ما صنعت تعصبا للموالي وأنت
يومئذ تحسب أنك ابن عبد ثقيف فلم تزل تلتمس حتى رددته عن رأيه وخوفته فرقة الناس
فرجع وقلت له يومئذ وقد عاديت أهل هذا البيت: أخاف أن يثوروا إلى علي فينهض بهم
فيزيل ملكك فكف عن ذلك وما أعلم يا أخي
(1) وفي نسخة من الكتاب: " لما كان تفضل
العرب على العجم [ظ] ".
[264]
ولد مولود من أبي سفيان أعظم شؤما عليهم
منك حين رددت عمر عن رأيه ونهيته عنه. وخبرني أن الذي صرفت به عن رأيه في قتلهم أنك
قلت: أنك سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: لتضربنكم الاعاجم على هذا الدين
عودا كما ضربتموهم عليه بدءا. وقال: ليملان الله أيديكم من الاعاجم وليصيرن أسدا لا
يفرون فليضربن أعناقكم وليغلبنكم على فيئكم. فقال لك وقد سمع ذلك من علي يرويه عن
رسول الله صلى الله عليه وآله: فذلك الذي دعاني إلى الكتاب إلى صاحبك في قتلهم وقد
كنت عزمت على أن أكتب إلى عمالي في ساير الامصار. فقلت لعمر: لا تفعل يا أمير
المؤمنين فإني لست آمن أن يدعوهم علي عليه السلام إلى نصرته وهم كثير وقد علمت
شجاعة علي وأهل بيته وعداوته لك ولصاحبك فرددته عن ذلك فأخبرتني أنك لم ترده عن ذلك
إلا عصبية وأنك لم ترجع عن رأيه جبنا وحدثتني أنك ذكرت ذلك لعلي في إمارة عثمان
فأخبرك أن أصحاب الرايات السود. وفي رواية أخرى: وخبرتني أنك سمعت عليا في إمارة
عثمان يقول: إن أصحاب الرايات السود التي تقبل من خراسان هم الاعاجم وأنهم الذين
يغلبون بني أمية على ملكهم ويقتلونهم تحت كل كوكب. فلو كنت يا أخي لم ترد عمر عن
ذلك لجرت سنة ولاستأصلهم الله وقطع. أصلهم وإذا لانتست به الخلفاء بعده (1) حتى لا
يبقى منهم شعر ولا ظفر ولا نافخ نار فإنهم آفة الدين فما أكثر ما قد سن عمر في هذه
الامة بخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله فتابعه الناس عليها وأخذوا بها فتكون
هذه مثل واحدة منهن فمنهن تحويله المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى
(1) لانتست به الخلفاء: اقتدت به وجعلوه
أسوة.
[265]
الله عليه وآله وصاع رسول الله صلى الله
عليه وآله ومده حين غيره وزاد فيه ونهيه الجنب عن التيمم وأشياء كثيرة شتى أكثر من
ألف باب أعظمها وأحبها إلينا وأقرها لاعيننا زيله الخلافة عن بني هاشم وعن أهلها
ومعدنها لانها لا تصلح إلا لهم ولا تصلح الارض إلا بهم فإذا قرأت كتابي هذا فاكتم
ما فيه ومزقه. قال: فلما قرأ زياد الكتاب ضرب به الارض ثم أقبل إلي فقال: ويلى مما
خرجت وفيما دخلت كنت من شيعة آل محمد فدخلت في شيعة آل الشيطان وحزبه وفي شيعته من
يكتب مثل هذا الكتاب إنما والله مثلي كمثل إبليس أبى أن يسجد لآدم كبرا وكفرا
وحسدا. قال سليم: فلم أمس حتى نسخت كتابه فلما كان الليل دعا بالكتاب فمزقه وقال:
لا يطلعن أحد من الناس على ما في هذا الكتاب ولم يعلم إني نسخته. ووجدت أيضا في
الكتاب المذكور برواية أبان عن سليم أنه قال: حدثنى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
قال: كنت عند معاوية ومعنا الحسن والحسين صلوات الله عليهما وعنده عبد الله بن عباس
فالتفت إلي معاوية فقال: يا عبد الله ما أشد تعظيمك للحسن والحسين وما هما بخير منك
ولا أبوهما خير من أبيك ولولا أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله لقلت ما
أمك أسماء بنت عميس بدونها. فقلت: والله إنك لقليل العلم بهما وبأبيهما وأمهما بل
والله لهما خير مني وأبوهما خير من أبي وأمهما خير من أمي يا معاوية إنك لغافل عما
سمعته أنا من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيهما وفي أبيهما وأمهما [مما] قد
حفظنه ووعبته ورويته. قال: هات يا ابن جعفر فو الله ما أنت بكذاب ولا متهم فقلت:
إنه أعظم مما في نفسك ! ! قال: وإن كان أعظم من أحد وحراء جميعا فلست أبالي
[266]
إذا قتل الله صاحبك وفرق جمعكم وصار الامر
في أهله فحدثنا فما نبالي ما قلتم ولا يضرنا ما عددتم. قلت: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسئل عن هذه الآية: * (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس
والشجرة الملعونة في القرآن) * [60 / الاسراء: 17] فقال: إني رأيت إثني عشر رجلا من
أئمة الضلال يصعدون منبري وينزلون يردون أمتي على أدبارهم القهقرى فيهم رجلين من
حيين من قريش مختلفين وثلاثة من بني أمية وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص [وسمعته
يقول: إن بني أبي العاص] إذا بلغوا خمسة عشر رجلا جعلوا كتاب الله دخلا وعباد الله
خولا. يا معاوية إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول على المنبر وأنا بين
يديه وعمرو بن أبي سلمة وأسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وأبو ذر
الغفاري والمقداد والزبير بن العوام وهو يقول: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟
فقلنا: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فهذا مولاه أولى به من نفسه وضرب بيده
على منكب علي عليه السلام: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. أيها الناس أنا أولى
بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر وعلي من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس
لهم معه أمر ثم ابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر. ثم أعاد
فقال: يا أيها الناس إذا أنا استشهدت فعلي أولى بكم من أنفسكم فإذا استشهد علي
فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم وإذا استشهد الحسن فابني الحسين أولى
بالمؤمنين منهم بأنفسهم فإذا استشهد الحسين فابني علي بن الحسين أولى بالمؤمنين
منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر. ثم أقبل إلى علي فقال: يا علي أنك ستدركه فاقرأ مني
السلام فإذا استشهد فابني محمد أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم وستدركه أنت يا حسين
فاقرأ مني السلام ثم يكون في عقب محمد رجال واحد بعد واحد وليس منهم أحد إلا وهو
أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر كلهم هادون
[267]
مهتدون. فقام علي بن أبي طالب عليه السلام
وهو يبكي فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أتقتل ؟ قال: نعم أهلك شهيدا بالسم
وتقتل أنت بالسيف وتخضب لحيتك من دم رأسك ويقتل ابني الحسن بالسم ويقتل ابني الحسين
بالسيف يقتله طاغ بن طاغ دعي ابن دعي. فقال معاوية: يا ابن جعفر لقد تكلمت بعظيم
ولئن كان ما تقول حقا لقد هلكت أمة محمد من المهاجرين والانصار غيركم أهل البيت
وأوليائكم وأنصاركم فقلت: والله إن الذي قلت بحق سمعته من رسول الله صلى الله عليه
آله. قال معاوية: يا حسن ويا حسين ويا ابن عباس ما يقول ابن جعفر ؟ فقال ابن عباس:
إن كنت لا تؤمن بالذي قال فارسل إلى الذين سماهم فاسألهم عن ذلك. فأرسل معاوية إلى
عمرو بن أبي سلمة وإلى أسامة بن زيد فسألهما فشهدا أن الذي قال ابن جعفر قد سمعناه
من رسول الله صلى الله عليه وآله كما سمعه. فقال معاوية: يا ابن جعفر قد سمعنا في
الحسن والحسين وأبيهما فما سمعت في أمهما ؟ ومعاوية كالمستهزئ والمنكر فقلت: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ليس في جنة عدن منزل أشرف ولا أفضل ولا أقرب
إلى عرش ربي من منزلي ومعي ثلاثة عشر من أهل بيتي أولهم أخي علي وإبنتي فاطمة
وابناي الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا هداة مهتدون أنا المبلغ عن الله وهم المبلغون عني وهم حجج الله على خلقه
وشهداؤه في أرضه وخزانه على علمه ومعادن حكمه من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم فقد
عصى الله لا تبقى الارض طرفة عين إلا ببقائهم ولا تصلح إلا بهم يخبرون الامة بأمر
دينهم حلالهم وحرامهم يدلونهم على رضى ربهم وينهونهم عن سخط بأمر واحد ونهي واحد
ليس
[268]
فيهم اختلاف ولا فرقة ولا تنازع يأخذ
آخرهم عن أولهم إملائي وخط أخي علي بيده يتوارثونه إلى يوم القيامة أهل الارض كلهم
في غمرة وغفلة وتيهة وحيرة غيرهم وغير شيعتهم وأوليائهم لا يحتاجون إلى أحد من
الامة في شئ من أمر دينهم والامة تحتاج إليهم هم الذين عنى الله في كتابه وقرن
طاعتهم بطاعته وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: * (أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الامر منكم) * [99 / النساء]: فأقبل معاوية على الحسن والحسين وابن
عباس والفضل بن عباس وعمرو بن أبي سلمة وأسامة بن زيد فقال: كلكم على ما قال ابن
جعفر ؟ قالوا: نعم. قال: يا بني عبد المطلب إنكم لتدعون أمرا عظيما وتحتجون بحجج
قوية إن كانت حقا وإنكم لتضمرون على أمر تسرونه والناس عنه في غفلة عمياء وإن كان
ما تقولون حقا لقد هلكت الامة وارتدت عن دينها وتركت عهد نبيها صلى الله عليه وآله
غيركم أهل البيت ومن قال بقولكم فأولئك في الناس قليل فقلت: يا معاوية إن الله
تبارك وتعالى يقول: * (وقليل من عبادي الشكور) * [13 / السبا] ويقول: * (وما أكثر
الناس ولو حرصت بمؤمنين) * [103 / يوسف: 12] ويقول: * (إلا الذين آمنوا وعملوا
الصالحات وقليل ما هم) * [24 / ص] ويقول لنوح: * (وما آمن معه إلا قليل) * [40 /
هود 11] يا معاوية المؤمنون في الناس قليل. فقال ابن عباس يا معاوية إن الله تبارك
وتعالى يقول في كتابه: * (وقليل ما هم) * [24 / ص: 38] ويقول لنوح: * (وما آمن معه
إلا قليل) * ويقول: * (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) * يا معاوية المؤمنون في
الناس قليل وإن أمر بني إسرائيل أعجب حيث قالت السحرة لفرعون: * (اقض ما انت قاض
إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا) * [72 / طه] فآمنوا بموسى وصدقوه
وتابعوه فسار بهم وبمن تبعه من بني إسرائيل فأقطعهم البحر وأراهم الاعاجيب وهم
مصدقون به وبالتوراة مقرون له بدينه فمر بهم على قوم * (يعبدون أصناما لهم فقالوا:
يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) * ثم اتخذوا العجل فعكفوا عليه جميعا غير
هارون وأهل بيته وقال لهم السامري * (هذا إلهكم وإله موسى) * وقال لهم بعد ذلك *
(ادخلوا الارض المقدسة التى
[269]
كتب الله لكم) * [1 / المائدة] فكان من
جوابهم ما قص الله في كتابه: * (إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يحرجوا
منها فإن يحرجوا منها فإنا داخلون) * [22 / المائدة: 5] قال موسى " رب إني لا أملك
إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ". فاحتذت هذه الامة ذلك المثال
سواء وقد كانت لهم فضائل وسوابق مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومنازل بينة قريبة
منه مقرين بدين محمد والقرآن حتى فارقهم نبيهم صلى الله عليه وآله فاختلفوا وتفرقوا
ونحاسدوا وخالفوا إمامهم ووليهم حتى لم يبق منهم على ما عاهدوا عليه نبيهم غير
صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارون من موسى ونفر قليل اتقوا الله عزوجل على
دينهم وإيمانهم ورجع الآخرون القهقرى على أدبارهم كما فعل أصحاب موسى عليه السلام
بإتخاذهم العجل وعبادتهم إياه وزعمهم أنه ربهم وإجماعهم عليه غير هارون وولده ونفر
قليل من أهل بيته ونبينا صلى الله عليه وآله قد نصب لامته أفضل الناس وأولاهم
وخيرهم ثم الائمة واحدا بعد واحد بغدير خم وفي غير موطن واحتج عليهم به وأمر
بطاعتهم وأخبرهم أن أولهم علي بن أبي طالب منه بمنزلة هارون من موسى وأنه ولي كل
مؤمن من بعده وأنه من كان هو وليه ومن أولى به من نفسه فعلي أولى به وأنه خليفته
فيهم ووصيه وأن من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصى الله ومن والاه والى الله ومن
عاداه عادى الله فأنكروه وجعلوه وتولوا غيره. يا معاوية أما علمت أن رسول الله حين
بعث إلى مؤتة أمر عليهم جعفر بن أبي طالب عليه السلام ثم قال: إن هلك جعفر فزيد بن
حارثة فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة ولم يرض لهم أن يختاروا لانفسهم أفكان يترك
أمته ولا بين لهم خليفته فيهم بعده بلى والله ما تركهم في عمى ولا شبهة بل ركب
القوم ما ركبوا بعد نبيهم وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله فهلكوا وهلك من
شايعهم وضل من تابعهم فبعدا للقوم الظالمين. فقال معاوية: يا ابن عباس إنك لتتقوه
بعظيم والاجتماع عندنا خير من
[270]
الاختلاف وقد علمت أن الامة لم تستقم على
صاحبك. فقال ابن عباس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما اختلفت أمة
بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها وان هذه الامة اجتمعت على أمور كثيرة
ليس بينها اختلاف ولا منازعة ولا فرقة شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
صلى الله عليه وآله والصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وحج البيت وأشياء كثيرة من طاعة
الله ونهى الله مثل تحريم الزنا والسرقة وقطع الارحام والكذب والخيانة واختلفت في
شيئين أحدهما اقتتلت عليه وتفرقت فيه وصارت فرقا يلعن بعضها بعضا ويبرأ بعضها من
بعض [والثاني لم تقتتل عليه ولم تتفرق فيه ووسع بعضهم فيه لبعض وهو كتاب الله وسنة
نبيه صلى الله عليه وآله وما يحدث زعمت أنه ليس في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله
عليه وآله وأما الذي اختلفت فيه وتفرقت وتبرأت بعضها من بعض] فالملك والخلافة زعمت
أنها أحق بها من أهل بيت نبي الله صلى الله عليه وآله فمن أخذ بما ليس بين أهل
القبلة اختلاف ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله سلم ونجا من النار ولم يسأله الله
عما أشكل عليه من الخصلتين اللتين اختلف فيهما ومن وفقه الله ومن عليه ونور قلبه
وعرفه ولاة الامر ومعدن العلم أين هو فعرف ذلك كان سعيدا ولله وليا وكان نبي الله
صلى الله عليه وآله يقول: رحم الله عبدا قال حقا فغنم أو سكت فلم يتكلم. فالائمة من
أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومنزل الكتاب ومهبط الوحي ومختلف الملائكة لا تصلح
إلا فيها لان الله خصها بها وجعلها أهلها في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه
وآله فالعلم فيهم وهم أهله وهو عندهم كله بحذافيره باطنه وظاهره ومحكمه ومتشابهه
وناسخه ومنسوخه. يا معاوية إن عمر بن الخطاب أرسلني في إمرته إلى علي بن أبي طالب
عليه السلام إني أريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إلينا ما كتبت من القرآن فقال:
تضرب والله عنقي قبل أن تصل إليه. قلت: ولم ؟ قال: إن الله يقول: * (لا يمسه إلا
المطهرون) * يعني لا يناله كله إلا المطهرون إيانا نحن عنى الذين أذهب الله عنا
الرجس وطهرنا تطهيرا وقال: * (وأورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) * [32 /
فاطر] فنحن الذين اصطفانا الله من عباده ونحن صفوة الله ولنا ضرب الامثال وعلينا
نزل الوحي.
[271]
فغضب عمر وقال: إن ابن أبي طالب يحسب أنه
ليس عند أحد علم غيره فمن كان يقرأ من القرآن شيئا فليأتنا به فكان إذا جاء رجل
بقرآن يقرءه ومعه آخر كتبه وإلا لم يكتبه. فمن قال يا معاوية: انه ضاع من القرآن شئ
فقد كذب هو عند أهله مجموع. ثم أمر عمر قضاته وولاته فقال: اجتهدوا آراءكم واتبعوا
ما ترون أنه الحق فلم يزل هو وبعض ولاته قد وقعوا في عظيمة فكان علي بن أبي طالب
عليه السلام يخبرهم بما يحتج به عليهم وكان عماله وقضاته يحكمون في شئ واحد بقضايا
مختلفة فيجيزها لهم لان الله لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب وزعم كل صنف من أهل القبلة
أنهم معدن العلم والخلافة دونهم فبالله نستعين على من جحدهم حقهم وسن للناس ما يحتج
به مثلك عليهم ثم قاموا فخرجوا. بيان: قوله عليه السلام: واختلف في شيئين كذا في
أصل الكتاب وفي [كتاب] الاحتجاج " واختلفوا في سنن اقتتلوا فيها وصاروا فرقا يلعن
بعضها بعضا وهي الولاية. فأما على ما في الاصل فالشئ الآخر إما القرآن كما ذكره بعد
أو البرائة من خلفاء الجور ولعنهم وتركه للمصلحة والتقية. وقوله: " فمن أخذ "
المراد بهم المستضعفون فإنهم إذا أخذوا بالمجمع عليه من ولاية الائمة ومحبتهم ولم
يتبرؤا من أعدائهم لاختلاف الامة فيه ولم يقولوا بإمامة الائمة لذلك ولم يكن لهم
قوة في العلم والعقل يمكنهم معرفة ذلك كان يحتمل نجاتهم في الآخرة. ويؤيده أنه روى
في الاحتجاج في سياق هذه الرواية من كلام الحسن عليه السلام وروى هذه الكلمات أيضا
عنه عليه السلام أنه قال: إنما الناس ثلاثة مؤمن يعرف حقنا ويسلم لنا ويأتم بنا
فذلك ناج محب لله ولي. وناصب لنا العداوة يتبرأ منا ويلعننا ويستحل دماءنا ويجحد
حقنا ويدين
[272]
الله بالبراءة منا فهذا كافر مشرك فاسق
وإنما كفر وأشرك من حيث لا يعلم كما سبوا الله بغير علم كذلك كثيرا يشرك بالله بغير
علم. ورجل أخذ بما لم يختلف فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى الله مع ولايتنا ولا يأتم
بنا ولا يعادينا ويعرف حقنا فنحن نرجو أن يغفر الله له ويدخله الجنة فهذا مسلم ضعيف
انتهى. وقد أوردت الخبر برواية الاحتجاج في موضع آخر يناسبه وإنما كررنا للاختلاف.
535 - ما: جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن عبد العزيز عن علي بن محمد بن سليمان عن
أبيه عن ربعي بن عبد الله بن الجارود عن أبيه قال: قال معاوية لخالد بن معمر: على
ما أحببت عليا ؟ قال: على ثلاث خصال: على حلمه إذا غضب، وعلى صدقه إذا قال، وعلى
عدله إذا ولي. 536 - كايب: حبيب بن الحسن عن محمد بن عبد الحميد عن بشار عن زيد
الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أخذ نباش في زمن معاوية فقال لاصحابه: ما
ترون ؟ فقالوا: نعاقبه فنخلى سبيله. فقال رجل من القوم: ما هكذا فعل علي بن أبي
طالب عليه السلام قال: فما فعل ؟ قال: فقال: يقطع النباش وقال هو سارق وهتاك
الموتى. 537 - كتاب الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي رفعه قال: إن
535 - رواه الشيخ الطوسي رفع الله مقامه
في الحديث الثالث من المجلس: (8) من المجلد. الثاني من أماليه ص 605 ط بيروت. 536 -
رواه ثقه الاسلام الكليني رفع الله مقامه في عنوان: " باب حد النباش ". في أواسط
كتاب الحدود من كتاب الكافي: ج 7 ص 228. 537 - والحديث موجود تحت الرقم: (202) من
كتاب منتخب الغارات: ج 1، ص 533، ط 1. ويأتي أيضا باختصار في الباب: (34) وهو باب:
" ذكر أصحاب النبي وأمير المؤمنين... " من هذا الكتاب ص 729 ط 1.
[273]
النجاشي الشاعر شرب الخمر في شهر رمضان
فحده أمير المؤمنين أقامه في سراويل فضربه ثمانين ثم زاده عشرين سوطا وقال: هذا
لجرأتك على ربك وإفطارك في شهر رمضان فغضب ولحق بمعاوية. فدخل طارق بن عبد الله على
أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أن أهل المعصية
والطاعة وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العدل ومعادن الفضل سيان في الجزاء حتى رأيت
ما كان من صنيعك بأخي الحارث فأوغرت صدورنا وشتت أمورنا وحملتنا على الجادة التي
كنا نرى أن سبيل من ركبها النار فقال علي عليه السلام * (وإنها لكبيرة إلا على
الخاشعين) * [45 / البقرة: 2]. يا أخا بني نهد فهل هو إلا رجل من المسلمين انتهك
حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدا كان كفارته إن الله تعالى يقول في كتابه: * (ولا
يجر منكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) * [8 / المائدة: 5].
فخرج طارق ولقيه الاشتر فقال له: أنت القائل لامير المؤمنين أوغرت صدورنا وشتت
أمورنا ؟ قال طارق: أنا قائلها. قال الاشتر: والله ما ذلك كما قلت وإن صدورنا له
لسامعة وإن أمورنا له لجامعة قال فغضب طارق وقال: ستعلم يا أشتر أنه غير ما قلت.
فلما جنه الليل همس (1) هو والنجاشي وذهبا إلى معاوية فلما دخلا عليه نظر معاوية
إلى طارق وقال: مرحبا بالمورق غصنه [والمعرق أصله، المسود غير المسود] (2) من رجل
كانت منه هفوة ونبوة باتباعه صاحب الفتنة ورأس الضلالة إلى آخر ما قال لعنه الله.
فقال طارق: يا معاوية إن المحمود على كل حال رب علا فوق عباده فهم
ورواه ابن أبي الحديد عن كتاب الغارات وعن
ابن الكلبي في شرحه على المختار: (56) من نهج البلاغة: ج 1، ص 799 ط الحديث ببيروت.
(1) همس - على زنة ضرب -: سار بالليل بلا فتور. (2) كذا في المصدر المحكي عنه وشرح
ابن أبي الحديد، وكان المصنف قد أسقط ما وضعناه بين المعقوفين وكان في ط الكمباني.
من البحار هكذا: " مرحبا بالموت غصنه - إلى أن قال: - من رجل كانت منه هفوة... ".
[274]
بمنظر ومسمع منه بعث فيهم رسولا منهم لم
يكن يتلو من قبله كتابا ولا يخطه بيمينه إذا لارتاب المبطلون فعليه السلام من رسول
كان بالمؤمنين رحيما، أما بعد فإنا كنا نوضع في رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه
وآله مرشدين منارا للهدى ومعلما للدين سلفا لخلف مهتدين وخلفا لسلف مهتدين أهل دين
لا دنيا وأهل الآخرة كل الخير فيهم أهل بيوتات وشرف ليسوا بناكثين ولا قاسطين (1)
فلم تك رغبة من رغب عنهم وعن صحبتهم إلا لمرارة الحق حيث جرعوها ولو عورته حيث
سلكوها غلبت عليهم دنيا مؤثرة وهوى متبع وكان أمر الله قدرا مقدورا. [وقد فارق
الاسلام قبلنا جبلة بن الايهم فرارا من الضيم وأنفا من الذلة] فلا تفخر يا معاوية
أن قد شددنا إليك الرحال وأوضعنا نحوك الركاب فتعلم وتنكر. ثم أجلسه معاوية على
سريره ودعا له بمقطعات وبرود يضعها عليه ثم أقبل عليه بوجهه يحدثه حتى قام فلما قام
خرج طارق فأقبل عليه عمرو بن مرة وعمرو بن صيفي يلومانه في خطبته إياه وفيما عرض
لمعاوية فقال طارق لهما: والله ما قمت حتى كان بطن الارض أحب إلي من ظهرها عند
إظهار ما أظهر من البغي والعيب والنقص لاصحاب محمد صلى الله عليه وآله ولمن هو خير
منه في العاجلة والاجلة ولقد قمت مقاما عنده أوجب الله علي فيه أن لا أقول إلا حقا
فبلغ عليا مقالة طارق فقال: لو قتل أخو بني نهد لقتل شهيدا. وزعم بعض الناس أن طارق
بن عبد الله رجع إلى علي عليه السلام ومعه النجاشي. 538 - 541 - كنز الفوائد
للكراجكي [عن] محمد بن علي بن طالب
(1) ما بين المعقوفين أخذناه من شرح
المختار: (56) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد. 538 - رواه العلامة الكراجكي
في أواخر كتاب كنز الفوائد، ص 270، ط 1. وهذا هو المختار: (77) من الباب الثالث من
نهج البلاغة، وتقدم عن مصدر آخر تحت الرقم: (524) ص 578. ورويناه بسند قريب مما في
المتن في المختار: (52) من القسم الثاني من باب خطب نهج السعادة: ج 3 ص 199، ط 1.
[275]
البلدي عن أبي المفضل الشيباني عن منصور
بن الحسن عن محمد بن زكريا بن دينار عن العباس بن بكار عن عبد الواحد بن أبي عمرو
الاسدي عن محمد بن السائب: عن أبي صالح مولى أم هانئ قال: دخل ضرار بن ضمرة الكناني
على معاوية بن أبي سفيان يوما فقال له: يا ضرار صف لي عليا فقال: أو تعفيني من ذلك
؟ قال: لا أعفوك قال: أما إذ لا بد: فإنه كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول
فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة على لسانه يستوحش من الدنيا
وزهرتها ويأنس بالليل وظلمته. كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب
نفسه يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما جشب. كان والله معنا كأحدنا يدنينا إذا
أتيناه ويجيبنا إذا سألناه وكان مع دنوه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له فإن تبسم
فعن مثل اللؤلؤ النظيم. يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا
يياس الضعيف عن عدله. أشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت
نجومه مماثلا في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين
وكأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت ؟ أم إلي تشوقت ؟ هيهات هيهات غري
غيري لا حان حينك قد أبتك ثلاثا عمرك قصير وخيرك حقير وخطرك غير كبير آه آه من قلة
الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فوكفت دموع معاوية على لحيته وجعل يستقبلها بكمه
واختنق القوم جميعا بالبكاء وقال: هكذا [كان] أبو الحسن يرحمه الله فكيف وجدك عليه
يا ضرار ؟ فقال: وجد أم واحد ذبح واحدها في حجرها فهي لا يرقى دمعها ولا يسكن
حزنها.
[276]
فقال معاوية: لكن هؤلاء لو فقدوني لما
قالوا ولا وجدوا بي شيئا من هذا ثم التفت إلى أصحابه فقال: بالله لو اجتمعتم بأسركم
هل كنتم تؤدون عني ما أداه هذا الغلام عن صاحبه ؟ فيقال: إنه قال له عمرو بن العاص:
الصحابة على قدر الصاحب. وقال أيضا فيه: روي أن معاوية بن أبي سفيان قال: إني أحب
أن ألقى رجلا قد أتت عليه سن وقد رآى الناس يخبرنا عما رآى فقيل له: هذا رجل
بحضرموت فأرسل إليه فأتاه فقال له: ما اسمك ؟ فقال: أمد. قال: ابن من ؟ قال: ابن
لبد. قال: ما أتى عليك من السنين ؟ قال: ثلاثمائة وستون سنة. قال: كذبت ثم تشاغل
عنه معاوية ثم أقبل عليه بعد ذلك فقال له: ما اسمك ؟ قال: أمد قال: ابن من ؟ قال:
ابن لبد قال: ما أتى عليك من السنين ؟ قال: ستون وثلاثمائة قال: أخبرنا عما رأيت من
الازمان الماضية إلى زماننا هذا من ذاك ؟ قال: يا أمير المؤمنين وكيف تسأل من يكذب
؟ قال: إني ما كذبتك ولكن أحببت أعلم كيف عقلك ؟ قال: يوم شبيه يوم وليلة شبيهة
بليلة يموت ميت ويولد مولود ولولا من يموت لم تسعهم الارض ولولا من يولد لم يبق أحد
على وجه الارض. قال: فأخبرني هل رأيت هاشما ؟ قال: نعم رأيت رجلا طوالا حسن الوجه
يقال: إن بين عينيه بركة أو غرة بركة. قال: فهل رأيت أمية قال: نعم رأيت رجلا قصيرا
أعمى يقال إن في وجهه أشرا أو شوبا قال: فهل رأيت محمدا ؟ قال: من محمد ؟ قال: رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: ويحك أفلا فخمته كما فخمه الله فقلت: رسول الله صلى
الله عليه وآله قال: فأخبرني ما كانت صناعتك ؟ قال: كنت رجلا تاجرا قال: فما بلغت
في تجارتك ؟ قال: كنت لا أستر عيبا ولا أرد ربحا. قال معاوية: سلني قال: أسألك أن
تدخلني الجنة قال ليس ذلك بيدي ولا أقدر عليه. قال: فأسألك أن ترد علي شبابي قال:
ليس ذلك بيدي ولا أقدر عليه. قال: فلا أرى عندك شيئا من أمر الدنيا ولا أمر الآخرة
فردني من حيث جئت قال: أما هذا فنعم ثم أقبل معاوية على جلسائه فقال: لقد أصبح
[277]
هذا زاهدا فيما أنتم فيه راغبون. (1) وروي
عن عبد الله بن موهب عن بعض أشياخه أن مسجد الرملة لما حفر أساسه في دهر معاوية بن
أبي سفيان انتهى بهم الحفر إلى صخرة فقلعوها فإذا تحتها شاب دهين الرأس موفر الشعر
قائم مستقبل القبلة فكلموه فلم يكلمهم فكتب بذلك إلى معاوية قال: فخرجنا بالكتاب في
خمسة فأتينا معاوية فأخبرناه بذلك ورفعنا إليه الكتاب فأمر أن ترد الصخرة على حاله
كما كان. وحدثهم غير واحد أنه لما أجرى معاوية بن أبي سفيان القناة التي في أحد أمر
بقبور الشهداء فنبشت فضرب رجل بمعوله فأصاب إبهام حمزة رضوان الله عليه فبجس الدم
من إبهامه فأخرج رطبا ينثني وأخرج عبد الله بن عمرو بن حزام وعمرو بن الجموح وكانا
قتلا يوم أحد وهم رطاب ينثنون بعد أربعين سنة فدفنا في قبر واحد وكان عمرو بن
الجموح أعرج. فقال أبو سعيد الخدري أنه لشئ لا آمر بعده بمعروف ولا أنهى عن منكر.
542 - 543 - كتاب الغارات لابراهيم الثقفي قال: بلغنا أن معاوية قال لهيثم بن
الاسود وكان عثمانيا وكانت امرأته علوية الرأي تحب عليا وتكتب بأخبار معاوية في
أعنة الخيل فتدفعها بعسكره [عليه السلام] في صفين فقال معاوية: يا هيثم أهل العراق
كانوا أنصح لعلي أم أهل الشام لي قال: أهل العراق قبل أن يضربوا بالبلاء كانوا أنصح
لصاحبهم من أهل الشام. قال: ولم ذلك ؟ قال: لان القوم ناصحوا عليا عليه السلام على
الدين وناصحك أهل الشام على الدنيا وأهل الدين أصبروهم أهل بصيرة ونصر وأهل الدنيا
أهل يأس وطمع ثم والله ما لبث أهل العراق أن نبذوا الدين وراء ظهورهم ونظروا إلى
الدنيا [التي] في يدك فما أصابها منهم إلا الذي لحق
(1) كنز الفوائد، ص 260، ط 1. 542 -
الحديثان موجودان تحت الرقم 203 وتاليه من منتخب كتاب الغارات: ج 2، ص 545 - 547 ط
1. والحديث الاول رواه ابن أبي الحديد في شرحه على المختار: (56) من نهج البلاغة: ج
1، ص 802، ط الحديث ببيروت.
[278]
بك. قال معاوية: فما منع الاشعث بن قيس أن
يطلب ما قبلنا ؟ قال: أكرم نفسه أن يكون رأسا في العار وذنبا في الطمع. قال: هل
كانت امرأتك تكتب بالاخبار إلى علي عليه السلام في أعنة الخيل فتباع ؟ قال: نعم.
وعن محارب بن ساعدة الايادي قال: كنت عند معاوية وعنده أهل الشام ليس فيهم غيرهم إذ
قال: يا أهل الشام قد عرفتم حبي لكم وسيرتي فيكم وقد بلغكم صنيع علي بالعراق
وتسويته بين الشريف وبين من لا يعرف قدره فقال رجل منهم: لا يهذ الله ركنك ولا
يعدمك ولدك ولا يرينا فقدك قال فما تقولون في أبي تراب ؟ فقال رجل منهم ما أراد
ومعاوية ساكت وعنده عمرو بن العاص ومروان بن الحكم فتذاكرا عليا عليه السلام بغير
الحق. فوثب رجل من آخر المجلس من أهل الكوفة دخل مع القوم فقال: يا معاوية تسأل
أقواما في طغيانهم يعمهون واختاروا الدنيا على الآخرة والله لو سألتهم عن السنة ما
أقاموها فكيف يعرفون عليا وفضله أقبل علي أخبرك ثم لا تقدر أن تنكر أنت ولا من عن
يمينك يعني عمرا هو والله الرفيع جاره الطويل عماده دمر الله به الفساد وبار به
الشرك ووضع به الشيطان وأولياءه وضعضع به الجور وأظهر به العدل ونطق زعيم الدين
وأطاب المورد وأضحى الداجي وانتصر به المظلوم وهدم به بنيان النفاق وانتقم به من
الظالمين وأعز به المسلمين كريح رحمة أثارت سحابا متفرقا بعضها إلى بعض حتى التحم
واستحكم فاستغلظ فاستوى ثم تجاوبت نواتقه وتلالات بوارقه واسترعد خرير مائه فاسقى
وأروى عطشانه وتداعت جنانه واستقلت به أركانه واستكثرت وابله ودام رزازه وتتابع
مهطوله فرويت البلاد واخضرت وأزهرت. ذلك علي بن أبي طالب سيد العرب إمام الامة
وأفضلها وأعلمها وأجملها وأحكمها أوضح للناس سيرة الهدى بعد السعي في الردى وهو
والله إذا اشتبهت الامور وهاب الجسور واحمرت الحدق وانبعث القلق وأبرقت البواتر
استربط عند ذلك جأشه وعرف بأسه ولاذ به الجبان الهلوع فنفس كربته وحمى حمايته مستغن
برأيه عن مشورة ذوي الالباب برأي صليب وحلم أريب مجيب للصواب مصيب. فأسكت القوم
جميعا وأمر معاوية بإخراجه فأخرج وهو يقول: قد جاء الحق وزهق
[279]
الباطل إن الباطل كان زهوقا. وكان معاوية
تعجبه الفصاحة ويصغي للمتكلم حتى يفرغ من كلامه. بيان: قال الجوهري نتقت الغرب من
البئر أي جذبته ونتقت المرأة أي كثر ولدها. وفي القاموس: الناتق: الفاتق والرافع
والباسط ومن الزناد: الواري ومن النوق: التي تسرع الحمل ومن الخيل: الذي ينفض راكبه
انتهى. والاكثر مناسب كما يظهر بعد التأمل. والخرير: صوت الماء. وتداعي القوم:
اجتمعوا. ورزت السماء: صوتت من المطر. وكان المهطول بمعنى الهاطل أي المطر المتتابع
أو الضعيف الدائم. والاريب: العاقل. وأرب الدهر: اشتد. 544 - كشف من كتاب لطف
التدبير لمحمد بن عبد الله الخطيب قال: حكي أن معاوية بن أبي سفيان قال لجلسائه بعد
الحكومة: كيف لنا أن نعلم ما تؤل إليه العاقبة في أمرنا ؟ قال جلساؤه ما نعلم لذلك
وجها. قال: فأنا استخرج علم ذلك من علي صلوات الله عليه فإنه لا يقول الباطل فدعا
ثلاثة رجال من ثقاته وقال لهم: امضوا حتى تصيروا جميعا من الكوفة على مرحلة ثم
تواطؤا على أن تنعوني بالكوفة وليكن حديثكم واحدا في ذكر العلة واليوم والوقت وموضع
القبر ومن تولى الصلاة عليه وغير ذلك حتى لا تختلفوا في شئ ثم ليدخل أحدكم فليخبر
بوفاتي ثم ليدخل الثاني فيخبر بمثله ثم
544 - رواه علي بن عيسى الاربلي رحمه الله
في أواخر عنوان: " ذكر كراماته وما جرى على لسانه من إخباره بالمغيبات " من كتاب
كشف الغمة: ج 1، ص 284 ط بيروت. ورواه بتفصيل أكثر المسعودي في آخر ذكره شهادة
الامام أمير المؤمنين متصلا بعنوان: " ذكر لمع من كلامه وأخباره... " من كتاب مروج
الذهب: ج 2 ص 430 ط مصر. ورواه أيضا عن جماعة صاحب عبقات الانوار في الوجه: (38) من
قدحه في حديث: " أصحابي كالنجوم... " من حديث الثقلين من كتاب العبقات: ج... ض 758
ط إصفهان.
[280]
ليدخل الثالث فيخبر بمثل خبر صاحبيه
وانظروا ما يقول علي. فخرجوا كما أمرهم معاوية ثم دخل أحدهم وهو راكب مغذ شاحب فقال
له الناس بالكوفة: من أين جئت ؟ قال: من الشام. قالوا له: ما الخبر ؟ قال: مات
معاوية فأتوا عليا عليه السلام فقالوا: جاء رجل راكب من الشام يخبر من موت معاوية
فلم يحفل علي بذلك ثم دخل الآخر من الغد وهو مغذ فقال له الناس: ما الخبر ؟ فقال:
مات معاوية وخبر بمثل ما خبر صاحبه فأتوا عليا عليه السلام فقالوا: رجل راكب يخبر
بموت معاوية بمثل ما أخبر صاحبه ولم يختلف كلامهما. فأمسك علي عليه السلام. ثم دخل
الآخر في اليوم الثالث فقال الناس: ما وراؤك ؟ قال: مات معاوية. فسألوه عما شاهد
فلم يخالف قول صاحبيه فأتوا عليا عليه السلام فقالوا: يا أمير المؤمنين صح هذا
الخبر هذا راكب ثالث قد خبر بمثل خبر صاحبيه فلما كثروا عليه قال علي صلوات الله
عليه كلا أو تخضب هذه من هذه يعني لحيته من هامته ويتلاعب بها ابن آكلة الاكباد
فرجع الخبر بذلك إلى معاوية. بيان: الاغذاذ في السير: الاسراع. الشاحب: المتغير أي
كان عليه لون السفر. قوله عليه السلام " ويتلاعب بها " أي بالخلافة والرياسة. 545 -
546 - إرشاد القلوب بإسناده إلى أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: بينما أمير
المؤمنين عليه السلام يتجهز إلى معاوية ويحرض الناس على قتاله إذ اختصم إليه رجلان
في فعل فعجل أحدهما في الكلام وزاد فيه فالتفت إليه أمير المؤمنين عليه السلام وقال
له: اخسأ. فإذا رأسه رأس الكلب فبهت من حوله وأقبل الرجل بإصبعه المسبحة يتضرع إلى
أمير المؤمنين عليه السلام ويسأله الاقالة فنظر إليه وحرك شفتيه فعاد كما كان خلقا
سويا فوثب إليه بعض أصحابه فقال له: يا أمير المؤمنين هذه القدرة لك كما رأينا وأنت
تجهز
545 - 546 - رواهما الديلمي رحمه الله في
كتاب إرشاد القلوب، ح 30 في عنوان (فضائله عليه - السلام من طريق اهل البيت) ج 2، ص
272.
[281]
إلى معاوية فما بالك لا تكفيناه ببعض ما
أعطاك الله من هذه القدرة ؟ فأطرق قليلا ورفع رأسه إليهم وقال: والذي فلق الحبة
وبرئ النسمة لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة في طول هذه الفيافي والفلوات والجبال
والاودية حتى أضرب بها صدر معاوية على سريره فأقلبه على أم رأسه لفعلت ولو أقسمت
على الله عزوجل أن أوتي به قبل أن أقوم من مجلسي هذا وقبل أن يرتد إلى أحد منكم
طرفه لفعلت ولكنا كما وصف الله تعالى في كتابه: * (عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول
وهم بأمره يعملون) *. بيان: قال الجوهري: خسأت الكلب خسأ: طردته وخسأ الكلب نفسه.
يتعدى ولا يتعدى. إرشاد القلوب بإسناده إلى ميثم التمار قال: خطب بنا أمير المؤمنين
عليه السلام في جامع الكوفة فأطال في خطبته وأعجب الناس تطويلها وحسن وعظها
وترغيبها وترهيبها وإذ دخل نذير من ناحية الانبار مستغيثا يقول: الله الله يا أمير
المؤمنين في رعيتك وشيعتك هذه خيل معاوية قد شنت علينا الغارة في سواد الفرات ما
بين هيت والانبار. فقطع أمير المؤمنين عليه السلام الخطبة وقال: ويحك بعض خيل
معاوية قد دخل الدسكرة التي تلي جدران الانبار فقتلوا فيها سبع نسوة وسبعة من
الاطفال ذكرانا وسبعة إناثا وشهروا بهم ووطؤهم بحوافر الخيل وقالوا هذه مراغمة لابي
تراب. فقام إبراهيم بن الحسن الازدي بين يدي المنبر فقال: يا أمير المؤمنين هذه
القدرة التي رأيت بها وأنت على منبرك أن في دارك خيل معاوية بن آكلة الاكباد وما
فعل بشيعتك ولم يعلم بها هذا فلم تغضي عن معاوية ؟. فقال له: ويحك يا إبراهيم *
(ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) * فصاح الناس من جوانب المسجد: يا أمير
المؤمنين فإلى متى يهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وشيعتك تهلك ؟ ! فقال
لهم:
[282]
ليقضي الله أمرا كان مفعولا. فصاح زيد بن
كثير المرادي وقال: يا أمير المؤمنين تقول بالامس وأنت تجهز إلى معاوية وتحرضنا على
قتاله ويحتكم إليك الرجلان في الفعل فتعجل عليك أحدهما في الكلام فتجعل رأسه رأس
الكلب فيستجير بك فترده بشرا سويا ! ! ونقول لك: ما بال هذه القدرة لا تبلغ معاوية
فتكفينا شره فتقول لنا: وفالق الحبة وبارئ النسمة لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة
صدر معاوية فأقلبه على أم رأسه لفعلت فما بالك لا تفعل ؟ ما تريد إلا أن تضعف
نفوسنا فنشك فيك فندخل النار. فقال أمير المؤمنين عليه السلام لافعلن ذلك ولاعجلنه
على ابن هند. فمد رجله على منبره فخرجت عن أبواب المسجد وردها إلى فخذه وقال: معاشر
الناس أقيموا تاريخ الوقت وأعلموه فقد ضربت برجلي هذه الساعة صدر معاوية فقلبته عن
سريره على أم رأسه فظن أنه قد أحيط به فصاح يا أمير المؤمنين فأين النظرة فرددت
رجلي عنه وتوقع الناس ورود الخبر من الشام وعلموا أن أمير المؤمنين لا يقول إلا
حقا. فوردت الاخبار والكتب بتاريخ تلك الساعة بعينها من ذلك اليوم بعينه أن رجلا
جاءت من ناحية الكوفة ممدودة متصلة فدخلت من أيوان معاوية والناس ينظرون حتى ضربت
صدره فقلبته عن سريره على أم رأسه فصاح: يا أمير المؤمنين وأين النظرة ؟ وردت تلك
الرجل عنه وعلم الناس ما قال أمير المؤمنين عليه السلام حقا. بيان: قال الفيروز
آبادي: أغضى: أدنى الجفون. وعلى الشئ: سكت. 547 - بشا: الحسن بن الحسين بن بابويه
عن عمه محمد بن الحسن عن
547 - رواه الشيخ الصدوق رفع الله مقامه
وفسر غريبه في الحديث: (9) من الباب: (28) من كتاب معاني الاخبار، ص 58 ط 2. ورواه
الطبري بالسند المذكور ها هنا - عنه في الحديث: (18) في الجزء الاول من كتاب بشارة
المصطفى ص 14، ط النجف.
[283]
أبيه الحسين بن الحسين عن عمه أبي جعفر بن
بابويه عن الطالقاني عن الجلودي عن المغيرة بن محمد عن رجاء بن أبي سلمة عن عمرو بن
شمر عن جابر: عن أبي جعفر عليه السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة
عند منصرفه من نهروان وبلغه أن معاوية يسبه ويعيبه ويقتل أصحابه فقام خطيبا فحمد
الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر ما أنعم الله على نبيه
وعليه ثم قال: لولا آية في كتاب الله ما ذكرت ما أنا ذاكره في مقامي هذا يقول الله
عزوجل: * (وأما بنعمة ربك فحدث) * اللهم لك الحمد على نعمك التي لا تحصى وفضلك الذي
لا ينسى. أيها الناس إنه بلغني ما بلغني وإني أراني قد اقترب أجلي وكأني بكم وقد
جهلتم أمري وإني تارك فيكم ما تركه رسول الله صلى الله عليه وآله كتاب الله وعترتي
وهي عترة الهادي إلى النجاة خاتم الانبياء وسيد النجباء والنبي المصطفى. يا أيها
الناس لعلكم لا تسمعون قائلا يقول مثل قولي بعدي إلا مفتريا أنا أخو رسول الله وابن
عمه وسيف نقمته وعماد نصرته وبأسه وشدته أنا رحى جهنم الدائرة وأضراسها الطاحنة أنا
مؤتم البنين والبنات وقابض الارواح وبأس الله الذي لا يرده عن القوم المجرمين أنا
مجدل الابطال وقاتل الفرسان ومبير من كفر بالرحمان وصهر خير الانام أنا سيد
الاوصياء ووصي خير الانبياء أنا باب مدينة العلم وخازن علم رسول الله صلى الله عليه
وآله ووارثه أنا زوج البتول سيدة نساء العالمين فاطمة التقية الزكية البرة المهدية
حبيبة حبيب الله وخير بناته وسلالته وريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله سبطاه
خير الاسباط وولد اي خير الاولاد هل أحد ينكر ما أقول. أين مسلموا أهل الكتاب أنا
اسمي في الانجيل إليا وفي التوراة بريها وفي الزبور ارى وعند الهند كلبن وعند الروم
بطريسا وعند الفرس جبير وعند الترك تيبر وعند الزنج خبير وعند الكهنة بوى وعند
الحبشة تبريك وعند أمي حيدرة وعند ظئري ميمون وعند العرب علي وعند الارمن فريق وعند
أبي زهير.
[284]
ألا وإني مخصوص في القرآن بأسماء احذروا
أن تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم يقول الله عزوجل: * (وكونوا مع الصادقين) * (1)
أنا ذلك الصادق. وأنا المؤذن في الدنيا والآخرة وقال الله تعالى: * (فأذن مؤذن
بينهم أن لعنة الله على الظالمين) * [44 / الاعراف: 7] أنا ذلك المؤذن وقال: *
(وأذان من الله ورسوله) * [3 / التوبة] وأنا ذلك الاذان. وأنا المحسن يقول الله
عزوجل: * (وإن الله مع المحسنين) * [69 / العنكبوت: 29]. وأنا ذو القلب يقول الله
عزوجل: * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) * [37 / ق: 50]. وأنا الذاكر يقول الله
عزوجل * (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) * [191 / آل عمران: 3]. ونحن
أصحاب الاعراف أنا وعمي وأخي وابن عمي والله فالق الحبة والنوى لا يلج النار لنا
محب ولا يدخل الجنة لنا مبغض يقول الله عزوجل: * (وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا
بسيماهم) * [46 / الاعراف: 7] وأنا الصهر يقول الله عزوجل: * (وهو الذي خلق من
الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) * [54 / الفرقان: 25]. وأنا الاذن الواعية يقول الله
عزوجل: " وتعيها أذن واعية ". وأنا السالم لرسول الله صلى الله عليه وآله يقول
الله: * (ورجلا سلما لرجل) * [29 / الزمر] ومن ولدي مهدي هذه الامة. ألا وقد جعلت
محنتكم ببغضي يعرف المنافقون وبمحبتي امتحن المؤمنون هذا عهد النبي الامي الا أنه
لا يحبكم إلا مؤمن ولا يبغضكم إلا منافق.
(1) هذا هو الصواب، وفي أصلي: " إن الله
مع الصادقين ". والآية هي الآية: (119) من سورة التوبة: (9).
[285]
وأنا صاحب لواء رسول الله في الدنيا
والآخرة ورسول الله فرطي وأنا فرط شيعتي والله لا عطش محبي ولا خاف [وليي]، أنا ولي
المؤمنين والله وليي [وحسب محبي أن يحبوا ما أحب الله] وحسب مبغضي أن يبغضوا من أحب
الله. ألا وإنه بلغني أن معاوية سبني ولعنني اللهم اشدد وطأتك عليه وأنزل اللعنة
على المستحق آمين رب العالمين رب اسماعيل وباعث إبراهيم إنك حميد مجيد. ثم نزل
صلوات الله عليه عن أعواده فما عاد إليها حتى قتله ابن ملجم لعنه الله. 548 - كا:
علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: ان مولى لامير المؤمنين عليه السلام سأله مالا فقال: يخرج عطائي فأقاسمكه.
فقال: لا أكتفي وخرج إلى معاوية فوصله فكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام يخبره
بما أصاب من المال فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام: أما بعد فإن ما في يدك من
المال قد كان له أهل قبلك وهو صائر إلى أهل بعدك وإنما لك منه ما مهدت لنفسك فآثر
نفسك عن إصلاح ولدك فإنما أنت جامع لاحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد
بما شقيت وإما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له، وليس من هذين أحد بأهل أن
تؤثره على نفسك ولا تبرد له على ظهرك فارج لمن مضى رحمة الله وثق لمن بقي يرزق
الله. بيان: قال في النهاية: برد لي على فلان حق أي ثبت. 549 - ختص: كتب معاوية
لعنه الله إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه
548 - رواه ثقة الاسلام الكليني في
الحديث: (28) من روضة الكافي ص 72 ورواه السيد الرضي في المختار: (416) من الباب
الثالث من نهج البلاغة. 549 - الحديث موجود في كتاب الاختصاص - المنسوب إلى الشيخ
المفيد رحمه الله - ص 138، ط 2، وفي ط النجف ص 132.
[286]
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا علي
لاضربنك بشهاب قاطع لا يذكيه الريح ولا يطفيه الماء إذا اهتز وقع وإذا وقع نقب
والسلام. فلما قرأ علي عليه السلام كتابه دعا بدواة وقرطاس ثم كتب: بسم الله الرحمن
الرحيم أما بعد يا معاوية فقد كذبت أنا علي بن أبي طالب عليه السلام وأنا أبو الحسن
والحسين قاتل جدك وعمك وخالك وأبيك وأنا الذي أفنيت قومك في يوم بدر ويوم فتح ويوم
أحد وذلك السيف بيدي يحمله ساعدي بجرأة قلبي كما خلفه النبي صلى الله عليه وآله بكف
الوصي لم أستبدل بالله ربا وبمحمد نبيا وبالسيف بدلا والسلام على من اتبع الهدى. ثم
طوى الكتاب ودعا الطرماح بن عدي الطائي وكان رجلا مفوها طوالا فقال له: خذ كتابي
هذا فانطلق به إلى معاوية ورد جوابه فأخذ الطرماح الكتاب ودعا بعمامة فلبسها فوق
قلنسوته ثم ركب جملا بازلا فتيقا مشرفا عاليا في الهواء فسار حتى نزل مدينة دمشق
فسأل عن قواد معاوية فقيل له: من تريد منهم فقال أريد جرولا وجهضما وصلادة وقلادة
وسوادة وصاعقة وأبا المنايا وأبا الحتوف وأبا الاعور السلمي وعمرو بن العاص وشمر بن
ذي الجوشن والهدى بن محمد بن الاشعث الكندي فقيل إنهم مجتمعون عند باب الخضراء فنزل
وعقل بعيره وتركهم حتى اجتمعوا فركب إليهم فلما بصروا به قاموا إليه يهزئون به فقال
واحد منهم يا أعرابي عندك خبر من السماء قال: نعم جبرائيل في السماء وملك الموت في
الهواء وعلي في القفاء فقال له: يا أعرابي من أين أقبلت ؟ قال: من عند التقي النقي
إلى المنافق الردي قال له: يا أعرابي فما تنزل إلى الارض حتى نشاورك. قال: والله ما
في مشاورتكم بركة ولا مثلي يشاور أمثالكم قالوا: يا أعرابي فإنا نكتب إلى يزيد
بخبرك وكان يزيد يومئذ ولي عهدهم فكتبوا إليه أما بعد يا يزيد فقد قدم علينا من عند
علي بن أبي طالب عليه السلام أعرابي له لسان يقول فما يمل ويكثر فلا يكل والسلام.
فلما قرأ يزيد الكتاب أمر أن يهول عليه وأن يقام له سماطان بالباب بأيديهم أعمدة
الحديد فلما توسطهم الطرماح قال: من هؤلاء كأنهم زبانية مالك في ضيق المسالك
[287]
عند تلك الهوالك ؟ قالوا: اسكت هؤلاء
أعدوا ليزيد فلم يلبث أن خرج يزيد فلما نظر إليه قال: السلام عليك يا أعرابي قال:
الله السلام المؤمن المهيمن على ولد أمير المؤمنين قال: إن أمير المؤمنين يقرء عليك
السلام قال: سلامه معي من الكوفة قال: إنه يعرض عليك الحوائج قال: أما أول حاجتي
إليه فنزع روحه من بين جنبيه وأن يقوم من مجلسه حتى يجلس فيه من هو أحق به وأولى
منه قال له: يا أعرابي فإنا ندخل عليه فما فيك حيلة قال: لذلك قدمت فاستأذن له على
أبيه. فلما دخل على معاوية ونظر إلى معاوية والسرير قال: السلام عليك أيها الملك
قال: وما منعك أن تقول يا أمير المؤمنين قال: نحن المؤمنون فمن أمرك علينا ؟ فقال:
ناولني كتابك قال إني لاكره أن أطأ بساطك قال: فناوله وزيري قال: خان الوزير وظلم
الامير قال: فناوله غلامي قال: غلام سوء اشتراه مولاه من غير حل واستخدمه في غير
طاعة الله قال: فما الحيلة يا أعرابي ؟ قال: ما يحتال مؤمن مثلي لمنافق مثلك قم
صاغرا فخذه. فقام معاوية صاغرا فتناول منه ثم فضه وقرأه ثم قال: يا أعرابي كيف خلفت
عليا قال: خلفته والله جلدا حربا ضابطا كريما شجاعا جودا لم يلق جيشا إلا هزمه ولا
قرنا إلا أراده ولا قصرا إلا هدمه قال: فكيف خلفت الحسن والحسين ؟ قال: خلفتهما
صلوات الله عليهما صحيحين فصيحين كريمين شجاعين جوادين شابين طريين يصلحان للدنيا
والآخرة قال: فكيف خلفت أصحاب علي ؟ قال: خلفتهم وعلي بينهم كالبدر وهم كالنجوم إن
أمرهم ابتدروا وإن نهاهم ارتدعوا فقال له: يا أعرابي ما أظن بباب علي أحدا أعلم منك
قال: ويلك استغفر ربك وصم سنة كفارة لما قلت كيف لو رأيت الفصحاء الادباء النطقاء
ووقعت في بحر علومهم غرقت يا شقي. قال: الويل لامك قال: بل طوبى لها ولدت مؤمنا
يغمز منافقا مثلك قال له: يا أعرابي هل لك في جائزة قال: أرى استنقاص روحك فكيف لا
أرى استنقاص مالك فأمر له بمائة ألف درهم فقال: أزيدك يا أعرابي قال: أسد يدا سد
أبدا. فأمر له
[288]
بمائة ألف أخرى فقال: ثلثها فإن الله فرد
ثم ثلثها فقال: الآن ما تقول ؟ قال: أحمد الله وأذمك. قال: ولم ويلك ؟ قال: لانه لم
يكن لك ولا لابيك ميراثا إنما هو من بيت مال المسلمين أعطيتنيه. ثم أقبل معاوية على
كاتبه فقال: اكتب للاعرابي جوابا فلا طاقة لنا به فكتب أما بعد يا علي فلاوجهن إليك
بأربعين حملا من خردل مع كل خردلة ألف مقاتل يشربون الدجلة ويسقون الفرات. فلما نظر
الطرماح إلى ما كتب به الكاتب أقبل على معاوية فقال: سوءة لك يا معاوية فلا أدري
أيكما أقل حياة أنت أم كاتبك ؟ ويلك لو جمعت الجن والانس وأهل الزبور والفرقان
كانوا لا يقولون بما قلت قال: ما كتبه عن أمري قال: إن لم يكن كتبه عن أمرك فقد
استضعفك في سلطانك وإن كان كتبه بأمرك فقد استحييت لك من الكذب أمن أيهما تعتذر ومن
أيهما تعتبر أما إن لعلي صلوات الله عليه ديكا اشتر جيدا أخضر يلتقط الخردل بجيشه
فيجمعه في حوصلته. قال: ومن ذلك يا أعرابي قال: ذلك مالك بن الحارث الاشتر. ثم أخذ
الكتاب والجائزة وانطلق به إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فأقبل معاوية على
أصحابه فقال: نرى لو وجهتكم بأجمعكم في كل ما وجه به صاحبه ما كنتم تؤدون عني عشر
عشير ما أدى هذا عن صاحبه. بيان: الطرماح بكسر الطاء والراء وتشديد الميم. وقال
الجوهري: فاه بالكلام [على زنة قال - و - تفوه]: لفظ به. والمفوه: المنطيق وقال:
بزل البعير: فطرنا به أي انشق فهو بازل ذكرا كان أو أنثى وذلك في السنة التاسعة
وربما بزل في السنة الثامنة وقال: يقال: جمل فتيق إذا انفتق سمنا. وفي بعض النسخ
بالنون قال الجوهري الفنيق: الفحل المكرم. وقال الجرول: الحجارة. والجهضم: الضخم
الهامة المستدير الوجه. والاسد. والصلد والصلب: الاملس. ويحتمل أن تكون تلك أسامي
خدمه وأن يكون قال ذلك نبزا واستهزاءا. والسماط بالكسر: الصف من الناس. والنخل
والجلد: الصلابة والجلادة. تقول منه
[289]
جلد الرجل بالضم فهو جلد ذكره الجوهري
وقال: حرب الرجل بالكسر: اشتد غضبه. ورجل حرب وأسد حرب. " أسد يدا سد أبدا " أي أعط
نعمة تكون أبدا سيدا للقوم. والاجيد: الحسن العنق أو طويله. والاعسر هو الذي يعمل
باليد اليسرى. ويقال: إنه أشد شئ رميا. 550 - أقول: وجدت الرواية بخط بعض الافاضل
باختلاف ما فأحببت إيرادها على هذا الوجه أيضا قال: قال الشيخ الاديب أبو بكر بن
عبد العزيز البستي بالاسانيد الصحاح أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
لما رجع من وقعة الجمل كتب إليه معاوية بن أبي سفيان عليه اللعنة بسم الله الرحمان
الرحيم من عبد الله وابن عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد
فقد اتبعت ما يضرك وتركت ما ينفعك وخالفت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله
وقد انتهى إلي ما فعلت بحواري رسول الله صلى الله عليه وآله طلحة والزبير وأم
المؤمنين عائشة فو الله لارمينك بشهاب لا تطفيه المياه ولا تزعزعه الرياح إذا وقع
وقب، وإذا وقب ثقب، وإذا ثقب نقب، وإذا نقب التهب، فلا تغرنك الجيوش واستعد للحرب
فإني ملاقيك بجنود لا قبل لك بها والسلام. فلما وصل الكتاب إلى أمير المؤمنين عليه
السلام فكه وقرأه ودعى بدواة وقرطاس وكتب إليه. بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله
وابن عبده علي بن أبي طالب أخي رسول الله وابن عمه ووصيه ومغسله ومكفنه وقاضي دينه
وزوج ابنته البتول وأبي سبطيه الحسن والحسين إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد فإني
أفنيت قومك يوم بدر وقتلت عمك وخالك وجدك والسيف الذي قتلتهم به معي يحمله ساعدي
بثبات من صدري وقوة من بدني ونصرة من ربي كما جعله النبي صلى الله عليه وآله في كفي
فو الله ما اخترت على الله ربا ولا على الاسلام دينا ولا على محمد نبيا ولا على
السيف بدلا فبالغ من رأيك فاجتهد ولا تقصر فقد استحوذ عليك الشيطان واستفزك الجهل
والطغيان
[290]
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
والسلام على من اتبع الهدى وخشي عواقب الردى. ثم طوى الكتاب وختمه ودعى رجلا من
أصحابه يقال له الطرماح بن عدي بن حاتم الطائي وكان رجلا جسيما طويلا أديبا لبيبا
فصيحا لسنا متكلما لا يكل لسانه ولا يعيى عن الجواب فعممه بعمامته ودعى له بجمل
بازل وثيق فائق أحمر فسوى راحلته ووجهه إلى دمشق فقال له: يا طرماح انطلق بكتابي
هذا إلى معاوية بن أبي سفيان وخذ الجواب. فأخذ الطرماح الكتاب وكور بعمامته وركب
مطيته وانطلق حتى دخل دمشق فسأل عن دار الامارة فلما وصل إلى الباب قال له الحجاب
من بغيتك ؟ قال: أريد أصحاب الامير أولا ثم الامير ثانيا فقالوا له: من تريد منهم ؟
قال: أريد جعشما وجرولا ومجاشعا وباقعا - وكان أراد أبا الاعور السلمي وأبا هريرة
الدوسي وعمرو بن العاص ومروان بن الحكم - فقالوا: هم بباب الخضراء يتنزهون في
بستان. فانطلق وسار حتى أشرف على ذلك الموضع فإذا قوم ببابه فقالوا: جاءنا أعرابي
بدوي دوين إلى السماء تعالوا نستهزئ به فلما وقف عليهم قالوا: يا أعرابي هل عندك من
السماء خبر ؟ فقال: بلى الله تعالى في السماء وملك الموت في الهواء وأمير المؤمنين
علي بن أبي طالب في القفاء فاستعدوا لما ينزل عليكم من البلاء يا أهل الشقاوة
والشقاء. قالوا: من أين أقبلت ؟ قال: من عند حر تقي نقي زكي مؤمن رضي مرضي. فقالوا:
وأي شئ تريد ؟ فقال: أريد هذا الدعي الردي المنافق المردي الذي تزعمون أنه أميركم
فعلموا أنه رسول أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى معاوية فقالوا: هو في هذا الوقت
مشغول. قال: بماذا بوعد أو وعيد ؟ قالوا: لا ولكنه يشاور أصحابه فيما يلقيه غدا
قال: فسحقا له وبعدا. فكتبوا إلى معاوية بخبره: أما بعد فقد ورد من عند علي بن أبي
طالب رجل أعرابي بدوي فصيح لسن طلق ذلق يتكلم فلا يكل ويطيل فلا يمل فأعد لكلامه
جوابا بالغا ولا تكن عنه غافلا ولا ساهيا والسلام.
[291]
فلما علم الطرماح بذلك أناخ راحلته ونزل
عنها وعقلها وجلس مع القوم الذين يتحدثون. فلما بلغ الخبر إلى معاوية أمر ابنه يزيد
أن يخرج ويضرب المصاف على باب داره فخرج يزيد وكان على وجهه أثر ضربة فإذا تكلم كان
جهير الصوت فأمر بضرب المصاف ففعلوا ذلك وقالوا للطرماح: هل لك أن تدخل على باب
أمير المؤمنين فقال: لهذا جئت وبه أمرت فقام إليه ومشى فلما رأى أصحاب المصاف
وعليهم ثياب سود فقال: من هؤلاء القوم كأنهم زبانية لالك على ضيق المسالك فلما دنى
من يزيد نظر إليه فقال: من هذا الميشوم ابن الميشوم الواسع الحلقوم المضروب على
الخرطوم ؟ ! فقالوا: مه يا أعرابي ابن الملك يزيد فقال: ومن يزيد لا زاد الله مزاده
ولا بلغه مراده ومن أبوه ؟ كانا قدما غائصين في بحر الجلافة واليوم استويا على سرير
الخلافة فسمع [يزيد] ذلك واستشاط وهم بقتله غضبا ثم كره أن يحدث دون إذن أبيه فلم
يقتله خوفا منه وكظم غيظه وخبا ناره وسلم عليه فقال: يا أعرابي إن أمير المؤمنين
يقرأ عليك السلام فقال: سلامه معي من الكوفة فقال يزيد: سلني عما شئت فقد أمرني
أمير المؤمنين بقضاء حاجتك فقال: حاجتي إليه أن يقوم من مقامه حتى يجلس من هو أولى
منه بهذا الامر ! ! قال: فماذا تريد آنفا قال: الدخول عليه فأمر برفع الحجاب وأدخله
إلى معاوية وصواحبه. فلما دخل الطرماح وهو متنعل قالوا له: اخلع نعليك فالتفت يمينا
وشمالا ثم قال: هذا رب الواد المقدس فأخلع نعلي فنظر فإذا هو معاوية قاعد على
السرير مع قواعده وخاصته ومثل بين يديه خدمه فقال: السلام عليك أيها الملك العاصي
فقرب إليه عمرو بن العاص فقال: ويحك يا أعرابي ما منعك أن تدعوه بأمير المؤمنين ؟
فقال الاعرابي: ثكلتك أمك يا أحمق نحن المؤمنون فمن أمره علينا بالخلافة. فقال
معاوية: ما معك يا أعرابي ؟ فقال: كتاب مختوم من إمام معصوم فقال: ناولنيه. قال:
أكره أن أطأ بساطك. قال: ناوله وزيري هذا وأشار إلى
[292]
عمرو بن العاص. فقال: هيهات هيهات ظلم
الامير وخان الوزير. فقال: ناوله ولدي هذا وأشار إلى يزيد. فقال: ما نرضى بإبليس
فكيف بأولاده ؟ فقال: ناوله مملوكي هذا وأشار إلى غلام له قائم على رأسه. فقال
الاعرابي: مملوك اشتريته [من] غير حل وتستعمله في غير حق ! ! قال: ويحك يا أعرابي
فما الحيلة وكيف نأخذ الكتاب ؟ فقال الاعرابي: أن تقوم من مقامك وتأخذه بيدك على
غير كره منك فإنه كتاب رجل كريم وسيد عليم وحبر حليم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فلما سمع
منه معاوية وثب من مكانه وأخذ منه الكتاب بغضب وفكه وقرأه ووضعه تحت ركبتيه ثم قال:
كيف خلفت أبا الحسن والحسين ؟ قال: خلفته بحمد الله كالبدر الطالع حواليه أصحابه
كالنجوم الثواقب اللوامع إذا أمرهم بأمر ابتدروا إليه وإذا نهاهم عن شئ لم يتجاسروا
عليه وهو من بأسه يا معاوية في تجلد بطل شجاع سيد سميدع إن لقي جيشا هزمه وأراده
وإن لقي قرنا سلبه وأفناه وإن لقي عدوا قتله وجزاه. قال معاوية: كيف خلفت الحسن
والحسين ؟ قال: خلفتهما بحمد الله شابين نقيين تقيين زكيين عفيفين صحيحين سيدين
طيبين فاضلين عاقلين عالمين مصلحين في الدنيا والآخرة. فسكت معاوية ساعة فقال: ما
أفصحك يا اعرابي ؟ قال: لو بلغت باب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
لوجدت الادباء الفصحاء البلغاء الفقهاء النجباء الاتقياء الاصفياء ولرأيت رجالا
سيماهم في وجوههم من أثر السجود حتى إذا استعرت نار الوغى قذفوا بأنفسهم في تلك
الشعل لابسين القلوب على مدارعهم قائمين ليلهم صائمين نهارهم لا تأخذهم في الله ولا
في ولي الله علي لومة لائم فإذا أنت يا معاوية رأيتهم على هذه الحال غرقت في بحر
عميق لا تنجو من لجته. فقال عمرو بن العاص لمعاوية سرا: هذا رجل أعرابي بدوي لو
أرضيته بالمال لتكلم فيك بخير.
[293]
فقال معاوية: يا أعرابي ما تقول في
الجائزة أتأخذها مني أم لا ؟ قال: بل آخذها فو الله أنا أريد استقباض روحك من جسدك
فكيف باستقباض مالك من خزانتك فأمر له بعشرة آلاف درهم ثم قال: أتحب أن أزيدك ؟
قال: زد فإنك لا تعطيه من مال أبيك وإن الله تعالى ولي من يزيد قال: أعطوه عشرين
ألفا قال الطرماح: اجعلها وترا فإن الله تعالى هو الوتر ويحب الوتر قال: أعطوه
ثلاثين ألفا فمد الطرماح بصره إلى إيراده فأبطأ عليه ساعة فقال: يا ملك تستهزئ بي
على فراشك ؟ فقال: لماذا يا أعرابي ؟ قال: إنك أمرت لي بجائزة لا أراها ولا تراها
فإنها بمنزلة الريح التي تهب من قلل الجبال ! ! فأحضر المال ووضع بين يدي الطرماح
فلما قبض المال سكت ولم يتكلم بشئ. [ف] قال عمرو بن العاص: يا أعرابي كيف ترى
جائزة أمير المؤمنين فقال الاعرابي: هذا مال المسلمين من خزانة رب العالمين أخذه
عبد من عباد الله الصالحين. فالتفت معاوية إلى كاتبه وقال: اكتب جوابه فو الله لقد
أظلمت الدنيا علي وما لي طاقة فأخذ الكاتب القرطاس فكتب. بسم الله الرحمن الرحيم من
عبد الله وابن عبده معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإني أوجه
إليك جندا من جنود الشام مقدمته بالكوفة وساقته بساحل البحر ولارمينك بألف حمل من
خردل تحت كل خردل ألف مقاتل فإن أطفأت نار الفتنة وسلمت إلينا قتلة عثمان وإلا فلا
تقل غال ابن أبي سفيان ولا يغرنك شجاعة أهل العراق واتفاقهم فإن اتفاقهم نفاق
فمثلهم كمثل الحمار الناهق يميلون مع كل ناعق والسلام. فلما نظر الطرماح إلى ما
يخرج تحت قلمه قال: سبحان الله لا أدري أيكما أكذب أنت بادعائك أم كاتبك فيما كتب !
! لو اجتمع أهل الشرق والغرب من الجن والانس لم يقدروا به على ذلك فنظر معاوية
فقال: والله لقد كتب من غير أمري فقال: ان كنت لم تأمره فقد استضعفك وإن كنت أمرته
فقد استفضحك.
[294]
أو قال: إن كتب من تلقاء نفسه فقد خانك،
وإن أمرته بذلك فأنتما خائنان كاذبان في الدنيا والآخرة ثم قال الطرماح: يا معاوية
أظنك تهدد البط بالشط. فدع الوعيد فما وعيدك ضائر * أطنين أجنحة الذباب يضير والله
إن لامير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لديكا علي الصوت عظيم المنقار يلتقط
الجيش بخيشومه ويصرفه إلى قانصته ويحطه إلى حوصلته فقال معاوية: والله كذلك هو مالك
بن الاشتر النخعي ثم قال: ارجع بسلام مني. وفي رواية أخرى: خذ المال والكتاب وانصرف
فجزاك الله عن صاحبك خيرا فأخذ الطرماح الكتاب وحمل المال وخرج من عنده وركب مطيته
وسار. ثم التفت معاوية إلى أصحابه فقال: لو أعطيت جميع ما أملك لرجل منكم لم يؤد
عني عشر عشير ما أدى هذا الاعرابي عن صاحبه. فقال عمرو بن العاص: لو أن لك قرابة
كقرابة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وكان معك الحق كما هو معه لادينا
عنك أفضل من ذلك أضعافا مضاعفة فقال معاوية: فض الله فاك وقطع شفتيك والله لكلامك
علي أشد من كلام الاعرابي ولقد ضاقت علي الدنيا بحذافيرها. توضيح: الزعزعة: تحريك
الرياح لشجرة ونحوها ذكره الفيروز آبادي وقال: وقب الظلام: دخل والشمس وقبا ووقوبا:
غابت: والوثيق: المحكم. والمصاف: جمع المصف وهو موضع الصف. والسميدع بفتح السين
والميم بعدها مثناة تحتانية: السيد الكريم الشريف السخي الموطأ الاكتاف والشجاع.
وفي الصحاح: ضاره يضوره ويضيره ضورا وضيرا أي ضره. 551 - 552 - أقول: نقل من خط
الشهيد قدس سره أنه قال: [قال]
552 - للحديث - عدا بعض خصوصياته - مصادر
كثيرة وأسانيد يجد الباحث كثيرا منها
[295]
معاوية لابي المرقع الهمداني: اشتم عليا.
قال: بل أشتم شاتمه وظالمه. قال: أهو مولاك ؟ قال: ومولاك إن كنت من المسلمين !
قال: فادع عليه قال: بل أدعو على من هو دونه. قال: ما تقول في قاتله ؟ قال: هو في
النار مع من سره ذلك قال: من قومك ؟ قال: الزرق من همدان الذين أسحبوك يوم صفين.
ومن خطه أيضا قال: روى أبو عمر الزاهد في كتاب فائت الجمهرة أن رجلا سأل معاوية يوم
صفين عن مسألة فقال له: سل عليا فإنه أعلم مني قال: فقال له الرجل: جوابك أحب إلي
من جوابه فقال له: لقد كرهت رجلا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يغره [بالعلم
غرا] ولقد رأيت عمر إذا أشكل عليه الشئ قال: أهاهنا أبو الحسن ؟ قم لا أقام الله
رجليك ومحا اسمه من الديوان. قال ابن عباس: فكنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه
السلام فجاءنا الرجل وقد سبقه خبره إلينا فقال: يا أمير المؤمنين قد جئتك مستأمنا
فقال له: أنت صاحب الكلام أنت تعرف معاوية من أنا ؟ فكيف رأيت جواب المنافق قم لا
أقام الله رجليك. فبقي مذبذبا. وذكر ابن النديم في الفهرست أن هذا أبا عمر كان
نهاية في النصب والميل على علي عليه السلام.
تحت الرقم: (401) وتاليه وتعليقهما من
ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 1، ص 369 ط 2.
[297]
[الباب الواحد والعشرون] باب بدو قصة
التحكيم والحكمين وحكمهما بالجور رأي العين وقد مر بعض ذلك فيما مضى من قصص صفين
553 - قال ابن أبي الحديد: قال نصر: روى عمر بن سعد عن مجالد عن الشعبي عن زياد بن
النضر أن عليا عليه السلام بعث أربع مائة عليهم شريح بن هانئ ومعه عبد الله بن
العباس يصلي بهم ومعهم أبو موسى الاشعري وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربع مائة ثم
إنهم خلوا بين الحكمين فكان رأي عبد الله بن قيس في [عبد الله بن] عمر بن الخطاب
وكان يقول: والله إن استطعت لاحيين سنه عمر. قال نصر: وفي حديث محمد بن عبيدالله عن
الجرجاني قال: لما أراد أبو موسى المسير قام إليه شريح بن هانئ فأخذ بيده وقال: يا
أبا موسى إنك قد نصبت لامر عظيم لا يجبر صدعه ولا يستقال فتنته ومهما تقل من شئ
عليك أو لك تثبت حقه وترى صحته وإن كان باطلا وإنه لا بقاء لاهل العراق إن
553 - رواه ابن أبي الحديد في أواسط شرحه
على المختار: (35) من نهج البلاغة: ج 1، ص 444 ط الحديث ببيروت.
[298]
ملكهم معاوية ولا بأس على أهل الشام إن
ملكهم علي وقد كانت منك تثبيطة أيام الكوفة والجمل وإن تشفعها بمثلها يكن الظن بك
يقينا والرجاء منك يأسا. فقال أبو موسى: ما ينبغي لقوم اتهموني أن يرسلوني لادفع
عنهم باطلا أو أجر إليهم حقا. وروى المدائني في كتاب صفين قال: لما اجتمع أهل
العراق على طلب أبي موسى وأحضروه للتحكيم على كره من علي عليه السلام له أتاه عبد
الله بن العباس وعنده وجوه الناس والاشراف فقال له: يا أبا موسى إن الناس لم يرضوا
بك و [لم] يجتمعوا عليك لفضل لا تشارك فيه وما أكثر أشباهك من المهاجرين والانصار
المتقدمين قبلك ولكن أهل العراق أبوإلا أن يكون الحكم يمانيا ورأوا أن معظم أهل
الشام يمان وأيم الله إني لاظن ذلك شرا لك ولنا فإنه قد ضم إليك داهية العرب وليس
في معاوية خلة يستحق بها الخلافة فإن تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك منه وإن يطمع
باطله في حقك يدرك حاجته منك. واعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الاسلام وأن أباه
رأس الاحزاب وأنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة فإن زعم لك أن عمر وعثمان
استعملاه فلقد صدق استعمله عمر وهو الوالي عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي
ويوجره ما يكره ثم استعمله عثمان برأي عمر، وما أكثر ما استعملا ممن لم يدع الخلافة
واعلم أن لعمرو مع كل شئ يسرك خبيئا يسؤك، ومهما نسيت فلا تنس أن عليا عليه السلام
بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وإنها بيعة هدى وأنه لم يقاتل إلا
العاصين والناكثين. فقال أبو موسى: رحمك الله والله مالي إمام غير علي وإني لواقف
عندما رآى وإن حق الله أحب إلي من رضا معاوية وأهل الشام وما أنت وأنا إلا بالله.
وروى البلاذري في كتاب أنساب الاشراف قال: قيل لعبدالله بن
[299]
العباس: ما منع عليا أن يبعثك مع عمرو يوم
التحكيم قال: منعه حاجز القدر ومحنة الابتلاء وقصر المدة أما والله لو كنت لقعدت
على مدارج أنفاسه ناقضا ما أبرم ومبرما ما نقض أطير إذا أسف وأسف إذا طار ولكن سبق
قدر وبقي أسف ومع اليوم غد والآخرة خير لامير المؤمنين. قال نصر: وفي حديث عمرو بن
شمر قال: أقبل أبو موسى إلى عمرو فقال: يا عمرو هل لك في أمر هو للامة صلاح،
ولصلحاء الناس رضا نولي هذا الامر عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي لم يدخل في شئ من
هذه الفتنة ولا في هذه الفرقة قال: وكان عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن
الزبير قريبين يسمعان الكلام فقال عمرو: فأين أنت يا أبا موسى عن معاوية فأبى عليه
أبو موسى فقال عمرو: ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما ومعاوية ولي عثمان وقد قال
الله: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * [33 / الاسراء: 17] ثم إن بيت
معاوية في قريش ما قد علمت وهو أخو أم حبيبة أم المؤمنين وزوج النبي صلى الله عليه
وآله وقد صحبه وهو أحد الصحابة ثم عرض له بالسلطان فقال له: إن هو ولي الامر أكرمك
كرامة لم يكرمك أحد قط بمثلها. فقال أبو موسى: اتق الله يا عمرو فإن هذا الامر ليس
على الشرف إنما هو لاهل الدين والفضل مع أني لو كنت أعطيته أفضل قريش شرفا لاعطيته
علي بن أبي طالب. وأما قولك إنه ولي عثمان فإني لم أكن أوليه إياه لنسبه من عثمان
وادع المهاجرين الاولين. وأما تعريضك لي بالامرة والسلطان فو الله لو خرج لي من
سلطانه ما وليته ولا كنت أرتشي في الله ولكنك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب.
وروى أنه كان يقول غير مرة: والله إن استطعت لاحيين اسم عمر بن الخطاب.
[300]
فقال عمرو بن العاص: إن كنت إنما تريد أن
تبايع ابن عمر لدينه فما يمنعك من ابني عبد الله وأنت تعرف فضله وصلاحه ! ! فقال:
إن ابنك لرجل صدق ولكنك قد غمسته في هذه الفتنة. قال نصر وروي عن النضر بن صالح
قال: كنت مع شريح بن هانئ في غزوة سجستان فحدثني أن عليا عليه السلام أوصاه بكلمات
إلى عمرو بن العاص وقال له: قل لعمرو إذا لقيته إن عليا يقول لك: إن أفضل الخلق عند
الله من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه وأن أبعد الخلق من الله من كان العمل
بالباطل أحب إليه وإن زاده والله يا عمرو إنك لتعلم أين موضع الحق فلم تتجاهل أبأن
أوتيت طمعا يسيرا صرت لله ولاوليائه عدوا فكأن ما أوتيت قد زال عنك فلا تكن
للخائنين خصيما ولا للظالمين ظهيرا أما إني أعلم أن يومك الذي أنت فيه نادم هو يوم
وفاتك، وسوف تتمنى أنك لم تظهر لي عداوة ولم تأخذ على حكم الله رشوة. قال شريح:
فأبلغته ذلك يوم لقيته فتمعر وجهه وقال: متى كنت قابلا مشورة علي أو منيبا إلى رأيه
أو معتدا بأمره ! ! !. فقلت: وما يمنعك يا ابن النابغة أن تقبل من مولاك وسيد
المسلمين بعد نبيهم مشورته لقد كان من هو خير منك أبو بكر وعمر يستشير انه ويعملان
برأيه فقال: إن مثلي لا يكلم مثلك فقلت بأي أبويك ترغب عن كلامي بأبيك الوشيظ أم
بأمك النابغة فقام من مكانه وقمت. قال نصر: وروى أبو جناب الكلبي أن عمرا وأبا موسى
لما التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم أبا موسى في الكلام ويقول: إنك صحبت رسول
الله صلى الله عليه وآله قبلي وأنت أكبر مني سنا فتكلم أنت ثم أتكلم أنا فجعل ذلك
سنة وعادة بينهما وإنما كان مكرا وخديعة واغترارا له بأن يقدمه فيبدأ بخلع علي ثم
يرى رأيه. قال ابن ديزيل في كتاب صفين: أعطاه عمرو صدر المجلس وكان لا يتكلم قبله
وأعطاه النقدم في الصلاة وفي الطعام لا يأكل حتى يأكل وإذا
[301]
خاطبه فإنما يخاطبه بأجل الاسماء ويقول
له: يا صاحب رسول الله حتى اطمأن إليه وظن أنه لا يغشه فلما انمخضت الزبدة بينهما
قال له عمرو: أخبرني ما رأيك يا أبا موسى قال: أرى أن أخلع هذين الرجلين ونجعل
الامر شورى بين المسلمين يختارون من يشاؤون ! ! فقال عمرو: الرأي والله ما رأيت.
فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون فتكلم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن رأيي
ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به شأن هذه الامة فقال عمرو: صدق ثم
قال له: تقدم يا أبا موسى فتكلم. فقام [أبو موسى] ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال: ويحك
والله إني لاظنه خدعك إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه قبلك ليتكلم به ثم تكلم
أنت بعده فإنه رجل غدار ولا آمن أن يكون أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فإذا قمت به
في الناس خالفك - وكان أبو موسى رجلا مغفلا - فقال: إيها عنك إنا قد اتفقنا. فتقدم
أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الامة
فلم نر شيئا هو أصلح لامر هؤلاء ولا ألم لشعثها من أن لا يبين أمورها (1) وقد اجتمع
رأيي ورأي صاحبي على خلع علي ومعاوية وأن يستقبل هذا الامر فيكون شورى بين المسلمين
يولون أمورهم من أحبوا وإني قد خلعت عليا ومعاوية فاستقبلوا أموركم وولوا من
رأيتموه لهذا الامر أهلا. [ثم تنحى]. فقام عمرو بن العاص في مقامه فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال: إن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت
صاحبي معاوية في الخلافة فإنه ولي عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه. فقال له
أبو موسى: مالك لا وفقك الله قد غدرت وفجرت إنما مثلك
(1) كذا في ط الكمباني من الاصل، وفي طبع
الحديث ببيروت من شرح ابن أبي الحديد: ج 1، ص 451: " من أن لا تتباين أمورها ".
[302]
كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه
يلهث. فقال له عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا. وحمل شريح بن هانئ على
عمرو فقنعه بالسوط وحمل ابن لعمرو على شريح فقنعه بالسوط وقام الناس فحجزوا بينهما
فكان شريح بعد ذلك يقول: ما ندمت على شئ ندامتي أن لا أكون ضربت عمرا بالسيف بدل
السوط لكن أتى الدهر بما أتى به. والتمس أصحاب علي عليه السلام أبا موسى فركب ناقته
ولحق بمكة فكان ابن عباس يقول: قبح الله أبا موسى لقد حذرته وهديته إلى الرأي فما
عقل وكان أبو موسى يقول: لقد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكن اطمأننت إليه [وظننت]
أنه لا يؤثر شيئا على نصيحة الامة. قال نصر: ورجع عمرو إلى منزله من دومة الجندل
فكتب إلى معاوية: أتتك الخلافة مزفوفة * هنيئا مريئا تقر العيونا تزف إليك زفاف
العروس * بأهون من طعنك الدار عينا إلى آخر الابيات. فقام سعيد بن قيس الهمداني
وقال: والله لو اجتمعتما على الهدى ما زدتما على ما نحن الآن عليه وما ضلالكما
بلازم لنا وما رجعتما إلا بما بدأتما به وإنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس. وقام
كردوس بن هانئ مغضبا وأنشد أبياتا في الرضا بخلافة علي عليه السلام وإنكار خلافة
معاوية وحكم الحكمين وتكلم جماعة أخرى بمثل ذلك قال نصر: وكان علي عليه السلام لما
سمع ما خدع به عمرو أبا موسى غمه ذلك وساءه وخطب الناس وقال: الحمد لله وإن أتى
الدهر بالخطب الفادح والحدث الجليل. إلى آخر ما سيأتي برواية السيد [الرضي] رضي
الله عنه وقال:
[303]
ألا ان هذين الرجلين الذين اخترتموهما قد
نبذا حكم الكتاب وأحييا ما أمات واتبع كل واحد منهما هواه وحكم بغير حجة ولا بينة
ولا سنة ماضية واختلفا فيما حكما فكلاهما لم يرشد الله فاستعدوا للجهاد وتأهبوا
للمسير وأصبحوا في معسكركم يوم كذا (1). قال نصر: فكان علي عليه السلام بعد الحكومة
إذا صلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة وسلم قال: اللهم العن معاوية وعمرا وأبا
موسى وحبيب بن مسلمة وعبد الرحمان بن خالد والضحاك بن قيس والوليد بن عقبة فبلغ ذلك
معاوية فكان إذا صلى لعن عليا وحسنا وحسينا وابن عباس وقيس بن سعد بن عبادة
والاشتر. وزاد ابن ديزيل في أصحاب معاوية أبا الاعور السلمي. وروى ابن ديزيل أيضا
أن أبا موسى كتب من مكة إلى علي عليه السلام أما بعد فإني قد بلغني أنك تلعنني في
الصلاة ويؤمن خلفك الجاهلون وإني أقول كما قال موسى عليه السلام " رب بما أنعمت علي
فلن أكون ظهيرا للمجرمين ". بيان: قال في القاموس: الدهاء: النكر وجودة الرأي
والادب ورجل داه وده وداهية. وقال في النهاية: أسف الطائر إذا دنى من الارض. وأسف
الرجل للامر إذا قاربه. وفي الصحاح: تمعر لونه عند الغضب: تغير. وفي القاموس:
الوشيظ كأمير: الاتباع والخدم والاجلاف ولفيف من الناس ليس أصلهم واحدا. وهم وشيظة
في قومهم: حشوفهم. وقال: غفل عنه غفولا: تركه وسها عنه كأغفله والمغفل كمعظم: من لا
فطنته له. وقال: إيها بالفتح وبالنصب أمر بالسكوت. وقال: قنع رأسه بالسوط: غشاه
بها.
(1) وهذا هو المختار: (35) من كتاب نهج
البلاغة، وله مصادر كثيرة ذكر بعضها في المختار (259) وما قبله من نهج السعادة: ج 2
ص 356 ط 1. والحديث رواه ابن أبي الحديد في أواخر شرحه على المختار: (35) من نهج
البلاغة ج 1، ص 454.
[304]
أقول: رجعنا إلى كتاب نصر فوجدنا ما أخرجه
ابن أبي الحديد موافقا له في المعنى. 554 - نهج: ومن كتاب له عليه السلام أجاب به
أبا موسى الاشعري عن كتاب كتبه إليه من المكان الذي اتعدوا فيه للحكومة وذكر هذا
الكتاب سعيد بن يحيى الاموي في كتاب المغازي فإن الناس قد تغير كثير منهم عن كثير
من حظهم فمالوا مع الدنيا ونطقوا بالهوى وإني نزلت من هذا الامر منزلا معجبا اجتمع
به أقوام أعجبتهم أنفسهم فإني أداوي منهم قرحا أخاف أن يعود علقا وليس رجل - فاعلم
- أحرص على جماعة أمة محمد صلى الله عليه وآله وألفتها مني أبتغي بذلك حسن الثواب
وكرم المآب وسأفي بالذي وأيت على نفسي وإن تغيرت عن صالح ما فارقتني عليه فإن الشقي
من حرم نفع ما أوتي من العقل والتجربة وإني لاعبد أن يقول قائل بباطل وأن أفسد أمرا
قد أصلحه الله فدع ما لا تعرف فإن شرار الناس طائرون إليك بأقاويل السوء والسلام.
[قوله عليه السلام] " من حظهم " أي من الاخرة. [وقوله عليه السلام]: " منزلا قال
ابن أبي الحديد: أي يعجب من رآه أي يجعله متعجبا منه وهذا الكلام شكوى من أصحابه
ونصاره من أهل العراق فإنه كان اختلافهم عليه واضطرابهم شديدا جدا. والمنزل والنزول
هاهنا مجاز واستعارة والمعنى إني حصلت في هذا الامر الذي حصلت فيه على حال معجبة
لمن تأملها. وقال الجوهري: العجيب: الامر يتعجب منه وعجبت من كذا وتعجبت بمعنى
وأعجبني هذا الشئ لحسنه وقد أعجب فلان بنفسه فهو معجب بنفسه
554 - رواه السيد الرضي رحمه الله في
المختار ما قبل الاخير من الباب الثاني من كتاب نهج البلاغة.
[305]
وبرأيه والاسم: العجب بالضم انتهى. فإني
أداوي منهم قرحا قال ابن ميثم: استعار لفظ القرح لما فسد من حاله باجتماعهم على
التحكيم ولفظ المداواة لاجتهاده في إصلاحهم وروي " أداري " وكذلك استعار لفظ العلق
وهو الدم الغليظ لما يخاف من تفاقم أمرهم وقوله: " فاعلم " اعتراض حسن بين " ليس "
وخبرها. بالذي وأيت أي وعدت وضمنت من شرط الصلح على ما وقع عليه. عن صالح ما
فارقتني عليه أي من وجوب الحكم بكتاب الله وعدم إتباع الهوى والاغترار بمقارنة
الاشرار. وقال ابن أبي الحديد: يجوز أن يكون قوله عليه السلام: " وإن تغيرت " من
جملة قوله عليه السلام فيما بعد: " فإن الشقي " كما تقول: إن خالفتني فإن الشقي من
يخالف الحق لكن تعلقه بالسابق أحسن لانه أدخل في مدح أمير المؤمنين صلوات الله
وسلامه عليه كأنه يقول: أنا أفي وإن كنت لا تقي والضد يظهر حسن الضد " وإني لاعبد "
أي إني لآنف من أن يقول غيري قولا باطلا فكيف لا آنف ذلك أنا من نفسي. وقال
الجوهري: قال أبو زيد: العبد بالتحريك: الغضب والانف والاسم: العبدة مثل الانفة وقد
عبد أي أنف. " فدع مالا تعرف " أي لا تبن أمرك إلا على اليقين. " فإن شرار الناس "
أي لا تصغ إلى أقوال الوشاة فإن الكذب يخالط أقوالهم كثيرا فلا تصدق ما عساه يبلغك
عني فإنهم سراع إلى أقاويل السوء. 555 - ما: المفيد عن علي بن مالك النحوي عن جعفر
بن محمد الحسني عن عيسى بن مهران عن يحيى بن عبد الحميد عن شريك عن عمران بن طفيل
عن أبي نجبة قال: سمعت عمار بن ياسر رحمه الله يعاتب أبا موسى الاشعري
555 - رواه الشيخ الطوسي رفع الله مقامه
في الحديث: (6) من الجزء السابع من أماليه:. ج 1، ص 184، ط بيروت.
[306]
ويوبخه على تأخره عن علي بن أبي طالب عليه
السلام وقعوده عن الدخول في بيعته ويقول له: يا با موسى ما الذي أخرك عن أمير
المؤمنين عليه السلام فوالله لئن شككت فيه لتخرجن عن الاسلام وأبو موسى يقول له: لا
تفعل ودع عتابك لي فإنما أنا أخوك فقال له عمار رحمه الله: ما نالك بأخ سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يلعنك ليلة العقبة وقد هممت مع القوم بما هممت فقال له أبو
موسى: أفليس قد استغفر لي ؟ قال عمار: قد سمعت اللعن ولم أسمع الاستغفار. 556 - نهج
[و] من كلامه عليه السلام لما اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة: أيها الناس إنه لم
يزل أمري معكم على ما أحب حتى نهكتكم الحرب وقد والله أخذت منكم وتركت وهي لعدوكم
أنهك ولقد كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا وكنت أمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيا
وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون. توضيح: قال الجوهري: نهكت
الثوب بالفتح نهكا: لبسته حتى خلق ونهكت من الطعام: بالغت في أكله. ونهكته الحمى
إذا اجهدته وأضنته ونقضت لحمه. وفيه لغة أخرى نهكته الحمى تنهكه نهكا ونهكة. قوله
عليه السلام: " وتركت " أي لم يستأصلكم بل فيكم بعد بقية وهي لعدوكم أنهك لان القتل
في أهل الشام كان أشد استحرارا والوهن [كان] فيهم أظهر. قوله عليه السلام: " وليس
لي أن أحملكم " أي لا قدرة لي عليه وإن كان يجب عليكم اطاعتي. 557 - نهج [و] من
كتاب له عليه السلام إلى أهل الامصار يقص فيه
556 - رواه السيد الرضي رحمه الله في
المختار: (206) من كتاب نهج البلاغة. ورويناه عن مصادر في المختار: (223) من نهج
السعادة: ج 2 ص 254 ط 1.
[307]
ما جرى بينه وبين أهل صفين: وكان بدء
أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد ودعوتنا
في الاسلام واحدة لا نستزيدهم في الايمان بالله والتصديق لرسوله صلى الله عليه وآله
ولا يستزيدوننا الامر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء فقلنا:
تعالوا نداوي مالا يدرك اليوم بإطفاء النائرة وتسكين العامة حتى يشتد الامر ويستجمع
فتقوى على وضع الحق في مواضعه فقالوا: بل نداويه بالمكابرة فأبوا حتى جنحت الحرب
وركدت ووقدت نيرانها وحمشت فلما ضرستنا وإياهم ووضعت مخالبها فينا وفيهم أجابوا عند
ذلك إلى الذي دعوناهم إليه فأجبناهم إلى ما دعوا وسارعناهم إلى ما طلبوا حتى
استبانت عليهم الحجة وانقطعت منهم المعذرة فمن تم على ذلك منهم فهو الذي أنقذه الله
من الهلكة ومن لج وتمادى فهو الراكس الذي ران الله على قلبه وصارت دائرة السوء على
رأسه. توضيح: قوله عليه السلام: " والقوم " عطف على الضمير في " التقينا " [قوله
عليه السلام:] " والظاهر أن ربنا واحد ". قال ابن أبي الحديد: لم يحكم لاهل صفين
بالاسلام بل بظاهره. " ولا نستزيدهم " أي لا نطلب منهم زيادة في الايمان في الظاهر
" حتى يشتد الامر " أي يستحكم بأن يتمهد قواعد الخلافة. وقال الجوهري: جنوح الليل:
إقباله. وركدت أي دامت وثبتت. ووقدت كوعدت أي اشتعلت. وحمشت أي استقرت وثبتت. وروى
" واستحمشت " وهو أصح ذكره ابن أبي الحديد وقال: ومن رواها بالسين المهملة أراد
اشتدت وصلبت.
557 - رواه السيد الرضي قدس الله سره في
المختار: (56) من باب كتب أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب نهج البلاغة.
[308]
وقال الجوهري: أحمشت القدر: أشبعت وقودها.
وقال: الاحمس: الشديد الصلب وقد حمس بالكسر. " فلما ضرستتنا " أي عضتنا بأصراسها
ويقال: ضرسهم الدهر أي اشتد عليهم والضرس: العض بالاضراس ولعل التشديد هاهنا
للمبالغة ويقال: ضرسته الحرب أي جربته وأحكمته. وأنفذت فلانا من الشر واستنقذنه
وتنقذته وانتقذته خلصته. فنقذ كفرح. والركس رد الشئ مقلوبا [و] " ران الله على قلبه
" أي طبع وختم. و [قال الطبرسي] في مجمع البيان: الدائرة هي الراجعة بخير أو شر
ودائرة السوء: العذاب والهلاك. وقال ابن أبي الحديد: السوء المصدر والسوء الاسم
والدوائر أيضا: الدواهي. 558 - نهج [و] من كتاب له عليه السلام إلى معاوية: وإن
البغي والزور يوتغان المرء في دينه ودنياه ويبديان خلله عند من يعيبه وقد علمت أنك
غير مدرك ما قد قضي فواته وقد رام أقوام أمرا بغير الحق فتأولوا على الله فأكذبهم.
فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله ويندم من أمكن الشيطان من قياده فلم
يجاذبه. وقد دعوتنا إلى حكم القرآن ولست من أهله ولسنا إياك أجبنا ولكن أجبنا
القرآن إلى حكمه. بيان يوتغان أي يهلكان وفي بعض النسخ: " يذيعان " أي يظهران سره
ويفضحانه وقال الجوهري: الخلل: فساد في الامر. قوله عليه السلام: " فتأولوا " قال
الراوندي: معناه قد طلب قوم أمر هذه
558 - رواه السيد الرضي رضوان الله عليه
في المختار: (47) من الباب الثاني من كتاب نهج البلاغة.
[309]
الامة فتأولوا القرآن كقوله تعالى: *
(وأولي الامر منكم) * فسموا من نصبوه من الامراء أولى الامر متحكمين على الله
فأكذبهم الله بكونهم ظالمين بغاة ولا يكون الوالي من قبل الله كذلك. وقال ابن ميثم
بغوا على سلطان الله وهي الخلافة الحقة فجعلوا لخروجهم وبغيهم تأويلا وهو الطلب بدم
عثمان ونحوه من الشبه الباطلة فأكذبهم الله بنصره عليهم ورد مقتضى شبههم والاكذاب
كما يكون بالقول يكون بالفعل. وقال ابن أبي الحديد: في بعض النسخ: " فتألوا على
الله " أي حلفوا أي من أقسم تجبرا واقتدارا لافعلن كذا أكذبه الله ولم يبلغه أمله.
وروي " تأولوا على الله " أي حرفوا الكلام عن مواضعه وتعلقوا بشبهة في تأويل القرآن
انتصارا لمذاهبهم فأكذبهم الله بأن ظهر للعقلاء فساد تأويلاتهم والاول أصح. قوله
عليه السلام: يغتبط فيه. أي يتمنى مثل حاله. من أحمد عاقبة عمله أي وجدها محمودة
وقياد الدابة: ما تقاد به. وقال ابن ميثم: كتب عليه السلام هذا الكتاب بعد التحكيم
أو عند إجابته للتحكيم. 559 - شا: من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه حين رجع
أصحابه عن القتال بصفين لما - اغترهم - معاوية برفع المصاحف فانصرفوا عن الحرب: لقد
فعلتم فعلة ضعضعت من الاسلام قواه وأسقطت منته، وأورثت وهنا وذلة، لما كنتم الاعلين
وخاف عدوكم الاجتياح واستحر بهم القتل ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف ودعوكم إلى
ما فيها ليفثؤكم عنها، ويقطعوا الحرب فيما بينكم وبينهم ويتربصوا بكم ريب المنون
خديعة ومكيدة فما أنتم
559 - رواه الشيخ المفيد رحمه الله في
الفصل: (36) من مختار كلام أمير المؤمنين في كتاب الارشاد ص 143. وذكره الطبري في ج
4 من تاريخه ص 40 عن أبي مخنف والحديث التالي رواه أيضا في ص 42 منه.
[310]
إن جامعتموهم على ما أحبوا وأعطيتموهم
الذي سألوا إلا مغرورين وأيم الله ما أظنكم بعدها موافقي رشد ولا مصيبي حزم. بيان:
المنة بالضم: القوة. واستحر القتل: اشتد ذكرهما الجوهري وقال: فثأت القدر: سكت
غليانها بالماء. وفثأت الرجل عني إذا كسرته بقول أو غيره وسكنت غضبه. وريب المنون:
حوادث الدهر. والمنون: الموت أيضا. 560 - شا: ومن كلامه عليه السلام بعد كتب صحيفة
الموادعة والتحكيم وقد اختلف عليه أهل العراق على ذلك فقال: والله ما رضيت ولا
أحببت أن ترضوا فإذا أبيتم إلا أن ترضوا فقد رضيت وإذا رضيت فلا يصلح الرجوع بعد
الرضا ولا التبديل بعد الاقرار إلا أن يعصى الله بنقض العهد ويتعدى كتابه بحل العقد
فقاتلوا حينئذ من ترك أمر الله. وأما الذي أنكرتم على الاشتر من تركه أمري بخط يده
في الكتاب وخلافه ما أنا عليه فليس من أولئك ولا أخافه على ذلك وليت فيكم مثله
إثنين بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوكم ما يرى إذا لخفت علي مؤنتكم ورجوت أن
يستقيم لي بعض أودكم وقد نهيتكم عما أتيتم وعصيتموني فكنت أنا وأنتم كما قال أخو
هوازن: وهل أنا إلا من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشد بيان: قال الجوهري
غزية قبيلة قال دريد بن الصمة وذكر البيت.
560 - رواه الشيخ المفيد رحمه الله في
الفصل: (37) مما اختار من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب الارشاد، ص 143.
وتقدم أيضا هاهنا آخر الصفحة 505 من طبعة الكمباني، وفي هذه الطبعة ص... برواية نصر
في كتاب صفين. ورواه أيضا الطبري في أواخر قصة صفين من تاريخ الامم والملوك: ج 4 ص
42 ط مصر.
[311]
561 - يج شا: قال أمير المؤمنين عليه
السلام عندما رفع أهل الشام المصاحف وشك فريق من أصحابه ولجؤا إلى المسالمة ودعوه
إليها: ويلكم إن هذه خديعة وما يريد القوم القرآن لانهم ليسوا بأهل قرآن فاتقوا
الله وامضوا على بصائركم في قتالهم فإن لم تفعلوا تفرقت بكم السبل وندمتم حيث لا
تنفعكم الندامة. وكان الامر كما قال وكفر القوم بعد التحكيم وندموا على ما فرط منهم
في الاجابة إليه وتفرق بهم السبل وكان عاقبتهم الدمار. 562 - قب: روي في معنى قوله
تعالى: " ومن الناس من يعبد الله على حرف " أنه كان أبو موسى وعمرو. وروي ابن
مردويه بأسانيده عن سويد بن غفلة أنه قال: كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات فقال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن بني إسرائل اختلفوا فلم يزل الاختلاف
بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضال من اتبعهما ولا تنفك أموركم تختلف حتى تبعثوا
حكمين يضلان ويضل من تبعهما. [قال سويد:] فقلت: أعيذك بالله أن تكون أحدهما. قال:
فخلع قميصه
561 - رواه الشيخ المفيد رفع الله مقامه
في الفصل الثاني من فصول إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن الغائبات قبل تحققها
من كتاب الارشاد، ص 165. 562 - رواه ابن شهر أشوب رفع الله مقامه في عنوان "
الحكمين والخوارج " من كتاب مناقب آل أبي طالب: ج 2 ص 363 ط النجف. وقريبا مما رواه
عن سويد بن غفلة، رواه أيضا المسعودي في عنوان " الحكمين ". من كتاب مروج الذهب: ج
2 ص 403 ط مصر. ووجدت في بعض مسوداتي أنه رواه أيضا معنعنا اليعقوبي في تاريخه 0 ج
2 ص 166، ط النجف وفي ط بيروت ص 190، قال: قال ابن الكلبي أخبرني عبد الرحمان بن
حصين، عن سويد... قال: [إني لاساير] أبا موسى الاشعري... وقد ذكرنا للحديث مصادر
أخرى في المختار: (175) من كتاب نهج السعادة: ج 1، ص 625 ط 2، وفي ط 1: ج 2 ص 55.
[312]
وقال: برأني الله من ذلك كما برأني من
قميصي. ولما جرى ليلة الهرير صاحوا: يا معاوية هلكت العرب. فقال: يا عمرو أنفر أو
نستأمن ؟ قال: لنرفع المصاحف على الرماح ونقرأ * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من
الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم [ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون...]) * [23
/ آل عمران] فإن قبلوا حكم القرآن رفعنا الحرب ورافعنا بهم إلى أجل وإن أبا بعضهم
إلا القتال فللنا شوكتهم ويقع بينهم الفرقة وأمر بالنداء [وأن يصرخ فيهم]: فلسنا
ولستم من المشركين ولا المجمعين على الردة فإن تقبلوها ففيها البقاء للفرقتين
وللبلدة وإن تدفعوها ففيها الفناء وكل بلاء إلى مدة ! !. فقال مسعر بن فدكي وزيد بن
حصين الطائي والاشعث بن قيس الكندي: أجب القوم إلى كتاب الله. فقال أمير المؤمنين:
ويحكم والله إنهم ما رفعوا المصاحف إلا خديعة ومكيدة حين علوتموهم. وقال خالد بن
معمر السدوسي: يا أمير المؤمنين أحب الامور إلينا ما كفينا مؤنته وأنشد رفاعة بن
شداد البجلي: وإن حكموا بالعدل كانت سلامة * وإلا أثرناها بيوم قماطر فقصد إليه
عشرون ألف رجل يقولون: يا علي أجب إلى كتاب الله إذا دعيت [إليه] وإلا دفعناك برمتك
إلى القوم أو نفعل بك ما فعلنا بعثمان. قال: فاحفظوا عني مقالتي فإني آمركم بالقتال
فإن تعصوني فافعلوا ما بدا لكم. قالوا: فابعث إلى الاشتر ليأتيك. فبعث [إليه] يزيد
بن هانئ السبيعي يدعوه فقال الاشتر: إني قد رجوت أن يفتح الله [لي] لا تعجلني وشدد
في القتال. فقالوا: حرضته في الحرب فابعث إليه بعزيمتك ليأتيك وإلا والله اعتزلناك
! ! [ف] قال [علي عليه السلام]: يا يزيد عد إليه فقل له: عد إلينا فإن الفتنة قد
وقعت. [فسار إليه يزيد وأبلغه مقال علي عليه السلام] فأقبل الاشتر [وهو] يقول
[313]
لاهل العراق: يا اهل الذل والوهن احين
علوتم القوم وعلموا أنكم لهم قاهرون [ف] رفعوا لكم المصاحف خديعة ومكرا. فقالوا:
قاتلناهم في الله [ونترك قتالهم الان في الله]. فقال: أمهلوني ساعة [فإني] أحسست
بالفتح وأيقنت بالظفر قالوا: لا قال: أمهلوني عدوة فرسي قالوا: إنا لسنا نطيعك ولا
لصاحبك ونحن نرى المصاحف على رؤوس الرماح ندعى إليها. فقال: خدعتم والله فانخدعتم
ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم. فقام جماعة من بكر بن وائل فقالوا: يا أمير المؤمنين
إن أجبت القوم أجبنا وإن أبيت أبينا. فقال عليه السلام: نحن أحق من أجاب إلى كتاب
الله وإن معاوية وعمرا وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك بن قيس
ليسوا بأصحاب دين وقرآن أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالا ورجالا. في كلام له.
فقال أهل الشام: فإنا قد أخترنا عمرا فقال الاشعث وابن الكواء ومسعر الفدكي وزيد
الطائي: نحن اخترنا أبا موسى. فقال أمير المؤمنين: فإنكم قد عصيتموني في أول الامر
فلا تعصوني الآن. فقالوا: إنه قد كان يحذرنا مما وقعنا فيه. فقال أمير المؤمنين:
إنه ليس بثقة قد فارقني وقد خذل الناس [عني] ثم هرب مني حتى آمنته بعد شهر ولكن هذا
ابن عباس أوليه ذلك. قالوا: والله ما نبالي أنت كنت أم ابن عباس ! ! قال: فالاشتر !
قال الاشعث: وهل سعر الحرب غير الاشتر وهل نحن إلا في حكم الاشتر ! ! ! قال الاعمش:
حدثني من رأى عليا عليه السلام يوم صفين يصفق بيديه ويقول: يا عجبا أعصى ويطاع
معاوية ؟ ! وقال: قد أبيتم إلا أبا موسى ؟ قالوا: نعم قال: فاصنعوا ما بدا لكم
اللهم إني أبرء إليك من صنيعهم.
[314]
وقال الاحنف: إذا اخترتم أبا موسى فادفئوا
ظهره فقال خريم بن فاتك الاسدي: لو كان للقوم رأي يرشدون به * أهل العراق رموكم
بابن عباس لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن * لم يدر ما ضرب أسداس وأخماس فلما اجتمعوا
كان كاتب علي عليه السلام عبيدالله بن أبي رافع وكاتب معاوية عمير بن عباد الكلبي
فكتب عبيدالله: هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي
سفيان. فقال عمرو: اكتبوا اسمه واسم أبيه هو أميركم فأما أميرنا فلا. فقال الاحنف:
لا تمح اسم امارة المؤمنين. فقال علي عليه السلام: الله أكبر سنة بسنة ومثل بمثل
وإني لكاتب يوم الحديبية. وروى أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وآله أمر أن
يكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو: هذا كتاب بيننا وبينك فافتحه بما
نعرفه واكتب باسمك اللهم فأمر بمحو ذلك وكتب باسمك اللهم هذا ما اصطلح عليه محمد
رسول الله وسهيل بن عمرو وأهل مكة فقال سهيل: لو أجبتك إلى هذا لاقررت لك بالنبوة
فقال: امحها يا علي فجعل يتلكأ ويأبى فمحاها النبي صلى الله عليه وآله وكتب: هذا ما
اصطلح محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وأهل مكة يقول في كتابه: * (لقد كان لكم في
رسول الله أسوة حسنة) * وروى محمد بن إسحاق عن بريدة بن سفين عن محمد بن كعب أن
النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي: فإن لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد. بيان: " وإلا
أثرناها " أي هيجنا الحرب من أثار الغبار. " بيوم قماطر " بضم القاف أي في يوم شديد
قال الجوهري: يوم قماطر وقمطرير أي شديد. 563 - كش: روت بعض العامة عن الحسن البصري
قال: حدثني
[315]
الاحنف أن عليا عليه السلام كان يأذن لبني
هاشم وكان يأذن لي معهم قال: فلما كتب إليه معاوية إن كنت تريد الصلح فامح عنك اسم
الخلافة. فاستشار بني هاشم فقال له رجل منهم انزح هذا الاسم الذي نرحه الله. قال:
فإن كفار قريش لما كان بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبينهم ما كان وكتب هذا ما
قاضى عليه محمد رسول الله أهل مكة كرهوا ذلك وقالوا: لو نعلم أنك لرسول الله ما
منعناك أن تطوف بالبيت قال: فكيف إذا قالوا: أكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد
الله أهل مكة فرضي. [قال الاحنف:] فقلت لذلك الرجل كلمة فيها غلظة وقلت لعلي: أيها
الرجل والله مالك ما قال رسول الله إنا ما حابيناك في بيعتنا ولو نعلم أحدا في
الارض اليوم أحق بهذا الامر منك لبايعناه ولقاتلناك معه أقسم بالله إن محوت عنك هذا
الاسم الذي دعوت الناس إليه وبايعتهم عليه لا نرجع إليه أبدا. بيان: انزح هذا الاسم
من باب الافعال أي بعد أو على بناء المجرد من نزح البئر يقال: نزحتني أي أنفدت ما
عندي ولعله كان هذا القبيح من القول للتضجر من اضطراب الامر. وقراءته بصيغة الماضي
على الاستفهام الانكاري فيكون المرفوع في الاول والمنصوب في الثاني راجعين إلى
معاوية بعيدة. ويمكن أن يكون بالباء الموحدة والراء المهملة (1) أي عظمه وأكرمه أو
بالياء والجيم أي أظهره فيكون غلظة الاحنف على القائل الثاني.
563 - رواه أبو عمرو الكشي رحمه الله تحت
الرقم: (28) في ترجمة الاحنف بن قيس من رجاله ص 85 ط النجف. والظاهر أنه هو ما رواه
الطبري بسياق أجود في آخر حرب صفين من تاريخه: ج 5 ص 53 ط بيروت قال: حدثني علي بن
مسلم الطوسي قال: حدثنا حبان، قال حدثنا مبارك عن الحسن قال: أخبرني الاحنف... (1)
أي " برحه الله " وهكذا أثبت في تاريخ الطبري في حديثه الذي أشرنا إليه.
[316]
564 - ما: المفيد عن محمد بن عمران عن
محمد بن [موسى عن محمد بن] أبي السرى عن هشام عن أبي مخنف عن عبد الرحمان بن جندب
عن أبيه قال: لما وقع الاتفاق على كتب القصة [القضية " خ ل "] بين أمير المؤمنين
عليه السلام وبين معاوية بن أبي سفيان حضر عمرو بن العاص في رجال من أهل الشام وعبد
الله بن عباس في رجال من أهل العراق فقال أمير المؤمنين عليه السلام للكاتب أكتب
هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. فقال عمرو
بن العاص: أكتب اسمه واسم أبيه ولا تسمه بإمرة المؤمنين فإنما هو أمير هؤلاء وليس
هو بأميرنا. فقال الاحنف بن قيس: لا تمح هذا الاسم فإني أتخوف إن محوته لا يرجع
إليك أبدا. فامتنع أمير المؤمنين عليه السلام [من] محوه فتراجع الخطاب فيه مليا من
النهار فقال الاشعث بن قيس: امح هذا الاسم نزحه الله. فقال أمير المؤمنين عليه
السلام: الله أكبر سنة بسنة ومثل بمثل والله إني لكاتب رسول الله صلى الله عليه
وآله يوم الحديبية وقد أملى على: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو.
فقال له سهيل: امح رسول الله فإنا لا نقر لك بذلك ولا نشهد لك به اكتب اسمك واسم
أبيك فامتنعت من محوه فقال النبي صلى الله عليه وآله: امحه يا علي وستدعى في مثلها
فتجيب وأنت على مضض. فقال عمرو [بن العاص]: سبحان الله ومثل هذا يشبه بذلك ونحن
مؤمنون وأولئك كانوا كفارا ؟ ! فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا ابن النابغة
ومتى لم تكن للفاسقين
564 - رواه الشيخ الطوسي رفع الله مقامه
في الحديث: (18) من الجزء السابع من أماليه: ج 1، ص 190، ط بيروت. ورواه أيضا
الطبري عن أبي مخنف في آخر قضية صفين من تاريخه: ج 5 ص 52 ط بيروت.
[317]
وليا وللمسلمين عدوا وهل تشبه إلا أمك
التي دفعت بك فقال عمرو بن العاص: لا جرم لا يجمع بيني وبينك مجلس أبدا فقال أمير
المؤمنين عليه السلام: والله إني لارجو أن يطهر الله مجلسي منك ومن أشباهك ثم كتب
الكتاب وانصرف الناس. 565 فس: في قصحة الحديبية قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
يا علي إنك أبيت أن تمحوا اسمي من النبوة فو الذي بعثني بالحق نبيا لتجيبن أبناءهم
إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد. فلما كان يوم صفين ورضوا بالحكمين كتب هذا ما اصطلح
عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان فقال عمرو بن العاص: لو
علمنا أنك أمير المؤمنين ما حاربناك ولكن أكتب: هذا ما اصطلح عليه علي بن أبي طالب
ومعاوية بن أبي سفيان فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه صدق الله وصدق رسوله
أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك. بيان: المضض وجع المصيبة. 566 - ل: فيما
أجاب به أمير المؤمنين عليه السلام اليهودي السائل عما فيه من خصال الاوصياء قال
عليه السلام: وأما السادسة يا أخا اليهود فتحكيمهم ومحاربة ابن آكلة الاكباد وهو
طليق بن طليق معاند لله عزوجل ولرسوله وللمؤمنين منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه
وآله إلى أن فتح الله عليه مكة عنوة فأخذت بيعته وبيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم
وفي ثلاثة مواطن بعده وأبوه بالامس أول من سلم علي بإمرة المؤمنين وجعل يحثني على
النهوض في أخذ حقي من الماضين قبلي يجدد لي بيعته كلما أتاني. وأعجب العجب أنه لما
رآى ربي تبارك وتعالى قد رد إلي حقي وأقره في معدنه وانقطع طمعه أن يصير في دين
الله رابعا وفي أمانة حملناها حاكما كر على
565 - رواه علي بن إبراهيم في تفسيره. 566
- رواه الشيخ الصدوق رفع الله مقامه في الحديث: (58) من باب السبعة من كتاب الخصال:
ج 1، ص 364 ط 2.
[318]
العاصي بن العاص فاستماله فمال إليه ثم
أقبل به بعد إذ أطمعه مصر وحرام عليه أن يأخذ من الفئ دون قسمه درهما وحرام على
الراعي إيصال درهم إليه فوق حقه فأقبل يخبط البلاد بالظلم ويطأها بالغشم فمن بايعه
أرضاه ومن خالفه ناواه. ثم توجه إلي ناكثا علينا مغيرا في البلاد شرقا وغربا ويمينا
وشمالا والانباء تأتيني والاخبار ترد علي بذلك. فأتاني أعور ثقيف فأشار علي أن
أوليه البلاد التي هو بها لاداريه بما أوليه عنها وفي الذي أشار به الرأي في أمر
الدنيا لو وجدت عند الله عزوجل في توليته لي مخرجا وأصبت لنفسي في ذلك عذرا فأعملت
الرأي في ذلك وشاورت من أثق بنصيحته لله عزوجل ولرسوله صلى الله عليه وآله ولي
وللمؤمنين فكان رأيه في ابن آكلة الاكباد كرأيي ينهاني عن توليته ويحذرني أن أدخل
في أمر المسلمين يده ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا فوجهت إليه أخا بجيلة
مرة وأخا الاشعريين مرة كلاهما ركن إلى الدنيا وتابع هواه فيما أرضاه فلما لم أره
يزداد فيما انتهك من محارم الله إلا تماديا شاورت من معي من أصحاب محمد صلى الله
عليه وآله البدريين والذين ارتضى الله عزوجل أمرهم ورضي عنهم بعد بيعتهم وغيرهم من
صلحاء المسلمين والتابعين فكل يوافق رأيه رأيي في غزوه ومحاربته ومنعه مما نالت معه
يده. وإني نهضت إليه بأصحابي أنفذ إليه من كل موضع كتبي وأوجه إليه رسلي وأدعوه إلى
الرجوع عما هو فيه والدخول فيما فيه الناس معي فكتب [إلي] يتحكم علي ويتمنى علي
الاماني ويشترط علي شروطا لا يرضاها الله عزوجل ورسوله ولا المسلمون ويشترط في
بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أبرارا فيهم عمار بن
ياسر وأين مثل عمار ؟ والله لقد رأيتنا مع النبي صلى الله عليه وآله ما يعد منا
خمسة إلا كان سادسهم ولا أربعة إلا كان خامسهم اشترط دفعهم إليه ليقتلهم ويصلبهم
وانتحل دم عثمان ولعمر والله ما ألب على عثمان ولا جمع الناس على قتلة إلا هو
وأشباهه من
[319]
أهل بيته أغصان الشجرة الملعونة في
القرآن. فلما لم أجب إلى ما اشترط من ذلك كر مستعليا في نفسه بطغيانه وبغيه بحمير
لا عقول لهم ولا بصائر فموه لهم أمرا فاتبعوه وأعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه
فناجزناهم وحاكمناهم إلى الله عزوجل بعد إلا عذار والانذار. فلما لم يزده ذلك إلا
تماديا وبغيا لقيناه بعادة الله التي عودنا من النصر على أعدائه وعدونا وراية رسول
الله بأيدينا لم يزل الله تبارك وتعالى يفل حزب الشيطان بها حتى يقضي الموت عليه
وهو معلم رايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله في كل
المواطن فلم يجد من الموت منجا إلا الهرب فركب فرسه وقلب رايته ولا يدري كيف يحتال.
فاستعان برأي ابن العاص فأشار عليه بإظهار المصاحف ورفعها على الاعلام والدعاء إلى
ما فيها وقال ان ابن أبي طالب وحزبه أهل بصائر ورحمة وبقيا وقد دعوك إلى كتاب الله
أولا وهم مجيبوك إليه آخرا فأطاعه فيما أشار به عليه إذ رأى أنه لا منجا له من
القتل أو الهرب غيره فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه. فمالت إلى المصاحف قلوب
من بقي من أصحابي بعد فناء خيارهم وجهدهم في جهاد أعداء الله وأعدائهم على بصائرهم
فظنوا أن ابن آكلة الاكباد له الوفاء بما دعا إليه فأصغوا إلى دعوته وأقبلوا
بأجمعهم في إجابته فأعلمتهم أن ذلك منه مكر ومن ابن العاص معه وأنهما إلى النكث
أقرب منهما إلى الوفاء فلم يقبلوا قولي ولم يطيعوا أمري وأبوإلا إجابته كرهت أم
هويت شئت أو أبيت حتى أخذ بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بابن عفان أو إدفعوه
إلى ابن هند برمته. فجهدت - علم الله جهدي ولم أدع علة في نفسي إلا بلغتها - في أن
يخلوني ورأيي فلم يفعلوا وراودتهم على الصبر على مقدار فواق الناقة أو ركضة الفرس
فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ - وأومئ بيده إلى الااشتر - وعصبة من أهل بيتي فو الله
ما منعنى أن أمضى على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذان
[320]
- وأومئ بيده إلى الحسن والحسين - فينقطع
نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وذريته من أمته ومخافة أن يقتل هذا وهذا وأومئ
بيده إلى عبد الله بن جعفر ومحمد بن الحنفية رضي الله عنهما (1) فإني أعلم لولا
مكاني لم يقفا ذلك الموقف فلذلك صبرت على ما أراد القوم مع ما سبق فيه من علم الله
عزوجل. فلما رفعنا عن القوم سيوفنا تحكموا في الامور وتخيروا الاحكام والآراء
وتركوا المصاحف وما دعوا إليه من حكم القرآن وما كنت أحكم في دين الله أحدا إذ كان
التحكيم في ذلك الخطأ الذي لا شك فيه ولا امتراء. فلما أبوا إلا ذلك أردت أن أحكم
رجلا من أهل بيتي أو رجلا ممن أرضى رأيه وعقله وأثق بنصيحته ومودته ودينه وأقبلت لا
أسمي أحدا الا امتنع منه ابن هند ولا أدعوه إلى شئ من الحق إلا أدبر عنه، وأقبل ابن
عند يسومنا عسفا وما ذاك إلا باتباع أصحابي له على ذلك. فلما أبوإلا غلبتي على
التحكيم تبرأت إلى الله عزوجل منهم وفوضت ذلك إليهم فقلدوه إمرءا فخدعه ابن العاص
خديعة ظهرت في شرق الارض وغربها وأظهر المخدوع عليها ندما. بيان [قوله عليه
السلام:] " وفي أمانة حملناها " إشارة إلى أن الامانة في قوله تعالى * (إنا عرضنا
الامانة) * هي الخلافة كما مر وسيأتي وكونه حاكما أن
(1) قد ذكرنا في بعض تحقيقاتنا أن إرجاع
الاشارة في قوله عليه السلام ثانيا: " هذا وهذا " إلى ابن جعفر وابن الحنفية من سهو
الرواة، إذ لو كان لامير المؤمنين عليه السلام ملا الدنيا مثل عبد الله بن جعفر
ومحمد بن الحنفية لكان يفادي بهم في سبيل الله ويحارب بهم أعداء الله ولو يهلكون في
تلك الحروب ويقطع شافتهم ! ! ! وأما الحسن والحسين عليهما السلام بما أنهما كانا
غصني شجرة النبوة ونسل رسول الله منحصر فيهما وهما أبو الأئمة من ذرية رسول الله
فأمير المؤمنين كان مأمورا بحفظهما ووقايتهما عن التلف حتى لا ينقطع نسل رسول الله
صلى الله عليه وآله عن صفحة العالم كي يتم بهم حجة الله على الاولين والآخرين.
[321]
يكون بمشورته وكون الامر شورى كما كان
يظهر كثيرا " وخبط البعير الارض بيده خبطا " ضربها ومنه قيل: خبط عشواء وهي الناقة
التي في بصرها ضعف تخبط إذا مشت لا تتوقى شيئا. والغشم: الظلم. ويقال: أبقيت على
فلان إذا رعيت عليه ورحمته والاسم منه البقيا قاله الجوهري وقال: الرمة: قطعة من
الحبل بالية ومنه قولهم: دفع إليه الشئ برمته وأصله أن رجلا دفع إلى رجل بعيرا بحبل
في عنقه فقيل ذلك لكل من دفع شيئا بجملته. ويقال: سامه خسفا أي أورده عليه والعسف:
الاخذ على غير الطريق والظلم. 567 - كتاب سليم بن قيس: قال أمير المؤمنين عليه
السلام للحكمين حين بعثهما: احكما بكتاب الله وسنة نبيه وإن كان فيهما حز حلقي فإنه
من قادها إلى هؤلاء فإن نيتهم أخبث. فقال له رجل من الانصار وفي رواية أخرى فلقيه
صديق له من الانصار فقال: ما هذا الانتشار الذي بلغني عنك ؟ ما كان أحد من الامة
أضبط للامر منك فما هذا الاختلاف والانتشار فقال له علي عليه السلام: أنا صاحبك
الذي تعرف إلا أني قد بليت بأخابث من خلق الله أريدهم على الامر فيأبون فإن تابعتهم
على ما يريدون تفرقوا عني. بيان: الحز بالحاء المهملة القطع والقرض. " فإنه من
قادها " أي الخلافة. 568 - نهج [و] من خطبة له عليه السلام: بعد التحكيم: الحمد لله
وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدث الجليل، وأشهد أن لا
567 - الحديث موجود في كتاب سليم بن قيس.
لكن لم نعثر عليه مع مراجعة فهرس الكتاب. وقريبا منه رواه البلاذري مسندا في
الحديث: (403) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الاشراف: ج 2 ص 333 ط 1. 568 - رواه
السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار: (33) من نهج البلاغة. وللخطبة أسانيد
ومصادر كثيرة يجد الباحث بعضها في المختار: (259) من نهج السعادة: ج 2 ص 356 ط 1.
[322]
لا إله إلا الله لا شريك له ليس معه إله
غيره، وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله. أما بعد فإن معصية الناصح الشفيق
العالم المجرب تورث الحسرة وتعقب الندامة وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري ونخلت
لكم مخزون رأيي لو كان يطاع لقصير أمر فأبيتم علي اباء المخالفين الجفاة والمنابذين
العصاة حتى ارتاب الناصح بنصحه وضن الزند بقدحه فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن.
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى * فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد بيان: الخطب الامر
العظيم. والفادح: الثقيل. وقال الجوهري: المجرب الذي قد جربته الامور وأحكمته فإن
كسرت الراء جعلته فاعلا إلا أن العرب تكلمت به بالفتح. قوله عليه السلام: " ونخلت "
أي أخلصت وصفيت من نخلت الدقيق بالمنخل. قوله عليه السلام: " لو كان يطاع... " يطاع
هو مثل يضرب لمن خالف ناصحه وأصل المثل أن قصيرا كان مولى لجذيمة بن الابرش بعض
ملوك العرب وقد كان جذيمة قتل أبا الزبا ملكة الجزيرة فبعثت إليه ليتزوج بها خدعة
وسألته القدوم عليها فأجابها إلى ذلك وخرج في ألف فارس وخلف باقي جنوده مع ابن أخته
وقد كان قصير أشار عليه بأن لا يتوجه إليها فلم يقبل فلما قرب الجزيرة استقبلته
جنود الزبا بالعدة ولم ير منهم إكراما له فأشار عليه قصير بالرجوع وقال: من شأن
النساء الغدر فلم يقبل فلما دخل عليها قتلته فعندها قال قصير: لا يطاع لقصير أمر.
فصار مثلا لكل ناصح عصى. وقال ابن ميثم: وقد يتوهم أن جواب لو هاهنا مقدم والحق أن
جوابها محذوف والتقدير: إني أمرتكم ونصحت لكم فلو أطعتموني لفعلتم ما أمرتكم به.
قوله عليه السلام: " فأبيتم " إلى آخره في تقدير استثناء لنقيض التالي وتقديره:
لكنكم أبيتم علي إباه المخالفين انتهى.
[323]
ولعل الانسب على تقدير الجواب أن يقال: لو
أطعتموني لما أصابتكم حسرة وندامة أو لكان حسنا ونحوهما ويحتمل أن يكون [لو] للتمني
فلا يحتاج إلى تقدير جواب على بعض الاقوال. وقال في القاموس: الانتباذ: التنحي
وتحيز كل من الفريقين في الحرب كالمنابذة. قوله عليه السلام: " حتى ارتاب الناصح "
لعله محمول على المبالغة أي لو كان ناصح غيري لارتاب. قوله عليه السلام: " وضن
الزند بقدحه " الزند: العود الذي يقدح به النار. قيل هو مثل يضرب لمن يبخل بفوائده
إذا لم يجد لها قابلا عارفا بحقها. وأخو هوازن هو الدريد بن الصمة والبيت من قصيدة
له في الحماسة وقصته أن أخاه عبد الله بن الصمة غزا بني بكر بن هوازن فغنم منهم
واستاق إبلهم فلما كان بمنعرج اللوى قال: والله لا أبرح حتى أنحر النقيعة وهي ما
ينحر من النهب قبل القسمة فقال أخوه: لا تفعل فإن القوم في طلبك وأبى عليه وأقام
ونحر النقيعة وبات فلما أصبح هجم القوم عليه وطعن عبد الله بن الصمة فاستغاث بأخيه
دريد فنهنه عنه القوم حتى طعن هو أيضا وصرع وقتل عبد الله وحال الليل بين القوم
فنجا دريد بعد طعنات وجراح فأنشد القصيدة ومطابقة المثل للمضرب ظاهرة. 569 - أقول:
وجدت في بعض نسخ نهج البلاغة من خطبة له عليه السلام في شأن الحكمين وذم أهل الشام:
جفاة طغام عبيد أقزام جمعوا من كل أوب وتلقطوا من كل شوب ممن ينبغي أن يفقه ويؤدب
ويعلم ويدرب ويولى عليه ويؤخذ على يديه ليسوا من المهاجرين والانصار ولا من الذين
تبؤوا الدار.
569 - الخطبة مذكورة قبل انقضاء باب الخطب
من نهج البلاغة بأربعة أرقام وشرحها ابن أبي الحديد وابن ميثم رحمه الله.
[324]
ألا وإن القوم اختاروا لانفسهم أقرب القوم
مما يحبون وإنكم احترتم لانفسكم أقرب القوم مما تكرهون وإنما عهدكم بعبدالله بن قيس
بالامس يقول إنها فتنة فقطعوا أوتاركم وشيموا سيوفكم. فإن كان صادقا فقد أخطأ
بمسيره غير مستكره، وإن كان كاذبا فقد لزمته التهمة فادفعوا في صدر عمرو بن العاص
بعبدالله بن العباس وخذوا مهل الايام وحوطوا قواصي الاسلام ألا ترون إلى بلادكم
تغزى وإلى صفاتكم ترمى. بيان: لم يتعرض له الشراح وفي القاموس: القزم محركة:
الدناءة والقمائة أو صغر الجسم في الجمال وصغر الاخلاق في الناس ورذال الناس،
للواحد والجمع والذكر والانثى وقد يثنى ويجمع ويذكر ويؤنث يقال: رجل قزم ورجال
أقزام وككتاب: اللئام. وككتف وجبل: الصغير الجثة اللئيم لا غناء عنده. وقال: الاوب:
الطريق والجهة. والشوب الخلط اي من أخلاط الناس. قوله عليه السلام: " ويولى عليه "
أي هم من السفهاء الذين ينبغي أن يتولى أمورهم غيرهم من الاولياء والحكام. وفي
القاموس: شام سيفه يشيمه: غمده واستله ضد. وقال: المهل ويحرك والمهلة بالضم:
السكينة والرفق ومهله تمهيلا: أجله. والمهل محركة: التقدم في الخير. وأمهله: أنظره
ولعل المعنى اغتنموا المهلة واشتغلوا بحفظ البلاد القاصية وثغور المسلمين عن غارات
الكافرين والمنافقين. ولعل رمي الصفاة كناية عن طمعهم فيما لم يكونوا يطمعون قبل
ذلك فإن الرمي على الصفاة وهي الحجر الاملس لا يؤثر وقد مر قريب منه في كلامه عليه
السلام.
[325]
[الباب الثاني والعشرون] باب اخبار النبي
صلى الله عليه وآله بقتال الخوارج وكفرهم 570 - ما: المفيد عن ابن قولويه عن أبيه
عن سعد عن أبي الجوزاء عن ابن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن
الحسين بن علي: عن أمير المؤمنين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي إن
الله تعالى أمرني أن أتخذك أخا ووصيا فأنت أخي ووصيي وخليفتي على أهلي في حياتي
وبعد موتي من اتبعك فقد تبعني ومن تخلف عنك فقد تخلف عني ومن كفر بك فقد كفر بي ومن
ظلمك فقد ظلمني يا علي أنت مني وأنا منك يا علي لولا أنت لما قوتل أهل النهر قال:
فقلت يا رسول الله ومن أهل النهر ؟ قال: قوم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من
الرمية. بيان: قال في النهاية في حديث الخوارج: " يمرقون من الدين مروق السهم من
الرمية " أي يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه كما يمرق السهم الشئ المرمي به ويخرج منه،
وقد تكرر في الحديث ومنه حديث علي عليه السلام
570 - رواه شيخ الطائفة في الحديث: (43)
من الجزء السابع من كتاب الامالي: ج 1، ص 203 ط بيروت.
[326]
" أمرت بقتال المارقين " يعني الخوارج.
وقال في الرمية بعد ذكر الحديث: الرمية الصيد الذي ترميه فتقصده وينفذ فيها سهمك.
وقيل هي كل دابة مرمية. 571 - ما: جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن جعفر بن ملاس
النميري عن محمد بن إسماعيل بن علية. قال: وحدثني أبو عيسى جبير بن محمد الدقاق عن
عمار بن خالد الواسطي عن إسحاق بن يوسف الازرق عن الاعمش: عن عبد الله بن ابي اوفى
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الخوارج كلاب اهل النار. 572 - يج: روى أبو
سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قسم يوما قسما فقال رجل من تميم: اعدل ! !
فقال: ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل قيل نضرب عنقه ؟ قال: لا إن له أصحابا يحقر أحدكم
صلاته وصيامه مع صلاتهم وصيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية رئيسهم رجل
أدعج أحد ثدييه مثل ثدي المرأة. قال أبو سعيد: إني كنت مع علي حين قتلهم والتمس في
القتلى بالنهروان فأتي به على النعت الذي نعته رسول الله صلى الله عليه وآله. 573 -
قب: تفسير القشيري وإبانة العكبري عن سفيان عن الاعمش عن سلمة بن كهيل عن أبي
الطفيل إنه سأل ابن الكوا أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى: * (هل ننبئكم
بالاخسرين أعمالا) * الآية [103 / الكهف: 18] فقال عليه السلام إنهم أهل حرورا ثم
قال * (الذين ضل
571 - رواه الشيخ الطوسي رحمه الله في
الحديث: (36) من الجزء (17) من أماليه: ج 1، ص 500. 572 - رواه القطب الراوندي رحمه
الله في كتاب الخرائج. 573 - ذكره ابن شهر اشوب رفع ازلله مقامه في أواسط عنوان: "
فصل في الحكمين والخورج " من كتاب مناقب آل أبي طالب: ج 2 ص 368 ط النجف.
[327]
سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم
يحسنون صنعا) * في قتال علي بن أبي طالب عليه السلام: * (أولئك الذين كفروا بربهم
ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاءهم جهنم بما كفروا) *
بولاية علي عليه السلام واتخذوا آيات القرآن * (ورسلي) * يعني محمدا صلى الله عليه
وآله * (هزوا) *. استهزؤا بقوله: * (ألا من كنت مولاه فعلي مولاه) * وأنزل في
أصحابه: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات [كانت لهم جنات الفردوس نزلا]) * الآيات
[103 - 108 / الكهف: 18] فقال ابن عباس نزلت في أصحاب الجمل. تفسير الفلكي أبو
أمامة قال: [قال] النبي صلى الله عليه وآله في قوله تعالى: * (يوم تبيض وجوه تسود
وجوه فأما الذين اسودت وجوههم) * الآية هم الخوارج. البخاري ومسلم والطبري والثعلبي
في كتبهم أن ذالخو يصرة التميمي قال للنبي: اعدل بالسوية. فقال: ويحك إن أنا لم
أعدل قد خنت وخسرت فمن يعدل ؟ فقال عمر: إئذن لي أضرب عنقه. فقال: دعه فإن له
أصحابا وذكر وصفه فنزل: " ومنهم من يلمزك في الصدقات ". مسند أبي يعلى الموصلي
وإبانة ابن بطة العكبري وعقد ابن عبد ربه الاندلسي وحلية أبي نعيم الاصفهاني وزينة
أبي حاتم الرازي وكتاب أبي بكر الشيرازي أنه ذكر [رجل] بين يدي النبي بكثرة العبادة
فقال النبي صلى الله عليه وآله لا أعرفه فإذا هو قد طلع فقالوا: هو هذا فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: أما إني أرى بين عيينه سفعة من الشيطان فما رآه قال له: هل
حدثتك نفسك إذ طلعت علينا أنه ليس في القوم أحد مثلك قال: نعم ثم دخل المسجد فوقف
يصلي. فقال النبي صلى الله عليه وآله: ألا رجل يقتله فحسر أبو بكر عن ذراعيه وصمد
نحوه فرآه راكعا [فرجع] فقال: اقتل رجلا يركع ويقول: لا إله إلا الله فقال عليه
السلام: اجلس فلست بصاحبه.
[328]
ثم قال: الا رجل يقتله فقام عمر فرآه
ساجدا فقال: اقتل رجلا يسجد ويقول: لا إله إلا الله. فقال النبي: اجلس فلست بصاحبه
قم يا علي فإنك أنت قاتله [إن أدركته] فمضى وانصرف وقال له: ما رأيته فقال النبي
صلى الله عليه وآله: لو قتل لكان أول فتنة وآخرها (1). وفي رواية هذا أول قرن يطلع
في أمتي لو قتلتموه ما اختلف بعدي إثنان. وقال أبي وأنس بن مالك فأنزل الله تعالى *
(ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي) * [وهو] القتل * (ونذيقه يوم
القيامة عذاب الحريق) * [9 / الحج: 22] بقتاله علي بن أبي طالب عليه السلام. بيان:
قال في النهاية: السفعة نوع من السواد مع لون آخر ومنه حديث أبي اليسر: أرى في وجهك
سفعة من غضب أي تغيرا إلى السواد. وفي حديث أم سلمة أنه دخل عليها وعندها جارية بها
سفعة فقال: إن بها نظرة فاسترقوا لها أي علامة من الشيطان أو ضربة واحدة منه وهي
المرة من السفع: الاخذ.
(1) ورواه أحمد بن حنبل في مسند أبي سعيد
الخدري من مسنده: ج 3 ص 15. ورواه عنه وعن البزار، وعن أبي يعلى بأسانيدهم ابن كثير
في الحديث السادس مما أورده حول الخوارج في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من
تاريخ البداية والنهاية: ج 7 ص 298 ط بيروت دار الفكر. ورواه ابن حجر عن مسند أبي
يعلى في عنوان: " ذو الثدية " وترجمتها من كتاب الاصابة: ج 1، ص 484. ورواه العلامة
الاميني رحمه الله في عنوان: " تهالك الخليفة على المبدأ " من كتاب الغدير: ج 7 ص
216 ط بيروت نقلا عن حلية الاولياء: ج 2 ص 317، وج 3 ص 227، وعن ثمار القلوب -
للثعالبي - ص 232، وعن أحمد في كتاب المسند: ج 3 ص 15، وعن تاريخ ابن كثير: ج 7 ص
298 وعن الاصابة: ج 1 ص 484. ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (36) من
نهج البلاغة: ج 2 ص 265 ط مصر، وفي ط الحديث ببيروت: ج 1، ص 459.
[329]
ومنه حديث ابن مسعود قال لرجل رآه: إن
بهذا سفعة من الشيطان فقال له الرجل: لم أسمع فما قلت ؟ فقال: أنشدتك الله هل ترى
أحدا خيرا منك ؟ قال: لا. قال: فلهذا قلت ما قلت. جعل ما به من العجب مسا من
الجنون. 574 - كشف: ذكر الامام أبو داود سليمان بن الاشعث في مسنده المسمى بالسنن
يرفعه إلى أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
سيكون في أمتي اختلاف وفرقة قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل يقرؤن القرآن لا يجاوز
تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية هم شر الخلق طوبى لمن قتلهم
وقتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شئ من قاتلهم كان أولى بالله منهم. ونقل
مسلم بن حجاج في صحيحه ووافقه أبو داود بسندهما عن زيد بن وهب أنه كان في الجيش
الذين كانوا مع علي عليه السلام قال [فقال] علي: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول: يخرج قوم من أمتي يقرؤن القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشئ
ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشئ ولا صيامكم إلى صيامهم بشئ يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم
وهو عليهم لا يجاوز قراءتهم تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لو
يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل وآية ذلك أن
فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع على عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض [أ] فتذهبون
إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم والله إني لارجو
أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام
574 - رواه الاربلي رحمه الله في فضائل
علي عليه السلام قبيل قوله: " وأما تفصيل العلوم فمنه ابتداؤها وإليه تنسب " من
كتاب كشف الغمة: ج 1 ص 128، ط بيروت. والحديث رواه أبو داود - مع أخبار أخر في ذم
الخوارج - في آخر كتاب السنة قبيل كتاب الادب تحت الرقم: (4768) من سننه: ج 2 ص 545
وفي ط دار الفكر: ج 4 ص 244.
[330]
وأغاروا على سرح الناس فسيرو. قال سلمة:
فنزلني زيد بن وهب منزلا منزلا حتى قال: مررنا على قنطرة فلما التقينا وعلى الخوارج
يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي فقال لهم: القوا الرماح وسلوا السيوف من جفونها فإني
أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم أيام حروراء. فرجعوا فوحشوا برماحهم وسلوا السيوف
وشجرهم الناس بالرماح قال: وقتل بعضهم على بعض وما أصيب يومئذ من الناس إلا رجلان.
فقال علي عليه السلام: التمسوا فيهم المخدج وهو الناقص فلم يجدوه فقام علي عليه
السلام بنفسه حتى أتى ناسا وقد قتل بعضهم على بعض قال: أخرجوهم [فأخرجوهم] فوجدوه
مما يلي الارض فكبر ثم قال: صدق الله وبلغ رسوله. قال: فقام إليه عبيدة السلماني
فقال: يا أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو أسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى
الله عليه وآله ؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو حتى استخلفه ثلاثا وهو يحلف له.
575 - مد: من الجمع بين الصحيحن من إفراد مسلم مثله. بيان أقول: رواه [أيضا بن
الاثير] في جامع الاصول من صحيح مسلم وأبي داود عن زيد بن وهب. لنكلوا عن العمل أي
امتنعوا وتركوه اتكالا على هذا العمل وثوابه. فنزلني زيد بن وهب أي ذكر القصة منزلا
منزلا وقال الاربلي رحمه الله: يقال: وحش الرجل إذا رمى بثوبه وسلاحه مخافة أن
يلحق. وفي النهاية: أتى النبي صلى الله عليه وآله بمخدج أي ناقص الخلق.
575 - أنظر الحديث (862) في الفصل الاخير
- وهو فصل [ذكر] شئ من الاحداث [الواقعة] بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -
من كتاب العمدة ص 242
[331]
والتشاجر بالرماح: التطاعن بها. 576 - كشف
ونقل البخاري ومسلم ومالك في الموطأ أن أبا سعيد الخدري قال: أشهد أني لسمعت هذا من
رسول الله صلى الله عليه وآله وأشهد أن علي بن أبي طالب عليه السلام قاتلهم وأنا
معه وأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد وأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله
عليه وآله الذي نعت. ونقل البخاري والنسائي ومسلم وأبو داود في صحاحهم قال سويد بن
غفلة: قال علي عليه السلام: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله حديثا فو
الله لان اخر من السماء لاحب إلي من أن أكذب عليه. وفي رواية: من أن أقول عليه ما
لم يقل وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة وإني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وآله يقول: سيخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الاسنان سفهاء الاحلام يقولون من
قول خير البرية يقرؤون القرآن لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق
السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله
يوم القيامة. أقول: أورد [ابن الاثير] الخبرين في (جامع الاصول) من الاصول المذكورة
[ج 10، ص 82، ط دار الفكر. بيروت]. و [رواه] ابن بطريق من صحيح البخاري بسندين. 577
- كشف: ومن مناقب أحمد بن مردويه عن [ابن] أبي اليسر الانصاري
576 - رواه الاربلي رحمه الله في فضائل
علي عليه السلام قبيل العنوان المتقدم الذكر آنفا من كتاب كشف الغمة: ج 1، ص 129.
577 - رواه الاربلي رفع الله مقامه في فضائل علي عليه السلام - قبيل عنوان: " وصف
زهده " عليه السلام " في الدنيا وسنته في رفضها... " - من كتاب كشف الغمة: ج 1، ص
158، ط بيروت. ولقصة الخوارج مصادر وأسانيد كثيرة يجد الباحث كثيرا منها تحت الرقم:
(167)
[332]
أبيه قال: دخلت على أم المؤمنين عائشة
قال: فقالت: من قتل الخارجية ؟ قال قلت قتلهم علي قالت ما يمنعني الذي في نفسي على
علي أن أقول الحق سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يقتلهم خير أمتي من
بعدي. وسمعته يقول: علي مع الحق والحق مع علي عليه السلام. ومنه عن مسروق قال: دخلت
على عائشة فقالت لي: من قتل الخوارج ؟ فقلت: قتلهم علي عليه السلام قال: فسكتت قال:
فقلت يا أم المؤمنين أنشدك بالله وبحق نبيه صلى الله عليه وآله إن كنت سمعت من رسول
الله صلى الله عليه وآله شيئا أخبرتنيه ؟ قال: فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وآله يقول: هو شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأعظمهم عند الله تعالى
يوم القيامة وسيلة. ومنه عن مسروق [قال:] قالت لي عائشة: يا مسروق إنك من أكرم بني
علي وأحبهم إلي فهل عندك علم من المخدج ؟ قال: قلت نعم قتله علي على نهر يقال
لاسفله تامراء وأعلاه النهروان بين أخاقيق وطرفاء قال: فقالت: فائتني معك بمن يشهد
قال فأتيتها بسبعين رجلا من كل سبع عشرة - وكان الناس إذ ذاك أسباعا - فشهدوا عندها
أن عليا عليه السلام قتله على نهر يقال لاسفله تامراء وأعلاه النهروان بين أخاقيق
وطرفاء قالت: لعن الله عمرو بن العاص فإنه كتب إلي أنه قتله على نيل مصر قال: قلت
يا أم المؤمنين أخبريني أي شئ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيهم ؟ قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق
والخليقة وأقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة. ومنه عن مسروق أيضا من حديث آخر حيث
شهد عندها الشهود فقالت:
وما بعده من كتاب خصائص أمير المؤمنين
عليه السلام - للنسائي - ص 301 ط بيروت، وفي أواخر الباب: (53) تحت الرقم: (213)
وما بعده من السمط الاول من فرائد السمطين: ج 1، ص 274 ط بيروت، وتحت الرقم: (261)
وما حوله من نهج السعادة: ج 2 ص 366 وما حولها ط 1.
[333]
قاتل الله عمرو بن العاص فإنه كتب إلي أنه
أصابه بمصر ! ! ! قال يزيد بن زياد: فحدثني من سمع عائشة وذكر عندها أهل النهر
فقالت: ما كنت أحب أن يوليه الله إياه ! قالوا ولم ذلك ؟ قالت: إني سمعت من رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول: اللهم إنهم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي وما كان بيني
وبينه إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها. وبالاسناد عنه أنها قالت أكتب لي شهادة من
شهد مع علي النهروان فكتبت شهادة سبعين ممن شهدوا ثم أتيتها بالكتاب فقلت: يا أم
المؤمنين لم استشهدت ؟ قالت: إن عمرو بن العاص أخبر أنه أصابه على نيل مصر. قال:
[فقلت:] يا أم المؤمنين أسألك بحق الله وحق رسوله صلى الله عليه وآله وحقي عليك إلا
ما أخبرتيني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله فيه ؟ قالت: إن نشدتني فإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق
والخليقة وأقربهم عند الله وسيلة. وفي [حديث] آخر عنه أنها سألته فأخبرها أن عليا
قتلهم فقالت أنظر ما تقول ؟ قلت: والله لهو قتلهم فقالت مثل ما تقدم وزادت فيه
وإجابة دعوة. وأورده صديقنا العز المحدث الحنبلي الموصلي أيضا. وقد ورد هذا عن
مسروق عن عائشة بعدة طرق اقتصرنا على ما أوردناه. توضيح: قال الاربلي المصنف رحمه
الله الاخاقيق شقوق في الارض وفي الحديث وقصت به ناقته في أخاقيق جرذان وقال
الاصمعي إنما هو لخاقيق. جمع لخقوق. وقال الازهري: هي صحيحة كما جاءت في الحديث
أخاقيق. وذكر نحوه ابن الاثير في النهاية. 578 - مد: بإسناده إلى أحمد بن حنبل من
مسنده بإسناده إلى علي بن أبي طالب عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: إن قوما يمرقون
[334]
من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية
يقرأون القرآن لا يجوز تراقيهم طوبى لن قتلهم وقتلوه. وبإسناده عن عاصم بن كليب عن
أبيه قال: كنت جالسا عند علي عليه السلام فقال: إني دخلت على رسول الله صلى الله
عليه وليس عنده أحد إلا عائشة فقال: يا ابن أبي طالب كيف أنت وقوم كذا وكذا ؟ قال:
قلت: الله ورسوله أعلم قال: قوم يخرجون من المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فيهم رجل مخدوج اليد كأن يديه ثدي حبشية.
وبإسناده عن طارق بن زياد قال: سار علي عليه السلام إلى النهروان فقتل الخوارج
فقال: اطلبوا المخدج فإني النبي صلى الله عليه وآله قال سيجئ قوم يتكلمون بكلمة
الحكمة لا يجاوز حلوقهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم أو فيهم
رجل أسود مخدج اليد في ثديه شعرات سود فإن كان فيهم فقد قتلتم شر الناس وإن لم يكن
فيهم فقد قتلتم خير الناس. قال: ثم إنا وجدنا المخدج فخررنا سجدا وخر علي عليه
السلام ساجدا معنا. وبإسناده عن أبي الوضئ قال: شهدت عليا حين قتل أهل النهروان
قال: التمسوا المخدج فطلبوه في القتلى فقالوا: ليس نجده فقال: ارجعوا فالتمسوه فو
الله ما كذبت ولا كذبت فردد ذلك مرارا كل ذلك يحلف بالله لا كذبت ولا كذبت فانطلقوا
فوجدوه تحت القتلى في طين فاستخرجوه فجئ به فقال أبوالوضئ فكأني أنظر إليه حبشيا
عليه ثديان أحد ثدييه مثل ثدي المرأة عليها شعرات مثل شعرات تكون على ذنب اليربوع.
578 - 579 - رواهما يحيى بن الحسن بن
البطريق رفع الله مقامه مسندة في الفصل الاخير من كتاب العمدة ص 231.
[335]
وبإسناد آخر إلى أبي الوضئ قال: كنا
غائرين إلى الكوفة مع علي بن أبي طالب عليه السلام فلما بلغنا مسيرة ليلتين أو ثلاث
شذ منا ناس كثير فذكرنا ذلك لعلي عليه السلام فقال: لا يهولنكم أمرهم فإنهم سيرجعون
فذكر الحديث بطوله وقال: فحمد الله علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: إن خليلي
أخبرني أن قائد هؤلاء رجل مخدج اليد على حلمة ثديه شعرات كأنهن ذنب اليربوع.
فالتمسوه فلم يجدوه فأتيناه فقلنا لم نجده فجاء علي عليه السلام بنفسه فجعل يقول:
اقلبوا ذا اقلبوا ذا حتى جاء رجل من أهل الكوفة فقال: هو ذا فقال علي عليه السلام:
الله أكبر ولا ينبئكم أخبر من الله قال فجعل الناس يقولون هذا ملك هذا ملك لقول علي
عليه السلام. وبسند آخر عنه أنه قال: أما إن خليلي أخبرني أنهم ثلاثة أخوة من الجن
هذا أكبرهم والثاني له جمع كثير والثالث فيه ضعف. 579 - مد من صحيح البخاري بإسناده
عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقسم قسما
إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال يا رسول الله إعدل ! ! فقال: ويلك من
يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إذا لم أكن أعدل. فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي
فيه أضرب عنقه فقال له: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع
صيامهم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية
ينظر أحدكم إلى نصله فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر
إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شئ قد سبق الفرث
والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على
خير فرقة من الاسلام. قال أبو سعيد الخدري: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله
[336]
صلى الله عليه وآله وأشهد أن علي بن أبي
طالب عليه السلام قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه
على نعت رسول الله صلى الله عليه وآله الذي نعنه. وروي أيضا بإسناده عن أبي سلمة
مثله. بيان: أورد [ابن الاثير] الخبر في جامع الاصول [ج 10، ص 83] وقال: الرصاف:
العقب الذي يكون فوق مدخل النصل في السهم واحدها رصفة. وقال في النهاية في حديث
الخوارج: " فينظر في نضيه " النضي: نصل السهم وقيل: هو السهم قبل أن ينحت إذا كان
قدحا وهو أولى لانه قد جاء في الحديث ذكر النصل بعد النضي وقيل: هو من السهم ما بين
الريش والنصل قالوا: سمى نضيا لكثرة البري والنحت فكأنه جعل نضوا أي هزيلا وقال:
القذذ ريش السهم واحدتها قذة. وفي جامع الاصول: الفرث: السرجين وما يكون في الكرش.
وفي النهاية في حديث ذي الثدية: " مثل البضعة تدردر " أي ترجرج تجئ وتذهب والاصل
تتدردر فحذف إحدى التائين تخفيفا. 580 - مد: من صحيح البخاري بإسناده عن عمرو بن
مصعب قال: سألت أبي عن قوله تعالى: * (قل: هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا) * [103 /
الكهف: 18] قال هم الحرورية لا هم اليهود ولا هم النصارى أما اليهود فكذبوا محمدا
صلى الله عليه وآله وأما النصارى فكفروا بالجنة وقالوا:
580 - رواه ابن البطريق رحمه الله في
الحديث: (850) في الفصل الاخير من كتاب العمدة ص 238. ورواه البخاري في الحديث ما
قبل الاخير من تفسير سورة الكهف من كتاب التفسير: ج 6 ص 117، ط دار إحياء التراث
العربي. والحديثان التاليان رواهما أيضا البخاري في " باب قتل الخوارج والملحدين...
" من كتاب استتابة المرتدين من صحيحه: ج 9 ص 20 - 21.
[337]
لا طعام فيها ولا شراب والحرورية هم الذين
ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان سعد يسميهم الفاسقين. ومن الكتاب المذكور في
قول الله عزوجل * (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) *
[15 / التوبة: 9] قال: كان ابن عمر يراهم شرار خلق الله تعالى وقال: إنهم انطلقوا
إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. وبإسناده أيضا عن ابن عمر قال: ذكر
الحرورية فقال: قال النبي صلى الله عليه وآله يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من
الرمية. 581 مد من تفسير الثعلبي بإسناده عن أبي الطفيل: قال: سأل عبد الله بن
الكواء عليا عليه السلام عن قول الله عزوجل: " قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا " قال
أنتم يا أهل حروراء " وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " أي يظنون بفعلهم أنهم مطيعون
محسنون " أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم
القيامة وزنا ". وبإسناده أيضا عن عبد الله بن شداد قال: وقف أبو أمامة وأنا معه
على رؤوس الحرورية بالشام عند باب حصن دمشق فقال لهم: كلاب كلاب مرتين أو ثلاثا شر
قتلى يظل السماء وخير قتلى قتلاهم ودمعت عين [عينا " خ ل "] أبي أمامة قال فقال
رجل: رأيت قولك لهؤلاء القتلى شر قتلى يظل السماء وخير قتلى قتلاهم أشئ من قبل رأي
رأيته أو شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله قال [أيكون] من قبل رأي رأيته !
إني إذا لجرئ لو لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وآله إلا مرة أو مرتين حتى عد
سبع مرات ما حدثت به فقال الرجل: فإني رأيتك دمعت عيناك قال: هي رحمة رحمتهم كانوا
مؤمنين فكفروا بعد إيمانهم. ثم قرء: " فلا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما
جاءهم البينات " إلى قوله: " أكفرتم بعد إيمانكم " [105 - 106 / آل عمران: 3] [ثم]
قال أبو أمامة: هم الحرورية.
581 - انظر تفسير الآية: (103) من سورة
الكهف من تفسير الثعلبي.
[338]
بيان: " وخير قتلى قتلاهم " أي الذين هم
قتلوهم. 582 - مد: ذكر الثعلبي في تفسير قوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا لا
تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا) * [118 / آل عمران: 3] بإسناده عن أبي
أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: هم الخوارج. 583 - مد: من الجمع بين
الصحيحين للحميدي بإسناده عن عبد الله بن أبي رافع أن الحرورية لما خرجت على علي بن
أبي طالب عليه السلام قالوا: لا حكم إلا لله. قال علي عليه السلام: كلمة حق أريد
بها باطل إن رسول الله صلى الله عليه وآله وصف لنا ناسا إني لاعرف صفتهم في هؤلاء
يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز تراقيهم وأشار إلى حلقه من أبغض خلق الله [إليه] منهم
أسود إحدى يديه لحى شاة أو حلمة ثدي. فلما قتلهم علي بن أبي طالب عليه السلام قال:
انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا فقال: ارجعوا فو الله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو
ثلاثا ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه فقال عبد الله وأنا حاضر ذلك
من أمرهم وقول علي عليه السلام فيهم. ومن الكتاب المذكور من المتفق عليه من البخاري
بإسناده عن بشر بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في الحرورية
شيئا قال: سمعته يقول وأهوى بيده قبل العراق: يخرج منه قوم يقرأون القرآن لا يتجاوز
تراقيهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية. وفي حديث العوام بن حوشب يليه
قوم قبل المشرق محلقة رؤوسهم. 584 - وقال ابن أبي الحديد: قد تظاهرت الاخبار حتى
بلغت حد التواتر بما وعد
582 - وليراجع تفسير الآية: (118) من سورة
آل عمران من تفسير الثعلبي. 583) ولهذا الحديث مصادر وقد رواه الخطيب في ترجمة
عبيدالله بن أبي رافع تحت الرقم: (5453) من تاريخ بغداد: ج 10، ص 305. 584 - رواه
ابن أبي الحديد في شرح المختار: (36) من نهج البلاغة: ج 1 ص 458 ط
[339]
الله تعالى قاتلي الخوارج من الثواب على
لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وفي الصحاح المتفق عليها أن رسول الله صلى الله
عليه وآله بينا هو يقسم قسما إذ جاءه رجل من بني تميم يدعى ذا الخويصرة فقال: اعدل
يا محمد فقال صلى الله عليه وآله قد عدلت فقال له ثانية: اعدل يا محمد فإنك لم فقال
صلى الله عليه وآله: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل. فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول
الله. ائذن - لي - أضرب عنقه فقال: دعه فسيخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين كما
يمرق السهم من الرمية ينظر أحدكم إلى نصله فلا يجد شيئا فينظر إلى نضيه [فلا يجد
شيئا] ثم ينظر إلى القذذ فكذلك سبق الفرث والدم يخرجون على خير فرقة من الناس يحقر
صلاتكم في جنب صلاتهم وصومكم عند صومهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم آيتهم رجل
أسود أو [قال:] أدعج مخدج اليد إحدى ثدييه كأنها ثدي إمرأة أو بضعة تدردر. وفي بعض
الصحاح: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لابي بكر وقد غاب الرجل عن عينه: قم
إلى هذا فاقتله فقام ثم عاد وقال: وجدته يصلي ! ! ! فقال لعمر مثل ذلك فعاد وقال:
وجدته يصلي ! ! فقال لعلي عليه السلام مثل ذلك فقال لم أجده. فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله: لو قتل هذا لكان أول فتنة وآخرها أما أنه سيخرج من ضئضئ هذا.
الحديث. وفي بعض الصحاح: يقتلهم أولى الفريقين بالحق. وفي مسند أحمد بن حنبل عن
مسروق قال: قالت لي عائشة: انك من ولدي ومن أحبهم إلي فهل عندك علم من المخدج ؟
فقلت: نعم قتله علي بن أبي طالب عليه السلام على نهر يقال لاعلاه تامراء ولاسفله
النهروان بين لخاقيق وطرفاء قالت: ابغني على ذلك بينة فأقمت رجالا شهدوا عندها بذلك
قال فقلت لها: سألتك بصاحب القبر ما الذي سمعت من رسول الله صلى
الحديث ببيروت، وفي ط الحديث بمصر: ج 2 ص
265.
[340]
الله عليه وآله فيهم ؟ قال: نعم سمعته
يقول: انهم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم عند الله وسيلة.
وفي كتاب صفين للواقدي عن علي عليه السلام: لولا أن تبطروا فتدعوا العمل لحدثتكم
بما سبق على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله لمن قتل هؤلاء. وفيه قال علي عليه
السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يخرج في آخر الزمان قوم أحداث
الاسنان سفهاء الاحلام قولهم من خير أقوال البرية صلاتهم أكثر من صلاتكم وقراءتهم
أكثر من قراءتكم لا يجاوز إيمانهم تراقيهم أو قال: حناجرهم يمرقون من الدين كما
يمرق السهم من الرمية فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة وفي كتاب صفين
أيضا للمدائني عن مسروق أن عائشة قالت له لما عرفت أن عليا قتل ذا الثدية: لعن الله
عمرو بن العاص فإنه كتب إلي يخبرني أنه قتله بالاسكندرية ألا إنه ليس يمنعني ما في
نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يقتله خير أمتي من
بعدي. 585 - أقول: وروى في جامع الاصول تلك الاخبار والاخبار السابقة بأسانيد. وروى
عن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي عليه السلام وهو باليمن إلى النبي صلى الله عليه
وآله بذهيبة في تربتها فقسمها بين أربعة الاقرع بن حابس وعيينة بن بدر الفزاري
وعلقمة بن علاثة العامري وزيد بن الخيل الطائي فتغضبت قريش والانصار فقالوا: يعطيه
صناديد أهل نجد ويدعنا ! ! ! قال: إنما أتألفهم فأقبل رجل غائر العينين ناتي الجبين
كث اللحية مشرف
585 - ذكره ابن الاثير في كتاب الفتن في
حرف الفاء في عنوان: " الخوارج " تحت الرقم: (7549) وما بعده من كتاب جامع الاصول:
ج 10، ص 76 - 93 ط دار الفكر.
[341]
الوجنتين محلوق الرأس فقال: يا محمد اتق
الله. قال: فمن يطيع الله إذا عصيته أفيأمنني على أهل الارض ولا تأمنوني ؟ فقال رجل
من القوم: أقتله أراه خالد بن الوليد فمنعه فلما ولى قال: إن من ضئضئ هذا قوما
يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الاسلام مروق السهم من الرمية يقتلون أهل
الاسلام ويدعون أهل الاوثان لان أدركتهم لاقتلنهم قتل عاد. وفي رواية أخرى: قيل: ما
سيماهم ؟ قال: سيماهم التحليق - أو قال التسبيد - فإذا رأيتموهم فأنيموهم. بيان:
قال [ابن الاثير] في [مادة " ضأضأ " من كتاب] النهاية بعد ذكر بعض الخبر: الضئضئ:
الاصل يقال: ضئضئ صدق وضؤضؤ صدق. وحكى بعضهم ضئضئ بوزن قنديل يريد أنه يخرج من نسله
وعقبه. ورواه بعضهم بالصاد المهملة وهو بمعناه. وقال في الحديث الخوارج: " التسبيد
فيهم فاش " هو الحلق واستيصال الشعر. وقيل: هو ترك التدهن وغسل الرأس. وقال:
أنيموهم أي اقتلوهم. ويقال: نامت الشاة وغيرها إذا ماتت والنائمة الميتة. أقول:
الاخبار في ذلك في كتب الخاصة والعامة كثيرة تركناها مخافة الاكثار والتكرار. 586 -
كتاب الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي بإسناده عن أبي عمران الكندي قال: قال ابن
الكواء لامير المؤمنين عليه السلام: من الاخسرون أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة
الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. قال: كفرة أهل الكتاب فإن أوليهم كانوا في حق
فابتدعوا في دينهم فأشركوا بربهم وهم يجتهدون في العبادة يحسبون أنهم على شئ فهم
الاخسرون أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
586 - وانظر الحديث: (86) من كتاب
الغارات: ج 1، ص 180.
[342]
ثم رفع صوته وقال: وما أهل النهروان غدا
منهم ببعيد. قال ابن الكواء: لا اتبع سواك ولا أسأل غيرك قال: إذا كان الامر إليك
فافعل. الخبر.
[343]
[الباب الثالث والعشرون] باب قتال الخوارج
واحتجاجاته صلوات الله عليه 587 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: روى ابن ديزيل
في كتاب صفين عن عبد الرحمان بن زياد عن خالد بن حميد عن عمر مولى غفرة قال: لما
رجع علي عليه السلام من صفين إلى الكوفة أقام الخوارج حتى جموا ثم خرجوا إلى صحراء
بالكوفة تسمى حروراء فتنادوا: لا حكم إلا لله ولو كره المشركون ألا إن معاوية وعليا
أشركا في حكم الله. فأرسل علي عليه السلام إليهم عبد الله بن العباس فنظر في أمرهم
وكلمهم ثم رجع إلى علي عليه السلام فقال له: ما رأيت ؟ فقال ابن عباس: والله ما
أدري ما هم ؟ فقال عليه السلام أرأيتهم منافقين ؟ فقال: والله ما سيماهم سيماء
منافقين إن بين أعينهم لاثر السجود [وهم] يتأولون القرآن. فقال عليه السلام: دعوهم
ما لم يسفكوا دما أو يغصبوا مالا وأرسل إليهم: ما هذا الذي أحدثتم وما تريدون ؟
قالوا: نريد أن نخرج نحن وأنت
578 - رواه ابن أبي الحديد في شرح
المختار: (40) من نهج البلاغة من شرحه: ج 1، ص 490 ط الحديث ببيروت، وفي ط الحديث
بمصر: ج 2 ص 310. (*)
[344]
ومن كان معنا بصفين ثلاث ليال ونتوب إلى
الله من أمر الحكمين ثم نسير إلى معاوية فنقاتله حتى يحكم الله بيننا وبينه فقال
علي عليه السلام: فهلا قلتم هذا حين بعثنا الحكمين وأخذنا منهم العهد وأعطيناهموه
ألا قلتم هذا حينئذ قالوا: كنا قد طالت الحرب علينا واشتد البأس وكثر الجراح وكل
الكراع والسلاح ! ! فقال لهم: أفحين اشتد البأس عليكم عاهدتم فلما وجدتم الجمام
قلتم ننقض العهد ؟ ! ! إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يفي للمشركين بالعهد
أفتأمرونني بنقضه ؟ فمكثوا مكانهم لا يزال الواحد منهم يرجع إلى علي عليه السلام
ولا يزال الآخر منهم يخرج من عند علي عليه السلام فدخل واحد منهم على علي عليه
السلام بالمسجد والناس حوله فصاح: لا حكم إلا لله ولو كره المشركون فتلفت الناس
فنادى: لا حكم إلا لله ولو كره المتلفتون ! ! فرفع علي عليه السلام رأسه إليه فقال:
لا حكم إلا لله ولو كره أبو حسن فقال عليه السلام: إن أبا حسن لا يكره أن يكون
الحكم لله ثم قال: حكم الله انتظر فيكم. فقال له الناس: هلا ملت يا أمير المؤمنين
على هؤلاء فأفنيتهم ؟ فقال: إنهم لا يفنون إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى
يوم القيامة. قال: وروى أنس بن عياض المدني عن جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عن
جده عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان يوما يؤم الناس وهو يجهر بالقراءة فجهر
ابن الكواء من خلفه: * (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك
ولتكونن من الخاسرين) * فلما جهر ابن الكواء من خلفه بها سكت علي عليه السلام فلما
أنهاها ابن الكواء عاد علي عليه السلام فأتم قراءته فلما شرع علي عليه السلام في
القراءة أعاد ابن الكواء الجهر بتلك الآية فسكت علي عليه السلام فلم يزالا كذلك
يسكت هذا ويقرأ ذاك مرارا حتى قرأ علي عليه السلام * (فاصبر إن وعد الله حق ولا
يستخفنك الذين لا يوقنون) * فسكت ابن الكواء وعاد علي عليه السلام إلى
[345]
قراءته. قال: وذكر الطبري في التاريخ (1)
أن عليا عليه السلام لما دخل الكوفة دخلها معه كثير من الخوارج وتخلف منهم بالنخيلة
وغيرها خلق كثير لم يدخلوها فدخل حرقوص بن زهير السعدي وزرعة بن برج الطائي وهما من
رؤوس الخوارج على علي عليه السلام فقال له حرقوص: تب من خطيئتك واخرج بنا إلى
معاوية نجاهده. فقال عليه السلام: إني كنت نهيت عن الحكومة فأبيتم ثم الآن تجعلوها
ذنبا ؟ أما إنها ليست بمعصية ولكنها عجز من الرأي وضعف في التدبير وقد نهيتكم عنه.
فقال له زرعة: أما والله لئن لم تتب من تحكيمك الرجال لاقتلنك أطلب بذلك وجه الله
ورضوانه. فقال له علي عليه السلام: بؤسا لك ما أشقاك كأني بك قتيلا تسفي عليك
الرياح ! ! قال زرعة: وددت أنه كان ذلك. وخرج علي عليه السلام يخطب الناس فصاحوا به
من جوانب المسجد: لا حكم إلا لله. وصاح به رجل: " ولقد أوحي إليك وإلى الذين من
قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ". فقال علي عليه السلام: " فاصبر
إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ". وروى ابن ديزيل في كتاب صفين قال
كانت الخوارج في أول ما
(1) هذا وما بعده رواه ابن أبي الحديد في
شرح المختار: (36) من نهج البلاغة من شرحه: ج 1، ص 461 ط الحديث ببيروت. والحديث
رواه الطبري في اواخر حوادث سنة: (36) من تاريخه: ج 4 ص 52 ط مصر: ورواه ايضا
البلاذري - مع كثير مما تقدم ويأتي - في الحديث: (426) وما حوله من ترجمة أمير
المؤمنين عليه السلام من كتاب أنساب الاشراف: ج 2 ص 355 ط 1. ويجد الباحث شواهد
كثيرة للمطالب المتقدمة في المختار: (255) وما حوله من كتاب نهج السعادة: ج 2 ص 340
ط 1.
[346]
انصرفت عن رايات علي عليه السلام تهدد
الناس قتلا قال: فأتت طائفة منهم على النهر إلى جنب قرية فخرج منها رجل مذعورا آخذا
بثيابه فأدركوه فقالوا له: أرعبناك ؟ قال: أجل فقالوا: قد عرفناك أنت عبد الله بن
خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قال: نعم قالوا: فما سمعت من أبيك يحدث عن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فحدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن
فتنة جائية القاعد منها خير من القائم الحديث. وقال غيره: بل حدثهم أن طائفة تمرق
من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقرؤن القرآن صلاتهم أكثر من صلاتكم الحديث.
فضربوا رأسه فسال دمه في النهر ما إمذقر أي ما اختلط بالماء كأنه شراك ثم دعوا
بجارية له حبلى فبقروا عما في بطنها. وقال: عزم علي عليه السلام الخروج من الكوفة
إلى الحرورية وكان في أصحابه منجم فقال له: يا أمير المؤمنين لا تسر في هذ الساعة
وسر على ثلاث ساعات مضين من النهار فإنك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك
أذى وضر شديد وإن سرت في الساعة التي أمرتك بها ظهرت وظفرت وأصبت ما طلبت. فقال له
[علي عليه السلام:] أتدري ما في بطن فرسي هذه أذكر هو أم أنثى قال: إن حسبت علمت.
فقال عليه السلام: من صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن قال الله تعالى: * (إن الله عنده
علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام) * [34 / لقمان] الآية ثم قال عليه
السلام: إن محمدا صلى الله عليه وآله ما كان يدعي علم ما ادعيت علمه أتزعم أنك تهدي
إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها وتصرف عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار
فيها فمن صدقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله عزوجل في صرف المكروه عنه وينبغي
للموقن بأمرك أن يوليك الحمد دون الله جل جلاله لانك بزعمك هديته إلى الساعة التي
يصيب النفع من سار فيها وصرفته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن آمن بك
في هذا لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ
[347]
من دون الله ضدا وندا اللهم لا طير إلا
طيرك ولا ضير إلا ضيرك ولا إله غيرك. ثم قال:: نخالف ونسير في الساعة التي نهيتنا
عنها ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس إياكم والتعلم للنجوم إلا ما يهتدى به في
ظلمات البر والبحر إنما المنجم كالكاهن والكاهن كالكافر والكافر في النار أما والله
إن بلغني أنك تعمل بالنجوم لاخلدنك السجن أبدا ما بقيت ولاحرمنك العطاء ما كان لي
سلطان. ثم سار في الساعة التي نهاه عنها المنجم فظفر بأهل النهر وظهر عليهم ثم قال:
لو لم نسر في الساعة التي نهانا عنها المنجم لقال الناس: سار في الساعة التي أمر
بها المنجم فظفر وظهر أما إنه ما كان لمحمد صلى الله عليه وآله منجم ولا لنا من
بعده حتى فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر أيها الناس توكلوا على الله وثقوا به فإنه
يكفي ممن سواه. قال فروى مسلم الضبي عن حبة العرني قال: لما انتهينا إليهم رمونا
فقلنا لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين قد رمونا فقال كفوا ثم رمونا فقال لنا
كفوا ثم الثالثة فقال: الآن طاب القتال احملوا عليهم. وروى أيضا عن قيس بن سعد بن
عبادة أن عليا عليه السلام لما انتهى إليهم قال لهم: أقيدونا بدم عبد الله بن خباب
فقالوا: كلنا قتله فقال: احملوا عليهم. وذكر أبو هلال العسكري في كتاب الاوائل أن
أول من قال: لا حكم إلا لله عزوجل عروة بن حبير (1) قالها بصفين وقيل: [أول من
قالها] يزيد بن عاصم المحاربي قال: وكان أميرهم أول ما اعتزلوا ابن الكوا ثم بايعوا
عبد
(1) كذا في أصلي، وفي ط الحديث ببيروت من
شرح المختار: (36) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: (عروة بن حذير ".
[348]
الله بن وهب الراسبي. وذكر المدائني في
كتاب الخوارج قال: لما خرج علي عليه السلام إلى أهل النهر أقبل رجل من أصحابه ممن
كان على مقدمته يركض حتى انتهى إلى علي فقال: البشرى يا أمير المؤمنين قال: ما
بشراك ؟ قال: إن القوم عبروا النهر لما بلغهم وصولك فأبشر فقد منحك الله أكتافهم.
فقال: الله أنت رأيتهم قد عبروا ؟ قال: نعم فأحلفه ثلاث مرات في كلها يقول نعم فقال
عليه السلام: والله ما عبروا ولن يعبروه وإن مصارعهم لدون النطفة والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة لن يبلغوا الا ثلاث ولا قصر بوران حتى يقتلهم الله وقد خاب من افترى.
قال: ثم أقبل فارس آخر يركض فقال كقول الاول فلم يكترث عليه السلام بقوله وجاءت
الفرسان كلها تركض وتقول مثل ذلك فقام علي عليه السلام فجال في متن فرسه قال: فقال
شاب من الناس: والله لاكونن قريبا منه فإن كانوا عبروا النهر لاجعلن سنان هذا الرمح
في عينيه أيدعي علم الغيب ؟ ! فلما انتهى علي إلى النهر وجد القوم قد كسروا جفون
سيوفهم وعرقبوا خيلهم وجثوا على ركبهم وتحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل. فنزل
ذلك الشاب فقال: يا أمير المؤمنين إني كنت شككت فيك آنفا وإني تائب إلى وإليك الله
فاغفر لي فقال عليه السلام إن الله هو الذي يغفر الذنوب فاستغفره. وذكر المبرد في
الكامل قال: لما واقفهم علي عليه السلام بالنهروان قال: لا تبدؤهم بقتال حتى يبدؤكم
فحمل منهم رجل على صف علي عليه السلام فقتل منهم ثلاثة فخرج إليه عليه السلام فضربه
فقتله فلما خالطه سيفه قال: يا حبذا الروحة إلى الجنة فقال عبد الله بن وهب: والله
ما أدري إلى الجنة أم إلى النار.
[349]
فقال رجل منهم من بني سعد: إنما حضرت
اغترارا بهذا الرجل - يعني عبد الله وأراه قد شك واعتزل عن الحرب بجماعة من الناس.
وما ألف منهم إلى جهة أبي أيوب الانصاري وكان على ميمنة علي عليه السلام فقال
لاصحابه: احملوا عليهم فو الله لا يقتل منكم عشرة ولا يسلم منهم عشرة. فحمل عليهم
فطحنهم طحنا [و] قتل من أصحابه عليه السلام تسعة وأفلت من الخوارج ثمانية. وذكر
المبرد وغيره أيضا أن أمير المؤمنين عليه السلام لما وجه إليهم عبد الله بن العباس
ليناظرهم قال لهم: ما الذي نقمتم على أمير المؤمنين قالوا له: قد كان للمؤمنين
أميرا فلما حكم في دين الله خرج من الايمان فليتب بعد إقراره بالكفر نعد إليه. قال
ابن عباس: ما ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه بشك أن يقر على نفسه بالكفر. قالوا: إنه
أمر بالتحكيم. قال: إن الله أمر بالتحكيم في قتل صيد فقال " يحكم به ذوا عدل منكم "
[95 / المائدة] فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين ؟ فقالوا: إنه قد حكم عليه فلم
يرض. قال: إن الحكومة كالامامة ومتى فسق الامام وجبت معصيته وكذلك الحكمان لما
خالفا نبذت أقاويلهما. فقال بعضهم لبعض: اجعلوا احتجاج قريش حجة عليهم فإن هذا من
الذين قال الله فيهم: * (بل هم قوم خصمون) * [58 / الزخرف] وقال جل ثناؤه: * (وتنذر
به قوما لدا) * [97 / مريم]. وقال المبرد: أول من حكم عروة بن أدية وقيل رجل من بني
محارب يقال له سعيد. ولم يختلفوا في اجتماعهم على عبد الله بن وهب الراسبي وأنه
امتنع عليهم وأومى إلى غيره فلم يرضوا إلا به فكان إمام القوم وأول سيف سل من سيوف
الخوارج سيف عروة بن أدية وذاك إنه أقبل على الاشعث فقال له: ما هذه الدنية يا أشعث
وما هذا التحكيم أشرط أوثق من شرط الله عزوجل ؟ ثم شهر عليه السيف والاشعث مول فضرب
به عجز بغلته. وعروة [هذا] من الذين نجوا من حرب النهروان فلم يزل باقيا مدة في
[350]
أيام معاوية حتى أتي به زياد ومعه مولى له
فسأله عن أبي بكر وعمر فقال خيرا فسأله عن عثمان وأبي تراب فتولى عثمان ست سنين من
خلافته ثم شهد عليه بالكفر وفعل في أمر علي عليه السلام مثل ذلك إلى أن حكم ثم شهد
عليه بالكفر ثم سأله عن معاوية فسبه سبا قبيحا ثم سأله عن نفسه فقال له: أو لك
لزنية وآخرك لدعوة وأنت بعد عاص لربك. فأمر به [زياد] فضرب عنقه ثم دعا مولاه فقال
له: صف لي أموره قال: أطنب أم أختصر ؟ قال: بل اختصر. قال: ما أتيته بطعام بنهار
[قط] ولا فرشت له فراشا بليل قط. قال: وسبب تسميتهم الحرورية أن عليا عليه السلام
لما ناظرهم بعد مناظرة ابن عباس إياهم كان فيما قال لهم: ألا تعلمون أن هؤلاء القوم
لما رفعوا المصاحف قلت لكم إن هذه مكيدة ووهن ولو أنهم قصدوا إلى حكم المصاحف
لاتوني وسألوني التحكيم أفتعلمون أن أحدا كان أكره للتحكيم مني قالوا صدقت قال: فهل
تعلمون أنكم استكرهتموني على ذلك حتى أجبتكم إليه فاشترطت أن حكمها نافذ ما حكما
بحكم الله فمتى خالفاه فأنا وأنتم من ذلك براء وأنتم تعلمون أن حكم الله لا يعدوني
قالوا اللهم نعم. قال: وكان معهم في ذلك الوقت ابن الكواء قال: وهذا من قبل أن
يذبحوا عبد الله بن خباب وإنما ذبحوه في الفرقة الثانية بكسكر فقالوا له: حكمت في
دين الله برأينا ونحن مقرون بأنا كنا كفرنا ولكنا الآن تائبون فأقر بمثل ما أقررنا
به وتب ننهض معك إلى الشام. فقال: أما تعلمون أن الله تعالى قد أمر بالتحكيم في
شقاق بين الرجل وامرأته فقال سبحانه: * (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) *
[35 / النساء: 4] وفي صيد أصيب كإرنب يساوي نصف درهم فقال: " يحكم به ذوا عدل منكم
" فقالوا له: فإن عمرا لما أبى عليك أن تقول في كتابك: " هذا ما كتبه عبد الله علي
أمير المؤمنين " محوت اسمك من الخلافة وكتبت " علي بن أبي طالب " فقد خلعت نفسك.
[351]
فقال: لي برسول الله صلى الله عليه وآله
أسوة حين أبى عليه سهيل بن عمرو أن يكتب " هذا ما كتبه محمد رسول الله وسهيل بن
عمرو " وقال له: لو أقررت بأنك رسول الله صلى الله عليه وآله ما خالفتك ولكني أقدمك
لفضلك فاكتب " محمد بن عبد الله " فقال لي: يا علي امح رسول الله صلى الله عليه
وآله قلت لا تشجعني نفسي على محو اسمك من النبوة قال: فقفني عليه فمحاه بيده ثم
قال: اكتب " محمد بن عبد الله " ثم تبسم إلي وقال يا علي أما إنك ستسام مثلها فتعطى
فرجع معه منهم ألفان من حروراء وقد كانوا تجمعوا بها فقال لهم علي: ما نسميكم ثم
قال: أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء. وروى أهل السير كافة أن عليا عليه السلام
لما طحن القوم طلب ذا الثدية طلبا شديدا وقلب القتلى ظهرا لبطن فلم يقدر عليه فساءه
ذلك وجعل يقول والله ما كذبت ولا كذبت اطلبوا الرجل وإنه لفي القوم فلم يزل يتطلبه
حتى وجده وهو رجل مخدج اليد كأنها ثدي في صدره. وروى ابن ديزيل عن الاعمش عن زيد بن
وهب قال: لما شجرهم علي عليه السلام بالرماح قال: اطلبوا ذا الثدية فطلبو. طلبا
شديدا حتى وجدوه في وهدة من الارض تحت ناس من القتلى فأتي به وإذا رجل على يديه مثل
سبلات السنور فكبر علي عليه السلام وكبر الناس معه سرورا بذلك. وروى أيضا عن مسلم
الضبي عن حبة العرني قال: كان رجلا أسود منتن الريح له يد كثدي المرأة إذا مدت كانت
بطول اليد الاخرى وإذا تركت اجتمعت وتقلصت وصارت كثدي المرأة عليها شعرات مثل شوارب
الهرة فلما وجدوه قطعوا يده ونصبوها على رمح ثم جعل علي عليه السلام ينادي صدق الله
وبلغ رسوله لم يزل يقول ذلك هو وأصحابه بعد العصر إلى أن غربت الشمس أو كادت. وروى
أيضا أنه قال: لما عيل صبر علي عليه السلام في طلب المخدج قال: ائتوني ببغلة رسول
الله صلى الله عليه وآله فركبها واتبعه الناس فرأى
[352]
القتلى وجعل يقول: اقلبوا فيقلبون قتيلا
عن قتيل حتى استخرجه فسجد علي عليه السلام. وروى كثير من الناس أنه لما دعى بالبغلة
قال: ائتوني بها فإنها هادية فوقفت به على المحدج فأخرجه من تحت قتلى كثيرين. وروى
العوام بن حوشب عن أبيه عن جده يزيد بن رويم قال: قال علي عليه السلام يقتل اليوم
أربعة آلاف من الخوارج أحدهم ذو الثدية فلما طحن القوم ورام استخراج ذي الثدية
فأتعبه أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة فركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله
وقال: اطرح على كل قتيل منهم قصبة فلم أزل كذلك وأنا بين يديه وهو راكب خلفي والناس
يتبعونه حتى بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه وإذا وجهه أربد وإذا هو يقول: والله ما
كذبت ولا كذبت فإذا خرير ماء عند موضع دالية فقال: فتش هذا ففتشته فإذا قتيل قد صار
في الماء وإذا رجله في يدي فجذبتها وقلت هذه رجل إنسان فنزل عن البلغة مسرعا فجذب
الرجل الاخرى وجررناه حتى صار على التراب فإذا هو المخدج فكبر علي عليه السلام
بأعلى صوته ثم سجد فكبر الناس كلهم. وقد روى كثير من المحدثين أن النبي صلى الله
عليه وآله لاصحابه يوما: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله
فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله قال: لا. فقال عمر: أنا يا رسول الله ؟ قال: لا بل
هو خاصف النعل وأشار إلى علي عليه السلام. وقد روى المحدثون أن رجلا تلا بحضرة علي
عليه السلام * (قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم
يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * [104 / الكهف: 18] فقال علي عليه السلام: أهل حروراء
منهم. قال المبرد: ومن شعر أمير المؤمنين الذي لا اختلاف فيه أنه قاله وكان
[353]
يردده أنهم لما ساموه أن يقر بالكفر ويتوب
حتى يسيروا معه إلى الشام فقال: أبعد صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله والتفقه في
دين الله أرجع كافرا ثم قال: يا شاهد الله علي فاشهد * أني على دين النبي أحمد من
شك في الله فإني مهتدي * يا رب فاجعل في الجنان موردي وروى أيضا في الكامل أن عليا
عليه السلام في أول خروج القوم عليه دعا صعصعة بن صوحان العبدي وقد كان وجهه إليهم
زياد بن النضر الحارثي مع عبد الله بن عباس فقال لصعصعة بن صوحان: بأي القوم رأيتهم
أشد إطافة ؟ فقال بيزيد بن قيس الارحبي. فركب علي عليه السلام إلى حروراء فجعل
يتخللهم حتى صار إلى مضرب يزيد بن قيس فصلى فيه ركعتين ثم خرج فاتكأ على قوسه وأقبل
على الناس فقال: هذا مقام من فلج فيه فلج إلى يوم القيامة ثم كلمهم وناشدهم فقالوا:
إنا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم وقد تبنا فتب إلى الله كما تبنا نعدلك. فقال علي
عليه السلام: أنا أستغفر الله من كل ذنب. فرجعوا وهم ستة آلاف فلما استقروا بالكوفة
أشاعوا أن عليا عليه السلام رجع عن التحكيم ورآه ضلالا وقالوا: إنما ينتظر أمير
المؤمنين أن يسمن الكراع ويجبي المال ثم ينهض بنا إلى الشام. فأتى الاشعث عليا عليه
السلام فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس قد تحدثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا والاقامة
عليها كفرا. فقام علي عليه السلام فخطب فقال: من زعم أني رجعت عن الحكومة فقد كذب
ومن رآها ضلالا فقد ضل. فخرجت حينئذ الخوارج من المسجد فحكمت. ثم قال ابن أبي
الحديد: كل فساد كان في خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وكل اضطراب حدث فأصله
الاشعث ولو لا محاقة أمير المؤمنين عليه السلام
[354]
في معنى الحكومة في هذه المرة لم يكن حرب
النهروان ولكان عليه السلام ينهض بهم إلى معاوية ويملك الشام فإنه صلوات الله عليه
حاول أن يسلك معهم مسلك التعريض والمواربة وفي المثل النبوي: الحرب خدعة. وذلك أنهم
قالوا: تب إلى الله مما فعلت كما تبنا ننهض معك إلى الحرب فقال لهم كلمة مرسلة
يقولها الانبياء والمعصومون فرضوا بها وعدوها إجابة لهم إلى سؤالهم وصفت له عليه
السلام نياتهم واستخلص بها ضمائرهم من غير أن تتضمن تلك الكلمة اعترافا بكفر أو ذنب
فلم يتركه الاشعث وجاء إليه مستفسرا فأفسد الامر ونقض ما دبره عليه السلام وعادت
الخوارج إلى شبهتها الاولى وهكذا الدول التي تظهر فيها أمارات الزوال يتاح لها
أمثال الاشعث من أولى الفساد في الارض سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة
الله تبديلا. ثم قال: قال المبرد ثم مضى القوم إلى النهروان وقد كانوا أرادوا المضي
إلى المدائن فمن طريف أخبارهم أنهم أصابوا في طريقهم مسلما ونصرانيا فقتلوا المسلم
لانه عندهم كافر واستوصوا بالنصراني وقالوا: احفظوا ذمة نبيكم. قال ولقيهم عبد الله
بن خباب في عنقه مصحف على حمار ومعه امرأته وهي حامل فقالوا له: إن هذا الذي في
عنقك ليأمرنا بقتلك ! ! فقال لهم: ما أحياه القرآن فأحيوه وما أماته فأميتوه. فوثب
رجل منهم على رطبة سقطت من نخلة فوضعها في فيه فصاحوا به فلفظها تورعا. وعرض لرجل
منهم خنزير فضربه فقتله فقالوا: هذا فساد في الارض وأنكروا قتل الخنزير ! ! ثم
قالوا لابن خباب: حدثنا عن أبيك فقال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: ستكون بعدي فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه يمسي مؤمنا ويصبح كافرا
فكن عبد الله المقتول ولا تكن القاتل.
[355]
قالوا: فما تقول في أبي بكر وعمر فأثنى
خيرا قالوا: فما تقول في علي بعد التحكيم وفي عثمان في السنين الست الاخيرة فأثنى
خيرا. قالوا: فما تقول في التحكيم والحكومة ؟ قال: إن عليا أعلم بالله منكم وأشد
توقيا على دينه وأنفذ بصيرة. فقالوا: إنك لست بمتبع الهدى إنما تتبع الرجال على
إيمانهم ثم قربوه إلى النهر فأضجعوه وذبحوه. قال: وساوموا رجلا نصرانيا بنخلة له
فقال: هي لكم فقالوا: ما كنا لنأخذها إلا بثمن. فقال: واعجباه أتقتلون مثل عبد الله
بن خباب ولا تقبلون جنا نخلة. وروى أبو عبيدة قال: طعن واحد من الخوارج يوم
النهروان فمشى في الرمح وهو شاهر سيفه إلى أن وصل إلى طاعنه فقتله وهو يقرأ " وعجلت
إليك رب لترضى ". قال: استنطقهم علي عليه السلام بقتل ابن خباب فأقروا به فقال:
انفردوا كتائب لاسمع قولكم كتيبة كتيبة فتكتبوا كتائب وأقرت كل كتيبة بما أقرت به
الاخرى من قتل ابن خباب وقالوا: لنقتلنك كما قتلناه. فقال: والله لو أقر أهل الدنيا
كلهم بقتله هكذا وأنا أقدر على قتلهم لقتلتهم ثم التفت إلى أصحابه فقال: شدوا عليهم
فأنا أول من يشد عليهم وحمل بذي الفقار حملة منكرة ثلاث مرات كل حملة يضرب به حتى
يعوج متنه ثم يخرج فيسويه بركبتيه ثم يحمل به حتى أفناهم. وروى محمد بن حبيب قال:
خطب علي عليه السلام الخوارج يوم النهر فقال لهم: نحن أهل بيت النبوة وموضع الرسالة
ومختلف الملائكة وعنصر الرحمة ومعدن العلم والحكمة نحن أفق الحجاز بنا يلحق البطئ
والينا يرجع التائب أيها الناس إني نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأهضام هذا الوادي.
[356]
إلى آخر ما أورده السيد [الرضي] رحمه الله
[في المختار 36 من كتاب نهج البلاغة الآتي قريبا]. 588 - كتاب الغارات لابراهيم بن
محمد الثقفي عن إبراهيم بن المبارك وإبراهيم بن العباس عن بكر بن عيسى عن اسماعيل
بن خالد البجلي عن عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو: عن زر بن حبيش قال: سمعت عليا
يقول: أنا فقأت عين الفتنة ولولا أنا ما قوتل أهل النهروان ولا أصحاب الجمل ولولا
أني أخشى أن تتكلوا فتدعوا العمل لاخبرتكم بالذي قضى الله على لسان نبيكم لمن
قاتلهم مبصرا بضلالهم عارفا للهدى الذي نحن عليه. وعن عبيد بن سليمان النخعي عن
سعيد الاشعري قال: استخلف علي عليه السلام حين سار إلى النهروان رجلا من النخع يقال
له هانئ بن هوذة فكتب إلى علي عليه السلام أن غنيا وباهلة فتنوا فدعوا الله عليك أن
يظفر بك. قال: فكتب إليه علي عليه السلام: أجلهم عدوك من الكوفة ولا تدع منهم أحدا.
وعن علي بن قادم عن شريك بن عبد الله عن ليث عن أبي يحيى قال: سمعت عليا يقول:
أغدوا خذوا حقكم مع الناس والله يشهد أنكم تبغضوني وأني أبغضكم. 589 - نهج قال عليه
السلام وقد مر بقتلى الخوارج يوم النهر: بؤسا لكم لقد ضركم من غركم. فقيل له: من
غرهم يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام: الشيطان المضل والانفس الامارة بالسوء
غرتهم بالاماني وفسحت لهم في المعاصي ووعدتهم الاظهار فاقتحمت بهم النار.
588 - الاحاديث الثلاثة رواه الثقفي رحمه
الله في الحديث: (2 - 4) من كتاب الغارات على ما في تلخيصه. 589 - رواه السيد الرضي
رفع الله مقامه في المختار: (323) من الباب الثالث من نهج البلاغة.
[357]
بيان: " وفسحت " أي أوسعت لهم بالرخصة في
المعاصي " ووعدتهم الاظهار " أي أن يظهرهم ويغلبهم علينا. 590 - نهج: [و] قال عليه
السلام لما سمع قول الخوارج " لا حكم إلا لله ": كلمة حق يراد بها باطل. بيان: قال
ابن أبي الحديد: قال الله تعالى * (إن الحكم إلا لله) * أي إذا أراد الله شيئا من
أفعاله فلا بد من وقوعه بخلاف غيره من القادرين وتمسكت الخوارج به في إنكارهم عليه
عليه السلام في القول بالتحكيم مع عدم رضاه عليه السلام كما ذكر في السير وأراد
الخوارج نفي كل ما يسمى حكما وهو باطل لان الله تعالى قد أمضى حكم كثير من
المخلوقين في كثير من الشرائع. 591 - نهج [و] سمع عليه السلام رجلا من الحرورية
يتهجد ويقرأ فقال: نوم على يقين خير من صلاة في شك. 592 - نهج [و] من خطبة له عليه
السلام في تخويف أهل النهروان: فأنا نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأثناء هذا النهر
وبأهضام هذا الغائط على غير بينة من ربكم ولا سلطان مبين معكم قد طوحت بكم الدار و
احتبلكم المقدار. وقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة فأبيتم علي إباء المخالفين
المنابذين حتى صرفت رأيي إلى هواكم وأنتم معاشر أخفاء الهام سفهاء الاحلام ولم آت
لا أبا لكم بجرا ولا أردت بكم ضرا. بيان: الاهضام: جمع هضم وهو المطمئن من الوادي.
والغائط: ما سفلت من الارض. والسلطان: الحجة ولعل المراد بالبينة الحجة الشرعية
وبالسلطان الدليل العقلي. وقال الجوهري: طاح يطوح ويطيح: هلك
590 - رواه السيد الرضي مع زيادات في ذيله
في المختار: (40) من كتاب نهج البلاغة. 591 - رواه السيد الرضي رحمه الله في
المختار: (97) من باب قصار نهج البلاغة. 592 - رواه السيد قدس الله نفسه في
المختار: (36) من نهج البلاغة.
[358]
وسقط وكذلك إذا تاه في الارض وطوحه أي
توهه وذهب به هاهنا وها هنا والمراد " بالدار " الدنيا " واحتبلكم " أي أوقفكم في
الحبال " والمقدار " قضاء الله وقدره " والهام " جمع الهامة وهي الرأس وخفتها كناية
عن قلة العقل أو عن الطيش وعدم الثبات في الرأي. والاحلام جمع حلم بالكسر وهر
الاناة والعقل " ولا أبا لك " كلمة تستعمل في المدح كثيرا وفي الذم أيضا، وفي معرض
التعجب والظاهر هنا الذم أو التعجب " والبجر ": الامر العظيم والداهية. ويروى "
هجرا " وهو الساقط من القول. ويروى " عرا " والعرو المعرة: الاثم. 593 - نهج: ومن
كلام له عليه السلام في الخوارج لما سمع قولهم: " لا حكم إلا لله " قال: كلمة حق
يراد بها باطل نعم إنه لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة وإنه لابد للناس
من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلغ الله فيها
الاجل ويجمع به الفئ ويقاتل به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى
يستريح بر ويستراح من فاجر. وفي رواية أخرى أنه لما سمع تحكيمهم قال: حكم الله
انتظر فيكم وقال: أما الامرة البرة فيعمل فيها التقي وأما الامرة الفاجرة فيتمتع
فيها الشقي إلى أن تنقطع مدته وتدركه منيته. بيان: قوله عليه السلام: " كلمة حق "
الظاهر أن المراد بالكلمة قولهم: " لا حكم إلا لله " والباطل الذي أريد بها المعنى
الذي قصدوه لا ما يفهم من كان بعض الشارحين أن دعاء أصحاب معاوية إياكم إلى كتاب
الله كلمة حق لكن مقصودهم بها ليس العمل بكتاب الله بل فتوركم عن الحرب وتفرق
أهوائكم ومعناها الحق حصر الحكم حقيقة فيه سبحانه إذ حكم غيره تعالى إنما يجب
متابعته لانه حكمه تعالى (1).
593 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في
المختار: (40) من كتاب نهج البلاغة. (1) ويمكن أن يكون المعنى [من] الحق الذي لم
يريدوه حصر الحق الذي يجب إطاعته من حيث إنه
[359]
قوله عليه السلام: " وإنه لابد للناس "
الخ قال بعض الشارحين: الالفاظ كلها ترجع إلى إمرة الفاجر قال: " يعمل فيها المؤمن
" أي ليست بمانعة للمؤمن من العمل " ويستمتع فيها الكافر " أي يتمتع بمدته " ويبلغ
الله فيها الاجل " لان إمارة الفاجر كإمارة البر في أن المدة المضروبة فيها تنتهي
إلى الاجل الموقت للانسان. وقال بعضهم: الضمير في " إمرته " راجع إلى الامير مطلقا
فالامرة التي يعمل فيها المؤمن الامرة البرة والتي يستمتع فيها الكافر [الامرة]
الفاجرة والمراد بعمل المؤمن في إمرة البر عمله على وفق أوامر الله ونواهيه
وباستمتاع الكافر في إمرة الفاجر انهماكه في اللذات الحاضرة " ويبلغ الله فيها
الاجل " أي في إمرة الامير سواء كان برا أو فاجرا وفائدتها تذكير العصاة ببلوغ
الاجل وتخويفهم به. ويؤيد هذا الوجه الرواية الاخرى. ويمكن أن يكون المعنى أنه لابد
في انتظام أمور المعاش أمير بر أو فاجر ليعمل المؤمن بما يستوجب به جنات النعيم
ويتمتع فيها الكافر ليكون حجة عليه ولعله أظهر لفظا ومعنى. قوله عليه السلام " حتى
يستريح " كلمة حتى إما لبيان الغاية والمعنى تستمر تلك الحال حتى يستريح البر من
الامراء وهو الظاهر أو مطلقا ويستريح الناس من الفاجر أو مطلقا بالموت أو العزل
وفيهما راحة للبر لان الآخرة خير من الاولى ولا يجري الامور غالبا على مراده ولا
يستلذ كالفاجر بالانهماك في الشهوات، وراحة للناس من الفاجر لخلاصهم من جوره وإن
انتظم به نظام الكل في المعاش. وإما لترتب الغاية أي حتى يستريح البر من الناس في
دولة البر من الامراء ويستريح الناس مطلقا من بغى بعض الفجار ومن الشرور والمكاره
في
حكم به ذلك الحاكم فلا ينافي صدق الحكم من
غير تجوز على حكم الرسول والامام وقضاة العدل لاطلاق الحكم مطلقا على حكمهم في كثير
من الاحاديث والاخبار، وقد شنعوا تجويز الحكم مطلقا ونفي الامرة من لوازمه، فتدبر.
منه رحمه الله.
[360]
دولة الامير مطلقا برا كان أو فاجرا ولا
ينافي ذلك إصابة المكروه من فاجر أحيانا. قوله عليه السلام " حكم الله انتظر " أي
جريان القضاء بقتلهم وحلول وقته. قوله عليه السلام " إلى أن تنقطع مدته " أي مدة
دولته أو حياته. 594 - 595 - نهج ومن كلام له عليه السلام كلم به الخوارج: أصابكم
حاصب ولا بقي منكم آبرأ بعد إيماني بالله وجهادي مع رسول الله صلى الله عليه وآله
أشهد على نفسي بالكفر ؟ لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين فأبوا شر مآب وارجعوا على
أثر الاعقاب أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا وسيفا قاطعا وأثرة يتخذها الظالمون
فيكم سنة. قال السيد رضي الله عنه قوله عليه السلام: " ولا بقي منكم آبر " يروى على
ثلاثة أوجه أحدها بالراء من قولهم رجل آبر للذي يأبر النخل أي يصلحه. ويروى آثر وهو
الذي يأثر الحديث أي يحكيه ويرويه وهو أصح الوجوه عندي كأنه عليه السلام قال: ولا
بقي منكم مخبر. ويروى آبز بالزاء المعجمة وهو الواثب. والهالك أيضا يقال له: آبز.
وقال عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له: إنهم [إن القوم " ح "] قد عبروا
جسر النهروان: مصارعهم دون النطفة والله لا يفلت منهم عشرة ولا يهلك منكم عشرة. قال
الرضي رحمه الله: يعني بالنطفة ماء النهر وهو أفصح كناية عن الماء وإن كان كثيرا
جما.
594 - 595 - رواه السيد الرضي في المختار:
(58) و (59) من نهج البلاغة.
[361]
بيان: روى أنه كلمهم بهذا الكلام لما
اعتزلوه وتنادوا من كل ناحية لا حكم إلا لله الحكم لله يا علي لا لك وقالوا: بان
لنا خطاؤنا فرجعنا وتبنا فارجع إليه أنت وتب ! ! ! وقال بعضهم: اشهد على نفسك
بالكفر ثم تب منه حتى نطيعك " والحاصب " الريح الشديدة التي تثير الحصباء وهي صغار
الحصى وإصابة الحاصب كناية عن العذاب. وقيل: أي أصابكم حجارة من السماء " والاوب "
بالفتح " والاياب " بالكسر: الرجوع " والاعقاب " مؤخر الاقدام. وأثرها بالتحريك:
علامتها. والرجوع على العقب هو القهقرى فهو كالتأكيد للسابق قيل هو أمر لهم بالاياب
والرجوع إلى الحق من حيث خرجوا منه قهرا كأن القاهر يضرب في وجوههم يردهم على
أعقابهم والرجوع هكذا شر الانواع وقيل هو دعاء عليهم بالذل وانعكاس الحال. أقول:
ويحتمل أن يكون الامر على التهديد كقوله تعالى * (قل اعملوا فسيرى الله عملكم) * "
والاثرة " بالتحريك الاسم من قولك: فلان يستأثر على أصحابه أي يختار لنفسه أشياء
حسنة ويخص نفسه بها. والاستيثار: الانفراد بالشئ. أو من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى
أي يفضل الظالمون غيركم عليكم في نصيبكم ويعطونهم دونكم. وقيل: يجوز أن يكون المراد
بالاثرة النمام. والنهروان بفتح النون والراء وجوز تثليث الراء ثلاث قرى أعلى وأوسط
وأسفل بين واسط وبغداد. والصرع: الطرح على الارض والمصرع يكون مصدرا وموضعا والمراد
هنا مواضع هلاكهم. والافلات والتفلت والانفلات: التخلص من الشئ فجأة من غير تمكث.
وهذا الخبر من معجزاته [عليه السلام] المتواترة وروي أنه لما قتل الخوارج وجدوا
المفلت منهم تسعة تفرقوا في البلاد ووجدوا المقتول من أصحابه عليه السلام ثمانية.
ويمكن أن يكون خفي على القوم مكان واحد من المقتولين أو يكون التعبير بعدم هلاك
العشرة للمشاكلة والمناسبة بين القرينتين.
[362]
596 - نهج [و] من كلام له عليه السلام
لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج فقال له يا أمير المؤمنين إن سرت في
هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال عليه السلام: أتزعم أنك
تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء وتخوف من الساعة التي من سار فيها
حاق به الضر فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن واستغنى عن الاستعانة بالله تعالى في نيل
المحبوب ودفع المكروه. وينبغي في قولك للعامل بأمرك أو يوليك الحمد دون ربه لانك
بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وآمن الضر. ثم أقبل عليه السلام
على الناس فقال: أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر فإنها
تدعو إلى الكهانة المنجم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار
سيروا على اسم الله وعونه. 597 - نهج: ومن كلام له عليه السلام وقد قام إليه رجل من
أصحابه فقال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فما ندري أي الامرين أرشد فصفق عليه
السلام إحدى يديه على الاخرى ثم قال: هذا جزاء من ترك العقدة أما والله لو أني حين
أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الذي يجعل الله فيه خيرا فإن استقمتم
هديتكم وإن اعوججتم قومتكم وإن أبيتم تداركتكم لكانت الوثقى ولكن بمن وإلى من ؟
أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم أن ضلعها معها. اللهم
قد ملت أطباء هذا الداء الدوي وكلت النزعة بأشطان الركي أين القوم الذين دعوا إلى
الاسلام فقبلوه وقرؤا القرآن فأحكموه وهيجوا إلى الجهاد فولهوا اللقاح إلى أولادها
(1) وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الارض زحفا
596 - رواه السيد الرضي رضوان الله تعالى
عليه في المختار: (77) من كتاب نهج البلاغة. 597 - رواه السيد الرضي قدس الله نفسه
في المختار: (119) من كتاب نهج البلاغة. (1) كذا في طبع الكمباني من البحار - غير
أن كلمة " إلى " كانت محذوفة منها - وفيما عندي
[363]
زحفا وصفا صفا بعض هلك وبعض نجا لا يبشرون
بالاحياء ولا يعزون عن الموتى مره العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ذبل
الشفاه من الدعاء صفر الالوان من السهر على وجوههم غبرة الخاشعين أولئك إخواني
الذاهبون فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الايدي على فراقهم. إن الشيطان يسني لكم طرقه
ويريد أن يحل دينكم عقدة عقدة ويعطيكم بالجماعة الفرقة وبالفرقة الفتنة فاصدفوا عن
نزعاته ونفثاته واقبلوا النصيحة ممن أهداها إليكم واعقلوها على أنفسكم. إيضاح: قوله
عليه السلام: " هذا جزاء من ترك العقدة " أي الرأي والحزم وقيل مراده عليه السلام
هذا جزاؤكم حين تركتم الرأي الاصوب فيكون هذا إشارة إلى حيرتهم التي دل عليها
قولهم: " فما ندري أي الامرين أرشد " فيكون ترك العقدة منهم لا منه عليه السلام.
ويمكن حمله على ظاهره الالصق بقوله عليه السلام بعد ذلك " حملتكم على المكروه " الخ
ولا يلزم خطاؤه كما توهمه الخوارج بأن يكون المراد كان هذا جزائي حين تركت العقدة
أي هذا مما يترتب على ترك العقدة وإن كان تركها إضطرارا لا اختيارا ولا عن فساد رأي
كما يدل عليه صريح قوله عليه السلام بعد ذلك " ولكن بمن وإلى من " فإن ترك الاصلح
إذا لم يمكن العمل بالاصلح مما لا فساد فيه، ولا ريب في عدم إمكان حربه عليه السلام
بعد رفعهم المصاحف وافتراق أصحابه. قوله عليه السلام " على المكروه " أي الحرب
إشارة إلى قوله تعالى: * (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) *
والمكروه مكروه لهم لا له عليه السلام. قوله " وإن اعوججتم " لعل المراد بالاعوجاج
اليسير من العصيان لا الاباء
من نسخ نهج البلاغة: " فولهوا وله اللقاح
إلى أولادها ". وقد أشار المصنف في شرحه الآتي الآن أن في بعض النسخ الذي كان عنده
كان كذلك.
[364]
المطلق، وبالتقويم الارشاد والتحريض
والتشجيع وبالاباء الاباء المطلق، وبالتدارك الاستنجاد بغيرهم من قبائل العرب وأهل
الحجاز وخراسان فإن كلهم كانوا من شيعته عليه السلام كذا ذكره ابن أبي الحديد. قوله
عليه السلام " ولكن بمن " أي بمن استعين في هذا الامر الذي لابد له من ناصر ومعين
وإلى من أرجع في ذلك ؟. قوله عليه السلام " كناقش الشوكة " هذا مثل للعرب لا تنقش
الشوكة بالشوكة فإن ضلعها معها أي إذا استخرجت الشوكة بمثلها فكما أن الاولى انكسرت
في رجلك وبقيت في لحمك كذلك تنكسر الثانية " فإن ضلعها " بالتحريك أي ميلها معها أي
طباع بعضكم يشبه طباع بعض ويميل إليها كما تميل الشوكة إلى مثلها. وقال [ابن
الاثير] في [مادة نقش من] النهاية: نقش الشوكة إذا استخرجها من جسمه وبه سمى
المنقاش الذي ينقش به. و " الداء الدوي " الشديد من دوي إذا مرض " والنزعة " جمع
نازع وهو الذي يستقي الماء " والشطن " هو الحبل و " الركي " جميع الركية وهي البئر
كأنهم عن المصلحة في قعر بئر عميق وكل عليه السلام من جذبهم إليه أو شبه عليه
السلام وعظه لهم وقلة تأثيره فيهم بمن يستقي من بئر عميقة لارض وسيعة وعجز عن
سقيها. قوله عليه السلام: " فولهوا اللقاح " اللقاح بكسر اللام: الابل الواحدة لقوح
وهي الحلوب أي جعلوا اللقاح والهة إلى أولادها بركوبهم إياها عند خروجهم إلى
الجهاد. وفي بعض النسخ: " فولهوا وله اللقاح إلى أولادها " و الوله إلى الشئ:
الاشتياق إليه. " وأخذوا بأطراف الارض " أي أخذوا الارض بأطرافها كما قيل أو أخذوا
على الناس بأطراف الارض أي حصروهم يقال لمن استولى على غيره وضيق عليه: قد أخذ
بأطراف الارض. وأخذوا أطرافها من قبيل أخذت
[365]
بالخطام. والزحف: الجيش يزحفون إلى العدو
أي يمشون. ويكون مصدرا كالصف ونصبهما على الحالية أي زحفا بعد زحف وصفا بعد صف في
الاطراف أو المصدرية أي يزحفون زحفا. قوله: " لا يبشرون " أي لشدة ولههم إلى الجهاد
لا يفرحون ببقاء حيهم حتى يبشروا به ولا يحزنون لقتل قتيلهم حتى يعزوا به أو لما
قطعوا العلائق الدنيوية إذا ولد لاحدهم مولود لم يبشر به وإذا مات منهم أحد لم
يعزوا عنه والاول أظهر لاسيما على نسخة القيل. وقال في النهاية المره: مرض في العين
لترك الكحل. وقال: الخمص: الجوع والمجاعة ورجل خمص إذا كان ضامر البطن. وذبل أي قل
ماؤه وذهبت نضارته. وقال الجوهري: يقال: حق لك أن تفعل أي خليق بك. وقال: سناه أي
فتحه وسهله. ويقال: صدف عن الامر أي انصرف عنه. ونزغ الشيطان بينهم أي أفسد وأغرى
ونفثاته: وساوسه التي ينفث بها. 598 - نهج [و] من كلام له عليه السلام قاله للبرج
بن مسهر الطائي وقد قال [له] بحيث يسمعه " لا حكم إلا لله " وكان من الخوارج: اسكت
قبحك الله يا أثرم فو الله لقد ظهر الحق فكنت فيه ضئيلا شخصك خفيا صوتك حتى إذا نعر
الباطل نجمت نجوم قرن الماعز. بيان: " قبحك الله " بالتخفيف والتشديد أي نحاك عن
الخير. وقيل: كسرك يقال: قبحت الجوزة أي كسرتها. والثرم: سقوط الاسنان. والضئيل:
الدقيق النحيف الخفي. و " نعر " أي صاح كناية عن ظهور الباطل وقوة أهله. ونجم: طلع
أي طلعت بلا شرف ولا شجاعة ولا قدم بل على غفلة. والماعز واحد المعز من الغنم وهو
خلاف الضأن. 599 - كتاب الغارات: لابراهيم ابن محمد الثقفي عن إسماعيل بن أبان، عن
عبد الغفار بن القاسم، عن المنصور بن عمر، عن زر بن حبيش.
598 - رواه السيد الرضي رحمه الله في
المختار: (182) من كتاب نهج البلاغة. 599 - رواه الثقفي رضوان الله عليه في الحديث
الاول من كتاب الغارات.
[366]
وعن أحمد بن عمران بن أبي ليلى عن أبيه عن
ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش قال: خطب علي عليه السلام
بالنهروان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس أما بعد أنا فقأت عين الفتنة لم
يكن أحد ليجتزي عليها غيري - وفي حديث ابن أبي ليلى لم يكن ليفقأها أحد غيري - ولو
لم أك فيكم ما قوتل أصحاب الجمل وأهل النهروان وأيم الله لولا أن تتكلوا وتدعوا
العمل لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيكم صلى الله عليه وآله لمن قاتلهم مبصرا
لضلالتهم عارفا للهدى الذي نحن عليه. ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عما شئتم
سلوني قبل أن تفقدوني إني ميت أو مقتول بل قتلا ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها
بدم ؟ وضرب بيده إلى لحيته. والذي نفسي بيده لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين
الساعة ولا عن فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها وسائقها. فقام إليه
رجل فقال: حدثنا يا أمير المؤمنين عن البلاء. قال: إنكم في زمان إذا سأل سائل
فليعقل وإذا سئل مسؤول فليثبت. ألا وإن من ورائكم أمورا أتتكم جللا مزوجا وبلاء
مكلحا ملحا والذي فلق الحبة وبرئ النسمة أن لو قد فقدتموني ونزلت [بكم] كراهية
الامور وحقايق البلاء لقد أطرق كثير من السائلين (1) وفشل كثير من المسؤولين وذلك
إذا قلصت حربكم وشمرت عن ساق، وكانت الدنيا بلاء عليكم وعلى أهل بيتي حتى يفتح الله
لبقية الابرار (2).
(1) ما بين المعقوفين مأخوذ من المختار:
(90) من نهج البلاغة، وفيه: " ولو فقدتموني ونزلت بكم كرائه الامور، وحوازب الخطوب
لاطرق كثير من السائلين... ". (2) وفي المختار المشار إليه من نهج البلاغة: " وشمرت
عن ساق، وضاقت الدنيا عليكم ضيقا تستطيلون معه أيام البلاء عليكم حتى يفتح الله
لبقية الابرار منكم ".
[367]
فانصروا أقواما كانوا أصحاب رايات يوم بدر
ويوم حنين تنصروا وتوجروا ولا تسبقوهم فتصرعكم البلية (1) فقام إليه رجل آخر فقال:
يا أمير المؤمنين حدثنا عن الفتن. قال: إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت استقرت
يشبهن مقبلات ويعرفن مدبرات إن الفتن تحوم كالرياح يصبن بلدا ويخطئن أخرى. ألا إن
خوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية إنها فتنة عمياء مظلمة مطينة عمت فتنتها وخصت
بليتها وأصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها يظهر أهل باطلها على
أهل حقها حتى تملا الارض عدوانا وظلما وبدعا. ألا وإن أول من يضع جبروتها ويكسر
عمدها وينزع أوتادها الله رب العالمين. وأيم الله لتجدن بني أمية أرباب سوء لكم
بعدي كالناب الضروس تعض بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجليها وتمنع درها لا يزالون بكم
حتى لا يتركوا في مصركم إلا تابعا لهم أو غير ضار ولا يزال بلاؤهم بكم حتى لا يكون
انتصار أحدكم منهم إلا مثل انتصار العبد من ربه إذا رآه أطاعه وإذا توارى عنه شتمه.
وأيم الله لو فرقوكم تحت كل حجر لجمعكم الله لشر يوم لهم. ألا إن من بعدي جماع شتى
ألا إن قبلتكم واحدة وحجكم واحد وعمرتكم واحدة والقلوب مختلفة. ثم أدخل [عليه
السلام] أصابعه بعضها في بعض. فقام رجل فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال: هذا
هكذا يقتل هذا هذا ويقتل هذا هذا قطعا جاهلية ليس فيها هدى ولا علم يرى نحن أهل
(1) كذا في اصلي، وفيه حذف وتقديم والسياق
يستدعي أن يكون محل هذا الكلام بعد قوله عليه السلام الاتي قريبا: " الله رب
العالمين " كما هو كذلك في شرح المختار) (90) من نهج البلاغة من شرح ابن ابي الحديد
وهذا لفظه: " ألا وإنكم مدركوها فانصروا قوما كانوا أصحاب رايات بدر وحنين تؤجروا
"...
[368]
البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة. فقام
رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزمان ؟ قال: انظروا أهل بيت نبيكم فإن
لبدوا فالبدوا، وإن استصرخوكم فانصروهم توجروا ولا تسبقوهم فتصرعكم البلية. فقام
رجل آخر فقال: ثم ما يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين قال: ثم إن الله يفرج الفتن
برجل منا أهل البيت كتفريج الاديم - بأبي ابن خيرة الاماء - يسومهم خسفا ويسقيهم
بكأس مصبرة فلا يعطيهم إلا السيف هرجا هرجا يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر ودت
قريش عند ذلك بالدنيا وما فيها لو يروني مقاما واحدا قدر حلب شاة أو جزر جزور لاقبل
منهم بعض الذي يرد عليهم حتى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا فيغريه
الله ببني أمية فيجعلهم ملعونين أينما ثقفوا [أخذوا] وقتلوا تقتيلا سنة الله في
الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا. بيان: الجلل محركة: الامر العظيم "
مزوجا " أي مقرونا بمثله. والكلوح: العبوس يقال: كلح وأكلح. و " قلصت " بالتشديد أي
انضمت واجتمعت وبالتخفيف أي كثرت وتزايدت من قلصت البئر إذا ارتفع ماؤها " وشمرت عن
ساق " أي كشفت عن شدة. وحام الطائر وغيره حول الشئ: دار " مطينة " أي مخفية "
والناب " الناقة المسنة " والضروس " السيئة الخلق تعض حالبها. وجماع الناس كرمان:
أخلاطهم من قبائل شتى. وكلما تجمع وانضم بعضه إلى بعض " ولبد " كنصر وفرح: أقام
ولزق " كتفريج الاديم " أي الجلد عن اللحم. و " ابن خيرة الاءماء " القائم عليه
السلام " يسومهم خسفا " أي يوليهم ذلا و " كأس مصبرة " ممزوجة بالصبر وفي النهاية:
فيه " بين يدي الساعة هرج " أي قتال واختلاط واصل الهرج: الكثيرة في الشئ والاتساع.
أقول: وقد مضى بعض هذه الخطبة مشروحا. 600 - نهج: من كلام له عليه السلام قاله
للخوارج وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة فقال عليه السلام: أكلكم
شهد معنا صفين
[369]
قالوا: منا من شهد ومنا من لم يشهد. قال
عليه السلام: فامتازوا فرقتين فليكن من شهد صفين فرقة ومن لم يشهدها فرقة حتى أكلم
كلا بكلامه ونادى الناس فقال: امسكوا عن الكلام وانصتوا لقولي وأقبلوا بأفئدتكم إلي
فمن نشدناه شهادة فليقل بعلمه فيها ثم كلمهم عليه السلام بكلام طويل منه. ألم
تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة ومكرا وخديعة: إخواننا وأهل دعوتنا استقالونا
واستراحوا إلى كتاب الله سبحانه فالرأى القبول منهم والتنفيس عنهم ! فقلت لكم: هذا
أمر ظاهره إيمان وباطنه عدوان وأوله رحمة وآخره ندامة فأقيموا على شأنكم والزموا
طريقتكم وعضوا على الجهاد بنواجذكم ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق إن أجيب أضل وإن ترك
ذل، وقد كانت هذه الفعلة وقد رأيتكم أعطيتموها والله لئن أبيتها ما وجبت علي
فريضتها ولا حملني الله ذنبها ووالله إن جئتها إني للمحق الذي يتبع وإن الكتاب لمعي
ما فارقته مذ صحبته. فلقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وإن القتل ليدور بين
الآباء والابناء والاخوان والقرابات فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيمانا ومضيا
على الحق وتسليما للامر وصبرا على مضض الجراح ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في
الاسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل فإذا طمعنا في خصلة
يلم الله بها شعثنا ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا رغبنا فيها وأمسكنا عما
سواها. 601 - ج " ألم تقولوا " إلى آخر الكلام. توضيح: قوله عليه السلام " بكلامه "
أي بالكلام الذي يليق به. وقال في النهاية فيه: " نشدتك الله والرحم " أي سألتك
بالله وبالرحم. وقال الجوهري: الغيلة بالكسر: الخديعة. ونفس تنفيسا: فرج تفريجا
[قوله عليه
600 - رواه السيد الرضي رحمه الله في
المختار: (120) من كتاب نهج البلاغة. 601 - رواه الطبرسي رحمه الله في عنوان: "
احتجاجه عليه السلام على الخوارج... " من كتاب الاحتجاج: ج 1، ص 185، ط بيروت.
[370]
السلام:] " أوله رحمة " لانه كان وسيلة
إلى حقن الدماء. و " الفعلة " بالفتح المرة من الفعل والمراد بها الرضا بالحكومة "
وفريضتها " ما وجب بسببها وترتب عليها " وإن الكتاب لمعي " أي لفظا ومعنى. والمضض:
وجع المصيبة قوله عليه السلام: " إلى البقية " أي إلى بقاء ما بقي فيما بيننا من
الاسلام كما ذكره ابن ميثم. والاطهر عندي أنه من الابقاء بمعنى الرحم ولاشفاق
والاصلاح كما في الصحيفة لا تبقى على من تضرع إليها. وقال في القاموس: أبقيت ما
بيننا: لم أبالغ في فساده والاسم البقية " وأولو بقية ينهون عن الفساد " أي ابقاء.
وقال ابن أبي الحديد: هذا الكلام ليس يتلو بعضه بعضا ولكنه ثلاثة فصول لا يلتصق
أحدها بالاخر آخر الفصل الاول قوله عليه السلام: " وإن ترك ذل ". وآخر الفصل الثاني
قوله: " على مضض الجراح ". والفصل الثالث ينتهي آخر الكلام (1). 602 - نهج ومن كلام
له عليه السلام في التحكيم إنا لم نحكم الرجال وإنما حكمنا القرآن وهذا القرآن إنما
هو خط مسطور بين الدفتين لا ينطق بلسان ولابد له من ترجمان وإنما ينطق عنه الرجال،
ولما دعانا القوم إلى أن نحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله
تعالى وقد قال الله سبحانه: " فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول " [59 /
النساء: 4] فرده إلى الله أن نحكم بكتابه ورده إلى الرسول أن نأخذ بسنته فإذا حكم
بالصدق في كتاب الله فنحن أحق الناس به وإن حكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله
فنحن [أحق الناس و] أولاهم به.
(1) هذا مختار كلام ابن أبي الحديد في شرح
المختار: (121) من نهج البلاغة من شرحه: ج 2 ص 790 من ط الحديث ببيروت. 602 - رواه
السيد الرضي رحمه الله في المختار: (122) من كتاب نهج لبلاغة وما وضعناه بين
المعقوفات مأخوذ منه.
[371]
وأما قولكم: " لم جعلت بينك وبينهم أجلا
في التحكيم " فإنما فعلت ذلك ليتبين الجاهل ويتثبت العالم ولعل الله أن يصلح في هذه
الهدنة أمر هذه الامة ولا يؤخذ بأكظامها فتعجل عن تبين الحق وتنقاد لاول الغي. إن
أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه - وإن نقصه وكرثه - من الباطل وإن
جر إليه فائدة وزاده. فأين يتاه بكم ومن أين أتيتم استعدوا للمسير إلى قوم حيارى عن
الحق لا يبصرونه وموزعين بالجور لا يعدلون عنه جفاة عن الكتاب نكب عن الطريق. ما
أنتم بوثيقة يعلق بها ولا زوافر [عز] يعتصم إليها لبئس حشاش نار الحرب أنتم أف لكم
لقد لقيت منكم برحا يوما أناديكم ويوما أناجيكم فلا أحرار صدق عند النداء ولا إخوان
ثقة عند النجاء. 603 - ج قال عليه السلام: " إنا لم نحكم الرجال " إلى قوله "
وتنقاد لاول الغي ". توضيح: قوله عليه السلام: " إنا لم نحكم " حاصل الجواب أنا لم
نرض بتحكيم الرجلين مطلقا بل على تقدير حكمهما بالصدق في الكتاب والسنة لان القوم
دعونا إلى تحكيم القرآن لا تحكيم الرجلين وإنما رضينا بتحكيم الرجلين لحاجة القرآن
إلى الترجمان فالحاكم حقيقة هو القرآن لا الرجلان فإذا خالف الرجلان حكم الكتاب
والسنة لم يجب علينا قبول قولهما. مع أن رضاه عليه السلام كان اضطرارا كما عرفت
مرارا. قوله عليه السلام " فإذا حكم بالصدق " أي إذا حكم بالصدق في الكتاب والسنة
فيجب أن يحكم بخلافتنا لانا أحق الناس بالكتاب والسنة وإذا حكم بالصدق فيهما فنحن
أولى الناس باتباع حكمهما فعدم اتباعنا لعدم
603 - رواه الطبرسي رضوان الله عليه في
عنوان: " احتجاجه عليه السلام على الخوارج... " من كتاب الاحتجاج: ج 1، ص 186، ط
بيروت.
[372]
حكمهم بالصدق وإلا لاتبعناه وإذا حكم
بالصدق فيهما فنحن أحق الناس بهذا الحكم فيجب عليهم اتباع قولنا لا علينا إتباع
قولهم. والضمير في قوله: " أحق الناس به " عائد إلى الكتاب أو إلى الله أو إلى
الحكم وفي [قوله:] " أولاهم به " إلى الرسول أو إلى الحكم. قوله عليه السلام: "
ليتبين الجاهل " أي ليظهر للجاهل وجه الحق والتبين يكون لازما ومتعديا ويتثبت
العالم بدفع الشبهة ويطمئن قلبه. قوله عليه السلام: " ولا يؤخذ بأكظامها " معطوف
على " يتبين ". وقال [ابن الاثير] في [" كظم " من كتاب] النهاية [و] في حديث علي "
بأكظامها " هي جمع كظم بالتحريك وهو مخرج النفس من الحلق. " وأول الغي " هو أول
شبهة عرضت لهم من رفع المصاحف. وكرنه الغم وأكرثه أي اشتد عليه وبلغ منه المشقة.
وتاه يتيه تيها: تحير وضل أو تكبر " ومن أين أتيتم " أي هلكتم أو دخل عليكم الشيطان
والشبهة والحيلة. وقال الجوهري: أوزعته بالشئ أغريته به " لا يعدلون به " أي ليس
للجور عندهم عديل ويروي: " لا يعدلون عنه " أي لا يتركونه إلى غيره. والجفاء: البعد
عن الشئ. ونكب عن الطريق ينكب نكبا: عدل. " ما أنتم بوثيقة " أي بعروة وثيقة أو بذي
وثيقة والوثيقة: الثقة وعلق بالشئ كفرح وتعلق به أي نشب واستمسك. وزافرة الرجل:
أنصاره وخاصته. والحشاش بضم الحاء وتشديد الشين جمع حاش وهو الموقد للنار وكذلك
الحشاش بالكسر والتخفيف وقيل: هو ما يحش به النار أي يوقد. والبرح: الشدة وفي بعض
النسخ بالتاء وهو الحزن " يوما أناديكم " أي جهرا " ويوما أناجيكم " أي سرا " فلا
أحرار " أي لا تنصرون ولا تحمون " ولا إخوان ثقة " أي لا تكتمون السر ولا تعملون
بلوازم الاخاء. 604 - نهج [و] من كلام له عليه السلام للخوارج:
604 - رواه السيد رضي الله عنه في
المختار: (127) من كتاب نهج البلاغة.
[373]
فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت وضللت
فلم تضللون عامة أمة محمد صلى الله عليه وآله بضلالي وتأخذونهم بخطأي وتكفرونهم
بذنوبي ؟ سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البراءة والسقم وتخلطون من أذنب بمن لم
يذنب وقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله رجم الزاني ثم صلى عليه ثم ورثه
أهله وقتل القاتل وورث ميراثه أهله وقطع السارق وجلد الزاني غير المحصن ثم قسم
عليهما من الفئ ونكحا المسلمات فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وآله بذنوبهم وأقام
حق الله فيهم ولم يمنعهم سهمهم من الاسلام ولم يخرج أسماءهم من بين أهله. ثم أنتم
شرار الناس ومن رمى به الشيطان مراميه وضرب به تيهه. وسيهلك في صنفان محب مفرط يذهب
به الحب إلى غير الحق ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق وخير الناس في حالا
النمط الاوسط فالزموه والزموا السواد الاعظم فإن يد الله على الجماعة وإياكم
والفرقة فإن الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذة من الغنم للذئب. ألا من دعا إلى
هذا الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه وإنما حكم الحكمان ليحييا ما أحيا
القرآن ويميتا ما أمات القرآن وإحياؤه الاجتماع عليه وإماتته الافتراق عنه، فإن
جرنا القرآن إليهم اتبعناهم وإن جرهم إلينا القرآن إتبعونا فلم آت لا أبا لكم بجرا
ولاختلتكم عن أمركم ولا لبسته عليكم وإنما اجتمع رأي ملائكم على اختيار رجلين أخذنا
عليهما أن لا يتعديا القرآن فتاها عنه وتركا الحق وهما يبصرانه وكان الجور هواهما
فمضيا عليه وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكومة بالعدل والصمد للحق سوء رأيهما
وجور حكمهما. إيضاح: قوله عليه السلام " وضللت " بكسر اللام وفتحها. أقول: لما قالت
الخوارج لعنهم الله: إن الدار دار كفر لا يجوز الكف عن أحد من أهلها قتلوا الناس
حتى الاطفال وقتلوا البهائم وذهبوا إلى تكفير أهل الكبائر مطلقا ولذا أكفروا أمير
المؤمنين صلوات الله عليه ومن تبعه على تصويب التحكيم فلذا احتج عليه السلام عليهم
بأنه لو كان صاحب الكبيرة كافرا لما صلى عليه
[374]
رسول الله صلى الله عليه وآله ولا ورثه من
المسلم ولا مكنه من نكاح المسلمات ولا قسم عليهم من الفئ ولاخرجه من [إطلاق] لفظ
الاسلام [عليه]. وقوله عليه السلام " وورث ميراثه " يدل ظاهرا على عدم ارث المسلم
من الكافر ولعله إلزام عليهم. قوله عليه السلام: " ونكحا " أي السارق والزاني
المسلمات ولم يمنعهما رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك. قوله عليه السلام: " من
بين أهله " أي أهل الاسلام. " ومرامي الشطان " طرق الضلال التي يسوق الانسان إليها
بوساوسه. " وضرب به تيهه " أي وجهه إليه من ضربت في الارض إذا سافرت والباء للتعدية
والتيه بالكسر والفتح: الحيرة. وبالكسر: المفازة يتاه فيها. وتقييد البغض بالافراط
لعله لتخصيص اكمل الافراد بالذكر أو لان المبغض مطلقا مجاوز عن الحد أو لان الكلام
إخبار [عما] سيوجد منهم مع أن فيه رعاية الازدواج والتناسب بين الفقرتين. وقال في
النهاية: في حديث علي عليه السلام: " خير هذه الامة النمط الاوسط " النمط: الطريقة
من الطرائق والضرب من الضروب يقال ليس هذا من ذلك النمط أي من ذلك الضرب. والنمط
الجماعة من الناس أمرهم واحد. وقال فيه: " عليكم بالسواد الاعظم " أي جملة الناس
ومعظمهم الذين يجتمعون على طاعة السلطان وسلوك المنهج المستقيم. وقال: إن يد الله
على الجماعة أي ان الجماعة من أهل الاسلام في كنف الله ويد الله كناية عن الحفظ
والدفاع عنهم. قوله عليه السلام: " إلى هذا الشعار " قال ابن ميثم أي مفارقة
الجماعة والاستبداد بالرأي. وقوله عليه السلام: " ولو كان تحت عمامتي " كناية عن
أقصى القرب من عنايته أي ولو كان ذلك الداعي في هذا الحد من عنايتي به.
[375]
وقال ابن أبي الحديد: كان شعارهم أن
يحلقوا وسط رؤسهم ويبقوا الشعر مستديرا حوله كالاكليل وقال " ولو كان تحت عمامتي "
أي ولو اعتصم واحتمى بأعظم الاشياء حرمة فلا تكفوا عن قتله. أقول ويحتمل أن يكون
شعارهم قولهم: " لا حكم إلا لله " وأن يكون كنى بقوله " تحت عمامتي " عن نفسه. قوله
عليه السلام. " وإحياؤه الاجتماع عليه " أي ما يحييه القرآن هو الاجتماع عليه وما
يميته هو الافتراق عنه أو أن الاجتماع على القرآن إحياؤه إذ به يحصل الاثر والفائدة
المطلوبة منه والافتراق عنه إماتة له. والبجر بالضم والفتح: الداهية والامر العظيم.
والختل: الخداع. قوله عليه السلام " وإنما اجتمع " يظهر منه جوابان عن شبهتهم
أحدهما أني ما اخترت التحكيم بل اجتمع رأي ملائكم عليه وقد ظهر أنه عليه السلام كان
مجبورا في التحكيم. وثانيهما أنا اشترطنا عليهما في كتاب التحكيم أن لا يتجاوزا حكم
القرآن فلما تعديا لم يجب علينا إتباع حكمهما. والملا: أشراف الناس ورؤسائهم
ومقدموهم الذين يرجع إلى قولهم ذكره في النهاية. الصمد: القصد. و " سوء رأيهما "
مفعول سبق أو الاستثناء أيضا على التنازع أي ذكرنا أولا أنا إنما نتبع حكمهما إذا
لم يختارا سوء الرأي والجور في الحكم. 605 - نهج: ومن كلام له عليه السلام في معنى
الحكمين: فأجمع رأي ملائكم على أن اختاروا رجلين فأخذنا عليهما أن يجعجعا عند
القرآن ولا
605 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في
المختار: (175) من كتاب نهج البلاغة. وجملة منه رواه الهروي في مادة: " جعجع " من
كتاب غريب الحديث ورواها عنه ابن الاثير في نفس المادة من كتاب النهاية.
[376]
يجاوزاه ويكون ألسنتهما معه وقلوبهما تبعه
فتاها عنه وتركا الحق وهما يبصرانه وكان الجور هواهما والاعوجاج رأيهما وقد سبق
استثناؤنا عليهما في الحكم بالعدل والعمل بالحق سوء رأيهما وجور حكمهما والثقة في
أيدينا لانفسنا حين خالفا سبيل الحق وأتيا بما لا يعرف من معكوس الحكم. إيضاح: قال
في النهاية في حديث علي عليه السلام " فأخذنا عليهما أن يجعجعا عند القرآن " أي
يقيما عنده يقال: جعجع القوم إذا أناخوا بالجعجاع وهي الارض والجعجاع أيضا الموضع
الضيق الخشن. وقال في القاموس: التبع - محركة -: التابع يكون واحدا وجمعا ويجمع على
أتباع. قوله عليه السلام " والثقة في أيدينا " أي إنا على برهان وثقة في أمورنا
قوله عليه السلام " بما لا يعرف " أي لا يصدق به. 606 - نهج من وصيته عليه السلام
لعبدالله بن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج: لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن
حمال ذو وجوه تقول ويقولون ولكن حاجهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصا. بيان:
[قوله عليه السلام] " ولكن حاجهم بالسنة " قال ابن أبي الحديد كقول النبي صلى الله
عليه وآله: " علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار " وغير ذلك من النصوص.
وقال الجوهري: يقال: ما عنه محيص أي محيد ومهرب. 607 - نهج: ومن كلام له عليه
السلام وقد أرسل رجلا من أصحابه يعلم له علم قوم من جند الكوقة هموا باللحاق
بالخوارج وكانوا على خوف منه
606 - رواه السيد الرضي رحمه الله في
المختار ما قبل الاخير من باب كتب أمير المؤمنين عليه السلام من نهج البلاغة. 607 -
رواه السيد الرضي رضوان الله عليه في المختار: (179) من كتاب نهج البلاغة. وقريبا
منه رويناه مسندا في المختار: (297) من كتاب نهج السعادة: ج 2 ص 482 ط 1.
[377]
عليه السلام فلما عاد إليه الرجل قال له:
أمنوا فقطنوا أم جبنوا فظعنوا ؟ فقال الرجل: بل ظعنوا يا أمير المؤمنين فقال عليه
السلام: بعدا لهم كما بعدت ثمود أما لو أشرعت الاسنة إليهم وصبت السيوف على هاماتهم
لقد ندموا على ما كان منهم إن الشيطان اليوم قد استفلهم وهو غدا متبرئ منهم ومخل
عنهم فحسبهم بخروجهم من الهدى وارتكاسهم في الضلال والعمى وصدهم عن الحق وجماحهم في
التيه. بيان: قطن بالمكان: أقام. وقوله: " بعدا " منصوب على المصدر وهو ضد القرب
والهلاك قوله عليه السلام: " قد استفلهم " في بعض النسخ بالقاف أي حملهم أو اتخذهم
قليلا وسهل عليه أمرهم. وفي أكثر النسخ بالفاء أي وجدهم فلا لا خير فيهم أو مفلولين
منهزمين وفي بعضها " استفزهم " أي استخفهم وفي بعضها " استقبلهم " أي قبلهم.
والمراد بالغد اليوم الذي تصب السيوف على هاماتهم أو يوم القيامة. وقال الجوهري:
الركس: رد الشئ مقلوبا. وارتكس فلان في أمر كان قد نجا منه وجمح الفرس كمنع: اعتر
فارسه وغلبه. والتيه: المفازة والضلال. 608 - ج: روي أن أمير المؤمنين عليه السلام
أرسل عبد الله بن عباس إلى الخوارج وكان بمرأى منهم ومسمع [ليسألهم ماذا الذي نقموا
عليه ؟ فقال لهم ابن عباس: ماذا نقمتم على أمير المؤمنين ؟] قالوا له في الجواب:
نقمنا يا ابن العباس على صاحبك خصالا كلها مكفرة موبقة تدعو إلى النار. أما أولها
فإنه محى اسمه من امرة المؤمنين ثم كتب بينه وبين معاوية فإذا لم يكن أمير المؤمنين
فنحن المؤمنون فلسنا نرضى أن يكون أميرنا. وأما الثانية فإنه شك في نفسه حين قال
للحكمين: أنظرا فإن كان معاوية أحق بها فأثبتاه، وإن كنت أولى بها فأثبتاني " فإذا
هو شك في نفسه فلم يدر
608 - رواه الطبرسي رحمه الله في عنوان: "
احتجاجه عليه السلام على الخوارج... " من كتاب الاحتجاج: ج 1، ص 187، ط بيروت.
[378]
أهو المحق أم معاوية فنحن فيه أشد شكا.
والثالثة أنه جعل الحكم إلى غيره وقد كان عندنا أحكم الناس. والرابعة أنه حكم
الرجال في دين الله ولم يكن ذلك إليه. والخامسة أنه قسم بيننا الكراع والسلاح يوم
البصرة ومنعنا النساء والذرية. والسادسة أنه كان وصيا فضيع الوصية. قال ابن عباس:
قد سمعت يا أمير المؤمنين مقالة القوم فأنت أحق بجوابهم فقال: نعم ثم قال: يا ابن
عباس قل لهم: ألستم ترضون بحكم الله وحكم رسوله ؟ قالوا نعم. قال أبدأ على ما بدأتم
به في بدء الامر. ثم قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله الوحي والقضايا
والشروط والامان يوم صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو فكتب: بسم الله الرحمان الرحيم
هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان وسهيل بن عمرو.
فقال سهيل: انا لا نعرف الرحمان الرحيم ولا نقر أنك رسول الله ولكنا نحسب ذلك شرفا
لك أن تقدم اسمك قبل أسمائنا وإن كنا أسن منك وأبي أسن من أبيك ! ! فأمرني رسول
الله صلى الله عليه وآله فقال: أكتب مكان " بسم الله الرحمان الرحيم " باسمك اللهم
فمحوت ذلك وكتبت باسمك اللهم ومحوت " رسول الله " وكتبت " محمد بن عبد الله " فقال
لي: " إنك تدعى إلى مثلها فتجيب وأنت مكره " وهكذا كتبت بيني وبين معاوية وعمرو بن
العاص: " هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية وعمرو بن العاص "
فقالا: لقد ظلمناك بأن أقررنا بأنك أمير المؤمنين وقاتلناك ولكن اكتب علي بن أبي
طالب فمحوت كما محى رسول الله صلى الله عليه وآله فإن
[379]
أبيتم ذلك فقد جحدتم. فقالوا: هذه لك خرجت
منها. فقال: " وأما قولكم " إني شككت في نفسي حيث قلت للحكمين: أنظرا فإن كان
معاوية أحق بها مني فاثبتاه " فإن ذلك لم يكن شكا مني ولكني أنصفت في القول قال
الله تعالى: * (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) * [24 / السبأ: 34] ولم
يكن ذلك شكا وقد علم الله أن نبيه على الحق. قالوا: وهذه لك. قال: وأما قولكم: "
إني جعلت الحكم إلى غيري وقد كنت عندكم أحكم الناس " فهذا رسول الله صلى الله عليه
وآله قد جعل الحكم إلى سعد يوم بني قريظة وقد كان أحكم الناس. وقد قال الله تعالى:
* (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * [21 / الاحزاب: 33] فتأسيت برسول الله
صلى الله عليه وآله. قالوا: وهذه لك بحجتنا. قال: وأما قولكم: " اني حكمت في دين
الله الرجال " فما حكمت الرجال وإنما حكمت كلام ربي الذي جعله الله حكما بين أهله
وقد حكم الله الرجال في طائر فقال: * (ومن قتله منكم متعمدا فجزا مثل ما قتل من
النعم يحكم به ذوا عدل منكم) * [95 / المائدة: 5] فدماء المسلمين أعظم من دم طائر.
قالوا: وهذه لك بحجتنا. قال: وأما قولكم: " إني قسمت يوم البصرة لما أظفرني الله
بأصحاب الجمل الكراع والسلاح ومنعتكم النساء والذرية " فإني مننت على أهل البصرة
كما من رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل مكة فإن عدوا علينا أخذناهم بذنوبهم
ولم نأخذ صغيرا بكبير ؟ ! وبعد فأيكم كان يأخذ عائشة في سهمه قالوا: وهذه لك
بحجتنا. قال: وأما قولكم: " إني كنت وصيا فضيعت الوصية " فأنتم كفرتم وقدمتم علي
وأزلتم الامر عني وليس على الاوصياء الدعاء إلى أنفسهم إنما يبعث الله الانبياء
صلوات الله عليهم فيدعون إلى أنفسهم والوصي مدلول عليه مستغن عن الدعاء إلى نفسه
وذلك لمن آمن بالله ورسوله صلى الله عليه
[380]
وآله ولقد قال الله عز ذكره: * (ولله على
الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * [79 / آل عمران: 3] فلو ترك الناس الحج لم
يكن البيت ليكفر بتركهم إياه ولكن [الناس] كانوا يكفرون بتركهم [البيت] لان الله
تعالى نصبه لهم علما وكذلك نصبني علما حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله " يا
علي أنت مني [بمنزلة هارون من موسى وأنت مني] بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي " (1)
فقالوا: وهذه لك بحجتنا فأذعنوا فرجع بعضهم وبقي منهم أربعة آلاف لم يرجعوا ممن
كانوا قعدوا عنه فقاتلهم فقتلهم. بيان: قوله عليه السلام " فدماء المسلمين " لعل
المراد أن تحكيم الرجال في الطائر لما كان لجهل الناس والاضطرار فالضرورة هنا أشد
فالكلام على التنزل فإنه عليه السلام منع أولا تحكيم الرجال وقال بعد التسليم لا
فساد فيه ويحتمل أن يكون مؤيدا لاول الكلام ردا لشبهة أصحاب معاوية بالمقايسة
بالطائر أي لم تحكم الرجال لان التحكيم إنما ورد في الامور الجزئية التي لا مفسدة
كثيرا في الخطأ فيها ولا يمكن مقايسة دماء المسلمين بها فإنه قياس مع الفارق. [و]
لكنه بعيد ولا يجري في بعض الاخبار التي وردت بهذا الوجه. 609 - ب: اليقطيني عن
القداح عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا
(1) ما بين المعقوفين غير موجود في طبعة
الكمباني من البحار، وأخذناه من كتاب الاحتجاج ط بيروت ص 189. وقوله صلى الله عليه
وآله وسلم: " أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي... " رواه أيضا ابن الاثير في ترجمة
أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب أسد الغابة: " ج 4 ص 31 ط 1. وأيضا روى ما في
معناه ابن عساكر في الحديث: (912) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ
دمشق: ج 2 ص 407 ط 2. ورواه ابن المغازلي في الحديث: (149) من كتابه: مناقب أمير
المؤمنين عليه السلام: ص 106، ط 1. وليلاحظ ما رواه السيوطي نقلا عن الديلمي في ذيل
كتاب اللآلي المصنوعة: ج 1، 62.
[381]
عليه السلام كان يباشر القتال بنفسه وأنه
نادى ابنه محمد بن الحنفية يوم النهروان: قدم يا بني اللواء فقدم ثم قال: قدم يا
بني اللواء فقدم ثم وقف فقال له: قدم يا بني فتكعكع الفتى فقال: قدم يا ابن اللخناء
ثم جاء علي حتى أخذ منه اللواء فمشى به ما شاء الله ثم أمسك ثم تقدم علي بين يديه
فضرب قدما. إيضاح: قال الجوهري. كعكعته فتكعكع أي حبسته فاحتبس وتكعكع أي جبن ورجل
كعكع بالضم أي جبان ضعيف وقال: لخن السقاء بالكسر أي أنتن ومنه قولهم: أمة لخناء.
ويقال: اللخناء: التي لم تختن. وقال: مضى قدما: لم يعرج ولم ينثن. 610 - يد: الدقاق
عن الاسدي عن البرمكي عن جعفر بن سليمان الجعفري عن أبيه عن عبد الله بن الفضل
الهاشمي عن سعد الخفاف عن الاصبغ بن نباتة قال: لما وقف أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام على الخوارج ووعظم وذكرهم وحذرهم القتال قال لهم: ما تنقمون مني
إلا أني أول من آمن بالله وبرسوله فقالوا: أنت كذلك ولكنك حكمت في دين الله أبا
موسى الاشعري فقال عليه السلام: والله ما حكمت مخلوقا وإنما حكمت القرآن ولولا أني
غلبت على أمري وخولفت في رأيي لما رضيت أن تضع الحرب أوزارها بيني وبين أهل حرب
الله حتى أعلى كلمة الله وأنصر دين الله ولو كره الجاهلون والكافرون. 611 - ب هارون
عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان يدعو على
الخوارج فيقول في دعائه:
609 - رواه الحميري رحمه الله في الحديث:
(90) من كتاب قرب الاسناد، ص 14، ط 1. 610 - رواه الشيخ الصدوق قدس الله نفسه في
الحديث: (6) من الباب: (30) من كتاب التوحيد. 611 - رواه الحميري رحمه الله في
الحديث: (37) من كتاب قرب الاسناد، ص 8.
[382]
اللهم رب البيت المعمور والسقف المرفوع
والبحر المسجور والكتاب المسطور أسألك الظفر على هؤلا الذين نبذوا كتابك وراء
ظهورهم وفارقوا أمة أحمد صلى الله عليه وآله عتوا عليك. 612 - مد: بإسناده إلى أحمد
بن حنبل من مسنده بإسناده عن زيد بن وهب قال: قدم على علي عليه السلام قوم من أهل
البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له الجعد بن بعجة فقال له: اتق الله يا علي فإنك
ميت فقال علي عليه السلام: بل مقتول قتلا ضربة على هذا يخضب هذه - يعني لحيته ورأسه
- عهد معهود وقضاء مقضى وقد خاب من افترى. وعاتبه في لباسه فقال: ما يمنعك أن تلبس
؟ فقال مالك وللباسي ! هو أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم. 613 - ل: في خبر
اليهودي السائل أمير المؤمنين عما فيه من خصال الاوصياء قال عليه السلام: وأما
السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان عهد إلي أن أقاتل في
آخر الزمان من أيامي قوما من أصحابي يصومون النهار ويقومون الليل ويتلون الكتاب
يمرقون بخلافهم علي ومحاربتهم إياي من الدين
612 - رواه ابن البطريق رحمه الله في
الفصل الاخير في عنوان: " فصل في شئ من الاحداث [الطارئة] بعد رسول الله صلى الله
عليه وآله... " في الحديث: (821) من كتاب العمدة ص 233 والحديث رواه عبد الله بن
أحمد تحت الرقم: (32) من باب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب الفضائل ص 23
ط 1. ورواه أيضا في الحديث: (31 و 47) ص 30 بأسانيد أخر، وقد ذكر الطباطبائي له
مصادر اخر في تعليقه. وأيضا رواه عبد الله بن أحمد تحت الرقم: 703 من كتاب المسند:
ج 1، ص 91 ط 1. 613 - رواه الشيخ الصدوق رفع الله مقامه في آخر الحديث: (58) من باب
السبعة من كتاب الخصال: ج 1، ص 381.
[383]
مروق السهم من الرمية فيهم ذو الثدية يختم
لي بقتلهم بالسعادة. فلما انصرفت إلى موضعي هذا يعني بعد الحكمين أقبل بعض القوم
على بعض باللائمة فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين فلم يجدوا لانفسهم من ذلك مخرجا
إلا أن قالوا: كان ينبغي لاميرنا أن لا يتابع من أخطأ وأن يقضي بحقيقة رأيه على قتل
نفسه وقتل من خالفه منا فقد كفر بمتابعته إيانا وطاعته لنا في الخطأ وأحل لنا بذلك
قتله وسفك دمه. فتجمعوا على ذلك وخرجوا راكبين رؤوسهم ينادون بأعلى أصواتهم " لا
حكم إلا لله " ثم تفرقوا فرقة بالنخيلة وأخرى بحروراء وأخرى راكبة رأسها تخبط الارض
شرقا حتى عبرت دجلة فلم تمر بمسلم إلا امتحنته فمن تابعها استحيته ومن خالفها
قتلته. فخرجت إلى الاوليين واحدة بعد أخرى أدعوهم إلى طاعة الله عزوجل والرجوع إليه
فأبيا إلا السيف لا يفنعهما غير ذلك فلما أعيت الحيلة فيهما حاكمتهما إلى الله
عزوجل فقتل الله هذه وهذه كانوا يا أخا اليهود لولا ما فعلوا لكانوا ركنا قويا وسدا
منيعا فأبى الله إلا ما صاروا إليه. ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة ووجهت رسلي تترى
وكانوا من جلة أصحابي وأهل التعبد منهم والزهد في الدنيا فأبت إلا إتباع أختيها
والاحتذاء على مثالهما وأشرعت في قتل من خالفها من المسلمين وتتابعت إلي الاخبار
بفعلهم فخرجت حتى قطعت إليهم دجلة أوجه السفراء والنصحاء وأطلب العتبى بجهدي بهذا
مرة وبهذا مرة وأومئ بيده إلى الاشتر والاحنف بن قيس وسعيد بن قيس الارحبي والاشعث
بن قيس الكندي - فلما أبوا إلا تلك ركبتها منهم فقتلهم الله يا أخا اليهود عن آخرهم
وهم أربعة آلاف أو يزيدون حتى لم يفلت منهم مخبر (1) فاستخرجت ذا الثدية من قتلاهم
بحضرة من ترى له
(1) كذا في هذه الرواية والظاهر أنه من
سهو الراوي إذ ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام بنحو الاستفاضة أنه قال: " لا يفلت
منهم عشرة ولا يقتل منكم عشرة " وذكر
[384]
ثدي كثدي المرأة ثم التفت عليه السلام إلى
أصحابه فقال: أليس كذلك قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. بيان: [قال الفيروز آبادي] في
القاموس: جل الشئ وجلاله بضمها: معظمه. وقوم جلة بالكسر عظماء سادة ذوو أخطار. 614
- يج: روي عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام عن أبيه قال: لما أراد علي
عليه السلام أن يسير إلى النهروان استنفر أهل الكوفة وأمرهم أن يعسكروا بالمدائن
فتأخر عنه شبث بن ربعي وعمرو بن حريث والاشعث بن قيس وجرير بن عبد الله (1) وقالوا:
إئذن لنا أياما نتخلف عنك في بعض حوائجنا ونلحق بك فقال لهم: قد فعلتموه ؟ سوأة لكم
من مشايخ فو الله ما لكم من حاجة تتخلفون عليها وإني لاعلم ما في قلوبكم وسأبين لكم
تريدون أن تثبطوا عني الناس وكأني بكم بالخورنق وقد بسطتم سفرتكم للطعام إذ يمر بكم
ضب فتأمرون صبيانكم فيصيدونه فتخلعوني وتبايعونه. ثم مضى إلى المدائن وخرج القوم
إلى الخورنق وهيئوا طعاما فبينما هم كذلك على سفرتهم وقد بسطوها إذ مر بهم ضب
فأمروا صبيانهم فأخذوه وأوثقوه ومسحوا أيديهم على يده كما أخبر علي عليه السلام
وأقبلوا على المدائن فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: بئس للظالمين بدلا
ليبعثنكم الله يوم القيامة مع إمامكم الضب الذي بايعتم كأني أنظر إليكم يوم القيامة
مع إمامكم وهو يسوقكم إلى النار. ثم قال: لئن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله
منافقون فإن معي منافقين أما والله يا شبث ويا ابن حريث لتقاتلان ابني الحسين هكذا
أخبرني رسول الله صلى الله عليه واله.
المؤرخون والمحدثون أنه أفلت منهم تسعة.
614 - رواه مع التوالي قطب الدين الراوندي رحمه الله في كتاب الخرائج. (1) كذا في
هذه الرواية، وهذا أيضا سهو من راوي الحديث إذ جرير بن عبد الله فارق الامام عليه
السلام قبل وقعة صفين ولم يعد إليه إلى أن استشهد الامام عليه السلام.
[385]
615 - يج روي أن عليا عليه السلام لما سار
إلى النهروان شك رجل يقال له جندب فقال له علي عليه السلام: ألزمني ولا تفارقني
فلزمه فلما دنوا من قنطرة النهروان نظر علي عليه السلام قبل زوال الشمس إلى قنبر
يؤذنه بالصلاة فنزل وقال: ائتني بماء فقعد يتوضأ فأقبل فارس وقال: قد عبر القوم
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما عبروا ولا يعبرونها ولا يفلت منهم إلا دون
العشرة ولا يقتل منكم إلا دون العشرة والله ما كذبت ولا كذبت. فتعجب الناس فقال
جندب: إن صح ما قال علي [عليه السلام] فلا أحتاج إلى دليل غيره فبينما هم كذلك إذ
أقبل فارس فقال: يا أمير المؤمنين القوم على ما ذكرت لم يعبروا القنطرة فصلى بالناس
الظهر وأمرهم بالمسير إليهم فقال جندب: قلت لا يصل إلى القنطرة قبلي أحد فركضت فرسي
فإذا هم دون القنطرة وقوف فكنت أول من رمى فقتلوا كلهم إلا تسعة وقتل من أصحابنا
تسعة. ثم قال علي عليه السلام: أطلبوا ذا الثدية فطلبوه فلم يجدوه فقال: أطلبوا فو
الله ما كذبت ولا كذبت ثم قام فركب البغلة نحو قتلى كثير فقال: اقلبوها فاستخرجوا
ذا الثدية فقال: الحمد لله [الذى] عجلك إلى النار. وقد كان الخوارج خرجوا عليه قبل
ذلك بجانب الكوفة في حروراء وكانوا إذ ذاك اثنى عشر الفا قال: فخرج إليهم أمير
المؤمنين عليه السلام في ازاره وردائه راكبا البغلة ! ! فقيل [له]: القوم شاكون في
السلاح أتخرج إليهم كذلك ؟ قال: إنه ليس بيوم قتالهم وصار إليهم بحروراء وقال لهم:
ليس اليوم أوان قتالكم وستفترقون حتى تصيروا أربعة آلاف فتخرجون علي في مثل هذا
اليوم في مثل هذا الشهر فأخرج إليكم بأصحابي فأقاتلكم حتى لا يبقى منكم إلا دون
عشرة ويقتل من أصحابي يومئذ دون عشرة هكذا أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله فلم
يبرح من مكانه حتى تبرأ بعضهم من بعض وتفرقوا إلى أن صاروا أربعة آلاف بالنهروان.
616 - يج: روي عن جندب بن زهير الازدي قال: لما فارقت الخوارج
[386]
عليا خرج عليه السلام إليهم وخرجنا معه
فانتهينا إلى عسكرهم فإذا لهم دوي كدوي النحل في قرائة القرآن وفيهم أصحاب البرانس
وذوو الثفنات فلما رأيت ذلك دخلني شك فتنحيت ونزلت عن فرسي وركزت رمحي ووضعت ترسي
ونثرت عليه درعي وقمت أصلي وأنا أقول في دعائي: اللهم إن كان قتال هؤلاء رضا لك
فأرني من ذلك ما أعرف به أنه الحق وإن كان لك سخطا فاصرف عني إذ أقبل علي عليه
السلام فنزل عن بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وقام يصلي إذ جاءه رجل فقال:
قطعوا النهر ثم جاء آخر يشتد به دابته فقال: قطعوه وذهبوا. فقال أمير المؤمنين عليه
السلام: ما قطعوه ولا يقطعونه وليقتلن دون النطفة عهد من الله ورسوله صلى الله عليه
وآله وقال لي: يا جندب ترى التل قلت: نعم. قال: [إن] رسول الله صلى الله عليه واله
حدثني أنهم يقتلون عنده ثم قال: إنا نبعث إليهم رسولا يدعوهم إلى كتاب الله وسنة
نبيه فيرشقون وجهه بالنبل وهو مقتول قال: فانتهينا إلى القوم فإذا هم في معسكرهم لم
يبرحوا ولم يترحلوا فنادى الناس وضمهم ثم أتى الصف وهو يقول: من يأخذ هذا المصحف
فيمشي به إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه وهو مقتول وله الجنة ؟
فما أجابه أحد إلا شاب من بني عامر بن صعصعة فلما رأى حداثة سنه: " قال له ارجع إلى
موقفك " ثم أعاد فما أجابه أحد إلا ذلك الشاب قال: خذه أما إنك مقتول. فمشى به حتى
إذا دنا من القوم حيث يسمعهم ناداهم إذ رموا [فرموا " خ ل "] وجهه بالنبل فأقبل
علينا ووجهه كالقنفذ فقال علي عليه السلام: دونكم القوم فحملنا عليهم قال جندب: ذهب
الشك عني وقتلت بكفي ثمانية. ولما قتل الحرورية قال علي عليه السلام: التمسوا في
قتلاهم رجلا مخدوجا حدى يديه مثل ثدي المرأة فطلبوه فلم يجدوه فقام فأمر بهم فقلب
بعضهم على بعض فإذا حبشي إحدى عضديه مثل ثدي المرأة عليه شعرات كسبال السنور
[387]
فكبر وكبر الناس معه وقال: هذا شيطان لولا
أن تتكلوا لحدثتكم بما أعد الله على لسان نبيكم لمن قاتل هؤلاء. 617 - شا: من كلام
أمير المؤمنين عليه السلام للخوارج حين رجع إلى الكوفة وهو بظاهرها قبل دخوله إياها
بعد حمد الله والثناء عليه: اللهم إن هذا مقام من فلج فيه كان أولى بالفلج يوم
القيامة ومن نطف فيه أو عنت فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا. نشدتكم بالله أتعلمون
أنهم حين رفعوا المصاحف فقلتم " نجيبهم إلى كتاب الله " قلت لكم: إني أعلم بالقوم
منكم إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن إني صحبتهم وعرفتهم أطفالا ورجالا فكانوا شر
أطفال وشر رجال امضوا على حقكم وصدقكم إنما رفعوا القوم لكم هذه المصاحف خديعة
ووهنا ومكيدة فرددتم علي رأيي وقلتم: لا بل نقبل منهم فقلت لكم: اذكروا قولي لكم
ومعصيتكم إياي فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحيا ما أحياه القرآن
وأن يميتا ما أماته القرآن فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكم من حكم بما
في الكتاب وإن أبيا فنحن من حكمهما براء. قال بعض الخوارج: فخبرنا أتراه عدلا يحكم
[تحكيم " خ ل "] الرجال في الدماء. فقال عليه السلام إنا لم نحكم الرجال إنما حكمنا
القرآن وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال.
قالوا له: فخبرنا عن الاجل الذي جعلته فيما بينك وبينهم ! قال: ليتعلم الجاهل ويثبت
العالم ولعل الله أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الامة ادخلوا مصركم رحمكم الله
ورحلوا من عند آخرهم. بيان: [قوله عليه السلام:] " كان أولى بالفلج " أي من ظفر في
هذا
617 - رواه الشيخ المفيد رحمه الله في
الفصل (38) مما اختار من كلام أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب الارشاد، ص 144.
[388]
الحرب وفي هذه القضية لاخبار النبي صلى
الله عليه وآله بكون القاتلين أولى بالحق من المقتولين وغير ذلك مما مر أو المعنى
أن حجة أهل الحق تكون أغلب دائما وقال الجوهري: نطف الرجل بالكسر إذا اتهم بريبة.
ونطف الشئ أيضا فسد. والنطف: التلطخ بالعيب. وقال العنت: الاثم. وقد عنت الرجل [أي
أثم] والعنت أيضا: الوقوع في أمر شاق وقد عنت وأعنته غيره. 618 - قب: لما دخل أمير
المؤمنين عليه السلام الكوفة جاء إليه زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير التميمي
ذو الثدية فقال: لا حكم إلا لله فقال عليه السلام: كلمة حق يراد بها باطل. قال
حرقوص: فتب من خطيئتك وارجع عن قصتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا
فقال علي عليه السلام: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبين القوم
كتابا وشروطا وأعطينا عليها عهودا ومواثيقا وقد قال الله تعالى: * (وأوفوا بعهد
الله إذا عاهدتم) * الآية فقال حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن نتوب عنه فقال علي عليه
السلام: ما هو بذنب ولكنه عجز من الرأي وضعف في العقل وقد تقدمت فنهيتكم عنه. فقال
ابن الكواء: الآن صح عندنا أنك لست بإمام ولو كنت إماما لما رجعت فقال علي عليه
السلام: ويلكم قد رجع رسول الله صلى الله عليه وآله عام الحديبية عن قتال أهل مكة.
ففارقوا أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا: لا حكم إلا لله ولا طاعة لمخلوق في
معصية الخالق وكانوا إثني عشر ألفا من أهل الكوفة والبصرة وغيرهما ونادى مناديهم إن
أمير القتال شبث بن ربعي وأمير الصلاة عبد الله بن الكواء والامر شورى بعد الفتح
والبيعة لله على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. واستعرضوا الناس وقتلوا عبد الله
بن خباب بن الارت وكان عامله على
618 - رواه ابن شهر آشوب رحمه الله في آخر
عنوان: " في الحكمين والخوارج " من كتاب مناقب آل أبي طالب: ج 2 ص 369 ط النجف.
[389]
النهروان. فقال أمير المؤمنين عليه
السلام: يا ابن عباس امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه ولماذا اجتمعوا فلما وصل
إليهم قالوا: ويلك يا ابن عباس أكفرت بربك كما كفر صاحبك علي بن أبي طالب وخرج
خطيبهم عتاب بن الاعور الثعلبي فقال ابن عباس: من بنى الاسلام فقال: الله ورسوله
فقال: النبي أحكم أموره وبين حدوده أم لا ؟ قال: بلى قال: فالنبي بقي في دار
الاسلام أم ارتحل قال: بل ارتحل قال: فأمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده قال: بل
بقيت. قال: وهل قام أحد بعده بعمارة ما بناه ؟ قال: نعم الذرية والصحابة. قال:
أفعمروها أو خربوها ؟ قال: بل عمروها قال: فالآن هي معمورة أم