بحار الانوار الجزء
41
العلامة المجلسي
[1]
بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة
الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس
الله سره " الجزء الحادي والاربعون دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان الطبعة
الثالثة المصححة 1403 ه. 1983 م
[1]
99 (باب) * (يقينه صلوات الله عليه، وصبره
على المكاره وشدة ابتلائه) * 1 - يد: أبي، عن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن جعفر بن
بشير، عن العرزمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان لعلي عليه السلام غلام اسمه
قنبر، وكان يحب عليا حبا شديدا، فإذا خرج علي خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة
فقال (1): يا قنبر مالك ؟ قال: جئت لامشي خلفك، فان الناس كما تراهم يا أمير
المؤمنين، فخفت عليك، قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الارض ؟ قال: لا
بل من أهل الارض، قال: إن أهل الارض لا يستطيعون بي شيئا إلا بإذن الله عزوجل من
السماء، فارجع فرجع (2). 2 - يد: القطان، عن ابن زكريا، عن ابن حبيب، عن علي بن
زياد، عن مروان بن معاوية، عن الاعمش، عن أبي حيان التيمي (3)، عن أبيه - وكان مع
علي عليه السلام يوم صفين وفيما بعد ذلك - قال: بينما علي بن أبي طالب عليه السلام
يعبئ (4) الكتائب يوم صفين ومعاوية مستقبله على فرس له يتأكل (5) تحته تأكلا وعلي
عليه السلام على فرس رسول الله صلى الله عليه وآله المرتجز وبيده حربة رسول الله
صلى الله عليه وآله وهو متقلد سيفه ذاالفقار، فقال رجل من أصحابه: احترس يا أمير
المؤمنين فإنا نخشى أن يغتالك (6) هذا الملعون، فقال علي عليه السلام: لئن قلت ذاك
إنه غير
(1) في المصدر: فقال له. (2) التوحيد:
350. (3) عن ابن حيان التميمي خ ل. (4) أي يهيئ. (5) أي يكاد يسقط. (6) في المصدر:
أن يقاتلك.
[2]
مأمون على دينه، وإنه لاشقى القاسطين
وألعن الخارجين على الائمة المهتدين ولكن كفى بالاجل حارسا، ليس أحد من الناس إلا
ومعه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر، أو يقع عليه حائط، أو يصيبه سوء،
فإذا حان ؟ أجله خلوا بينه وبين ما يصيبه، فكذلك (1) أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها
فخضب هذه من هذا وأشار إلى لحيته ورأسه - عهدا معهودا ووعدا غير مكذوب ; والحديث
طويل أخذنا منه موضع الحاجة (2). 3 - يد: الوراق وابن المغيرة (3) معا، عن سعد، عن
النهدي، عن ابن علوان، عن عمرو بن ثابت، عن ابن طريف، عن ابن نباتة قال: إن أمير
المؤمنين عليه السلام عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر، فقيل له: يا أمير
المؤمنين تفر من قضاء الله قال (4): أفر من قضاء الله إلى قدر الله عزوجل (5).
بيان: لعل المعنى أن فراري أيضا مما قدره الله تعالى، فلا ينافي الاحتراز عن
المكاره، الايمان بقضائه تعالى، وقد مر توضيحه في كتاب العدل. 4 - قب: كان أمير
المؤمنين عليه السلام يطوف بين الصفين بصفين في غلالة (6)، فقال الحسن عليه السلام:
ما هذا زي الحرب، فقال: يا بني إن أباك لا يبالى وقع على الموت أو وقع الموت عليه.
وكان عليه السلام يقول: ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم، ولما ضربه ابن
ملجم قال: فزت ورب الكعبة، فقد قال الله تعالى: " قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم
أنكم أولياء (7) " الآية ومن صبره ما قال الله تعالى فيه: " الصابرين و
(1) في المصدر: وكذلك. (2) التوحيد: 376
(3) في (م) وفى نسخة من المصدر: وابن مقبرة. (4) في المصدر: أتفر من قضاء الله ؟
فقال. (5) التوحيد: 377. (6) بكسر أوله: شعار يلبس تحت الثوب أو تحت الدرع. (7)
سورة الجمعة: 6.
[3]
الصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين
بالاسحار (1) ". والدليل على أنها نزلت فيه أنه قام الاجماع على صبره مع النبي صلى
الله عليه وآله في شدائده من صغره إلى كبره وبعد وفاته، وقد ذكر الله تعالى صفة
الصابرين في قوله: " والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا
(2) وهذا صفته بلاشك. مجمع البيان وتفسير علي بن إبراهيم وأبان بن عثمان: أنه أصاب
عليا عليه السلام يوم أحد ستون جراحة. تفسير القشيري قال أنس بن مالك: أنه اتي رسول
الله صلى الله عليه وآله بعلي عليه السلام وعليه نيف وستون جراحة، قال أبان: أمر
النبي صلى الله عليه وآله أم سليم وأم عطية أن تداوياه فقالتا: قد خفنا عليه، فدخل
النبي صلى الله عليه وآله والمسلمون يعودونه وهو قرحة واحدة فجعل النبي صلى الله
عليه وآله يمسحه بيده ويقول: إن رجلا لقي هذا في الله لقد أبلى (3) أعذر، فكان
يلتئم، فقال علي عليه السلام: الحمدلله الذي جعلني لم أفر ولم اولي الدبر فشكر الله
تعالى له ذلك في موضعين من القرآن، وهو قوله تعالى " سيجزي الله الشاكرين (4) " "
وسنجزي الشاكرين (5) ". سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى " أفإن مات أو قتل
انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين
(6) " يعني بالشاكرين صاحبك علي بن أبي طالب عليه السلام، والمرتدين على أعقابهم
الذين ارتدوا عنه. سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود في
قوله
(1) سورة آل عمران: 17. (2) سورة البقرة:
177. (3) أبلى فلانا عذره: قدمه له فقبله. أبلى في الحرب بلاء حسنا: أظهر فيها بأسه
حتى بلاه الناس وامتحنوه. (4 و 6) سورة آل عمران 144. (5) سورة آل عمران: 145.
[4]
تعالى: " إني جزيتهم اليوم بما صبروا (1)
" يعني صبر علي بن أبي طالب وفاطمة و الحسن والحسين عليهم السلام في الدنيا على
الطاعات وعلى الجوع وعلى الفقر، وصبروا على البلاء لله في الدنيا " أنهم هم
الفائزون (2) " وقال علي بن عبد الله بن عباس: " وتواصوا بالصبر (3) " علي بن بن
أبي طالب عليه السلام ولما نعى رسول الله صلى الله عليه وآله عليا بحال جعفر في
غزوة مؤتة (4) قال: " إنا لله وإنا إليه راجعون " فأنزل الله عزوجل: " الذين إذا
أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات (5) " الآية. وقال
رجل: إني والله لا حبك في الله تعالى، فقال: إن كنت تحبني فأعد للفقر نجفافا أو
جلبابا (6). قال أبو عبيدة وتغلب (7): أي استعد جلبابا من العمل الصالح والتقوى،
يكون لك جنة من الفقر، يوم القيامة، وقال آخرون: أي فليرفض الدنيا وليزهد فيها
وليصبر على الفقر، يدل عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام: ومالي لا أرى منهم
سيماء الشيعة ؟ قيل: وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين ؟ قال: خمص البطون من
الطوى، يبس الشفاه من الظماء، عمش العيون من البكاء. في مسند أبي يعلى واعتقاد
الاشنهي ومجموع أبي العلاء الهمداني عن أنس وأبي برزة وأبي رافع، وفي إبانة ابن بطة
من ثلاثة طرق أن النبي صلى الله عليه وآله خرج يتمشى إلى قبا، فمر بحديقة فقال علي
عليه السلام: ما أحسن هذه الحديقة ! فقال النبي صلى الله عليه وآله: حديقتك يا علي
في الجنة أحسن منها. حتى مر بسبع حدائق على
(1 و 2) سورة المؤمنون: 111. (3) سورة
العصر: 3 (4) في المصدر " في أرض مؤتة " وهى اسم قرية بالشام على اثنى عشر ميلا من
اذرخ، بها قبر جعفر بن أبي طالب وزيد بن أبي حارثة وعبد الله بن رواحة، على كل قبر
منها بناء منفرد. (مراصد الاطلاع 3: 1330) (5) سورة البقرة: 156. (6) التجفاف -
بالفتح والكسر -: آلة للحرب يتقى بها كالدرع، والجلباب: القميص أو الثوب الواسع.
(7) كذا في النسخ، والصحيح " ثعلب ". (*)
[5]
ذلك، ثم أهوى إليه فاعتنقه، فبكى وبكى علي
عليه السلام ثم قال علي عليه السلام: ما الذي أبكاك يا رسول الله ؟ قال: أبكي
لضغائن في صدور قوم لن تبدو لك إلا من بعدي، قال: يا رسول الله كيف أصنع ؟ قال:
تصبر فإن لم تصبر تلق جهدا وشدة، قال: يا رسول الله أتخاف فيها هلاك ديني ؟ قال: بل
فيها حياة دينك. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما رأيت منذ بعث الله محمدا رخاء
- فالحمد لله - ولقد خفت صغيرا وجاهدت كبيرا اقاتل المشركين واعادي المنافقين، حتى
قبض الله نبيه، فكانت الطامة الكبرى، فلم أزل محاذرا وجلا أحاف أن يكون مالا يسعني
فيه المقام، فلم أر بحمدالله إلا خير، حتى مات عمر، فكانت أشياء ففعل الله ما شاء،
ثم أصيب فلان، فما زلت بعد فيما ترون دائبا أضرب بسيفي صبيا حتى كنت شيخا، الخبر.
عمرو بن حريث في حديثه: قال أمير المؤمنين عليه السلام: كنت أحسب أن الامراء يظلمون
الناس، فإذا الناس يظلمون الامراء. أبو الفتح الحفار باسناده أن عليا عليه السلام
قال: ما زلت مظلوما منذ كنت قيل له: عرفنا ظلمك في كبرك فما ظلمك في صغرك ؟ فذكر أن
عقيلا كان به رمد، فكان لا يذرهما حتى يبدؤوا بي (1). 5 - قب: أبو معاوية الضرير،
عن الاعمش، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وابن عباس في قوله تعالى: فما يكذبك
بعد بالدين (2) " يقول: يا محمد لا يكذبك علي بن أبي طالب عليه السلام بعد ما آمن
بالحساب. وقال أمير المؤمنين عليه السلام في مقامات كثيرة: أنا باب المقام، وحجة
الخصام ودابة الارض، وصاحب العصا، وفاصل القضاء، وسفينة النجاة، من ركبها نجا ومن
تخلف عنها غرق. وقال أيضا: أنا شجرة الندى، وحجاب الورى، وصاحب الدنيا، وحجة
(1) مناقب آل أبى طالب 1: 320 - 323. (2)
سورة التين: 7.
[6]
الانبياء، واللسان المبين، والحبل المتين،
والنبأ العظيم الذي عنه تعرضون وعنه تسألون وفيه تختلفون. وقال عليه السلام: فوعزتك
وجلالك وعلو مكانك في عظمتك وقدرتك ماهبت عدوا ولا تملقت وليا، ولا شكرت على
النعماء أحدا سواك. وفي مناجاته: اللهم إني عبدك وليك، اخترتني وارتضيتني ورفعتني،
وكرمتني بما أورثتني من مقام أصفيائك وخلافة أوليائك، وأعنيتني وأفقرت الناس في
دينهم ودنياهم إلي، وأعززتني وأذللت العباد إلي، وأسكنت قلبي نورك، ولم تحوجني إلى
غيرك، وأنعمت علي وأنعمت بي، ولم تجعل منة علي لاحد سواك، وأقمتني لاحياء حقك
والشهادة على خلقك، وأن لا أرضى ولا أسخط إلا لرضاك وسخطك، ولا أقول إلا حقا، ولا
أنطلق إلا صدقا، فانظر إلى جسارته على الحق، وخذلان جماعة كما تكلموا بما روي عنهم
في حلية الاولياء وغريب الحديث وغيرهما (1). 6 - كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي
عمير، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام
جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس، فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معور،
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: حرس امرءا أجله (2). فلما قام أمير المؤمنين عليه
اسلام سقط الحائط، قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام مما يفعل هذا وأشباهه، وهذا
اليقين (3). 7 - كا: محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن الوشاء، عن عبد الله بن سنان،
عن أبي حمزة، عن سعيد بن قيس الهمداني قال: نظرت يوما في الحرب إلى رجل
(1) مناقب آل أبى طالب 1: 320 (2) " امرءا
" مفعول " حرس " و " أجله " فاعله وهذا مما استعمل فيه النكرة في سياق الاثبات
للعموم، أي حرس كل امرئ أجله، ويشكل هذا لانه يدل على جواز إلقاء النفس إلى التهلكة
وعدم وجوب الفرار عما يظن عنه الهلاك، والمشهور عند الاصحاب خلافه، ويمكن أن يجاب
عنه بوجوه، راجع مرآة: العقول 2: 83. (3) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة
الحديثة): 58.
[7]
عليه ثوبان، فحركت فرسي فإذا هو أمير
المؤمنين عليه السلام فقلت: يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع ؟ فقال: نعم يا
سعيد بن قيس، إنه ليس من عبد إلا وله من الله عزوجل حافظ وواقية، معه ملكان يحفظانه
من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شئ (1). 8
- نهج: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لما أنزل الله سبحانه قوله: " ألم أحسب
الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (2) " علمت أن الفتنة لا تنزل بنا
ورسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرنا، فقلت: يا رسول الله ما هذه الفتنة التي
أخبرك الله تعالى بها ؟ فقال: يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي، فقلت: يا رسول الله
أو ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين واخرت (3) عني الشهادة
فشق ذلك علي فقلت لي: ابشر فإن الشهادة من ورائك ؟ فقال لي: إن ذلك لذلك، فكيف صبرك
إذا ؟ فقلت: يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر (4).
9 - ن: المفسر باسناده إلى أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام قال: قيل لامير
المؤمنين عليه السلام: ما الاستعداد للموت ؟ قال: أداء الفرائض، واجتناب المحارم
والاشتمال على المكارم، ثم لا يبالي إن وقع على الموت أو وقع الموت عليه، والله ما
يبالي ابن أبي طالب إن وقع على الموت أو وقع الموت عليه (5).
(1) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة
الحديثة): 58 و 59. (2) سورة العنكبوت: 2. (3) في المصدر " وحيزت " أي منعت. (4)
نهج البلاغة (عبده ط مصر) 1: 303 و 304. (5) عيون الاخبار: 165.
[8]
100 (باب) * (تنمره في ذات الله وتركه
المداهنة في دين الله) * 1 - قب: في الصحيحين والتاريخين والمسندين وأكثر التفاسير
أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام أتت النبي صلى الله عليه وآله من مكة
مسترفدة، فأمر بني عبد المطلب بإسدانها (1) فأعطاها حاطب ابن أبي بلتعة عشرة دنانير
على أن تحمل كتابا بخبر وفود النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة، وكان صلى الله عليه
وآله إسر ذلك ليدخل عليهم بغتة فأخذت الكتاب وأخفته في شعرها وذهبت، فأتى جبرئيل
عليه السلام وقص القصة على رسول الله صلى الله عليه وآله، فأنفذ عليا والزبير
ومقدادا وعمارا وعمر وطلحة وأبا مرثد خلفها فأدركوها بروضة خاخ يطالبونها بالكتاب،
فأنكرت وما وجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع، فقال علي عليه السلام: والله ما كذبنا
ولا كذبنا، وسل سيفه وقال: أخرجي الكتاب وإلا والله لاضربن عنقك، فأخرجته من
عقيصتها، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الكتاب وجاء النبي صلى الله عليه وآله
فدعا بحاطب بن أبي بلتعة وقال له: ما حملك على ما فعلت ؟ قال: كنت رجلا عزيزا في
أهل مكة - أي غريبا ساكنا بجوارهم - فأحببت أن أتخذ عندهم بكتابي إليهم مودة،
ليدفعوا عن أهلي بذلك، فنزل قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أو
لياء تلقون إليهم بالمودة (2) " قال السدي ومجاهد في تفسيرهما عن ابن عباس " لا
تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " بالكتاب والنصيحة لهم " وقد كفروا
بما جاءكم " أيها المسلمون " من الحق " يعني الرسول والكتاب " يخرجون الرسول " يعني
محمدا " وإياكم " يعني وهم أخرجوا أمير المؤمنين " أن تؤمنوا بالله ربكم " وكان
النبي وعلي صلى الله عليهما وحاطب ممن اخرج من مكة، فخلاه رسول الله صلى الله عليه
وآله لايمانه
(1) سدن: خدم. (2) سورة الممتحنة: 1.
[9]
" إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء
مرضاتي " أيها المؤمنون " تسرون إليهم بالمودة " تخفون إليهم بالكتاب بخبر النبي
صلى الله عليه وآله وتتخذون عندهم النصيحة و " أنا أعلم بما أخفيتم " من إخفاء
الكتاب الذي كان معها " وما أعلنتم " وما قاله أمير المؤمنين عليه السلام للزبير:
والله لا صدقت المرأة أن ليس معها كتاب بل الله أصدق ورسوله، فأخذه منها، ثم قال: "
ومن يفعله منكم " عند أهل مكة بالكتاب " فقد ضل سواء السبيل ". وقد اشتهر عنه عليه
السلام قوله: أنا فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليفقأها غيري. وأخذ عليه السلام رجلا من
بني أسد في حد، فاجتمعوا قومه ليكلموا فيه، وطلبوا إلى الحسن عليه السلام أن
يصحبهم، فقال: ائتوه فهو أعلى بكم عينا، فدخلوا عليه وسألوه، فقال: لا تسألوني شيئا
أملكه إلا أعطيتكم، فخرجوا يرون أنهم قد أنجحوا فسألهم الحسن عليه السلام فقالوا:
أتينا خير مأتي، وحكوا له قوله، فقال: ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم ؟ فأصغوه،
فأخرجه علي عليه السلام فحده، ثم قال: هذا والله لست أملكه (1). بيان: قال الجزري:
فيه " أعلابهم عينا " أي أبصر بهم وأعلم بحالهم (2)، وأصغى الشئ: نقصه. 2 - قب:
وبلغ معاوية أن النجاشي هجاه، فدس قوما شهدوا عليه عند علي عليه السلام أنه شرب
الخمر، فأخذه علي فحده، فغضب جماعة على علي عليه السلام في ذلك. منهم طارق بن عبد
الله النهدي، فقال: يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أن أهل المعصية والطاعة وأهل
الفرقة والجماعة عند ولاة العقل ومعادن الفضل سيان في الجزاء حتى ما كان من صنيعك
بأخي الحارث - يعني النجاشي - فأوغرت صدورنا (3) وشتتت امورنا، وحملتنا على الجادة
التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار،
(1) مناقب آل أبى طالب 1: 338. (2)
النهاية 3: 126. (3) أوغر صدره: أوقده من الغيظ.
[10]
فقال علي عليه السلام " إنها لكبيرة إلا
على الخاشعين " يا أخا بني نهدهل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرمة الله
فأقمنا عليه حدها زكاة له وتطهيرا ؟ يا أخا بني نهد إنه من أتى حد افاليم (1) كان
كفارته، يا أخا بني نهد إن الله عزوجل يقول في كتابه العظيم: " ولا يجر منكم شنآن
قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى (2) " فخرج طارق والنجاشي معه إلى
معاوية، ويقال: إنه رجع (3). 3 - قب: الحسن الحسيني في كتاب النسب أنه رأى أمير
المؤمنين علي عليه السلام يوم بدر عقيلا في قيد فصد عنه، فصاح به: يا علي أما والله
لقد رأيت مكاني ولكن عمدا تصدعني، فأتى علي إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا
رسول الله هل لك في أبي يزيد مشدودة يداه إلى عنقه بنسعة (4) ؟ فقال: انطلق بنا
إليه. قوت القلوب: قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام: إنك خالفت فلانا في كذا،
فقال: خيرنا أتبعنا لهذا الدين (5). وقصد علي عليه السلام دار أم هانئ متقنعا
بالحديد يوم الفتح، وقد بلغه أنها آوت الحارث بن هشام وقيس بن السائب وناسا من بني
مخزوم، فنادى: أخرجوا من آويتم، فيجعلون يذرقون (6) كما يذرق الحبارى خوفا منه،
فخرجت إليه أم هانئ وهي لا تعرفه، فقالت: يا عبد الله أنا أم هانئ بنت عم رسول الله
صلى الله عليه وآله واخت أمير المؤمنين، انصرف عن داري، فقال عليه السلام: أخرجوهم،
فقالت: والله لاشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فنزع المغفر عن رأسه
فعرفته، فجاءت تشتد حتى التزمته، فقالت: فديتك حلفت لاشكونك إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله، فقال لها: اذهبي فبري
(1) أي حصل له ألم ووجع لاجل الحد وفي
المصدر: فأقيم. (2) سورة المائدة: 8. (3) مناقب آل ابى طالب 1: 340 و 341. (4)
النسع: سير أو حبل عريض طويل تشد به الرحال. والقطعة منه " النسعة ". (5) مناقب آل
ابى طالب 1: 340. (6) في المصدر: فجعلوا يذرقون. وذرق الطائر: رمى بسلحه.
[11]
قسمك فإنه بأعلى الوادي، فأتت رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال لها: إنما جئت يا أم هانئ تشكين عليا فإنه أخاف أعداء الله
وأعداء رسوله، شكر الله لعلي سعيه، وأجرت من أجارت أم هانئ لمكانها من علي بن أبي
طالب عليه السلام (1). 101 (باب) * (عبادته وخوفه عليه السلام) * 1 - لى: عبد الله
بن النضر التميمي، عن جعفر بن محمد المكي، عن عبد الله ابن إسحاق المدائني، عن محمد
بن زياد، عن مغيرة، عن سفيان، عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير قال: كنا
جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة
الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم ألا اخبركم بأقل القوم مالا وأكثرهم ورعا وأشدهم
اجتهادا في العبادة ؟ قالوا: من ؟ قال: أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه
السلام، قال: فوالله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه ثم انتدب له
رجل من الانصار فقال له: يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت
بها، فقال أبو الدرداء: يا قوم إني قائل ما رأيت وليقل كل قوم منكم ما رأوا، شهدت
علي بن أبي طالب بشويحطات النجار، وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممن يليه واستتر
بمغيلات النخل، فافتقدته وبعد على مكانه، فقلت: لحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزين
ونغمة شجي وهو يقول: " إلهي كم من موقبة حلمت عن مقابلتها بنقمتك (2)، وكم من جريرة
تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل
غير غفر انك، ولا أنا براج غير رضوانك " فشغلني الصوت واقتفيت الاثر، فإذا هو علي
بن أبي طالب عليه السلام
(1) مناقب آل ابى طالب 1: 638. (2) في
المصدر: كم من موقبة حملت عنى فقابلتها بنعمتك.
[12]
بعينه، فاستترت له وأخملت الحركة، فركع
ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فرغ إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى، فكان مما به
الله ناجاه أن قال: " إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك
فتعظم علي بليتي " ثم قال: " آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها،
فتقول: خذوه، فياله من مأخوذ لا تنجيه عشريته، ولا تنفعه قبيلته، يرحمه الملا إذا
أذن فيه بالنداء " ثم قال: " آه من نار تنضج الاكباد والكلى (1)، آه من نار نزاعة
للشوى، آه من غمرة من ملهبات (2) لظى ". قال: ثم أنعم (3) في البكاء فلم أسمع له
حسا ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر، اوقظه لصلاة الفجر، قال أبو
الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته فلم يتحرك، وزويته فلم ينزو،
فقلت: " إنا لله وإنا إليه راجعون " مات والله علي بن أبي طالب قال: فأتيت منزله
مبادرا أنعاه إليهم، فقالت فاطمة عليها السلام: يا أبا الدرداء ماكان من شأنه ومن
قصته ؟ فأخبرتها الخبر، فقالت: هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية
الله، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق، ونظر إلي وأنا أبكي، فقال: مما بكاؤك يا
أبا الدرداء ؟ فقلت: مما أراه تنزله بنفسك، فقال: يا أبا الدرداء فكيف ولو رأيتني
ودعي بي إلى الحساب وأيقن أهل الجرائم بالعذاب. واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية
فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد أسلمني الاحباء ورحمني أهل الدنيا، لكنت أشد
رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية، فقال أبو الدرداء: فوالله ما رأيت ذلك لاحد
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله (4). بيان: انتدب له أي أجابه والشوحط: شجر
يتخذ منه القسي، والغيلة
(1) جمع الكلية. (2) في المصدر: من لهبات
خ ل. (3) أنعم الرجل: أفضل وزاد. وفي المصدر: انغمر. (4) أمالى الصدوق: 48 و 49.
[13]
بالكسر: الشجر الكثير الملتف والمغيال:
الشجرة الملتفة الافنان الوارقة الظلال وقد أغيل الشجر وتغيل واستغيل، وفي بعض
النسخ " ببعيلات النخل " جمع بعيل مصغر البعل، وهو كل نخل وشجر لا يسقى، والذكر من
النخل، والغابر: الماضي والباقي. ضد. 2 - ما: المفيد، عن الجعابي، عن ابن عقدة، عن
جعفر بن محمد بن مروان عن أبيه، عن إبراهيم بن الحكم، عن الحارث بن حصيرة، عن عمران
بن الحصين قال: كنت أنا وعمر بن الخطاب جالسين عند النبي صلى الله عليه وآله وعلي
عليه السلام جالس إلى جنبه، إذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله " أمن يجيب
المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارضءإله مع الله قليلا ما تذكرون (1)
" قال: فانتفض علي عليه السلام انتفاض العصفور، فقال له النبي صلى الله عليه وآله:
ما شأنك تجزع ؟ فقال: ومالي لا أجزع والله يقول: إنه يجعلنا خلفاء الارض، فقال له
النبي صلى الله عليه وآله: لا تجزع والله لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق
(2). 3 - لى: سمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول: نزلت هذه الآية في علي بن أبي
طالب عليه السلام " أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة
ربه " (3) قال الرجل: فأتيت عليا لانظر إلى عبادته، فأشهد بالله لقد أتيته وقت
المغرب فوجدته يصلي بأصحابه المغرب، فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى
عشاء الآخرة، ثم دخل منزله فدخلت معه، فوجدته طول الليل يصلي ويقرأ القرآن إلى أن
طلع الفجر، ثم جدد وضوءة وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في
التعقيب إلى أن طلعت الشمس، ثم قصده الناس فجعل يختصم إليه رجلان، فإذا فرغا قاما
واختصم آخران، إلى أن قام إلى صلاة الظهر، قال: فجدد لصلاة الظهر وضوء ثم صلى
بأصحابه الظهر، ثم قعد في
(1) سورة النمل: 62. (2) أمالى الطوسى:
47. (3) سورة الزمر: 9.
[14]
التعقيب إلى أن صلى بهم العصر، ثم أتاه
الناس، فجعل يقوم رجلان ويقعد آخران يقضي بينهم ويفتيهم إلى أن غابت الشمس، فخرجت
وأنا أقول: أشهد بالله أن هذه الآية نزلت فيه (1). 4 نهج: قال أمير المؤمنين عليه
السلام: إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك
عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الاحرار (2). أقول: قال ابن
ميثم: أي لانه مستحق للعبادة. وقال عليه السلام في موضع آخر: إلهي ما عبدتك خوفا من
عقابك ولا طمعا في ثوابك، ولكن وجدتك أهل للعبادة فعبدتك. 5 - قب: ابن بطة في
الابانة وأبو بكر بن عياش في الامالي، عن أبي داود عن السبيعي، عن عمران بن حصين
قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وعلي إلى جنبه، إذ قرأ النبي صلى الله عليه
وآله هذه الآية " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض (3) "
قال: فارتعد علي عليه السلام فضرب النبي صلى الله عليه وآله على كتفيه وقال: مالك
يا علي قال: قرأت يا رسول الله هذه الآية فخشيت أن أبتلي بها، فأصابني ما رأيت،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق إلى يوم
القيامة (4). 6 - لى: ابن المتوكل، عن محمد بن العطار، عن ابن أبي الخطاب، عن محمد
بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن يونس بن ظبيان، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة
قال: دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان فقال له: صف لي عليا، قال:
أو تعفيني، فقال: لابل صفه لي، قال ضرار: رحم الله عليا
(1) أمالى الصدوق: 169 و 170. (2) نهج
البلاغة (عبده ط مصر) 2: 192. (3) سورة النمل: 62. (4) مناقب آل ابى طالب 1: 309.
(*)
[15]
كان والله فينا كأحدنا، يدنينا إذا
أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويقربنا إذا زرناه لا يغلق له دوننا باب، ولا يحجبنا
عنه حاجب، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه لهيبته. ولا نبتديه لعظمته،
فإذا تبسم فمن مثل اللؤلؤ المنظوم، فقال معاوية: زدني في صفته، فقال ضرار: رحم الله
عليا كان والله طويل السهاد (1) قليل الرقاد، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف
النهار، ويجود لله بمهجته، ويبوء إليه بعبرته، لا تغلق له الستور، ولا يدخر عنا
البدور، ولا يستلين الاتكاء ولا يستخشن الجفاء ولو رأيته إذ مثل في محرابه وقد أرخى
الليل سدوله وغارت نجومه وهو قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين
وهو يقول: يا دنيا أبي تعرضت (2) أم إلي تشوقت هيهات هيهات لا حاجة لي فيك أبنتك
ثلاثا لا رجعة لي عليك، ثم يقول: واه واه لبعد السفر وقلة الزاد وخشونة الطريق،
قال: فبكى معاوية وقال: حسبك يا ضرار، كذلك والله كان علي، رحم الله أبا الحسن (3).
بيان: البدور جمع البدرة. والسدول جمع السدل، وهو الستر، شبه ظلم الليل بالاستار
المسدولة. وتململ: تقلب والسليم: من لدغته الحية. أقول: سيأتي في مكارم أخلاق علي
بن الحسين عن الباقر عليهم السلام أنه قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يصلي
في اليوم والليلة ألف ركعة كما كان يفعل أمير المؤمنين عليه السلام، كان له خمسمائة
نخلة، فكان يصلي عند كل نخلة ركعتين. 7 - ب: الطيالسي، عن ابن بكير، عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: كان علي عليه السلام قد اتخذ بيتا في داره ليس بالكبير ولا
بالصغير، وكان إذا أراد أن يصلي من آخر الليل أخذ معه صبيا لا يحتشم منه، ثم يذهب
معه إلى ذلك البيت فيصلي (4). 8 - يد: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن البزنطي، عن
أبي الحسن
(1) سهد: أرق ولم ينم. (2) في المصدر و
(م): ألى تعرضت. (3) أمالى الصدوق: 371. (4) قرب الاسناد: 75.
[16]
الموصلي، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: جاء حبر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك
حين عبدته ؟ فقال: ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره، قال: وكيف رأيته ؟ قال: ويلك لا
تدركه العيون في مشاهدة الابصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان (1). 9 - ل: أبي،
عن سعد، عن أيوب بن نوح، عن الربيع بن محمد المسلمي، عن عبد الاعلى، عن نوف قال: بت
ليلة عند أمير المؤمنين عليه السلام فكان يصلي الليل كله ويخرج ساعة بعد ساعة فينظر
إلى السماء ويتلو القران، قال: فمر بي بعد هدء من الليل (2) فقال: يا نوف أراقد أنت
أم رامق ؟ قلت: بل رامق أرمقك ببصري يا أمير المؤمنين، قال: يا نوف طوبى للزاهدين
في الدنيا الراغبين في الآخرة، أولئك الذين اتخذوا الارض بساطا، وترابها فراشا،
وماءها طيبا، والقرآن دثارا، والدعاء شعارا، وقرضوا من الدنيا تقريضا على منهاج
عيسى بن مريم، إن الله عزوجل أوحى إلى عيسى بن مريم: قل للملاء من بني إسرائيل: لا
يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأكف نقية، وقل لهم: اعلموا
أني غير مستجيب لاحد منكم دعوة ولاحد من خلقي قبله مظلمة، الخبر (3). نهج: عن نوف
مثله إلى قوله: عيسى بن مريم (4). 10 - قب: الباقر عليه السلام في قوله تعالى: "
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " قال: ذاك أمير المؤمنين وشيعته " فلهم أجر غير
ممنون (5) ". محمد بن عبد الله بن الحسن عن آبائه، والسدي عن أبي مالك عن ابن عباس
ومحمد الباقر عليه السلام في قوله تعالى: " ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله (6) "
والله لهو
(1) التوحيد: 96 و 97. (2) الهدء - بضم
الهاء وفتحها -: الهزيع من الليل، يقال " أتانا بعد هدء من الليل " أي هزيع وبعد ما
هدأ الناس أي ناموا. (3) الخصال 1: 164. (4) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 165. (5)
سورة التين: 6. (6) سورة فاطر: 32.
[17]
علي بن أبي طالب عليه السلام. السدي وأبو
صالح وابن شهاب عن ابن عباس في قوله تعالى: " ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات
(1) " قال: يبشر محمد بالجنة عليا وجعفر أو عقيلا وحمزة وفاطمة والحسن والحسين "
الذين يعملون الصالحات " قال: الطاعات. قوله: " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا
الصالحات (2) " علي وحمزة وعبيدة بن الحارث " كالمفسدين في الارض " عتبة وشيبة
والوليد. وكان يصوم النهار ويصلي بالليل ألف ركعة، وعمر طريق مكة، وصام مع النبي
صلى الله عليه وآله سبع سنين، وبعده ثلاثين سنة، وحج مع النبي صلى الله عليه وآله
عشر حجج، و جاهد في أيامه الكفار وبعد وفاته البغاة، وبسط الفتاوى، وأنشأ العلوم،
وأحيا السنن، وأمات البدع. أبو يعلى في المسند أنه قال: ما تركت صلاة الليل منذ
سمعت قول النبي صلى الله عليه وآله صلاة الليل نور، فقال ابن الكواء: ولا ليلة
الهرير ؟ قال: ولا ليلة الهرير. إبانة العكبري: سليمان بن المغيرة عن أمه قالت:
سألت أم سعيد سرية علي عن صلاه علي في شهر رمضان، فقالت: رمضان وشوال سواء، يحيي
الليل كله. وفي تفسير القشيري أنه كان عليه السلام إذا حضر وقت الصلاة تلون وتزلزل،
فقيل له: مالك ؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والارض
والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الانسان في ضعفي (3)، فلا أدري احسن إذا ما حملت
أم لا. وأخذ زين العابدين بعض صحف عباداته فقرأ فيها يسيرا ثم تركها من يده تضجرا
وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام ؟. أنس بن مالك قال: لما نزلت
الآيات الخمس في طس " أم من جعل الارض
(1) سورة الاسراء: 9. سورة الكهف: 2. (2)
سورة ص: 28. (3) في ضعفه ظ.
[18]
قرارا (1) " انتفض علي انتفاض العصفور
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: مالك يا علي ؟ قال: عجبت يا رسول الله من
كفرهم وحلم الله تعالى عنهم فمسحه رسول الله صلى الله عليه وآله بيده ثم قال: ابشر
فانه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق، ولولا أنت لم يعرف حزب الله (2). 11 - كتاب
البيان لابن شهر آشوب: وكيع والسدي عن ابن عباس: اهدي إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله ناقتان عظيمتان، فجعل إحداهما لمن يصلي ركعتين لايهم فيهما بشئ من أمر الدنيا،
ولم يجبه أحد سوى علي عليه السلام فأعطاه كلتيهما] (3). 12 - م: لقد أصبح رسول الله
صلى الله عليه وآله يوما وقد غص مجلسه بأهله، فقال: أيكم اليوم أنفق (4) من ماله
ابتغاء وجه الله ؟ فسكتوا، فقال علي عليه السلام: أنا خرجت ومعي دينار اريد أشتري
به دقيقا (5) فرأيت المقداد بن أسود وتبينت (6) في وجهه أثر الجوع، فناولته
الدينار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وجبت، ثم قام آخر فقال: قد أنفقت
اليوم أكثر مما أنفق علي، جهزت رجلا وامرأة يريدان طريقا ولا نفقة لهما، فأعطيتهما
ألف درهم (7) فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله مالك قلت
لعلي: " وجبت " ولم تقل لهذا وهو أكثر صدقة ؟ فقال رسول الله: أما رأيتم ملكا يهدي
خادمه إليه (8) هدية خفيفة فيحسن موقعها ويرفع محل صاحبها، ويحمل إليه من عند خادم
آخر هدية عظيمة فيردها ويستخف بباعثها ؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك صاحبكم علي دفع
دينارا منقادا لله سادا خلة فقير مؤمن، وصاحبكم الآخر أعطى ما أعطى معاندة
(1) سورة النمل: 60 - 64. (2) مناقب آل
ابى طالب 1: 323 - 325. (3) مخطوط. (4) في المصدر: انفق اليوم. (5) كذا في النسخ
والمصدر، ولعله مصحف " رغيفا ". (6) في المصدر: وبينت. (7) في المصدر: ألفى درهم.
(8) في المصدر: خادم له إليه.
[19]
لاخي رسول الله (1)، يريد به العلو على
علي بن أبي طالب عليه السلام فأحبط الله عمله وصيره وبالا عليه، أما لو تصدق بهذه
النية من الثرى إلى العرش ذهبا أو لؤلؤا (2) لم يزدد بذلك من رحمة الله إلا بعدا،
ولسخط الله تعالى إلا قربا، وفيه ولوجا و اقتحاما. ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: فأيكم اليوم دفع عن أخيه المؤمن بقوته (3) قال علي عليه السلام: أنا مررت في
طريق كذا، فرأيت فقيرا من فقراء المؤمنين قد تناوله أسد فوضعه تحته وقعد عليه،
والرجل يستغيث بي من تحته، فناديت الاسد: خل عن المؤمن، فلم يخل، فتقدمت إليه
فركلته (4) برجلي، فدخلت رجلي في جنبه الايمن وخرجت من جنبه الايسر، فخر الاسد
صريعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: وجبت، هكذا يفعل الله بكل من آذى لك
وليا، يسلط الله عليه في الآخرة سكاكين النار وسيوفها، يبعج (5) بها بطنه ويحشى
نارا، ثم يعاد خلقا جديدا أبد الآبدين ودهر الداهرين. ثم قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: وأيكم اليوم نفع بجاهه أخاه المؤمن ؟ فقال علي عليه السلام: أنا، قال:
صنعت ماذا ؟ قال: مررت بعمار بن ياسر وقد لازمه بعض اليهود في ثلاثين درهما كانت له
عليه، فقال عمار: يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله يلازمني (6) ولا يريد إلا
إيذائي وإذلالي لمحبتي لكم أهل البيت. فخلصني منه بجاهك، فأردت أن اكلم له اليهودي
فقال: يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله أنا أجللك (7) في قلبي وعيني،.
(1) في المصدر: أعطى ما أعطى نظيرا له
ومعاندة على أخى رسول الله. (2) في المصدر: ذهبا وفضة ولؤلؤا. (3) في المصدر: فايكم
دفع اليوم عن أخيه المؤمن بقوته ضررا. (4) ركله: ضربه برجل واحدة يقال " ركل الفرس
" أي ضربه برجله ليعدو (5) بعج البطن: شقه. (6) في المصدر: هذا يلازمني. (7) في
المصدر: انك أجل. وفي (خ) و (م): أنا اجلك.
[20]
من أن أبذلك (1) لهذا الكافر ولكن اشفع لي
إلى من لا يردك عن طلبه، فلو أردت جميع جوانب العالم أن يصيرها (2) كأطراف السفرة
لفعل، فاسأله أن يعينني على أداء دينه ويغنيني عن الاستدانة، فقلت: اللهم افعل ذلك
به ثم قلت له: اضرب إلى مابين يديك من شئ حجرا أو مدرا، فإن الله يقلبه لك ذهبا
إبريزا، فضرب يده فتناول حجرا فيه أمنان، فتحول في يده ذهبا، ثم أقبل على اليهودي
فقال: وكم دينك ؟ قال: ثلاثون درهما، قال: فكم قيمتها من الذهب ؟ قال: ثلاثة
دنانير، فقال عمار: اللهم بجاه من بجاهه قلبت هذا الحجر ذهبا لين لي هذا الذهب
لافصل قدر حقه، فالأنه الله عزوجل له، ففصل له ثلاثة مثاقيل وأعطاه، ثم جعل ينظر
إليه وقال: اللهم إني سمعتك تقول: " إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى (3) " ولا اريد
غنى يطغيني، اللهم فأعد هذا الذهب حجرا بجاه من بجاهه جعلته ذهبا بعد أن كان حجرا،
فعاد حجرا فرماه من يده وقال: حسبي من الدنيا والآخرة موالاتي لك يا أخا رسول الله،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله تعجبت ملائكة السماوات من فعله، وعجت إلى الله
تعالى بالثناء عليه، فصلوات الله من فوق عرشه يتوالى عليه، فأبشريا أبا اليقظان
فإنك أخو علي في ديانته، ومن أفاضل أهل ولايته، ومن المقتولين في محبته، تقتلك
الفئة الباغية، وآخر زادك من الدنيا صاع من لبن، ويلحق روحك بأرواح محمد وآله
الفاضلين، فأنت من خيار شيعتي. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فأيكم أدى
زكاته اليوم ؟ قال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله، فأسر المنافقون في اخريات
المجلس بعضهم إلى بعض يقولون: وأي مال لعلي حتى يؤدي منه الزكاة ؟ ! فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: أتدري ما يسر هؤلاء المنافقون في آخريات المجلس ؟ قال علي عليه
السلام: بلى، قد أوصل الله تعالى إلى اذني مقالتهم يقولون: وأي مال لعلي حتى يؤدي
زكاته ؟ كل مال يغنم من يومنا هذا إلى
(1) في المصدر: من أن أذلك. (2) أي أن
يصيرها الله. (3) سورة العلق: 6 و 7.
[21]
يوم القيامة فلي خمسه بعد وفاتك يا رسول
الله، وحكمي على الذي منه لك في حياتك جائز، فإني نفسك وأنت نفسي، قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: كذلك هو يا علي، ولكن كيف أديت زكاة ذلك ؟ فقال علي عليه
السلام: علمت بتعريف الله إياي على لسانك أن نبوتك هذه سيكون بعدها ملك عضوض (1)
وجبرية، فيستولي على خمسي من السبي والغنائم (2) فيبيعونه، فلا يحل لمشتريه، لان
نصيبي فيه، وقد وهبت نصيبي فيه (3) لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي، فيحل لهم
منافعهم من مأكل ومشرب، ولتطيب مواليدهم، فلا يكون أولادهم أولاد حرام، قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: ما تصدق أحد أفضل من صدقتك، ولقد تبعك رسول الله في فعلك
أحل لشيعته كل ما كان من غنيمة وبيع من نصيبه على واحد من شيعتي، ولا احله أنا ولا
أنت لغيرهعم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فأيكم اليوم دفع عن عرض أخيه
المؤمن ؟ قال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله، مررت بعبد الله بن ابي وهو يتناول
عرض زيد بن حارثة فقلت له: اسكت لعنك الله، فما تنظر إليه إلا كنظرك إلى الشمس، ولا
تتحدث عنه إلا كتحدث أهل الدنيا عن الجنة، فإن الله تعالى قد زادك لعائن إلى لعائن
لوقيعتك فخجل واغتاظ فقال: يا أبا الحسن إنما كنت في قولي مازحا، فقلت له: إن كنت
جادا فأنا جاد وإن كنت هازلا فأنا هازل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد
لعنه الله عزوجل عند لعنك له، ولعنته ملائكة السماوات والارضين والحجب والكرسي
والعرش، إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك، ويعفو عند عفوك، ويسطو عند سطوتك. ثم قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: أتدري ما سمعت من الملا الا على فيك ليلة اسري بي يا
علي ؟ سمعتهم يقسمون على الله تعالى بك ويستقضونه حوائجهم ويتقربون
(1) عضه: أمسكه باسنانه. (2) في المصدر:
من الفئ والغنائم. (3) في المصدر: منه.
[22]
إلى الله تعالى بمحبتك، ويجعلون أشرف ما
يعبدون الله به الصلاة علي وعليك وسمعت خطيبهم في أعظم محافلهم وهو يقول: علي
الحاوي لاضناف الخيرات، المشتمل على أنواع المكرمات، الذي قد اجتمع فيه من خصال
الخير ما قد تفرق في غيره من البريات، عليه من الله تعالى الصلاة والبركات
والتحيات، وسمعت الاملاك بحضرته والاملاك في سائر السماوات والحجب والعرش والكرسي
والجنة والنار يقولون بأجمعهم عند فراغ الخطيب من قوله: آمين اللهم وطهرنا بالصلاة
عليه وعلى آله الطيبين (1). بيان: قوله صلى الله عليه وآله: (وجبت) أي لك الرحمة أو
الجنة. 13 - تم: روى صاحب كتاب زهد مولانا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال:
حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن محمد بن سنان، عن
صالح بن عقبة، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن حبة العرني قال: بينا أنا ونوف
نائمين في رحبة القصر إذ نحن بأمير المؤمنين عليه السلام في بقية من الليل، واضعا
يده على الحائط شبيه الواله، وهو يقول: " إن في خلق السماوات والارض (2) " إلى آخر
الآية، قال: ثم جعل يقرأ هذه الآيات ويمر شبه الطائر عقله، فقال لي: أراقد أنت يا
حبة أم رامق ؟ قال: قلت: رامق هذا. أنت تعمل هذا العمل فكيف نحن ! فأرخى عينيه
فبكى، ثم قال لي: يا حبة إن لله موقفا ولنا بين يديه موقفا (3)، لا يخفى عليه شئ من
أعمالنا. يا حبة إن الله أقرب إلي وإليك من حبل الوريد، يا حبة إنه لن يحجبني ولا
إياك عن الله شئ، قال: ثم قال: أراقد أنت يا نوف ؟ قال: قال: لا يا أمير المؤمنين
ما أنا براقد، ولقد أطلت بكائي هذه الليلة، فقال: يا نوف إن طال بكاؤك في هذا الليل
مخافة من الله تعالى قرت عيناك غدا بين يدي الله عزوجل، يا نوف إنه ليس
(1) تفسير الامام: 30 - 32. (2) سورة
البقرة: 164. (3) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ: ولنا بين يديه موقف.
[23]
من قطرة قطرت من عين رجل من خشية الله إلا
أطفأت بحارا من النيران، يا نوف أنه ليس من رجل أعظم منزلة عند الله من رجل بكى من
خشية الله، وأحب في الله وأبغض في الله، يا نوف إنه من أحب في الله لم يستأثر على
محبته، ومن أبغض في الله لم ينل ببغضه خيرا، عند ذلك استكملتم حقائق الايمان، ثم
وعظهما وذكرهما وقال في أواخره: فكونوا من الله على حذر، فقد أنذرتكما، ثم جعل يمر
وهو يقول: ليت شعري في غفلاتي أمعرض أنت عني أم ناظر إلي ؟ وليت شعري في طول منامي
وقلة شكري في نعمك علي ما حالي ؟ قال: فوالله ما زال في هذا الحال حتى طلع الفجر.
ومن صفات مولانا علي عليه السلام في ليلة ما ذكره نوف لمعاوية بن أبي سفيان: وإنه
ما فرش له فراش في ليل قط ولا أكل طعاما في هجير (1) قط، وقال نوف: أشهد لقد رأيته
في بعض مواقفه فقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قابض بيده على لحيته يتململ
تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، والحديث مشهور (2). 14 - كا: علي، عن أبيه، عن
ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يذبح كبشين
أحدهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله والآخر عن نفسه (3). 15 - كا: إبراهيم بن
هاشم، عن عبد الرحمن بن حماد، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن شهاب بن عبد ربه، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضأ لم يدع أحدا
يصب عليه الماء، فقيل له: يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبون عليك الماء ؟ فقال:
لا احب أن أشرك في صلاتي أحدا (4). 16 - كا، العدة، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن
سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: إن عليا في
(1) الهجير: القدح الضخم واللبن الخاثر.
(2) فلاح السائل مخطوط. والقطعة الاخيرة مذكورة في النهج ايضا مع اختلافات. (3)
فروع الكافي (الجزء الرابع من الطبعة الحديثة): 495. (4) لم نظفر بموضع الرواية
وهكذا الرواية الاتية في المصدر.
[24]
آخر عمره يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة.
17 - كا: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد. عن السندي بن محمد عن محمد بن
الصلت، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: صلى أمير المؤمنين عليه
السلام الفجر، ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح (1) وأقبل على الناس
بوجهه فقال: والله لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجدا وقياما يخالفون بين جباههم
وركبهم، كأن زفير النار في آذانهم، إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر، كأنما
القوم باتوا غافلين، قال: ثم قام فما رئي ضاحكا حتى قبض عليه السلام (2). 102 (باب)
* (سخائه وانفاقه وايثاره صلوات الله عليه، ومسابقته فيها) * على سائر الصحابة 1 -
قب: المشهور من الصحابة بالنفقة في سبيل الله علي وأبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن
وطلحة، ولعلي في ذلك فضائل، لان الجود جودان: نفسي ومالي، قال: " جاهدوا بأموالكم
وأنفسكم (3) " وقال النبي صلى الله عليه وآله: أجود الناس من جاد بنفسه في سبيل
الله تعالى الخبر، فصار قوله: " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك
أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا (4) " أليق بعلي عليه السلام لانه جمع
بينهما ولم تجمع (5) لغيره وقولهم: " إن أبا بكر أنفق على
(1) في (ك): على قدر رمح. والقيد ايضا
بمعناه. (2) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة الحديثة): 236 (3) سورة التوبة:
41. (4) سورة الحديد: 10. (5) في المصدر: ولم يجمع.
[25]
النبي صلى الله عليه وآله أربعين ألفا "
فإن صح هذا الخبر فليس فيه أنه كان دينارا أو درهما وأربعون ألف درهم هو أربعة آلاف
دينار، ومال خديجة أكثر من ماله، ونفع ذلك للمسلمين عامة، وقد شرحت ذلك في كتابي
المشهور. فأما قوله: " فأما من أعطى واتقى (1) " فعموم، ويعارض بقوله: " ووجدك
عائلا فأغنى (2) بمال خديجة، وروي أنه نزلت في علي (3) عليه السلام وفيه يقول
العبدي: أبوكم هو الصديق آمن واتقى * وأعطى وما أكدى وصدق بالحسنى الضحاك عن ابن
عباس نزلت في علي " ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى (4) " الآية، ابن عباس
والسدي ومجاهد والكلبي وأبو صالح والواحدي والطوسي والثعلبي والطبرسي والماوردي
والقشيري والثمالي والنقاش والفتال و عبيدالله بن الحسين وعلي بن حرب الطائي في
تفاسيرهم أنه كان عند علي بن أبي طالب عليه السلام أربعة دراهم من الفضة، فتصدق
بواحد ليلا وبواحد نهارا وبواحد سرا وبواحد علانية، فنزل " الذين ينفقون أموالهم
بالليل (5) الآية، فسمى كل درهم مالا وبشره بالقبول رواه البطنزي في الخصائص. تفسير
النقاش وأسباب النزول قال الكلبي: فقال له النبي صلى الله عليه وآله: ما حملك على
هذا ؟ قال: حملني أن أستوجب عفو الله الذي وعدني، فقال له رسول الله صلى الله عليه
وآله ألا إن ذلك لك، فأنزل الله هذه الآية. الضحاك عن ابن عباس قال: لما أنزل الله:
" للفقراء الذين احصروا في سبيل الله (6) " الآية، بعث عبد الرحمن بن عوف بدنانير
كثيرة إلى أصحاب الصفة حتى
(1) سورة الليل: 5. (2) سورة الضحى: 8.
(3) في المصدر: في خديجة (خ ل) وعلى. (4) سورة البقرة: 262. (5) سورة البقرة: 274.
(6) سورة البقرة: 273.
[26]
أغناهم، وبعث علي بن أبي طالب عليه السلام
في جوف الليل بوسق من تمر، فكان أحب الصدقتين إلى الله صدقة علي، وانزلت الآية،
وسئل النبي صلى الله عليه وآله: أي الصدقة أفضل في سبيل الله ؟ فقال: جهد من مقل.
تاريخ البلاذري وفضائل أحمد: أنه كانت غلة علي أربعين ألف دينار، فجعلها صدقة، وإنه
باع سيفه وقال: لو كان عندي عشاء ما بعته. شريك والليث والكلبي وأبو صالح والضحاك
والزجاج ومقاتل بن حيان ومجاهد وقتادة وابن عباس قالوا: كانت الاغنياء يكثرون
مناجاة الرسول، فلما نزل قوله: " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين
يدي نجواكم صدقة (1) " انتهوا، فاستقرض علي عليه السلام دينارا وتصدق به، فناجى
النبي صلى الله عليه وآله عشر نجوات، ثم نسخته الآية التي بعدها. أمير المؤمنين
عليه السلام: كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم، فكان كلما أردت أن اناجي رسول الله
صلى الله عليه وآله قدمت درهما، فنسختها الآية الاخرى. الواحدي في أسباب نزول
القرآن وفي الوسيط أيضا، والثعلبي في الكشف والبيان ما رواه علي بن علقمة ومجاهد أن
عليا عليه السلام قال: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا عمل بها أحد
بعدي، ثم تلا هذه الآية. جامع الترمذي وتفسير الثعلبي واعتقاد الاشنهي عن الاشجعي
والثوري وسالم بن أبي حفصة وعلي بن علقمة الانماري عن علي عليه السلام في هذه
الآية: فبي خفف الله ذلك عن هذه الامة. وفي مسند الموصلي: فبه خفف الله عن هذه
الامة زاد أبو القاسم الكوفي في الرواية: إن الله تعالى امتحن الصحابة بهذه الآية،
فتقاعسوا (2) كلهم عن مناجاه الرسول صلى الله عليه وآله، فكان الرسول احتجب في
منزله عن مناجاة أحد إلا من تصدق بصدقة: فكان معي دينار، وساق عليه السلام كلامه
إلى أن
(1) سورة المجادلة: 12. (2) أي تأخروا.
[27]
قال فكنت أنا سبب التوبة من الله على
المسلمين حين عملت بالآية فنسخت، ولو لم أعمل بها - حتى كان عملي بها سببا للتوبة
عليهم لنزل العذاب عند امتناع الكل عن العمل بها. وقال القاضي الطرثيثى: إنهم عصوا
في ذلك إلا علي، فنسخه عنهم، يدل عليه قوله: " فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم (1)
" ولقد استحقوا العذاب لقوله: " ءأشفقتم " وقال مجاهد: ما كان إلا ساعة. وقال مقاتل
بن حيان: كان ذلك ليالي عشر، وكانت الصدقة مفوضة إليهم غير مقدرة. سفيان بإسناده عن
علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله: فيما استطعت تصدقت. وروى الثعلبي عن
أبي هريرة وابن عمر أنه قال عمر بن الخطاب: كان لعلي ثلاث لو كان لي واحدة منهن
كانت أحب إلي من حمر النعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوى.
وأنفق على ثلاث ضيفان من الطعام قوت ثلاث ليال، فنزل فيه ثلاثين آية، ونص على عصمته
وستره ومراده وقبول صدقته، وكفاك من جوده قوله: " عينا يشرب بها عباد الله (2) "
الآية، وإطعام الاسير خاصة وهو عدو [الله] في الدين. وحدث أبو هريرة أنه كان في
المدينة مجاعة، ومر بي يوم وليلة لم أذق شيئا وسألت أبا بكر آية كنت أعرف بتأويلها
منه، ومضيت معه إلى بابه ورد عني، وانصرفت جائعا يومي، وأصبحت وسألت عمر آية كنت
أعرف منه بها، صنع كما صنع أبو بكر فجئت اليوم الثالث إلى علي عليه السلام وسألته
ما يعلمه فقط، فلما أردت أن أنصرف دعاني إلى بيته فأطعمني رغيفين وسمنا، فلما شبعت
انصرفت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلما بصر بي ضحك في وجهي وقال: أنت تحدثني
أو أحدثك ؟ ثم قص علي ما جرى وقال لي: جبرئيل عرفني.
(1) سورة المجادلة: 13. (2) سورة الانسان:
6.
[28]
ورئي أمير المؤمنين عليه السلام حزينا
فقيل له: مم حزنك ؟ قال: لسبع أتت لم يضف إلينا ضيف. تفسير أبي يوسف: يعقوب بن
سفيان وعلي بن حرب الطائي ومجاهد بأسانيدهم عن ابن عباس وأبي هريرة، وروى جماعة عن
عاصم بن كليب عن أبيه - واللفظ له - عن أبي هريرة أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى
الله عليه وآله فشكا إليه الجوع، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أزواجه
فقلن: ما عندنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وآله: من لهذا الرجل الليلة ؟ فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: أنا يا رسول الله، فأتى فاطمة وسألها: ما عندك يا بنت
رسول الله ؟ فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبيه لكنا نؤثر ضيفنا به، فقال علي عليه
السلام: يا بنت محمد صلى الله عليه وآله نومي الصبية واطفئ المصباح، وجعلا يمضغان
بألسنتهما، فلما فرغ من الاكل أتت فاطمة بسراج فوجد الجفنة مملوءة من فضل الله،
فلما أصبح صلى مع النبي صلى الله عليه وآله، فلما سلم النبي صلى الله عليه وآله من
صلاته نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام وبكى بكاء شديدا وقال: يا أمير المؤمنين
لقد عجب الرب من فعلكم البارحة، اقرأ: " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (1)
" أي مجاعة " ومن يوق شح نفسه " يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام "
فأولئك هم المفلحون ". كتاب أبي بكر الشيرازي بإسناده عن مقاتل، عن مجاهد عن ابن
عباس في قوله: " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله (2) " إلى قوله: " بغير
حساب " قال: هو والله أمير المؤمنين، ثم قال بعد كلام: وذلك أن النبي صلى الله عليه
وآله أعطى عليا يوما ثلاثمائة دينارا اهديت إليه، قال علي: فأخذتها وقلت: والله
لاتصدقن الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها الله مني، فلما صليت العشاء الآخرة مع
رسول الله صلى الله عليه وآله أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد، فاستقبلتني امرأة
فأعطيتها الدنانير، فأصبح الناس بالغد يقولون: تصدق علي الليلة بمائة دينار على
امرأة فاجرة، فاغتممت غما شديدا فلما صليت الليلة القابلة صلاة العتمة أخذت مائة
دينار وخرجت من
(1) سورة الحشر: 9. (2) سورة النور: 37 و
38.
[29]
المسجد وقلت: والله لاتصدقن الليلة بصدقة
يتقبلها ربي مني، فلقيت رجلا فتصدقت عليه بالدنانير، فأصبح أهل المدينة يقولون:
تصدق علي البارحة بمائة دينار على رجل سارق، فاغتممت غما شديدا وقلت: والله لاتصدقن
الليلة صدقة يتقبلها الله مني، فصليت العشاء الآخرة مع رسول الله صلى الله عليه
وآله ثم خرجت من المسجد ومعي مائة دينار، فلقيت رجلا فأعطيته إياها، فلما أصبحت قال
أهل المدينة: تصدق علي البارحة بمائة دينار على رجل غني، فاغتممت غما شديدا، فأتيت
رسول الله صلى الله عليه وآله فخبرته. فقال لي: يا علي هذا جبرئيل يقول لك: إن الله
عزوجل قد قبل صدقاتك وزكى عملك إن المائة دينار التي تصدقت بها أول ليلة وقعت في
يدي امرأة فاسدة، فرجعت إلى منزلها و تابت إلى الله عزوجل من الفساد، وجعلت تلك
الدنانير رأس مالها، وهي في طلب بعل تتزوج به، وإن الصدقة الثانية وقعت في يدي سارق
فرجع إلى منزله وتاب إلى الله من سرقته، وجعل الدنانير رأس ماله يتجر بها، وإن
الصدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزك ماله منذ سنين، فرجع إلى منزله ووبخ
نفسه وقال: شحا عليك يا نفس، هذا علي بن أبي طالب تصدق علي بمائة دينار ولا مال له،
وأنا فقد أوجب الله على مالي الزكاة لاعوام كثيرة لم أزكه، فحسب ماله وزكاه، وأخرج
زكاة ماله كذا وكذا دينارا، فأنزل الله فيك " رجال لا تلهيهم تجارة " الآية. أبو
الطفيل: رأيت عليا عليه السلام يدعو اليتامى فيطعمهم العسل، حتى قال بعض أصحابه:
لوددت أني كنت يتيما. محمد بن الصمة، عن أبيه، عن عمه قال: رأيت في المدينة رجل على
ظهره قربة وفي يده صحفة يقول: اللهم ولي المؤمنين وإله المؤمنين وجار المؤمنين اقبل
قرباتي (1) الليلة، فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي وغير ما يواريني، فإنك تعلم أني
منعته نفسي مع شدة سغبي (2). أطلب القربة إليك غنما، اللهم فلا تخلق وجهي ولا ترد
(1) في المصدر: قراباتى. (2) السغب:
الجوع. وفي المصدر: في طلب القربة. (*)
[30]
دعوتي، فأتيته عرفته، فإذا هو علي بن أبي
طالب عليه السلام فأتى رجلا فأطعمه. عبد الله بن علي بن الحسين يرفعه أن النبي صلى
الله عليه وآله أتى مع جماعة من أصحابه إلى علي عليه السلام فلم يجد علي شيئا يقربه
إليهم، فخرج ليحصل لهم شيئا، فإذا هو بدينار على الارض، فتناوله وعرف به فلم يجد له
طالبا، فقومه على نفسه واشترى به طعاما، وأتى به إليهم، وأصاب [به] عوضه، وجعل ينشد
صاحبه فلم يجده فأتى به النبي صلى الله عليه وآله وأخبره، فقال: يا علي إنه شئ
أعطاكه الله لما اطلع على نيتك وما أردته، وليس هو شئ للناس، ودعا له بخير. روت
الخاصة والعامة منهم ابن شاهين المروزي، وشيرويه الديلمي (1) عن الخدري وأبي هريرة
أن عليا أصبح ساغبا، فسأل فاطمة طعاما فقالت: ما كانت إلا ما أطعمتك منذ يومين،
آثرت به على نفسي وعلى الحسن والحسين، فقال: ألا أعلمتني فأتيتكم بشئ ؟ فقالت: يا
أبا الحسن إني لاستحيي من إلهي أن أكلفك مالا تقدر عليه، فخرج واستقرض عن النبي صلى
الله عليه وآله دينارا، فخرج يشتري به شيئا، فاستقبله المقداد قائلا ما شاء الله،
فناوله علي عليه السلام الدينار، ثم دخل المسجد فوضع رأسه فنام، فخرج النبي صلى
الله عليه وآله فإذا هوبه، فحركه وقال: ما صنعت ؟ فأخبره، فقام وصلى معه، فلما قضى
النبي صلى الله عليه وآله صلاته قال: يا أبا الحسن هل عندك شئ نفطر عليه فنميل معك
؟ فأطرق لا يحير جوابا (2) حياء منه، وكان الله أوحى إليه أن يتعشى تلك الليلة عند
علي، فانطلقا حتى دخلا على فاطمة وهي في مصلاها وخلفها جفنة تفور دخانا، فأخرجت
فاطمة الجفنة فوضعتها بين أيديهما، فسأل علي: أنى لك هذا ؟ قالت: هو من فضل الله
ورزقه " إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " قال: فوضع النبي صلى الله عليه وآله كفه
المبارك بين كتفي علي ثم قال: يا علي هذا بدل دينارك، ثم استعبر النبي صلى الله
عليه وآله باكيا وقال: الحمدلله الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا
لمريم.
(1) في المصدر: وابن شيرويه الديلمى. (2)
في المصدر: لا يجيب جوابا.
[31]
وفي رواية الصادق عليه السلام أنه أنزل
الله فيهم " ويؤثرون على أنفسهم (1) " وفي رواية حذيفة أن جعفرا أعطى النبي صلى
الله عليه وآله الفرع من العالية والقطيفة فقال النبي صلى الله عليه وآله: لادفعن
هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وأعطاها عليا عليه السلام،
ففصل علي القطيفة سلكا سلكا فباع بالذهب، فكان ألف مثقال، ففرقه في فقراء المهاجرين
كلها، فلقيه النبي صلى الله عليه وآله ومعه حذيفة وعمار وسلمان وأبو ذر والمقداد،
فسأله النبي صلى الله عليه وآله العداء، فقال حياء منه: نعم فدخلوا عليه فوجدوا
الجفنة. وفي حديث ابن عباس: أن المقداد قال له: أنا منذ ثلاثة أيام ما طعمت شيئا
فخرج أمير المؤمنين عليه السلام وباع درعه بخمس مائة، ودفع إليه بعضها، وانصرف
متحيرا، فناداه أعرابي: اشتر مني هذه الناقة مؤجلا، فاشتراها بمائة (2)، ومضى
الاعرابي، فاستقبله آخر وقال: بعني هذه (3) بمائة وخمسين درهم، فباع وصاح: يا حسن
ويا حسين امضيا في طلب الاعرابي وهو على الباب، فرآه النبي صلى الله عليه وآله وهو
يتبسم ويقول: يا علي الاعرابي صاحب الناقة جبرئيل والمشتري ميكائيل، يا علي المائة
عن الناقة (4) والخمسين بالخمس التي دفعتها إلى المقداد، ثم تلا " ومن يتق الله
يجعل له " الآية (5). بيان: قال الفيروز آبادي: فرع كل شئ: أعلاه، والمال الطائل،
والقوس عملت من طرف القضيب، أو الفرع من خير القسي، وبالتحريك أول ولد تنتجه الناقة
(6). والعالية والعوالي: أماكن بأعلى أراضي المدينة، وإنما اشتروا كل
(1) سورة الحشر: 9. (2) في المصدر: بمائة
درهم. (3) في المصدر: بعنى هذه الناقة. (4) في (ك): ثمن الناقة. (5) مناقب آل ابى
طالب 1: 287 - 292. (6) القاموس 3: 61 و 62.
[32]
سلك في القطيفة بالذهب لشرافتها [ويحتمل
كونها مطرزة بالذهب، وقد مر في باب خيبر ما يؤيد الثاني.]. 2 - قب: وأنه عليه
السلام طلبت منه صدقة (1) فأعطى خاتما، فنزل: " إنما وليكم الله (2) " وفيه يضرب
المثل في الصدقات، يقال في الدعاء: تقبل الله منه كما تقبل توبة آدم وقربان إبراهيم
وحج المصطفى وصدقة أمير المؤمنين. وكان يأخذ من الغنائم لنفسه وفرسه ومن سهم ذي
القربى وينفق جميع ذلك في سبيل الله، وتوفي ولم يترك إلا ثمان مائة درهم (3). وسأله
أعرابي شيئا فأمر له بألف، فقال الوكيل: من ذهب أو فضة ؟ فقال: كلاهما عندي حجران،
فأعط الاعرابي أنفعهما له، وقال له ابن الزبير: إني وجدت في حساب أبي: أن له على
أبيك ثمانين ألف درهم، فقال له: إن أباك صادق، فقضى ذلك، ثم جاءه فقال: غلطت فيما
قلت، إنما كان لوالدك على والدي ما ذكرته لك فقال: والدك في حل والذي قبضته مني هو
لك (4). 3 - قب: الصادق عليه السلام: إنه عليه السلام أعتق ألف نسمة من كد يده
جماعة لا يحصون كثرة، وقال له رجل - ورأى عنده وسق نوى -: ما هذا يا أبا الحسن ؟
قال: مائة ألف نخل إن شاء الله، فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة، فهو من أوقافه
ووقف مالا بخيبر وبوادي القرى، ووقف مال أبي نيرز والبغيبغة وأرباحا وارينة ورغد
ورزينا ورياحا على المؤمنين (5)، وأمر بذلك أكثر ولد فاطمة من ذوي الامانة والصلاح،
وأخرج مائة عين بينبع وجعلها للحجيج، وهو باق إلى يومنا هذا، وحفر آبارا في طريق
مكة والكوفة، وهي مسجد الفتح (6) في
(1) في المصدر: طلب السائل منه صدقة. (2)
سورة المائدة: 55. (3) مناقب آل ابى طالب 1: 294. (4) مناقب آل ابى طالب 1: 320.
(5) " بغيبغة " بالضم والفتح وياء ساكنة وباء مكسورة، و " ارينة " بالضم ثم الفتح و
وياء ساكنة ونون مفتوحة. ولم نظفر على ضبط غيرهما. (6) في المصدر: وبنى مسجد الفتح.
[33]
المدينة، وعند مقابل قبر حمزة، وفي
الميقات وفي الكوفة جامع البصرة وفي عبادان وغير ذلك (1). 4 - كشف: من كتاب ابن
طلحة عن مجاهد قال: قال علي عليه السلام: جعت يوما بالمدينة جوعا شديدا، فخرجت أطلب
العمل في عوالي المدينة (2)، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا (3)، فظننتها تريد بلة
(4)، فأتيتها فقاطعتها كل ذنوب (5) على تمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي (6)
ثم أتيت الماء فأصبت منه، ثم أتيتها فقلت: يكفى هكذا (7) بين يديها - وبسط الراوي
كفيه وجمعهما - فعدت لي ستة عشر تمرة، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته،
فأكل معي منها. قال الواحدي في تفسيره يرفعه بسنده إلى ابن عباس قال: إن علي بن أبي
طالب عليه السلام كان يملك أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا
وبدرهم علانية، فأنزل الله سبحانه فيه: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا
وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (8) ". 5 فر: عبد الله بن
محمد بن هاشم، عن علي بن الحسن القرشي، عن عبد الله ابن عبد الرحمن الشامي، عن
جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنه " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار
سرا وعلانية " قال: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك أنه أنفق أربع دراهم:
(9) أنفق في سواد الليل درهما، وفي وضوح
(1) مناقب آل ابى طالب 1: 323. (2) ضيعة
بينها وبين المدينة أربعة أميال، وقيل ثلاثة، وقيل ثمانية. (3) المدر: الطين العلك
الذى لا يخالطه رمل. (4) البلة: الماء. (5) أي الدلو التى لها ذنب. (6) مجلت يده:
نفطت من العمل وظهر فيها المجل، وهو أن يكون بين الجلد واللحم ماء من كثرة العمل.
(7) في المصدر و (خ): فقلت بكفى هكذا أي أشرت. (8) كشف الغمة: 50 و 51. والاية في
سورة البقرة: 274. (9) كذا في النسخ والمصدر، والصحيح: أربعة دراهم.
[34]
النهار (1) درهما، وسرا درهما، وعلانية
درهما، فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وآله: أيكم صاحب هذه النفقة ؟
فأمسك القوم، فعادها النبي صلى الله عليه وآله فقام علي بن أبي طالب عليه السلام
وقال: أنا يا رسول الله، فتلا النبي صلى الله عليه وآله: " فلهم أجرهم عند ربهم "
يعني ثوابهم عند ربهم " ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " من قبل العذاب ومن قبل الموت
يعني في الآخرة (2). 6 - ما: المفيد، عن محمد بن الحسن المقري، عن محمد بن سهل
العطار (3)، عن أحمد بن عمر الدهقان، عن محمد بن كثير، عن عاصم بن كليب، عن أبيه،
عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فشكا إليه الجوع، فبعث
رسول الله إلى بيوت أزواجه فقلن: ما عندنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله: من لهذا الرجل الليلة ؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: أنا له يا رسول
الله، وأتى فاطمة عليها السلام فقال لها: ما عندك يا بنت رسول الله ؟ فقالت: ما
عندنا إلا قوت الصبية نؤثر (4) ضيفنا، فقال علي عليه السلام: يا ابنة محمد نومي
الصبية واطفئي المصباح فلما أصبح علي عليه السلام غدا على رسول الله صلى الله عليه
وآله فأخبره الخبر، فلم يبرح حتى أنزل الله عزوجل " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (5) ". 7 لى: الطالقاني، عن محمد بن قاسم
الانباري، عن أبيه، عن محمد بن أبي يعقوب الدينوري، عن أحمد بن أبي المقدام العجلي
قال: يروى أن رجلا جاء إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: يا أمير المؤمنين
إن لي إليك حاجة، فقال: اكتبها في الارض فإني أرى الضر فيك بينا، فكتب في الارض:
أنا فقير محتاج، فقال علي عليه السلام: يا قنبر اكسه حلتين، فأنشاء الرجل يقول:
(1) في المصدر: وأنفق في ضوء النهار. (2)
تفسير فرات: 8 و 9. (3) في المصدر: عن محمد بن حسن بن سهل العطار. (4) في المصدر:
لكنا نؤثر. (5) أمالى الطوسى: 116 والاية في سورة الحشر: 9.
[35]
كسوتني حلة تبلى محاسنها * فسوف أكسوك من
حسن الثنا حللا إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة * ولست تبغي بما قد نلته بدلا إن الثناء
ليحيي ذكر صاحبه * كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا لا تزهد الدهر في عرف بدأت به
(1) * فكل عبد سيجزى بالذي فعلا فقال عليه السلام: اعطوه مائة دينار، فقيل له: يا
أمير المؤمنين لقد أغنيته. فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أنزل
الناس منازلهم، ثم قال علي عليه السلام: إني لاعجب من أقوام يشترون المماليك
بأموالهم ولا يشترون الاحرار بمعروفهم (2). 8 - ن: بإسناد التميمي عن الرضا عن
آبائه عليهم السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: نزلت: " الذين ينفقون
أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية " في علي عليه السلام (3). 9 - شى: عن سلام بن
المستنير عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء
مرضات الله " قال: نزلت في علي عليه السلام (4). 10 - شى: عن أبي بصير عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: " ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله " قال: علي
أمير المؤمنين أفضلهم، وهو ممن ينفق ماله ابتغاء مرضات الله (5). 11 - شى: عن أبي
إسحاق قال: كان لعلي بن أبي طالب أربعة دراهم لم يملك غيرها، فتصدق بدرهم ليلا
وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فقال:
يا علي ما حملك على ما صنعت ؟ قال: إنجاز موعود الله، فأنزل الله: " الذين ينفقون
أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية " إلى الآيات (6). 12 - كا: علي بن إبراهيم، عن
هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة،
(1) العرف: الجود والمعروف والسخاء. (2)
أمالى الصدوق: 164 و 165. (3) عيون الاخبار: 223. (4 و 5) تفسير العياشي 1: 148،
واوردهما في البرهان 1: 254. والاية في سورة البقرة: 265. (6) تفسير العياشي 1:
151، وأورده في البرهان 1: 257. وفيه: إلى آخر الايات.
[36]
عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير
المؤمنين عليه السلام بعث إلى رجل بخمسة أوساق من تمر المعينعة (1) - وفي نسخة
اخرى: البقيعة - وكان الرجل ممن يرجى نوافله (2) ويؤمل تائله ورفده، وكان لا يسأل
عليا ولا غيره شيئا فقال رجل لامير المؤمنين عليه السلام: والله ما سألك فلان ولقد
كان يجزيه من الخمسة الاوساق وسق واحد، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لا أكثر
الله في المؤمنين ضربك ! اعطي أنا وتبخل أنت [الله أنت] إذا لم اعط الذي يرجوني إلا
من بعد المسألة ثم أعطيته من بعد المسألة (3) فلم اعطه ثمن ما أخذت منه، وذلك لاني
عوضته أن يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عند تعبده له وطلب حوائجه
إليه، فمن فعل هذا بأخيه المسلم وقد عرف أنه موضع لصلته ومعروفه فلم يصدق الله في
دعائه له، حيث يتمنى له الجنة بلسانه ويبخل عليه بالحطام من ماله، وذلك أن العبد قد
يقول في دعائه: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإذا دعا لهم بالمغفرة فقد طلب لهم
الجنة، فما أنصف من فعل هذا بالقول ولم يحققه بالفعل (4). 13 - كا: علي بن إبراهيم
بإسناده ذكره عن الحارث الهمداني قال: سامرت (5) أمير المؤمنين عليه السلام فقلت:
يا أمير المؤمنين عرضت لي حاجة، قال: فرأيتني لها أهلا، قلت: نعم يا أمير المؤمنين،
قال: جزاك الله عني خيرا، ثم قام إلى السراج فأغشاها وجلس، ثم قال: إنما أغشيت
السراج لئلا أرى ذل حاجتك في وجهك، فتكلم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: الحوائج أمانة من الله في صدور العباد، فمن كتمها كتب له عبادة، ومن أفشاها
كان حقا على من سمعها أن يعينه (6).
(1) الصحيح كما في المصدر " البغيبغة ".
(2) في المصدر: ممن يرجو نوافلة. (3) في المصدر: ثم اعطيه بعد المسألة. (4) فروع
الكافي (الجزء الرابع من الطبعة الحديثة): 22 و 23. (5) المسامرة: المحادثة
والتحادث ليلا. (6) فروع الكافي (الجزء الرابع من الطبعة الحديثة): 24. وفيه: أن
يعنيه.
[37]
14 - كا: العدة، عن البرقي، عن التفليسي،
عن السمندي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضرب
بالمر (1) ويستخرج الارضين، وأنه أعتق ألف مملوك من كد يده (2). 15 - فر: معنعنا عن
علي بن الحسين عليهما السلام قال: كان رجل مؤمن على عهد النبي صلى الله عليه وآله،
في دار حديقة (3)، وله جار له صبية، فكان يتساقط الرطب من النخلة فينشدون صبيته
يأكلونه، فيأتي الموسر فيخرج الرطب من جوف أفواه الصبية، وشكا الرجل ذلك إلى النبي
صلى الله عليه وآله، فأقبل وحده إلى الرجل فقال: بعني حديقتك هذه بحديقة في الجنة،
فقال له الموسر: لا أبيعك عاجلا بآجل ! فبكى النبي صلى الله عليه وآله و رجع نحو
المسجد، فلقيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال [له]: يا رسول الله
ما يبكيك لا أبكى الله عينيك ؟ فأخبره خبر الرجل الضعيف والحديقة، فأقبل أمير
المؤمنين عليه السلام حتى استخرجه (4) من منزله وقال له: بعني دارك، قال الموسر:
بحائطك الحسني، فصفق على يده ودار إلى الضعيف فقال له: تحول إلى دارك فقد ملكها
الله رب العالمين لك، وأقبل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل جبرئيل على النبي صلى
الله عليه وآله فقال له: يا محمد اقرأ " والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق
الذكر والانثى " إلى آخر السورة، فقام النبي صلى الله عليه وآله وقبل بين عينيه، ثم
قال: بأبي أنت قد أنزل الله فيك هذه السورة الكاملة (5). 16 - فر: علي بن محمد بن
علي بن أبي حفص الاعشى معنعنا عن موسى بن عيسى الانصاري قال: كنت جالسا مع أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد أن صلينا مع النبي صلى الله عليه وآله
العصر بهفوات، فجاء رجل إليه فقال له: يا أبا الحسن
(1) المر: المسحاة، ويقال لها بالفارسية "
بيل ". (2) فروع الكافي (الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 74. وفيه: من ماله وكد
يده. (3) في المصدر: في دار له حديقة. (4) في المصدر: فأقبل أمير المؤمنين عليه
السلام نحو الرجل الموسر حتى استخرجه اه. (5) تفسير فرات: 213.
[38]
قد قصدتك في حاجة لي أريد أن تمضي معي
فيها إلى صاحبها، فقال له: قف، قال: إني ساكن في دار لرجل فيها نخلة، وإنه يهيج
الريح فيسقط من ثمرها بلح وبسر ورطب وتمر، ويصعد الطير فيلقي منه، وأنا آكل منه
ويأكلون منه الصبيان من غير أن نبخسها بقصب أو نرميها بحجر، فاسأله أن يجعلني في
حل، قال: انهض بنا فنهضت معه، فجئنا إلى الرجل، فسلم عليه أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام فرحب وفرح به وسر، وقال: فيما جئت يا أبا الحسن ؟ قال: جئتك في
حاجة قال: تقضى إن شاء الله، فما هي ؟ قال: هذا الرجل ساكن في دار لك في موضع كذا،
ذكر أن فيها نخلة، فإنه يهيج الريح فيسقط منها بلح وبسر ورطب وتمر ويصعد الطير
فيلقي مثل ذلك من غير حجر يرميها به أو قصبة يبخسها فاجعله (1) في حل، فتأبى عن
ذلك، وسأله ثانيا وأقبل عليه (2) في المسألة ويتأبى إلى أن قال: والله أنا أضمن لك
عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبد لك بهذا النبي حديقة في الجنة، فأبى عليه
ورهقنا لمساء (3) فقال له علي عليه السلام: تبيعنيها بحديقتي فلانة ؟ فقال له: نعم،
قال: فاشهد لي عليك الله وموسى بن عيسى الانصاري أنك قد بعتها بهذا الدار، قال: نعم
أشهد الله وموسى بن عيسى [الانصاري على] أني قد بعتك هذه الحديقة ؟ بشجرها ونخلها
وثمرها بهذه الدار، أليس قد بعتني هذه الدار بما فيها بهذه الحديقة ولم يتوهم أنه
يفعل، فقال: نعم أشهد الله وموسى بن عيسى على أني قد بعتك هذه الدار بهذه الحديقة
(4)، فالتفت علي عليه السلام إلى الرجل فقال له: قم فخذ الدار بارك الله لك، وأنت
في حل منها، وسمعوا (5) أذان بلال فقاموا مبادرين حتى صلوا مع النبي صلى الله عليه
وآله المغرب والعشاء الآخرة، ثم انصرفوا إلى منازلهم، فلما
(1) في المصدر: فاريد أن تجعله. (2) في
المصدر: وأقبل يلح عليه. (3) في المصدر: ورهقت المساء. (4) في المصدر: هذه الدار
بما فيها بهذه الحديقة. (5) في المصدر: ووجبت المغرب وسمعوا، اه.
[39]
أصبحوا صلى النبي بهم الغداة وعقب، فهو
يعقب حتى هبط عليه جبرئيل عليه السلام بالوحي من عند الله، فأدار وجهه إلى أصحابه
فقال: من فعل منكم في ليلته هذه فعلا ؟ فقد أنزل الله بيانها، فمنكم أحد يخبرني أو
أخبره، فقال له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: بل أخبرنا يا رسول
الله، قال: نعم هبط جبرئيل فأقراني عن الله السلام وقال لي: إن أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب عليه السلام فعل البارحة فعلة، فقلت لحبيبي جبرئيل: ماهي ؟ فقال: اقرأ
يا رسول الله، فقلت: وما أقرأ ؟ فقال: اقرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم والليل إذا
يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والانثى إن سعيكم لشتى " إلى آخر السورة "
ولسوف يرضى " أنت يا علي ألست صدقت بالجنة وصدقت بالدار على ساكنها وبذلت الحديقة ؟
قال: نعم يا رسول الله قال: فهذه سورة نزلت فيك وهذا لك، فوثب إلى أمير المؤمنين
عليه السلام فقبل بين عينيه وضمه إليه، وقال له: أنت أخي وأنا أخوك، صلى الله
عليهما وآلهما (1). 17 - قب: صاحب حلية وأحمد في الفضائل عن مجاهد وصاحب مسند
العشرة وجماعة عن محمد بن كعب القرظي أنه رأى أمير المؤمنين عليه السلام أثر الجوع
في وجه النبي صلى الله عليه وآله فأخذ إهابا (2) فحوى وسطه وأدخله في عنقه وشد وسطه
بخوص نخل وهو شديد الجوع فأطلع على رجل يستقي ببكره، فقال: هل لك في كل دلوة بتمرة
فقال: نعم، فنزح له حتى امتلا كفه، ثم أرسل الدلو فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه
وآله (3). 18 - كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر
ابن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب بن عطية الحذاء قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: قسم نبي الله الفئ فأصاب عليا أرض (4)، فاحتفر فيها عينا فخرج
ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير، فسماها ينبع، فجاء البشير يبشر
(1) تفسير فرات: 213 و 214. (2) الاهاب:
الجلد أو ما لم يدبغ منه. (3) مناقب آل ابى طالب 1: 325. (4) في المصدر: فأصاب عليا
ارضا.
[40]
فقال عليه السلام: بشر الوارث هي صدقة بتة
بتلاء (1) في حجيج بيت الله وعابر سبيل الله (2) لاتباع ولا توهب ولا تورث، فمن
باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة و الناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفا
ولا عدلا (3). 19 - كا: أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن إسماعيل
عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: بعث إلي أبو
الحسن موسى عليه السلام بوصية أمير المؤمنين عليه السلام وهي: بسم الله الرحمن
الرحيم هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله علي ابتغاء وجه الله ليولجني به
الجنة ويصرفني به عن النار، ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، إن ما كان
لي من ينبع من مال (4) يعرف لي فيها وما حولها صدقة ورقيقها، غير أن رياحا وأبا
نيزر وجبيرا عتقاء، ليس لاحد عليهم سبيل، فهم موالي يعملون في المال خمس حجج، وفيه
نفقتهم ورزقهم وأرزاق أهاليهم، ومع ذلك ما كان لي بوادي القرى كله من مال بني فاطمة
(5) ورقيقها صدقة، وما كان لي بديمة وأهلها صدقة [غير أن زريقا له مثل ما كتبت
لاصحابه، وما كان لي باذينة وأهلها صدقة] والقفيرتين كما قد علمتم صدقة في سبيل
الله، وإن الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة حيا أنا أو ميتا، ينفق في كل
نفقة يبتغى بها وجه الله في سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني [عبد]
المطلب والقريب والبعيد، فإنه يقوم على ذلك الحسن بن علي، يأكل منه بالمعروف وينفقه
حيث يراه الله عزوجل في حل محلل، لا حرج عليه فيه، فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال
فيقضي به الدين فليفعل إن شاء، لا حرج عليه فيه، وإن شاء جعله
(1) في المصدر: بتة بتلا. (2) في المصدر:
وعابري سبيل الله. (3) فروع الكافي (الجزء السابع من الطبعة الحديثة): 54. (4) في
المصدر: ان ما كان لى من مال ينبع. (5) في المصدر: لبنى فاطمة.
[41]
سرى الملك، وإن ولد علي ومواليهم وأموالهم
إلى الحسن بن علي، وإن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبداله أن يبيعها
فليبع إن شاء لا حرج عليه فيه، وإن باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث، فيجعل ثلثها
(1) في سبيل الله، ويجعل ثلثا في بني هاشم وبني المطلب، ويجعل الثلث في آل أبي
طالب، وإنه يضعه فيهم حيث يراه الله، وإن حدث بحسن حدث وحسين حي فإنه إلى الحسين بن
علي وإن حسينا يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسنا، له مثل الذي كتبت للحسن، وعليه مثل
الذي على حسن (2) وإن لبني ابني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإني إنما
جعلت الذي جعلت لابني فاطمة ابتغاء وجه الله عزوجل وتكريم حرمة رسول الله صلى الله
عليه وآله وتعظيمها وتشريفها ورضاها (3)، وإن حدث بحسن وحسين حدث فإن الآخر منهما
ينظر في بني علي، فإن وجد فيهم من يرضى بهديه (4) وإسلامه وأمانته فإنه يجعله إليه
إن شاء، وإن لم ير فيهم بعض الذي يريده فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب (5)، فإن
وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذوو آرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضاه من بني هاشم،
وإنه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على اصوله، وينفق ثمره حيث أمرته به
في سبيل الله (6) ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب والبعيد، لا
يباع منه شئ ولا يوهب ولا يورث، وإن مال محمد بن علي على ناحية (7)، وهو إلى ابني
فاطمة وإن رقيقي الذين في صحيفة صغيرة الني كتبت لي عتقاء.
(1) في المصدر: فيجعل ثلثا. (2) في
المصدر: على الحسن. (3) في المصدر: وتعظيمهما وتشريفهما ورضاهما. (4) الهدى:
الطريقة والسيرة. (5) في المصدر: من آل ابى طالب يرضى به. (6) في المصدر: من سبيل
الله. (7) في المصدر: على ناحيته.
[42]
هذا ما وصى (1) به علي بن أبي طالب في
أمواله هذه الغد من يوم قدم مسكن ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، والله المستعان
على كل حال، ولا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شئ قضيته من
مالي ولا يخالف فيه أمري من قريب أو بعيد. أما بعد فان ولائدي اللائي أطوف عليهن
السبعة عشر منهن امهات أولاد معهن أولادهن، ومنهن حبالى، ومنهن لا ولد لها (2)،
فقضائي فيهن إن حدث بي حدث أن (3) من كان منهن ليس لها ولد وليست بحبلى فهي عتيق
لوجه الله عزوجل، ليس لاحد عليهن سبيل، ومن كانت منهن لها ولد أو حبلى فتمسك على
ولدها وهي من حظه، فإن مات ولدها وهي حية فهي عتيق ليس لاحد عليها سبيل، هذا ما قضى
به علي في ماله الغد من يوم قدم مسكن، شهد أبو سمر بن أبرهة وصعصعة بن صوحان، ويزيد
بن قيس، وهياج بن أبي هياج، وكتب علي بن أبي طالب بيده لعشر خلون من جمادى الاولى
سنة سبع وثلاثين (4). بيان: قوله عليه السلام: (سرى الملك) السرى: النفيس، أي يتخذه
لنفسه، وظاهره جواز اشتراط بيع والوقف وتملكه عند الحاجة، وهو خلاف المشهور بين
الاصحاب، وحمله على الاجارة مجازا بعيد، وسيأتي القول في ذلك في كتاب الوقف قوله
عليه السلام: (الغد من يوم قدم مسكن) تاريخ لكتابة الكتاب، والمسكن كمسجد موضع
بالكوفة، أي كانت الكتابة في اليوم الذي بعد يوم قدومه المسكن بعد رجوعه من بعض
أسفاره. 20 - سن: أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أبي عميرة (5) وسلمة صاحب
(1) في المصدر: ما قصى. (2) في المصدر:
ومنهن من لا ولد له. (3) في المصدر: أنه. (4) فروع الكافي (الجزء السابع من الطبعة
الحديثة): 49 - 51. (5) في المصدر: عن ابن عميرة.
[43]
السابري، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن عليا عليه السلام أعتق ألف مملوك من كد يده (1). 21 - جع: جاء
عليا عليه السلام أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين إني مأخوذ بثلاث علل: علة النفس
وعلة الفقر وعلة الجهل، فأجاب أمير المؤمنين عليه السلام وقال: يا أخا العرب علة
النفس تعرض على الطبيب، وعلة الجهل تعرض على العالم، وعلة الفقر تعرض على الكريم،
فقال الاعرابي: يا أمير المؤمنين أنت الكريم وأنت العالم وأنت الطبيب، فأمر أمير
المؤمنين عليه السلام بأن يعطى له من بيت المال ثلاثة آلاف درهم، وقال: تنفق ألفا
بعلة النفس وألفا بعلة الجهل وألفا بعلة الفقر (2). أقول: روى السيد بن طاوس في كشف
المحجة من بعض كتب المناقب أن عليا عليه السلام قال: تزوجت فاطمة عليها السلام وما
كان لي فراش، وصدقتي اليوم لو قسمت على بني هاشم لوسعتهم. وقال فيه: أنه عليه
السلام وقف أمواله وكانت غلته أربعين ألف دينار، وباع سيفه وقال: من يشتري سيفي ؟
ولو كان عندي عشاء ما بعته. وقال فيه: إنه عليه السلام قال مرة: من يشتري سيفي
الفلاني ؟ ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته. قال: وكان يفعل هذا وغلته أربعون ألف
دينار من صدقته (3).
(1) لم نجده في المصدر المطبوع. (2) جامع
الاخبار: 158 و 159. (3) كشف المحجة: 124، ولا يخفى أنه من مختصات (ك) فقط.
[44]
103 - (باب) * (خبر الناقة) * 1 - لى:
الهمداني، عن عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري، عن زيد بن إسماعيل الصائغ، عن معاوية
بن هشام، عن سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن خالد بن ربعي قال: إن أمير المؤمنين
عليه السلام دخل مكة في بعض حوائجه، فوجد أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول:
يا صاحب البيت ! البيت بيتك والضيف ضيفك، ولكل ضيف من ضيفه قرى (1) فاجعل قراي منك
الليلة المغفرة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لاصحابه: أما تسمعون كلام الاعرابي
؟ قالوا: نعم، فقال: الله أكرم من أن يرد ضيفه، فلما (2) كانت الليلة الثانية وجده
متعلقا بذلك الركن وهو يقول: يا عزيزا في عزك فلا أعز منك في عزك أعزني بعز عزك في
عز لا يعلم أحد كيف هو، أتوجه وأتوسل إليك، بحق محمد وآل محمد عليك أعطني ما لا
يعطيني أحد غيرك، واصرف عني مالا يصرفه أحد غيرك، قال: فقال أمير المؤمنين عليه
السلام لاصحابه: هذا والله الاسم الاكبر بالسريانية، أخبرني به حبيبي رسول الله صلى
الله عليه وآله سأله الجنة فأعطاه، وسأله صرف النار وقد صرفها عنه. قال: فلما كانت
الليلة الثالثة وجده وهو متعلق بذلك الركن وهو يقول: يا من لا يحويه مكان ولا يخلو
منه مكان بلا كيفية كان، ارزق الاعرابي أربعة آلاف درهم، قال: فتقدم إليه أمير
المؤمنين عليه السلام فقال: يا أعرابي سألت ربك القرى فقراك، وسألته الجنة فأعطاك،
وسألته أن يصرف عنك النار وقد صرفها عنك، وفي هذه الليلة تسأله أربعة آلاف درهم ؟
قال الاعرابي: من أنت ؟ قال: أنا علي
(1) القرى: ما يقدم للضيف. (2) في المصدر:
قال فلما.
[45]
ابن أبي طالب، قال الاعرابي أنت والله
بغيتي وبك أنزلت حاجتي، قال: سل يا أعرابي، قال: اريد ألف درهم للصداق، وألف درهم
أقضي به ديني، وألف درهم أشتري به دارا، وألف درهم أتعيش منه، قال: أنصفت يا
أعرابي، فإذا خرجت من مكة فاسأل عن داري بمدينة الرسول. فأقام الاعرابي بمكة اسبوعا
وخرج في طلب أمير المؤمنين عليه السلام إلى مدينة الرسول، ونادى: من يدلني على دار
أمير المؤمنين علي ؟ فقال الحسين بن علي من بين الصبيان: أنا أدلك على دار أمير
المؤمنين وأنا ابنه الحسين بن علي، فقال الاعرابي: من أبوك ؟ قال: أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب، قال: من أمك ؟ قال: فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، قال من جدك
؟ قال: رسول الله محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب قال: من جدتك ؟ قال: خديجة بنت
خويلد، قال: من أخوك قال: أبو محمد الحسن بن علي، قال: لقد أخذت الدنيا بطرفيها،
امش إلى أمير المؤمنين وقل له: إن الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب، قال: فدخل
الحسين بن علي عليه السلام فقال: يا أبة أعرابي بالباب يزعم أنه صاحب الضمان بمكة،
قال: فقال: يا فاطمة عندك شئ يأكله الاعرابي ؟ قالت: اللهم لا، قال: فتلبس أمير
المؤمنين عليه السلام وخرج وقال: ادعوا لي أبا عبد الله سلمان الفارسي، قال: فدخل
إليه سلمان الفارسي فقال: يابا عبد الله أعرض الحديقة التي غرسها رسول الله صلى
الله عليه وآله لي على التجار، قال: فدخل سلمان إلى السوق وعرض الحديقة، فباعها
باثني عشر ألف درهم، وأحضر المال وأحضر الاعرابي، فأعطاه أربعة آلاف درهم وأربعين
درهما نفقه، ووقع الخبر إلى سؤال المدينة فاجتمعوا، ومضى رجل من الانصار إلى فاطمة
عليها السلام فأخبرها بذلك، فقالت: آجرك الله في ممشاك، فجلس علي عليه السلام
والدراهم مصبوبة بين يديه حتى اجتمع إليه أصحابه، فقبض قبضة قبضة وجعل يعطي رجلا
رجلا حتى لم يبق معه درهم واحد. فلما أتى المنزل قالت له فاطمة عليها السلام: يا
ابن عم بعت الحائط الذي غرسه لك والدي ؟ قال: نعم بخير منه عاجلا وآجلا، قالت: فأين
الثمن ؟ قال: دفعته
[46]
إلى أعين استحييت أن اذلها بذل المسألة
قبل أن تسألني، قالت فاطمة: أنا جائعة و ابناي جائعان ولا أشك إلا وأنك مثلنا في
الجوع، لم يكن لنا منه درهم ؟ وأخذت بطرف ثوب علي عليه السلام، فقال علي عليه
السلام: يا فاطمة خليني، فقالت: لا والله أو يحكم بيني وبينك أبي، فهبط جبرئيل عليه
السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد السلام (1) يقرؤك السلام
ويقول: اقرأ عليا مني السلام وقل لفاطمة: ليس لك أن تضربي على يديه، فلما أتى رسول
الله صلى الله عليه وآله منزل علي وجد فاطمة ملازمة لعلي عليه السلام فقال لها: يا
بنية مالك ملازمة لعلي ؟ قالت: يا أبة باع الحائط الذي غرسته له باثني عشر ألف
درهم، لم يحبس لنا منه درهما نشتري به طعاما، فقال: يا بنية إن جبرئيل يقرؤني من
ربي السلام ويقول: اقرأ عليا من ربه السلام، وأمرني أن أقول لك: ليس لك أن تضربي
على يديه، قالت فاطمة عليها السلام: فإني أستغفر الله ولا أعود أبدا. قالت فاطمة
عليها السلام: فخرج أبي صلى الله عليه وآله في ناحية وزوجي في ناحية، فما لبث أن
أتى أبي ومعه سبعة دراهم سود هجرية، فقال: يا فاطمة أين ابن عمي ؟ فقلت له: خرج،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هاك هذه الدراهم، فإذا جاء ابن عمي فقولي له
يبتاع لكم بها طعاما، فما لبثت إلا يسيرا حتى جاء علي عليه السلام فقال: رجع ابن
عمي فإني أجد رائحة طيبة ؟ قالت: نعم وقد دفع إلي شيئا تبتاع به لنا طعاما، قال علي
عليه السلام: هاتيه، فدفعت إليه سبعة دراهم سودا هجرية، فقال: بسم الله والحمد لله
كثيرا طيبا، وهذا من رزق الله عزوجل، ثم قال: يا حسن قم معي، فأتيا السوق فإذا هما
برجل واقف وهو يقول: من يقرض الملي الوفي ؟ قال: يا بني نعطيه ؟ قال: إي والله يا
أبة، فأعطاه علي عليه السلام الدراهم، فقال الحسن: يا أبتاه أعطيته الدراهم كلها ؟
قال: نعم يا بني، إن الذي يعطي القليل قادر على أن يعطي الكثير. قال: فمضى علي بباب
رجل يستقرض منه شيئا، فلقيه أعرابي ومعه ناقة فقال: يا علي اشتر مني هذه الناقة،
قال: ليس معي ثمنها، قال: فإني أنظرك
(1) ربك خ ل.
[47]
به إلى القبض، قال: بكم يا أعرابي ؟ قال:
بمائة درهم، قال علي: خذها يا حسن فأخذها، فمضى علي عليه السلام فلقيه أعرابي آخر
المثال واحد والثياب مختلفة، فقال: يا علي تبيع الناقة ؟ قال علي: وما تصنع بها ؟
قال: أغزو عليها أول غزوة يغزوها ابن عمك قال: إن قبلتها فهي لك بلا ثمن، قال: معي
ثمنها وبالثمن أشتريها، فبكم اشتريتها ؟ قال: بمائة درهم، قال الاعرابي: فلك سبعون
ومائة درهم، قال علي عليه السلام: خذ السبعين والمائة وسلم الناقة، والمائة
للاعرابي (1) الذي باعنا الناقة والسبعين لنا نبتاع بها شيئا، فأخذ الحسن عليه
السلام الدراهم وسلم الناقة، قال علي عليه السلام: فمضيت أطلب الاعرابي الذي ابتعت
منه الناقة لاعطيه ثمنها، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا في مكان لم أره
فيه قبل ذلك ولا بعده، على قارعة الطريق، فلما نظر النبي صلى الله عليه وآله إلي
تبسم ضاحكا حتى بدت نواجده، قال علي عليه السلام: أضحك الله سنك وبشرك بيومك، فقال:
يا أبا الحسن: إنك تطلب الاعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه الثمن ؟ فقلت: إي والله
فداك أبي وأمي، فقال: يا أبا الحسن الذي باعك الناقة جبرئيل والذي اشتراها منك
ميكائيل، والناقة من نوق الجنة، والدراهم من عند رب العالمين عزوجل، فأنفقها في خير
ولا تخف إقتارا (2). بيان: لعل منازعتها صلوات الله عليها إنما كانت ظاهرا (3)
لظهور فضله صلوات الله عليه على الناس، أو لظهور الحكمة فيما صدر عنه عليه السلام
أو لوجه من الوجوه لا نعرفه، والنواجد من الاسنان: الضواحك، وهي التي تبدو عند
الضحك قوله: (وبشرك بيومك) أي يوم الشفاعة التي وعدها الله تعالى [له].
(1) في المصدر: المائة للاعرابي. بدون
الواو. (2) أمالى الصدوق: 280 - 282. (3) في (خ) و (م): انما كانت طابه.
[48]
104 (باب) * (حسن خلقه وبشره وحلمه وعفوه
واشفاقة وعطفه صلوات الله عليه) * 1 - قب: مختار التمار عن أبي مطر البصري أن أمير
المؤمنين عليه السلام مر بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي فقال: يا جارية ما يبكيك
؟ فقالت: بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمر افأتيتهم به فلم يرضوه، فلما أتيته
به أبى أن يقبله، قال: يا عبد الله إنها خادم وليس لها أمر، فاردد إليها درهما وخذ
التمر، فقام إليه الرجل فلكزه، فقال الناس: هذا أمير المؤمنين، فربا الرجل (1)
واصفر وأخذ التمر ورد إليها درهمها ثم قال: يا أمير المؤمنين ارض عني، فقال: ما
أرضاني عنك إن أصلحت أمرك. وفي فضائل أحمد وإذا وفيت الناس حقوقهم. ودعا عليه
السلام غلاما مرارا فلم يجبه، فخرج فوجده على باب البيت، فقال: ما حملك على ترك
إجابتي ؟ قال: كسلت عن إجابتك وأمنت عقوبتك، فقال: الحمد لله الذي جعلني ممن يأمنه
خلقه، امض فأنت حر لوجه الله. وكان علي عليه السلام في صلاة الصبح فقال ابن الكواء
من خلفه: " ولقد وحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من
الخاسرين (2) " فأنصت علي عليه السلام تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية، ثم عاد في
قراءته، ثم أعاد ابن الكواء الآية، فأنصت علي عليه السلام أيضا، ثم قرأ فأعاد ابن
الكواء، فأنصت علي عليه السلام ثم قال: " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين
لا يوقنون (3) " ثم أتم السورة وركع. وبعث أمير المؤمنين عليه السلام إلى لبيد بن
عطارد التميمي في كلام بلغه، فمر
(1) أي أخذه الربو ؟، وهو علة تحدث في
الرئة فتصير النفس صعبا. (2) سورة الزمر: 65. (3) سورة الروم: 60.
[49]
به أمير المؤمنين عليه السلام في بني أسد،
فقام إليه نعيم بن دجاجة الاسدي فأفلته، فبعث إليه أمير المؤمنين عليه السلام فأتوه
به، وأمر به أن يضرب فقال له: نعم والله إن المقام معك لذل، وإن فراقك لكفر، فلما
سمع ذلك منه قال: قد عفونا عنك إن الله عزوجل يقول: " ادفع بالتي هي أحسن السيئة
(1) " أما قولك: إن المقام معك لذل فسيئة اكتسبتها، وأما قولك إن فراقك لكفر فحسنة
اكتسبتها، فهذه بهذه. مرت امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم، فقال أمير المؤمنين
عليه السلام: إن أبصار هذه الفحول طوامع، وإن ذلك سبب هناتها، فإذا نظر أحدكم إلى
امرأة تعجبه فليلمس أهله، فإنما هي امرأة كامرأة، فقال رجل من الخوارج: قاتله الله
كافرا ما أفقهه " فوثب القوم ليقتلوه فقال (2) عليه السلام: رويدا إنما هو سب بسب
أو عفو عن ذنب. وجاءه أبو هريرة - وكان تكلم فيه وأسمعه في اليوم الماضي - وسأله
حوائجه فقضاها، فعاتبه أصحابه على ذلك فقال: إني لاستحيي أن يغلب جهله علمي وذنبه
عفوي ومسألته جودي. ومن كلامه عليه السلام: إلى كم أغضي الجفون على القذي وأسحب
ذيلي على الاذى وأقول لعل وعسى (3). بيان: اللكز: الدفع والضرب بجمع الكف. ويقال:
طمع بصري إليه أي امتد وعلا، ويقال في فلان هنات أي خصال شر. 2 - قب: العقد ونزهة
الابصار: قال قنبر: دخلت مع أمير المؤمنين عليه السلام على عثمان فاحب الخلوة فأومأ
إلي بالتنحي فتنحيت غير بعيد، فجعل عثمان يعاتبه وهو مطرق رأسه وأقبل إليه عثمان
فقال: مالك لا تقول ؟ فقال عليه السلام: ليس جوابك إلا ما تكره، وليس لك عندي إلا
ما تحب ثم خرج قائلا:
(1) سورة المؤمنون: 96. (2) في المصدر:
فقال على عليه السلام. (3) مناقب آل أبي طالب 1: 316 و 317.
[50]
ولو أنني جاوبته لامضه * نوافذ قولي
واختصار جوابي - ولكنني أغضي على مضض الحشا * ولو شئت اقداما لانشب نابي وأسر مالك
الاشتر يوم الجمل مروان بن الحكم، فعاتبه عليه السلام وأطلقه. وقالت عائشة يوم
الجمل: ملكت فاسجح، فجهزها أحسن الجهاز وبعث معها بتسعين امرأة أو سبعين، واستأمنت
لعبدالله بن الزبير على لسان محمد بن أبي بكر فآمنه وآمن معه سائر الناس. وجئ بموسى
بن طلحة بن عبيد الله فقال له: قل: " أستغفر الله وأتوب إليه ". ثلاث مرات، وخلى
سبيله، وقال: اذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتق الله
فيما تستقبله من أمرك واجلس في بيتك (1). بيان: قال الجزري في النهاية: قالت عائشة
لعلي عليه السلام يوم الجمل حين ظهر: " ملكت فاسجح " أي قدرت فسهل فأحسن العفو، وهو
مثل سائر (2). والكراع كغراب اسم لجمع الخيل. 3 - قب: ابن بطة العكبري وأبو داود
السجستاني عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي عليه السلام إذا
أخد أسيرا في حروب الشام أخذ سلاحه ودابته واستحلفه أن لا يعين عليه. ابن بطة
بإسناده عن عرفجة عن أبيه قال: لما قتل علي أصحاب النهر جاء بما كان في عسكرهم، فمن
كان يعرف شيئا أخذه، حتى بقيت قدر، ثم رأيتها بعد قد أخذت. الطبري: لما ضرب علي
طلحة العبدري تركه، فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لعلي عليه السلام ما
منعك أن تجهز عليه ؟ قال: إن ابن عمي ناشدني الله والرحم حين انكشفت عورته
فاستحييته. ولما أدرك عمرو بن عبد ود لم يضربه، فوقعوا في علي عليه السلام فرد عنه
حذيفة
(1) مناقب آل أبي طالب 1: 317. (2)
النهاية 2: 147. وفيه: وأحسن العفو.
[51]
فقال النبي صلى الله عليه وآله: مه يا
حذيفة فإن عليا سيذكر سبب وقفته، ثم إنه ضربه، فلما جاء سأله النبي صلى الله عليه
وآله عن ذلك فقال: قد كان شتم أمي وتفل في وجهي، فخشيت أن أضربه لحظ نفسي، فتركته
حتى سكن مابي ثم قتلته في الله. وإنه لما امتنع من البيعة جرت من الاسباب ما هو
معروف، فاحتمل وصبر، وروي أنه لما طالبوه بالبيعة قال له الاول: بايع، قال: فإن لم
أفعل فمه ؟ قال: والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، قال: فالتفت علي عليه السلام
إلى القبر فقال: " يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ". الجاحظ في
البيان والتبيين إن أول خطبة خطبها أمير المؤمنين عليه السلام قوله: قد مضت أمور لم
تكونوا فيها بمحمودي الرأي، أما لو أشاء أن أقول لقلت، ولكن عفا الله عما سلف، سبق
الرجلان وقام الثالث كالغراب، همته بطنه، يا ويله لو قص جناحه وقطع رأسه لكان خيرا
له. وقد روى الكافة عنه: اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم ظلموني في الحجر
والمدر. إبراهيم الثقفي عن عثمان بن أبي شيبة والفضل بن دكين بإسنادهما قال علي
عليه السلام: ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه إلى يومي هذا. وروى إبراهيم بإسناده
عن المسيب بن نجية قال: بينما علي يخطب وأعرابي يقول: وامظلمتاه، فقال علي عليه
السلام: ادن، فدنا فقال: لقد ظلمت عدد المدر والوبر (1)، وفي رواية كثير بن اليمان،
وما لا يحصى. أبو نعيم الفضل بن دكين بإسناده عن حريث قال: إن عليا عليه السلام لم
يقم مرة على المنبر إلا قال في آخر كلامه قبل أن ينزل: ما زلت مظلوما منذ قبض الله
نبيه، وكان عليه السلام بشره دائم، وثغره باسم، غيث لمن رغب، وغياث لمن ذهب، مآل
الآمل، وثمال الارامل، يتعطف على رعيته، ويتصرف على مشيته، ويكفه
(1) في المصدر: عدد المدر والمطر والوبر.
[52]
بحجته (1) ويكفيه بمهجته. ونظر علي عليه
السلام إلى امرأة على كتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها، وسألها
عن حالها فقالت: بعث علي بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فقتل، وترك علي صبيانا
يتامى، وليس عندي شئ، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس، فانصرف وبات ليلته قلقا،
فلما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك، فقال: من يحمل وزري
عني يوم القيامة ؟ فأتى وقرع الباب، فقالت: من هذا ؟ قال: أنا ذلك العبد الذي حمل
معك القربة، فافتحي فإن معي شيئا للصبيان، فقالت: رضي الله عنك وحكم بيني وبين علي
بن أبي طالب، فدخل وقال: إني أحببت اكتساب الثواب، فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين
وبين أن تعللين الصبيان لاخبز أنا، فقالت: أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر، ولكن شأنك
والصبيان، فعللهم حتى أفرغ من الخبز، قال (2): فعمدت إلى الدقيق فعجنته، وعمد علي
عليه السلام إلى اللحم فطبخه، وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره، فكلما ناول
الصبيان من ذلك شيئا قال له: يا بني اجعل علي بن أبي طالب في حل مما أمر في أمرك
(3)، فلما اختمر العجين قالت: يا عبد الله اسجر التنور فبادر لسجره فلما أشعله ولفح
في وجهه جعل يقول: ذق يا علي هذا جزاء من ضيع الارامل واليتامى، فرأته امرأة تعرفه
فقالت: ويحك هذا أمير المؤمنين، قال: فبادرت المرأة وهي تقول: واحيائي منك يا أمير
المؤمنين، فقال: بل واحيائي منك يا أمة الله فيما قصرت في أمرك (4). 4 - قب: سئل
عليه السلام عن رجل فقال: توفي البارحة فلما رأى جزع السائل
(1) في المصدر: ويكلؤه بحجته. (2) كذا في
النسخ وهو سهو، والصحيح " قالت ". (3) في المصدر: مما مر في أمرك. (4) مناقب آل ابى
طالب 1: 317 - 319.
[53]
قرأ: " الله يتوفى الانفس حين موتها والتي
لم تمت في منامها " (1). 5 - ب: عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه عليه السلام أن عليا
عليه السلام صاحب رجلا ذميا، فقال له الذمي: أين تريد يا عبد الله ؟ قال: أريد
الكوفة، فلما عدل الطريق بالذمي عدل معه علي، فقال له الذمي: أليس زعمت تريد الكوفة
؟ قال: بلى، فقال له الذمي: فقد تركت الطريق، فقال: قد علمت، فقال له: فلم عدلت معي
وقد علمت ذلك ؟ فقال له علي عليه السلام: هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيع الرجل
صاحبه هنيئة إذا فارقه وكذلك أمرنا نبينا، فقال له: هكذا ؟ قال: نعم (2)، فقال له
الذمي: لا جرم إنما تبعه من تبعه لافعاله الكريمة، وأنا أشهدك أني على دينك، فرجع
الذمي مع علي عليه السلام، فلما عرفه أسلم (3). كا: علي بن إبراهيم، عن هارون بن
مسلم، عن ابن صدقة مثله (4). 6 - كا: العدة، عن سهل، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن
ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل رجلان على أمير المؤمنين عليه
السلام فألقى لكل واحدة (5) منهما وسادة، فقعد عليها أحدهما وأبى الآخر، فقال أمير
المؤمنين عليه السلام: اقعد عليها فإنه لا يأبى الكرامة إلا الحمار، ثم قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه (6).
(1) مناقب آل ابى طالب 1: 638. والاية في
سورة الزمر: 43. (2) في المصدر: فقال له هكذا قال ؟ قال: نعم. (3) قرب الاسناد: 7.
(4) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة الحديثة): 670. (5) في المصدر: لكل واحد.
(6) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة الحديثة): 659.
[54]
105 - (باب) * (تواضعه صلوات الله عليه) *
1 - قب: الاصبغ عن علي عليه السلام في قوله: " وعباد الرحمن (1) " قال: فينا نزلت
هذه الآية. الصادق عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يحطب ويستسقي ويكنس،
وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز. الابانة عن ابن بطة والفضائل عن أحمد
أنه اشترى تمرا بالكوفة، فحمله في طرف ردائه، فتبادر الناس إلى حمله وقالوا: يا
أمير المؤمنين نحن نحمله، فقال عليه السلام: رب العيال أحق بحمله. قوت القلوب عن
أبي طالب المكي: كان علي عليه السلام يحمل التمر والمالح (2) بيده ويقول: لا ينقص
الكامل من كماله * ماجر من نفع إلى عياله زيد بن علي: إنه كان يمشى في خمسة حافيا
ويعلق نعليه بيده اليسرى: يوم الفطر والنحر والجمعة (3) وعند العيادة وتشييع
الجنازة، ويقول: إنها مواضع الله، وأحب أن أكون فيها حافيا. زاذان إنه كان يمشي في
الاسواق وحده وهو ذاك يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه
القرآن ويقرأ: " تلك الدار الآخرة نجعلها " الآية (4). * (هامش) (1) سورة الفرقان:
63. (2) أي السمك المالح: قال الفيومى في المصباح (2: 123): سمك ملح ومملوح ومليح
وهو المقدد: ولا يقال " مالح " الا في لغة رديئة. (3) في المصدر: ويوم الجمعة. (4)
مناقب آل أبى طالب 1: 309 و 310 والاية في سورة القصص: 83.
[55]
2 - سن: أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن
سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام على أصحابه
وهو راكب، فمشوا خلفه فالتفت إليهم فقال: لكم حاجة ؟ فقالوا: لا يا أمير المؤمنين،
ولكنا نحب أن نمشي معك، فقال لهم: انصرفوا فإن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب
ومذلة للماشي، قال: وركب مرة اخرى فمشوا خلفه، فقال: انصرفوا فإن خفق النعال خلف
أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكى (1). كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير مثله إلى
قوله: معرة للراكب ومذلة للماشي (2). 3 - قب: عن الصادق عليه السلام مثله. وترجل
دهاقين الانبار له وأسندوا بين يديه، فقال عليه السلام: ما هذا الذي صنعتموه ؟
قالوا: خلق منا نعظم به أمراءنا، فقال: والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم، وإنكم لتشقون
به على أنفسكم، وتشقون به في آخرتكم، وما أخسر المشقة وراءها العقاب، وما أربح
الراحة معها الامان من النار (3). 4 - قب: أبو عبد الله عليه السلام قال: افتخر
رجلان عند أمير المؤمنين عليه السلام فقال عليه السلام: أتفتخران بأجساد بالية
وأرواح في النار ؟ إن يكن له عقل فإن لك خلفا، وإن لم يكن له تقوى فإن لك كرما،
وإلا فالحمار خير منكما، ولست بخير من أحد (4). 5 - ج: بالاسناد إلى أبي محمد
العسكري أنه قال: أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأنا،
ومن تواضع في الدنيا لاخوانه فهو عند الله من الصديقين ومن شيعة علي بن أبي طالب
عليه السلام حقا، ولقد ورد على
(1) لم نجده في المصدر المطبوع. والنوكى
جمع الانوك: الاحمق. (2) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 540. وفيه:
مفسدة للراكب. (3) مناقب آل أبي طالب 1: 310. (4) مناقب آل أبي طالب 1: 310. ولم
نتحقق معنى الرواية.
[56]
أمير المؤمنين عليه السلام أخوان له
مؤمنان أب وابن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين أيديهما، ثم
أمر بطعام فأحضر، فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست وإبريق خشب ومنديل ليلبس (1). وجاء
ليصب على يد الرجل (2) فوثب أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ الابريق ليصب على يد
الرجل، فتمرغ الرجل في التراب وقال: يا أمير المؤمنين الله يراني وأنت تصب على يدي
؟ ! قال: اقعد واغسل (3) فإن الله عزوجل يراك، وأخوك الذي لا يتميز منك ولا ينفصل
عنك (4) يخدمك، يريد بذلك في خدمته في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا، وعلى
حسب ذلك في مماليكه فيها، فقعد الرجل فقال له علي عليه السلام: أقسمت (5) بعظيم حقي
الذي عرفته ونحلته وتواضعك لله حتى جازاك عنه بأن تدنيني لما شرفك به من خدمتي لك
لما غسلت مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبرا ففعل الرجل ذلك، فلما فرغ
ناول الابريق محمد بن الحنفية وقال: يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصبيت
على يده، ولكن الله عزوجل يأبى أن يسوي. بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان لكن قد صب
الاب على الاب فليصب الابن على الابن فصب محمد بن الحنفية على الابن، ثم قال الحسن
بن علي العسكري عليه السلام: فمن اتبع عليا على ذلك فهو الشيعي حقا (6). 6 - قب:
حلية الاولياء ونزهة الابصار أنه مضى عليه السلام (7) في حكومة إلى شريح مع يهودي،
فقال (8): يا يهودي الدرع درعي ولم أبع ولم أهب، فقال
(1) في المصدر: ليبس. (2) في المصدر: على
يد الرجل ماء. (3) في المصدر: اقعد واغسل يدك. (4) في المصدر: ولا يتفضل عنك. (5)
في المصدر: أقسمت عليك. (6) الاحتجاج: 256 و 257. ورواه في المناقب 1: 310. (7) في
المصدر: أنه مضى على عليه السلام. (8) في المصدر: فقال له. (*)
[57]
اليهودي: الدرع لي وفي يدي، فسأله شريح
البينة، فقال: هذا قنبر والحسين يشهدان لي بذلك، فقال شريح: شهادة الابن لا تجوز
لابيه، وشهادة العبد لا تجوز لسيده وإنهما يجران إليك ! فقال أمير المؤمنين عليه
السلام: ويلك يا شريح أخطات من وجوه، أما واحدة فأنا إمامك تدين الله بطاعتي وتعلم
أني لا أقول باطلا، فرددت قولي وأبطلت دعواي، ثم سألتني البينة فشهد عبد (1) وأحد
سيدي شباب أهل الجنة فرددت شهادتهما، ثم ادعيت عليهما أنهما يجر أنهما يجران إلى
أنفسهما، أما إني لا أرى عقوبتك إلا أن تقضي بين اليهود ثلاثة أيام ! أخرجوه،
فأخرجه إلى قبا فقضى بين اليهود ثلاثا، ثم انصرف، فلما سمع اليهودي ذلك قال: هذا
أمير المؤمنين جاء إلى الحاكم والحاكم حكم عليه ! فأسلم ثم قال: الدرع درعك سقطت
يوم صفين من جمل أورق فأخذتها (2). 7 - قب: الباقر عليه السلام في خبر أنه رجع علي
عليه السلام إلى داره في وقت القيظ فإذا امرأة قائمة تقول: إن زوجي ظلمني وأخافني
وتعدى علي وحلف ليضربني فقال: يا أمة الله اصبري حتى يبرد النهار ثم أذهب معك إن
شاء الله، فقالت: يشتد غضبه وحرده علي، فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا والله أو
يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع، أين منزلك ؟ فمضى إلى بابه فوقف فقال: السلام عليكم،
فخرج شاب، فقال علي عليه السلام: يا عبد الله اتق الله فإنك قد أخفتها وأخرجتها،
فقال الفتى: وما أنت وذاك ؟ والله لاحرقنها لكلامك، فقال أمير المؤمنين عليه
السلام: آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر تستقبلني بالمنكر وتنكر المعروف ؟ قال:
فأقبل الناس من الطرق ويقولون: سلام عليكم يا أمير المؤمنين، فسقط الرجل في يديه
فقال: يا أمير المؤمنين أقلني [في] عثرتي، فوالله لاكونن لها أرضا تطأني، فأغمد علي
سيفه فقال: يا أمة الله ادخلي منزلك ولا تلجئي زوجك إلى مثل هذا وشبهه. وروى
(1) في المصدر: عبدي. (2) مناقب آل أبي
طالب 1: 310 و 311 قال في القاموس (3: 289): الاورق من الابل ما في لونه بياض إلى
سواد، وهو من أطيب الابل لحما لا سيرا وعملا.
[58]
الفنجكردي في سلوة الشيعة له: ودع التجبر
والتكبر يا أخي * إن التكبر للعبيد وبيل - واجعل فؤادك للتواضع منزلا * إن التواضع
بالشريف جميل (1) 8 - كا: العدة، عن البرقي، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضرب بالمر (2)
ويستخرج الارضين وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يمص النوى بفيه ويغرسه فيطلع من
ساعته، وإن أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف مملوك من ماله وكد يده (3). 9 - كا:
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير عن زرارة، عن أبي جعفر
عليه السلام قال: لقي رجل أمير المؤمنين عليه السلام وتحته وسق من نوى، فقال له: ما
هذا يا أبا الحسن تحتك ؟ فقال: مائة ألف عذق إن شاء الله، قال: فغرسه فلم يغادر منه
نواة واحدة (4). 10 - كا: العدة، عن سهل عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يخرج ومعه أحمال
النوى، فيقال له: يا أبا الحسن ما هذا معك ؟ فيقول: نخل إن شاء الله، فيغرسه فما
يغادر منه واحدة (5). 11 - كا: العدة، عن سهل، عن داود بن مهران، عن الميثمي، عن
رجل عن جويرية بن مسهر قال: اشتددت خلف أمير المؤمنين عليه السلام فقال لي: يا
جويرية إنه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلا بخفق النعال خلفهم، ما جاء بك ؟ قلت: جئت
أسألك عن ثلاث: عن الشرف وعن المروة وعن العقل. قال: أما الشرف فمن شرفه السلطان
شرف، وأما المروة فإصلاح المعيشة، وأما العقل فمن اتقى الله عقل (6).
(1) مناقب آل أبي طالب 1: 311. (2) المر:
المسحاة. (3) فروع الكافي (الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 74. (4) فروع الكافي
(الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 74 و 75. (5) فروع الكافي (الجزء الخامس من
الطبعة الحديثة: 75. وفيه: فلم يغادر. (6) لم نظفر به في المصدر.
[59]
12 - نهج: مدحه عليه السلام قوم في وجهه
فقال: اللهم إنك [أنت] أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلنا خيرا
مما يظنون، واغفر لنا مالا يعلمون، وقال عليه السلام وقدرئي عليه إزار خلق مرقوع
فقيل له في ذلك فقال: يخشع له القلب، وتذل به النفس ويقتدي به المؤمنون (1). 106
(باب) * (مهابته وشجاعته، والاستدلال بسابقته في الجهاد) * على امامته وفيه بعض
نوادر غزواته 1 - قب: اجتمعت الامة ووافق الكتاب والسنة أن لله خيرة من خلقه، وأن
خيرته من خلقه المتقون، قوله: " إن أكرمكم عند الله أتقاكم (2) " وأن خيرته من
المتقين المجاهدون، قوله: " فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة
(3) " وأن خيرته من المجاهدين السابقون إلى الجهاد، قوله: " لا يستوي منكم من أنفق
من قبل الفتح وقاتل (4) " الآية، وأن خيرته من المجاهدين [السابقين] أكثرهم عملا في
الجهاد، واجتمعت الامة على أن السابقين إلى الجهاد هم البدريون، وأن خيرة البدريين
علي، فلم يزل القرآن يصدق بعضه بعضا باجماعهم، حتى دلوا بأن عليا خيرة هذه الامة
بعد نبيها. العلوي البصري: ولو يستوي بالنهوض الجلوس * لما بين الله فضل الجهاد
(1) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 164 و
165. (2) سورة الحجرات: 13. (3) سورة النساء: 95. (4) سورة الحديد: 10.
[60]
قوله تعالى: " يا أيها النبي جاهد الكفار
والمنافقين (1) " فجاهد النبي صلى الله عليه وآله الكفار في حياته، وأمر عليا بجهاد
المنافقين، قوله: " تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين " وحديث خاصف النعل، وحديث
كلاب الحوأب، وحديث " تقتلك الفئة الباغية " وحديث ذي الثدية وغير ذلك، وهذا من
صفات الخلفاء، ولا يعارض ذلك بقتال أهل الردة، لان النبي صلى الله عليه وآله كان
أمر عليا بقتال هؤلاء بإجماع أهل الاثر وحكم المسمين أهل الردة لا يخفى على منصف.
المعروفون بالجهاد علي وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث والزبير وطلحة وأبو دجانة وسعد
بن أبي وقاص والبراء بن عازب وسعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة وقد اجتمعت الامة على أن
هؤلاء لا يقاس بعلي في شوكته وكثرة جهاده، فأما أبو بكر وعمر فقد تصفحنا كتب
المغازي فما وجدنا لهما فيه أثرا البتة، وقد اجتمعت الامة أن عليا كان المجاهد في
سبيل الله، والكاشف الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله، المقدم في سائر
الغزوات إذا لم يحضر النبي صلى الله عليه وآله، وإذا حضر فهو تاليه والصاحب للراية
(2) واللواء معا، وما كان قط تحت لواء أحد، ولا فر من زحف وإنهما فرا في غير موضع،
وكانا تحت لواء جماعة. واستدل أصحابنا بقوله: " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل
المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله (3) " أن
المعني بها أمير المؤمنين عليه السلام لانه كان جامعا لهذه الخصال بالاتفاق، ولا
قطع على كون
(1) سورة التوبة: 73. التحريم: 9. (2) في
المصدر: وصاحب الراية. (3) كذا في النسخ والصمدر وهو سهو، والاية كذلك: " ليس البر
ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة
والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل
والسائلين وفي الرقاب و أقام الصلوة وآتى الزكوة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا
والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون "
سورة البقرة: 177.
[61]
غيره جامعا لها، ولهذا قال الزجاج
والفراء: كأنها مخصوصة بالانبياء والمرسلين ابن عباس في قوله: " وله أسلم من في
السماوات والارض (1) " قال: أسلمت الملائكة في السماوات والمؤمنون في الارض، وأولهم
علي إسلاما ومع المشركين قتالا، وقاتل من بعده المقاتلين ومن أسلم كرها. تفسير عطاء
الخراساني: قال ابن عباس في قوله: " ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك (2) ": أي قوى
ظهرك بعلي بن أبي طالب. أبو معاوية الضرير عن الاعمش عن مجاهد في قوله: " هو الذي
أيدك بنصره (3) " أي قواك بأمير المؤمنين وجعفر وحمزة وعقيل، وقد روينا نحو ذلك عن
الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة. كتاب أبي بكر الشيرازي قال ابن عباس: " وقل رب
أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق " يعني مكة " واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا (4)
" قال: لقد استجاب الله لنبيه دعاءه، وأعطاه علي بن أبي طالب عليه السلام سلطانا
ينصره على أعدائه. العكبري في فضائل الصحابة عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى
الله عليه وآله يوم فتح مكة متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم ابعث إلي من بني
عمي من يعضدني فهبط عليه جبرئيل كالمغضب فقال: يا محمد أو ليس قد أيدك الله بسيف من
سيوف الله مجرد على أعداء الله ؟ يعني بذلك علي بن أبي طالب عليه السلام. أبوالمضا
صبيح مولى الرضا عن الرضا عن آبائه عليهم السلام في قوله: " لننصر رسلنا والذين
آمنوا (5) " قال: منهم علي. قوله: " إن الله يحب الذين يقاتلون في
(1) سورة آل عمران: 83. (2) سورة الشرح: 2
و 3. (3) سورة الانفال: 62. (4) سورة الاسراء: 80. (5) سورة غافر: 51.
[62]
سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " (1) وكان
عليه السلام إذا صف في القتال كأنه بنيان مرصوص، وما قتل المشركين قتله أحد. سفيان
الثوري: كان علي بن أبي طالب عليه السلام كالجبل بين المسلمين والمشركين أعز الله
به المسلمين وأذل به المشركين، ويقال: إنه نزل فيه: " وجاهدوا في الله حق جهاده هو
اجتباكم (2) ". أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام: نزلت قوله: ولا يرهق وجوههم
قترولا ذلة (3) " في أمير المؤمنين عليه السلام. وفي حديث خيبر (4): أنت أول من آمن
بي، وأول من جاهد معي، وأول من ينشق عنه القبر. وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا
خرج من بيته تبعه أحداث المشركين يرمونه بالحجارة حتى أدموا كعبه وعرقوبيه (5)،
فكان علي يحمل عليهم فينهزمون، فنزل: " كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة (6) ". ولا
خلاف [في] أن أول مبارز في الاسلام علي وحمزة وأبو عبيدة بن الحارث في يوم بدر، قال
الشعبي: ثم حمل علي عليه السلام على الكتيبة مصمما وحده. واجتمعت الامة أنه مارئي
أحداد عيت له الامامة عمل في الجهاد ما عمل علي عليه السلام قال الله تعالى: " ولا
يطؤن موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح (7) " ولقد
فسر قوله: " ولقد كنتم تمنون الموت (8) "
(1) سورة الصف: 4. (2) سورة الحج: 78. (3)
سورة يونس: 26. (4) في المصدر: وفى حديث جبير. (5) العرقوب: عصب غليظ فوق العقب.
(6) سورة المدثر: 50 و 51. (7) سورة التوبة: 120. (8) " آل عمران: 143.
[63]
يعني عليا، لان الكفار كانوا يسمونه الموت
الاحمر، سموه يوم بدر لعظم بلائه ونكايته، قال المفسرون: لما أسر العباس يوم بدر
أقبل المسلمون فعيروه بكفره بالله وقطيعة الرحم، وأعلظ علي عليه السلام له القول،
فقال العباس: مالكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا ؟ فقال علي عليه السلام:
ألكم محاسن ؟ قال: نعم إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحاج، ونفك
العاني (1)، فأنزل الله تعالى ردا على العباس ووفاقا لعلي بن أبي طالب عليه السلام
" ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله (2) " الآية، ثم قال: " إنما يعمر مساجد
الله (3) " الآية، ثم قال: " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن
بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله (4) ". وروى إسماعيل بن خالد عن عامر، وابن
جريج عن عطاء عن ابن عباس، ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس، والسدي عن أبي صالح وابن
أبي خالد وزكريا عن الشعبي أنه نزل هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام.
الثعلبي والقشيري والجبائي والفلكي في تفاسيرهم، والواحدي في أسباب نزول القرآن عن
الحسن البصري وعامر الشعبي ومحمد بن كعب القرظي وروينا عن عثمان بن أبي شيبة ووكيع
بن الجراح وشريك القاضي ومحمد بن سيرين ومقاتل بن سليمان والسدي وأبي مالك ومرة
الهمداني وابن عباس أنه افتخر العباس بن عبد المطلب فقال: أنا عم محمد وأنا صاحب
سقاية الحجيج، فأنا أفضل من علي بن أبي طالب، وقال: فقال شيبة بن عثمان أو طلحة
الداري أو عثمان: وأنا أعمر بيت الله الحرام وصاحب حجابته فأنا أفضل، وسمعهما علي
عليه السلام وهما يذكران ذلك، فقال عليه السلام: أنا أفضل منكما، لقد صليت قبلكما
ست سنين وفي
(1) العانى: الاسير. (2) سورة التوبة: 17.
(3) سورة التوبة: 18. (4) سورة التوبة: 19.
[64]
رواية سبع سنين - وأنا أجاهد في سبيل الله
وفي رواية الحسكاني عن أبي بريدة أن عليا عليه السلام قال: استحققت لكل فضل، أوتيت
على صغري ما لم تؤتيا، فقالا: وما أوتيت يا علي ؟ قال: ضربت خراطيمكما بالسيف حتى
آمنتما بالله وبرسوله، فشكا العباس ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: ما حملك
على ما استقبلت به عمك ؟ فقال: صدمته بالحق فمن شاء فليغضب ومن شاء فليرض، فنزل هذه
الآية. في بعض التفاسير أنه نزل قوله تعالى: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم
الآخر (1) " الآية في علي عليه السلام لانه قتل عشيرته مثل عمرو بن عبدود والوليد
بن عتبة في خلق (2). 2 - قب: وصف الله تعالى أصحاب محمد فقال: " والذين معه أشداء
على الكفار (3) " ثبتت هذه الصفة لعلي عليه السلام دون من يدعون له، لشدة علي عليه
السلام على الكفار (4). وقال تعالى: في قصة طالوت " إن الله اصطفاه عليكم وزاده
بسطة في العلم والجسم (5) " واجتمعت الامة أن عليا عليه السلام (6) أشد من أبي بكر،
واجتمعت أيضا على علمه واختلفوا في علم أبي بكر، وليس المجتمع عليه كالمختلف فيه.
الباقر والرضا عليهما السلام في قوله: " لينذر بأسا شديدا من لدنه (7) " البأس
الشديد علي بن أبي طالب عليه السلام وهو لدن رسول الله صلى الله عليه وآله يقاتل
معه عدوه. ويروى أنه نزل فيه " والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس (8) ". علي
بن الجعد عن شعبة عن قتادة عن الحسين عن ابن عباس أن عبد الله بن
(1) سورة المجادلة: 22. (2) مناقب آل أبي
طالب 1: 283 - 286. (3) سورة الفتح: 29. (4) في المصدر: دون من يدعون له الشدة على
الكفار. (5) سورة البقرة: 247. (6) في المصدر: على أن عليا. (7) سورة الكهف: 2. (8)
سورة البقرة: 177.
[65]
ابي [بن] سلول كان يتنحى من النبي صلى
الله عليه وآله مع المنافقين في ناحية من العسكر ليخوضوا في أمر رسول الله صلى الله
عليه وآله في غزوة حنين، فلما أقبل راجعا إلى المدينة رأى جفالا (1) وهو مسلم لطم
للحمقاء وهو منافق، فغضب ابن أبي [بن] سلول وقال: لو كففتم إطعام هؤلاء لتفرقوا عنه
- يعني عن النبي صلى الله عليه وآله - والله لئن رجعنا من غزوتنا هذه إلى المدينة
ليخرجن الاعز منها الاذل - يعني نفسه والنبي صلى الله عليه وآله - فأخبر زيد بن
أرقم النبي صلى الله عليه وآله بمقالة، فأتى ابن أ بي [بن] سلول في أشراف الانصار
إلى النبي صلى الله عليه وآله يعذرونه ويكذبون زيدا، فاستحيا زيد، فكف عن إتيان
رسول الله صلى الله عليه وآله، فنزل " هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول
الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والارض ولكن المنافقين لا يفقهون * يقولون لئن
رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين (2) "
يعني والقوة والقدرة لامير المؤمنين وأصحابه على المنافقين، فأخذ رسول الله بيد زيد
وعركها وقال: ابشر يا صادق فقد صدق الله حديثك وأكذب صاحبك المنافق، وهو المروي عن
أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام. عجب (3) لمن يقاس بمن لم يصب محجمة من دم في
جاهلية أو إسلام مع من علم أنه قتل في يوم بدر خمسا وثلاثين مبارزا دون الجرحى على
قول العامة، وهو (4) الوليد بن عبتة، والعاص بن سعيد بن العاص، وطعمة بن عدي بن
نوفل وحنظلة بن أبي سفيان، ونوفل بن خويلد، وزمعة بن الاسود، والحارث بن زمعة،
والنضر بن الحارث بن عبدالدار، وعمير بن عثمان بن كعب عم طلحة، وعثمان ومالكا (5)
أخوا طلحة، ومسعود بن أبي امية بن المغيرة، وقيس بن الفاكهة بن المغيرة، و
(1) في المصدر: حفالا. (2) سورة
المنافقين: 8. (3) في المصدر: عجبت خ ل. (4) في المصدر: وهم. (5) الصحيح كما في
المصدر: ومالك.
[66]
أبو القيس بن الوليد بن المغيرة، وعمرو بن
مخزوم، والمنذر بن أبي رفاعة، ومنبه بن الحجاج السهمي، والعاص بن منبه، وعلقمة بن
كلدة، وأبو العاص بن قيس بن عدي، و معاوية بن المغيرة بن أبي العاص، ولوذان بن
ربيعة، وعبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة، ومسعود بن أمية بن المغيرة، والحاجب بن
السائب بن عويمر، وأوس ابن المغيرة بن لوذان، وزيد بن مليص، وعاصم بن أبي عوف:
وسعيد بن وهب، و معاوية بن عامر بن عبد القيس، وعبد الله بن جميل بن زهير، والسائب
بن سعيد بن مالك، وأبو الحكم بن الاخنس، وهشام بن أبي أمية. ويقال: قتل بضعة و
أربعين رجلا. وقتل عليه السلام في يوم احد كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة، وابنه أبا
سعيد وإخوته خالدا ومخلدا وكلدة والمحالس وعبد الرحمن بن حميد بن زهرة، والحكم بن
الاخنس بن شريق الثقفي، والوليد بن أرطاة، وأمية بن أبي حذيفة، وأرطاة بن شرجيل (1)
وهشام بن أمية، ومسافع، وعمرو بن عبد الله الجمحي، وبشر بن مالك المغافري، وصواب
مولى عبدالدار، وأبا حذيفة بن المغيرة، وقاسط بن شريح العبدري، والمغيرة بن
المغيرة، وسوى من قتلهم بعد ما هزمهم. ولا إشكال في هزيمة عمر وعثمان وإنما الاشكال
في أبي بكر، هل ثبت إلى وقت الفرج أو انهزم ؟. وقتل عليه السلام يوم الاحزاب عمرو
بن عبدود وولده، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة ومنبه بن عثمان العبدري، وهبيرة بن
أبي هبيرة المخزومي، وهاجت الرياح وانهزم الكفار. وقتل عليه السلام يوم حنين أربعين
رجلا وفارسهم أبو جرول، وإنه قده عظيما بنصفين بضربة في الخوذة والعمامة والجوشن
والبدن إلى القربوس، وقد اختلفوا في اسمه، ووقف عليه السلام يوم حنين في وسط أربعة
وعشرين ألفا ضارب سيف إلى أن ظهر المدد من السماء. وفي غزاة السلسلة قتل السبعة
الاشداء، وكان أشدهم آخرهم، وهو سعيد بن
(1) في المصدر: شرحبيل.
[67]
مالك العجلي، وفي بني النضير قتل أحد عشر
منهم غرورا، وفي بني قريظة ضرب أعناق رؤساء اليهود، مثل حيي بن أخطب، وكعب بن
الاشرف. وفي غزوة بني المصطلق قتل مالكا وابنه. الفائق: كانت لعلي عليه السلام
ضربتان: إذا تطاول قد وإذا تقاصر قط. وقالوا كانت ضرباته أبكارا، إذا اعتلى قد وإذا
اعترض قط، وإذا أتى حصنا هد، وقالوا: كانت ضرباته مبتكرات لا عونا، يقال: ضربة بكر
أبي قاطعة لا تثنى، والعون التي وقعت مختلسة فأحوجت إلى المعاودة، ويقال: أنه كان
يوقعها على شدة في الشدة لم يسبقه إلى مثلها بطل، زعمت الفرس أن أصول الضرب ستة
وكلها مأخوذة عنه وهي: علوية وسفلية وغلبة وماله وحاله وجر وهام (1). بيان: قال
الجزري في النهاية: في الحديث " كانت ضربات علي مبتكرات لا عونا " أي إن ضربته كانت
بكرا يقتل بواحدة منها، لا يحتاج [إلى] أن يعيد الضربة ثانية، يقال: ضربة بكر إذا
كانت قاطعة لا تثنى، والعون جمع عوان وهي في الاصل الكهلة من النساء، ويريد بها هنا
المثناه (2). وفي يوم الفتح قتل فاتك العرب أسد بن غويلم، وفي غزوة وادي الرمل قتل
مبارزيهم، وبخيبر قتل مرحبا وذا الخمار وعنكبوتا، وفي الطائف هزم خيل ضيغم، وقتل
شهاب بن عيس ونافع بن غيلان، وقتل مهلعا وجناحا وقت الهجرة، وقتاله لاحداث مكة عند
خروج النبي صلى الله عليه وآله من داره إلى مسجد، ومبيته على فراشه ليلة الهجرة وله
المقام المشهور في الجمل حتى بلغ إلى قطع يد الجمل (3)، ثم قطع رجليه حتى سقط، وله
ليلة الهرير ثلاث مائة تكبيرة، أسقط بكل تكبيرة عدوا، وفي رواية: خمسمائة وثلاثة
وعشرون، رواه الاعثم، وفي رواية سبعمائة، ولم يكن لدرعه ظهر ولا لمركوبه كر وفر.
(1) مناقب آل أبي طالب 1: 294 - 296. (2)
النهاية 1: 91. (3) في المصدر: حتى قطع يد الجمل.
[68]
وفيما كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى
عثمان بن حنيف: لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها، ولو أمكنت الفرصة من
رقابها لسارعت إليها. وفي الفائق أن عليا حمل على المشركين، فما زالوا يبقطون -
يعني تعادوا إلى الجبال منهزمين - و كانت قريش إذا رأوه في الحرب تواصت خوفا منه،
وقد نظر إليه رجل وقد شق العسكر فقال: علمت بأن ملك الموت في الجانب الذي فيه علي.
وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وآله كرارا غير فرار في حديث خيبر، وكان النبي
صلى الله عليه وآله يهدد الكفار به عليه السلام. روى أحمد بن حنبل في الفضائل عن
شداد بن الهاد قال: لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وفد من اليمن ليسرح
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم لتقيمن الصلاة أو لابعثن إليكم رجلا يقتل
المقاتلة ويسبي الذرية ؟ قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم أنا أو
هذا، وانتشل بيد علي عليه السلام. تاريخ النسوي قال عبد الرحمن بن عوف: قال النبي
صلى الله عليه وآله لاهل الطائف في خبر: والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتن
الزكاة أو لابعثن إليكم رجلا مني أو كنفسي ؟ فليضربن أعناق مقاتليهم وليسبين
ذراريهم (1)، قال: فرأى الناس أنه عنى أبا بكر وعمر ! فأخذ بيد علي بن أبي طالب
عليه السلام فقال: هذا. صحيح الترمذي وتاريخ الخطيب وفضائل السمعاني أنه قال صلى
الله عليه وآله يوم الحديبية لسهيل بن عمير: يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله
عليكم من يضرب رقابكم على الدين، الخبر ولذلك فسر الرضا عليه السلام قوله: " والذين
معه أشداء على الكفار (2) " أن عليا منهم. وقال معاوية يوم صفين: أريد منكم والله
أن تشجروه بالرماح فتريح العباد (3) والبلاد منه، قال مروان: والله لقد ثقلنا عليك
يا معاوية إذ كنت تأمرنا
(1) الظاهر: مقاتليكم وليسبين ذراريكم.
(2) سورة الفتح: 29. (3) في المصدر: فتريحوا العباد. وشجر الرجل بالرمح: طعنه.
[69]
بقتل حية الوادي والاسد العاوي (1)، ونهض
مغضبا فأنشأ الوليد بن عقبة: يقول لنا معاوية بن حرب * أما فيكم لواتركم طلوب - يشد
على أبي حسن علي * بأسمر لا تهجنه الكعوب - فقلت له أتلعب يابن هند * فإنك بيننا
رجل غريب - أتأمرنا بحية بطن واد * يتاح لنا به أسد مهيب - كأن الخلق لما عاينوه *
خلال النقع ليس لهم قلوب فقال عمرو: والله ما يعير أحد بفراره من علي بن أبي طالب
عليه السلام. ولما نعي بقتل أمير المؤمنين عليه السلام دخل عمرو بن العاص على
معاوية مبشرا فقال: إن الاسد المفترش ذراعيه بالعراق لاقى شعوبه، فقال معاوية: قل
للارانب تربع حيث ما سلكت * وللظباء بلا خوف ولا حذر أبو السعادات في فضائل العشرة:
روي أن عليا عليه السلام كان يحارب رجلا من المشركين، فقال المشرك: يا ابن أبي طالب
هبني سيفك، فرماه إليه، فقال المشرك: عجبا يا ابن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع
إلي سيفك ؟ ! فقال: يا هذا إنك مددت يد المسألة إلي، وليس من الكرم أن يرد السائل،
فرمى الكافر نفسه إلى الارض وقال: هذه سيرة أهل الدين، فقبل (2) قدمه وأسلم. وقال
له جبرئيل: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. وروى الخلق أن يوم بدر لم يكن
عند الرسول صلى الله عليه وآله ماء، فمر علي يحمل الماء إلى وسط العدو، وهم على بئر
بدر فيما بينهم، وجاء إلى البئر ونزل وملا السطيحة ووضعها على رأس البئر، فسمع حسا
وإثارا لمن يقصده (3)، فبرك في البئر، فلما سكن صعد فرأى الماء مصبوبا، ثم نزل
ثانيا فكان مثل ذلك، فنزل ثالثا وحمل الماء ولم يصعد بل صعد به حاملا للماء، فلما
حمل إلى النبي صلى الله عليه وآله ضحك
(1) كذا في (ك) وفي غيره من النسخ
والمصدر: العادى. (2) في المصدر: فباس قدمه. (3) كذا في (ك): وفي غيره من النسخ
والمصدر: وأشار لمن يقصده.
[70]
النبي صلى الله عليه وآله في وجهه وقال:
أنت تحدث أو أنا ؟ فقال: بل أنت يا رسول الله فكلامك أحلى، فقص عليه، ثم قال له:
كان ذلك جبرئيل يجرب ويري الملائكة ثبات قلبك. محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عبد الله
بن الحارث، عن أبيه، عن ابن عباس، وأبو عمرو عثمان بن أحمد، عن محمد بن هارون
بإسناد عن ابن عباس في خبر طويل أنه أصاب الناس عطش شديد في الحديبية، فقال النبي
صلى الله عليه وآله: هل من رجل يمضي مع السقاة إلى بئر ذات العلم فيأتينا بماء
وأضمن له على الله الجنة ؟ فذهب جماعة فيهم سلمة بن الاكوع، فلما دنوا من الشجرة
والبئر سمعوا حسا وحركة شديدة وقرع طبول، ورأوا نيرانا تتقد بغير حطب، فرجعوا
خائفين، ثم قال: هل من رجل يمضي مع السقاة فيأتينا بالماء وأضمن له على الله الجنة
؟ فمضى رجل من بني سليم وهو يرتجز: أمن عزيف ظاهر نحو السلم * ينكل من وجهه خير
الامم - من قبل أن يبلغ آبار العلم * فيستقي والليل مبسوط الظلم - ويأمن الذم
وتوبيخ الكلم فلما وصلوا إلى الحس رجعوا وجلين، فقال النبي صلى الله عليه وآله: هل
من رجل يمضي مع السقاة إلى البئر ذات العلم فيأتينا بالماء أضمن له على الله الجنة
؟ فلم يقم أحد، واشتد بالناس العطش وهم صيام، ثم قال لعلي عليه السلام: سر مع هؤلاء
السقاة حتى ترد بئر ذات العلم وتستقي وتعود إن شاء الله فخرج علي قائلا: أعوذ
بالرحمن أن أميلا * من عزف جن أظهروا تأويلا - وأوقدت نيرانها تغويلا * وقرعت مع
عزفها الطبولا قال: فداخلنا الرعب، فالتفت علي عليه السلام إلينا وقال: اتبعوا أثري
ولا يفزعنكم ما ترون وتسمعون، فليس بضائركم إن شاء الله، ثم مضى، فلما دخلنا الشجر
فإذا بنيران تضطرم بغير حطب، وأصوات هائلة ورؤوس مقطعة لها ضجة وهو يقول: اتبعوني
ولا خوف عليكم، ولا يلتفت أحد منكم يمينا ولا شمالا، فلما -
[71]
جاوزنا الشجرة ووردنا الماء فأدلى البراء
بن عازب دلوه في البئر فاستقى دلوا أو دلوين، ثم انقطع الدلو فوقع في القليب،
والقليب ضيق مظلم بعيد القعر، فسمعنا في أسفل القليب قهقهة وضحكا شديدا، فقال علي
عليه السلام: من يرجع إلى عسكرنا فيأتينا بدلو ورشا ؟ فقال أصحابه: من يستطيع ذلك ؟
فائتزر بمئزر ونزل في القليب وما تزداد القهقهة إلا علوا، وجعل ينحدر في مراقي
القليب إذ زلت رجله فسقط فيه، ثم سمعنا وجبة شديدة واضطرابا وغطيطا كغطيط المخنوق
(1)، ثم نادى علي: الله أكبر الله أكبر أنا عبد الله وأخو رسول الله، هلموا قربكم
فأفعمها وأصعدها على عنقه شيئا فشيئا، ومضى بين أيدينا فلم نر شيئا، فسمعنا صوتا:
أي فتى ليل أخي روعات * وأي سباق إلى الغايات - لله در الغرر السادات * من هاشم
الهامات والقامات - مثل رسول الله ذي الآيات * أو كعلي كاشف الكربات - كذا يكون
المرء في الحاجات فارتجز أمير المؤمنين عليه السلام: الليل هول يرهب المهيبا *
ويذهل المشجع اللهيبا - فإنني أهول منه دينا * ولست أخشى الروع والخطوبا - إذا هززت
الصارم القضيبا * أبصرت منه عجبا عجيبا وانتهى إلى النبي صلى الله عليه وآله وله
زجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ماذا رأيت في طريقك يا علي ؟ فأخبره بخبره
كله، فقال: إن الذي رأيته مثل ضربه الله لي ولمن حضر معي في وجهي هذا، قال علي عليه
السلام اشرحه لي يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله: أما الرؤوس التي رأيتم لها
ضجة ولالسنتها لجلجة فذلك مثل قوم معي يقولون بأفواهم ما ليس في قلوبهم، ولا يقبل
الله منهم صرفا وعدلا، ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا، وأما النيران بغير حطب ففتنة
تكون في امتي بعدي، القائم فيها والقاعد سواء، لا يقبل الله لهم عملا ولا يقيم لهم
يوم القيامة وزنا، وأما الهاتف الذي هتف بك فذاك سلقعة وهو
(1) الغطيط: النخير. وفي (ك): كغطيط
المجنون.
[72]
سملعة بن عزاف الذي قتل عدو الله مسعرا
شيطان الاصنام، الذي كان يكلم قريشا منها ويشرع في هجائي. عبد الله بن سالم أن
النبي صلى الله عليه وآله بعث سعد بن مالك بالروايا يوم الحديبية، فرجع رعبا من
القوم، ثم بعث آخر فنكص فزعا، ثم بعث عليا فاستسقى، ثم أقبل بها إلى النبي صلى الله
عليه وآله فكبر ودعا له بخير. وهل ثبت مثل ذلك لكرد من الفرس مثل رستم واسفنديار
وكستاشف (1) وبهمن ؟ أو لفرسان من العرب مثل عنتر العبسي وعامر بن الطفيل وعمرو بن
عبدود ؟ أو لمبارز من الترك مثل أفراسياب وشبهه ؟ فهو الفارس الذي يفرق العسكر كفرق
الشعر، ويطويهم كطي السجل، الحرب دأبه والجد آدابه، والنصر طبعه، والعدو غنمه، جري
خطار وجسور هضار، ما لسيفه إلا الرقاب قراب، إنه لو حضر لكفى الحذر، ويقال له: غالب
كل غالب علي بن أبي طالب. وقد رويتم علي كان أشجعهم (2) * وأشجع الجمع بالاعداء
أثقفه (3) بيان: العزف والعزيف: صوت الجن، وفعم الاناء: امتلا، وأفعمته: ملاته. 3 -
قب: أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " أولئك يسارعون في الخيرات (4)
" الآية، قال: علي بن أبي طالب عليه السلام لم يسبقه أحد. وروي عن ابن عباس قال:
كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أطرق هبنا أن نبتدئه بالكلام، وقيل لامير
المؤمنين عليه السلام: بم غلبت الاقران ؟ قال: بتمكن هيبتي في قلوبهم. النطنزي في
الخصائص عن سفيان بن عيينة عن شقيق بن سلمة قال: كان عمر
(1) في المصدر: وكشتاسف. (2) في المصدر:
أشجعه. (3) مناقب آل أبي طالب 1: 296 - 301. (4) سورة المؤمنون: 61.
[73]
يمشي فالتفت إلى ورائه وعدا، فسألته عن
ذلك فقال: ويحك أما ترى الهزبر بن الهزبر القثم بن القثم (1) الفلاق للبهم الضارب
على هامة من طغى وظلم ذا السيفين وراي ؟ فقلت: هذا علي بن أبي طالب، فقال: ثكلتك
أمك إنك تحقره، بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم احد أن من فر منا فهو ضال،
ومن قتل فهو شهيد ورسول الله يضمن له الجنة، فلما التقى الجمعان هزمونا، وهذا كان
يحاربهم وحيدا حتى انسد (2) نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وجبرئيل ثم قال:
عاهدتموه وخالفتموه، ورمى بقبضة رمل وقال: شاهت الوجوه، فوالله ما كان منا إلا
وأصابت عينه رملة، فرجعنا نمسح وجوهنا قائلين: الله الله يا أبا الحسن، أقلنا أقالك
الله، فالكر والفر عادة العرب، فاصفح. وقل ما أراه وحيدا إلا خفت منه. وقال النبي
صلى الله عليه وآله من قتل قتيلا فله سلبه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يتورع
عن ذلك، وإنه لم يتبع منهزما، وتأخر عمن استغاث، ولم يكن يجهز على جريح ولما أردى
عليه السلام عمروا قال عمرو: يا ابن عم إن لي إليك حاجة: لا تكشف سوأة ابن عمك ولا
تسلبه سلبه، فقال عليه السلام: ذاك أهون علي، وفيه يقول عليه السلام: وعففت عن
أثوابه لو أنني * كنت المقطر بزني أثوابي محمد بن إسحاق: قال له عمر: هلا سلبت درعه
فإنها تساوي ثلاثة آلاف وليس للعرب مثلها ؟ قال: إني استحييت أن أكشف ابن عمي، وروي
أنه جاءت أخت عمرو ورأته في سلبه فلم تحزن، وقالت: إنما قتله كريم، وقال عليه
السلام: " يا قنبر لا تعر فرائسي " أراد: لا تسلب قتلاي من البغاة (3). بيان: يقال:
طعنه فقطره: إذا ألقاه. 4 - ل، لى: أبي، عن محمد بن معقل القرميسيني، عن جعفر
الوراق، عن محمد بن الحسن الاشج، عن يحيى بن زيد، عن زيد بن علي، عن علي بن الحسين
عليهما السلام
(1) القثم - كصرد -: المجموع للخير.
المعطاء. والبهم جمع البهمة: الشجاع. (2) انسل خ ل. (3) مناقب آل أبي طالب 1: 319 و
320.
[74]
قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله
ذات يوم وصلى الفجر، ثم قال: معاشر الناس أيكم ينهض إلى ثلاثة نفر قد آلوا باللات
والعزى ليقتلوني وقد كذبوا ورب الكعبة ؟ قال: فأحجم الناس وما تكلم أحد، فقال: ما
أحسب علي بن أبي طالب عليه السلام فيكم فقام إليه عامر بن قتادة فقال: إنه وعك في
هذه الليلة ولم يخرج يصلي معك، فتأذن لي أن أخبره ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله:
شأنك، فمضى إليه فأخبره، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام كأنه نشط من عقال، وعليه
إزار قد عقد طرفيه على رقبته، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ماهذا الخبر ؟
قال: هذا رسول ربي يخبرني عن ثلاثة نفر قد نهضوا إلي لقتلي وقد كذبوا ورب الكعبة،
فقال علي عليه السلام: يا رسول الله أنا لهم سرية وحدي، هوذا ألبس علي ثيابي، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: بل هذه ثيابي وهذا درعي وهذا سيفي، فدرعه وعممه
وقلده وأركبه فرسه، وخرج أمير المؤمنين عليه السلام فمكث ثلاثة أيام لا يأتيه
جبرئيل بخبره ولا خبر من الارض، وأقبلت فاطمة بالحسن والحسين على وركيها تقول: أوشك
أن يؤتم هذين الغلامين، فأسبل النبي صلى الله عليه وآله عينه يبكي، ثم قال: معاشر
الناس من يأتيني بخبر علي أبشره بالجنة، وافترق الناس في الطلب لعظيم ما رأوا
بالنبي صلى الله عليه وآله وخرج العواتق، فأقبل عامر بن قتادة يبشر بعلي، وهبط
جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله فأخبره بما كان فيه، وأقبل علي أمير المؤمنين
عليه السلام معه أسيران ورأس وثلاثة أبعرة وثلاثة أفراس، فقال النبي صلى الله عليه
وآله: تحب أن أخبرك بما كنت فيه يا أبا الحسن ؟ فقال المنافقون: هو منذ ساعة قد
أخذه المخاض وهو الساعة يريد أن يحدثه ! فقال النبي صلى الله عليه وآله بل تحدث أنت
يا أبا الحسن لتكون شهيدا على القوم. قال: نعم يا رسول الله، لما صرت في الوادي
رأيت هؤلاء ركبانا على الاباعر فنادوني من أنت ؟ فقلت: أنا علي بن أبي طالب ابن عم
رسول الله صلى الله عليه وآله، فقالوا: ما نعرف لله من رسول سواء علينا: وقعنا عليك
أو على محمد، وشد علي هذا المقتول، ودار بيني وبينه ضربات، وهبت ريح حمراء سمعت
صوتك فيها يا رسول الله وأنت تقول: قد قطعت لك جربان درعه فاضرب حبل عاتقه، فضربته
[75]
فلم أحفه، ثم هبت ريح صفراء سمعت صوتك
فيها يا رسول الله وأنت تقول: قد قلبت لك الدرع عن فخذه فاضرب فخذه، فضربته ووكزته،
وقطعت رأسه ورميت به، وقال لي هذان الرجلان: بلغنا أن محمدا رفيق شفيق رحيم،
فاحملنا إليه ولا تعجل علينا، وصاحبنا كان يعد بألف فارس. فقال النبي صلى الله عليه
وآله: يا علي أما الصوت الاول الذي صك مسامعك فصوت جبرئيل، وأما الآخر فصوت
ميكائيل، قدم إلي أحد الرجلين، فقدمه فقال: قل: لا إله إلا الله واشهد أني رسول
الله، فقال: لنقل جبل أبي قبيس أحب إلي من أن أقول هذه الكلمة ! قال: يا علي أخره
واضرب عنقه، ثم قال: قدم الآخر فقال: قل: [أشهد أن] لا إله إلا الله واشهد أني رسول
الله، قال: ألحقني بصاحبي قال: يا علي أخره واضرب عنقه، فأخره، وقام أمير المؤمنين
عليه السلام ليضرب عنقه فهبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد إن
ربك يقرؤك السلام ويقول: لا تقتله فإنه حسن الخلق سخي في قومه، فقال النبي صلى الله
عليه وآله: يا علي أمسك فإن هذا رسول ربي عزوجل يخبرني أنه حسن الخلق سخي في قومه،
فقال المشرك تحت السيف: هذا رسول الله ربك يخبرك ؟ قال: نعم، قال: والله ما ملكت
درهما مع أخ لي قط ولا قطبت (1) وجهي في الحرب، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك
رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا ممن جره حسن خلقه وسخاؤه إلى
جنات النعيم (2). بيان: القرميسين: معرب كرمانشهان، قوله: (آلوا) أي حلفوا. وأحجم
القوم: تأخروا وكفوا. والوعك: الحمى. والجريان بالضم: جيب القميص. والاحفاء:
المبالغة في الاخذ، وفي بعض النسخ بالخاء المعجمة، أي لم أخف السيف في بدنه.
والوكز: الضرب بجمع الكف والطعن والدفع. 5 - لى: ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن
البرقي، عن أبيه، عن محمد بن زياد، عن مالك بن أنس قال: سمعت الصادق عليه السلام
يقول: قيل لامير المؤمنين عليه السلام:
(1) في الخصال: ولا قلبت. (2) الخصال 1:
46 - 48. أمالى الصدوق: 64 - 66.
[76]
لم لا تشتري فرسا عتيقا، قال: لا حاجة لي
فيه، وأنا لا أفر ممن كر علي ولا أكر على من فرمني (1). 6 - لى: ابن إدريس، عن
أبيه، عن البرقي، عن أبيه، عن خلف بن حماد عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن
مهران، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي، عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام
قال: ما قدمت راية قوتل تحتها أمير المؤمنين إلا نكسها الله تبارك وتعالى وغلب
أصحابها وانقلبوا صاغرين، وما ضرب أمير المؤمنين عليه السلام بسيفه ذي الفقار أحدا
فنجا، وكان - إذا قاتل - جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وملك الموت بين يديه
(2). 7 - شا: من آيات الله الخارقة للعادة في أمير المؤمنين عليه السلام أنه لم
يعهد لاحد من مبارزة الاقران ومنازلة الابطال مثل ما عرف له عليه السلام من كثرة
ذلك على مر الزمان، ثم إنه لم يوجد في ممارسي الحروب إلا من عرته بشر ونيل منه
بجراح أوشين إلا أمير المؤمنين عليه السلام فإنه لم ينله من طول زمان حربه جراح من
عدو ولا شين، ولا وصل إليه أحد منهم بسوء، حتى كان من أمره مع ابن ملجم لعنه الله
على اغتياله إياه ما كان، وهذه اعجوبة أفرده الله بالآية فيها، وخصه بالعلم الباهرة
في معناها، ودل بذلك على مكانه منه وتخصيصه (3) بكرامته التي بان بفضلها من كافة
الانام. ومن آيات الله تعالى فيه عليه السلام أنه لا يذكر محارس للحروب [التي] لقي
فيه عدوا إلا وهو ظافر به حينا وغير ظافر به حينا، ولا نال أحد منهم خصما (4) بجراح
إلا وقضى منها وقتا وعوفي منها زمانا، ولم يعهد من لم يفلت منه قرن (5) في حرب
(1) أمالى الصدوق: 102. (2) أمالي الصدوق:
306 و 307. (3) في المصدر: وتخصصه. (4) في المصدر: خصمه. (5) القرن - بكسر اوله -:
الكفؤ ومن يقاومك. نظيرك في الشجاعة.
[77]
ولا نجا من ضربته أحد فصلح منها إلا أمير
المؤمنين عليه السلام فانه لا مرية في ظفره بكل قرن بارزه، وإهلاكه كل بطل نازله،
وهذا أيضا مما انفرد به من كافة الانام وخرق الله عزوجل به العادة في كل حين وزمان،
وهو من دلائله الواضحة. ومن آيات الله تعالى أيضا فيه أنه مع طول ملاقاته الحروب
وملابسته إياها وكثرة من مني به فيها من شجعان الاعداء وصناديدهم وتجمعهم عليه
واحتيالهم في الفتك به وبذل الجهد في ذلك ماولى قط عن أحد منهم ظهره، ولا انهزم
منهم (1) ولا تزحزح عن مكانه، ولا هاب أحدا من أقرانه، ولم يلق أحد سواه خصما له في
حرب إلا وثبت له حينا وانحرف عنه حينا، وأقدم عليه وقتا وأحجم عنه زمانا، وإذا كان
الامر على ما وصفناه ثبت ما ذكرناه من انفراده بالآية الباهرة والمعجزة الظاهرة،
وخرق العادة فيه بما دل الله به على إمامته، وكشف به عن فرض طاعته وأبانه بذلك عن
كافة خليقته (2). 8 - قب: في حديث عمار: لما أرسل النبي صلى الله عليه وآله عليا
إلى مدينة عمان في قتال الجلندي بن كركر (3) وجرى بينهما حرب عظيم وضرب وجيع دعا
الجلندي بغلام يقال له: الكندي، وقال له: إن أنت خرجت إلى صاحب العمامة السوداء
والبغلة الشهباء فتأخذه أسيرا أو تطرحه مجدلا عفيرا ازوجك ابنتي التي لم انعم
لاولاد الملوك بزواجها، فركب الكندي الفيل الابيض، وكان مع الجلندي ثلاثون فيلا،
وحمل بالافيلة والعسكر على أمير المؤمنين عليه السلام فلما نظر الامام إليه نزل عن
بغلته، ثم كشف عن رأسه فأشرقت الفلاة طولا وعرضا، ثم ركب ودنا من الافيلة، وجعل
يكلمها بكلام لا يفهمه الآدميون، وإذا بتسعة وعشرين فيلا قد دارت رؤوسها، وحملت على
عسكر المشركين، وجعلت تضرب فيهم يمينا وشمالا حتى أوصلتهم إلى باب عمان، ثم رجعت
وهي تتكلم بكلام يسمعه الناس: يا علي
(1) في الصمدر: ولا انهزم عن أحد منهم.
(2) الارشاد المفيد: 145 و 146. (3) في المصدر: كركرة.
[78]
كلنا نعرف محمدا ونؤمن برب محمد إلا هذا
الفيل الابيض، فإنه لا يعرف محمدا ولا آل محمد، فزعق الامام زعقته المعروفة عند
الغضب المشهورة، فارتعد الفيل ووقف، فضربه الامام بذي الفقار ضربة رمى رأسه عن
بدنه، فوقع الفيل إلى الارض كالجبل العظيم وأخذ الكندي من ظهره فأخبر جبرئيل النبي
صلى الله عليه وآله فارتقى على السور فنادى: أبا الحسن هبه لي فهو أسيرك، فأطلق علي
عليه السلام سبيل الكندي، فقال [له]: يا أبا الحسن ما حملك على إطلاقي ؟ قال: ويلك
مد نظرك، فمد عينيه فكشف الله عن بصره، فنظر [إلى] النبي صلى الله عليه وآله على
سور المدينة وصحابته، فقال: من هذايا أبا الحسن ؟ فقال: سيدنا رسول الله صلى الله
عليه وآله فقال: كم بيننا وبينه يا علي ؟ قال: مسيرة أربعين يوما، فقال: يا أبا
الحسن إن ربكم رب عظيم ونبيكم نبي كريم، مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، وقتل علي الجلندي، وغرق في البحر منهم خلقا
كثيرا، وقتل منهم كذلك، وأسلم الباقون، وسلم الحصن إلى الكندي، وزوجه بابنة
الجلندي، وأقعد عندهم قوما من المسلمين يعلمونهم الفرائض (1). 9 - قب: فصل فيما نقل
عنه في يوم بدر: في الصحيحين أنه نزل قوله تعالى: " هذان خصمان اختصموا (2) " في
ستة نفر من المؤمنين والكفار، تبارزوا يوم بدر وهم حمزة وعبيدة وعلي، والوليد وعتبة
وشيبة. وقال البخاري: وكان أبو ذر يقسم بالله أنها نزلت فيهم، وبه قال عطاء وابن
خثيم وقيس بن عبادة وسفيان الثوري والاعمش وسعيد بن جبير وابن عباس، ثم قال ابن
عباس: " فالذين كفروا " يعني عتبة وشيبة والوليد " قطعت لهم ثياب من نار " الآيات،
وانزل في أمير المؤمنين وحمزة وعبيدة " إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات
جنات " إلى قوله: " صراط الحميد (3) ".
(1) مناقب آل أبي طالب 1: 455 و 456. (2)
سورة الحج: 19. (3) سورة الحج: 23 و 24.
[79]
أسباب النزول روى قيس بن سعد بن عبادة عن
علي بن أبي طالب عليه السلام قال: فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزينا يوم بدر إلى
قوله: " عذاب الحريق " وروى جماعة عن ابن عباس نزل قوله " أم حسب الذين اجترحوا
السيئات (1) " يوم بدر في هؤلاء الستة. شعبة وقتادة وعطاء وابن عباس في قوله تعالى:
" وأنه هو أضحك وأبكى (2) " أضحك أمير المؤمنين عليه السلام وحمزة وعبيدة يوم بدر
المسلمين، وأبكى كفار مكة حتى قتلوا ودخلوا النار. الباقر عليه السلام في قوله
تعالى: " وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات (3) " نزلت في حمزة وعلي وعبيدة. تفسير
أبي يوسف النسوي وقبيصة بن عقبة، عن الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس في
قوله: " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات (4) " الآية نزلت في علي وحمزة وعبيدة
" كالمفسدين في الارض " عتبة وشيبة والوليد. الكلبي نزلت في بدر " يا أيها النبي
حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين (5) " أورده النطنزي في الخصائص عن الحداد عن أبي
نعيم. والصادق والباقر عليهما السلام نزلت في علي " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم
أذلة (6) " المؤرخ وصاحب الاغاني ومحمد بن إسحاق: كان صاحب راية رسول الله صلى الله
عليه وآله يوم بدر علي بن أبي طالب عليه السلام ولما التقى الجمعان تقدم عتبة وشيبة
والوليد وقالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، فتطاولت الانصار لمبارزتهم،
فدفعهم
(1) سورة الجاثية: 21. (2) سورة النجم:
43. (3) سورة البقرة: 25. (4) سورة ص: 28. (5) سورة الانفال: 64. (6) سورة آل
عمران: 123.
[80]
النبي صلى الله عليه وآله أمر عليا وحمزة
وعبيدة بالمبارزة، فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته، وضرب عتبة
عبيدة على ساقه فأطنها (1) فسقطا جميعا، و حمل شيبة على حمزة فتضاربا بالسيف حتى
انثلما، وحمل علي عليه السلام على الوليد فضربه على حبل عاتقه وخرج السيف من إبطه.
وفي إبانة الفلكي أن الوليد كان إذا رفع ذراعه ستر وجهه من عظمها وغلظها ثم اعتنق
حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا علي أما ترى هذا الكلب يهر عمك ؟ فحمل علي عليه
السلام عليه ثم قال: يا عم طأطأ رأسك، وكان حمزة أطول من شيبة، فأدخل حمزة رأسه في
صدره، فضربه علي عليه السلام فطرح نصفه، ثم جاء إلى عتبة وبه رمق، فأجهز عليه، وكان
حسان قال في قتل عمرو بن عبدود: ولقد رأيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب
المحضر - أصبحت لا تدعى ليوم كريهة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر فأجابه بعض بني
عامر: كذبتم وبيت الله لم تقتلوننا (2) * ولكن بسيف الهاشميين فافخروا بسيف ابن عبد
الله أحمد في الوغى * بكف علي نلتم ذاك فاقصروا - ولم تقتلوا عمرو بن ود ولا ابنه *
ولكنه الكفو الهزبر الغضنفر - علي الذي في الفخر طال ثناؤه * فلا تكثروا الدعوى
عليه فتفجروا - ببدر خرجتم للبراز فردكم * شيوخ قريش جهرة وتأخروا - فلما أتاهم
حمزة وعبيدة * وجاء علي بالمهند يخطر - فقالوا نعم أكفاء صدق فأقبلوا * إليهم سراعا
إذ بغوا وتجبروا فجال علي جولة هاشمية * فدمرهم لما عتوا وتكبروا وفي مجمع البيان
أنه قتل سبعة وعشرين مبارزا، وفي الارشاد: قتل خمسة وثلاثين، وقال زيد بن وهب: قال
أمير المؤمنين عليه السلام وذكر حديث بدر: وقتلنا
(1) أي قطعها. (2) في المصدر: لا
تقتلوننا.
[81]
من المشركين سبعين، وأسرنا سبعين. محمد بن
إسحاق: أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان لعلي عليه السلام. الزمخشري في الفائق قال
سعد بن أبي وقاص: رأيت عليا يحمحم فرسه و هو يقول: بازل عامين حديث سني * سنحنح
الليل كأني جني - لمثل هذا ولدتني أمي المرزباني في كتاب أشعار الملوك والخلفاء: إن
عليا أشجع العرب، حمل يوم بدر وزعزع الكتيبة وهو يقول: لن يأكل التمر بظهر مكة * من
بعدها حتى تكون الركة (1) بيان: قال الجزري: في حديث علي عليه السلام: " سنحنح
الليل كأني جني " أي لا أنام الليل فأنا مستيقظ أبدا (2). والركة: الضعف، وفي بعض
النسخ بالزاي المعجمة، وهي بالضم: الغيظ والغم. 10 - قب: فصل فيما ظهر منه يوم احد:
ابن عباس في قوله تعالى: " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم
وطائفة قد أهمتهم أنفسهم (3) " نزلت في علي عليه السلام غشيه النعاس يوم احد،
والخوف مسهر والامن منيم. كتاب الشيرازي: روى سفيان الثوري، عن واصل، عن الحسن، عن
ابن عباس في قوله تعالى: " واستفزز من استطعت منهم بصوتك (4) " قال: صاح إبليس يوم
احد في عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله: إن محمدا قد قتل " وأجلب عليهم بخيلك
ورجلك " قال: والله لقد أجلب إبليس على أمير المؤمنين عليه السلام كل خيل كانت في
غير طاعة
(1) مناقب آل أبي طالب 1: 589 و 590. (2)
النهاية 2: 185. وفيه: فأنا متيقظ. (3) سورة آل عمران: 154. (4) سورة بنى إسرائيل:
64.
[82]
الله، والله إن كل راجل قاتل أمير
المؤمنين عليه السلام كان من رجالة إبليس. تاريخ الطبري وأغاني الاصفهاني إنه كان
صاحب لواء قريش كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة العبدري نادى: معاشر أصحاب محمد إنكم
تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم من
أحد يبارزني ؟ قال قتادة: فخرج إليه علي عليه السلام وهو يقول: أنا ابن ذي الحوضين
عبد المطلب * وهاشم المطعم في العام السغب أوفي بميعادي وأحمي عن حسب قال: فضربه
علي عليه السلام فقطع رجله، فبدت سوأته، وهو قول ابن عباس والكلبي، وفي روايات
كثيرة أنه ضربه في مقدم رأسه فبدت عيناه، قال: انشدك الله والرحم يا ابن عم، فانصرف
عنه ومات في الحال ثم بارزهم حتى قتل منهم ثمانية، ثم أخذ باللواء صواب عبد حبشي
لهم، فضرب على يده، فأخذه باليسرى فضرب عليها، فأخذ اللواء وجمع المقطوعتين على
صدره، فضرب على أم رأسه فسقط اللواء. قال حسان بن ثابت: فخرتم باللواء وشر فخر *
لواء حين رد إلى صواب فسقط اللواء، فأخذته عمرة بنت الحارث بن علقمة بن عبد الدار،
فصرعت وانهزموا، وقال حسان بن ثابت: ولولا لواء الحارثية أصبحوا * يباعون في
الاسواق بالثمن الوكس فانكب المسلمون على الغنائم، ورجع المشركون فهزموهم. زيد بن
وهب: قلت لابن مسعود: انهزم الناس إلا علي وأبو دجانة وسهل بن حنيف ؟ قال: انهزموا
إلا علي وحده، وثاب (1) إليهم أربعة عشر: عاصم بن ثابت: وأبو دجانة، ومصعب بن عمير،
وعبد الله بن جحش، وشماس بن عثمان بن الشريد، والمقداد، وطلحة، وسعد، والباقون من
الانصار، أنشد:
(1) أي عاد وثاب الناس: اجتمعوا.
[83]
وقد تركوا المختار في الحرب مفردا * وفر
جميع الصحب عنه وأجمعوا - وكان علي غائصا في جموعهم (1) * لهاماتهم بالسيف يفري
ويقطع عكرمة قال علي عليه السلام: لحقني من الجزع مالا أملك نفسي، وكنت أمامه أضرب
بسيفي، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليفر وما
رأيته في القتلى وأظنه رفع من بيننا، فكسرت جفن سيفي وقلت في نفسي: لاقاتلن به حتى
اقتل، وحملت على القوم، فأفرجوا فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله قد وقع على
الارض مغشيا عليه، فوقفت على رأسه، فنظر إلي وقال: ما صنع الناس يا علي ؟ قلت:
كفروا يا رسول الله، ولوا الدبر من العدو وأسلموك. تاريخ الطبري وأغاني الاصفهاني
ومغازي ابن إسحاق وأخبار أبي رافع أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى كتيبة
فقال: احمل عليهم، فحمل عليهم وفرق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي، ثم أبصر
كتيبة أخرى فقال: رد عني، فحمل عليهم ففرق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالك العامري، وفي
رواية أبي رافع، ثم رأى كتيبة اخرى فقال: احمل عليهم، فحمل عليهم فهزمهم، وقتل هاشم
بن أمية المخزومي، فقال جبرئيل: يا رسول الله إن هذه لهي المواساة، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: إنه مني وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما، فسمعوا صوتا: لا
سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. وزاد ابن إسحاق في روايته: " فإذا ندبتم هالكا
فابكوا الوفي وأخي الوفي " وكان المسلمون لما أصابهم من البلاء أثلاثا: ثلث جريج
وثلث قتيل وثلث منهزم. تفسير القشيري وتاريخ الطبري أنه انتهى أنس بن النضر إلى عمر
وطلحة في رجال وقال: ما يجلسكم ؟ قالوا: قتل محمد رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله
عليه وآله، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل.
(1) غاص في الماء: غمس ونزل فيه غاص على
الشئ: هجم عليه. وفي المصدر بالعين المهملة أي شديدا.
[84]
وروي أن أبا سفيان رأى النبي مطروحا على
الارض فنال (1) بذلك ظفرا، وحث الناس على النبي صلى الله عليه وآله فاستقبلهم علي
وهزمهم، ثم حمل النبي صلى الله عليه وآله إلى احد ونادى: معاشر المسلمين ارجعوا
ارجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فكانوا يثوبون ويثنون على علي ويدعون له،
وكان قد انكسر سيف علي، فقال النبي صلى الله عليه وآله: خذ هذا السيف، فأخذ ذا
الفقار وهزم القوم. وروي عن أبي رافع بطرق كثيرة أنه لما انصرف المشركون يوم أحد
بلغوا الروحاء (2) قالوا: لا الكواعب أردفتم ولا محمدا قتلتم، ارجعوا، فبلغ ذلك
رسول الله صلى الله عليه وآله فبعث في آثارهم عليا في نفر من الخزرج، فجعل لا
يرتحلون المشركون من منزل إلا نزله علي فأنزل الله تعالى: " الذين استجابوا لله
والرسول من بعد ما أصابهم القرح " (3) وفي خبر أبي رافع أن النبي صلى الله عليه
وآله تفل على جراحه ودعا له، وبعثه خلف المشركين، فنزل فيه الآية. (4). 11 - قب:
فصل في مقامه في غزاة خيبر: أبو كريب ومحمد بن يحيى الازدي في أماليهما، ومحمد بن
إسحاق والعمادي في مغازيهما، والنطنزي والبلاذري في تاريخيهما، والثعلبي والواحدي
في تفسيريهما، وأحمد بن حنبل وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما، وأحمد والسمعاني وأبو
السعادات في فضائلهم، وأبو نعيم في حليته، والاشنهي في اعتقاده، وأبو بكر البيهقي
في دلائل النبوة، والترمذي في جامعه، وابن ماجة في سننه، وابن بطة في إبانته من سبع
عشرة طريقا عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وسهل بن سعد وسلمة بن الاكواع
وبريدة الاسلمي وعمران بن الحصين وعبد الرحمن بن أبي ليلي عن أبيه وأبي سعيد الخدري
وجابر
(1) في المصدر: فتفأل. (2) الروحاء -
بالمد - هو الموضع الذى نزل به تبع حين رجع من قتال أهل المدينة يريد مكة، فاقام
بها وأراح، فسماها الروحاء. (3) سورة آل عمران: 172. (4) مناقب آل أبي طالب 1: 592
- 594.
[85]
الانصاري وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة أنه
لما خرج مرحب برجله (1) بعث النبي صلى الله عليه وآله أبا بكر برايته مع المهاجرين
في راية بيضاء، فعاد يؤنب قومه ويؤنبونه ثم بعث عمر من بعده فرجع يجبن أصحابه
ويجبنونه حتى ساء النبي صلى الله عليه وآله ذلك، فقال صلى الله عليه وآله: لاعطين
الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار يأخذها عنوة
وفي رواية: يأخذها بحقها، وفي رواية: لا يرجع حتى يفتح الله على يده. البخاري ومسلم
أنه قال: لما قال النبي صلى الله عليه وآله حديث الراية بات الناس يذكرون ليلتهم
أيهم يعطاها، فلما أصبح الصبح غدوا على رسول الله كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين
علي بن أبي طالب ؟ فقيل: هو يشتكي عينيه، فقال: فأرسلوا إليه، فاتى به فتفل النبي
صلى الله عليه وآله في عينيه ودعا له فبرئ، فأعطاه الراية. وفي رواية ابن جرير
ومحمد بن إسحاق: فغدت قريش يقول بعضهم لبعض: أما علي فقد كفيتموه فإنه أرمد لا يبصر
موضع قدمه، فلما أصبح قال: ادعوا لي عليا، فقالوا: به رمد، فقال: أرسلوا إليه
وادعوه، فجاء على بغلته وعينه معصوبة بخرقة برد قطري، فأخذ سلمة بن الاكواع بيده
وأتى به إلى النبي صلى الله عليه وآله القصة. وفي رواية الخدري أنه بعث إليه سلمان
وأبا ذر فجاءا به يقاد، فوضع النبي صلى الله عليه وآله رأسه على فخذه وتفل في
عينيه، فقام وكأنهما جزعان، فقال له: خذ الراية وامض بها، فجبرئيل معك والنصر أمامك
والرعب مثبوت في صدور القوم، واعلم يا علي أنهم يجدون في كتابهم أن الذي يدمر عليهم
اسمه إليا، فإذا لقيتهم فقل: أنا علي، فإنهم يخذلون إن شاء الله تعالى. فضائل
السمعاني أنه قال سلمة: فخرج أمير المؤمنين عليه السلام بها يهرول هرولة حتى ركز
رايته في رضخ من حجارة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي فقال: من أنت ؟ فقال: أنا علي
بن أبي طالب، فقال اليهودي: غلبتم وما أنزل على موسى.
(1) بكسر الراء الطائفة من الشئ، يقال "
جاءت رجل دفاع " أي جيش كثير.
[86]
كتاب ابن بطة عن سعد وجابر وسلمة فخرج
يهرول هرولة وسعد يقول: يا أبا الحسن اربع (1) يلحق بك الناس، فخرج إليه مرحب في
عامة اليهود، وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على أم رأسه، وهو يرتجز ويقول: قد
علمت خيبر أني مرحب * شاك سلاحي بطل مجرب - أطعن أحيانا وحينا أضرب * إذ الليوث
أقبلت تلتهب فقال علي عليه السلام: أنا الذي سمتني أمي حيدرة * ضرغام آجال وليث
قسورة (2) - على الاعادي مثل ريح صرصرة * أكيلكم بالسيف كيل السندرة (3) - أضرب
بالسيف رقاب الكفرة قال مكحول: فأحجم (4) عنه مرحب لقول ظئر له: " غالب كل غالب إلا
حيدر بن أبي طالب (5) " فأتاه إبليس في صورة شيخ فحلف أنه ليس بذلك الحيدر والحيدر
في العالم كثير، فرجع، وقال الطبري وابن بطة: روى بريدة أنه ضربه على مقدمه، فقد
الحجر والمغفر ونزل في رأسه حتى وقع في الاضراس وأخذ المدينة. الطبري في التاريخ
والمناقب وأحمد في الفضائل ومسند الانصار أنه سمع أهل العسكر صوت ضربته. وفي مسلم:
لما فلق علي رأس مرحب كان الفتح ابن ماجة في السنن أن عليا لما قتل مرحبا أتى برأسه
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، السمعاني في حديث ابن عمر أن رجلا جاء إلى النبي
صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله اليهود قتلوا
(1) أي توقف وانتظر. (2) في المصدر: ضرغام
آجام. (3) السندرة: ضرب من الكيل غراف جزاف، وقوله " اكيلكم بالسيف كيل السندرة "
أي اقتلكم قتلا واسعا كبيرا ذريعا. (4) بتقديم المعجمة على المهملة أي كف. (5) في
المصدر: غالب كل غالب الحيدر بن ابى طالب.
[87]
أخي فقال: لاعطين الراية غدا، الخبر. قال
ابن عمر: فما تتأم آخرنا حتى فتح لاولنا، فأخذ علي قاتل الانصاري فدفعه إلى أخيه
فقتله. الواقدي: فوالله ما بلغ عسكر النبي صلى الله عليه وآله أخيراه حتى دخل علي
عليه السلام حصون اليهود كلها، وهي قموص وناعم وسلالم ووطيخ وحصن المصعب بن معاد
وغنم، وكانت الغنيمة نصفها لعلي ونصفها لسائر الصحابة. شعبة وقتادة والحسن وابن
عباس أنه نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فقال له: إن الله
يأمرك يا محمد ويقول لك: إني بعثت جبرئيل إلى علي عليه السلام لينصره وعزتي وجلالي
ما رمى علي حجرا إلى أهل خيبر إلا رمى جبرئيل حجرا، فادفع يا محمد إلى علي سهمين من
غنائم خيبر: سهما له وسهم جبرئيل معه، فأنشأ خزيمة ابن ثابت هذه الابيات: وكان علي
أرمد العين يبتغي * دواء فلما لم يحس مداويا - شفاه رسول الله منه بتفله * فبورك
مرقيا وبورك راقيا - وقال سأعطي الراية اليوم صارما * كميا محبا للرسول مواليا (1)
- يحب الاله والاله يحبه * به يفتح الله الحصون الاوابيا - فأصفى بها دون البرية
كلها * عليا وسماه الوزير المواخيا (2) بيان: قال الفيروز آبادي: الجزع ويكسر:
الخوز اليماني الصيني فيه سواد وبياض تشبه به العين (3) وقال: تأم الفرس: جاء جريا
بعد جري (4). 12 - قب: فصل في قتاله في حرب الاحزاب: (5) ابن مسعود والصادق عليه
السلام
(1) الكمى: الشجاع. (2) مناقب آل أبى طالب
1: 595 - 597. (3) القاموس 3: 12. (4) القاموس 4: 82. (5) في المصدر: في يوم
الاحزاب.
[88]
في قوله تعالى: " وكفى الله المؤمنين
القتال (1) " بعلي بن أبي طالب عليه السلام وقتله عمرو بن عبدود، وقد رواه أبو نعيم
الاصفهاني فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام بالاسناد عن سفيان
الثوري عن رجل عن مرة عن عبد الله. وقال جماعة من المفسرين في قوله: " اذكروا نعمة
الله عليكم إذ جاءتكم جنود (2) " إنها نزلت في علي عليه السلام يوم الاحزاب، ولما
عرف النبي صلى الله عليه وآله اجتماعهم حفر الخندق بمشورة سلمان، وأمر بنزول
الذراري والنساء في الآكام، وكانت الاحزاب على الخمر والغناء والمسلمون كأن على
رؤوسهم الطير لمكان عمرو بن عبدود العامري الملقب بعماد العرب، وكان في مائة ناصية
من الملوك وألف مفرعة من الصعاليك وهو يعد بألف فارس، فقيل في ذلك: عمرو بن عبدود
كان أول فارس جزع من المداد، وكان فارس يليل، سمي فارس يليل لانه أقبل في ركب من
قريش حتى إذا كان بيليل - وهو واد - عرضت لهم بنو بكر، فقال لاصحابه: امضوا، فمضوا
وقام في وجوه بني بكر حتى منعهم من أيصلوا إليه، وكان الخندق المداد، قال: ولما
انتدب عمرو للبراز جعل يقول: هل من مبارز ؟ والمسلمون يتجاوزون عنه فركز رمحه على
خيمة النبي صلى الله عليه وآله وقال: ابرز يا محمد، فقال صلى الله عليه وآله: من
يقوم إلى مبارزته فله الامامة بعدي ؟ فنكل الناس عنه، قال حذيفة: قال النبي صلى
الله عليه وآله: ادن مني يا علي، فنزع عمامته السحاب من رأسه وعممه بها تسعة أكوار،
(3) وأعطاه سيفه وقال: امض لشأنك، ثم قال: اللهم أعنه. وروي أنه لما قتل عمروا
أنشد: ضربته بالسيف فوق الهامة * بضربة صارمة هدامة - أنا علي صاحب الصمصامة *
وصاحب الحوض لدى القيامة - أخو رسول الله ذي العلامة * قد قال إذ عممني عمامة (4) -
أنت الذي بعدي له الامامة
(1) سورة الاحزاب: 25. (2) سورة الاحزاب:
9. (3) جمع الكور: الدور من العمامة. (4) في المصدر: إذا عممنى العمامة.
[89]
محمد بن إسحاق أنه لما ركز عمرو رمحه على
خيمة النبي صلى الله عليه وآله وقال (1): يا محمد ابرز ثم أنشأ يقول: ولقد بححت من
النداء * بجمعكم هل من مبارز - ووقفت إذ جبن الشجاع * بموقف البطل المناجز - إني
كذلك لم أزل * متسرعا نحو الهزاهز - إن الشجاعة والسماحة * في الفتى خير الغرائز في
كل ذلك يقوم علي ليبارزه فيأمره النبي صلى الله عليه وآله بالجلوس لمكان بكاء فاطمة
عليها السلام عليه من جراحاته في يوم أحد، وقولها: ما أسرع أن يأتم الحسن والحسين
باقتحامه الهلكات، فنزل جبرئيل عليه السلام فأمره عن الله تعالى (2) أن يأمر عليا
عليه السلام بمبارزته، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي ادن مني، وعممه
بعمامته وأعطاه سيفه وقال: امض لشأنك، ثم قال: اللهم أعنه، فلما توجه إليه قال
النبي صلى الله عليه وآله: خرج الايمان سائره إلى الكفر سائره، قال محمد بن إسحاق:
فلما لاقاه علي عليه السلام أنشأ يقول: لا تعجلن فقد أتاك * مجيب صوتك غير عاجز -
ذو نية وبصيرة والصبر * منجي كل فائز - إني لارضى أن أقيم * عليك نائحة الجنائز -
من ضربة نجلاء يبقى * ذكرها عند الهزاهز (3) ويروى له عليه السلام في أمالي
النيسابوري: يا عمرو قد لاقيت فارس بهمة * عند اللقاء معاود الاقدام - يدعو إلى دين
الاله ونصره * وإلى الهدى وشرائع الاسلام إلى قوله: شهدت قريش والبراجم كلها * أن
ليس فيها من يقوم مقامي
(1) في المصدر: قال. (2) في المصدر: فنزل
جبرئيل عن الله تعالى. (3) النجلاء: الواسع العريض الطويل.
[90]
وروي أن عمروا قال: ما أكرمك قرنا !
الطبري والثعلبي قال علي عليه السلام: يا عمرو إنك كنت في الجاهلية تقول: لا يدعوني
أحد إلى ثلاثة إلا قبلتها أو واحدة منها، قال: أجل، قال: فإني أدعوك إلى شهادة أن
لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن تسلم لرب العالمين، قال: أخر عني هذه،
قال: أما إنها خير لك لو أخذتها، ثم قال: ترجع من حيث جئت قال: لا تحدث نساء قريش
بهذا أبدا، قال: تنزل تقاتلني، فضحك عمرو وقال: ما كنت أظن أحدا من العرب يرومني
عليها، وإني لاكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، وكان أبوك لي نديما، قال: لكني أحب
أن أقتلك، قال: فتناوشا (1) فضربه عمرو في الدرقة (2) فقدها، وأثبت فيها السيف،
وأصاب رأسه فشجه، وضربه علي على عاتقه فسقط، وفي رواية حذيفة: ضربه على رجليه
بالسيف من أسفل فوقع على قفاه. قال جابر: فثار بينهما قترة (3) فما رأيتهما، وسمعت
التكبير تحتها، وانكشف أصحابه حتى طفرت خيولهم الخندق، وتبادر المسلمون يكبرون،
فوجدوه على فرسه برجل واحدة يحارب عليا عليه السلام ورمى رجله نحو علي، فخاف من
هيبتها رجلان ووقعا في الخندق، وقال الطبري: ووجدوا نوفلا في الخندق فجعلوا يرمونه
بالحجارة، فقال لهم: قتلة أجمل من هذه، ينزل بعضكم لقتالي، فنزل إلى علي عليه
السلام فطعنه في ترقوته بالسيف حتى أخرجه من مراقه، ثم خرج منية بن عثمان العبدري
فانصرف، ومات بمكة، وروي: ولحق هبيرة فأعجزه، فضرب على قربوس سرجه وسقط درعه، وفر
عكرمة وضرار فأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام يقول: وكانوا على الاسلام إلبا ثلاثة
(4) * وقد فر من تحت الثلاثة واحد -
(1) أي تطاعنا. (2) الدرقة - بالفتحات -:
الترس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب. (3) القترة: الغبرة. (4) الالب: القوم تجمعهم
عداوة واحدة.
[91]
وفر أبو عمر وهبيرة لم يعد * إلينا وذو
الحرب المجرب عائد - نهتهم سيوف الهند أن يقفوا لنا (1) * غداة التقينا والرماح
القواصد قال جابر: شبهت قصته بقصة داود عليه السلام قوله تعالى: " فهزموهم بإذن
الله (2) " الآية، قالوا فلما جز رأسه من قفاه بسؤال منه قال علي عليه السلام: أعلي
تقتحم الفوارس هكذا * عني وعنهم خبروا أصحابي - نصر الحجارة من سفاهة رأيه (3) *
وعبدت رب محمد بصواب - اليوم تمنعني الفرار حفيظتي * ومصمم في الهام ليس بناب -
أرديت عمروا إذ طغى بمهند * صافي الحديد مجرب قصاب - لا تحسبن الله خاذل دينه *
ونبيه يا معشر الاحزاب عمرو بن عبيد: لما قدم علي برأس عمرو استقبله الصحابة، فقبل
أبو بكر رأسه وقال: المهاجرون والانصار رهين شكرك ما بقوا. الواحدي (4) والخطيب
الخوارزمي، عن عبد الرحمن السعدي، بإسناده عن بهرم بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن
النبي صلى الله عليه وآله قال: لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبدود أفضل من عمل
أمتي إلى يوم القيامة. أبو بكر بن عياش: لقد ضرب علي ضربة ما كان في الاسلام أعز
منها، وضرب ضربة ما كان فيه أشأم منها، ويقال: إن ضربة ابن ملجم وقعت على ضربة عمرو
(5). ايضاح: النواصي: الرؤساء والاشراف. والمفارع: الذين يكفون بين الناس الواحد
كمنبر، وفي بعض النسخ بالزاي المعجمة، أي الذين يفزعون الناس بسوادهم
(1) في المصدر: نهمتم. (2) سورة البقرة:
251. (3) عبد الحجارة: خ ل. (4) في المصدر: الواقدي. (5) مناقب آل ابى طالب 1: 599
- 601.
[92]
وفي بعضها بالقاف والراء المهملة، أي
الذين يقرعون الابطال وجزع الارض والوادي: قطعه. والمداد بمعني الخندق غير معروف.
والبراجم: قوم من أولاد حنظلة بن مالك، ويقال: صمم السيف إذا مضى في العظم وقطعه.
ونبا السيف إذا لم يعمل في الضريبة. والقصاب في بعض النسخ بالمعجمة وفي بعضها
بالمهملة، وعلى التقديرين معناه القطاع. 13 - قب: فصل فيما ظهر منه عليه السلام في
غزاة السلاسل: السلاسل اسم ماء. أبو القاسم بن شبل الوكيل وأبو الفتح الحفار
بإسنادهما عن الصادق عليه السلام ومقاتل والزجاج ووكيع والثوري والسدي وأبو صالح
وابن عباس أنه أنفذ النبي صلى الله عليه وآله أبا بكر في سبعمائة رجل، فلما صار إلى
الوادي وأراد الانحدار فخرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا، فلما
قدموا على النبي صلى الله عليه وآله بعث عمر فرجع منهزما فقال عمرو بن العاص:
ابعثني يا رسول الله فإن الحرب خدعة ولعلي أخدعهم، فبعثه فرجع منهزما، وفي رواية
أنه أنفذ خالدا فعاد كذلك، فساء النبي صلى الله عليه وآله (1) فدعا عليا عليه
السلام وقال: أرسلته كرارا غير فرار، فشيعه إلى مسجد الاحزاب، فسار بالقوم متنكبا
عن الطريق يسير بالليل ويكمن بالنهار، ثم أخذ علي عليه السلام محجة غامضة، فسار بهم
حتى استقبل الوادي من فمه، ثم أمرهم أن يعكموا الخيل وأوقفهم في مكان وقال: لا
تبرحوا، وانتبذ أمامهم وأقام ناحية منهم، فقال خالد - وفي رواية قال عمر -: أنزلنا
هذا الغلام في واد كثير الحيات والهوام والسباع، إما سبع يأكلنا أو يأكل دوابنا،
وإما حيات تعقرنا وتعقر دوابنا، وإما يعلم بنا عدونا فيأتينا ويقتلنا، فكلموه: نعلو
الوادي، فكلمه أبو بكر فلم يجبه، فكلمه عمر فلم يجبه، فقال عمرو بن العاص: إنه لا
ينبغي أن نضيع أنفسنا، انطلقوا بنا نعلو الوادي، فأبى ذلك السملمون، ومن روايات أهل
البيت عليهم السلام أنه أبت الارض أن تحملهم، قالوا: فلما أحس عليه السلام الفجر
قال: اركبوا بارك الله فيكم، وطلع الجبل حتى إذا انحدر على القوم وأشرف عليهم قال
لهم: اتركوا عكمة دوابكم
(1) في المصدر: فساء النبي صلى الله عليه
وآله ذلك.
[93]
قال: فشمت الخيل ريح الاناث فصهلت، فسمع
القوم صهيل خيلهم فولوا هاربين. وفي رواية مقاتل والزجاج أنه كبس القوم (1) وهم
غادون، فقال: يا هؤلاء أنا رسول رسول الله إليكم أن تقولوا: لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله وإلا ضربتكم بالسيف، فقالوا: انصرف عنا كما انصرف عنا كما انصرف
ثلاثة، فإنك لا تقاومنا، فقال عليه السلام: إنني لا أنصرف أنا علي بن أبي طالب،
فاضطربوا، وخرج إليه إلا الاشداء السبعة، وناصحوه وطلبوا الصلح، فقال عليه السلام:
إما الاسلام وإما المقاومة فبرز إليه واحد بعد واحد، وكان أشدهم آخرهم، وهو سعد بن
مالك العجلي، وهو صاحب الحصن، فقتلهم وانهزموا، فدخل بعضهم في الحصن وبعضهم
استأمنوا وبعضهم أسلموا وأتوه بمفاتيح الخزائن، قالت أم سلمة: انتبه النبي صلى الله
عليه وآله من القيلولة فقلت: الله جارك مالك ؟ فقال: أخبرني جبرئيل بالفتح، ونزلت "
والعاديات ضبحا " فبشر النبي صلى الله عليه وآله أصحابه بذلك، وأمرهم باستقباله
والنبي يتقدمهم، فلما رأى علي عليه السلام النبي ترجل عن فرسه، فقال النبي صلى الله
عليه وآله: اركب فإن الله ورسوله عنك راضيان، فبكى علي عليه السلام فرحا، فقال
النبي صلى الله عليه وآله: يا علي لولا أني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت
النصارى في المسيح، الخبر (2). بيان: عكم المتاع: شده، ولعل المراد هنا شد أفواههم
لئلا يصهلوا، ولذا قال عليه السلام آخرا: اتركوا عكمة دوابكم أي ليصهلوا ويسمع
القوم. 14 - قب: فصل في غزوات شتى: قوله تعالى: " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم
تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على
رسوله وعلى المؤمنين (3) " قال الضحاك: " وعلى المؤمنين " يعني عليا وثمانية من بني
هاشم. ابن قتيبة في المعارف والثعلبي في الكشف: الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه
وآله يوم
(1) أي هجم على القوم فجاءة. (2) مناقب آل
ابى طالب 1: 602 و 603. (3) سورة التوبة: 25 و 26.
[94]
حنين بعد هزيمة الناس: علي، والعباس،
والفضل ابنه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ونوفل وربيعة أخواه، وعبد الله بن
الزبير بن عبد المطلب: وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وأيمن مولى النبي صلى الله عليه
وآله، وكان العباس عن يمينه والفضل عن يساره، وأبو سفيان ممسك بسرجه عند تفر بغلته
(1)، وسائرهم حوله، وعلي يضرب بالسيف بين يديه، وفيه يقول العباس: نصرنا رسول الله
في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا (2) فكانت الانصار خاصة تنصرف إذ كمن
أبو جرول على السملمين. وكان على جمل أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام
هوازن، إذا أدرك أحدا طعنه برمحه وإذا فاته الناس دفع لمن وراءه، وجعل يقتلهم وهو
يرتجز: أنا أبو جرول لابراح * حتى نبيح القوم أو نباح فصمدله (3) أمير المؤمنين
عليه السلام فضرب عجز بعيره فصرعه، ثم ضربه فقطره ثم قال: قد علم القوم لدى الصباح
* أني لدى الهيجاء ذونصاح فانهزموا، وعد قتلى علي فكانوا أربعين، وقال علي عليه
السلام: ألم تر أن الله أبلى رسوله * بلاء عزيز ذا اقتدار وذا فضل (4) - بما أنزل
الكفار دار مذلة * فذاقوا هوانا من إسار ومن قتل - فأمسى رسول الله قد عز نصره *
وكان رسول الله أرسل بالعدل - فجاء بفرقان من الله منزل * مبينة آياته لذوي العقل -
فأنكر أقوام فزاغت قلوبهم * فزادهم الرحمن خبلا إلى خبل
(1) التفرة - بالتاء مثلثة -: النقرة التى
في وسط الشفة. (2) أقشع القوم: تفرقوا. (3) صمدله وإليه: قصده. وفي المصدر: فضهد.
(4) في المصدر و (خ): بلاء عزيزا.
[95]
وفي غزاة الطائف كان النبي صلى الله عليه
وآله حاصرهم أياما، وأنفذ عليا في خيل، وأمره أن يطأ ما وجد، ويكسر كل صنم وجده،
فلقيه خيل خثعم وقت الصبوح في جموع، فبرز فارسهم وقال: هل من مبارز ؟ فقال النبي
صلى الله عليه وآله: من له ؟ فلم يقم أحد فقام إليه علي عليه السلام وهو يقول: إن
على كل رئيس حقا * أن يروي الصعدة أو يدقا ثم ضربه فقتله، ومضى حتى كسر الاصنام،
فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله كبر للفتح، وأخذ بيده وناجاء طويلا، ثم خرج من
الحصن نافع بن غيلان بن مغيث فلقيه علي عليه السلام ببطن وج (1) فقتله وانهزموا.
وفي يوم الفتح برز أسد بن غويلم قاتل العرب، فقال النبي صلى الله عليه وآله: من خرج
إلى هذا المشرك فقتله فله على الله الجنة وله الامامة بعدي، فاحر نجم الناس، فبرز
علي عليه السلام وقال: ضربته بالسيف وسط الهامة * بضربة صارمة هدامة - فبتكت من
جسمه عظامه (2) * وبينت من رأسه عظامة (3) وقتل عليه السلام من بني النضير خلقا
منهم غرور الرامي إلى خيمة النبي صلى الله عليه وآله فقال حسان: لله أي كريهة
أبليتها * ببني قريظة والنفوس تطلع - أردى رئيسهم وآب بتسعة * طورا يشلهم وطورا
يدفع (4). وأنفذ النبي صلى الله عليه وآله عليا إلى بني قريظة وقال: سر على بركة
الله، فلما أشرفوا ورأوا عليا عليه السلام قالوا: أقبل إليكم قاتل عمرو، وقال آخر:
(1 (1) وج - بالفتح والتشديد - واد
بالطائف به كانت غزاة النبي صلى الله عليه وآله (مراصد الاطلاع 3: 1426). (2) بتكه:
قطعه. (3) العظامة: شئ كالوسادة. (4) طورا يسائلهم خ ل.
[96]
قتل علي عمروا صار علي صقرا * قصم علي
ظهرا هتك علي سترا فقال علي عليه السلام: الحمد لله الذي أظهر الاسلام وقمع الشرك،
فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فقتل علي عليه السلام منهم عشرة، وقتل عليه
السلام من بني المصطلق (1) مالكا وابنه. تاريخ الطبري ومحمد بن إسحاق: لما انهزمت
هوازن كان رايتهم مع ذي الخمار، فلما قتله علي عليه السلام أخذها عثمان بن عبد الله
بن ربيعة، فقاتل بها حتى قتل. ومن حديث عمرو بن معد يكرب أنه رأى أباه منهزما من
خثعم على فرس له قال: انزل عنها (2) فاليوم ظلم، فقال له: إليك يا مائق (3)،
فقالوا: أعطه، فركب ثم رمى خثعم بنفسه حتى خرج من بين أظهرهم، ثم كر عليهم، وفعل
ذلك مرارا فحمل عليه بنو زبيد، فانهزمت خثعم، فقيل له فارس اليمن، ومائق بنو زبيد.
الزمخشري في ربيع الابرار: كان إذا رأى عمر بن الخطاب معد يكرب قال: الحمد لله الذي
خلقنا وخلق عمروا. وكان كثيرا ما يسأل عن غاراته فيقول: قد محاسيف علي الصنائع، ومع
مبارزته جذبه أمير المؤمنين عليه السلام والمنديل في عنقه حتى أسلم، وكان أكثر فتوح
العجم على يديه (4). بيان: الاباحة والاستباحة: السبي والنهب. قوله عليه السلام:
(ذو نصاح) أي أنصح النبي ولا أغشه. والصعدة بالفتح: القناة المستوية تنبت كذلك،
وترويتها كناية عن كثرة القتل بها. واحر نجم: أراد الامر ثم رجع عنه. كشف: من مناقب
الخوارزمي عن حليم (5) عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
لمبارزة علي بن أبي طالب عليه السلام لعمرو بن ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي
(1) في بنى المصطلق خ ل. (2) في المصدر:
انزل عنه. (3) مئق الرجل: كاد يبكى من شدة الغيظ. (4) مناقب آل ابى طالب 1: 604 -
606. (5) في المصدر: عن حكيم.
[97]
إلى يوم القيامة (1). أقول: قال الشيخ
المفيد قدس الله روحه في كتاب الفصول: مما يشهد بشجاعة أمير المؤمنين عليه السلام
وعظيم بلائه (2) في الجهاد ونكايته في الاعداء من النظم الذي يشهد بصحته النثر في
النقل قول أسد بن أبي أياس بن رهم (3) ابن محمد بن عبد بن عدي يحرض مشركي قريش على
أمير المؤمنين عليه السلام: في كل مجمع غاية أخزاكم * جزع أبر على المذاكي القرح
(4) - لله دركم ألما تنكروا * قد ينكر الحر الكريم ويستحي - هذا ابن فاطمة الذي
أفناكم * ذبحا ويمشي بيننا لم يذبح (5) - أعطوه خرجا واتقوا بضربته * فعل الدليل
وبيعة لم تربح - أين الكهول وأين كل دعامة * في المعضلات وأين زين الابطح ؟ -
أفناهم قعصا وضربا تعتري * بالسيف يعمل حده لم يصفح ومما يشهد لذلك قول أخت عمرو بن
عبدود وقد رأته قتيلا فقالت: من قتله ؟ فقيل لها: علي بن أبي طالب عليه السلام،
فقالت: كفو كريم، ثم أنشأت تقول: لو كان قاتل عمرو غير قاتله * لكنت أبكي عليه آخر
الابد - لكن قاتل عمرو لا يعاب به (6) * من كان يدعى قديما بيضة البلد أفلا نرى إلى
قريش كيف يحرض عليه بذكر من قتله وكثرتهم وفناء رؤسائهم بسيفه عليه السلام وقتله
لشجعانهم وأبطالهم ؟ ثم لا يجسر أحد من القوم ينكر
(1) كشف الغمة: 43. (2) في المصدر: وعظم
بلائه. (3) في المصدر: أسيد بن أبى أياس بن زنيم. (4) الغاية: الراية. الجذع -
بفتحتين -: الشاب الحدث. (5) في المصدر " ويمسى سالما لم يذبح " والمراد من فاطمة
أم أمير المؤمنين عليهما السلام. وقد ذكر هذا البيت في المصدر قبل البيت الثاني.
(6) في المصدر: لكن قاتله من لا يعاب به.
[98]
ذلك (1)، ولا ينفع في جماعتهم التحريض
لعجزهم عنه عليه السلام، ولا ترى (2) أنه عليه السلام قد بلغ من فضله في الشجاعة
أنها قد صارت يفخر (3) بقتله من قتل منها، وينفي العار عنه بإضافته إليه، وهذا لا
يكون إلا وقد سلم الجميع له واصطلحوا على إظهار العجز عنه عليه السلام. وقد روى أهل
السير أن أمير المؤمنين عليه السلام لما قتل عمرو بن عبدود نعي إلى أخته، فقالت:
[لو] لم يعد (4) يومه على يد كفو كريم لارقأت دمعتي إن هرقتها عليه، قتل الابطال
وبارز الاقران وكانت منيته على يد كفو كريم، ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر، ثم
أنشأت تقول: أسدان في ضيق المكر تصاولا * وكلاهما كفو كريم باسل - فتخالسا مهج
النفوس كلاهما * وسط المدار مخاتل ومقاتل - وكلاهما حضر القراع حفيظة * لم يثنه عن
ذاك شغل شاغل - فاذهب علي فما ظفرت بمثله * قول سديد ليس فيه تحامل - فالثار عندي
يا علي فليتني * أدركته والعقل مني كامل ذلت قريش بعد مقتل فارس * فالذل مهلكها
وخزي شامل ثم قالت: والله لا ثارت قريش بأخي ما حنت النيب. وقد كان حسان بن ثابت
افتخر للاسلام بقتل عمرو بن عبدود، فقال في ذلك أقوالا كثيرة، منها: أمسى الفتى
عمرو بن عبد يبتغي * بجنوب يثرب غارة لم ينظر - فلقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد
وجدت جيادنا لم تقصر (5) - ولقد رأيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب المخسر
أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر
(1) في المصدر: أن ينكر ذلك. (2) في
المصدر: ولا يرى. (3) في المصدر: تفخر. (4) في المصدر: لم يبعد. (5) في المصدر:
ولقد رأيت خيارنا لم تقصر.
[99]
فلما بلغ شعره بني عامر قال فتى منهم يرد
عليه قوله في ذلك: كذبتم وبيت الله لم تقتلوننا * ولكن بسيف الهاشمين فافخروا -
بسيف ابن عبد الله أحمد في الوغى * بكف علي نلتم ذاك فاقصروا - فلم تقتلوا عمرو بن
ود ولا ابنه * ولكنه الكفو الهزبر الغضنفر - علي الذي في الفخر طال ثناؤه * فلا
تكثروا الدعوى علينا فتحقروا - ببدر خرجتم للبراز فردكم * شيوخ قريش جهرة وتأخروا -
فلما أتاهم حمزة وعبيدة * وجاء علي بالمهند يخطر - فقالوا نعم أكفاء صدق وأقبلوا *
إليهم سراعا إذ بغوا وتجبروا فجال علي جولة هاشمية * فدمرهم لما عتوا وتكبروا -
فليس لكم فخر علينا بغيرنا * وليس لكم فخر يعد ويذكر وقد جاء الاثر من طرق شتى
بأسانيد مختلفة عن زيد بن وهب قال: سمعت عليا عليه السلام يقول - وقد ذكر حديث بدر
فقال -: قتلنا من المشركين سبعين، وأسرنا سبعين، وكان الذي أسر العباس رجل قصير من
الانصار، فأدركته فألقى العباس علي عمامته لئلا يأخذها الانصاري، وأحب أن أكون أنا
الذي أسرته، وجيئ به (1) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال الانصاري: يا رسول
الله قد جئت بعمك العباس أسيرا فقال العباس: كذبت ما أسرني إلا ابن أخي علي بن أبي
طالب عليه السلام فقال له الانصاري: يا هذا أنا أسرتك، فقال: والله يا رسول الله ما
أسرني إلا ابن أخي، و لكأني بجلحته في النقع (2) تبين لي، فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله: صدق عمي ذاك ملك كريم، فقال العباس: يا رسول الله لقد عرفته بجلحته وحسن
وجهه، فقال له: إن الملائكة الذين أيدني الله بهم على صورة علي بن أبي طالب عليه
السلام ليكون ذلك
(1) في المصدر: وجاء به. (2) الجلحة: موضع
انحسار الشعر عن جانبى الرأس. النقع: الغبار.
[100]
أهيب لهم في صدور الاعداء، قال: فهذه
عمامتي على رأس علي عليه السلام فمره فليردها علي، فقال: ويحك إن يعلم الله فيك
خيرا يعوضك أحسن العوض. أفلا ترون أن هذا الحديث يؤيد ما تقدم ويؤكد القول بأن أمير
المؤمنين عليه السلام كان أشجع البرية، وأنه بلغ من بأسه وخوف الاعداء منه عليه
السلام أن جعل الله عزوجل الملائكة على صورته، ليكون ذلك أرعب لقلوبهم، وأن هذا
المعنى لم يحصل لبشر قبله ولا بعده، ويؤيد ما رويناه ما جاء من الاثر عن أبي جعفر
محمد بن علي عليهما السلام في حديث بدر فقال: لقد كان يسأل الجريح من المشركين
فيقال: من جرحك ؟ فيقول: علي بن أبي طالب. فإذا قالها: مات. وفي بلاء أمير المؤمنين
عليه السلام يوم بدر يقول أبو هاشم السيد بن محمد الحميري: من كعلي الذي يبارزه *
الاقران إذ بالسيوف يصطلم - إذا الوغى نارها مسعرة * يحرق فرسانها إذا اقتحموا - في
يوم بدر وفي مشاهده * العظمى ونار الحرب تضطرم - بارز أبطالها وسادتها * قعصا لهم
بالحسام قد علموا (1) - دعوه كي تدركون عزته * فما علوا ذلكم ولا سلموا - جذ بسيف
النبي هامات * أقوام هم سادة وهم قدم - سيدنا الماجد الجليل أبو * السبطين رأس
الانام والعلم - إن عليا وإن فاطمة * وإن سبطيهما وإن ظلموا - لصفوة الله بعد صفوته
* لا عرب مثلهم ولا عجم انتهى (2). وقال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج
البلاغة: قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر بن نمير الانصاري قال: والله لكأني
أسمع عليا عليه السلام يوم الهرير وذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها وبين عك
ولخم وحذام و
(1) قعصه: قتله مكانه. والقعص: الموت
الوحى. (2) الفصول المختارة 2: 79 - 81.
[101]
الاشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي،
حتى استقلت الشمس وقام قائم الظهيرة وعلي عليه السلام يقول لاصحابه: حتى متى نخلي
بين هذين الحيين ؟ قد فنينا (1) و أنتم وقوف تنظرون، أما تخافون مقت الله ؟ ثم
انفتل (2) إلى القبلة ورفع يديه إلى الله عزوجل ثم نادى " يا الله يا رحمن يا واحد
يا صمد (3) يا الله يا إله محمد، إليك اللهم (4) نقلت الاقدام، وأفضت القلوب، ورفعت
الايدي، ومدت الاعناق، و شخصت الابصار، وطلبت الحوائج، اللهم إنا نشكو إليك غيبة
نبينا، وكثرة عدونا، وتشتت أهوائنا، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير
الفاتحين سيروا على بركة الله " ثم نادى: لا إله إلا الله والله أكبر كلمة التقوى،
قال: فلا والذي بعث محمدا نبيا (5) ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق السماوات والارض
أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب، إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمس مائة من
أعلام العرب، يخرج بسيفه منحنيا فيقول: معذرة إلى الله وإليكم من هذا، لقد هممت أن
أفلقه ولكن يحجزني عنه أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " لا سيف إلا
ذو الفقار ولا فتى إلا علي " وأنا أقاتل به دونه، قال: فكنا نأخذه و نقومه، ثم
يتناوله من أيدينا فيتقحم به عرض الصف، فلا والله ماليث بأشد نكاية منه في عدوه
(6). وقال في موضع آخر: روى أبو عبيدة أن عليا عليه السلام استنطق الخوارج بقتل عبد
الله بن خباب فأقروا به، فقال: انفردوا كتائب لاسمع قولكم كتيبة كتيبة، فتكتبوا
كتائب وأقرت كل كتيبة بمثل ما أقرت به الاخرى من قتل ابن خباب
(1) في المصدر و (خ): قد فنيا. (2) في
المصدر: ثم استقبل. (3) في المصدر: يا رحمن يا رحيم يا واحد يا أحد. (4) في المصدر:
اللهم اليك. (5) في المصدر: بالحق نبيا. (6) شرح النهج 1: 220.
[102]
وقالوا: ولنقتلنك كما قتلناه، فقال عليه
السلام: والله لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا وأنا أقدر على قتلهم به لقتلتهم،
ثم التفت إلى أصحابه فقال (1): شدوا عليهم فأنا أول من يشد عليهم، وحمل بذي الفقار
حملة منكرة ثلاث مرات، كل حملة يضرب به حتى يعوج متنه، ثم يخرج فيسويه بركبتيه، ثم
يحمل به حتى أفناهم (2). 107 (باب) * (جوامع مكارم أخلاقه وآدابه وسننه وعدله وحسن)
* * (سياسته صلوات الله عليه) *. 1 - لى: أبي، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي نجران،
عن ابن حميد، عن ابن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: والله أن كان علي (3)
ليأكل أكل العبد ويجلس جلسة العبد، وأن كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيخير
غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا جاز كعبه حذفه ولقد ولى
خمس سنين ما وضع آجرة، على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعا ولا أورث بيضاء
ولا حمراء، وأن كان ليطعم الناس خبز البر واللحم وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير
والزيت والخل وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضى إلا أخذ بأشدهما على بدنه، ولقد
أعتق ألف مملوك من كد يده تربت فيه يداه (4) وعرق
(1) في المصدر: فقال لهم. (2) شرح النهج
1: 252. (3) في المصدر: والله كان على يأكل اه. (4) أي صار التراب في يده، وكأنه
اشارة إلى عمله عليه السلام في البساتين.
[103]
فيه وجهه، وما أطاق عمله أحد من الناس وأن
(1) كان ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وأن كان أقرب الناس شبها به علي بن
الحسين عليهما السلام، وما أطاق عمله أحد من الناس بعده (2). بيان: قال الفيروز
آبادي: قميص سنبلاني: سابغ الطول، أو منسوب إلى بلد بالروم (3). 2 - لى: أبي، عن
سعد، عن ابن هاشم، عن ابن مرار، عن يونس، عن عبد لله بن سنان، عن الثمالي، عن ابن
نباتة أنه قال: كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إذا أتي بالمال
أدخله بيت مال المسلمين، ثم جمع المستحقين، ثم ضرب يده في المال فنثره يمنة ويسرة
وهو يقول: يا صفراء يا بيضاء لا تغريني، غري غيري. هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان
يده إلى فيه ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ويؤتي كل ذي حق حقه ثم
يأمر أن يكنس ويرش، ثم يصلي فيه ركعتين، ثم يطلق الدنيا ثلاثا يقول بعد التسليم: يا
دنيا لا تتعرضين لي ولا تتشوقين [إلي] ولا تغريني، فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي عليك
(4). 3 - لى: الطالقاني، عن محمد بن جرير الطبري، عن الحسن بن محمد، عن محمد بن عبد
الرحمن المخزومي، عن محمد بن أبي يعفور، عن موسى بن أبي أيوب التميمي عن موسى بن
المغيرة، عن الضحاك بن مزاحم قال: ذكر علي عليه السلام عند ابن عباس بعد وفاته
فقال: واأسفاه على أبي الحسن، مضى والله ما غير ولا بدل ولا قصر و لا جمع ولا منع
ولا آثر إلا الله، والله لقد كانت الدنيا أهون عليه من شسع نعله، ليث
(1) في المصدر: وانه. (2) أمالى الصدوق:
169. (3) القاموس 3: 398. (4) أمالى الصدوق: 170 (*).
[104]
في الوغى، بحر في المجالس، حكيم في
الحكماء، هيهات قد مضى إلى الدرجات العلى (1). 4 - ب: أبوالبختري، عن جعفر، عن أبيه
عليهما السلام قال: كسى علي عليه السلام الناس بالكوفة، وكان في الكسوة برنس خز،
فسأله إياه الحسن، فأبى أن يعطيه إياه، وأسهم عليه بين المسلمين فصار لفتى من
همدان، فانقلب به الهمداني، فقيل له: إن حسنا كان سأله أباه فمنعه إياه، فأرسل به
الهمداني إلى الحسن عليه السلام فقبله (2). 5 - لى: أبي، عن سعد، عن ابن هاشم، عن
ابن أبي نجران عن ابن [أبي] حميد، عن ابن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان
أمير المؤمنين علي عليه السلام كل بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا ومعه الدرة
على عاتقه، وكان لها طرفان وكانت تسمى السيبة (3)، فيقف على سوق سوق فينادي: يا
معشر التجار قدموا الاستخارة، وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزينوا
بالحلم، و تناهوا عن الكذب واليمين، وتجافوا عن الظلم، وأنصفوا المظلومين، ولا
تقربوا الرباء " وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في
الارض مفسدين " يطوف في جميع أسواق الكوفة فيقول هذا، ثم يقول: تفنى اللذاذة ممن
نال صفوتها * من الحرام ويبقى الاثم والعار تبقى عواقب سوء في مغبتها * لا خير في
لذة من بعدها النار (4) جا: أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف، عن
ابن مهزيار عن ابن محبوب، عن ابن أبي المقدام، عن أبي جعفر عليه السلام مثله، إلى
قوله: " مفسدين " قال: فيطوف في جميع الاسواق - أسواق الكوفة - ثم يرجع فيقعد
للناس، قال:
(1) أمالى الصدوق: 245. (2) قرب الاسناد:
96. (3) السبية خ ل. (4) أمالى الصدوق: 298.
[105]
فكانوا إذا نظروا إليه قد أقبل إليهم قال
" يا معشر الناس " أمسكوا أيديهم وأصغوا إليه بآذانهم ورمقوه بأعينهم حتى يفرغ من
كلامه، فإذا فرغ قالوا: السمع و الطاعة يا أمير المؤمنين (1). كا: العدة، عن سهل،
وأحمد بن محمد، وعلي، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب عن ابن أبي المقدام، عن جابر،
عنه عليه السلام مثله (2). 6 - ل: ماجيلويه، عن محمد العطار، عن سهل، عن ابن يزيد،
عن محمد بن إبراهيم النوفلي رفعه إلى جعفر بن محمد عليهما السلام أنه ذكر عن آبائه
عليهم السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى عماله: أدقوا أقلامكم، وقاربوا
بين سطوركم، واحذفوا عني فضولكم، (3) واقصدوا قصد المعاني، وإياكم والاكثار، فإن
أموال المسلمين لا تحتمل الاضرار (4). 7 - ل: محمد بن أحمد بن الحسين البغدادي، عن
أحمد بن الفضل الاهوازي عن بكر بن أحمد القصري، عن زيد بن موسى بن جعفر، عن آبائه،
عن علي عليهم السلام قال: خرج أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد (5) وعبد
الرحمن بن عوف وغير واحد من الصحابة يطلبون النبي صلى الله عليه وآله في بيت أم
سلمة، فوجدوني على الباب جالسا، فسألوني عنه، فقلت: يخرج الساعة، فلم يلبث أن خرج
وضرب بيده على ظهري فقال: كس (6) يا ابن أبي طالب، فإنك تخاصم الناس بعدي بست خصال
فتخصمهم، ليست في قريش منها شئ: إنك أولهم إيمانا بالله، و أقومهم بأمر الله عزوجل،
وأوفاهم بعهد الله وأرأفهم بالرعية، وأعلمهم بالقضية
(1) أمالى المفيد: 115 و 116. (2) فروع
الكافي (الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 151. (3) في المصدر: واحذفوا من فضولكم.
(4) الخصال 1: 149. (5) في المصدر: وسعد وسعيد اه. (6) كن خ ل.
[106]
وأقسمهم بالسوية، وأقضاهم عند الله عزوجل
(1). ل: بهذا الاسناد عن بكر بن أحمد قال: حدثنا أبو أحمد جعفر بن محمد بن عبد الله
بن موسى، عن أبيه، عن جده موسى، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام مثله (2). 8 - ل:
القطان، عن ابن زكريا القطان، عن ابن حبيب، عن ابن بهلول، عن عبد الرحمن بن الاسود،
عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر، عن عمار بن ياسر وعن جابر بن عبد الله
قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: أحاجك يوم القيامة
فأحاجك بالنبوة، وتحاج قومك فتحاجهم بسبع خصال: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والامر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعدل في الرعية، والقسم بالسوية، والاخذ بأمر الله
عزوجل، أما عملت يا علي أن إبراهيم عليه السلام موافينا يوم القيامة فيدعى فيقام عن
يمين العرش فيكسى من كسوة الجنة ويحلى من حليها، ويسيل له ميزاب من ذهب من الجنة
فيهب من الجنة ما هو أحلى من الشهد وأبيض من اللبن وأبرد من الثلج وأدعى أنا فأقام
عن شمال العرش، فيفعل بي مثل ذلك، ثم تدعى أنت يا علي فيفعل بك مثل ذلك، أما ترضي
يا علي أن تدعى أذا دعيت [أنا] وتكسى إذا كسيت أنا، وتحلى إذا حليت أنا ؟ إن الله
عز وجل أمرني أن أدنيك فلا أقصيك، وأعلمك ولا أجفوك، وحقا عليك أن تعي وحقا علي أن
أطيع ربي تبارك وتعالى (3). 9 - ل: ابن موسى، عن العلوي، عن الفزاري، عن محمد بن
حميد، عن عبد الله بن عبد القدوس، عن الاعمش، عن موسى بن طريف، عن عباية بن ربعي
قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: أحاج الناس يوم القيامة بسبع: إقام الصلاة
وإيتاء الزكاة، والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقسم بالسوية، والعدل في
الرعية، وإقام الحدود (4).
(1) الخصال 1: 163 و 164. وفيه: وأفضلهم
عند الله عزوجل. (2) في المصدر 1: 164. (3 و 4) الخصال 2: 13.
[107]
10 - ل: الحسن بن محمد السكوني، عن محمد
بن عبد الله الحضرمي، عن خلف بن خالد، عن بشر بن إبراهيم، عن ثور بن يزيد، عن خالد
بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام:
اخاصمك بالنبوة ولا نبي بعدي، وتخاصم الناس بسبع ولا يحاجك فيهن أحد من قريش. لانك
أنت أولهم إيمانا، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم
في الرعية، وأبصرهم في القضية، وأعظمهم عند الله مزية (1). 11 - ع، ن: أبي، عن أحمد
بن إدريس، عن الاشعري، عن محمد بن معروف عن أخيه عمر، عن جعفر بن عقبة، عن أبي
الحسن عليه السلام قال: إن عليا عليه السلام لم يبت بمكة بعد إذ هاجر منها حتى قبضه
الله عزوجل إليه، قال: قلت له: ولم ذاك ؟ قال: كان يكره أن يبيت بأرض قد هاجر منها
رسول الله، وكان يصلي العصر ويخرج منها ويبيت بغيرها (2). 12 - ما: حمويه، عن أبي
الحسين، عن أبي خليفة، عن مسلم، عن هلال بن مسلم الجحدري قال: سمعت جدي حرة - أو
حوة - قال: شهدت علي بن أبي طالب عليه السلام اتي بمال عند المساء، فقال: اقسموا
هذا المال، فقالوا: قد أمسينا يا أمير المؤمنين فأخره إلى غد، فقال لهم: تقبلون أن
أعيش إلى غد ؟ فقالوا: ماذا بأيدينا، قال: فلا تؤخروه حتى تقسموه (3)، فأتي بشمع
فقسموا ذلك المال من تحت ليلتهم (4). 13 - ما: ابن مخلد، عن ابن سماك، عن أبي غلابة
الرقاشي، عن عازم بن الفضل، عن أبي يحيى صاحب السفط - قال: وقد ذكرته فحماد بن زيد
فعرفه - عن معمر بن زياد أن أبا مطر حدثه قال: كنت بالكوفة فمر علي رجل، فقالوا:
هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، قال: فتبعته فوقف على خياط
فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم فلبسه، فقال: الحمد لله الذي ستر عورتي وكساني
(1) الخصاب 2: 13. (2) علل الشرائع: 155.
عيون الاخبار: 37. (3) في المصدر: حتى تقتسموه. (4) أمالى الشيخ: 257 و 258.
[108]
الرياش، ثم قال: هكذا كان رسول الله صلى
الله عليه وآله يقول إذا لبس قميصا (1). 14 - ما: بإسناد أخي دعبل، عن الرضا، عن
آبائه، عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام أصحاب القمص، فساوم شيخا منهم، فقال: يا شيخ ! بعني قميصا بثلاثة دراهم.
فقال الشيخ: حبا وكرامة، فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم فلبسه ما بين الرسغين (2)
إلى الكعبين، وأتى المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم قال: الحمدلله الذي رزقني من الرياش
ما أتجمل به في الناس، وأؤدي فيه فريضتي، وأستر به عورتي، فقال له رجل: يا أمير
المؤمنين أعنك نروي هذا أو شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: بل شئ
سمعته من رسول الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك عند الكسوة (3). 15
- جا، ما: المفيد، عن علي بن بلال، عن علي بن عبد الله الاصبهاني، عن إبراهيم بن
محمد الثقفي، عن محمد بن عبد الله بن عثمان، عن علي بن أبي سيف، عن علي بن حباب، عن
ربيعة وعمارة (4) أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
مشوا إليه عند تفرق الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية طلبا لما في يديه من
الدنيا، فقالوا: يا أمير المؤمنين أعط هذه الاموال وفضل هؤلاء الاشراف من العرب
وقريش على الموالي والعجم ومن نخاف عيه من الناس (5) فراره إلى معاوية، فقال لهم
أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور ؟ لا والله ما أفعل (6)
ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم، والله لو كان
(1) أمالى الشيخ: 247. (2) الرسغ - بالضم
- المفصل ما بين الساعد والكف الساق والقدم. (3) أمالى الشيخ: 232 و 233. (4) في
المصدرين بعد ذلك: وغيرهما. (5) في أمالى الطوسى " ومن يخاف عليه " وفي أمالى
المفيد: ومن يخاف خلافه عليك من الناس. (6) في أمالى الطوسى: لا افعلن.
[109]
مالهم لي (1) لواسيت بينهم، وكيف وإنما هو
أموالهم، قال: ثم أتم (2) أمير المؤمنين عليه السلام طويلا ساكتا، ثم قال: من كان
له مال ومأواه فساد (3) فإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو وإن كان ذكرا
لصاحبه في الدنيا فهو تضييعه (4) عند الله عزوجل ولم يضع رجل ماله في غير حقه وعند
غير أهله إلا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودهم، (5) فإن بقي معه من يوده ويظهر له
الشكر فإنما هو ملق يكذب (6) يريد التقرب [به] إليه، لينال منه مثل الذي كان يأتي
إليه من قبل، فان رلت بصاحبه النعل فاحتاج إليه معونته أو مكافاته فشر خليل وألام
خدين، ومن صنع المعروف فيما آتاه فليصل به القرابة وليحسن فيه الضيافة، وليفك به
العاني، وليعن به الغارم وابن السبيل والفقراء والمجاهدين في سبيل الله، وليصبر
نفسه على النوائب والحقوق، فإن الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا ودرك فضائل
الآخرة (7). 16 - ثو: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن
هشام بن سالم رفعه قال: قال علي صلوات الله عليه: لولا أن المكر والخديعة في النار
لكنت أمكر العرب (8). 17 - ثو: العطار، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان،
عن أبي
(1) في أمالى الطوسى: والله لو كان مالى.
وفي أمالى المفيد: والله لو كانت اموالهم لى. (2) أتم: أبطأ. وفي أمالى الطوسى: "
أزم " وفي أمالى المفيد " أرم " أي سكت. وفي الكافي ايضا كذلك، وسيأتي تحت الرقم
28. (3) كذا في النسخ، وفي المصدرين: فاياه والفساد. (4) في امالي المفيد: فهو
يضعه. (5) في امالي المفيد: وكان لغيرهم وده. (6) ملقه وملق له: تودد إليه وتذلل له
وأبدى له بلسانه من الاكرام والود ما ليس في قلبه. وفي المصدرين: فانما هو ملق وكذب
(7) أمالى المفيد: 104 و 105. أمالى الطوسى: 121 و 122. (8) ثواب الاعمال: 261. (*)
[110]
الجارود، عن حبيب بن سنان، عن زاذان قال:
سمعت عليا عليه السلام يقول: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن
المكر والخديعة والخيانة في النار لكنت أمكر العرب (1). 18 - جا: أحمد بن الوليد،
عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف، عن ابن مهزيار، عن ابن أبي عمير، عن هشام رقعة
إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول للناس
بالكوفة: يا أهل الكوفة أتروني لا أعلم ما يصلحكم ؟ بلى ولكني أكره أن أصلحكم بفساد
نفسي (2). 19 - شا: أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى، عن جده، عن أبي محمد الانصاري
عن محمد بن ميمون البزاز، عن الحسين بن علوان، عن أبي علي زياد بن رستم، عن سعيد بن
كلثوم قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فذكر أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليه السلام فأطراه ومدحه بما هو أهله، ثم قال: والله ما أكل علي ابن أبي
طالب عليه السلام من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله، وما عرض له أمران قط هما لله
رضى إلا أخذ بأشد هما عليه في دينه، وما نزلت برسول الله صلى الله عليه وآله نازلة
قط إلا دعاه ثقة به، وما أطاق عمل رسول الله صلى الله عليه وآله من هذه الامة غيره،
وأن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة والنار: يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه
ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار مما كد بيديه و رشح
منه جبينه، وأن كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة، وما كان لباسه إلا الكرابيس،
إذا فضل شئ عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه (3). 20 - سر: أبان بن تغلب، عن إسماعيل
بن مهران، عن عبيدالله بن أبي الحارث الهمداني قال: جاء جماعة من قريش إلى أمير
المؤمنين عليه السلام فقالوا له: يا أمير المؤمنين لو فضلت الاشراف كان أجدر أن
يناصحوك، قال: فغضب أمير المؤمنين
(1) ثواب الاعمال: 261. (2) أمالى المفيد:
120 و 121. (3) لم نجده في الارشاد المطبوع.
[111]
عليه السلام فقال: (1) أيها الناس
أتأمروني أن أطلب العدل بالجور فيمن وليت عليه ؟ والله لا يكون (2) ما سمر السمير
وما رأيت في السماء نجما، والله لو كان مالي دونهم لسويت بينهم كيف وإنما هو مالهم،
ثم قال: أيها الناس ليس لواضع المعروف في غير أهله إلا محمدة اللئام وثناء الجهال،
فإن زلت بصاحبه النعل فشر خدين و شر خليل (3). 21 - قب: حمزة بن عطاء، عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله: " هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل (4) " قال: هو علي بن أبي طالب
عليه السلام يأمر بالعدل " وهو على صراط مستقيم " وروى نحوا منه أبوالمضا عن الرضا
عليه السلام. فضائل أحمد قال علي عليه السلام: أحاج الناس يوم القيامة بتسع: بإقام
الصلاة وإيتاء الزكاة، والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعدل في الرعية، و
القسم بالسوية، والجهاد في سبيل الله، وإقامة الحدود وأشباهه. الفائق إنه بعث
العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث ابنيهما الفضل ابن العباس وعبد المطلب بن
ربيعة يسألانه أن يستعملهما على الصدقات، فقال علي: والله لا نستعمل منكم أحدا على
الصدقة، فقال ربيعة: هذا أمرك، نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وآله فلم نحسدك
عليه، فألقى علي رداءه ثم اضطجع عليه فقال: أنا أبو الحسن القرم، والله لا أريم حتى
يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به، قال صلى الله عليه وآله: إن هذه الصدقة
أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، قال الزمخشري الحور: الخيبة (5).
بيان: قال في النهاية: في حديث علي عليه السلام: " أنا أبو حسن القرم " أي المقدم
(1) في المصدر: ثم قال. (2) في المصدر: لا
يكون ذلك اه. (3) مستطرفات السرائر ما رواه أبان بن تغلب. (4) سورة النحل: 76. (5)
مناقب آل أبي طالب 1: 312.
[112]
في الرأي، القرم: فحل الابل، أي أنا فيهم
بمنزلة الفحل في الابل. قال الخطابي: وأكثر الروايات " القوم " بالواو، ولا معنى
له، وإنما هو بالراء أي المقدم في المعرفة وتجارب الامور (1). قوله عليه السلام:
(لا أريم) أي لا أبرح ولا أزول عن مكاني. وقال أيضا في النهاية: في حديث علي عليه
السلام " حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به " أي بجواب ذلك، يقال: كلمته
فما رد إلي حورا أي جوابا، وقيل: أراد به الخيبة (2). 22 - قب: نزل بالحسن بن علي
عليهما السلام ضيف، فاستقرض من قنبر رطلا من العسل الذي جاء [به] من اليمن، فلما
قعد علي عليه السلام ليقسمها قال: يا قنبر قد حدث في هذا الزق حدث، قال: صدق فوك،
وأخبره الخبر، فهم بضرب الحسن عليه السلام فقال: ما حملك على أن أخذت منه قبل
القسمة ؟ قال: إن لنا فيه حقا، فإذا أعطيتناه رددناه، قال: فداك أبوك وإن كان لك
فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، لولا أني رأيت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقبل ثنيتك لاوجعتك (3) ضربا، ثم دفع إلى قنبر درهما وقال:
اشتر به أجود عسل يقدر عليه (4) قال الراوي: فكأني أنظر إلى يدي علي عليه السلام
على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه ثم شده ويقول: اللهم اغفرها للحسن فإنه لا يعرف
(5). بيان: هذا الخبر إنما رواه من طرق المخالفين ونحن لا نصححه، وعلى تقدير صحته
يحتمل أن يكون أخذه عليه السلام قبل القسمة مع كون حقه فيها مكروها. 23 - قب: فضائل
أحمد: أم كلثوم: يا با صالح لو رأيت أمير المؤمنين عليه السلام
(1) النهاية 3: 246. (2) النهاية 1: 269.
(3) في المصدر: لاوجعنك. (4) في المصدر: تقدر عليه. (5) مناقب آل ابى طالب 1: 312.
[113]
وأتي بأترج، فذهب الحسن أو الحسين يتناول
أترجة، فنزعها من يده ثم أمر به فقسم بين الناس. إن رجلا من خثعم رأي الحسن والحسين
عليهما السلام يأكلان خبزا وبقلا وخلا فقلت لهما (1): أتأكلان من هذا وفي الرحبة ما
فيها ؟ فقالا: ما أغفلك عن أمير المؤمنين عليه السلام ! عن زاذان إن قنبرا قدم إلى
أمير المؤمنين عليه السلام جامات من ذهب وفضة في الرحبة وقال: إنك لا تترك شيئا إلا
قسمته، فخبأت لك هذا، فسل سيفه وقال: ويحك لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا، ثم
استعرضها بسيفه فضربها حتى انتثرت من بين إناء مقطوع بضعة وثلاثين، وقال: علي
بالعرفاء، فجاؤوا، فقال: هذا بالحصص وهو يقول: هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده
إلى فيه جمل أنساب الاشراف أنه أعطته الخادمة في بعض الليالي قطيفة، فأنكر دفأها
(2) فقال: ما هذه ؟ قالت الخادمة: هذه من قطف الصدقة، قال: أصردتمونا (3) بقية
ليلتنا. وقدم عليه عقيل فقال للحسن: اكس عمك، فكساه قميصا من قمصه ورداء من أرديته،
فلما حضر العشاء فإذا هو خبز وملح، فقال عقيل: ليس إلا ما أرى ؟ فقال: أو ليس هذا
من نعمة الله وله الحمد كثيرا، فقال: أعطني ما أقضي به ديني وعجل سراحي حتى أرحل
عنك، قال: فكم دينك يا أبا يزيد ؟ قال: مائة ألف درهم، قال: لا والله ما هي عندي
ولا أملكها، ولكن اصبر حتى يخرج عطائي فاواسيكه ولولا أنه لابد للعيال من شئ
لاعطيتك كله، فقال عقيل: بيت المال في يدك وأنت تسوفني إلى عطائك ؟ وكم عطاؤك ؟ وما
عساه يكون ولو أعطيتنيه كله ؟
(1) كذا في النسخ وفي المصدر: فقال لهما.
(2) الدفء: نقيض حدة البرد. (3) صرد الرجل: كان قويا على احتمال البرد.
[114]
فقال: ما أنا وأنت فيه إلا بمنزلة رجل من
المسلمين، وكانا يتكلمان فوق قصر الامارة مشرفين على صناديق أهل السوق فقال له علي:
إن أبيت يا با يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله وخذ ما فيه،
فقال: وما في هذه الصناديق ؟ قال: فيها أموال التجار، قال: أتأمرني أن أكسر صناديق
قدم قد توكلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فاعطيك أموالهم وقد توكلوا على الله وأقفلوا
عليها ؟ وإن شئت أخذت سيفك وأخذت سيفي وخرجنا جميعا إلى الحيرة، فإن بها تجارا
مياسير، فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله، فقال: أو سارقا جئت ؟ قال: تسرق من واحد خير
من أن تسرق عن المسلمين جميعا، قال له: أفتأذن لي أن أخرج إلى معاوية ؟ فقال له: قد
أذنت لك، قال: فأعني على سفري هذا، فقال: يا حسن أعط عمك أربعمائة درهم، فخرج عقيل
وهو يقول: سيغنيني الذي أغناك عني * ويقضي ديننا رب قريب وذكر عمرو بن علاء (1) أن
عقيلا لما سأل عطاءه من بيت المال قال له أمير المؤمنين عيه السلام: تقيم إلى يوم
الجمعة، فأقام فلما صلى أمير المؤمنين الجمعة قال لعقيل: ما تقول فيمن خان هؤلاء
أجمعين ؟ قال: بئس الرجل ذاك، قال: فأنت تأمرني أن أخون هؤلاء وأعطيك. ومن خطبة له
عليه السلام: ولقد رأيت عقيلا وقد أملق (2) حتى استماحني من بركم صاعا. وعاودني في
عشر وسق من شعيركم يقضمه (3) جياعه، وكاد يطوي ثالث أيامه خامصا ما استطاعه، ولقد
رأيت أطفاله شعث الالوان من ضرهم كأنما اشمأزت وجوههم من قرهم (4). فلما عاودني في
قوله وكرره أصغيت إليه سمعي.
(1) في المصدر: عمرو بن عاد. (2) أملق:
انفق ماله حتى افتقر. أملق الدهر ماله: أذهبه وأخرجه من يده. (3) قضمه: كسره بأطراف
أسنانه فأكله. (4) القر - بضم القاف - البرد.
[115]
فغره وظنني اوتغ ديني (1) وأتبع ما أسره
أحميت له حديدة لينزجر إذ لا يستطيع مسها ولا يصبر، ثم أدنيتها من جسمه، فضج من
ألمه ضجيج دنف يئن من سقمه وكاد يسبني سفها من كظمه ولحرقه في لظى ادني له من عدمه،
فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من أذى ولا أئن من لظى (2) ؟ وعن أم عثمان أم
ولد علي قالت: جئت عليا وبين يديه قرنفل مكتوب (3) في الرحبة، فقلت: يا أمير
المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة، فقال: هاك ذا. ونفذ بيده إلي درهما -
فإنما هذا للمسلمين أولا، فاصبري حتى يأتينا حظنا منه، فنهب لابنتك قلادة. وسأله
عبد الله بن زمعة مالا فقال: إن هذا المال ليس لي ولا لك، وإنما هو فئ للمسلمين
وجلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم، و إلا فجناة أيديهم لا تكون
لغير أفواههم. وجاء إليه عاصم بن ميثم وهو يقسم مالا، فقال: يا أمير المؤمنين إني
شيخ كبير مثقل، قال: والله ما هو بكد يدي ولا بتراثي عن والدي، ولكنها أمانة أو
عيتها ثم قال: رحم الله من أعان شيخا كبيرا مثقلا. تاريخ الطبري وفضائل أمير
المؤمنين عليه السلام عن ابن مردويه أنه لما أقبل من اليمن يعجل (4) إلى النبي صلى
الله عليه وآله واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل
رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي عليه السلام فلما دنا جيشه خرج علي عليه
السلام ليتلقاهم فإذا هم عليهم الحلل ! فقال: ويلك ما
(1) أوتغ دينه: أفسده. (2) الخطبة في نهج
البلاغة مع اختلافات، راجع ج 1: 479 و 480. (3) القرنفل: ثمر شجرة كالياسمين. نبات
بستاني طيب الرائحة. واكتتب القربة ونحوها: خرزها بسيرين. والظاهر أن نساء العرب
كانت تتزين به. وفي (ك) " مكتوب " ويأتي معناه في البيان. (4) في المصدر: تعجل.
[116]
هذا ؟ قال: كسوتهم ليتجملوا به إذا قدموا
في الناس، قال: ويلك من قبل أن تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال:
فانتزع الحلل من الناس وردها في البز (1) وأظهر الجيش شكاية لما صنع بهم. ثم روي عن
الخدري أنه قال: شكا الناس عليا، فقام رسول الله خطيبا فقال: [يا] أيها الناس لا
تشكوا عليا فوالله إنه لخشن في ذات الله. وسمعت مذاكرة أنه دخل عليه عمرو بن العاص
ليلة وهو في بيت المال فطفئ السراج وجلس في ضوء القمر، ولم يستحل أن يجلس في الضوء
بغير استحقاق (2). ومن كلام له فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان: والله لو
وجدته قد تزوج به النساء وملك به الاماء لرددته، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه
العدل فالجور عليه أضيق. ومن كلام له لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان:
دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا يقوم لها القلوب ولا
يثبت عليه العقول، وإن الآفات قد أغامت (3) والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن
أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب. وفي رواية عن أبي
الهيثم بن التيهان و عبد الله بن أبي رافع أن طلحة والزبير جاء إلى أمير المؤمنين
عليه السلام وقالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر، قال: فما كان يعطيكما رسول الله صلى
الله عليه وآله ؟ فسكتا، قال: أليس كان رسول الله يقسم بالسوية بين المسلمين ؟
قالا: نعم، قال: فسنة رسول الله صلى الله عليه وآله أولى بالاتباع عندكم أم سنة عمر
؟ قالا: سنة رسول الله صلى الله عليه وآله يا أمير المؤمنين لنا سابقة وعناء
وقرابة، قال: سابقتكما أسبق أم سابقتي ؟ قالا: سابقتك، قال: فقرابتكما أم قرابتي
قالا: قرابتك، قال: فعناؤكما أعظم من عنائي ؟ قالا: عناؤك، قال: فوالله ما أنا
وأجيري هذا إلا بمنزلة
(1) البز: الثياب من الكتان أو القطن. (2)
في المصدر: من غير استحقاق. (3) أي أحاطت من كل جهة كالغيم.
[117]
واحدة - وأومأ بيده إلى الاجير -. كتاب
ابن الحاشر بإسناده إلى مالك بن أوس بن الحدثان في خبر طويل أنه قام سهل بن حنيف
فأخذ بيد عبده فقال: يا أمير المؤمنين قد أعتقت هذا الغلام فأعطاه ثلاثة دنانير مثل
ما أعطى سهل بن حنيف. وسأله بعض مواليه مالا فقال: يخرج عطائي فأقاسمكه، فقال: لا
أكتفي وخرج إلى معاوية فوصله، فكتب إلى أمير المؤمنين يخبره بما أصاب من المال،
فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام: أما بعد فإن ما في يدك من المال قد كان له
أهل قبلك، و هو سائر إلى أهل من بعدك، فإنما لك ما مهدت لنفسك، فآثر نفسك على أحوج
ولدك، فإنما أنت جامع لاحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت وإما
رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له، وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على
نفسك، ولا تبرد له على ظهرك، فارج لمن مضى رحمة الله، وثق لمن بقي برزق الله (1).
بيان: [قال الفيروز آبادي: أحين القوم: حان لهم ما حاولوه (2). وقال: الكثب: الجمع
والصب (3). وقال: أغامت السماء: ظهر فيها الغيم (4)] وقال: برد حقي: وجب ولزم. 24 -
قب: حكيم بن أوس كان علي عليه السلام يبعث إلينا بزقاق العسل فيقسم فينا، ثم يأمر
أن يلعقوه، وأتي إليه بأحمال فاكهة، فأمر ببيعها وأن يطرح ثمنها في بيت المال. سعيد
بن المسيب: رأيت عليا بنى للضوال مربدا، فكان يعلفها علفا لا يسمنها
(1) مناقب آل أبى طالب 1: 312 - 315. (2)
القاموس 4: 218. (3) القاموس 1: 121 (4) القاموس 4: 158.
[118]
ولا يهزلها من بيت المال، فمن أقام عليها
بينة أخذه وإلا أقرها على حالها (1). بيان: المربد كمنبر: الموضع الذي يحبس فيه
الابل والغنم. 25 - قب: عاصم بن ميثم أنه أهدي إلى علي عليه السلام سلال خبيص له
خاصة فدعا بسفرة فنثره عليه، ثم جلسوا حلقتين يأكلون. أبو حريز إن المجوس أهدوا
إليه يوم النيروز جامات من فضة فيها سكر فقسم السكر بين أصحابه وحسبها من جزيتهم،
وبعث إليه دهقان بثوب منسوخ بالذهب، فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة آلاف درهم إلى
العطاء. الحلية وفضائل أحمد: عاصم بن كليب عن أبيه أنه قال: أتي علي بمال من
إصفهان، وكان أهل الكوفة أسباعا، فقسمه سبعة أسباع، فوجد فيه رغيفا فكسره بسبعة
كسر، ثم جعل على كل جزء كسرة، ثم دعا امراء الاسباع فأقرع بينهم. فضائل أحمد إنه
رأى حبلا في بيت المال فقال: أعطوه الناس، فأخذه بعضهم. مجالس ابن مهدي إنه تخاير
غلامان في خطيهما إلى الحسن، فقال: انظر [ماذا] تقول فإنه حكم، وكان عليه السلام
قوالا للحق، قواما بالقسط، إذا رضي لم يقل غير الصدق، وإن سخط لم يتجاوز جانب الحق
(2). 16 - شى: عن ابن نباتة قال: بينما علي عليه السلام يخطب يوم جمعة على المنبر
فجاء الاشعث بن قيس يتخطى رقاب الناس، فقال: يا أمير المؤمنين [حالت] الخملاء بيني
وبين وجهك، قال: فقال علي عليه السلام: مالي وما للضياطرة ؟ أطرد قوما غدوا أول
النهار يطلبون رزق الله، وآخر النهار ذكروا الله، أفأطردهم فأكون كالظالمين (3).
بيان: قال الجزري: في حديث علي عليه السلام: " من يعذرني من هؤلاء الضياطرة " هم
الضخام الذين لا غناء عندهم الواحد: ضيطار، والياء زائدة (4).
(1) مناقب آل أبى طالب 1: 315. (2) مناقب
آل ابى طالب 1: 315 و 316. (3) تفسير العياشي 1: 360 وفى (خ) و (م): فأكون من
الظالمين. (4) النهاية 3: 19.
[119]
27 - كشف: عن الحافظ عبد العزيز، عن موسى
بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال الحسين عليه السلام: جاء رجل إلى أمير
المؤمنين علي عليه السلام يسعى بقوم، فأمرني أن دعوت له قنبرا، فقال له علي عليه
السلام اخرج إلى هذا الساعي فقل له: قد أسمعتنا ماكره الله تعالى فانصرف في غير حفظ
الله تعالى. ومن كتاب ابن طلحة روي أن سودة بنت عمارة الهمدانية دخلت على معاوية
بعد موت علي، فجعل يؤنبها (1) على تحريضها عليه أيام صفين، وآل أمره إلى أن قال: ما
حاجتك ؟ قالت: إن الله مسائلك عن أمرنا وما افترض عليك من حقنا ولا يزال يتقدم (2)
علينا من قبلك من يسمو بمكانك ويبطش بقوة سلطانك، فيحصدنا حصيد السنبل ويدوسنا دوس
الحرمل، يسومنا الخسف (3) ويذيقنا الحتف، هذا بشر بن أرطاة قدم علينا فقتل رجالنا،
وأخذ أموالنا، ولولا الطاعة لكان فينا عز و منعة، فإن عزلته عنا شكرناك وإلا
كفرناك، فقال معاوية: إياي تهد دين بقومك يا سودة ؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشوس
فأردك إليه فينفذ فيك حكمه فأطرقت سودة ساعة ثم قالت: صلى الاله على روح تضمنها *
قبر فأصبح فيه العدل مدفونا - قد حالف الحق لا يبغى به بدلا * فصار بالحق والايمان
مقرونا فقال معاوية: من هذا يا سودة ؟ قالت: هو والله أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب والله لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا، فصادفته قائما يصلي،
فلما رآني انفتل من صلاته ثم أقبل علي برحمة ورفق ورأفة وتعطف، وقال: ألك حاجة ؟
قلت: نعم، فأخبرته الخبر، فبكى ثم قال: اللهم أنت الشاهد علي و عليهم، وأني لم
آمرهم بظلم خلقك (4)، ثم أخرج قطعة جلد فكتب فيها:
(1) أنبه: عنفه ولامه. (2) في المصدر و
(خ): يقدم. (3) الحرمل: نبات كالسمسم. وسامه خسفا: أذله. (4) في المصدر بعد ذلك:
ولا بترك حقك -
[120]
" بسم الله الرحمن الرحيم قد جاءتكم بينة
من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الارض بعد
إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين، فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من
عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام ". ثم دفع الرقعة إلي، فوالله ما ختمها
بطين ولا خزنها، (1) فجئت بالرقعة إلى صاحبه (2) فانصرف عنا معزولا، فقال معاوية:
اكتبو لها كما تريد، واصرفوها إلى بلدها غير شاكية (3). بيان: قوله: (أشوس) الشوس:
النظر بمؤخر العين تكبرا وغيظا، وهو لا يناسب المقام، ولعله تصحيف " أشرس " يقال:
رجل أشرس أي عسر شديد الخلاف، والشرس بالكسر ما صغر من الشوك. قولها: (قد حالف
الحق) أي صار حليفه وحلف أن لا يفارقه. 28 - إرشاد القلوب: دخل ضرار بن ضمرة الليثي
على معاوية، فقال له: صف لي عليا، فقال: أو تعفيني (4) من ذلك، فقال: لا أعفيك،
فقال: كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من
جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته،
كان والله غريز العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفيه، (5) ويخاطب نفسه، ويناجي ربه،
يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، كان والله فينا كأحدنا يدنينا إذا
أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه وكان (6) مع دنوه منا وقربنا منه لا نكلمه
(1) في المصدر: ولا خزمها (2) في (ك) إلى
صاحبها. (3) كشف الغمة: 50. (4) في المصدر: أولا تعفيني. (5) في المصدر: يقلب كفه
(6) في المصدر: وكنا.
[121]
لهيبتهه، ولا نرفع عيننا لعظمته، (1) فإن
تبسم فمن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم (2) أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في
باطله، لا ييأس الفقير (3) من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى
الليل سدوله، وغارت نجومه وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم
ويبكي بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه وهو يقول: يا دنيا دنية (4) أبي تعرضت ؟ أم
إلي تشوقت ؟ هيهات هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك، قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيها،
(5) فعمرك قصير وخطرك يسير وأملك حقير، آه آه من قلة الزاة وبعد السفر، ووحشة
الطريق وعظم المورد فو كفت (6) دموع معاوية على لحيته فنشفها بكمه، (7) واختنق
القوم بالبكاء ثم قال: كان والله أبو الحسن كذلك، فكيف صبرك عنه يا ضرار ؟ قال: صبر
من ذبح واحدها (8) على صدرها، فهي لا ترقى عبرتها ولا تسكن حسرتها، (9) ثم قام وخرج
وهو باك، فقال معاوية، أما إنكم لو فقدتموني لما كان فيكم من يثني علي هذا الثناء
فقال بعض من حضر: (10) الصاحب على قدر صاحبه (11). توضيح: قوله: بعيد المدى، المدى:
الغاية، وهو كناية عن علو همته في
(1) في المصدر: ولا نرفع أعيننا إليه
لعظمته. (2) في المصدر: يقرب. (3) في المصدر: ولا ييأس الضعيف. (4) في المصدر: يا
دنيا يا دنيا. (5) بته وبتته: قطعه. وفي المصدر: قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لى فيك.
(6) وكف الدمع ونحوه: سال. وفي المصدر: فسالت. (7) نشف الماء: أخذه من مكانه بخرقة
ونحوها فما بقى منه شئ. (8) في المصدر: ولدها. (9) في المصدر: حرارتها. (10) في
المصدر: بعض من كان حاضرا. (11) الارشاد للديلمي 2: 13 و 14.
[122]
تحصيل الكمالات، أو عن رفعة محلة في
السعادات حيث لا يصل إليه أحد في شئ من فضائله. قوله: (تنطق الحكمة من نواحيه) أي
لكثرة وفور حكمه كأن الحكمة ناطقة في جوانبه ونواحيه، فيستفاد منه الحكمة من غير أن
ينطق بها، وفي بعض النسخ بالفاء، أي تتقاطر وتجري ولعله أبلغ. 29 - كا: عدة من
أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن علي، عن أحمد بن عمرو بن سليمان
البجلي، عن إسماعيل بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب ابن ميثم التمار، عن إبراهيم بن
إسحاق المدائني، عن رجل، عن أبي مخنف الازدي قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام
رهط من الشيعة فقالوا: يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الاموال ففرقتها في هؤلاء
الرؤساء والاشراف وفضلتهم علينا حتى إذا استوسقت الامور (1) عدت إلى أفضل ما عودك
الله من القسم بالسوية والعدل في الرعية، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ويحكم
أتأمروني (2) أن أطلب النصر بالجور (3) فيمن وليت عليه من أهل الاسلام ؟ لا والله
لا يكون ذلك ما سمر السمير وما رأيت في السماء نجما، والله لو كانت أموالهم مالي
لساويت بينهم، فكيف وإنما هي أموالهم قال: ثم أرم ساكتا طويلا ثم رفع رأسه فقال: من
كان فيكم له مال فإياكم (4) والفساد، فإن إعطاءه في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع
ذكر صاحبه في الناس ويضعه عند الله، ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه وعند غير أهله
إلا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودهم، فإن بقي معه منهم بقية ممن يظهر الشكر له
ويريه النصح فإنما ذلك ملق منه وكذب، فإن زلت بصاحبهم النعل ثم احتاج إلى معونتهم
ومكافاتهم فألام خليل وشر خدين، ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا لم
يكن له من الحظ فيما أتى إلا محمدة اللئام وثناء الاشرار مادام عليه منعما
(1) أي استجمعت وانضمت. (2) في المصدر:
أتأمروني ويحكم (3) في المصدر: بالظلم والجور. (4) في المصدر: فاياه.
[123]
مفضلا ومقالة الجاهل: ما أجوده ! وهو عند
الله بخيل، فأي حظ أبور وأخسر من هذا الحظ ؟ وأي فائدة معروف أقل من هذا المعروف ؟
فمن كان منكم له مال فليصل به القرابة، وليحسن منه الضيافة، وليفك به العاني
والاسير وابن السبيل فإن الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا وشرف الآخرة (1). بيان:
أرم بتشديد الميم والراء المهملة والمعجمة أي سكت: والعاني: الاسير وكل من ذل
واستكان وخضع. 30 - كا: محمد بن علي وغيره، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن
الحكم عن رجل، عن حبيب بن أبي ثابت قال: جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام عسل
وتين من همدان وحلوان (2)، فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى، فأمكنهم من رؤوس
الازقاق يلعقونها، وهو يقسمها للناس قدحا قدحا، فقيل له: يا أمير المؤمنين مالهم
يلعقونها ؟ فقال: إن الامام أبو اليتامى، وإنما ألعقتهم هذا برعاية الآباء (3). 31
- كا: بعض أصحابنا (4)، عن إبراهيم بن الاسحاق الاحمر، عن عبد الله بن حماد
الانصاري، عن صباح المزني، عن الحارث بن حصيرة، عن الاصبغ قال: كان أمير المؤمنين
عليه السلام إذا أراد أن يوبخ الرجل يقول: والله لانت أعجز من التارك الغسل يوم
الجمعة، وإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الاخرى (5). 32 - كا: علي بن محمد، عن صالح
بن أبي حماد، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وغيرهما بأسانيد مختلفة في احتجاج
أمير المؤمنين على عاصم بن زياد حين لبس العباء وترك الملاء وشكاه أخوه الربيع بن
زياد إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه
(1) فروع الكافي (الجزء الرابع من الطبعة
الحديثة): 31 و 32. (2) همدان في النسخ والمصدر بالمهملة وفي المراصد والقاموس
بالمعجمة بلد معروف. وحلوان بالضم فالسكون اسم مواضع. منها حلوان العراق، وهى آخر
حدود السواد مما يلى الجبال، اكثر ثمارها التين، وتينها يسمى " باه الخير " لجودته.
(3) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة): 406. (4) في المصدر: عدة من
أصحابنا. (5) فروع الكافي (الجزء الثالث من الطبعة الحديثة). 42.
[124]
قد غم أهله وأحزن ولده بذلك فقال أمير
المؤمنين عليه السلام، علي بعاصم بن زياد، فجيئ به، فلما رآه عبس في وجهه، فقال له:
أما استحييت من أهلك، أما رحمت ولدك ؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها
؟ أنت أهون على الله من ذلك، أو ليس الله يقول: " والارض وضعها للانام فيها فاكهة
والنخل ذات الاكمام (1) " ؟ أو ليس يقول: " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا
يبغيان (2) " - إلى قوله -: " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (3) " فبالله لابتذال نعم
الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال وقد قال الله عزوجل: " واما بنعمة ربك
فحدث (4) " فقال عاصم يا أمير المؤمنين فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي
ملبسك على الخشوبة ؟ فقال: ويحك إن الله تعالى فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم
بضعفة الناس كيلا يتبيغ (5) بالفقير فقره، فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء
(6). 33 - فر: القاسم بن حماد الدلال معنعنا عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما نزلت
خمس آيات " أمن خلق السماوات والارض وأنزل لكم من السماء ماء " إلى قوله: " إن كنتم
صادقين (7) وعلي بن أبي طالب عليه السلام إلى جنب النبي صلى الله عليه وآله فانتقض
انتقاض العصفور (8) قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: مالك يا علي ؟ قال:
عجبت من جرأتهم على الله وحلم الله عنهم، قال: فمسحه رسول الله صلى الله عليه وآله
ثم قال: ابشر يا علي فإنه لا يحبك منافق ولا يبغضك مؤمن، ولولا أنت
(1) سورة الرحمن: 10 و 11. (2) سورة
الرحمن: 19 و 20. (3) سورة الرحمن: 22. (4) سورة الضحى: 11. (5) التبيغ: الهيجان
والغلبة. (6) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة): 410 و 411. والملاء:
ثوب يلبس على الفخذين. (7) سورة النمل: 60 - 64. (8) كذا في النسخ والمصدر، والظاهر
" فانتفض انتفاض العصفور " أي ارتعد.
[125]
لم يعرف حزب الله وحزب رسوله (1)). 34 -
كا: العدة، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن مرازم بن حكيم عن عبد الاعلى مولى
آل سام قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إن الناس يرون أن لك مالا كثيرا، فقال:
ما يسوؤني ذاك، إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه مر ذات يوم على ناس شتى من قريش
وعليه قميص مخرق، فقالوا: أصبح علي لا مال له، فسمعها أمير المؤمنين عليه السلام
فأمر الذي يلي صدقته أن يجمع تمره ولا يبعث إلى إنسان شيئا وأن يوفره. ثم قال له:
بعه الاول فالاول واجعلها دراهم، ثم اجعلها حيث تجعل التمر فاكبسه معه حيث ترى (2)،
وقال للذي يقوم عليه: إذا دعوت بالتمر فاصعد وانظر المال فاضربه برجلك كأنك لا تعمد
الدراهم حتى تنثرها ثم بعث إلى رجل رجل منهم يدعوه (3) ثم دعا بالتمر، فلما صعد
ينزل بالتمر ضرب برجله فانتثرت الدراهم، فقالوا: ما هذا يا أبا الحسن ؟ فقال: هذا
مال من لا مال له، ثم أمر بذلك المال، فقال: انظروا أهل كل بيت كنت أبعثه إليهم
فانظروا ماله وابعثوا إليه (4). 35 - كا: العدة، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن
ابن فضال جمعيا، عن يونس بن يعقوب، عن أبي بصير قال: بلغ أمير المؤمنين صلوات الله
عليه أن طلحة والزبير يقولان: ليس لعلي مال، قال: فشق ذلك عليه فأمر وكلاءه أن
يجمعوا غلته، حتى إذا حال الحول أتوه وقد جمعوا من ثمن الغلة مائة ألف درهم، فنشرت
بين يديه، فأرسل إلى طلحة والزبير فأتياه، فقال لهما: هذا المال والله (5) ليس
(1) تفسير فرات: 115. (2) الكبس: الجمع.
وفي المصدر: فاكبسه معه حيث لا يرى. (3) في المصدر: يدعوهم. (4) فروع الكافي (الجزء
السادس من الطبعة الحديثة): 439. (5) في المصدر: هذا المال والله لى اه.
[126]
لاحد فيه شئ، وكان عندهما مصدقا، قال:
فخرجا من عنده وهما يقولان: إن له مالا (1) !. 36 - كا: علي، عن أبيه، عن حماد بن
عيسى، عن حريز، عن بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بعث
أمير المؤمنين عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها، فقال: يا عبد الله انطلق
وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له، ولا تؤثرن دنياك على آخرتك، وكن حافظا لما
ائتمنتك عليه، مراعيا (2) لحق الله فيه، حتى تأتي نادي بني فلان، فإذا قدمت فانزل
بمائهم من غير أن تخالط أبيانهم، ثم امض إليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فتسلم
(3) عليهم، ثم قل لهم: يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في
أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه (4) إلى وليه ؟ فإن قال لك قائل: لا فلا
تراجعه، وإن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيرا، فإذا
أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له، فقل: يا عبد الله أتأذن لي في دخول
مالك ؟ فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه، ولا عنف به، فاصدع المال صدعين،
ثم خيره أي الصدعين شاء، فأيهما اختار فلا تعرض له، ثم اصدع الباقي صدعين (5)، ثم
خيره فأيهما اختار فلا تعرض له ولا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله تبارك
وتعالى في ماله (6)، فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه، وإن استقالك فأقله، ثم
اخلطهما (7) واصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله، فإذا قبضته فلا
توكل به إلا ناصحا.
(1) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة
الحديثة) 440 وفيه: إن له لمالا. (2) في المصدر: راعيا. (3) في المصدر: وتسلم (4)
في المصدر: فتؤدون. (5) الصدع - بكسر الصاد -: نصف الشئ. (6) في المصدر: من ماله.
(7) في المصدر: ثم اخلطها.
[127]
شفيقا أمينا حفيظا، غير معنف بشئ (1)
منها، ثم احدر كل ما اجتمع عندك من كل ناد إلينا نصيره حيث أمر الله عزوجل، فإذا
انحدر فيها (2) رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها، ولا يفرق
بينهما، ولا يمصرن لبنها فيضر ذلك بفصيلها، ولا يجهد بها ركوبا، وليعدل بينهن في
ذلك، وليوردهن كل ماء يمر به، ولا يعدل بهن عن نبت الارض إلى جواد الطريق في الساعة
التي فيها تريح وتغبق، وليرفق بهن جهده حتى يأتينا بإذن الله سحاحا سمانا غير
متعبات ولا مجهدات، فنقسمهن (3) بإذن الله على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه
وآله على أولياء الله فإن ذلك أعظم لاجرك وأقرب لرشدك، ينظر الله إليها وإليك وإلى
جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما
ينظر الله إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة له ولامامه إلا كان معنا في
الرفيق الاعلى. قال: ثم بكى أبو عبد الله عليه السلام ثم قال: يا بريد لا والله ما
بقيت لله حرمة إلا انتهك (4)، ولا عمل بكتاب الله ولا سنة نبيه في هذا العالم، ولا
أقيم في هذا الخلق حد منذ قبض الله أمير المؤمنين عليه السلام، ولا عمل بشئ من الحق
إلى يوم الناس هذا، ثم قال: أما والله لا تذهب الايام والليالي حتى يحيي الله
الموتى ويميت الاحياء ويرد الله الحق إلى أهله ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه
صلى الله عليه وآله، فابشروا ثم ابشروا ثم ابشروا فوالله ما الحق إلا في أيديكم
(5). بيان: أوعز إليه: تقدم، وقال في النهاية: في حديث علي عليه السلام " ولا يمصرن
لبنها فيضر ذلك بولدها " المصر: الحلب بثلاث أصابع، يريد: لا يكثر من أخذ لبنها
(6).
(1) في المصدر: لشئ. (2) في المصدر: بها.
(3) في المصدر: فيقسمن. (4) في المصدر: الا انتهكت. (5) فروع الكافي (الجزء الثالث
من الطبعة الحديثة): 536 - 538. (6) النهاية 4: 97.
[128]
وقال ابن إدريس في السرائر: سمعت من يقول:
وتغبق - بالغين المعجمة والباء - يعتقد أنه من الغبوق وهو الشرب بالعشي، وهذا تصحيف
فاحش وخطاء قبيح، وإنما هو تعنق - بالعين غير المعجمة والنون - من العنق وهو الضرب
من سير الابل وهو سير شديد، قال الراجز: يا ناق سيري عنقا فسيحا * إلى سليمان
فتستريحا والمعنى: لا يعدل بهن عن نبت الارض إلى جواد الطرق في الساعات التي فيها
مشقة (1)، ولاجل هذا قال: " تريح " من الراحة، ولو كان من الرواح لقال: " تروح "
وما كان يقول: " تريح " ولان الرواح عند العشي يكون وقريبا منه والغبوق هو شرب
العشي على ما ذكرناه، فلم يبق له معنى وإنما المعنى ما بيناه (2) وقال الجوهري: سحت
الشاة تسح - بالكسر - سحوحا وسحوحة أي سمنت، و غنم سحاح أي سمان (3). أقول: رواه في
نهج البلاغة (4) بتغيير وأوردته في كتاب الفتن. 37 - كا: عدة من أصحابنا، عن سهل بن
زياد، عن علي بن أسباط، عن أحمد بن معمر قال: أخرني أبو الحسن العرني قال: حدثني
إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن رجل من ثقيف قال: استعملني علي بن أبي طالب عليه
السلام على بانقيا وسواد من سواد الكوفة، فقال لي والناس حضور: انظر خراجك فجد فيه،
ولا تترك منه درهما، وإذا أردت أن تتوجه إلى عملك فمربي، فأتيته (5) فقال لي: إن
الذي سمعت مني خدعة، إياك أن تضرب مسلما أو يهوديا أو نصرانيا في درهم خراج، أو
تبيع دابة عمل في درهم، فإنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو (6).
(1) في المصدر: في الساعات التى لها فيها
راحة ولا في الساعات التى عليها فيها مشقة. (2) السرائر: 107. (3) الصحاح: 373. (4)
راجع ج 2: 24 - 26. (5) في المصدر: قال فأتيته. (6) فروع الكافي (الجزء الثالث من
الطبعة الحديثة): 540.
[129]
بيان: قال ابن إدريس في السرائر: بانقيا
هي القادسية وما والاها من أعمالها وإنما سميت القادسية بدعوة إبراهيم عليه السلام
فإنه قال: " كوني مقدسة " أي مطهرة، وإنما سمي بانقيا لان إبراهيم اشتراها بمائة
نعجة من غنمه، لان " با " مائة و " نقيا " شاة بلغة النبط، وقد ذكر بانقيا أعشى قيس
في شعر، وفسره علماء اللغة ووافقوا كتب الكوفة من السير بما ذكرناه (1). وقال
الجزري: فيه " أمر الله نبيه عليه السلام أن يأخذ العفو من أخلاق الناس " هو السهل
المتيسر، أي أمره أن يحتمل أخلاقهم ويقبل منها ما سهل وتيسر، ولا يستقصي عليهم (2).
وقال الجوهري: عفو المال: ما يفضل عن النفقة (3). 38 - كا: علي، عن أبيه، عن علي بن
أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم عن أبي الحسن العبدي، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن
نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم وهو يخطب على المنبر بالكوفة: يا
أيها الناس لولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ألا إن لكل غدرة فجرة، ولكل فجرة
كفرة، ألا وإن الغدر والفجور والخيانة في النار (4). 39 - كا: علي، عن أبيه، عن
النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مر أمير المؤمنين عليه
السلام على جارية قد اشترت لحما من قصاب، وهي تقول: زدني، فقال [له] أمير المؤمنين
عليه السلام: زدها فإنه أعظم للبركة (5). 40 - كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد،
عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن الحسن الصيقل قال: سمعت أبا عبد الله عليه
السلام يقول: إن ولي علي عليه السلام لا يأكل إلا الحلال، لان صاحبه كان كذلك، وإن
ولي عثمان لا يبالي أحلالا
(1) السرائر: 110. وفيه: من أهل السير.
(2) النهاية 3: 111 (3) الصحاح: 2432. (4) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة
الحديثة): 338. (5) فروع الكافي الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 152.
[130]
أكل أو حراما، لان صاحبه كذلك، قال: ثم
عاد إلى ذكر علي عليه السلام فقال: أما والذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما
قليلا ولا كثيرا حتى فارقها، ولا عرض له أمران كلاهما لله طاعة إلا أخذ بأشدهما على
بدنه، ولا نزلت برسول، الله صلى الله عليه وآله شديده قط إلا وجهه فيها ثقة به، ولا
أطاق أحد من هذه الامة عمل رسول الله صلى الله عليه وآله بعده غيره، ولقد كان يعمل
عمل رجل كأنه ينظر إلى الجنة و النار، ولقد أعتق ألف مملوك من صلب ماله، كل ذلك
تحفى فيه يداه (1) وتعرق فيه جبينه، التماس وجه الله عزوجل والخلاص من النار، وما
كان قوته إلا الخل والزيت وحلواه التمر إذا وجده، وملبوسه الكرابيس، فإذا فضل عن
ثيابه شئ دعا بالجلم فجزه (2). بيان: الحفا رقة: القدم من المشي، والجلم بالتحريك:
المقراض. 41 - كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن معاوية ابن
وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أكل رسول الله متكئا منذ بعثه الله عزوجل
إلى أن قبضه تواضعا لله عزوجل، وما رأى ركبتيه أمام جليسه في مجلس قط، ولا صافح
رسول الله صلى الله عليه وآله رجلا قط فنزع يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده
ولا كافى رسول الله صلى الله عليه وآله بسيئة قط، قال الله له: " ادفع بالتي هي
أحسن السيئة " (3) ففعل، وما منع سائلا قط، إن كان عنده أعطى وإلا قال: يأتي الله
به، ولا أعطى على الله عزوجل شيئا قط إلا أجازه الله إن كان ليعطي الجنة فيجيز الله
عزوجل له ذلك. قال: وكان أخوه من بعده والذي ذهب بنفسه ما أكل من الدنيا حراما قط
حتى خرج منها، والله إن كان ليعرض له الامران كلاهما لله عزوجل طاعة فيأخذ بأشدهما
على بدنه، والله لقد أعتق ألف مملوك لوجه الله عزوجل دبرت فيهم يداه، والله ما أطاق
عمل رسول الله صلى الله عليه وآله من بعده أحد غيره، والله ما نزلت برسول
(1) تحفى في الشئ: اجتهد. (2) روضة
الكافي: 163 و 164. (3) سورة المؤمنون: 96. (*)
[131]
الله صلى الله عليه وآله نازلة قط إلا
قدمه فيها ثقة به منه، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليبعثه برايته فيقاتل
جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثم ما يرجع حتى يفتح الله عز وجل له (1). بيان:
دبرت بالكسر أي قرحت. 42 - كا: العدة، عن سهل، عن البزنطي، عن حماد بن عثمان، عن
زيد ابن الحسن قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان علي عليه السلام أشبه
الناس طعمة وسيرة برسول الله صلى الله عليه وآله كان يأكل الخبز والزيت ويطعم الناس
الخبز واللحم، قال: وكان علي عليه السلام يستقي ويحطب (2) وكانت فاطمة عليها السلام
تطحن وتعجن وتخبز وترقع، وكانت من أحسن الناس وجها، كأن وجنتيها وردتان، صلى الله
عليها وعلى أبيها وبعلها وولدها الطاهرين (3). 43 - كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي
عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
لما ولى علي عليه السلام صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه: ثم قال: إني والله لا
أرزؤكم من فيوكم درهما ما قام لي عذق بيثرب فلتصدقكم (4) أنفسكم: أفتروني مانعا
نفسي ومعطيكم ؟ قال: فقام إليه عقيل كرم الله وجهه فقال له: الله لتجعلني وأسود
بالمدينة سواء، فقال اجلس أما كان ههنا أحد يتكلم غيرك ؟ وما فضلك عليه إلا بسابقة
أو بتقوى (5). 44 - ل: الطالقاني، عن الحسن بن علي العدوي، عن محمد بن خليلان بن
علي العباسي، عن أبيه، عن آبائه قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام خصصنا بخمسة:
بفصاحة وصباحة وسماحة ونجدة وحظوة عند النساء (6).
(1) لم نظفر به في المصدر. (2) في المصدر:
ويحتطب. (3) روضة الكافي: 165. (4) في المصدر: فليصدقكم. (5) روضة الكافي: 182. (6)
الخصال 1: 138.
[132]
45 - دعوات الرواندى: قيل لامير المؤمنين
عليه السلام: ما شأنك جاورت المقبرة ؟ فقال: إني أجدهم جيران صدق، يكفون السيئة
ويذكرون الآحرة وقال زين العابدين عليه السلام: ما اصيب أمير المؤمنين عليه السلام
بمصيبة إلا صلى في ذلك اليوم ألف ركعة، وتصدق على ستين مسكينا، وصام ثلاثة أيام
(1). أقول: قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: روى قيس بن الربيع عن
يحيى بن هانئ المرادي، عن رجل من قومه يقال له: زياد بن فلان: قال: كنا في بيت مع
علي عليه السلام ونحن وشيعته وخواصه، فالتفت [إلينا] فلم ينكر منا أحدا، فقال: إن
هؤلاء القوم سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم ويسلمون (2) أعينكم، فقال رجل منا: وأنت
حي يا أمير المؤمنين ؟ فقال: أعاذني الله من ذلك فالتفت فإذا واحد يبكي، فقال له:
يا ابن الحمقاء أتريد باللذات في الدنيا الدرجات في الآخرة (3) ؟ إنما وعد الله
الصابرين. وروى زرارة بن أعين، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام
قال: كان علي عليه السلام إذا صلى الفجر لم يزل معقبا إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت
اجتمع إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس، فيعلمهم الفقه والقرآن، وكان له وقت
يقوم فيه من مجلسه ذلك، فقام يوما فمر برجل، فرماه بكلمة هجر - قال: ولم يسمه محمد
بن علي عليهما السلام - فرجع عوده على بدئه (4) حتى صعد المنبر، وأمر فنودي: الصلاة
جامعة، فحمد الله وأثنى عليه (5) ثم قال: أيها الناس إنه ليس شئ أحب إلى الله ولا
أعم نفعا من حلم إمام وفقهه، ولا شئ أبغض إلى الله ولا أعم ضررا من
(1) مخطوط. (2) سمل عينه: فقأها. (3) في
المصدر: أتريد اللذات في الدنيا والدرجات في الاخرة. (4) أي رجع في الطريق الذى جاء
منه. (5) في المصدر بعد ذلك: وصلى على نبيه.
[133]
جهل إمام وخرقه (1)، ألا وإنه من لم يكن
له من نفسه واعظ لم يكن له من الله حافظ، ألا وإنه من أنصف من نفسه لم يزده الله
إلا عزا، ألا وإن الذل في طاعة الله أقرب إلى الله من التعزز في معصيته، ثم قال:
أين المتكلم آنفا ؟ فلم يستطع الانكار، فقال: ها أنا ذا يا أمير المؤمنين، فقال:
أما إني لو أشاء لقلت، فقال: أو تعفو (2) وتصفح فأنت أهل لذلك، فقال: عفوت وصفحت،
فقيل لمحمد بن علي: ما أراد أن يقول ؟ قال: أراد أن ينسبه. وروى زرارة أيضا قال:
قيل لجعفر بن محمد عليهما السلام: إن قوما ههنا ينتقصون عليا، قال: بم ينتقصونه لا
أبالهم وهل فيه موضع نقيصة ؟ والله ما عرض لعلي عليه السلام أمران قط كلاهما لله
طاعة إلا عمل بأشدهما وأشقهما عليه، ولقد كان يعمل العمل كأنه قائم بين الجنة
والنار ينظر إلى ثواب هؤلاء فيعمل له، وينظر إلى عقاب هؤلاء فيعمل له، وإن كان
ليقوم إلى الصلاة فإذا قال " وجهت وجهي " تغير لونه حتى يعرف ذلك في لونه (3)، ولقد
أعتق ألف عبد من كد يده كلهم يعرق فيه جبينه ويحفى فيه كفه، وقد بشر بعين نبعت في
ماله مثل عنق الجزور فقال: بشر الوارث، ثم جعلها صدقة على الفقراء والمساكين وابن
السبيل إلى أن يرث الله الارض ومن عليها ليصرف الله النار عن وجهه (4). وقال في
موضع آخر: روى علي بن محمد بن أبي سيف (5) المدائني عن فضيل بن الجعد قال: آكد
الاسباب كان في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين عليه السلام أمر المال فإنه لم يكن
يفضل شريفا على مشروف ولا عربيا على عجمي، ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل كما
يصنع الملوك، ولا يستميل أحدا إلى نفسه، وكان معاوية بخلاف
(1) الخرق - بضم الاول -: ضعف الرأى. سوء
التصرف. الجهل والحمق. (2) في المصدر: إن تعفو. (3) في المصدر: في وجهه. (4) شرح
النهج 1: 488 و 489. (5) في المصدر: أبى يوسف.
[134]
ذلك، فترك الناس عليا والتحقوا بمعاوية،
فشكا علي عليه السلام إلى الاشتر تخاذل أصحابه (1) وفرار بعضهم إلى معاوية، فقال
الاشتر: يا أمير المؤمنين إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل الكوفة وأهل الشام بأهل
البصرة وأهل الكوفة ورأي الناس واحد وقد اختلفوا بعد وتعادوا، وضعفت النية وقل
العدد، أنت تأخذهم بالعدل وتعمل فيهم بالحق، وتنصف الوضيع من الشريف، فليس للشريف
عندك فضل منزلة (2)، فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به، واغتموا من العدل إذ
صاروا فيه، و رأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف، فتاقت أنفس الناس إلى
الدنيا، وقل من ليس للدنيا بصاحب، وأكثرهم يجتوي (3) الحق ويشتري الباطل، ويؤثر
الدنيا، فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق الرجال، وتصفوا نصيحتهم، و
يستخلص ودهم، صنع الله لك يا أمير المؤمنين وكبت أعداءك وفض جمعهم وأوهن كيدهم وشتت
أمورهم " إنه بما يعملون خبير " فقال علي عليه السلام: أما ما ذكرت من عملنا
وسيرتنا بالعدل فإن الله عزوجل يقول: " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما
ربك بظلام للعبيد " (4) وأنا من أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف، وأما ما ذكرت من أن
الحق ثقيل عليهم (5) ففارقونا بذلك فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من جور، ولا
لجؤوا إذ فارقونا إلى عدل، ولم يلتمسوا إلا دنيا زائلة عنهم كان قد فارقوها،
وليسألن يوم القيامة: للدنيا أرادوا أم لله عملوا، وأما ما ذكرت من بذل الاموال
واصطناع الرجال فإنه لا يسعنا أن نوفي أحدا (6) من الفئ أكثر من حقه، وقد قال الله
سبحانه وقوله الحق:
(1) في المصدر: أصدقائه. (2): فضل منزلة
على الوضيع. (3) أي يكره الحق. (4) سورة فصلت: 46. (5) في المصدر: ثقل عليهم. (6)
في المصدر: أن نؤتى امرءا.
[135]
" كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن
الله والله مع الصابرين " (1) وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وحده وكثره
بعد القلة وأعز فئته بعد الذلة، وإن يرد الله أن يولينا هذا الامر يذلل لنا صعبه،
ويسهل لنا حزنه، وأنا قابل من رأيك ما كان لله عزوجل رضى وأنت من آمن الناس عندي
وأنصحهم لي وأوثقهم في نفسي إن شاء الله. وذكر الشعبي قال: دخلت الرحبة بالكوفة
وأنا غلام في غلمان، فإذا أنا بعلي عليه السلام قائما على صرتين من ذهب وفضة، ومعه
مخفقة (2) وهو يطرد الناس بمخفقته، ثم يرجع إلى المال فيقسمه بين الناس، حتى لم يبق
منه شئ، ثم انصرف ولم يحمل إلى بيته قليلا ولا كثيرا، فرجعت إلى أبي فقلت: لقد رأيت
اليوم خير الناس أو أحمق الناس، قال: من هو يا بني ؟ قلت: علي بن أبي الطالب أمير
المؤمنين رأيته يصنع كذا فقصصت عليه، فبكى وقال: يا بني بل رأيت خير الناس. وروى
محمد بن فضيل، عن هارون بن عنترة، عن زاذان قال: انطلقت مع قنبر غلام علي عليه
السلام إليه، فإذا هو يقول: قم يا أمير المؤمنين فقد خبأت لك خبيئا، قال: وما هو
ويحك ؟ قال: قم معي، فقام فانطلق به إلى بيته فإذا بغرارة (3) مملوءة من جامات ذهبا
وفضة، فقال: يا أمير المؤمنين رأيتك لا تترك شيئا إلا قسمته فادخرت لك هذا من بيت
المال ! فقال علي عليه السلام: ويحك يا قنبر لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا عظيمة، ثم
سل سيفه وضربها (4) ضربات كثيرة، فانتثرت من بين إناء مقطوع نصفه وآخر ثلثه ونحو
ذلك، ثم دعا بالناس فقال: اقسموه بالحصص، ثم قام إلى بيت المال فقسم ما وجد فيه، ثم
رأى في البيت أبزار سمل (5) فقال: وليقسموا هذا، فقالوا: لا حاجة لنا فيه - وقد كان
عليه السلام يأخذ من كل عامل مما يعمل -
(1) سورة البقرة: 249. (2) المخفقة: الدرة
يضرب بها. وقيل سوط من خشب. (3) الغرارة - بضم العين -: الجوالق. (4) أي ضرب
الغرارة أو ما فيها من الجامات. (5) أي ما يصلح به الاثواب السملة من الابرة
ونحوها.
[136]
فضحك وقال: لتأخذن شره مع خيره. وروى عبد
الرحمن بن عجلان قال: كان علي عليه السلام يقسم بين الناس الابزار والخرق والكمون
(1) وكذا وكذا. وروى مجمع التيمي قال: كان علي عليه السلام يكنس بيت المال كل جمعة
ويصلي فيه ركعتين ويقول: تشهدان (2) يوم القيامة. وروى بكر بن عيسى، عن عاصم بن
كليب الحربي (3)، عن أبيه قال: شهدت عليا عليه السلام وقد جاءه مال من الجبل، فقام
وقمنا معه، وجاء الناس يزدحمون، فأخذ حبالا فوصلها بيده وعقد بعضها إلى بعض، ثم
أدارها حول المال وقال: لا احل لاحد أن يجاوز هذا الحبل، قال: فقعد الناس كلهم من
وراء الحبل، ودخل هو فقال: أين رؤوس الاسباع ؟ وكانت الكوفة يومئذ أسباعا، فجعلوا
يحملون هذا الجوالق إلى هذا وهذا إلى هذا حتى استوت القمسة سبعة أجزاء، ووجد مع
المتاع رغيف فقال: اكسروه سبع كسر وضعوا على كل جزء كسرة، ثم قال: هذا جناي وخياره
فيه * إذ كل جان يده إلى فيه ثم أفرغ (4) عليها ودفعها إلى رؤوس الاسباع، فجعل كل
واحد منهم (5) يدعو قومه فيحملون الجوالق. وروى مجمع عن أبي رجاء قال: أخرج علي
عليه السلام سيفا إلى السوق، فقال: من يشتري مني هذا ؟ فوالذي نفس علي بيده لو كان
عندي ثمن إزار ما بعته، فقلت له: أنا أبيعك إزارا وأنسئك ثمنه إلى عطائك، فدفعت
إليه إزارا إلى عطائه، فلما قبض عطاءه دفع إلي ثمن الازار.
(1) الكمون: نبات له حب منه برى ومنه
بستاني. وفى المصدر: والخزف والكمون. (2) في المصدر: ليشهد لى. (3) في المصدر و (م)
و (خ): الجرمى. (4) في المصدر: ثم أقرع عليها. (5) في المصدر: كل رجل منهم.
[137]
وروى هارون بن سعد (1) قال عبد الله بن
جعفر بن أبي طالب لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة
فوالله مالي نفقة إلا أن أبيع دابتي، فقال: لا والله ما أجد لك شيئا إلا أن تأمر
عمك أن يسرق فيعطيك. وروى بكر بن عيسى قال: كان علي عليه السلام يقول: يا أهل
الكوفة إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي ورحلي وغلامي فلان فأنا خائن، وكانت
نفقته تأتيه من غلته بالمدينة بينبع، وكان يطعم الناس الخبز واللحم ويأكل هو الثريد
بالزيت. وروى أبو إسحاق الهمداني أن امرأتين أتتا عليا عليه السلام إحداهما من
العرب والاخرى من الموالي فسألتاه، فدفع إليها دراهم وطعاما بالسوء، فقالت إحداهما:
إني امرأة من العرب وهذه من العجم، فقال: إني والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا
الفئ فضلا على بني إسحاق. وروى معاوية بن عمار عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال:
ما اعتلج على علي عليه السلام أمران في ذات الله تعالى إلا أخذ بأشدهما، ولقد علمتم
أنه كان يأكل يا أهل الكوفة عندكم من ماله بالمدينة، وأن كان ليأخذ السويق فيجعله
في جراب ويختم عليه مخافة أن يزاد عليه من غيره، ومن كان أزهد في الدنيا من علي
عليه السلام ؟. وروى النضر بن المنصور عن عقبة بن علقمة قال: دخلت على علي عليه
السلام فإذا بين يديه لبن حامض آذاني (2) حموضته، وكسر يابسة، فقلت: يا أمير
المؤمنين أتأكل مثل هذا ؟ فقال لي: يا أبا الجنوب كان رسول الله يأكل أيبس من هذا
ويلبس أخشن من هذا - وأشار إلى ثيابه - فإن أنالم آخذ به (3) خفت أن لا ألحق به.
(1) في المصدر: سعيد. (2) في المصدر:
آذتنى. وقوله " كسر " جمع الكسرة - بكسر الكاف -: القطعة من الشئ المكسور. والمراد
هنا قطعات الخبز اليابس. (3) في المصدر: لم آخذ بما أخذ به.
[138]
وروى عمران بن غفلة (1) قال: دخلت على علي
عليه السلام بالكوفة، فإذا بين يديه قعب لبن أجد ريحه من شدة حموضته، وفي يده رغيف
يرى قشار الشعير على وجهه، وهو يكسره ويستعين أحيانا بركبتيه، وإذا جاريته فضة
قائمة على رأسه فقلت: يا فضة أما تتقون الله في هذا الشيخ ؟ ألا نخلتم دقيقه ؟
فقالت: إنا نكره أن تؤجر ونأثم نحن: قد أخذ علينا أن لا ننخل له دقيقا فأصلحناه (2)
قال: وعلي عليه السلام لا يسمع ما تقول، فالتفت إليها فقال: ما تقول (3) ؟ قالت:
سله: فقال لي: ما قلت لها ؟ [قال] فقلت: إني قلت لها: لو نخلتم دقيقه، فبكى ثم قال:
بأبي وامي من لم يشبع ثلاثا متوالية من خبزبر حتى فارق الدنيا، ولم ينخل دقيقه -
قال: يعني رسول الله صلى الله عليه وآله. وروى يوسف بن يعقوب عن صالح بياع الاكسية
أن جدته لقيت عليا عليه السلام بالكوفة ومعه تمر يحمله، فسلمت عليه وقالت له: أعطني
يا أمير المؤمنين (4) أحمل عنك إلى بيتك، فقال: أبو العيال أحق بحمله، قالت: ثم قال
لي: ألا تأكلين منه ؟ فقلت: لا اريده، قالت: فانطلق به إلى منزله ثم رجع مرتدئا
بتلك الشملة وفيها قشور التمر، فصلى بالناس فيها الجمعة. وروى محمد بن فضيل بن
غزوان قال: قيل لعلي عليه السلام: كم تتصدق ؟ كم تخرج مالك ؟ ألا تمسك ؟ قال: إني
والله لو أعلم أن الله تعالى قبل مني وفرضا واحدا لامسكت، ولكني والله لا أدري أقبل
سبحانه مني شيئا أم لا. وروى عنبسة العابد عن عبد الله بن الحسن بن الحسين (5) قال:
أعتق علي.
(1) في المصدر: وروى عمران بن مسلمة عن
وسويد بن غفلة. (2) في المصدر: ما صحبناه. (3) في المصدر: ما تقولين. (4) في
المصدر: أعطني يا أمير المؤمنين هذا التمر اه. (5) في المصدر: عبد الله بن الحسين
بن الحسن. والظاهر: عن عبد الله بن الحسن الحسن.
[139]
عليه السلام في حياة رسول الله صلى الله
عليه وآله ألف مملوك مما مجلت يداه (1) وعرق جبينه ولقد ولى الخلافة وأتته الاموال،
فما كان حلواه إلا التمر ولا ثيابه إلا الكرابيس. وروى العوام بن حوشب عن أبي صادق
قال: تزوج علي عليه السلام ليلى بنت مسعود النهشلية، فضربت له في داره حجلة، فجاء
فهتكها وقال: حسب أهل علي ما هم فيه. وروى حاتم بن إسماعيل المدائني (2) عن جعفر بن
محمد عليهم السلام قال: ابتاع علي عليه السلام في خلافته قميصا سملا بأربعة دراهم،
ثم دعا الخياط فمد كم القميص وأمره بقطع ما جاوز الاصابع (3). وقال في موضع آخر من
شرح نهج البلاغة: وأما فضائله فإنها قد بلغت من العظم والانتشار مبلغا يسمج (4) معه
التعرض لذكرها والتصدي لتفصيلها، فصارت كما قال أبو العيناء لعبد الله بن يحيى بن
خاقان وزير المتوكل والمعتمد: رأيتني فيما أتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء
النهار الباهر والقمر الزاهر الذي لا يخفى على الناظر، فأيقنت أني حيث انتهى بي
القول منسوب إلى العجز مقصر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك،
ووكلت الاخبار عنك إلى علم الناس بك. وما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل،
ولم يمكنهم جهل مناقبه ولا كتمان فضائله فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان
الاسلام في شرق الارض وغربها، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريف عليه و وضع
المعائب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر وتوعدوا مادحيه بل حبسوهم وقتلوهم،
ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكرا، حتى
(1) مجلت يده: نفطت من العمل وظهر فيها
المجل، وهو أن يكون بين الجلد واللحم ماء من كثرة العمل. (2) في المصدر: المدنى.
(3) شرح النهج 1: 215 - 217،. (4) أي يقبح. وفي المصدر: من العظم والجلال.
[140]
حظروا (1) أن يسمى أحد باسمه، فما زاده
ذلك إلا رفعة وسموا، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه، وكلما كتم تضع نشره، وكالشمس
لا تستر بالراح (2) وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة أخرى،
وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة، وتنتهي إليه كل فرقة (3)، فهو رئيس الفضائل
وينبوعها، وأبو عذرها وسابق مضمارها ومجلي حلبتها (4)، كل من برع فيها بعده فمنه
أخذ، وله اقتفى وعلى مثاله احتذي. وقد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الالهي، لان
شرف العلم بشرف المعلوم ومعلومه أشرف الموجودات، فكان هو أشرف العلوم، ومن كلامه
عليه السلام اقتبس وعنه نقل، وإليه انتهى ومنه ابتدئ، فإن المعتزلة الذين هم أهل
التوحيد والعدل وأرباب النظر ومنهم تعلم الناس هذا الفن تلامذته وأصحابه، لان
كبيرهم واصل ابن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ
أبيه، وأبوه تلميذه عليه السلام، وأما الاشعرية فإنهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن
أبي بشير (5) الاشعري، وهو تلميذ أبي علي الجبائي، وأبو علي أحد مشائخ المعتزلة
فالاشعرية ينتهون بالاخرة إلى أستاد المعتزلة ومعلمهم، وهو علي بن أبي طالب عليه
السلام، وأما الامامية والزيدية فانتماؤهم (6) إليه ظاهر. ومن العلوم علم الفقه وهو
أصله وأساسه، وكل فقيه في الاسلام فهو عيال
(1) أي منعوا. (2) الراح: باطن اليد. (3)
في المصدر بعد ذلك: وتتجاذبه كل طائفة. (4) يقال " ابو عذرها وابو عذرتها " للرجل
الذى يفتض البكر، وهذه كناية من أنه عليه السلام لم يسبقه أحد في الفضايل
والكمالات. والمضمار: غاية الفرس في السباق و. الحلبة: الدفعة من الخيل في الرهان
خاصة، يقال " هو يركض في كل حلبة من حلبات المجد " الحلبة ايضا: الخيل تجمع للسباق
وقوله " برع " أي فاق علما وفضيلة. (5) في المصدر: ابى بشر. (6) في (ك): فانتهاؤهم.
[141]
عليه ومستفيد من فقهه، أما أصحاب أبي
حنيفة كأبي يوسف ومحمد وغيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة، وأما الشافعي فقرأ على محمد بن
الحسن، فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة (1)، وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد عليهما
السلام وجعفر قرأ على أبيه، وينتهي الامر إلى علي عليه السلام وأما مالك بن أنس
فقرأ على ربيعة الرأي، قرأ ربيعة على عكرمة، وقرأ عكرمة على عبد الله بن عباس، وقرأ
عبد الله بن عباس على علي بن أبي طالب عليه السلام، وإن شئت رددت إلى فقه الشافعي
بقراءته على مالك كان لك ذلك فهؤلاء الفقهاء الاربعة. وأما فقه الشيعة فرجوعه إليه
ظاهر. وأيضا فان فقهاء الصحابة كانوا عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس، وكلاهما
أخذا عن علي عليه السلام، أما ابن عباس فظاهر، وأما عمر فقد عرف كل أحد رجوعه إليه
في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة، وقوله: غير مرة " لولا
علي لهلك عمر " وقوله: " لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو حسن " وقوله: " لا يفتين أحد
في المسجد وعلي حاضر " فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه، وقد روت العامة
والخاصة قوله صلى الله عليه وآله: " أقضاكم علي " والقضاء هو الفقه، فهو إذن أفقهم
! وروى الكل أيضا أنه قال له وقد بعثه إلى اليمن قاضيا: " اللهم اهد قلبه وثبت
لسانه " قال: فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين. وهو عليه السلام الذي أفتى في
المرأة التي وضعت لستة أشهر، وهو الذي أفتى به في الحامل الزانية (2)، وهو الذي قال
في المنبرية: صار ثمنها تسعا، وهذه المسألة لو أفكر (3) الفرضي فيها فكرا طويلا
لاستحسن منه بعد طول النظر هذا الجواب، فما ظنك بمن قاله بديهة.
(1) في المصدر بعد ذلك: وأما احمد بن حنبل
فقرأ على الشافعي، فرجع فقهه ايضا إلى أبى حنيفة. (2) في المصدر: أفتى في الحامل
الزانية. (3) في المصدر: لو فكر وقد سبق تفصيل القضية في باب قضائه عليه السلام.
[142]
واقتضبه (1) ارتجالا. ومن العلوم علم
تفسير القرآن وعنه أخذ ومنه فرع، وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك، لان
أكثره عنه وعن عبد الله بن عباس، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته (2)
وانقطاعه إليه، وإنه تلميذه وخريجه وقيل له: أين علمك من علم ابن عمك ؟ فقال: كنسبة
قطرة من المطر إلى البحر المحيط. ومن العلوم علم الطريقة والحقيقة وأحوال التصوف،
وقد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الاسلام إليه ينتهون وعنده يقفون، وقد صرح
بذلك الشبلي والجنيد والسري وأبو يزيد البسطامي وأبو محفوظ معروف الكرخي (3)، و
يكفيك دلالة على ذلك الخرقة التي هي شعارهم إلى اليوم، وكونهم يسندونها بإسناد متصل
إليه عليه السلام. ومن العلوم علم النحو والعربية، وقد علم الناس كافة أنه هو الذي
ابتدعه وأنشأه وأملى على أبى الاسود الدؤلي جوامعه واصوله، من جملتها: الكلمة ثلاثة
(4) أشياء: اسم وفعل وحرف، ومن جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة وتقسيم وجوه
الاعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم، وهذا يكاد يلحق بالمعجزات لان القوة
البشرية لا تفي بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط. وإن رجعت إلى الخصائص الخلقية
والفضائل النفسانية والدينية وجدته ابن جلاها وطلاع ثناياها (5)، أما الشجاعة فإنه
أنسى الناس فيها ذكر من كان
(1) اقتضب الكلام: ارتجله. وفي (خ):
اقتضاء. (2) في المصدر: في ملازمته له. (3) في المصدر: بعد ذلك: وغيرهم. (4) في
المصدر و (خ): الكلام كله ثلاثة. (5) قال في القاموس (4: 213): ابن جلا: الواضح
الامر. وفيه (3: 59): رجل طلاع الثنايا - كشداد - مجرب للامور ركاب لها يعلوها
ويقهرها بمعرفته وتجاربه وجودة رأيه والذى يؤم معالى الامور.
[143]
قبله ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في
الحرب مشهورة يضرب بها الامثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي مافر قط، ولا
ارتاع (1) من كتيبة، ولا بارز أحدا إلا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الاولى إلى
الثانية، (2) وفي الحديث: كانت ضرباته وترا، ولما دعا معاوية إلى المبارزة ليستريح
الناس من الحرب بقتل أحدهما قال له عمرو: لقد أنصفك، فقال معاوية: ما غششتني منذ
نصحتني إلا اليوم أتأمرني بمبارزة أبي حسن (3) وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق ؟ أراك
طمعت في إمارة الشام بعدي، وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته، فأما
قتلاه فافتخار رهطهم بأنه عليه السلام قتلهم أظهر وأكثر، قالت أخت عمرو بن عبدود
ترثيه. لو كان قاتل عمرو غير قاتله * بكيته أبدا ما دمت في الابد - لكن قاتله من لا
نظير له * وكان يدعى أبوه بيضة البلد وانتبه معاوية يوما فرأى عبد الله بن زبير
جالسا تحت رجليه على سريره، فقال (6) له عبد الله يداعبه: يا أمير المؤمنين لو شئت
أن أفتك بك لفعلت، فقال: لقد شجعت بعدنا يا أبا بكر قال: وما الذي تنكره من شجاعتي
وقد وقفت في الصف إزاء علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لا جرم إنه قتلك وأباك
بيسرى يديه وبقيت اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها، وجملة الامر أن كل شجاع في
الدنيا إليه ينتهي، وباسمه ينادي في مشارق الارض ومغاربها. وأما القوة والايد فبه
يضرب المثل فيهما، قال ابن قتيبة في المعارف: ما صارع أحدا قط إلا صرعه، وهو الذي
قلع باب خيبر، واجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقلبوه، وهو الذي اقتلع هبل
من أعلى الكعبة وكان عظيما (5) جدا،
(1) أي لم يفزع. (2) في غير (ك): إلى
ثانية. (3) في المصدر: ابى الحسن. (4) في المصدر: فقعد فقال اه. (5) في المصدر:
كبيرا.
[144]
فألقاه إلى الارض، وهو الذي اقتلع الصخرة
العظيمة في أيام خلافته (1) بعد عجز الجيش كله عنها، فأنبط (2) الماء من تحتها.
وأما السخاء والجود فحاله فيه ظاهرة، كان يصوم ويطوي ويؤثر بزاده، و فيه انزل "
ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم
جزاء ولا شكورا (3) " وروى المفسرون أنه لم يكن يملك إلا أربعة دراهم، فتصدق بدرهم
ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية، فانزل فيه " الذين ينفقون أموالهم
بالليل والنهار سرا وعلانية (4) " وروي عنه أنه كان يستقي بيده لنخل قوم من يهود
المدينة حتى مجلت يده، ويتصدق بالاجرة و يشد على بطنه حجرا، وقال الشعبي وقد ذكره
عليه السلام: كان أسخى الناس، كان على الخلق الذي يحب الله (5) السخاء والجود ؟ ما
قال " لا " لسائل قط، وقال عدوه ومبغضه الذي يجتهد في وصمه وعيبه معاوية بن أبي
سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبي لما قال: جئتك من عند أبخل الناس: ويحك كيف تقول إنه
أبخل الناس ولو ملك (6) بيتا من تبر وبيتا من تبن لانفد تبره قبل تبنه ؟ وهو الذي
كان يكنس بيوت الاموال ويصلي فيها، وهو الذي قال: يا صفراء ويا بيضاء غري غيري، و
هو الذي لم يخلف ميراثا وكانت الدنيا كلها بيده إلا ما كان من الشام. وأما الحلم
والصفح فكان أحلم الناس من ذنب (7) وأصفحهم عن مسئ، و قد ظهرت صحة ما قلناه يوم
الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم، وكان أعدى الناس له وأشدهم بغضا، فصفح عنه، وكان
عبد الله بن الزبير يشتمه على رؤوس
(1) في المصدر: في ايام خلافته بيده بعد
اه. (2) انبط البئر: استخرج ماءها. (3) سورة الانسان: 8 و 9. (4) سورة البقرة:
274. (5) في المصدر: يحبه الله. (6) في المصدر: وهو الذي لو ملك (7) في المصدر عن
مذنب. (*)
[145]
الاشهاد، وخطب يوم البصرة فقال: قد أتاكم
الوغب (1) اللئيم علي بن أبي طالب وكان علي عليه السلام يقول: ما زال الزبير رجلا
منا أهل البيت، حتى شب عبد الله فظفر به يوم الجمل، فأخذه أسيرا، فصفح عنه وقال:
اذهب فلا أرينك، لم يزده على ذلك. وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة وكان له
عدوا فأعرض عنه ولم يقل له شيئا. وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره، فلما ظفر بها
أكرمها وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس، عممهن بالعمائم
وقلدهن بالسيوف، فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به وتأنفت (2)، و
قالت: هتك سري برجاله وجنده الذين وكلهم بي، فلما وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهن
وقلن لها: إنما نحن نسوة. وحاربه أهل البصرة وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيف،
وشتموه (3) ولعنوه فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم، ونادى مناديه في أقطار العسكر: ألا
لا يتبع مول، ولا يجهز على جريح، ولا يقتل مستأثر، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن
تحيز إلى عسكر الامام فهو آمن، ولم يأخذ أثقالهم ولا سبي ذراريهم ولا غنم شيئا من
أموالهم، ولو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل، ولكنه أبى إلا الصفح والعفو، وتقبل سنة رسول
الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة، فإنه عفا والاحقاد لم تبرد والاساءة لم تنس،
ولما ملك عسكر معاوية عليه الماء و أحاطوا بشريعة الفرات وقالت رؤساء الشام له:
اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشا سألهم علي عليه السلام وأصحابه أن يسوغوا لهم
شرب الماء، فقالوا: لا والله ولا قطرة حتى تموت ظمئا كما مات ابن عفان، فلما رأى
عليه السلام أنه الموت لا محالة تقدم بأصحابه وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة،
حتى أزالهم عن مراكزهم بعد
(1) الوغب: اللئيم الرذل. (2) في المصدر:
وتأففت. (3) في المصدر: بالسيوف وسبوه اه.
[146]
قتل ذريع (1) سقطت منه الرؤوس والايدي،
وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم، فقال له أصحابه
وشيعته: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم
بسيوف العطش، وخذهم قبضا بالايدي، فلا حاجة لك إلى الحرب، فقال: لا والله لا
اكافيهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حد السيف ما يغني عن ذلك، فهذه
إن نسبتها إلى الحلم والصفح فناهيك بها جمالا وحسنا، وإن نسبتها إلى الدين والورع
فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله عليه السلام. أما الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند
صديقه وعدوه أنه سيد المجاهدين، و هل الجهاد لاحد من الناس إلا له ؟ وقد عرفت أن
أعظم غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وآله وأشدها نكاية في المشركين بدر
الكبرى، قتل فيها سبعون من المشركين، قتل علي عليه السلام نصفهم وقتل المسلمون
والملائكة النصف الآخر، وإذا رجعت إلى مغازي محمد بن عمر الواقدي وتاريخ الاشراف
ليحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحة ذلك، دع من قتله في غيرها كاحد والخندق
وغيرهما، وهذا الفصل لا معنى للاطناب فيه لانه من المعلومات الضرورية كالعلم بوجود
مكة ومصر ونحوهما. أما الفصاحة فهو عليه السلام إمام الفصحاء وسيد البلغاء، وعن
كلامه (2) قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، ومنه تعلم الناس الخطابة
والكتابة، وقال عبد الحميد بن يحيى: حفظت سبعين خطبة من خطب الاصلع ففاضت ثم فاضت.
وقال نباتة: حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الانفاق إلا سعة وكثرة. حفظت مائة فصل
من مواعظ علي بن أبي طالب عليه السلام. ولما قال محفن بن أبي محفن لمعاوية: جئتك من
عند أعيى الناس قال له: ويحك كيف يكون أعيى الناس فوالله ما سن الفصاحة لقريش غيره
؟ ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالة على أنه لا يجازى (3) في الفصاحة ولا
يبارى في البلاغة، وحسبك أنه لم يدون لاحد من
(1) الذريع: السريع. (2) في (ت) وان كلامه
اه. (3) في المصدر: لا يجارى.
[147]
فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما
دون له، وكفاك في هذا الباب ما يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب البيان
والتبيين وفي غيره من كتبه. وأما سجاحة الاخلاق وبشر الوجه وطلاقة المحيا والتبسم
فهو المضروب به المثل فيه، حتى عابه بذلك أعداؤه، وقال عمرو بن العاص لاهل الشام:
إنه ذو دعابة (1) شديدة، وقال علي عليه السلام في ذاك: عجبا لابن النابغة يزعم لاهل
الشام أن في دعابة وأني امرؤ تلعابة اعافس (2) وامارس، وعمرو بن العاص إنما أخذها
عن عمر لقوله لما عزم على استخلافه: لله أبوك لولا دعابة فيك، إلا أن عمر اقتصر
عليها وعمرو زاد فيها ونسجها، قال (3) صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان
فينا كأحدنا، لين جانب وشدة تواضع وسهولة قياد، وكنا نهابه مهابة الاسير المربوط
للسياف الواقف على رأسه، وقال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أبا حسن فلقد كان هشا
بشا ذا فكاهة، قال قيس: نعم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح ويبسم (4) إلى
أصحابه، وأراك تسر حسوا في ارتغاء رفعه، وتعيبه بذلك، أما والله لقد كان مع تلك
الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى، تلك هيبة التقوى، ليس كما يهابك
طغام (5) أهل الشام، وقد بقي هذا الخلق متوارثا متناقلا في محبيه وأوليائه إلى
الآن، كما بقي الجفاء والخشونة و الوعورة في الجانب الآخر، ومن له أدنى معرفة
بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك. وأما الزهد في الدنيا فهو سيد الزهاد، وبدل
الابدال، وإليه يشد الرحال، وعنده تنفض الاحلاس، ما شبع من طعام قط، وكان أخشن
الناس مأكلا وملبسا، قال عبد الله بن أبي رافع: دخلت إليه يوم عيد، فقدم جرابا
مختوما، فوجدنا فيه
(1) دعبه دعبا ودعابة: مازحه. (2)
التلعابة: الكثير اللعب. وعافسه: صارعه. (3) في المصدر: وقال. (4) في المصدر:
ويبتسم. (5) الطغام بالفتح: اوغاد الناس للواحد والجمع. والعامة تقول " اوباش ".
[148]
خبز شعير يابسا مرصوصا، فقدم فأكل، فقلت:
يا أمير المؤمنين فكيف تختمه ؟ قال: خفت هذين الولدين أن يلتاه بسمن أو زيت، وكان
ثوبه مرقوعا بجلد تارة وبليف اخرى، ونعلاه من ليف، وكان يلبس الكرابيس الغليظ فإذا
وجد كمه طويلا قطعه بشفرة فلم يخطه، فكان لا يزال متساقطا على ذراعيه حتى يبقى سدى
لا لحمة له (1)، وكان يأتدم إذا ائتدم بخل أو بملح، فإن ترقى عن ذلك فببعض نبات
الارض، فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الابل، ولا يأكل اللحم إلا قليلا ويقول:
لا تجعلوا قلوبكم (2) مقابر الحيوان، وكان مع ذلك أشد الناس قوة (3) وأعظمهم أيدا،
لم ينقص الجوع قوته ولا يخور الاقلال منته (4) وهو الذي طلق الدنيا وكانت الاموال
تجبى إليه من جميع بلاد الاسلام إلا من الشام و كان يفرقها ويمزقها ثم يقول: هذا
جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه وأما العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم
صلاة وصوما، ومنه تعلم الناس صلاة الليل وملازمة الاوراد وقيام النافلة، وما ظنك
برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له قطع (5) ما بين الصفين ليلة الهرير فيصلي
عليه ورده والسهام تقع بين يديه تمر على صماخيه يمينا وشمالا فلا يرتاع لذلك ولا
يقوم حتى يفرغ من وظيفته، وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده، وأنت
إذا تأملت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله وما
(1) السدى من الثوب ما مد من خيوطه،
واللحمة ما نسج عرضا. (2) في المصدر: بطونكم. (3) في المصدر: قسوة. (4) خار خؤورا
وخور خورا: فتر وضعف. والمنة - بالضم - القوة. أي لا يفتره ولا يضعفه قلة اكل
الطعام كما أشار إليه عليه السلام في كتابه إلى عثمان بن حنيف. وفي نسخ الكتاب " لا
يحزن " وهو سهو. (5) كذا في النسخ، والقطع: البساط والطنفسة تكون تحت الراكب: أو
ضرب من الثياب الموشاة. وفي المصدر: نطع.
[149]
يتضمنه من الخضوع لهيبته والخشوع لعزته
والاستخذاء (1) له عرفت ما ينطوي عليه من الاخلاص، وفهمت من أي قلب خرجت وعلى أي
لسان جرت، وقيل لعلي بن الحسين عليهما السلام وكان الغاية في العبادة: أين عبادتك
من عبادة جدك ؟ قال: عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله صلى الله
عليه وآله. وأما قراءة القرآن والاشتغال به (2) فهو المنظور إليه في هذا الباب،
اتفق الكل على أنه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن
غيره يحفظه، ثم هو أول من جمعه، نقلوا كلهم أنه تأخر عن بيعة أبي بكر، فأهل الحديث
لا يقولون ما تقوله الشيعة من أنه تأخر مخالفة للبيعة بل يقولون: تشاغل بجمع
القرآن، فهذا يدل على أنه أول من جمع القرآن، لانه لو كان مجموعا في حياة رسول الله
صلى الله عليه وآله لما احتاج إلى أن يتشاغل بجمعه بعد وفاته، وإذا رجعت إلى كتب
القراءة (3) وجدت أئمة القراءة كلهم يرجعون إليه، كأبي عمرو بن أبي العلاء (4)
وعاصم بن أبي النجود وغيرهما لانهم يرجعون إلى عبد الرحمن (5) السلمي الفارسي (6)،
وأبو عبد الرحمن كان تلميذه وعنه أخذ القرآن فقد صار هذا الفن من الفنون التي تنتهي
إليه أيضا مثل كثير مما سبق. وأما الرأي والتدبير فكان من أشد الناس (7) رأيا
وأصحهم تدبيرا، وهو الذي أشار إلى عمر لما عزم على أن يتوجه بنفسه إلى حرب الروم
والفرس بما أشار، وهو الذي أشار على عثمان بأمور كان صلاحه فيها، ولو قبلها لم يحدث
عليه ما
(1) استخذى: اتضع وانقاد. (2) في المصدر:
واشتغاله به. (3) في المصدر: القراآت. (4) الصحيح كما في المصدر: كأبى عمرو بن
العلاء. راجع الكنى والالقاب 1: 124 وسائر التراجم. (5) الصحيح كما في المصدر: عبد
الرحمن. راجع الكنى والالقاب: 131 وسائر التراجم. (6) في المصدر: القارى. (7) في
المصدر: من أسد الناس.
[150]
حدث، وإنما قال أعداؤه لا رأي له لانه كان
متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه، وقد قال عليه
السلام: لولا التقى (1) لكنت أدهى العرب، وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما
يستصلحه ويستوفقه (2)، سواء كان مطابقا للشرع أولم يكن، ولا ريب أن من يعمل بما
يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع لاجلها مما يرى الصلاح فيه تكون
أحواله الدنياوية إلى الانتظام أقرب، ومن كان بخلاف ذلك يكون أحواله الدنياوية إلى
الانتشار أقرب. وأما السياسة فإنه كان شديد السياسة، خشنا في ذات الله، لم يراقب
ابن عمه في عمل كان ولاه إياه، ولا راقب أخاه عقيلا في كلام جبهه به، وأحرق قوما
بالنار، ونقض (3) دار مصقلة بن هبيرة ودار جرير بن عبد الله البجلي، وقطع جماعة صلب
آخرين، ومن جملة سياسته حروبه في أيام خلافته بالجمل وصفين والنهروان، وفي أقل
القليل منها مقنع، فإن كل سائس في الدنيا لم يبلغ فتكه وبطشه وانتقامه مبلغ العشر
مما فعل عليه السلام في هذه الحروب بيده وأعوانه، فهذه هي خصائص البشر ومزاياهم، قد
أوضحنا أنه فيها الامام المتبع فعله والرئيس المقتفى أثره، وما أقول في رجل يحبه
أهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة، وتعظمه الفلاسفة على معاندتهم لاهل الملة، وتصور
ملكوك الفرنج والروم صورته في بيعها وبيوت عباداتها حاملا سيفه مشمرا لحربه، وتصور
ملوك الترك والديلم صورته على أسيافها، كان على سيف عضد الدولة بن بويه وسيف أبيه
ركن الدولة وكان على سيف الارسلان (4) وابنه ملكشاه صورته، كأنهم يتفاءلون به النصر
و الظفر، وما أقول في رجل أحب كل أحد أن يتكثر به، وود كل أحد يتجمل ويتحسن
بالانتساب إليه، حتى الفتوة التي أحسن ما قيل في حدها: أن لا تستحسن
(1) في المصدر: لولا الدين والتقى. (2) في
المصدر: ويستوقفه. (3) نقض البناء: هدمه. (4) في المصدر: وسيف أبيه ركن الدولة
صورته، وكان على سيف الب ارسلان.
[151]
من نفسك من تستقبحه من غيرك، فإن أربابها
نسبوا أنفسهم إليه، وصنفوا في ذلك كتبا، وجعلوا لذلك إسنادا أنهوه إليه وقصروه
عليه، وسموه سيد الفتيان، وعضدوا مذاهبهم (1) بالبيت المشهور المروي أنه سمع من
السماء يوم احد: " لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي " وما أقول في رجل أبوه
أبو طالب سيد البطحاء، وشيخ قريش ورئيس مكة، قالوا: قل أن يسود فقير وساد أبو طالب
وهو فقير لا مال له، وكانت قريش تسميه الشيخ، وفي حديث عفيف الكندي: لما رأى النبي
صلى الله عليه وآله يصلي في مبدء الدعوة ومعه غلام وامرأة قال (2): فقلت للعباس: أي
شئ هذا ؟ قال: هذا ابن أخي يزعم أنه رسول من الله إلى الناس، ولم يتبعه على قوله
إلا هذا الغلام وهو ابن أخي أيضا، وهذه الامرأة وهي زوجته قال: فقلت: فما الذي
تقولونه أنتم ؟ قال: ننتظر ما يفعل الشيخ - قال: يعني أبا طالب - وهو الذي كفل
الرسول الله صلى الله عليه وآله صغيرا، وحماه وحاطه كبيرا، ومنعه من مشركي قريش،
ولقي لاجله عناء عظيما (3)، وقاسى بلاء شديدا، وصبر على نصره والقيام بأمره، وجاء
في الخبر أنه لما توفي أبو طالب أوحي إليه وقيل له: اخرج منها فقد مات ناصرك، وله
مع شرف هذه الابوة أن ابن عمه محمد صلى الله عليه وآله سيد الاولين والآخرين، وأخاه
جعفر ذو الجناحين الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أشبهت خلقي وخلقي (4)،
وزوجته سيدة نساء العالمين، وابنيه سيدا شباب أهل الجنة، فأباؤه آباء رسول الله
وامهاته أمهات رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مسوط (5) بلحمه ودمه، لم يفارقه
منذ خلق الله آدم إلى أن ماز (6) عبد المطلب، بين الاخوين عبد الله وأبي طالب
(1) في المصدر: وعضدوا مذهبهم إليه. (2)
أي قال الكندى. (3) في المصدر: عنتا عظيما. (4) في المصدر بعد ذلك: فمر يحجل فرجا.
(5) أي ممزوج ومخلوط. (6) مايز خ ل وفي بعض نسخ المصدر: مات.
[152]
وأمهما واحدة، فكان منهما سيد الناس هذا
الاول وهذا الثاني (1) وهذا المنذر وهذا الهادي. وما أقول في رجل سبق الناس إلى
الهدى وآمن بالله وعبده، وكل من في الارض يعبد الحجر ويجحد الخالق، لم يسبقه أحد
إلى التوحيد إلا السابق إلى كل خير محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ذهب أكثر أهل
الحديث إلى أنه أول الناس اتباعا لرسول الله وإيمانا به، ولم يختلف (2) في ذلك إلا
الاقلون، وقد قال هو عليه السلام: أنا الصديق الاكبر وأنا الفاروق الاول، أسلمت قبل
إسلام الناس، وصليت قبل صلاتهم، ومن وقف على كتب أصحاب الاحاديث تحقق (3) وعلمه
واضحا، وإليه ذهب الواقدي وابن جرير الطبري، وهو القول الذي رجحه ونصره صاحب كتاب
الاستيعاب وبالله التوفيق (4). 46 - نهج: من خطبة له عليه السلام خطبها بصفين: أما
بعد فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقا بولاية أمركم، ولكم علي من الحق مثل الذي لي
عليكم، فالحق أوسع الاشياء في التواصف وأضيقها في التناصف، لا يجري لاحد إلا جرى
عليه، ولا يجري عليه إلا جرى له، ولو كان لاحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك
خالصا لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه،
ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه
وتوسعا بما هو من المزيد أهله، ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس
على بعض، فجعلها تتكافى في وجوهها ويوجب بعضها بعضا، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض.
وأعظم اما افترض [الله] سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق
(1) في المصدر: وهذا التالى. (2) في
المصدر: ولم يخالف. (3) في المصدر: تحقق ذلك. (4) شرح النهج 1: 7 - 14.
[153]
الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله
سبحانه لكل على كل، فجعلها نظاما لالفتهم وعزا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح
الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى
الوالي إليها حقها عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت
على أدلالها السنن، فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الاعداء،
وإذا غلبت الرعية واليها أو أجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك (1) الكلمة، وظهرت
معالم الجور، وكثر الادغال في الدين، وتركت محاج السنن، فعمل بالهوى و عطلت
الاحكام، وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل، فهنالك
تذل الابرار وتعز الاشرار، وتعظم تبعات الله سبحانه عند العباد، فعليكم بالتناصح في
ذلك وحسن التعاون عليه، فليس أحد وإن اشتد على رضا الله حرصه وطال في العمل اجتهاده
ببالغ حقيقة ما الله سبحانه أهله من الطاعة له، ولكن من واجب حقوق الله سبحانه على
العباد النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق بينهم، وليس امرؤ وإن عظمت في
الحق منزلته وتقدمت في الدين فضيلته بفوق أن يعان (2) على ما حمله الله من حقه، ولا
امرؤ وإن صغرته النفوس واقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه. فأجابه
رجل من أصحاب بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه ويذكر سمعه و طاعته له فقال عليه
السلام: إن من حق من عظم جلال الله سبحانه في نفسه وجل موضعه من قلبه أن يصغر عنده
- لعظم ذلك (3) - كل ما سواه، وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله سبحانه عليه
ولطف إحسانه إليه، فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظما،
وإن من أسخف حالات الولاة عند صالحي الناس أن يظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على
الكبر، وقد كرهت أن يكون جال (4)
(1) في المصدر و (م): هناك. (2) في
المصدر: أن يعاون. (3) أي لاجل عظمة الله وجلاله سبحانه. (4) في (ك) و (م) أن يكون
حالى.
[154]
في ظنكم أني أحب الاطراء واستماع الثناء،
ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول
ما هو أحق به من العظمة والكبرياء، وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء، فلا
تثنوا علي بجميل ثناء لاخراجي نفسي إلى الله سبحانه وإليكم من البقية في حقوق لم
أفرغ من أدائها، وفرائض لابد من إمضائها، فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا
تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي
استثقالا في حق قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو
العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة
بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن اخطئ، ولا آمن ذاك من فعلي إلا أن يكفي الله من
نفسي ما هو أملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لارب غيره يملك منا مالا
نملك من أنفسنا، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة
بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى (1). تبيين: قوله عليه السلام: (أوسع الاشياء في
التواصف) أي كل أحد يصف الحق والعدل ويقول: لو وليت لعدلت، ولكن إذا تيسر له لم
يعمل بقوله ولم ينصف الناس من نفسه ومعالم الشئ: مظانه وما يستدل به عليه،
والاذلال: المجاري والطرق. واختلاف الكلمة: اختلاف الآراء والاهواء. وقال الجزري:
أصل الدغل الشجر الملتف الذي يكون (2) أهل الفساد فيه، وأدغلت في هذا الامر إذا
أدخلت فيه ما يخالفه (3)، والمحاج جمع محجة وهي جادة الطريق، واقتحمته عيني:
احتقرته، والاطراء: المبالغة في المدح، قوله: (من البقية) في أكثر النسخ بالباء
الموحدة، أي لا تثنوا علي لاجل ما ترون مني في طاعة الله، فإنما هو إخراج لنفسي إلى
الله من حقوقه الباقية علي لم أفرغ من أدائها، وكذلك إليكم من
(1) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 1: 459 -
463. (2) الصحيح كما في المصدر: يكمن. (3) النهاية 2: 25.
[155]
الحقوق التي أوجبها الله علي لكم من
النصيحة والهداية والارشاد، وقيل: المعنى: لاعترافي بين يدي الله وبمحضر منكم أن
علي حقوقا في رئاستي عليكم لم أقم بها بعد، وأرجو من الله القيام بها، وفي بعض
النسخ المصححة القديمة بالتاء المثناة الفوقانية، أي من خوف الله في حقوق لم أفرغ
من أدائها بعد، قوله عليه السلام: (ولا تتحفظوا مني) أي لا تمتنعوا من إظهار ما
تريدون إظهاره لدي خوفا من سطوتي كما هو شأن الملوك، والبادرة: الحدة وما يبدر عند
الغضب، والمصانعة: المداراة والرشوة. أقول: سيأتي تمام الخطبة في باب خطبه عليه
السلام. 47 - نهج: من كلام له عليه السلام كلم به عبد الله بن زمعة (1) وهو من
شيعته و ذلك أنه قدم عليه في خلافته فطلب (2) منه مالا فقال عليه السلام: إن هذا
المال ليس لي ولا لك، وإنما هو فيئ المسلمين (3) وجلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم
كان لك مثل حظهم، وإلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم (4). 48 - نهج: روي أن
شريح بن الحارث قاضي أمير المؤمنين عليه السلام اشترى على عهده دارا بثمانين
دينارا، فبلغه ذلك واستدعاه (5) وقال له: بلغني أنك ابتعت دارا بثمانين دينارا
وكتبت كتابا وأشهدت فيه شهودا، فقال له شريح: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، قال:
فنظر إليه نظر مغضب ثم قال: يا شريح أما إنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك، ولا يسألك
عن بينتك حتى يخرجك منها شاخصا، ويسلمك إلى قبرك خالصا، فانظر يا شريح لا تكون
ابتعت هذه الدار من غير مالك أو نقدت
(1) عبد الله بن زمعة بن الاسود وامه
قريبة بنت أبى امية بن المغيرة اخت ام سلمة ام المؤمنين كان من اشراف قريش وكان
يأذن على النبي صلى الله عليه وآله. (اسد الغابة 3: 164). (2) في المصدر: يطلب. (3)
في المصدر: للمسلمين. (4) نهج البلاغة 1: 489. (5) في المصدر: فاستدعاه.
[156]
الثمن من غير حلالك، فإذا أنت قد خسرت دار
الدنيا ودار الآخرة، أما إنك لو كنت أتيتني عند شرائك ما اشتريت لكتبت لك كتابا على
هذه النسخة فلم ترغب في شراء هذه الدار بدرهم فما فوقه (1)، والنسخة هذه: هذا ما
اشترى عبد ذليل من ميت (2) قد أزعج للرحيل، اشترى منه دارا من دار الغرور من جانب
الفانين وخطة الهالكين، وتجمع هذه الدار حدود أربعة: الحد الاول ينتهي إلى دواعي
الآفات، والحد الثاني ينتهي إلى دواعي المصيبات، والحد الثالث ينتهي إلى الهوى
المردي، والحد الرابع ينتهي إلى الشيطان المغوي وفيه يشرع باب هذه الدار، اشترى هذا
المغتر بالامل من هذا المزعج بالاجل هذه الدار بالخروج من عز القناعة والدخول في ذل
الطلب والضراعة (3)، فما أدرك هذا المشتري فيما اشترى من درك (4)، فعلى مبلبل أجسام
الملوك وسالب نفوس الجبابرة ومزيل ملك الفراعنة مثل كسرى وقيصر وتبع وحمير ومن جمع
المال على المال فأكثر ومن بنى وشيد وزخرف ونجد وادخر واعتقد ونظر بزعمه للولد،
إشخاصهم جميعا إلى موقف العرض والحساب وموضع الثواب والعقاب إذا وقع الامر بفصل
القضاء " وخسر هنالك المبطلون " شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى وسلم من
علائق الدنيا (5). لى: صالح بن عيسى العجلي، عن محمد بن محمد بن علي، عن محمد بن
الفرج عن عبد الله بن محمد العجلي، عن عبد العظيم الحسني، عن أبيه، عن أبان مولى
زيد ابن علي، عن عاصم بن بهدلة، عن شريح مثله مع زيادة سيأتي في أبواب مواعظه عليه
السلام (6).
(1) في المصدر: فما فوق. (2) في المصدر من
عبد. (3) الضراعة: الخضوع والتذلل. (4) في المصدر " فيما اشترى منه من درك " وجواب
الشرط محذوف ويأتى توضيحه في البيان. (5) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 4 و 5. (6)
أمالى الصدوق: 187 و 188.
[157]
بيان: يقال: شخص بصره بالفتح فهو شاخص:
إذا فتح عينيه وصار لا يطرف وهو كناية عن الموت، ويجوز أن يكون من شخص من البلد
يعني ذهب وسار، أو من شخص السهم إذا ارتفع عن الهدف، والمراد: يخرجك منها مرفوعا
محمولا على أكتاف الرجال، وسلمه إليه: أعطاه فتناوله منه، قوله عليه السلام:
(خالصا) أي من الدنيا وحطامها ليس معك شئ منها، قوله عليه السلام: (فإذا أنت) في
أكثر النسخ بالتنوين فهو جزاء شرط محذوف، أي لو ابتعتها كذلك فقد خسرت الدارين، وفي
بعضها بالالف غير منون فتكون إذا الفجائية، كقول الله تعالى: " فإذا هم خامدون (1)
" وأزعجه: أقلقه وقلعه عن مكانه، والخطة بالكسر هي الارض يخطها الانسان أي يعلم
عليها علامة بالخط ليعمرها، ومنه خطط الكوفة والبصرة، ولعل فيه إشعارا بأن ملكهم
لها ليس ملكا تاما بل من قبيل العلامة التي يعلم الانسان على أرض يريد التصرف فيها،
قوله عليه السلام: (وتجمع هذه الدار) أي تحيط بها، ويقال: أرداه أي أهلكه، قوله:
(وفيه يشرع) على البناء للمجهول أي يفتح، ولعله كناية عن أن سبب شراء هذه الدار هو
الشيطان وإغواؤه، أو عن أن هذه الدار تفتح باب وساوس الشيطان على الانسان، قوله
عليه السلام: (بالخروج) الباء للعوض، فالخروج هو الثمن، قوله عليه السلام: (فما
أدرك) ما شرطية وأدرك بمعنى لحق، واسم الاشارة مفعوله، والدرك بالتحريك التبعة،
والبلبلة: الاضطراب والاختلاط وإفساد الشئ بحيث يخرج عن حد الانتفاع به، والمراد به
الموت أو ملكه أو الرب تعالى شأنه، وقوله: (إشخاص) مبتدء و (على مبلبل) خبره،
ويقال: نجد أي فرش المنزل بالوسائد، والتنجيد التزيين، ويجوز أن يكون المراد به هنا
الرفع من النجد وهو المرتفع من الارض، ويقال: اعتقد ضيعة ومالا أي اقتناهما. ثم
اعلم أنه يكفي لمناسبة ما يكتب في سجلات البيوع لفظ الدرك، ولا يلزم مطابقته لما هو
المعهود فيها من كون الدرك لكون المبيع أو الثمن معيبا أو مستحقا للغير، فالمراد
بالدرك التبعة والاثم أي ما لحق هذا المشتري من وزر وحط مرتبة
(1) سورة يس: 29.
[158]
ونقص عن حظوظ الآخرة فسيجزي بها في
القيامة. أقول ويحتمل أيضا عندي أن يكون المشتري هذا الشخص من حيث كونه تابعا
للهوى، ولذا وصفه تارة بالعبد الذليل أي الاسير في قيد الهوى، وبين ذلك آخرا حيث
عبر عنه بالمغتر بالامل، والبائع هذا الشخص أيضا حيث أعطاه الله العقل ونبه عقله
وآذنه بالرحيل وأعلمه أنه ميت ولابد من أن يموت، والمدرك لتلك الامور والمخاطب بها
هو النفس من حيث اشتماله على العقل، و لما كان هذا العقل شأنه تحصيل السعادات
الدائمة والمثوبات الاخروية والدار الباقية وهذا المأسور في قيد الهوى استعمله في
تحصيل الدار الفانية المحفوفة بالآفات والبليات وأعطاه عوضا من كسبه الخروج من عز
القناعة والدخول في ذل الطلب فعلى البائع عليه دعوى الدرك في القيامة بأنك ضيعت
كسبي ونقصت حظي وأبدلتني من سعيي ذلا ونقصا وهوانا، فعند ذلك يخسر المبطلون، فهذا
ما خطر بالبال فخذما آتيتك وكن من الشاكرين. 49 -: العدة، عن البرقي، عن أبيه، عن
بعض أصحابه، عن أيوب بن الحر عن محمد بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن الطعام فقال: عليك بالخل و الزيت فإنه مرئ، وإن عليا عليه السلام كان
يكثر أكله، إني أكثر أكله وإنه مرئ (1). 50 - كا: العدة، عن سهل، عن علي بن أسباط،
عن يعقوب بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان أمير المؤمنين عليه
السلام يأكل الخل والزيت ويجعل نفقته تحت طنفسته (2). 51 - كا: محمد بن يحيى، عن
عبد الله بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن
فاطمة بنت علي، عن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى
الله عليه وآله قالت: أتاني أمير المؤمنين عليه السلام
(1 و 2) فروع الكافي (المجلد السادس من
الطبعة الحديثة): 328. والطنفسة - مثلثة الطاء والفاء: البساط. الحصير.
[159]
في شهر رمضان فاتي بعشاء وتمر وكمأة، فأكل
عليه السلام وكان يحب الكمأة (1). 52 - كا: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن
الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: إن عليا كان عندكم فأتى بني ديوان فاشترى (2) ثلاثة أثواب
بدينار، القميص إلى فوق الكعب والازار إلى نصف الساق والرداء من بين يديه إلى ثدييه
ومن خلفه إلى إلييه (3) ثم رفع يده إلى السماء فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى
دخل منزله، ثم قال: هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه، قال أبو عبد الله
عليه السلام: ولكن لا يقدرون أن يلبسوا هذا اليوم، ولو فعلنا (4) لقالوا: مجنون،
ولقالوا: مراء ! والله عزوجل يقول: " وثيابك فطهر (5) " قال: وثيابك ارفعها لا
تجرها، فإذا (6) قام قائمنا كان هذا اللباس (7). 53 - كا: العدة، عن سهل، عن جعفر
بن محمد الاشعري (8)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه
السلام إذا لبس القميص مد يده، فإذا طلع على أطراف الاصابع قطعه (9). 54 - كا:
العدة، عن البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن الحسن الصيقل قال: قال لي أبو عبد
الله عليه السلام: تريد أريك قميص علي الذي ضرب فيه
(1) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة
الحديثة): 369 و 370. والكمأة نبات يقال له شحم الارض ايضا، يوجد في الربيع تحت
الارض، وهو اصل مستدير لا ساق له ولا عرق، لونه يميل إلى الغبرة. (2) في المصدر:
واشترى. (3) في المصدر: إلى اليتيه. (4) في المصدر: ولو فعلناه. (5) سورة المدثر:
4. (6) في المصدر: ولا تجرها وإذا. (7) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة
الحديثة): 455 و 456. (8) في المصدر بعد ذلك: عن ابى القداح. (9) فروع الكافي
(الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 457.
[160]
وأريك دمه ؟ قال: قلت: نعم، فدعا به وهو
في سفط (1) فأخرجه ونشره، فإذا هو قميص كرابيس يشبه السنبلاني (2)، وإذا موضع الجيب
(3) إلى الارض، وإذا أثر دم (4) أبيض شبه اللبن شبه شطيب السيف (5)، قال: هذا قميص
[كرابيس] علي الذي ضرب فيه، وهذا أثر دمه، فشبرت بدنه فإذا هو ثلاثة أشبار، وشبرت
أسفله فإذا هو اثنا عشر شبرا (6). بيان: شطيب السيف: طرائقه التي في متنه. 55 - كا:
أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا عن
الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين قال: رأيت قميص علي عليه السلام الذي
قتل فيه عند أبي جعفر عليه السلام فإذا أسفله اثنا عشر شبرا وبدنه ثلاثة أشبار،
ورأيت فيه نضج دم (7). 56 - نهج: والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها،
ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها عنك ؟ فقلت: اعزب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى
(8). ايضاح: السرى كالهدى: السير عامة الليل، وهذا مثل يضرب لمحتمل المشقة العاجلة
للراحة الآجلة.
(1) السفط: وعاء كالقفة أو الجوالق. (2)
السنبلانى: قميص منسوب إلى بلد بالروم. (3) قوله " موضع للجيب إلى الارض " كمعظم أي
خيط الجيب إلى الذيل بعد وضع القطن فيه، أو خرق وقع من ذلك الموضع إلى الارض. قال
في القاموس: التوضيع خياطة الجبة بعد وضع القطن فيها، وكمعظم المكسر المقطع انتهى.
أو الموضع كمجلس أي كان جيبه مفتوقا إلى الذيل اما بحسب أصل وضعه أو صار بعد
الحادثة كذلك. قاله في المرآت. (4) في المصدر: وإذا الدم. (5) في المصدر: شطب. (6 و
7) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 457. (8) نهج البلاغة (عبده ط
مصر) 1: 315.
[161]
وقال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح هذا
الكلام: جاء في أخبار علي عليه السلام التي ذكرها أبو عبد الله أحمد بن حنبل في
كتاب فضائله وهو روايتي عن قريش بن السبيع بن المهنا العلوي، عن أبي عبد الله أحمد
بن علي بن المعمر، عن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم الصيرفي المعروف
بابن الطيوري، عن محمد بن علي بن محمد بن يوسف العلاف المزني، عن أبي بكر أحمد بن
جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه أبي عبد الله
أحمد قال: قيل لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين لم ترقع قميصك ؟ قال: يخشع القلب
و يقتدي به المؤمنون (1). وروى أحمد أن عليا عليه السلام كان يطوف الاسواق مؤتررا
بإزار مرتديا برداء معه الدرة كأنه أعرابي بدوي، فطاف مرة حتى بلغ سوق الكرابيس،
فقال لواحد: يا شيخ بعني قميصا بثلاثة دراهم (2) فلما جاء أبو الغلام أخبروه، فأخذ
درهما ثم جاء إلى علي عليه السلام ليدفعه إليه، فقال (3): ما هذا - أو قال: ما شأنه
هذا - (4) ؟ فقال: يا مولاي إن القميص الذي باعك ابني كان يساوي درهمين، فلم يأخذ
الدرهم وقال: باعني برضاي وأخذ برضاه. وروى أحمد عن أبي البوار بائع الخام بالكوفة
قال: جاء علي بن أبي طالب عليه السلام إلى السوق ومعه غلام له، وهو خليفة، فاشترى
مني قميصين وقال لغلامه: اختر أيهما شئت، فأخذ أحدهما وأخذ علي الآخر، [قال] ثم
لبسه ومد يده فوجد كمه فاضلة، فقال: اقطع الفاضل، فقطعته ثم كفه وذهب. وروى أحمد عن
الصمال بن عمير قال: رأيت قميص علي عليه السلام الذي اصيب
(1) في المصدر: ليخشع القلب ويقتدى بى
المؤمنون. (2) في المصدر: بعنى قميصا تكون قيمته ثلاثة دراهم، فلما عرفه الشيخ لم
يشتر منه شيئا، ثم أتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئا. فأتى غلاما حدثا فاشترى منه
قميصا بثلاثة دراهم. (3) في المصدر: فقال له. (4) في المصدر: أو قال ما شابه هذا.
[162]
فيه، وهو كرابيس سنبلاني، ورأيت دمه قد
سال عليه كالدردي. وروى أحمد قال: لما أرسل عثمان إلى علي وجدوه مدثرا بعباءة
محتجزا، وهو يذود بعيرا له (1). والاخبار في هذا المعنى كثيرة وفيما ذكرناه كفاية
(2). 57 - نهج: من كلام له عليه السلام والله لان أبيت على حسك السعدان مسهدا واجر
في الاغلال مصفدا أحب إلي من [أن] ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد
وغاصبا لشئ من الحطام، وكيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها ويطول في الثرى
حلولها، والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا، ورأيت صبيانه
شعث الالوان (3) من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكدا وكرر علي القول
مرددا، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقا طريقتي، فأحميت له
حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من
ميسمها (4)، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه
وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه ؟ أتئن من الاذى ولا أئن من لظى ؟ وأعجب من ذلك
طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنها (5) عجنت بريق حية أو قيئها،
فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة ؟ فذلك كله محرم علينا أهل البيت، فقال: لا ذا ولا ذلك
(6) ولكنها هدية، فقلت: هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني أمختبط أم ذو جنة
أم تهجر ؟ والله لو أعطيت الاقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في
نملة أسلبها جلب شعيره ما فعلته، وإن دنياكم عندي لاهون من ورقة
(1) في المصدر: وجدوه مؤتزرا بعباءة
محتجزا بعقال وهو يهنأ بعيرا له. (2) شرح النهج 2: 714 و 715. (3) في المصدر: شعث
الصدور غير الالوان. (4) الميسم: الحديدة أو الالة التى يوسم بها. (5) في المصدر:
كأنما. (6) في المصدر: ولا ذاك.
[163]
في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ونعيم (1)
يفنى ولذة لا تبقى، نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين (2). بيان:
السعدان: نبت وهو أفضل مراعي الابل، ولهذا النبت شوك يقال له: حسك السعدان.
والمسهد: الممنوع من النوم. وصفده يصفده: شده وأوثقه، وكذلك التصفيد. والحطام: ما
تكسر من اليبس، شبه به متاع لفنائه. والقفول: الرجوع من السفر، وهو إما كناية عن
الشيب فإن الشباب إقبال إلى الدنيا والشيب إدبار عنها. أو الموت فإن الآخرة هي
الموطن الاصلي، فبالموت يرجع إليها أو إلى ما كان قبل تعلق الروح به، والاسناد إلى
النفس مجازي أو المراد بالنفس البدن، والاظهر عندي أن القفول جمع القفل استعيرت
لاوصال البدن ومفاصلها والاملاق: الفقر. قوله عليه السلام: " شعث الالوان " أي مغبر
الالوان ويوصف الجوع بالغبرة. والعظلم بالكسر: النيل، وقيل: هو الوسمة. قوله عليه
السلام: " ذي دنف " أي ذي سقم مولم. والثكل فقدان المرأة ولدها. قوله: " شنئتها "
أي أبغضتها ونفرت منها، ولعل المراد بالصلة ما يتوصل به إلى تحصيل المطلوب من
المصانعة والرشوة، وبالصدقة الزكاة المستحبة. ولا يبعد حرمتها على الامام، ويحتمل
أن يكون المراد بالحرمة ما يشمل الكراهة الشديدة، ويقال: هبلته أي ثكلته والهبول
بفتح الهاء من النساء التي لا يبقى لها ولد، والمختبط: المصروع، وذو الجنة من به مس
من الشيطان، والذي يهجر هو الذي يهذي في مرض ليس بصرع كالمحموم والمبرسم (3).
والجلب بالضم: القشر. والقضم: الاكل بأطراف الاسنان. السبات بالضم: النوم. أقول: قد
مضت الخطبة وشرحها، وإنما كررت لما فيهما من الاختلاف. 58 - ما: جماعة، عن أبي
المفضل، عن غياث بن مصعب، عن محمد بن حماد
(1) في المصدر: ولنعيم. (2) نهج البلاغة
1: 479 - 481. (3) البرسام: التهاب في الحجاب الذى بين الكبد والقلب.
[164]
عن حاتم الاصم، عن شقيق البلخي، عمن أخبره
من أهل العلم قال: قال جابر بن عبد الله الانصاري: لقيت علي بن أبي طالب عليه
السلام ذات يوم صباحا فقلت: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين ؟ قال: بنعمة من الله وفضل
من رجل لم يزر أخا ولم يدخل على مؤمن سرورا، قلت: وما ذلك (1) ؟ قال: يفرج عنه كربا
أو يقضي عنه دينا أو يكشف عنه فاقته، قال جابر: ولقيت عليا يوما فقلت: كيف أصبحت يا
أمير المؤمنين ؟ قال: أصبحنا وبنا من نعم الله وفضله مالا نحصيه مع كثير ما نحصيه،
فما ندري أي نعمة نشكر، أجميل ما ينشر أم قبيح ما يستر ؟ قال: وقال عبد الله بن
جعفر: دخلت على عمي علي عليه السلام صباحا وكان مريضا، فقلت: كيف أصبحت يا أمير
المؤمنين ؟ قال: يا بني كيف أصبح من يفنى ببقائه ويسقم بدوائه ويؤتى من مأمنه (2)
؟. أقول: سيأتي بعض أخبار مكارمه صلوات الله عليه في خطبة الحسن عليه السلام بعد
وفاته، وفي أبواب خطبه ومواعظه وسائر أبواب هذا الكتاب، وقد مر كثير منها في
الابواب السابقة. 108 (باب) * (علة عدم اختضابه عليه السلام) * 1 - ع: السناني، عن
الاسدي، عن محمد بن أبي بشر، عن الحسين بن الهيثم، عن سليمان بن داود، عن علي بن
غراب، عن الثمالي، عن ابن طريف، عن ابن نباتة قال: قلت لامير المؤمنين عليه السلام:
ما منعك من الخضاب وقد اختضب رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: أنتظر أشقاها أن
يخضب لحيتي من دم رأسي، بعهد معهود أخبرني به حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله
(2).
(1) في المصدر: وما ذلك السرور. (2) أمالى
ابن الشيخ 49 و 50. والرواية من مختصات (ك) فقط. (3) علل الشرائع: 69.
[165]
2 - كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير،
عن معاوية بن عمار، عن حفص الاعور قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن خضاب
اللحية والرأس أمن السنة ؟ فقال: نعم، قلت: إن أمير المؤمنين عليه السلام لم يختضب،
قال: إنما منعه قول رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هذه ستخضب من هذه (1). 3 -
كا: محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: خضب النبي صلى الله عليه وآله ولم يمنع عليا عليه السلام إلا قول النبي
صلى الله عليه وآله: تخضب هذه من هذه (2). نهج: قيل له صلوات الله عليه: لو غيرت
شيبتك (3) يا أمير المؤمنين، فقال: الخضاب زينة ونحن قوم في مصيبة، يريد به رسول
الله صلى الله عليه وآله (4).
(1 و 2) فروع الكافي (الجزء السادس من
الطبعة الحديثة): 481. وفيه: تختضب. (3) في المصدر: شيبك. (4) نهج البلاغة 2: 255.
وفيه: يريد به وفاة رسول صلى الله عليه وآله.
[166]
(ابواب) * (معجزاته صلوات الله وسلامه
عليه) * 109 (باب) * (رد الشمس له وتكلم الشمس معه عليه السلام) * 1 - ع: القطان،
عن عبد الرحمن بن محمد الحسني، عن فرات بن إبراهيم، عن الفزاري، عن محمد بن الحسين،
عن محمد بن إسماعيل، عن أحمد بن نوح وأحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن حنان قال:
قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما العلة في ترك أمير المؤمنين عليه السلام صلاة
العصر وهو يحب أن يجمع (1) بين الظهر والعصر. فأخرها ؟ قال: إنه لما صلى الظهر
التفت إلى جمجمة تلقاءه (2)، فكلمها أمير - المؤمنين عليه السلام فقال: أيتها
الجمجمة من أين أنت ؟ فقالت: أنا فلان بن فلان ملك بلاد آل فلان، قال لها أمير
المؤمنين عليه السلام: فقصي علي الخبر وما كنت وما كان عصرك فأقبلت الجمجمة تقص
خبرها (3) وما كان في عصرها من خير وشر، فاشتغل بها حتى غابت الشمس، فكلمها بثلاثة
أحرف من الانجيل لان لا يفقه العرب كلامها، قالت: لا أرجع وقد أفلت (4)، فدعا الله
عزوجل فبعث إليها سبعين ألف ملك بسبعين ألف سلسلة حديد، فجعلوها في رقبتها وسحبوها
(5) على وجهها حتى عادت بيضاء نقية، حتى صلى أمير المؤمنين عليه السلام ثم هوت كهوي
الكوكب، فهذه العلة في تأخير
(1) كذا في (ك). وفي غيره من النسخ وكذا
المصدر: وهو يجب له أن يجمع. (2) كذا في (ك). وفي غيره من النسخ وكذا المصدر:
ملقاة. (3) في المصدر: من خبرها. (4) أي قال امير المؤمنين عليه السلام للشمس:
ارجعي، فقالت: لا ارجع وقد افلت. (5) أي جروها.
[167]
العصر، وحدثني بهذا الحديث ابن سعيد
الهاشمي عن فرات بإسناده وألفاظه (1). 2 - لى: (2) القطان، عن محمد بن صالح، عن عمر
بن خالد المخزومي، عن ابن نباتة، عن محمد بن موسى، عن عمارة بن مهاجر، عن ام جعفر
أو أم محمد (3) بنتي محمد بن جعفر، عن أسماء بنت عميس وهي جدتها قالت: خرجت مع جدتي
أسماء بنت عميس وعمي عبد الله بن جعفر حتى إذا كنا بالضهياء (4) حدثتني أسماء بنت
عميس قالت: يا بنية كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا المكان، فصلى رسول
الله صلى الله عليه وآله الظهر ثم دعا عليا فاستعان به في بعض حاجته، ثم جاءت
العصر، فقام النبي صلى الله عليه وآله فصلى العصر، فجاء علي عليه السلام فقعد إلى
جنب رسول الله صلى الله عليه وآله فأوحى الله إلى نبيه فوضع رأسه في حجر علي عليه
السلام حتى غابت الشمس لا يرى منها شئ على أرض ولا جبل، ثم جلس رسول الله صلى الله
عليه وآله فقال لعلي عليه السلام: هل صليت العصر ؟ فقال: لا يا رسول الله انبئت أنك
لم تصل، فلما وضعت رأسك في حجري لم أكن لاحركه، فقال: اللهم إن هذا عبدك علي احتبس
نفسه على نبيك فرد عليه شرقها، فطلعت الشمس، فلم يبق جبل ولا أرض إلا طلعت عليه
الشمس، ثم قام علي عليه السلام فتوضأ وصلى ثم انكسفت. ص: الصدوق، عن محمد بن الفضل،
عن إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن علي ابن سلمة، عن محمد بن إسماعيل بن فديك، عن
محمد بن موسى بن أبي عبد الله، عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن أمه أم جعفر،
عن جدتها أسماء بنت عميس مثله، وقال بعد نقل الخبر: ولعله عليه السلام صلى إيماء
قبل ذلك أيضا (5). 3 - ع: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن
(1) علل الشرائع: 124. (2) كذا في النسخ،
وهو سهو فان الرواية لم تذكر في الامالى وهى مذكورة في العلل: 124. (3) في العلل و
(ت): عن ام جعفر وام محمد. (4) في العلل و (م): " بالصهباء " وعلى كلا التقديرين
موضع بقرب خيبر. (5) مخطوط. (*).
[168]
عبد الله القزويني، عن الحسين بن المختار
القلانسي، عن أبي بصير، عن عبد الواحد بن المختار الانصاري، عن ام المقدام الثقفية
قالت: قال لي جويرية بن مسهر: قطعنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
جسر الصراة في وقت العصر، فقال: إن هذه أرض معذبة لا ينبغي لنبي ولا وصي نبي أن
يصلي فيها، فمن أراد منكم أن يصلي (1) فليصل، فتفرق الناس يمنة ويسرة يصلون، فقلت
أنا: والله لاقلدن هذا الرجل صلاتي اليوم، ولا أصلي حتى يصلي، فسرنا وجعلت الشمس
تسفل، وجعل يدخلني من ذلك أمر عظيم، حتى وجبت الشمس وقطعنا الارض، فقال: يا جويرية
أذن، فقلت: تقول أذن وقد غابت الشمس ؟ فقال: أذن، فأذنت، ثم قال لي: أقم، فأقمت،
فلما قلت: " قد قامت الصلاة " رأيت شفتيه يتحركان وسمعت كلاما كأنه كلام العبرانية،
فارتفعت الشمس حتى صارت في مثل وقتها في العصر، فصلى، فلما انصرفنا هوت إلى مكانها
واشتبكت النجوم، فقلت أنا: أشهد أنك وصي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا
جويرية أما سمعت الله عزوجل يقول: " فسبح باسم ربك العظيم " ؟ فقلت: بلى، قال: فإني
سألت الله باسمه العظيم فردها علي (2). ير: أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد مثله
(3). فض يل: بالاسناد يرفعه إلى محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جده الشهيد عليهم
السلام مثله (4). كنز: محمد بن العباس، عن أحمد بن محمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد
بن عيسى عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي
بصير مثله (5).
(1) في المصدر: أن يصلى فيها (2) علل
الشرائع: 124. (3) بصائر الدرجات: 58. (4) الروضة: 30 الفضائل: 71. (5) مخطوط.
[169]
بيان: الصراة (1) نهر بالعراق. ووجوب
الشمس غيبوبتها وسقوطها. 4 - ب: محمد بن عبد الحميد، عن أبى جميلة، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله العصر، فجاء علي عليه السلام
ولم يكن صلاها، فأوحى الله (2) إلى رسوله عند ذلك، فوضع رأسه في حجر علي عليه
السلام فقام رسول الله صلى الله عليه وآله عن حجره حين قام وقد غربت الشمس، فقال:
يا علي أما صليت العصر ؟ فقال: لا يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
اللهم إن عليا كان في طاعتك (3)، فردت عليه الشمس عند ذلك (4). 5 - شف: موفق بن
أحمد المكي، عن شهردار، عن عبدوس، عن أبي الفرج بن سهل، عن أحمد بن إبراهيم، عن
زكريا العلائي (5) عن الحسن بن موسى، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبي حازم محمد بن
محمد، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى، عن أبيه، عن جده محمد بن علي بن
موسى بن جعفر، عن آبائه صلوات الله عليهم، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال
لعلي بن أبي طالب عليه السلام: يا أبا الحسن كلم الشمس فإنها تكلمك، قال علي عليه
السلام: السلام عليك أيها العبد المطيع لله، فقالت الشمس: وعليك السلام يا أمير
المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين يا علي أنت وشيعتك في الجنة، يا علي
أول من ينشق (6) عنه الارض محمد ثم أنت وأول من يحيا محمد ثم أنت، وأول من يكسى
محمد ثم أنت، ثم انكب علي ساجدا وعيناه تذرفان بالدموع، فانكب عليه النبي صلى الله
عليه وآله فقال: يا أخي وحبيبي ارفع رأسك فقد باهى الله بك أهل سبع سماوات (7).
(1) بالفتح. (2) في المصدر: فأوحى إلى
رسوله. (3) في المصدر و (ت) بعد ذلك: فاردد عليه الشمس اه. (4) قرب الاسناد: 82.
(5) في المصدر: البغدادي. (6) في المصدر: تنشق. (7) اليقين في امرة أمير المؤمنين:
25 و 26.
[170]
كشف: من مناقب الخوارزمي حدثنا عبد الرحمن
بن القاسم الهمداني، عن أبي حاتم محمد بن محمد الطالقاني، عن أبي محمد العسكري، عن
آبائه عليهم السلام مثله (1). 6 - يج: من معجزاته صلى الله عليه وآله أن عليا عليه
السلام بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض الامور بعد صلاة الظهر، وانصرف من
جهته تلك وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وآله العصر بالناس، فلما دخل علي عليه
السلام جعل يقص عليه ما كان قد نفض (2) فيه فنزل الوحي عليه في تلك الساعة، فوضع
رأسه في حجر علي عليه السلام وكانا كذلك حتى إذا غربت، فسري عن رسول الله صلى الله
عليه وآله في وقت الغروب، فقال لعلي عليه السلام: هل صليت العصر ؟ قال: لا فإني
كرهت أن ازيل رأسك، ورأيت جلوسي تحت رأسك وأنت في تلك الحال أفضل من صلاتي، فقام
رسول الله صلى الله عليه وآله فاستقبل القبلة فقال: اللهم إن كان علي في طاعتك
وحاجة رسولك صلى الله عليه وآله فاردد عليه الشمس ليصلي صلاته، فرجعت الشمس حتى
صارت في موضع أول العصر، فصلى علي عليه السلام ثم انقضت الشمس للغروب مثل انقضاض
الكواكب. وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: يا علي إن الشمس مطيعة لك فادع،
فدعا فرجعت، وكان قد صلاها بالاشارة (3). 7 - يج: روي عن زاذان عن بن عباس قال: لما
فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة ورفع الهجرة بقوله: " لا هجرة بعد الفتح " قال
لعلي عليه السلام: إذا كان الغد كلم الشمس حتى تعرف كرامتك على الله، فلما أصبحنا
قمنا، فجاء علي إلى الشمس حين طلعت فقال: السلام عليك أيتها المطيعة لربها، فقالت
الشمس: وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه، ابشر فإن رب العزة يقرؤك السلام ويقول
لك: ابشر فإن لك ولمحبيك ولشيعتك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر،
فخر عليه السلام ساجدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ارفع رأسك حبيبي فقد
باهى الله بك الملائكة (4).
(1) كشف الغمة: 44 و 45. (2) نفض الطريق:
نظر جميع ما فيه حتى يتعرفه، وفي (م): نفذ. وفي (ت): نقض. (3 و 4) لم نجدهما في
الخرائج المطبوع.
[171]
8 - شا: مما أظهره الله تعالى من الاعلام
الباهرة على يد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام ما استفاضت به الاخبار
ورواه علماء السير والآثار ونظمت فيه الشعراء الاشعار رجوع الشمس له عليه السلام
مرتين: في حياة النبي صلى الله عليه وآله مرة وبعد وفاته اخرى، وكان من حديث رجوعها
عليه المرة الاولى (1) ما روته أسماء بنت عميس وأم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه
وآله وجابر بن عبد الله الانصاري وأبو سعيد الخدري في جماعة (2) من الصحابة أن
النبي صلى الله عليه وآله كان ذات يوم في منزله وعلي عليه السلام بين يديه إذ جاءه
جبرئيل عليه السلام يناجيه عن الله سبحانه، فلما تغشاه الوحي توسد فخذ أمير
المؤمنين عليه السلام فلم يرفع رأسه عنه حتى غربت الشمس، فاصطبر (3) أمير المؤمنين
عليه السلام لذلك إلى صلاة العصر، فصلى أمير المؤمنين عليه السلام جالسا يؤمئ
بركوعه وسجوده إيماء، فلما أفاق من غشيته قال لامير المؤمنين عليه السلام: أفاتتك
صلاة العصر ؟ قال: لم أستطع أن أصليها قائما لمكانك يا رسول الله والحال التي كنت
عليها في استماع الوحي، فقال له: ادع الله حتى يرد عليك الشمس لتصليها قائما في
وقتها كما فاتتك، فإن الله تعالى يجيبك لطاعتك لله ورسوله (4)، فسأل أمير -
المؤمنين عليه السلام الله في رد الشمس، فردت (5) حتى صارت في موضعها من السماء وقت
صلاة العصر، فصلى أمير المؤمنين عليه السلام صلاة العصر في وقتها ثم غربت، فقالت
أسماء: أم والله لقد سمعنا لها عند غروبها صريرا كصرير المنشار في الخشب. وكان
رجوعها (6) بعد النبي صلى الله عليه وآله أنه لما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل
كثير من أصحابه بتعبير دوابهم ورحالهم، فصلى (7) عليه السلام بنفسه في طائفة معه
العصر
(1) في المصدر: في المرة الاولى. (2) في
المصدر و (ت): وجماعة. (3) في المصدر: فاضطر. (4) في المصدر: ولرسوله. (5) في
المصدر: فردت عليه. (6) في المصدر: وكان رجوعها عليه. (7) في المصدر: وصلى.
[172]
فلم يفرغ الناس من عبورهم حتى غربت الشمس
وفاتت الصلاة كثيرا منهم، وفات الجمهور فضل الاجتماع معه، فتكلموا في ذلك، فلما سمع
كلامهم فيه سأل الله تعالى أن يرد الشمس عليه لتجتمع كافة أصحابه على صلاة العصر في
وقتها، فأجابه الله تعالى في ردها عليه، وكانت في الافق على الحال التي تكون عليه
وقت العصر، فلما سلم القوم غابت الشمس، فسمع لها وجيب شديد هال الناس ذلك، فأكثروا
من التسبيح والتهليل والاستغفار والحمد لله على النعمة التي ظهرت فيهم، وسار خبر
ذلك في الآفاق، وانتشر ذكره في الناس، وفي ذلك يقول السيد بن محمد الحميري: " ردت
الشمس " إلى آخر ما سيأتي من الابيات (1). 9 - شى: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد
الله، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: دخل علي عليه السلام على رسوله صلى الله
عليه وآله في مرضه وقد أغمي عليه، ورأسه في حجر جبرئيل وجبرئيل في صورة دحية
الكلبي، فلما دخل علي عليه السلام قال له جبرئيل: دونك رأس ابن عمك فأنت أحق به
مني، لان الله يقول في كتابه " واولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " (2)
فجلس علي عليه السلام وأخذ رأس رسول الله صلى الله عليه وآله فوضعه في حجره، فلم
يزل رأس رسول الله صلى الله عليه وآله في حجره حتى غابت الشمس، وإن رسول الله صلى
الله عليه وآله أفاق فرفع رأسه فنظر إلى علي عليه السلام فقال: يا علي أين جبرئيل ؟
فقال: يا رسول الله ما رأيت إلا دحية الكلبي دفع إلي رأسك قال: يا علي دونك رأس ابن
عمك فأنت أحق به مني لان الله يقول في كتابه: " واولو الارحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله " فجلست وأخذت رأسك فلم يزل في حجري حتى غابت الشمس، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وآله: أفصليت العصر ؟ فقال: لا، قال: فما منعك أن تصلي ؟ فقال: قد
أغمي عليك فكان رأسك في حجري، فكرهت أن أشق عليك يا رسول الله، وكرهت أن أقوم وأصلى
وأضع رأسك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم إن عليا كان في طاعتك وطاعة
رسولك حتى فاتته صلاة العصر،
(1) الارشاد للمفيد: 163 و 164. (2) سورة
الانفال: 75. سورة الاحزاب: 6.
[173]
اللهم فرد عليه الشمس حتى يصلي العصر في
وقتها، قال: فطلعت الشمس فصارت في وقت العصر بيضاء نقية، ونظر إليها أهل المدينة،
وإن عليا قام وصلى فلما انصرف غابت الشمس وصلوا المغرب (1). 10 - قب: روى أبو بكر
بن مردويه في المناقب، وأبو إسحاق الثعلبي في تفسيره، وأبو عبد الله بن منده في
المعرفة، وأبو عبد الله النطنزي في الخصائص، والخطيب في الاربعين، وأبو أحمد
الجرجاني في تاريخ جرجان: رد الشمس لعلي عليه السلام، ولابي بكر الوراق كتاب طرق من
روى رد الشمس، ولابي عبد الله الجعل مصنف في جواز رد الشمس ولابي القاسم الحسكاني
مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيم النواصب الشمس (2) ولابي الحسن شاذان كتاب بيان رد
الشمس على أمير المؤمنين عليه السلام وذكر أبو بكر الشيرازي في كتابه بالاسناد عن
شعبة، عن قتادة عن الحسن البصري، عن أم هانئ هذا الحديث مستوفى ثم قال: قال الحسن
عقيب هذا الخبر: وأنزل الله عزوجل آيتين في ذلك: قوله تعالى: " وهو الذي جعل الليل
والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " (3) يعني هذا يخلف هذا لمن أراد أن
يذكر فرضا نسيه أو نام عليه أو أراد شكورا، وأنزل أيضا " يكور الليل على النهار
ويكور النهار على الليل " (4) وذكر أن الشمس ردت عليه مرارا: الذي رواه سلمان، ويوم
البساط، ويوم الخندق، ويوم حنين، ويوم خيبر، ويوم قرقيسينا ويوم ببراثا (5)، ويوم
الغاضرية، ويوم النهروان، ويوم بيعة الرضوان، ويوم صفين
(1) تفسير العياشي: ج 2 ص 70. وقد رواه في
البرهان 2: 98. (2) بضم الشين والميم وسكونها جمع الشموس: الذى يكون عسرا في عداوته
شديد الخلاف على من عانده. (3) سورة الفرقان: 62. (4) سورة الزمر: 5. (5) في المصدر
" قرقيساء ويوم براثا " وقال في المراصد (3: 1080): قرقيساء بلد على الخابور عند
مصبه وهى على الفرات، جانب منها على الخابور وجانب على الفرات فوق رحبة مالك بن
طوق. وبراثا محلة كانت في طرف بغداد، بنى بها جامع تجتمع بها الشيعة، وآثاره باقية
إلى الان.
[174]
وفي النجف، وفي بني مازر، وبوادي العقيق،
وبعد أحد، وروى الكليني في الكافي أنها رجعت بمسجد الفضيح (1) من المدينة ؟ وأما
المعروف فمرتان في حياة النبي صلى الله عليه وآله بكراع الغميم وبعد وفاته ببابل.
فأما في حال حياته صلى الله عليه وآله فما روته (2) أم سلمة وأسماء بنت عميس وجابر
الانصاري وأبو ذر وابن عباس والخدري وأبو هريرة والصادق عليه السلام أن رسول الله
صلى الله عليه وآله صلى بكراع الغميم، فلما سلم نزل عليه الوحي وجاء علي عليه
السلام وهو على ذلك الحال، فأسنده إلى ظهره، فلم يزل على تلك الحال حتى غابت الشمس،
والقرآن أن ينزل على النبي صلى الله عليه وآله، فلما تم الوحي قال: يا علي صليت ؟
قال: لا، وقص عليه، فقال: ادع ليرد الله عليك الشمس، فسأل الله فردت عليه الشمس
بيضاء نقية. وفي رواية أبي جعفر الطحاوي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: اللهم إن
عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس، فردت، فقام وصلى علي (3) عليه
السلام، فما فرغ من صلاته وقعت الشمس وبدت (4) الكواكب. وفي رواية أبي بكر مهرويه
قالت أسماء: أم والله لقد سمعنا لها عند غروبها صريرا كصرير المنشار في الخشب. قال:
وذلك بالضهيا في غزاة خيبر، وروي أنه صلى إيماء، فلما ردت الشمس أعاد الصلاة بأمر
رسول الله صلى الله عليه وآله. وأما بعد وفاته صلى الله عليه وآله ما روى جويرية بن
مسهر وأبو رافع والحسين بن علي عليهما السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام لما عبر
الفرات ببابل صلى بنفسه في طائفة معه العصر، ثم لم يفرغ الناس من عبورهم حتى غربت
الشمس وفات صلاة العصر الجمهور، فتكلموا في ذلك، فسأل الله تعالى رد الشمس عليه
فردها عليه، فكانت في الافق، فلما سلم القوم غابت، فسمع لها وجيب شديد هال الناس
ذلك،
(1) في المصدر: الفضيخ. (2) في المصدر: ما
روت. (3) في المصدر: فقام على عليه السلام وصلى. (4) في المصدر: بدرت.
[175]
وأكثروا التهليل والتسبيح والتكبير، ومسجد
الشمس بالصاعدية من أرض بابل شائع ذائع. وعن ابن عباس بطرق كثيرة أنه لم ترد الشمس
إلا لسليمان وصي داود، وليوشع وصي موسى، ولعلي بن أبي طالب وصي محمد صلوات الله
عليهم أجمعين. وأما طعن الملاحدة أن ذلك يبطل الحساب والحركات فمجاب بأن الله تعالى
ردها ورد معها الفلك، فلا يختلف الحساب والحركات ونقول (1) بردها ثم يحدث فيها من
السير ما يظهر وتلحق بموضعها ولا يظهر على الفلك، وذلك مبني (2) على حدوث العالم
وإثبات المحدث، وأما اعتراض ابن فورك (3) في كتاب الفصول من تعليق الاصول أنه لو
كان ذلك صحيحا لرآه جميع الناس في جميع الاقطار فالانفصال منه بما أجيب عنه من
اعترض على انشقاق القمر للنبي صلى الله عليه وآله. محمد بن مسلم عن أبي جعفر عن
جابر قال: كلمت الشمس علي بن أبي طالب عليه السلام سبع مرات، فأول مرة قال له: يا
إمام المسلمين اشفع لي إلى ربي أن لا يعذبني، والثانية قالت: مرني أحرق مبغضيك فإني
أعرفهم بسيماهم، والثالثة ببابل وقد فاتته العصر، فكلمها وقال لها: ارجعي إلى
موضعك، فأجابته بالتلبية، والرابعة قال: يا أيتها الشمس هل تعرفين لي خطيئة ؟ قالت:
وعزة ربي لو خلق الله الخلق مثلك لم يخلق النار، والخامسة فإنهم اختلفوا في الصلاة
في خلافة أبي بكر فخالفوا عليا، فتكلمت الشمس ظاهرة فقالت: " الحق له وبيده ومعه "
سمعته قريش ومن حضره، والسادسة حين دعاها فأتته بسطل من ماء الحياة
(1) في المصدر: أو يقول. (2) في المصدر:
يبنى. (3) بضم الفاء وفتح الراء هو الاستاذ ابو بكر محمد بن الحسن (الحسين خ ل) ابن
فورك الاصبهاني المتكلم العارف الاديب الفاضل الواعظ، اقام بالعراق مدة يدرس العلم
ثم توجه إلى الرى، والتمس منه أهل نيسابور التوجه إليهم ففعل. فبنى له بها مدرسة
ودار فأفاد فيها وصنف من الكتب ما يقرب من مائة، توفى سنة 446 أو 406 ودفن بنيسابور
بالحيرة (الكنى و الالقاب 1، 374).
[176]
فتوضأ للصلاة فقال لها: من أنت ؟ فقالت:
أنا الشمس المضيئة، والسابعة عند وفاته حين جاءت وسلمت عليه وعهد إليها وعهدت إليه.
وحدثني شيرويه الديلمي وعبدوس الهمداني والخطيب الخوارزمي من كتبهم وأجازني جدي
الكيا شهر آشوب ومحمد الفتال من كتب أصحابنا نحو ابن قولويه والكشي والعبدكي وعن
سلمان (1) وأبي ذر وابن عباس وعلي بن أبي طالب عليه السلام أنه لما فتح مكة وانتهيا
إلى هوازن قال النبي صلى الله عليه وآله: قم يا علي وانظر كرامتك على الله، كلم
الشمس إذا طلعت، فقام علي عليه السلام وقال: السلام عليك أيتها العبد الدائب (2) في
طاعة الله ربه، فأجابته الشمس وهي تقول: وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه وحجة
الله على خلقه، فانكب علي ساجدا شكرا لله تعالى، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله
يقيمه ويمسح وجهه ويقول (3): قم حبيبي فقد أبكيت أهل السماء من بكائك، وباهى الله
بك حملة عرشه، ثم قال: الحمد لله الذي فضلني على سائر الانبياء وأيدني بوصية سيد
الاوصياء، ثم قرأ " وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها " الآية (4). 11 -
جا: المرزباني، عن أحمد بن محمد بن عيسى المكي، عن عبد الرحمن بن محمد بن حنبل قال:
أخبرت عن عبد الرحمن بن شريك، عن أبيه، عن عروة بن عبيدالله ابن بشير الجعفي قال:
دخلت على فاطمة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام وهي عجوز كبيرة وفي عنقها خرز (5)
وفي يدها مسكتان، فقالت: يكره للنساء أن يتشبهن بالرجال ثم قالت: حدثتني أسماء بنت
عميس قالت: أوحى الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وآله فتغشاه الوحي، فستره علي بن
أبي طالب صلوات الله عليه بثوبه حتى غابت الشمس
(1) في المصدر: عن سلمان. (2) دأب في
العمل: جد وتعب واستمر. (3) في المصدر: وقال. (4) مناقب آل ابى طالب 1: 459 - 364
والاية في سورة آل عمران: 83. (5) في المصدر " خرزة " وهو ما ينظم في السلك من
الجذع والودع، أو الحب المثقوب من الزجاج ونحوه، والفصوص من الحجارة. والمسك
بفتحتين: الاسورة والخلاخل.
[177]
فلما سري عنه صلى الله عليه وآله قال: يا
علي ما صليت العصر ؟ قال: يا رسول الله اشتغلت عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله: اللهم اردد الشمس على علي بن أبي طالب، وقد كانت غابت، فرجعت حتى بلغت الشمس
حجرتي ونصف المسجد (1). بيان: لعل مرادها بالتشبه هنا ترك الحلي والزينة، ويقال:
سري عنه الهم - على بناء المجهول من التفعيل - أي انكشف. 12 - لى: القطان، عن
القاسم بن العباس، عن أحمد بن يحيى الكوفي عن أبي قتادة، عن جعفر بن برقان، عن
ميمون بن مهران، عن زاذان، عن ابن عباس قال: لما فتح الله عزوجل مكة خرجنا ونحن
ثمانية آلاف رجل، فلما أمسينا صرنا عشرة آلاف من المسلمين، فرفع رسول الله صلى الله
عليه وآله الهجرة فقال: لا هجرة بعد فتح مكة، قال: ثم انتهينا إلى هوازن فقال النبي
صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام: يا علي قم فانظر كرامتك على الله
عزوجل، كلم الشمس إذا طلعت، قال ابن عباس: والله ما حسدت أحدا إلا علي بن أبي طالب
عليه السلام في ذلك اليوم، وقلت للفضل: قم ننظر كيف يكلم علي بن أبي طالب عليه
السلام الشمس، فلما طلعت الشمس قام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: السلام عليك
أيتها العبد الصالح الدائب في طاعة الله ربه، فأجابته الشمس وهي تقول: وعليك السلام
يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه وحجة الله على خلقه، قال: فانكب علي
عليه السلام ساجدا شكرا لله عزو جل، قال فوالله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه
وآله قام فأخذ برأس علي عليه السلام يقيمه ويمسح وجهه ويقول: قم حبيبي فقد أبكيت
أهل السماء من بكائك وباهى الله عزوجل بك حملة عرشه (2). ص: الصدوق، عن ابن موسى،
عن أحمد بن جعفر بن نصر، عن عمر بن خلاد، عن أبي قتادة مثله (3).
(1) امالي الشيخ المفيد: 55 و 56 (2)
امالي الصدوق: 351. (3) مخطوط.
[178]
13 - ير: أحمد بن محمد، عن الحسين بن
سعيد، عن عبد الله بن بحر، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي المقدام، عن جويرية
بن مسهر قال: أقبلنا مع أمير المؤمنين عليه السلام من قتل الخوراج حتى إذا قطعنا في
أرض بابل حضرت (1) صلاة العصر، قال: فنزل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل الناس،
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا أيها الناس إن هذه الارض ملعونة، وقد عذبت من
الدهر ثلاث مرات، وهي إحدى المؤتفكات (2) وهي أول أرض عبد فيها وثن، إنه لا يحل
لنبي ولوصي نبي أن يصلي فيها، فأمر الناس فمالوا عن جنبي الطريق يصلون، وركب بغلة
رسول الله فمضى عليها، قال جويرية: فقلت: والله لاتبعن أمير المؤمنين ولاقلدنه
صلاتي اليوم، قال: فمضيت خلفه، فولالله ما جزنا (3) جسر سوراء حتى غابت الشمس، قال:
فسببته أو هممت أن أسبه ! قال: فقال: يا جويرية أذن، قال: فقلت: نعم يا أمير
المؤمنين، قال: فنزل ناحية فتوضأ ثم قام فنطق بكلام لا أحسبه إلا بالعبرانية، ثم
نادى بالصلاة، فنظرت والله إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير، فصلى العصر
وصليت معه، قال: فلما فرغنا من الصلاة عاد الليل كما كان، فالتفت إلي فقال: يا
جويرية ابن مسهر إن الله يقول: " فسبح باسم ربك العظيم " فإني سألت الله باسمه
العظيم فرد علي الشمس (4). 14 - ير: محمد بن الحسين، عن عبد الله بن جبلة، عن أبي
الجارود قال: سمعت جويرية يقول: أسرى علي بنا من كربلاء إلى الفرات، فلما صرنا
ببابل قال لي: أي موضع يسمى هذا يا جويرية ؟ قلت: هذه بابل يا أمير المؤمنين، قال:
أما إنه لا يحل لنبي ولا وصي نبي أن يصلى بأرض قد عذبت مرتين، قال: قلت: هذه العصر
يا أمير المؤمنين فقد وجبت الصلاة يا أمير المؤمنين، قال:
(1) في المصدر: حضره. (2) المؤتفكات:
المدن التى أبادها الله وقلبها على أهلها. (3) في المصدر: ما صرنا. (4) بصائر
الدرجات: 58.
[179]
قد أخبرتك أنه لا يحل لنبي ولا وصي نبي أن
يصلي بأرض قد عذبت مرتين وهي تتوقع الثالثة، إذا طلع كوكب الذنب وعقد جسر بابل
قتلوا عليه مائة ألف تخوضه الخيل إلى السنابك (1)، قال جويرية: والله (2) لاقلدن
صلاتي اليوم أمير المؤمنين عليه السلام، وعطف علي عليه السلام برأس بغلة رسول الله
صلى الله عليه وآله الدلدل حتى جاز سوراء قال لي: أذن بالعصر يا جويرية فأذنت، وخلا
علي ناحية فتكلم بكلام له سرياني أو عبراني، فرأيت للشمس صريرا وانقضاضا حتى عادت
بيضاء نقية قال: ثم قال: أقم، فأقمت ثم صلى بنا فصلينا معه، فلما سلم اشتبكت النجوم
فقلت: وصي نبي ورب الكعبة (3). 15 - يج: روي عن أسماء بنت عميس قالت: إن عليا بعثه
رسول الله صلى الله عليه وآله في حاجة في غزوة حنين وقد صلى النبي صلى الله عليه
وآله العصر ولم يصلها علي عليه السلام فلما رجع وضع رسول الله صلى الله عليه وآله
رأسه في حجر علي ورفعه، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد اوحي إليه، فجلله
بثوبه، فلم يزل كذلك حتى كادت الشمس تغيب، ثم إنه سري عن النبي صلى الله عليه وآله
فقال: أصليت يا علي ؟ قال: لا، قال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم رد على علي
الشمس، فرجعت حتى بلغت نصف المسجد، قالت أسماء: وذلك بالصهباء موضع طلوع (4). 16 -
من عيون المعجزات المنسوب إلى السيد المرتضى رضي الله عنه قال: حدثني ابن عباس
الجوهري، عن أبي طالب عبيد الله بن محمد الانبار عن أبي الحسين. محمد بن يزيد (5)
التستري، عن أبي سمينة محمد بن علي الصيرفي، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن حماد بن
عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن
(1) جمع السنبك: طرف الحافر. (2) في
المصدر: قلت والله. (3) بصائر الدرجات: 59. (4) لم نجده في الخرائج المطبوع. (5) في
(م) و (ت): محمد بن زيد.
[180]
سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أبا ذر
جندب بن جنادة الغفاري قال: رأيت السيد محمدا صلى الله عليه وآله وقد قال لامير
المؤمنين عليه السلام ذات ليلة: إذا كان غدا اقصد إلى جبال البقيع وقف على نشز (1)
من الارض، فإذا بزغت الشمس فسلم عليها، فإن الله تعالى قد أمرها أن تجيبك بما فيك،
فلما كان من الغد خرج أمير المؤمنين عليه السلام و معه أبو بكر وعمر وجماعة من
المهاجرين والانصار حتى وافى البقيع، ووقف على نشز من الارض، فلما طلعت الشمس قال
عليه السلام: السلام عليك يا خلق الله الجديد المطيع له، فسمعوا دويا من السماء
وجواب قائل يقول: وعليك السلام يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شئ (2)
عليم، فلما سمع أبو بكر وعمر والمهاجرون والانصار كلام الشمس صعقوا، ثم أفاقوا بعد
ساعاتهم وقد انصرف أمير المؤمنين عن المكان، فوافوا رسول الله صلى الله عليه وآله
مع الجماعة وقالوا: أنت تقول: إن عليا بشر مثلنا وقد خاطبته الشمس بما خاطب به
البارئ نفسه فقال النبي صلى الله عليه وآله: وما سمعتموه منها ؟ فقالوا: سمعناها
تقول: " السلام عليك يا أول " قال: صدقت هو أول من آمن بي، فقالوا: سمعناها تقول: "
يا آخر " قال: صدقت هو آخر الناس عهدا بي يغسلني ويكفنني ويدخلني قبري، فقالوا:
سمعناها تقول: " يا ظاهر " قال: صدقت بطن سري كله له، قالوا سمعناها تقول: " يا من
هو بكل شئ عليم " قال: صدقت هو العالم بالحلال والحرام والفرائض والسنن وما شاكل
ذلك، فقاموا كلهم وقالوا: لقد أوقعنا محمد صلى الله عليه وآله في طخياء ! وخرجوا من
باب المسجد، وقال في ذلك أبو محمد العوني: إمامي كليم الشمس راجع نورها * فهل لكليم
الشمس في القوم من مثل (3) يل: عن أبي ذر مثله (4). بيان: الطخياء بالمد: الليلة
المظلمة، وتكلم بكلمة طخياء لا يفهم.
(1) النشز: المكان المرتفع. (2) في (م):
على كل شئ. (3) مخطوط. (4) الفضائل: 72 و 73.
[181]
17 - كنز: محمد بن العباس، عن محمد بن سهل
العطار، عن أحمد بن محمد، عن أبي زرعه عبد الله بن عبد الكريم، عن قبيصة بن عقبة،
عن سفيان بن يحيى، عن جابر بن عبد الله قال: لقيت عمارا في بعض سكك المدينة، فسألته
عن النبي صلى الله عليه وآله فأخبر أنه في مسجده في ملاء من قومه، وأنه لما صلى
الغداة أقبل علينا فبينا نحن كذلك وقد بزغت الشمس إذ أقبل علي بن أبي طالب عليه
السلام فقام إليه النبي صلى الله عليه وآله فقبل بين عينيه وأجلسه إلى جنبه حتى مست
ركبتاه ركبتيه، ثم قال: يا علي قم للشمس فكلمها فإنها تكلمك، فقام أهل المسجد
وقالوا: أترى عين الشمس تكلم عليا ؟ وقال بعض: لا زال (1) يرفع حسيسة ابن عمه وينوه
باسمه (2) ! إذ خرج علي عليه السلام فقال للشمس: كيف أصبحت يا خلق الله ؟ فقالت:
بخير يا أخا رسول الله يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو لكل شئ عليم، فرجع
علي عليه السلام إلى النبي فتبسم النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا علي تخبرني أو
أخبرك ؟ فقال: منك أحسن يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وآله: أما قولها لك:
يا أول، فأنت أول من آمن بالله، وقولها: يا آخر فأنت آخر من يعاينني على مغسلي،
وقولها: يا ظاهر فأنت آخر من يظهر على مخزون سري وقولها: يا باطن فأنت المستبطن
لعلمي، وأما العليم بكل شئ فما أنزل الله تعالى علما من الحلال والحرام والفرائض
والاحكام، التنزيل والتأويل والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والمشكل إلا وأنت
به عليم، فلولا (3) أن تقول فيك طائفة من أمتي ما قالت النصارى في عيسى لقلت فيك
مقالا لا تمر بملا إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يستشفون به، قال جابر: فلما فرغ
عمار من حديثه أقبل سلمان فقال عمار: وهذا سلمان كان معنا فحدثني سلمان كما حدثني
عمار (4). 18 - كنز: محمد بن العباس، عن عبد العزيز بن يحيى، عن محمد بن زكريا
(1) في (م): لا يزال. (2) الحسيسة: الصوت
الخفى. ونوهه ونوه باسمه أي دعاه برفع الصوت ورفع ذكره. (3) في (م): ولولا. (4)
مخطوط. وأوردهما في البرهان 4: 287. (*)
[182]
عن علي بن حكيم، عن الربيع بن عبد الله،
عن عبد الله بن حسن، عن أبي جعفر محمد بن علي صلى الله عليهما قال: بينا النبي صلى
الله عليه وآله ذات يوم ورأسه في حجر علي عليه السلام إذ نام رسول الله صلى الله
عليه وآله ولم يكن علي عليه السلام صلى العصر، فقامت الشمس تغرب، فانتبه رسول الله
صلى الله عليه وآله فذكر له علي عليه السلام شأن صلاته، فدعا الله فرد عليه الشمس
كهيئتها في وقعت العصر، وذكر حديث رد الشمس فقال: يا علي قم فسلم على الشمس وكلمها
فإنها ستكلمك، فقال له: يا رسول الله كيف أسلم عليها ؟ قال: قل: السلام عليك يا خلق
الله، فقالت: وعليك السلام يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من ينجي محبيه ويوبق
مبغضيه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله ما ردت عليك الشمس وكان علي كاتما عنه،
فقال له النبي صلى الله عليه وآله: قل ما قالت لك الشمس، فقال له ما قالت، فقال
النبي صلى الله عليه وآله: إن الشمس قد صدقت وعن أمر الله نطقت، أنت أول المؤمنين
إيمانا وأنت آخر الوصيين، ليس بعدي نبي ولا بعدك وصي، وأنت الظاهر على أعدائك، وأنت
الباطن في العلم الظاهر عليه، ولا فوقك فيه أحد، أنت عيبة علمي وخزانة وحي ربي،
وأولادك خير الاولاد، وشيعتك هم النجباء يوم القيامة (1). 19 - كا: العدة، عن سهل.
عن موسى بن جعفر، عن عمرو بن سعيد (2)، عن الحسن بن صدقة [عن عمرو بن صدقة] (3) عن
عمار بن موسى قال: دخلت أنا وأبو عبد الله عليه السلام مسجد فضيح (4) فقال: يا عمار
ترى هذه الوهدة ؟ قلت: نعم قال: كانت امرأة جعفر (5) التي خلف عليها أمير المؤمنين
قاعدة في هذا الموضع و
(1) مخطوط. وأردهما في البرهان 4: 387،.
(2) في المصدر: عن عمر بن سعيد. (3) يوجد في (ك) فقط والظاهر أنه سهو. (4) في
المصدر " الفضيخ " وقال في المراصد (3: 1015): فاضح موضع قرب مكه عند أبى قبيس كان
الناس يخرجون إليه لحاجتهم، وقيل: جبل قرب ريم وهو واد بالمدينة. (5) هي أسماء بنت
عميس رضى الله عنها: وقوله " خلف عليها " أي كان قائما في الزوجية مقامه.
[183]
معها ابناها من جعفر، فبكت فقالا لها
ابناها: ما يبكيك يا أمه ؟ قالت: بكيت لامير المؤمنين عليه السلام فقالا لها: تبكين
لامير المؤمنين ولا تبكين لابينا ؟ قالت: ليس هذا لهذا (1) ولكن ذكرت حديثا حدثني
به أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الموضع فأبكاني قالا: وما هو ؟ قالت: كنت
وأمير المؤمنين في هذا المسجد فقال لي: ترى (2) هذه الوهدة ؟ قلت: نعم، قال: كنت
أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله قاعدين فيها إذ وضع رأسه في حجري ثم خفق حتى غط
وحضرت صلاة العصر، فكرهت أن أحرك رأسه عن فخذي فأكون قد آذيت رسول الله صلى الله
عليه وآله حتى ذهب الوقت وفاتت [الصلاة] فانتبه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال:
يا علي صليت ؟ فقلت: لا، فقال: ولم ذاك ؟ قلت: كرهت أن اوذيك، قال: فقام واستقبل
القبلة ومد يديه كلتيهما وقال: اللهم رد الشمس إلى وقتها حتى يصلي علي، فرجعت الشمس
إلى وقعت الصلاة حتى صليت العصر ثم انقضت انقضاض الكوكب (3). ص: الصدوق، عن أبيه،
عن سعد، عن موسى بن جعفر البغدادي مثله (4). بيان: غطيط النائم: نخيره. 20 - ما:
ابن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير، عن علي بن الحسن بن فضال، عن العباس بن عامر،
عن أحمد بن رزق الغمشاني (5)، عن يحيى بن العلاء الرازي قال: سمعت أبا جعفر عليه
السلام يقول: لما خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى النهروان وطعنوا في أول أرض
بابل حين دخل وقت العصر فلم يقطعوها حتى غابت الشمس، فنزل الناس يمينا وشمالا يصلون
إلا الاشتر وحده، فإنه قال: أصلي حتى أرى أمير المؤمنين قد نزل يصلي، قال: فلما نزل
قال: يا مالك إن هذه أرض سبخة
(1) في المصدر: ليس هذا هكذا. (2) في
المصدر: ترين. (3) فروع الكافي (الجزء الرابع من الطبعة الحديثة) 561 و 562. (4)
مخطوط. (5) قال في جامع الرواة (1: 50): احمد بن رزق الغمشانى بجلى ثقة، له كتاب
يرويه جماعة منهم عباس بن عامر.
[184]
ولا تحل الصلاة فيها (1) فمن كان صلى
فليعد الصلاة، ثم قال: استقبل القبلة فتكلم بثلاث كلمات ماهن بالعربية ولا
بالفارسية فإذا هو بالشمس بيضاء نقية حتى إذا صلى بنا سمعنا لها حين انقضت خريرا
كخرير المنشار (2). [21 - كتاب الصفين لنصر بن مزاحم: عن عمرو بن سعد، عن عبد الله
بن يعلى بن مرة، عن أبيه، عن عبد خير قال: كنت مع علي عليه السلام أسير في أرض بابل
قال: وحضرت الصلاة صلاة العصر، قال: فجعلنا لا نأتي مكانا إلا رأيناه أقبح من
الآخر، قال: حتى أتينا على مكان أحسن ما رأينا، وقد كادت الشمس أن تغيب، فنزل علي
عليه السلام ونزلت معه، قال: فدعا لله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر، قال
فصلينا العصر ثم غابت الشمس (3)]. 22 - يف: روى ابن المغازلي في كتاب المناقب
بإسناده أن خبر رد الشمس أن النبي صلى الله عليه وآله كان يوحى إليه ورأسه في حجر
علي عليه السلام فلم يصل العصر حتى فات وقت الفضيلة - وقيل: حتى غربت الشمس - فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: يا رب إن عليا عليه السلام كان على طاعتك وطاعة
رسولك فاردد عليه الشمس، فرأيتها غربت ثم رأيتها قد طلعت بعد ما غابت. وفي ابن
المغازلي أيضا عن أبي رافع قال: فردت الشمس على علي بعد ما غابت حتى رجعت صلاة
العصر في الوقت، فقام علي عليه السلام فصلى العصر فلما قضى صلاة العصر غابت الشمس.
وهذا ممكن من طرق كثيرة عند الله تعالى، منها أن يخلق مثل الشمس في الموضع الذي
أعادها الله إليه ابتداء، أو يهبط بعض الارض فتظهر الشمس، أو يخلق مثل الشمس في
صورتها ويجعل حكمها في صلاة علي كحكم تلك الشمس وغير ذلك من مقدوراته يعلمها
سبحانه، وقد رووا أيضا أن الشمس حبست لبعض
(1) عدم جواز الصلاة فيها ليس لكونها سبخة
أي غير معمورة لم يحرث فيها، بل لاجل كونها ملعونة معذبة ومن احدى المؤتفكات كما مر
عن بصائر تحت الرقم 13. (2) أمالى ابن الشيخ: 64. (3) مخطوط. والرواية مذكورة في
(ك) فقط.
[185]
الانبياء فيما سلف (1). أقول: قال السيد
المرتضى - رضي الله عنه - في شرح البائية للسيد الحميري حيث قال: ردت عليه الشمس
لما فاته * وقت الصلاة وقد دنت للمغرب ويروى " حين تفوته "، هذا خبر مشهور عن رد
الشمس له عليه السلام في حياة النبي صلى الله عليه وآله لانه روي أن النبي صلى الله
عليه وآله كان نائما ورأسه في حجر أمير المؤمنين عليه السلام فلما جاز (2) وقت صلاة
العصر كره عليه السلام أن ينهض لادائها فيزعج النبي صلى الله عليه وآله من نومه،
فلما مضى وقتها وانتبه النبي صلى الله عليه وآله دعا الله بردها فردها عليه، فصلى
عليه السلام الصلاة في وقتها، فإن قال قائل (3): هذا يقتضي أن يكون عليه السلام
عاصيا بترك الصلاة قلنا: عن هذا جوابان: أحدهما أنه إنما يكون عاصيا إدا ترك (4)
بغير عذر، وإزعاج النبي لا ينكر أن يكون عذرا في ترك الصلاة، فإن قيل: الاعذار في
ترك جميع أفعال الصلاة لا تكون إلا بفقد العقل والتمييز كالنوم والاغماء وما
شاكلهما، ولم يكن عليه السلام في تلك الحال بهذه الصفة، فأما الاعذار التي يكون
معها العقل والتمييز ثابتين كالزمانة والرباط والقيد والمرض الشديد واشتباك القتال
فإنما يكون عذرا في استيفاء أفعال الصلاة وليس بعذر في تركها أصلا، فإن كل معذور
ممن ذكرنا يصليها على حسب طاقته ولو بالايماء، قلنا: غير منكر أن يكون صلى الله
عليه وآله صلى موميا وهو جالس لما تعذر عليه القيام إشفاقا من إزعاجه (5) صلى الله
عليه وآله وعلى هذا تكون فائدة رد الشمس ليصلي مستوفيا لافعال الصلاة، وتكون (6)
أيضا فضيلة له ودلالة على عظم شأنه، والجواب الآخر أن الصلاة لم تفته بمضي جميع
وقتها، وإنما فاته ما فيه
(1) الطرائف: 21. (2) في المصدر: فلما
حان. (3) في المصدر: فان قيل. (4) في المصدر: إذا ترك الصلاة اه. (5) في المصدر:
من ازعاجه النبي صلى الله عليه وآله. (6) في المصدر: وليكون.
[186]
الفضل والمزية من أول وقتها، ويقوي هذا
الوجه شيئان: أحدهما الرواية الاخرى لان قوله " حين تفوته " صريح في أن الفوت لم
يقع وإنما قارب وكاد، الامر الآخر (1) قوله: " وقد دنت للمغرب " يعني الشمس وهذا
أيضا يقتضي أنها لم تغرب وإنما دنت وقاربت الغروب. فإن قيل: إذا كانت لم تفته فأي
معنى للدعاء بردها حتى يصلي في الوقت وهو قد صلى فيه ؟ قلنا: الفائدة في ردها ليدرك
فضيلة الصلاة في أول وقتها، ثم ليكون ذلك دلالة على سمو محله وجلالة قدره في خرق
العادة من أجله. فإن قيل: إذا كان النبي صلى الله عليه وآله هو الداعي بردها له
فالعادة إنما اخرقت للنبي صلى الله عليه وآله لا لغيره، قلنا: إذا كان النبي صلى
الله عليه إنما دعا بردها لاجل أمير المؤمنين عليه السلام ليدرك (2) ما فاته من فضل
الصلاة فشرف انخراق العادة والفضيلة تنقسم (3) بينهما عليهما السلام. فإن قيل: كيف
يصح رد الشمس وأصحاب الهيئة والفلك يقولون ذلك محال لا تناله قدرة، وهبه كان جائزا
على مذاهب أهل الاسلام أليس لو ردت الشمس من وقت الغروب إلى وقت الزوال لكان يجب أن
يعلم أهل الشرق والغرب (4) بذلك لانها تبطئ بالطلوع على بعض أهل البلاد، فيطول
ليلهم على وجه خارق للعادة، وتمتد من نهار قوم آخرين ما لم يكن ممتدا، ولا يجوز أن
يخفى على أهل البلاد غروبها ثم عودها طالعة بعد الغروب، وكانت الاخبار تنتشر بذلك
ويؤرخ هذا الحديث (5) العظيم في التواريخ، ويكون أبهر وأعظم من الطوفان، قلنا: قد
دلت الادلة الصحيحة الواضحة على أن الفلك وما فيه من شمس وقمر ونجوم غير متحرك
(1) في المصدر: وكاد. والامر الاخر. (2)
في المصدر: بردها له وليدرك. (3) في المصدر: والفضيلة به منقسم. (4) في المصدر:
المشرق والمغرب. (5) في المصدر: الحادث.
[187]
بنفسه ولا بطبيعته على ما يهدى (1) به
القوم، وأن الله تعالى هو المحرك له والمصرف باختياره، وقد استقصينا الحجج على ذلك
في كثير من كتبنا، وليس هذا موضع ذكره، فأما علم أهل الشرق والغرب (2) والسهل
والجبل بذلك على ما مضى في السؤال فغير واجب، لانا لا نحتاج إلى القول بأنها ردت من
وقت الغروب إلى وقت الزوال أو ما يقاربه على ما مضى في السؤال بل نقول: إن وقت
الفضل في صلاة العصر هو ما يلي بلا فصل زمان أداء المصلي لفرض الظهر أربع ركعات
عقيب الزوال وكل زمان - وإن قصر وقل - تجاوز (3) هذا الوقت فذلك الفضل ثابت (4)،
وإذا ردت الشمس هذا القدر اليسير الذي تفرض (5) أنه مقدار ما يؤدى فيه ركعة واحدة
خفي على أهل الشرق والغرب ولم يشعروا به بل هو مما يجوز أن يخفى على من حضر الحال
وشاهدها إن لم ينعم النظر (6) فيها والتنقير عنها، فبطل السؤال على جوابنا الثاني
المبني على فوت الفضيلة. فأما الجواب الآخر المبني على أنها فاتت بغروبها للعذر
الذي ذكرناه فالسؤال أيضا باطل عنه، لانه ليس بين مغيب جميع قرص الشمس في الزمان
وبين مغيب بعضها وظهور بعض إلازمان قصير يسير مخفي (7) فيه رجوع الشمس بعد مغيب
جميع قرصها إلى ظهور بعضه على كل قريب
(1) كذا في النسخ ولكنه سهو، والصحيح كما
في المصدر " يهذى " من الهذيان: التكلم بغير معقول. (2) في المصدر المشرق والمغرب.
(3) في المصدر: يجاوز. (4) الصحيح كما في المصدر " فائت فيه " وتوضيح الجواب أن
المفروض فوت وقت فضيلة العصر ورد الشمس لدرك ذلك الوقت، وحيث ان وقت الفضيلة لصلاة
العصر بعد مضى زمان اتيان الظهر عقيب الزوال من دون فصل زائد ففوات هذا الوقت يتحقق
بمضي زمان قليل ولو بمقدار اداء ركعة واحدة، ورد الشمس بهذا المقدار لدرك الفضيلة
مما يمكن خفاؤه على من حضر الحال فضلا عن غيرهم. ولا يخفى ما فيه فتأمل تعرف. (5)
في المصدر: يفرض. (6) انعم النظر في المسألة: حقق النظر فيها وبالغ. وفي المصدر:
امعن. (7) في المصدر: يخفى.
[188]
وبعيد، ولا يفطن إذا لم يعرف سبب ذلك بأنه
على وجه خارق للعادة، ومن فطن بأن ضوء الشمس غاب ثم عاد بعضه جوز (1) أن يكون ذلك
بغيم أو حائل. حتى تبلج نورها في وقتها * للعصر ثم هوت هوي الكوكب التبلج مأخوذ من
قولهم: بلج الصبح يبلج بلوجا إذا أضاء، والبلجة آخر الليل، وجمعها بلج، وكذلك
البلجة بالفتح أيضا ما بين الحاجبين إذا كانا غير مقرونين (2)، يقال منه: رجل أبلج
وامرأة بلجاء. فأما هوي الكوكب غيبوبته يقال (3): هو يت أهوي هويا إذا سقطت إلى
أسفل، وكذلك الهوي في السير وهو المضي فيه، ويقال: هوى من السقوط فهو هاو وهوي من
العشق فهو هو مثل عمي فهو عم، وهوت الطعنة تهوي إذا فتحت فاها، ويقال: مضى هوي من
الليل أي ساعة. وعليه قد حبست ببابل مرة * أخرى وما حبست (4) لخلق معرب هذا البيت
يتضمن الاخبار عن رد الشمس في بابل على أمير المؤمنين عليه السلام والرواية بذلك
مشهورة، وأنه عليه السلام لما فاته وقت (5) العصر ردت له الشمس حتى صلاها في وقتها،
وخرق العادة ههنا لا يمكن نسبته (6) إلى غيره عليه السلام كما أمكن في أيام النبي
صلى الله عليه وآله. والصحيح في فوت الصلاة ههنا أحد الوجهين اللذين تقدم ذكرهما في
رد الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وآله وهو أن فضيلة أول الوقت فاتته بضرب من
الشغل فردت الشمس ليدرك الفضيلة بالصلاة في أول الوقت، وقد بينا هذا الوجه في تفسير
(1) في المصدر: يجوز. (2) في المصدر:
والبلجة أيضا بالفتح الحاجبان غير مقرونين. (3) في المصدر: فاراد به سقوط الكوكب
وغيبوبته. يقولون اه. (4) في المصدر: ولم تحبس. (5) في المصدر: في وقت العصر. (6)
في المصدر: أن ينسب.
[189]
البيت الاول (1) وأبطلنا قول من يدعي أن
ذلك كان يجب أن يعم الخلق في الآفاق معرفته حتى يدو نوه ويؤرخوه وأما من ادعى أن
الصلاة فاتته بأن تقضى جميع وقتها إما لتشاغله بتعبير العسكر أو لان بابل أرض خسف
لا تجوز الصلاة عليها فقد أبطل، لان الشغل بتعبير السكر لا يكون عذرا في فوت صلاة
فريضة، وإن أمير - المؤمنين عليه السلام أجل قدرا وأتقن دينا من أن يكون ذلك عذرا
له في فوت صلاة فريضة (2) وأما أرض الخسف فإنما تكره الصلاة فيها مع الاختيار، فإذا
(3) لم يتمكن المصلي من الصلاة في غيرها وخاف فوت الوقت وجب أن يصلي فيها وتزول
الكراهية. فأما قوله: " حبست ببابل " فالمراد به ردت، وإنما كره لفظة الرد أن
يعيدها (4) لانها قد تقدمت. فإن قيل: حبست بمعنى وقفت ومعناها يخالف معنى ردت قلنا:
المعنيان ههنا واحد، لان الشمس إذا ردت إلى الموضع الذي تجاوزته فقد حبست عن المسير
المعهود وقطع الاماكن المألوف قطعها إياها، فأما المعرب فهو الناطق المفصح بحجته
يقال: أعرب فلان عن كذا إذا أبان عنه (5). إلا لاحمد أو له ولردها * ولحبسها تأويل
أمر معجب الذي أعرفه وهو المشهور في الرواية " إلا ليوشع أو له " فقد روي أن يوشع
ردت عليه الشمس، وفي الروايتين معا سؤال وهو أن يقال: لم قال: " أوله " والرد
عليهما جميعا وإذا ردت الشمس لكل واحد منهما لم يجز إدخال لفظة " أو " والواو أحق
بالدخول (6) لانه يوجب الاشتراك والاجتماع، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقول: (7)
(1) في المصدر: في تفسير البيت الذى اوله
" ردت عليه الشمس " (2) في المصدر: الصلاة الفريضة. (3) في المصدر: فأما إذا. (4)
في المصدر: وأما قول الشاعر " وعليه قد حبست ببابل " فالمراد بحبست ردت، وإنما كره
ان يعيد لفظة الرد اه. (5) إلى هنا يوجد في الغرر والدرر أيضا بأدنى اختلاف في بعض
الالفاظ، راجع ج 2: 340 - 343 (6) في المصدر: بالدخول ههنا. (7) في المصدر: أن يقول
قائل.
[190]
" جاءني زيد أو عمرو " وقد جاءاه جميعا،
وإنما يقول (1) إذا جاءه أحدهما، والجواب عن ذلك (2) أن الرواية إذا كانت " إلا
لاحمد أوله " فإن دخول لفظة " أو " ههنا صحيح لان رد الشمس في أيام النبي صلى الله
عليه وآله يضيفه قوم إليه دون أمير المؤمنين وقد رأينا قوما من المعتزلة الذين
يذهبون إلى أن العادات لا تنخرق إلا للانبياء عليهم السلام دون غيرهم ينصرون
ويصححون رجوع الشمس في أيام النبي صلى الله عليه وآله ويضيفونه إلى النبوة فكأن
الشاعر قال: إن الشمس حبست عليه ببابل، وما حبست لاحد إلا لاحمد عليه السلام على ما
قاله قوم أو له على ما قاله آخرون، لان رد الشمس في أيام النبي صلى الله عليه وآله
مختلف في جهة إضافته، فأدخل لفظة الشك لهذا السبب فأما الرواية (3) فإذا كانت بذكر
يوشع عليه السلام فمعنى " أو " ههنا معنى الواو، فكأنه قال: إلا ليوشع وله كما قال
الله تعالى: " فهي كالحجارة أو أشد قسوة (4) " على أحد التأويلات في الآية. انتهى
(5). أقول: لا يبعد أن يكون عليه السلام مأمورا بترك الصلاة في الموضعين لظهور
كرامته أو يقال: من يقدر على رد الشمس يجوز له ترك الصلاة إلى غروبها، لكن الوجوه
التي ذكرها رحمه الله أوفق بأصول أصحابنا. وقال محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم في
كتاب العلل: علة رد الشمس على أمير المؤمنين عليه السلام وما طلعت على أهل الارض
كلهم. قال العالم: لانه جلل الله السماء بالغمام إلا الموضع الذي كان فيه أمير
المؤمنين عليه السلام وأصحابه، فإنه جلاه حتى طلعت الشمس عليهم.
(1) في المصدر: وإنما يقول قائل ذلك. (2)
في المصدر: عن السؤال. (3) أي رواية الشعر. (4) سورة البقرة: 74. (5) لم نظفر على
نسخة المصدر إلا بنسخة مخطوطة نفيسة في مكتبة " ملى - طهران " وقابلناه عليها.
[191]
أقول: قال العلامة رحمه الله في كتاب كشف
اليقين: كان بعض الزهاد يعظ الناس، فوعظ في بعض الايام وأخذ يمدح عليا عليه السلام
فقاربت الشمس الغروب و أظلم الافق، فقال مخاطبا للشمس: لا تغربي يا شمس حتى ينقضي *
مدحي لصنو المصطفى ولنجله - واثني عنانك إذ عزمت ثناءه * أنسيت يومك إذ رددت لاجله
- إن كان للمولى وقوفك فليكن * هذا الوقوف لخيله ولرجله فوقفت الشمس وأضاء الافق
حتى انقضى المدح، وكان ذلك بمحضر جماعة كثيرة تبلغ حد التواتر، واشتهرت هذه القصة
عند الخواص والعوام (1). 110 (باب) * (استجابة دعواته صلوات الله عليه في احياء
الموتى وشفاء) * * (المرضى وابتلاء الاعداء بالبلايا ونحو ذلك) * 1 - يج: روي أنه
اختصم رجل وامرأة إليه، فعلا صوت الرجل على المرأة فقال له علي عليه السلام اخسأ -
وكان خارجيا - فإذا رأسه رأس الكلب، فقال رجل: يا أمير المؤمنين صحت بهذا الخارجي
فصار رأسه رأس كلب فما يمنعك عن معاوية ؟ قال: ويحك لو أشاء أن آتي معاوية إلى ههنا
على سريره لدعوت الله حتى فعل، ولكنا لله خزان لا على ذهب ولا على فضة ولا إنكارا
(2) بل على أسرار تدبير الله، أما تقرأ " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم
بأمره يعملون (3) " وفي رواية: قال: إنما أدعوهم لثبوت الحجة وكمال المحنة، ولو أذن
لي في الدعاء بهلاك معاوية لما تأخر (4).
(1) كشف اليقين: 167. (2) كذا في (ك)، وفي
(ت): ولا انكار. وفي (م): ولا انكارا على أسرار تدبير الله. وفي المصدر: فلا انكار
على اه. (3) سورة الانبياء: 26 و 27. (4) الخرائج والجرائح: 16 و 17.
[192]
2 - يج: روي عن الصادق عليه السلام قال:
كان قوم من بني مخزوم لهم خؤولة من علي عليه السلام فأتاه شاب منهم يوما فقال: يا
خال مات ترب (1) لي فحزنت عليه حزنا شديدا، قال: فتحب أن تراه ؟ قال: نعم، فانطلق
بنا إلى قبره فدعا الله وقال: قم يا فلان بإذن الله، فإذا الميت جالس على رأس القبر
وهو يقول: وينه وينه، سألا معناه (2) لبيك لبيك سيدنا، فقال أمير المؤمنين عليه
السلام: ما هذا اللسان ألم تمت وأنت رجل من العرب ؟ قال: نعم ولكني مت على ولاية
فلان وفلان فانقلب لساني على ألسنة أهل النار (3). 3 - يج: روي عن الباقر عليه
السلام أن عليا مر يوما في أزقة الكوفة، فانتهى إلى رجل قد حمل جريثا، فقال: انظروا
إلى هذا قد حمل إسرائيليا، فأنكر الرجل وقال: متى صار الجريث إسرائيليا ؟ ! (4)
فقال علي عليه السلام: أما إنه إذا كان يوم الخامس ارتفع لهذا الرجل من صدغه دخان
فيموت مكانه، فأصابه في اليوم الخامس ذلك فمات، فحمل إلى قبره، فلما دفن جاء أمير
المؤمنين عليه السلام مع جماعة إلى قبره فدعا الله، ثم رفسه (5) برجله فإذا الرجل
قائم بين يديه يقول: الراد على علي كالراد على الله وعلى رسوله، فقال: عد في قبرك،
فعاد فيه فانطبق القبر عليه (6). 4 - يج: روي عن علي بن حمزة، عن علي بن الحسين، عن
أبيه عليهما السلام قال: كان علي عليه السلام ينادي: من كان له عند رسول الله صلى
الله عليه وآله عدة أو دين فليأتني، فكان كل من أتاه يطلب دينا أو عدة يرفع مصلاه
فيجد ذلك كذلك تحته فيدفعه إليه، فقال الثاني للاول: ذهب هذا بشرف الدنيا في هذا
دوننا، فما الحيلة ؟ فقال:
(1) الترب: الصديق أو من ولد مع الانسان
وكان على سنه. (2) كذا في النسخ، والظاهر: سألنا معناه فقال اه. (3) لم نجده في
المصدر المطبوع. وفي (م) و (ت): فانقلب لساني إلى اه. وتأتى الرواية عن البصائر
تحت الرقم الثامن. (4) كذا في النسخ، والاظهر " متى صار الاسرائيلي جريثا ". (5)
رفسه: ضربه في صدره. (6) لم نجده في المصدر المطبوع.
[193]
لعلك لو ناديت كما نادى هو كنت تجد ذلك
كما يجد هو، وإذا كان، إنما تقضي عن رسول الله (1) فنادى أبو بكر كذلك فعرف أمير
المؤمنين الحال فقال: أما إنه سيندم على ما فعل، فلما كان من الغد أتاه أعرابي وهو
جالس في جماعة من المهاجرين والانصار فقال: أيكم وصي رسول الله ؟ فأشير إلى أبي
بكر، فقال: أنت وصي رسول الله وخليفته ؟ قال: نعم فما تشاء ؟ قال: فهلم الثمانين
الناقة التي ضمن لي رسول الله، قال: وما هذه النوق ؟ قال: ضمن لي رسول الله صلى
الله عليه وآله ثمانين ناقة حمراء كحل العيون، فقال لعمر: كيف نصنع الآن ؟ قال: إن
الاعراب جهال (2) فاسأله: ألك شهود بما تقول ؟ فطلبهم منه، قال: ومثلي يطلب الشهود
(3) على رسول الله صلى الله عليه وآله بما يتضمنه (4) ؟ والله ما أنت بوصي رسول
الله وخليفته، فقام إليه سلمان وقال: يا أعرابي اتبعني أدلك على وصي رسول الله صلى
الله عليه وآله فتبعه الاعرابي حتى انتهى (5) إلى علي عليه السلام فقال: أنت وصي
رسول الله ؟ قال: نعم فما تشاء ؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله ضمن لي
ثمانين ناقة حمراء كحل العيون فهلمها (6)، فقال له علي عليه السلام: أسلمت أنت وأهل
بيتك ؟ فانكب الاعرابي على يديه يقبلها (7) وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك
وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وخليفته، فبهذا وقع الشرط بيني وبينه وقد أسلمنا
جميعا، فقال علي عليه السلام: يا حسن انطلق أنت وسلمان مع هذا الاعرابي إلى وادي
فلان فناد: يا صالح يا صالح، فإذا أجابك فقل: إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام
ويقول لك: هلم الثمانين الناقة التي ضمنها رسول -
(1) في (م): انما يقضى دين رسول الله. (2)
في المصدر: ان الاعرابي جاهل. (3) في المصدر: يطلب منه الشهود. (4) في المصدر: بما
ضمنه لى. (5) في المصدر: حتى انتهى به. (6) في المصدر: فهاتها. (7) في المصدر:
يقبلهما.
[194]
الله صلى الله عليه وآله لهذا الاعرابي،
قال سلمان: فمضينا إلى الوادي فنادى الحسن (1) فأجابه: لبيك يا ابن رسول الله، فأدى
إليه رسالة أمير المؤمنين عليه السلام فقال: السمع والطاعة فلم يلبث إذا خرج (2)
إلينا زمام ناقة من الارض، فأخذ الحسن عليه السلام الزمام (3) فناوله الاعرابي
فقال: خذ، وجعلت النوق يخرج حتى تم الثمانون على الصفة (4). 5 - يج: روي عن عيسى
الهرهري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن فلانا و فلانا وابن عوف أتوا النبي
صلى الله عليه وآله ليعتبوه فقال الاول: اتخذ الله إبراهيم خليلا فماذا صنع بك ربك
؟ وقال الثاني: كلم الله موسى تكليما فما صنع بك ربك ؟ وقال ابن عوف: عيسى بن مريم
يحيي الموتى بإذن الله فما صنع بك ربك ؟ فقال للاول: اتخذ الله إبراهيم خليلا
واتخذني حبيبا، وقال للثاني: كلم الله موسى تكليما من وراء حجاب وقد رأيت عرش ربي
وكلمني، وقال للثالث: عيسى بن مريم يحيي الموتى بإذن الله وأنا إن شئتم أحييت لكم
موتاكم، قالوا: قد شئنا وعلى ذلك داروا، فأرسل النبي صلى الله عليه وآله إلى علي
عليه السلام فدعاه فأتاه، فقال له: أقدمهم على القبور، ثم قال لهم: اتبعوه، فلما
توسط الجبانة تكلم بكلمة فاضطربت وارتجت قلوبهم ودخلهم من الذعر (5) ما شاء الله،
وامتقعت ألوانهم ولم تقبل ذلك قلوبهم، فقالوا: يا أبا الحسن أقلنا عثراتنا، قال:
إنما رددتم على الله، ثم إن النبي صلى الله عليه وآله بعث إلى علي عليه السلام
فدعاه (6). أقول: رواه السيد المرتضى رضي الله عنه في عيون المعجزات عن أحمد بن زيد
عن أحمد بن محمد بن أيوب بإسناده مثله، وفيه: فقالوا: حسبك يا أبا الحسن أقلنا
أقالك الله، فأمسك عن استتمام كلامه ودعائه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقالوا
(1) في المصدر: فنادى الحسن يا صالح. (2)
في المصدر: أن خرج. (3) في المصدر: زمامها. (4) الخرائج والجرائح: 17. وفيه: حتى
كملت الثمانون الناقة على الصفة. (5) الذعر بفتح الاول وضمه: الخوف والفزع. (6) لم
نجده في المصدر المطبوع.
[195]
له: أقلنا، فقال لهم: إنما رددتم على الله
لا أقالكم الله يوم القيامة. يل: مرسلا مثله (1). بيان: قوله: " وعلى ذلك داروا "
أي اتفقوا واجتمعوا. ويقال: امتقع لونه - على بناء المفعول - إذا تغير من حزن أو
فزع. 6 - يج: روي عن سعد الخفاف عن زاذان أبي عمرو قلت له: يا زاذان إنك لتقرأ
القرآن فتحسن قراءته فعلى من قرأت ؟ قال: فتبسم ثم قال: إن أمير المؤمنين مر بي
وأنا أنشد الشعر، وكان لي خلق حسن فأعجبه صوتي، فقال: يا زاذان فهلا بالقرآن قلت:
يا أمير المؤمنين وكيف لي بالقرآن فوالله ما أقرأ منه إلا بقدر ما اصلي به، قال:
فادن مني، فدنوت منه فتكلم في أذني بكلام ما عرفته ولا علمت ما يقول، ثم قال: افتح
فاك، فتفل في في، فوالله ما زالت قدمي من عنده حتى حفظت القرآن بإعرابه وهمزه، وما
احتجت أن أسأل عنه أحدا بعد موقفي ذلك قال سعد: فقصصت قصة زاذان على أبي جعفر عليه
السلام قال: صدق زاذان إن أمير المؤمنين عليه السلام دعا لزاذان بالاسم الاعظم الذي
لا يرد (2). 7 - يج: روي عن عمر بن اذينة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل
الاشتر على علي عليه السلام فسلم فأجابه ثم قال: ما أدخلك علي في هذه الساعة ؟ قال:
حبك يا أمير المؤمنين، قال عليه السلام: فهل رأيت ببابي أحدا ؟ قال: نعم أربعة نفر،
فخرج الاشتر معه فإذا بالباب أكمه ومكفوف ومقعد وأبرص، فقال عليه السلام: ما تصنعون
ههنا ؟ قالوا: جئناك لما بنا، فرجع ففتح حقا له، فأخرج رقا صفراء فقرأ عليهم فقاموا
كلهم من غير علة (3). 8 - ير: سملة بن الخطاب، عن عبد الله بن محمد، عن عبد الله بن
القاسم، عن عيسى شلقان (4) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن أمير
المؤمنين عليا عليه السلام
(1) الفضائل: 70 - 69. (2 و 3) لم نجدهما
في المصدر المطبوع. (4) في المصدر: عن عيسى بن شلقان.
[196]
كانت له خؤلة في بني مخزوم، وإن شابا منهم
أتاه فقال: يا خالي إن أخي وابن أبي مات وقد حزنت عليه حزنا شديدا، قال: فتشتهي أن
تراه ؟ قال: نعم، قال: فأرني قبره، فخرج ومعه برد رسول الله صلى الله عليه وآله
السحاب، فلما انتهى إلى القبر تململت شفتاه، ثم ركضه برجله فخرج من قبره وهو يقول:
" رميكا " بلسان الفارس فقال له عليه السلام: ألم تمت وأنت رجل من العرب ؟ قال بلى:
ولكنا متنا على سنة فلان وفلان فانقلبت ألسنتنا (1). 9 - يج: روي عن الرضا عن آبائه
عليهم السلام أن غلاما يهوديا قدم على أبي بكر في خلافته فقال: السلام عليك يا أبا
بكر، فوجأ عنقه وقيل له: لم لا تسلم عليه بالخلافة ؟ ثم قال له أبو بكر: ما حاجتك ؟
قال: مات أبي يهوديا وخلف كنوزا وأموالا، فإن أنت أظهرتها وأخرجتها لي أسلمت على
يديك وكنت مولاك، و جعلت لك ثلث ذلك المال وثلثا للمهاجرين والانصار وثلثا لي، فقال
أبو بكر: يا خبيث وهل يعلم الغيب إلا الله ؟ ونهض أبو بكر، ثم انتهى اليهودي إلى
عمر فسلم عليه وقال: إني أتيت أبا بكر أسأله عن مسألة فأوجعت ضربا، وأنا أسألك عن
المسألة وحكى قصته، قال: وهل يعلم الغيب إلا الله ؟ ثم خرج اليهودي إلى علي عليه
السلام وهو في المسجد، فسلم عليه وقال: يا أمير المؤمنين، وقد سمعه أبو بكر وعمر،
فوكزوه وقالوا: يا خبيث هلا سلمت على الاول كما سلمت على علي والخليفة أبو بكر ؟
فقال اليهودي: والله ما سميته بهذا الاسم حتى وجدت ذلك في كتب آبائي وأجدادي في
التوراة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: وتفي بما تقول ؟ قال: نعم واشهد الله
وملائكته وجميع من يحضرني، قال. نعم، فدعا برق أبيض فكتب عليه كتابا ثم قال: تحسن
أن تكتب ؟ قال: نعم، قال: خذ معك ألواحا وصر إلى بلاد اليمن وسل عن وادي برهوت
بحضرموت، فإذا صرت بطرف الوادي عند غروب الشمس فاقعد هناك فإنه سيأتيك غرابيب سود
مناقيرها وهي تنعب، فإذا نعبت هي فاهتف اسم أبيك وقل: يا فلان أنا رسول وصي محمد
صلى الله عليه وآله
(1) بصائر الدرجات: 76.
[197]
فكلمني، فإنه سيجيبك أبوك، ولا تقر عن
سؤاله (1) عن الكنوز التي خلفها، فكل ما أجابك به في ذلك الوقت وتلك الساعة فاكتب
في ألواحك، فإذا انصرفت إلى بلادك بلاد خيبر فتتبع ما في ألواحك واعمل بما فيها،
فمضى اليهودي حتى انتهى إلى وادي اليمن، وقعد هناك كما أمره، فإذا هو بالغرابيب
السود قد أقبلت تنعب فهتف اليهودي فأجابه أبوه وقال: ويلك ما جاء بك في هذا الوقت
إلى هذا الموطن وهو من مواطن أهل النار ؟ قال: جئتك أسألك عن كنوزك أين خلفتها ؟
قال: في جدار كذا في موضع كذا في حيطان كذا، فكتب الغلام ذلك، ثم قال: ويلك اتبع
دين محمد، وانصرفت الغرابيب ورجع اليهودي إلى بلاد خيبر، وخرج بغلمانه و فعلته وإبل
وجواليق وتتبع ما في ألواحه (2) فأخرج كنزا من أواني الفضة و كنزا من أواني الذهب،
ثم أوقر عيرا وجاء حتى دخل على علي عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين أشهد أن لا
إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك وصي محمد وأخوه وأمير المؤمنين حقا كما
سميت، وهذه عير دراهم ودنانيز فاصرفها حيث أمرك الله ورسوله، واجتمع الناس فقالوا
لعلي: كيف علمت هذا ؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وإن شئت خبرتكم بما
هو أصعب من هذا، قالوا: فافعل، قال: كنت ذات يوم تحت سقيفة مع رسول الله صلى الله
عليه وآله وإني لاحصي ستا وستين وطأة، كل ملائكة، أعرفهم بلغاتهم وصفاتهم وأسمائهم
ووطئهم (3). بيان: وجأت عنقه وجاء: ضربته. قوله: " مات أبوه (4) " إنما غير كلامه
لئلا يتوهم نسبة ذلك إلى نفسه صلوات الله عليه. ونعب الغرابيب ينعب بالفتح و الكسر
أي صاح.
(1) ولا تعرض عن سؤاله خ ل. ولم نفهم
المراد. (2) في (ك): ما في الراحة. (3) لم نجده في المصدر المطبوع. (4) لم تذكر هذه
الجملة في متن الرواية. ويمكن سقوطها عند النسخ فان بعض عباراتها مضطربة تحتمل ذلك.
[198]
10 - يج: روي أن قوما من النصارى كانوا
دخلوا على النبي صلى الله عليه وآله وقالوا نخرج ونجئ بأهلينا وقومنا، فإن أنت
أخرجت لنا مائة ناقة من الحجر سوداء (1) من كل واحدة فصيل آمنا، فضمن ذلك رسول الله
صلى الله عليه وآله وانصرفوا إلى بلادهم، فلما كان بعد وفاة رسول الله صلى الله
عليه وآله رجعوا فدخلوا المدينة، فسألوا عن النبي صلى الله عليه وآله فقيل لهم:
توفي صلى الله عليه وآله، فقالوا: نجد في كتبنا أنه لا يخرج من الدنيا نبي إلا و
يكون له وصي، فمن كان وصي نبيكم محمد ؟ فدلوا على أبي بكر ! فدخلوا عليه و قالوا:
لنا دين على محمد، قال: وما هو ؟ قالوا: مائة ناقة مع كل ناقة فصيل وكلها سود،
فقال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله تركة تفي بذلك، فقال بعضهم لبعض
بلسانهم: ما كان أمر محمد إلا باطلا، وكان سلمان حاضرا وكان يعرف لغتهم، فقال لهم:
أنا أدلكم على وصي محمد، فإذا بعلي قد دخل المسجد، فنهضوا إليه وجثوا بين يديه
فقالوا: لنا على نبيكم دين مائة ناقة دينا بصفات مخصوصة، قال علي عليه السلام:
وتسلمون حينئذ ؟ قالوا: نعم، فواعدهم إلى الغد، ثم خرج بهم إلى الجبانة والمنافقون
يزعمون أنه يفتضح، فلما وصل إليهم صلى ركعتين ودعا خفيا، ثم ضرب بقضيب رسول الله
على الحجر فسمع منه أنين يكون (2) للنوق عند مخاضها، فبينما كذلك إذا انشق الحجر
وخرج منه رأس ناقة وقد تعلق منه رأس الزمام، فقال عليه السلام لابنه الحسن: خذه،
فخرج منه مائة ناقة مع كل واحدة فصيل كلها سود الالوان، فأسلم النصارى كلهم ثم
قالوا: كانت ناقة صالح النبي واحدة وكان بسببها هلاك قوم كثير، فادع يا أمير
المؤمنين حتى تدخل النوق وفصالها في الحجر لئلا يكون شئ منها سبب هلاك أمه محمد،
فدعا فدخلت كما خرجت (3). 11 - يج: روى جميع بن عمير قال: اتهم علي عليه السلام
رجلا يقال له الغيرار برفع أخباره إلى معاوية، فأنكر ذلك وجحده، فقال عليه السلام:
أتحلف بالله أنك ما
(1) صفة للناقة. وفي (م) و (ت): من الحجر
لنا سوداء، (2) في (م) و (ت): كما يكون. (3) لم نجده في المصدر المطبوع.
[199]
فعلت ذلك ؟ قال: نعم، وبدر فحلف، فقال له
أمير المؤمنين عليه السلام: إن كنت كاذبا فأعمى الله بصرك، فما دارت الجمعة حتى
أخرج (1) أعمى يقاد، قد أذهب الله بصره (2). شا: عبدالقاهر بن عبد الملك بن عطاء،
عن الوليد بن عمران، عن جميع بن عمير مثله (3). 12 - يج: روي عن الاصبغ بن نباتة
قال: كنا نمشي خلف علي بن أبي طالب عليه السلام ومعنا رجل من قريش، فقال لامير
المؤمنين عليه السلام: قد قتلت الرجال وأيتمت الاولاد وفعلت ما فعلت، فالتفت إليه
عليه السلام وقال: اخسا (4)، فإذا هو كلب أسود، فجعل يلوذ به ويتبصبص، فوافاه برحمة
(5) حتى حرك شفتيه، فإذا هو رجل كما كان، فقال له رجل من القوم: يا أمير المؤمنين
أنت تقدر على مثل هذا ويناويك معاوية ؟ فقال: نحن عباد الله مكرمون لا نسبقه بالقول
ونحن بأمره عاملون (6). 13 - يج: روي عن سليمان الاعمش، عن سمرة بن عطية، عن سلمان
الفارسي قال: إن امرأة من الانصار يقال لها ام فروة تحض على نكث بيعة أبي بكر وتحث
على بيعة علي عليه السلام، فبلغ أبا بكر (7) فأحضرها واستتابها فأبت عليه، فقال: يا
عدوة الله أتحضين على فرقة جماعة اجتمع (8) عليها المسلمون فما قولك في إمامتي ؟
قالت: ما أنت بامام، قال: فمن أنا ؟ قالت: أمير قومك وولوك فإذا أكرموك (9)
(1) في (م) حتى خرج. (2) لم نجده في
المصدر المطبوع. (3) الارشاد: 166. وفيه: الغيزار. (4) في (م): اخسا يا كلب. (5) في
المصدر: ويبصبص فرآه فرحمه. (6) الخرائج والجرائح: 19. (7) في المصدر: فبلغ ذلك ابا
بكر. (8) في المصدر: على فرقة اجتمعوا عليها المسلمون. (9) في المصدر: امير قومك
اختاروك قومك فولوك فان كرهوك عزلوك.
[200]
فالامام المخصوص من الله ورسوله لا يجوز
عليه الجور، وعلى الامير والامام المخصوص أن يعلم (1) ما في الظاهر والباطن وما
يحدث في المشرق والمغرب من الخير والشر، فإذا قام في شمس أو قمر فلا فيئ له، ولا
يجوز الامامة لعابد وثن ولا لمن كفر ثم أسلم، فمن أيهما أنت يا ابن أبي قحافة ؟
قال: أنا من الائمة الذين اختارهم الله لعباده ! فقالت: كذبت على الله ولو كنت ممن
اختارك الله لذكرك في كتابه كما ذكر غيرك فقال عزوجل: " وجعلنا منهم أئمة يهدون
بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون (2) " ويلك إن كنت إماما حقا فما اسم سماء
الدنيا (3) و الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة ؟ فبقي أبو بكر
لا يحير (4) جوابا، ثم قال: اسمها عند الله الذي خلقها، قالت: لو جاز للنساء أن
يعلمن علمتك (5) فقال: يا عدوة الله لتذكرن اسم سماء وسماء إلا قتلتك (6)، قالت:
أبالقتل تهددني والله ما ابالي أن يجري قتلي على يد مثلك ولكني أخبرك، أما السماء
الدنيا أيلول، والثانية ربعول (7)، والثالثة سحقوم، والرابعة ذيلول (8)، والخامسة
ماين، و السادسة ماجير (9)، والسابعة ايوث، فبقي أبو بكر ومن معه متحيرين، فقالوا
لها: ما تقولين في علي ؟ قالت: وما عسى أن أقول في إمام الائمة ووصي الاوصياء من
أشرق بنوره الارض والسماء، ومن لا يتم التوحيد إلا بحقيقة معرفته (10)، و
(1) في المصدر: لا يجوز عليه الجور على
الامة، والامام المخصوص يعلم اه. (2) سورة السجدة: 24. (3) في المصدر: سماء الدنيا
الاولة. (4) في المصدر: لا يجيب. (5) في المصدر: ان يعلمن الرجال لعلمتك. (6) في
المصدر: لتذكرين اسم سماء وسماء أو لاقتلنك. (7) في المصدر: ريعول. (8) في المصدر:
ديلول. (9) في المصدر: ماحير. (10) في المصدر: الا بمعرفته. (*)
[201]
لكنك نكثت واستبدلت وبعت دينك، قال (1)
أبو بكر: اقتلوها فقد ارتدت فقتلت، وكان علي عليه السلام في ضيعة له بوادي القرى،
فلما قدم وبلغه قتل أم فروة فخرج إلى قبرها (2)، وإذا عند قبرها أربعة طيور بيض
مناقيرها حمر، في منقار كل واحد حبة رمان وهي تدخل في فرجة في القبر، فلما نظر
الطيور إلى علي عليه السلام رفرفن وقرقرن، فأجابهن بكلام يشبه كلامهن، قال: أفعل إن
شاء الله، ووقف عند قبرها ومديده إلى السماء وقال: يا محيي النفوس بعد الموت ويا
منشئ العظام الدارسات أحي لنا أم فروة واجعلها عبرة لمن عصاك، فإذا بهاتف (3): امض
لامرك يا أمير المؤمنين، وخرجت أم فروة متلحفة بريطة (4) خضراء من السندس الاخضر
وقالت: يا مولاي أراد ابن أبي قحافة أن يطفئ نورك فأبى الله لنورك إلا ضياء، و بلغ
أبا بكر وعمر ذلك فبقيا (5) متعجبين، فقال لهما سلمان: لو أقسم أبو الحسن على الله
أن يحيى الاولين والآخرين لاحياهم، وردها أمير المؤمنين عليه السلام إلى زوجها،
وولدت غلامين له وعاشت بعد علي ستة أشهر (6). 14 - يج: روى الرضا عليه السلام
بإسناده عن علي عليه السلام أنه كان في مجلسه و الناس حوله إذا وافى رجل من العرب،
فسلم عليه وقال: لي على رسول الله وعد وقد سألت عن منجز وعده فارشدت إليك، أهو حاصل
لي ؟ قال عليه السلام: ما هو ؟ قال: مائة ناقة حمراء، قال لي: إن أنا قبضت فأت قاضي
ديني وخليفتي من بعدي فإنه يدفعها إليك وما كذبني، فإن يكن ما ادعيته حقا فعجل،
فقال علي عليه السلام لابنه الحسن: قم يا حسن، فنهض إليه فقال له: اذهب فخذ قضيب
رسول الله صلى الله عليه وآله الفلاني
(1) في المصدر: وبعت بدينك بدنياك، فقال
اه. (2) في المصدر: إلى منزلها. (3) في المصدر: فإذا بهاتف يقول. (4) الريطة -
بفتح الراء وسكون الياء -: كل ثوب يشبه الملحفة. الكفن. (5) في المصدر: فصارا. (6)
الخرائج والجرائح: 82.
[202]
وصر إلى البقيع، فاقرع به الصخرة الفلانية
ثلاث قرعات وانظر ما يخرج منها فادفعه إلى الرجل وقل له: يكتم ما يرى، فصار الحسن
عليه السلام إلى الموضع والقضيب معه، ففعل ما امر به، فطلع من الصخرة رأس ناقة
بزمامها، فجذب مائة ناقة، ثم انضمت الصخرة فدفع النوق إلى الرجل وأمره بكتمان ما
يرى، فقال الاعرابي: صدق رسول الله وصدق أبوك (1). 15 - يج: روي أن أسودا دخل على
علي عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني سرقت فطهرني، فقال: لعلك سرقت من غير
حرز، ونحى رأسه عنه (2)، فقال: يا أمير المؤمنين سرقت من حرز فطهرني، فقال عليه
السلام: لعلك سرقت غير نصاب، و نحى رأسه عنه، فقال: يا أمير المؤمنين سرقت نصابا،
فلما أقر ثلاث مرات قطعة أمير المؤمنين عليه السلام فذهب وجعل يقول في الطريق:
قطعني أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين ويعسوب الدين وسيد الوصيين،
وجعل يمدحه، فسمع ذلك منه الحسن والحسين عليهما السلام وقد استقبلاه (3)، فدخلا على
أمير المؤمنين عليه السلام وقالا: رأينا أسوادا يمدحك في الطريق، فبعث أمير
المؤمنين عليه السلام من أعاده إلى عنده، فقال عليه السلام: قطعتك وأنت تمدحني ؟
فقال يا أمير المؤمنين: إنك طهرتني وإن حبك قد خالط لحمي وعظمي (4)، فلو قطعتني
إربا إربا لما ذهب حبك من قلبي، فدعا له أمير المؤمنين عليه السلام ووضع المقطوع
إلى موضعه فصح و صلح كما كان (5). 16 - يج: روي عن سعد بن خالد الباهلي (6) أن رسول
الله صلى الله عليه وآله اشتكى و
(1) لم نجده في المصدر المطبوع. (2) في
المصدر: من غير حرز يجاوز الله عنه. (3) في (ك): وقد استقبلا. (4) في المصدر: لحمى
ودمى. (5) الخرائج والجرائح: 85. (6) في المصدر: روى عن سعيد بن أبي خالد الباهلى
قال اه.
[203]
كان محموما، فدخلنا عليه مع علي عليه
السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألمت بي ام ملدم فحسر علي يده اليمنى
وحسر رسول الله صلى الله عليه وآله يده اليمنى، فوضعها (1) علي على صدر رسول الله
صلى الله عليه وآله وقال: يا ام ملدم اخرجي فإنه عبد الله ورسوله، قال: فرأيت رسول
الله استوى جالسا ثم طرح عنه الازار وقال: يا علي إن الله فضلك بخصال، ومما فضلك به
أن جعل الاوجاع مطيعة لك، فليس من شئ تزجره إلا انزجر بإذن الله (2). 17 - يج: روي
أن خارجيا اختصم مع آخر إلى علي عليه السلام فحكم بينهما (3) فقال الخارجي: لا عدلت
في القضية، فقال عليه السلام: اخسأ يا عدو الله، فاستحال كلبا وطار ثيابه في
الهواء، فجعل يبصبص وقد دمعت عيناه، فرق له علي ودعا (4) فأعاده الله إلى حال
الانسانية، وتراجعت ثيابه من الهواء إليه، فقال علي عليه السلام: إن آصف وصي
سليمان، فقص الله (5) عنه بقوله: " قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن
يرتد إليك طرفك (6) " أيهما أكرم على الله نبيكم أم سليمان ؟ فقيل: ما حاجتك في
قتال معاوية إلى الانصار ؟ قال: إنما أدعو على هؤلاء بثبوت الحجة وكمال المحنة، ولو
أذن لي في الدعاء بهلاكه لما تأخر (7). 18 - يج: روي أن قصابا كان يبيع اللحم من
جارية إنسان وكان يحيف عليها فبكت وخرجت، فرأت عليا عليه السلام فشكته إليه، فمشى
(8) معها نحوه ودعاه إلى الانصاف في حقها ويعظه ويقول له: ينبغي أن يكون الضعيف
عندك بمنزلة القوي
(1) في المصدر: فحسر على يده اليمنى
فوضعها على صدر. (2) الخرائج والجرائح: 86. (4) في المصدر: فحكم بينهما بحكم. (3)
في المصدر: ودعا الله. (5) في المصدر: فقال عليه السلام: آصف وصى سليمان قص الله
عنه. (6) سورة النمل: 40 (7) الخرائج والجرائح: 86 و 87. (8) في المصدر: فمضى.
[204]
فلا تظلم الجارية (1)، ولم يكن القصاب
يعرف عليا، فرفع يده وقال: اخرج أيها الرجل، فانصرف عليه السلام ولم يتكلم بشئ،
فقيل للقصاب: هذا علي بن أبي طالب عليه السلام فقطع يده وأخذها وخرج إلى أمير
المؤمنين عليه السلام معتذرا، فدعا له عليه السلام فصلحت يده (2). 19 - قب، شا: روى
الوليد بن الحارث وغيره عن رجالهم أن أمير المؤمنين عليه السلام لما بلغه ما فعل
(3) بسر بن أرطاة باليمن قال: اللهم إن بسرا قد باع دينه بالدنيا فاسلبه عقله ولا
تبق من دينه ما يستوجب به عليك رحمتك، فبقي بسر حتى اختلط، وكان يدعو بالسيف فاتخذ
له سيف من خشب وكان يضرب به حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: السيف السيف، فيدفع إليه
فيضرب به فلم يزل كذلك حتى مات (4). 20 - شا: إسماعيل بن عمير، عن مسعر بن كدام، عن
طلحة بن عميرة قال: نشد علي عليه السلام (5) في قول النبي صلى الله عليه وآله: " من
كنت مولاه فعلي مولاه " فشهد اثنا عشر رجلا من الانصار، وأنس بن مالك في القوم لم
يشهد، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا أنس ! قال: لبيك، قال: ما يمنعك أن
تشهد وقد سمعت ما سمعوا ؟ قال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت ! فقال أمير المؤمنين
عليه السلام: اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض - أو بوضح - لاتواريه العمامة، قال
طلحة: فأشهد بالله لقد رأيتها بيضا بين عينيه (6). يج: عن طلحة مثله (7).
(1) في المصدر: فلا تظلم الناس. (2)
الخرائج والجرائح: 123. (3) في الارشاد: ما صنعه. (4) مناقب آل أبى طالب 1: 434.
الارشاد: 152. وما رواه مطابق له. (5) في المصدر: نشد على عليه السلام الناس. (6)
الارشاد: 166 و 167. (7) لم نجده في الخرائج.
[205]
21 - شا: روى أبو إسرائيل، عن الحكم بن
أبي سلمان المؤذن، عن زيد ابن أرقم قال: نشد علي عليه السلام (1) في المسجد فقال:
أنشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " فقام اثنا عشر بدريا ستة من الجانب الايمن وستة
من الجانب الايسر فشهدوا بذلك، فقال زيد بن أرقم: وكنت أنا فيمن سمع ذلك فكتمته،
فذهب الله ببصري، وكان يندم على ما فاته من الشهادة ويستغفر الله (2). يج: عن زيد
مثله (3). 22 - شا: روى عن ابن محسن (4) [مسهر خ ل] عن الاعمش، عن موسى بن طريف عن
عباية بن موسى (5) بن أكيل النميري، عن عمران بن ميثم، عن عباية، وموسى الوجيهي عن
المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث وعثمان بن سعيد وعبد الله بن بكير، عن حكيم
بن جبير قال (6): شهدنا عليا أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر يقول: أنا عبد
الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله وورثت نبي الرحمة ونكحت سيدة نساء أهل
الجنة، و أنا سيد الوصيين وآخر أوصياء النبيين، لا يدعي ذلك غيري إلا أصابه الله
بسوء، فقال رجل من عبس كان جالسا بين القوم: من لا يحسن أن يقول هذا ؟ أنا عبد الله
وأخو رسول الله، فلم يبرح من مكانه حتى تخبطه الشيطان، فجر برجله إلى باب المسجد،
فسألنا قومه (7) هل تعرفون به عارضا قبل هذا ؟ قالوا اللهم لا (8). قب: الاعمش، عن
رواته، عن حكيم بن جبير وعن عقبة الهجري، عن عمته
(1) في المصدر: نشد على عليه السلام
الناس. (2) الارشاد: 167. (3) لم نجده في الخرائج. (4) في المصدر: روى عن على بن
مسهر. (5) في المصدر: عن عباية وموسى اه. (6) في المصدر: قالوا. (7) في المصدر:
فسألنا قومه عنه فقلنا اه. (8) الارشاد 167.
[206]
وأبي يحبى قال: شهدت عليا عليه السلام إلى
آخر ما مر (1). يج: عن حكيم بن جبير وجماعة مثله (2). 23 - قب: عبد الله بن مسعود
قال: لا تتعرضوا لدعوة علي فإنها لا ترد. الاعثم في الفتوح: إن عليا عليه السلام
رفع يده إلى السماء وهو يقول: اللهم إن طلحة بن عبد الله (3) أعطاني صفقة يمينه
طائعا ثم نكث بيعتي، اللهم فعاجله ولا تمهله، اللهم وإن الزبير [بن] العوام قطع
قرابتي ونكث عهدي وظاهر عدوي وهو يعلم أنه ظالم لي فاكفنيه كيف شئت وأنى شئت. تاريخ
الطبري قال أمير المؤمنين عليه السلام: ومن العجب انقياد هما لابي بكر و عمر
وخلافهما علي، والله إنهما يعلمان أني لست بدون رجل ممن قد مضى، اللهم فاحلل ما
عقدا ولا تبرم ما أحكما في أنفسهما وأرهما المساءة فيما قد عملا. فضائل العشرة
وأربعين الخطيب روى زاذان أنه كذبه رجل في حديثه. فقال عليه السلام: أدعو عليك إن
كنت كذبتني أن يعمي الله بصرك ؟ قال: نعم، فدعا عليه فلم ينصرف حتى ذهب بصره. تاريخ
البلاذري وحلية الاولياء كتب أصحابنا عن جابر الانصاري أنه استشهد أمير المؤمنين
عليه السلام أنس بن مالك والبراء بن عازب والاشعث وخالد بن يزيد قول النبي صلى الله
عليه وآله: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فكتموا، فقال لانس: لا أماتك الله حتى
يبتليك ببرص لا تغطيه العمامة، وقال للاشعث: لا أماتك الله حتى يذهب بكريمتيك، وقال
لخالد: لا أماتك الله إلا ميته الجاهلية (4)، وقال للبراء: لا أماتك الله إلا حيث
هاجرت، فقال جابر: والله لقد رأيت أنسا وقد ابتلي ببرص يغطيه بالعمامة فما تستره،
ورأيت الاشعث وقد ذهبت كريمتاه وهو يقول: الحمد
(1) مناقب آل أبى طالب 1: 477. (2) لم
نجده في الخرائج المطبوع. (3) الصحيح: طلحة بن عبيدالله. (4) في المصدر و (ت): إلا
ميتة جاهلية.
[207]
لله الذي جعل دعاء أمير المؤمنين علي
بالعمى في الدنيا ولم يدع علي في الآخرة فاعذب، وأما خالد فإنه لما مات دفنوه في
منزله، فسمعت بذلك كندة فجاءت بالخيل والابل فعقرتها على باب منزله، فمات ميتة
جاهلية، وأما البراء فإنه ولى من جهة معاوية باليمن فمات بها. ومنها كان هاجر وهي
السراة. ودعا عليه السلام على رجل في غزاة بني زبيد وكان في وجهه خال فتغشى (1) في
وجهه حتى اسود لها وجهه كله. وقوله عليه السلام لرجل: إن كنت كاذبا فسلط الله عليك
غلام ثقيف، قالوا: وما غلام ثقيف ؟ قال: غلام لا يدع لله حرمة إلا انتهكها، وأدرك
الرجل الجاج فقتله. وحكم عليه السلام بحكم، فقال المحكوم عليه: ظلمت والله يا علي،
فقال: إن كنت كاذبا فغير الله صورتك، فصار رأسه رأس خنزير. وذكر الصاحب في رسالة
الفرا (2) عن أبي العيناء أنه لقي جد أبي العيناء الاكبر أمير المؤمنين عليه السلام
فأساء مخاطبته، فدعا عليه وعلى أولاده بالعمى، فكل من عمي من أولاده فهو صحيح
النسب. ويقال: إنه عليه السلام دعا على وابصة بن معبد الجهني - وكان من أهل الصفة
بالرقة - لما قال له: فتنت أهل العراق وجئت تفتن أهل الشام ؟ - بالعمى (3) والخرس
والصمم وداء السوء، فأصابه في الحال. والناس إلى اليوم يرجمون المنارة التي كان
يؤذن عليها. أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية أن عليا عليه السلام دعا على ولد
العباس بالشتات، فلم يروا بني ام أبعد قبورا منهم، فعبد الله بالمشرق، ومعبد
بالمغرب، وقثم بمنفعة الرواح، وثمامة بالارجوان، ومتمم بالخازر، وفي ذلك يقول كثير:
(1) في المصدر و (م): فتفشى. (2) في
المصدر: في رسالته الغراء. (3) متعلق بقوله: دعا.
[208]
دعا دعوة ربه مخلصا * فيالك عن قاسم ما
أبرا دعا بالنوى فتناءت بهم * معارفة الدار برا وبحرا فمن مشرق ظل ثاو به * ومن
مغرب منهم ما أضرا فضائل العشرة وخصائص العلوية: قال ابن مسكين: مررت أنا وخالي أبو
امية على دار في دور حي من مراد، فقال: أترى هذه الدار ؟ قلت: نعم، قال: فإن عليا
عليه السلام مربها وهم يبنونها فسقطت عليه قطعة فشجته، فدعا أن لا يتم بناؤها، فما
وضعت عليها لبنة، قال: فكنت تمر عليها لا تشبه الدور. وفي حديث الطرماح بن عدي
وصعصعة بن صوحان أن أمير المؤمنين عليه السلام اختصم إليه خصمان، فحكم لاحدهما على
الآخر، فقال المحكوم عليه: ما حكمت بالسوية ولا عدلت في الرعية ولا قضيتك عند الله
بالمرضية، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اخسأ يا كلب، فجعل (1) في الحال يعوي.
ولما قال: " ألا وإني أخو رسول الله وابن عمه، ووارث علمه ومعدن سره و عيبة ذخره،
ما يفوتني ما عمله رسول الله صلى الله عليه وآله ولا ما طلب، ولا يعزب (2) علي مادب
ودرج، وما هبط وما عرج، وما غسق وانفرج، وكل ذلك مشروح لمن سأل مكشوب لمن وعا " قال
هلال بن نوفل الكندي في ذلك وتعمق إلى أن قال: فكن يا ابن أبي طالب بحيث الحقائق،
واحذر حلول البوائق، فقال أمير المؤمنين عليه السلام هب إلى سقر، فوالله ما تم
كلامه حتى صار في سورة الغراب الابقع - يعني الابرص -. وأصاب دعاؤه عليه السلام على
جماعة منهم زيد بن أرقم فإنه قد عمي، وبلعاء بن قيس فإنه برص. عبد الله بن أبي رافع
سمعته يقول: اللهم أرحني منهم، فرق الله بيني و بينكم، أبدلني الله بهم خيرا منهم
وأبدلهم شرا مني، فما كان إلا يومه حتى قتل.
(1) في المصدر: فكان. (2) في المصدر: ولا
يغرب.
[209]
وفي رواية: اللهم إنني قد كرهتهم وكرهوني،
ومللتهم وملوني، فأرحني وأرحهم فمات تلك الليلة. وممن دعا له عليه السلام: أم عبد
الله بن جعفر قالت: مررت بعلي وأنا حبلى فدعاني فمسح على بطني وقال: اللهم اجعله
ذكرا ميمونا مباركا، فولدت غلاما. انتباه الخرگوشي أن أمير المؤمنين عليه السلام
سمع في ليلة الاحرام مناديا باكيا فأمر الحسين عليه السلام بطلبه، فلما أتاه وجد
شابا يبس نصف بدنه، فأحضره فسأله علي عليه السلام عن حاله، فقال: كنت رجلا ذا بطر،
وكان أبي ينصحني، فكان يوما في نصحه إذ ضربته، فدعا علي بهذا الموضع وأنشأ شعرا،
فلما تم كلامه يبس نصفي، فندمت وتبت وطيبت قلبه، فركب على بعير ليأتي بي إلى ههنا
ويدعوا لي فلما انتصف البادية نفر البعير من طيران طائر ومات والدي، فصلى علي عليه
السلام أربعا ثم قال: قم سليما، فقام صحيحا فقال: صدقت لو لم يرض عنك لما سمعت.
وسمع ضرير دعاء أمير المؤمنين عليه السلام: " اللهم إني أسألك يا رب الارواح
الفانية، ورب الاجساد البالية، أسألك بطاعة الارواح الراجعة إلى أجسادها، و بطاعة
الاجساد الملتئمة إلى أعضائها، وبانشقاق القبور عن أهلها، وبدعوتك الصادقة فيهم،
وأخذك بالحق بينهم إذا برز الخلائق ينتظرون قضاءك ويرون سلطانك و يخافون بطشك
ويرجون رحمتك يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولاهم ينصرون إلا من رحم الله إنه هو
العزيز الرحيم (1)، أسألك يا رحمن أن تجعل النور في بصري، و اليقين في قلبي وذكرك
بالليل والنهار على لساني أبدا ما أبقيتني، إنك على كل شئ قدير " قال: فسمعها
الاعمى وحفظها ورجع إلى بيته الذي يأويه، فتطهر للصلاة وصلى، ثم دعا بها فلما بلغ
إلى قوله: " أن تجعل النور في بصري " ارتد الاعمى بصيرا بإذن الله. عقد المغربي أن
عمر أراد قتل الهرمزان فاستسقى، فأتي بقدح فجعل ترعد يده فقال له في ذلك فقال: إني
خائف أن تقتلني قبل أن أشربه، فقال: اشرب ولا بأس
(1) في المصدر: انه هو البر الرحيم.
[210]
عليك، فرمى القدح من يده فكسره، فقال: ما
كنت لاشربه أبدا وقد آمنتني، فقال: قاتلك الله لقد أخذت أمانا ولم أشعر به، وفي
رواياتنا أنه شكا ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فدعا الله تعالى فصار القدح
صحيحا مملوءا من الماء، فلما رأى الهرمزان المعجز أسلم. واستجابة الدعوات
المتواترات من الآيات الباهرات في خلق الله المستمرة في العادات التي لا يغيرها إلا
لخطب عظيم وإقامة حق يقين، وذلك خصوصية للانبياء والائمة عليهم السلام (1). 24 -
قب: الباقر عليه السلام: مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرضة، فدخل علي عليه
السلام المسجد فإذا جماعة من الانصار، فقال لهم: أيسركم أن تدخلوا على رسول الله
صلى الله عليه وآله ؟ قالوا: نعم، فاستأذن لهم فدخلوا، فجاء علي عليه السلام وجلس
عند رأس رسول الله صلى الله عليه وآله فأخرج يده من اللحاف وبين صدر رسول الله صلى
الله عليه وآله فإذا الحمى تنفضه نفضا شديدا فقال: يا أم ملدم اخرجي عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وانتهرها، فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وليس به بأس،
فقال: يا ابن أبي طالب لقد اعطيت من خصال الخير حتى أن الحمى لتفزع منك. الحاتمي
بإسناده عن ابن عباس أنه دخل أسود على أمير المؤمنين عليه السلام و أقرأنه سرق،
فسأله ثلاث مرات قال: يا أمير المؤمنين طهرني فإني سرقت، فأمر عليه السلام بقطع
يده، فاستقبله ابن الكواء فقال: من قطع يدك ؟ فقال: ليث الحجاز وكبش العراق، ومصادم
الابطال، المنتقم من الجهال، كريم الاصل، شريف الفضل، محل الحرمين، وارث المشعرين،
أبو السبطين، أول السابقين، وآخر الوصيين من آل ياسين، المؤيد بجبرائيل، المنصور
بميكائيل، الحبل المتين، المحفوظ بجند السماء أجمعين، ذلك والله أمير المؤمنين على
رغم الراغمين - في كلام له - قال ابن كواء: قطع يدك وتثني عليه ! قال: لو قطعني
إربا إربا ما ازددت له إلا حبا فدخل على أمير المؤمنين عليه السلام وأخبره بقصة
الاسود، فقال: يا ابن كواء إن
(1) مناقب آل أبى طالب 433 - 439.
[211]
محبينا لو قطعناهم إربا إربا ما ازدادوا
لنا إلا حبا، وإن في أعدائنا من لو ألعقناهم السمن والعسل (1) ما ازدادوا منا (2)
إلا بغضا، وقال للحسن عليه السلام: عليك بعمك الاسود، فأحضر الحسن عليه السلام
الاسود إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأخذ يده ونصبها في موضعها وتغطى بردائه
وتكلم بكلمات يخفيها، فاستوت يده، وصار يقاتل بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام
إلى أن استشهد بالنهروان، ويقال: كان اسم هذا الاسود أفلح. وأبين إحدى يدي هشام بن
عدي الهمداني في حرب صفين، فأخذ علي عليه السلام يده وقرأ شيئا وألصقها، فقال: يا
أمير المؤمنين ما قرأت ؟ قال: فاتحة الكتاب قال: فاتحة الكتاب ! - كأنه استقلها -
فانفصلت يده نصفين، فتركه علي عليه السلام ومضى. وروى ابن بابويه في كتابه المعروف
بالفضائل (3) وكتاب علل الشرائع أيضا عن حنان بن سدير عن الصادق عليه السلام في خبر
وقد سئل لم أخر أمير المؤمنين عليه السلام العصر في بابل ؟ قال: إنه لما صلى الظهر
التفت إلى جمجمة ملقاة، فكلمها أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أيتها الجمجمة
من أين أنت ؟ فقال: أنا فلان ابن فلان ملك بلد آل فلان، قال لها أمير المؤمنين عليه
السلام: فقصي علي الخبر وما كنت وما كان في عصرك، فأقبلت الجمجمة تقص خبرها وما كان
في عصرها من شر، فاشتغل بها حتى غابت الشمس، فكلمها بثلاثة أحرف من الانجيل لئلا
تفقه العرب كلامه، القصة. وقالت الغلاة: نادى عليه السلام الجمجمة ثم قال: يا جلندي
بن كركر أين الشريعة ؟ فقال: ههنا، فبنى هناك مسجدا وسمى مسجد الجمجمة، وجلندي هذا
ملك الحبشة صاحب الفيل الهادم للبيت أبرهة. وقالت أيضا: إنه عليه السلام نادى
لسمكة: يا ميمونة أين الشريعة ؟ فأطلعت رأسها من الفرات وقالت: من عرف اسمي في
الماء لا تخفى عليه الشريعة. أمالي الشيباني: قال رشيد الهجري: كنت في بعض الطريق
مع علي بن
(1) العقه العسل: يلحسه ويناوله باصبعه.
(2) في المصدر: ما ازدادوا. (3) في المصدر: في كتابه معرفة الفضائل.
[212]
أبي طالب عليه السلام إذا التفت (1) فقال:
يا رشيد أترى ما أرى ؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين وإنه ليكشف لك من الغطاء ما لا
يكشف لغيرك، قال: إني أرى رجلا في ثبج من نار يقول: " يا علي استغفر لي " لا غفر
الله له (2). بيان: ثبج الشئ بالتحريك: وسطه ومعظمه. 25 - قب: كتاب العلوي البصري
أن جماعة من اليمن أتوا النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: نحن من بقايا الملل
المتقدمة من آل نوح، وكان لنبينا وصي اسمه سام وأخبر في كتابه أن لكل نبي معجزا وله
وصي يقوم مقامه، فمن وصيك ؟ فأشار صلى الله عليه وآله بيده نحو علي عليه السلام
فقالوا: يا محمد إن سألناه أن يرينا سام بن نوح فيفعل ؟ فقال صلى الله عليه وآله:
نعم بإذن الله، وقال: يا علي قم معهم إلى داخل المسجد واضرب برجلك الارض عند
المحراب، فذهب علي عليه السلام وبأيديهم صحف إلى أن دخل إلى محراب رسول الله صلى
الله عليه وآله داخل المسجد، فصلى ركعتين، ثم قام وضرب برجله الارض، فانشقت الارض
وظهر لحد وتابوت، فقام من التابوت شيخ يتلالا وجهه مثل القمر ليلة البدر، وينفض
التراب من رأسه، وله لحية إلى سرته، و صلى على علي عليه السلام وقال: أشهد أن لا
إله إلا الله وأن محمدا رسول الله سيد المرسلين وأنك علي وصي محمد سيد الوصيين،
وأنا سام بن نوح، فنشروا أولئك صحفهم فوجدوه كما وصفوه في الصحف، ثم قالوا: نريد أن
تقرأ (3) من صحفه سورة، فأخذ في قراءته حتى تمم السورة، ثم سلم على علي عليه السلام
ونام كما كان فانضمت الارض، وقالوا بأسرهم: " إن الدين عند الله الاسلام " وآمنوا،
و أنزل الله " أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيى الموتى " إلى
قوله: " انيب " (4).
(1) في المصدر: إذا التفت إلى. (2) مناقب
آل أبى طالب 1: 472 - 474. (3) في المصدر و (م): أن يقرأ. (4) مناقب آل أبى طالب 1:
476. والاية في سورة الشورى: 9 - 10.
[213]
26 - كش: عبد الله بن إبراهيم، عن أبي
مريم الانصاري، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش قال: خرج علي بن أبي طالب عليه
السلام من القصر، فاستقبله ركبان متقلدون بالسيوف عليهم العمائم، فقالوا: السلام
عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله وبركاته، السلام عليك يا مولانا، فقال علي عليه
السلام: من ههنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقام خالد بن زيد أبو
أيوب وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وقيس ابن سعد بن عبادة وعبد الله بن بديل بن
ورقاء، فشهدوا جميعا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم: من
كنت مولاه فعلي مولاه، فقال علي عليه السلام لانس بن مالك والبراء بن عازب: ما
منعكما أن تقوما فتشهدا فقد سمعتما كما سمع القوم ؟ ثم قال: اللهم إن كانا كتماها
معاندة فابتلهما، فعمي البراء بن عازب وبرص قدما أنس بن مالك، فأما أنس فحلف (1) أن
لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولافضلا أبدا، وأما البراء بن عازب
فكان يسأل عن منزله فيقال: هو في موضع كذا وكذا، فيقول: كيف يرشد من أصابته الدعوة
(2). 27 - يل: عن أبي الاحوص، عن أبيه، عن عمار الساباطي قال: قدم أمير المؤمنين
عليه السلام المدائن فنزل بأيوان كسرى، وكان معه دلف بن مجير، فلما صلى قام وقال
لدلف: قم معي، وكان معه جماعة من أهل ساباط، فما زال يطوف منازل كسرى ويقول لدلف:
كان لكسرى في هذا المكان كذا وكذا، ويقول دلف: هو والله كذلك، فما زال كذلك حتى طاف
المواضع بجميع من كان عنده (3) ودلف يقول: يا سيدي ومولاي كأنك وضعت هذه الاشياء في
هذه المساكن (4)، ثم نظر عليه السلام إلى جمجمة نخرة، فقال لبعض أصحابه: خذ هذه
الجمجمة (5)، ثم جاء
(1) في المصدر: فحلف انس بن مالك. (2)
معرفة اخبار الرجال: 30 و 31. (3) في المصدر: حتى طاف المواضع وأخبر عن جميع ماكان
فيها. (4) في المصدر: في هذه الامكنة. (5) في المصدر: خذ هذه الجمجمة وكانت مطروحة.
[214]
عليه السلام إلى الايوان وجلس فيه، ودعا
بطشت فيه ماء، فقال للرجل: دع هذه الجمجمة في الطشت، ثم قال: أقسمت عليك يا جمجمة
لتخبريني من أنا ومن أنت ؟ فقالت الجمجمة بلسان فصيح: أما أنت فأمير المؤمنين وسيد
الوصيين وإمام المتقين وأما أنا فعبد الله وابن أمة الله كسرى أنو شيروان، فقال له
أمير المؤمنين عليه السلام: كيف حالك ؟ قال: يا أمير المؤمنين إني كنت ملكا عادلا
شفيقا على الرعايا رحيما، لا أرضى بظلم، ولكن كنت على دين المجوس، وقد ولد محمد صلى
الله عليه وآله في زمان ملكي، فسقط من شرفات قصري ثلاثة وعشرون شرفة ليلة ولد،
فهممت أن اؤمن به من كثرة ما سمعت من الزيادة من أنواع شرفه وفضله ومرتبته وعزه في
السماوات والارض ومن شرف أهل بيته، ولكني تغافلت عن ذلك وتشاغلت عنه في الملك،
فيالها من نعمة ومنزلة ذهبت مني حيث لم اؤمن (1)، فأنا محروم من الجنة بعدم (2)
إيماني به، ولكني مع هذا الكفر خلصني الله تعالى من عذاب النار ببركة عدلي وإنصافي
بين الرعية، وأنا في النار والنار محرمة علي، فواحسرتاه لو آمنت (3) لكنت معك يا
سيد أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله ويا أمير امته (4)، قال: فبكى الناس، وانصرف
القوم الذين كانوا (5) من أهل ساباط إلى أهلهم وأخبروهم بما كان وبما جرى (6)
فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين، فقال المخلصون منهم: إن أمير المؤمنين
عليه السلام عبد الله ووليه ووصي رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال بعضهم: بل هو
النبي صلى الله عليه وآله، وقال بعضهم: بل هو الرب وهو عبد الله (7) بن سبا
وأصحابه، وقالوا: لولا أنه الرب كيف يحيي الموتى ؟ قال: فسمع بذلك أمير المؤمنين
وضاق صدره، وأحضرهم وقال: يا قوم غلب
(1) في المصدر: حيث لم اؤمن به. (2) في
المصدر: لعدم. (3) في المصدر: لو آمنت به. (4) في المصدر: ويا أمير المؤمنين. (5)
في المصدر: كانوا معه. (6) في المصدر: وبما جرى من الجمجمة. (7) في المصدر: " وهم
مثل عبد الله بن سبا " وفى (م) و (ت): وهو مثل عبد الله بن سبا.
[215]
عليكم الشيطان إن أنا إلا عبد الله أنعم
علي بإمامته وولايته ووصية رسوله صلى الله عليه وآله، فارجعوا عن الكفر، فأنا عبد
الله وابن عبده، ومحمد صلى الله عليه وآله خير مني، وهو أيضا عبد الله وإن نحن إلا
بشر مثلكم، فخرج بعضهم من الكفر وبقي قوم على الكفر ما رجعوا فألح عليهم أمير
المؤمنين عليه السلام بالرجوع فما رجعوا، فأحرقهم بالنار، وتفرق منهم قوم في البلاد
وقالوا: لولا أن فيه الربوبية ما كان أحرقنا في النار، فنعوذ بالله من الخذلان (1).
أقول: روى في عيون المعجزات من كتاب الانوار تأليف أبي علي الحسن بن همام، عن
العباس بن الفضل، عن موسى بن عطية الانصاري، عن حسان بن أحمد الازرق، عن أبي
الاحوص، عن عمار مثله وزاد في آخره: إن الذين احرقوا و سحقوا وذروا في الريح أحياهم
الله بعد ثلاثة أيام فرجعوا إلى منازلهم. 28 - يل: روى أبو رواحة الانصاري عن
المغربي قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام وقد أراد حرب معاوية، فنظر إلى
جمجمة في جانب الفرات وقد أتت عليها الازمنة، فمر عليها أمير المؤمنين عليه السلام
فدعاها فأجابته بالتلبية، وتدحرجت بين يديه وتكلمت بكلام فصيح، فأمرها بالرجوع
فرجعت إلى مكانها (2)، فلما فرغ من حرب النهروان أبصرنا جمجمة نخرة بالية، فقال:
هاتوها، فحركها بسوطه فقال: أخبريني من أنت ؟ فقير أم غني شقي أم سعيد ملك أم رعية،
فقالت بلسان فصيح: السلام عليك يا أمير المؤمنين أنا كنت ملكا ظالما وأنا دويز بن
هرمز ملك الملوك (3)، فملكت مشارقها ومغاربها سهلها وجبلها برها وبحرها، أنا الذي
أخذت ألف مدينة في الدنيا وقتلت ألف ملك من ملوكها، يا أمير المؤمنين أنا الذي بنيت
خمسين مدينة وافتضضت خمسمائة ألف جارية بكرا (4) واشتريت ألف عبد تركي و
(1) الفضائل: 74 و 75. (2) في المصدر:
فرجعت إلى مكانها كما كانت. (3) في المصدر: أنا پرويز بن هرمز ملك الملوك كنت ملكا
ظالما. (4) في المصدر: وفضضت خمسمائة جارية بكر.
[216]
ألف أرمني وألف رومي وألف زنجي وتزوجت
بسبعين من بنات الملوك، ما ملك في الارض إلا غلبته وظلمت أهله، فلما جاءني ملك
الموت قال لي: يا ظالم يا طاغي خالفت الحق، فتزلزلت أعضائي وارتعدت فرائصي، وعرض
علي أهل حبسي فإذا هم سبعون ألفا من أولاد الملوك قد شقوا من حبسي، فلما رفع ملك
الموت روحي سكن أهل الارض من ظلمي، فأنا معذب في النار أبد الآبدين، فوكل الله بي
سبعين ألفا من الزبانية في يد كل منهم (1) مرزبة من نار لو ضربت بها جبال الارض
لاحترقت الجبال فتدكدكت وكلما ضربني الملك بواحدة من تلك المرازيب اشتعل بي النار
وأحترق، فيحييني الله تعالى ويعذبني بظلمي على عباده أبد الآبدين، وكذلك وكل الله
تعالى بعدد كل شعرة في بدني حية تلسعني وعقربا تلدغني (2)، فتقول لي الحيات
والعقارب: هذا جزاء ظلمك على عباده، ثم سكتت الجمجمة، فبكى جميع عسكر أمير المؤمنين
عليه السلام وضربوا على رؤوسهم وقالوا: يا أمير المؤمنين جهلنا حقك بعد ما أعلمنا
رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما خسرنا حقنا ونصيبنا فيك، وإلا أنت ما ينقض منك
شئ فاجعلنا في حل مما فرطنا فيك ورضينا بغيرك على مقامك، فإنا نادمون فأمر عليه
السلام بتغطية الجمجمة، فعند ذلك وقف ماء النهروان من الجري، وصعد على وجه الماء كل
سمك وحيوان كان في النهر، فتكلم كل واحد منهم مع أمير المؤمنين عليه السلام ودعا له
وشهد له بإمامته، وفي ذلك يقول بعضهم: سلامي على زمزم والصفا * سلامي على سدرة
المنتهى لقد كلمتك لدى النهروان * نهارا جماجم أهل الثرى وقد بدأت لك حيتانها *
تناديك مذعنة بالولا (3) 29 - يل: روي أنه عليه السلام كان يطلب قوما من الخوارج،
فلما بلغ الموضع
(1) في المصدر: ووكل الله بى سبعين الف
الف من الزبانية في يد كل واحد منهم اه. والزبانية: الشرط. وسموا بها بعض الملائكة
لدفعهم أهل النار إليها. والمرزبة: عصية من حديد. (2) في المصدر بعد ذلك: وكل ذلك
احس به كالحى في دنياه اه. (3) الفضائل: 75 - 77. وفيه: وقد بدرت.
[217]
المعروف اليوم بساباط (1) أتاه رجل من
شيعته وقال: يا أمير المؤمنين أنا من شيعتك وكان لي أخ وكنت شفيقا عليه، فبعثه عمر
في جنود سعد بن أبي وقاص إلى قتال أهل المدائن فقتل هنالك، فأرني (2) قبره ومقتله،
فأراه إياه، فمد الرمح وهو راكب بغلته الشهباء فركز القبر بأسفل الرمح، فخرج رجل
أسمر طويل يتكلم بالعجمية، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لم تتكلم بالعجمية
وأنت رجل من العرب ؟ قال: إني كنت أبغضك وأوالي أعداءك، فانقلب لساني في النار،
فقال: يا أمير المؤمنين رده من حيث جاء فلا حاجة لنا فيه، فقال له أمير المؤمنين
عليه السلام: ارجع، فرجع إلى القبر فانطبق عليه (3). 30 - يل: قيل: إن أمير
المؤمنين عليه السلام صعد المنبر يوما في البصرة بعد الظفر بأهلها وقال: أقول قولا
لا يقوله أحد غيري إلا كان كافرا، أنا أخو نبي الرحمة وابن عمه وزوج ابنته وأبو
سبطيه، فقام إليه رجل من أهل البصرة وقال: أنا أقول مثل قولك هذا، أنا أخو الرسول
وابن عمه، ثم لم يتم كلامه حتى إذا أخذته الرجفة، فما زال يرجف حتى سقط ميتا لعنه
الله (4). 31 - فض، يل: بالاسناد يرفعه إلى ابن أبي جعدة قال: حضرت مجلس أنس بن
مالك بالبصرة وهو يحدث، فقام إليه رجل من القوم وقال: يا صاحب رسول الله صلى الله
عليه وآله ما هذه الشيمة (5) التي أراها بك ؟ فأنا حدثني (6) أبي عن رسول الله صلى
الله عليه وآله أنه قال: البرص والجذام لا يبلي الله به مؤمنا، قال: فعند ذلك أطرق
أنس بن مالك إلى الارض وعيناه تذرفان بالدموع، ثم رفع رأسه وقال
(1) بليدة معروفة بما وراء النهر على عشرة
فراسخ من خجند. وساباط كسرى قرية كانت قريبا من المدائن (مراصد الاطلاع 2: 680).
(2) في (م): فقتل هناك وأريد أن تحييه لى فأرني اه. (3) الفضائل: 70. وبين نسخ
الكتاب والمصدر اختلافات كثيرة لم نذكرها لعدم الجدوى. (4) في المصدر: 102. (5)
الصحيح " الشامة " وهى بثرة سوداء في البدن حولها شعر. (6) في الفضائل: فانى حدثنى.
[218]
دعوة العبد الصالح علي بن أبي طالب عليه
السلام نفذت في، قال: فعند ذلك قام الناس حوله (1) وقصدوه وقالوا: يا أنس حدثنا ما
كان السبب ؟ فقال لهم: انتهوا عن هذا، فقالوا: لابد من أن تخبرنا بذلك، فقال:
اقعدوا مواضعكم واسمعوا مني حديثا كان هو السبب لدعوة علي، اعلموا أن النبي صلى
الله عليه وآله كان قد اهدي له بساط شعر من قرية كذا وكذا من قرى المشرق يقال لها "
عندف (2) " فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة
والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف الزهري، فأتيته بهم وعنده ابن عمه (3) علي
بن أبي طالب عليه السلام فقال لي: يا أنس ابسط البساط وأجلسهم عليه، ثم قال: يا أنس
اجلس حتى تخبرني بما يكون منهم، ثم قال: قل يا علي: يا ريح احملينا، فإذا (4) نحن
في الهواء، فقال: سيروا على بركة الله، قال: فسرنا ما شاء الله، ثم قال: يا ريح
ضعينا، فوضعتنا فقال: أتدرون أين أنتم ؟ قلنا: الله ورسوله وعلي (5) أعلم، فقال:
هؤلاء أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آيات الله عجبا، قوموا يا أصحاب رسول الله حتى
تسلموا (6) عليهم، فعند ذلك، قام أبو بكر وعمر فقالا: السلام عليكم يا أصحاب الكهف
والرقيم، قال: فلم يجبهما أحد (7)، قال: فقمنا أنا وعبد الرحمن ابن عوف وقلنا:
السلام عليكم يا أصحاب الكهف أنا خادم رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يجبنا أحد،
فعند ذلك قام الامام عليه السلام وقال: السلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم الذين
كانوا من آيات الله عجبا، فقالوا: وعليك السلام يا وصي رسول الله صلى الله عليه
وآله
(1) في المصدرين: من حوله. (2) في
الفضائل: هندف. (3) في المصدر: وعنده أخوه وابن عمه. (4) في المصدر: قال فقال
الامام على عليه السلام. يا ريح احملينا فإذا اه. (5) في المصدر: ووليه. (6) في
المصدر: حتى نسلم. (7) في الفضائل بعد ذلك: قال فقام طلحة والزبير فقالا: السلام
عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم، قال: فلم يجبهما أحد، قال انس: فقمت أنا وعبد الرحمن
بن عوف.
[219]
ورحمة الله وبركاته، فقال: يا أصحاب الكهف
ألا رددتم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قالوا (1): يا خليفة رسول الله
إنا فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وليس معنا إذن برد السلام إلا بإذن نبي (2)
أو وصي نبي وأنت وصي خاتم النبيين والمرسلين وأنت خاتم الاوصياء، ثم قال: أسمعتم يا
أصحاب رسول الله ؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فاقعدوا في مواضعكم، فقعدنا
في مجالسنا ثم قال: يا ريح احملينا، فسرنا ما شاء الله إلى أن غربت الشمس، ثم قال:
يا ريح ضعينا، فإذا نحن على أرض كأنها الزعفران ليس فيها حسيس (3) ولا أنيس، نباتها
الشيح (4) وليس فيها ماء، فقلنا يا أمير المؤمنين: دنت الصلاة وليس معنا ماء نتوضأ
به، فقام وجاء إلى موضع من تلك الارض فرفسه (5) برجله فنبعت عين ماء (6)، فقال:
دونكم وما طلبتم، ولولا طلبتكم لجاءنا جبرئيل بماء من الجنة، قال: فتوضأنا وصلينا
إلى أن انتصف الليل (7) ثم قال: خذوا مواضعكم ستدركون الصلاة مع رسول الله صلى الله
عليه وآله أو بعضها، ثم قال: يا ريح احملينا، فإذا نحن برسول الله صلى الله عليه
وآله (8) وقد صلى من الغداة ركعة واحدة، فقضيناها وكان قد سبقنا بها رسول الله صلى
الله عليه وآله فالتفت إلينا وقال: يا أنس تحدثني أو أحدثك ؟ فقلت (9): بل من فيك
أحلى يا رسول الله، قال: فابتداء بالحديث من أوله إلى آخره كأنه كان معنا، ثم قال:
يا أنس تشهد لابن عمي بها إذا استشهدك (10) ؟ فقلت: نعم يا
(1) في الفضائل: فقالوا بأجمعهم. (2) في
المصدرين: إلا على نبى. (3) الحسيس: الصوت الخفى. (4) الشيح: نبات انواعه كثيرة كله
طيب الرائحة، والواحدة: شيحة. (5) أي ضربه. (6) في المصدرين: عين ماء عذب. (7) في
المصدرين: ووقف بيصلى إلى أن انتصف الليل. (8) في المصدرين: فإذا نحن في الهواء ثم
سرنا ما شاء الله فإذا نحن بمسجد رسول الله. (9) في الفضائل: أو احدثك بما وقع من
المشاهدة التى شاهدتها أنت ؟ قلت اه. (10) في المصدرين: إذا استشهدتك بها.
[220]
رسول الله، فلما ولى أبو بكر الخلافة (1)
أتى علي عليه السلام وكنت حاضرا عند أبي بكر والناس حوله، وقال لي: يا أنس ألست
تشهد لي بفضيلة البساط ويوم عين الماء ويوم الجب ؟ فقلت له: يا علي نسيت من كبري،
فعندها قال لي: يا أنس إن كنت كتمته مداهنة بعد وصية رسول الله صلى الله عليه وآله
(2) فرماك الله ببياض في وجهك ولظى في جوفك وعمى في عينيك، فما قمت من مقامي حتى
برصت وعميت، والآن لا أقدر على الصيام في شهر رمضان ولا غيره من الايام، لان البرد
لا يبقى في جوفي ولم يزل أنس على تلك الحال حتى مات بالبصرة (3). 32 - بشا: محمد بن
أحمد بن شهريار، عن الحسين بن أحمد بن خيران، عن أحمد بن عيسى السدي (4)، عن أحمد
بن محمد البصري، عن عبد الله بن الفضل المالكي عن عبد الرحمن الازدي، عن عبد الواحد
بن زيد قال: خرجت إلى مكة فبينما أنا أطوف (5) فإذا أنا بجارية خماسية وهي متعلقة
بستارة الكعبة، وهي تخاطب جارية مثلها وهي تقول: لا (6) وحق المنتجب بالوصية الحاكم
بالسوية الصحيح البينة (7) زوج فاطمة المرضية ما كان كذا وكذا، فقلت لها: يا جارية
من صاحب هذه الصفة ؟ قالت: ذلك والله علم الاعلام وباب الاحكام وقسيم الجنة والنار
ورباني هذه الامة ورأس الائمة أخو النبي ووصيه وخليفته في أمته (8) ذلك مولاي أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقلت لها: يا جارية بما يستحق (9) علي منك
هذه الصفة ؟
(1) في الفضائل: قال فلما ولى أبو بكر
الخلافة بالقهر والعدوان اه. (2) في المصدرين: بعد وصية رسول الله لك. (3) الروضة:
37 و 38. الفضائل: 173 - 175. (4) في المصدر: عن الحسين بن أحمد بن جبير، عن شيخ من
أصحابنا، عن أحمد بن عيسى ابن السدى. (5) في المصدر: فبينما انا بالطواف. (6) في
المصدر: ألا. (7) في المصدر: الصحيح النية. (8) في المصدر: على امته. (9) في
المصدر: بم يستحق.
[221]
قالت: كان أبي والله مولاه فقتل بين يديه
يوم صفين، ولقد دخل يوما على أمي و هي في خبائها وقد ارتكبتني (1) وأخا لي من
الجدري (2) ما ذهب به أبصارنا، فلما رآنا تأوه وأنشأ يقول: ما إن تأوهت من شئ رزيت
به * كما تأوهت للاطفال في الصغر - قد مات والدهم من كان يكفلهم * في النائبات وفي
الاسفار والحضر ثم أدنانا إليه ثم أمر يده المباركة على عيني وعيني أخي، ثم دعا
بدعوات ثم شال يده، فها أنا بأبي أنت (3) والله أنظر إلى الجمل على فرسخ (4)، كل
ذلك ببركته صلوات الله عليه، فحللت خريطتي (5) فدفعت إليها دينارين بقية نفقة كانت
معي، فتبسمت في وجهي وقالت: مه خلفنا أكرم سلف على خير خلف، فنحن اليوم في كفالة
أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام، ثم قالت: اتحب عليا ؟ قلت: أجل قالت: ابشر
فقد استمسكت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، قال: ثم ولت وهي تقول: ما بث حب
علي في ضمير فتى * إلا له شهدت من ربه النعم - ولا له قدم زل الزمان بها * إلا له
ثبتت من بعدها قدم - ما سرني أنني من غير شيعته * وأن لي ما حواه العرب والعجم (6)
قب، يج: عن عبد الواحد بن زيد مثله (7). 33 - كنز: روي بحذف الاسانيد عن جابر بن
عبد الله رضي الله عنه قال:
(1) في المصدر و (ت): وقد ركبني. (2) بضم
الجيم وفتحها: مرض يسبب بثورا حمرا بيض الرؤوس تنتشر في البدن وتتقيح سريعا وهو
شديد العدوى. (3) في المصدر: فها أنا يا بأبى أنت. (4) في المصدر: على فراسخ. (5)
الخريطة: وعاء من جلد أو غيره يشد على ما فيه. (6) بشارة المصطفى: 86 و 87. (7)
مناقب آل أبي طالب 1: 472. ولم نجده في الخرائج المطبوع.
[222]
رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام وهو خارج من الكوفة، فتبعته من ورائه حتى إذا صار إلى جبانة (1) اليهود،
فوقف في وسطها ونادى: يا يهود يا يهود، فأجابوه في جوف القبر: لبيك لبيك مطلايخ -
يعنون بذلك يا سيدنا - فقال: كيف ترون العذاب ؟ فقالوا: بعصياننا لك كهارون، فنحن
ومن عصاك في العذاب إلى يوم القيامة ثم صاح صيحة كادت السماوات ينقلبن، فوقعت مغشيا
على وجهي من هول ما رأيت فلما أفقت رأيت أمير المؤمنين عليه السلام على سرير من
ياقوتة حمراء على رأسه إكليل من الجوهر، وعليه حلل خضر وصفر، ووجهه كدائرة القمر،
فقلت: يا سيدي هذا ملك عظيم، قال: نعم يا جابر إن ملكنا أعظم من ملك سليمان بن
داود، و سلطاننا أعظم من سلطانه، ثم رجع ودخلنا الكوفة ودخلت خلفه إلى المسجد، فجعل
يخطو خطوات وهو يقول: لا والله لا فعلت لا والله لا كان ذلك أبدا، فقلت: يا مولاي
بمن تلكم ومن تخاطب وليس أرى أحدا ؟ فقال: يا جابر كشف لي برهوت فرأيت الاول
والثاني يعذبان في جوف تابوت في برهوت، فنادياني: يا أبا الحسن يا أمير - المؤمنين
ردنا إلى الدنيا نقر بفضلك ونقر بالولاية لك، فقلت: لا والله لا فعلت لا والله لا
كان ذلك أبدا، ثم تلا هذه الآية " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون (2)
" يا جابر وما من أحد خالف وصي نبي إلا حشره الله أعمى يتكبكب في عرصات القيا مة "
(3). 34 - عيون المعجزات: حدث محمد بن همام القطان، عن الحسن بن الحليم عن عباد بن
صهيب، عن الاعمش قال: نظرت ذات يوم وأنا في المسجد الحرام إلى رجل كان يصلي، فأطال
وجلس يدعو بدعاء حسن إلى أن قال: يا رب إن ذنبي عظيم وأنت أعظم منه، ولا يغفر الذنب
العظيم إلا أنت يا عظيم، ثم انكب على الارض يستغفر ويبكي ويشهق في بكائه، وأنا أسمع
وأريد أن يتمم سجوده ويرفع رأسه و
(1) بفتح الجيم: المقبرة. (2) سورة
الانعام: 26. (3) مخطوط. وأورده في البرهان 1: 522.
[223]
اقايله (1) وأسأله عن ذنبه العظيم، فلما
رفع رأسه أدرت إليه وجهي ونظرت في وجهه فإذا وجهه وجه كلب ووبر كلب وبدنه بدن
إنسان، فقلت له: يا عبد الله ما ذنبك الذي استوجبت به أن يشوه الله خلقك ؟ فقال: يا
هذا إن ذنبي عظيم وما أحب أن يسمع به أحد فما زلت به إلى أن قال: كنت رجلا ناصبيا
ابغض علي بن أبي طالب عليه السلام وأظهر ذلك ولا أكتمه، فاجتاز بي ذات يوم رجل وأنا
أذكر أمير المؤمنين عليه السلام بغير الواجب فقال: مالك ؟ إن كنت كاذبا فلا أخرجك
الله من الدنيا حتى يشوه بخلقك فتكون شهرة في الدنيا قبل الآخرة، فبت معافى وقد حول
الله وجهي وجه كلب، فندمت على ما كان مني، وتبت إلى الله مما كنت عليه. وأسأل الله
الاقالة والمغفرة، قال الاعمش: فبقيت متحيرا أتفكر فيه وفي كلامه، وكنت أحدث الناس
بما رأيته، فكان المصدق أقل من المكذب (2). 35 - كا: علي بن محمد، عن علي بن الحسن،
عن الحسين بن راشد، عن المرتجل بن معمر، عن ذريح المحاربي، عن عباية الاسدي، عن حبة
العرني قال: خرجت مع أمير المؤمنين عليه السلام إلى الظهر، فوقف بوادي السلام كأنه
مخاطب لاقوام فقمت بقيامه حتى أعييت، ثم جلست حتى مللت، ثم قمت حتى نالني مثل ما
نالني أولا، ثم جلست حتى مللت، ثم قمت وجمعت ردائي فقلت: يا أمير المؤمنين إني قد
أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة، ثم طرحت الرداء ليجلس عليه فقال (3) يا حبة
إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته، قال: قلت: يا أمير المؤمنين وإنهم لكذلك ؟ قال:
نعم ولو كشف لك لرأيتهم حلقا حلقا محتبين (4) يتحادثون، فقلت: أجسام أم أرواح ؟
فقال: أرواح، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الارض إلا قيل لروحه: الحقي بوادي
السلام وإنها لبقعة من جنة عدن (5).
(1) كذا في النسخ، والصحيح: اقاوله. (2)
مخطوط. (3) في المصدر: فقال لى. (4) باهمال الحاء وتقديم المثناة على الموحدة من
احتبى الثوب: اشتمل أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها. (5) فروع الكافي (الجزء
الثالث من الطبعة الحديثة): 243.
[224]
36 - أقول: قال ابن أبي الحديد في شرح نهج
البلاغة: روى عثمان بن سعيد عن عبد الله بن بكير، عن حكيم بن جبير قال: خطب علي
عليه السلام فقال في خطبته (1): أنا عبد الله وأخو رسوله لا يقولها أحد قبلي ولا
بعدي إلا كذب، ورثت نبي الرحمة ونكحت سيدة نساء هذه الامة، وأنا خاتم الوصيين، فقال
رجل من عبس: من لا يحسن أن يقول مثل هذا ؟ لم يرجع إلى أهله حتى جن وصرع، فسألوهم
هل رأيتم به عرضا قبل هذا ؟ قالوا: وما رأينا به قبل هذا عرضا (2). 37 - مهج: روي
عن جماعة يسندون الحديث إلى الحسين بن علي عليهما السلام قال: كنت مع علي بن أبي
طالب عليه السلام في الطواف في ليلة ديجوجة (3) قليلة النور وقد خلا الطواف ونام
الزوار وهدأت العيون إذ سمع (4) مستغيثا مستجيرا مترحما بصوت حزين من قلب موجع (5)
وهو يقول: يا من يجيب دعا المضطر في الظلم * يا كاشف الضر والبلوى مع السقم - قد
نام وفدك حول البيت وانتبهوا * يدعو وعينك يا قيوم لم تنم - هب لي بجودك فضل العفو
عن جرمي * يا من أشار إليه الخلق في الحرم - إن كان عفوك لا يلقاه ذو سرف * فمن
يجود على العاصين بالنعم ؟ قال الحسين بن علي صلوات الله عليهما: فقال لي أبي: يا
أبا عبد الله أسمعت المنادي لذنبه المستغيث ربه (6) ؟ فقلت: نعم قد سمعته، فقال:
اعتبره عسى أن تراه فما زلت أختبط في طخياء (7) الظلام وأتخلل بين النيام فلما صرت
بين الركن و
(1) في المصدر: في أثناء خطبته. (2) شرح
النهج 1: 254. (3) الدجوجى والديجوج: الليل المظلم. (4) في المصدر: إذا سمعنا. (5)
في المصدر: بصوت محزون من قلب موجوع. (6) في المصدر: أسمعت المنادى ذنبه المستغيث
بربه. (7) خبط الليل: سار فيه على غير هدى. والطيخاء: الليلة المظلمة.
[225]
المقام بدا لي شخص منتصب، فتأملته فإذا هو
قائم، فقلت: السلام عليك أيها العبد المقر المستقيل المستغفر المستجير، أجب بالله
ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، فأسرع في سجوده وقعوده وسلم فلم يتكلم حتى
أشار بيده بأن: تقدمني، فتقدمته فأتيت به أمير المؤمنين فقلت: دونك ها هو، فنظر
إليه فإذا هو شاب حسن الوجه نقي الثياب (1) فقال له: ممن الرجل ؟ فقال له: من بعض
العرب فقال له: ما حالك ومم بكاؤك واستغاثتك ؟ فقال: ما حال من اخذ بالعقوق فهو في
ضيق ارتهنه المصاب وغمره الاكتئاب، فإن تاب فدعاؤه لا يستجاب (2)، فقال له علي عليه
السلام: ولم ذاك ؟ فقال: إني كنت ملتهيا في العرب باللعب والطرب، أديم العصيان في
رجب وشعبان، وما اراقب الرحمن وكان لي والد شفيق رفيق يحذرني مصارع الحدثان ويخوفني
العقاب بالنيران، و يقول: كم ضج منك النهار والظلام والليالي والايام والشهور
والاعوام والملائكة الكرام، وكان إذا ألح علي بالوعظ زجرته وانتهرته ووثبت عليه
وضربته، فعمدت يوما إلى شئ من الورق وكانت في الخباء (3)، فذهبت لآخذها وأصرفها
فيما كنت عليه فمانعني عن أخذها، فأوجعته ضربا ولويت يده (4) وأخذتها ومضيت، فأومأ
بيده إلى ركبته يريد (5) النهوض من مكانه ذلك فلم يطق يحركها من شدة الوجع والالم
فأنشأ يقول: جرت رحم بيني وبين منازل * سواء كما يستنزل القطر طالبه -
(1) في المصدر: نقى الاثواب. (2) في
المصدر: فأرتاب ودعاؤه لا يستجاب. وقد ذكر القضية في هامش مصباح الكفعمي ص 260.
وفيه كذلك: " فقال ما اسمك ؟ قال: منازل بن لاحق الشيباني، وأنا ممن قد ابتلى
بالعقوق وإضاع الحقوق ان دعا لم يجب وان تاب لم يقبل توبته اه. (3) الورق: الدراهم
المضروبة، ومنه قوله تعالى في سورة الكهف " فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة
". والخباء - بكسر الخاء -: ما يعمل من وبر أو صوف أو شعر للسكن. (4) لوى الحبل
ونحوه: فتله وثناه - ولى عليه الامر: عوصه. يقال: لوى أعناق الرجال أي غلبهم. (5)
في المصدر: يروم. (*)
[226]
وربيت حتى صار جلدا شمردلا * إذا قام ساوى
غارب العجل غاربه (1). وقد كنت اوتيه من الزاد في الصبا * إذا جاع منه صفوه وأطائبه
- فلما استوى في عنفوان شبابه * وأصبح كالرمح الرديني خاطبه (2) - تهضمني مالي كذا
ولوى يدي (3) * لوى يده الله الذي هو غالبه ثم حلف بالله ليقدمن إلى بيت الله
الحرام فيستعدي الله علي، فصام أسابيع وصلى ركعات ودعا وخرج متوجها على عيرانة (4)
يقطع بالسير عرض الفلاة و يطوي الاودية ويعلو الجبال حتى قدم مكة يوم الحج الاكبر،
فنزل عن راحلته وأقبل إلى بيت الله الحرام، فسعى وطاف به وتعلق بأستاره وابتهل
بدعائه (5) و أنشأ يقول: يا من إليه أتى الحجاج بالجهد * فوق المهادي من أقصى غاية
البعد (6) - إني أتيتك يا من لا يخيب من * يدعوه مبتهلا بالواحد الصمد - هذا منازل
من يرتاع من عققي (7) * فخذ بحقي يا جبار من ولدي - حتى تشل بعون منك جانبه (8) *
يا من تقدس لم يولد ولم يلد قال: فوالذي سمك السماء وأنبع الماء ما استتم دعاءه حتى
تزل بي ما ترى
(1) الشمردل: الطويل والفتى السريع من
النوق. قاله في اقرب الموارد. والغارب: الكاهل أو ما بين الظهر أو السناء والعنق.
والعجل: ولد البقرة. وفي المصدر: الفحل. (2) الرديني: الرمح، نسبة إلى ردينة وهى
امرأة اشتهرت بتقويم الرماح. ولعل المراد من الخاطب اللسان أي صار لسانه كالرمح في
الحدة والذرابة. (3) تهضمه: ظلمه وغصبه. (4) قال الفيروز آبادي: العيرانة من الابل
الناجية في نشاط. وقال الشرتونى في الاقرب العيرانة من الابل: التى تشبه بالعير في
سرعتها ونشاطها. (5) في المصدر: وابتهل لله بدعائه. (6) المهاد: الارض المنخفضة.
وفي المصدر " المهارى " والمهر: اول ما ينتج من الخيل والحمر الاهلية. (7) في
المصدر: لا يرتاع من عققى. (8) في المصدر: بحول منك. وفي (ت): حتى تشل بعون منك
خائبة.
[227]
ثم كشف عن يمينه فإذا بجانبه قد شل، فأنا
منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو لي في الموضع الذي دعا به (1) علي فلم يجبني، حتى
إذا كان العام أنعم علي (2) فخرجت به على ناقة عشراء (3) اجد السير حثيثا رجاء
العافية، حتى إذا كنا على الاراك وحطمة وادي السياك (4) نفر طائر في الليل فنفرت
منها الناقة التي كان عليها، فألقته إلى قرارا الوادي، فارفض بين الحجرين فقبرته
هناك، وأعظم من ذلك أني لا اعرف إلا المأخوذ بدعوة أبيه، فقال له أمير المؤمنين
عليه السلام: أتاك الغوث أتاك الغوث، ألا اعلمك دعاء علمنيه رسول الله صلى الله
عليه وآله وفيه اسم الله الاكبر الاعظم الاكرم الذي يجيب به من دعاه، ويعطي به من
سأله، ويفرج به الهم، ويكشف به الكرب، ويذهب به الغم، و يبرئ به السقم، ويجبر به
الكسير، ويغني به الفقير، ويقضي به الدين ويرد به العين، ويغفر به الذنوب، ويستر به
العيوب ؟ إلى آخر ما ذكره عليه السلام في فضله، قال الحسين عليه السلام: فكان سروري
بفائدة الدعاء أشد من سرور الرجل بعافيته ثم ذكر الدعاء على ما سيأتي في كتابه، ثم
قال للفتى: إذا كانت الليلة العاشرة فادع وائتني من غد بالخبر، قال الحسين بن علي
عليهما السلام: وأخذ الفتى الكتاب ومضى، فلما كان من غد ما أصبحنا حسنا حتى أتى
الفتى إلينا سليما معافى والكتاب بيده وهو يقول: هذا والله الاسم الاعظم استجيب لي
ورب الكعبة، قال له علي صلوات الله عليه: حدثني، قال لما هدأت العيون بالرقاد
واستحلك (5) جلباب الليل رفعت يدي بالكتاب ودعوت الله بحقه مرارا، فاجبت في
الثانية: حسبك فقد دعوت الله باسمه الاعظم، ثم اضطجعت فرأيت رسول الله صلى الله
عليه وآله في منامي وقد مسح يده الشريفة
(1) في المصدر: دعا فيه على (2) في
المصدر: انعم لى. (3) العشراء - بالضم فالفتح -: الناقة التى مضى لحملها عشرة اشهر
أو ثمانية. (4) قال في المراصد (1: 49): أراك واد قرب مكة. انتهى. وكأن " حطمة "
أيضا اسم موضع، كما أن الظاهر من قوله " وادى السياك " الوادي الذى ينبت فيه الاراك
الذى يتخذ عوده للسواك. (5) حلك واستحلك: اشتد سواده.
[228]
علي وهو يقول: احتفظ بالله العظيم (1)
فإنك على خير، فانتبهت معافى كما ترى فجزاك الله خيرا (2). أقول: سيأتي شرحه في
كتاب الدعاء. 38 - ختص، خص: من كتاب البصائر لسعد بن عبد الله، عن عباد بن سليمان
عن أبيه 3)، عن عيثم بن أسلم (4)، عن معاوية بن عمار (5) قال: دخل أبو بكر على أمير
المؤمنين عليه السلام فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يحدث إلينا في
أمرك شيئا (6) بعد أيام الولاية في الغدير (7)، وأنا أشهد أنك مولاي مقر بذلك (8)،
وقد سلمت عليك على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله بإمرة المؤمنين، وأخبرنا رسول
الله صلى الله عليه وآله أنك وصيه ووارثه و خليفته في أهله ونسائه، وأنك وارثه،
وميراثه قد صار إليك، ولم يخبرنا أنك خليفته في امته من بعده، ولاجرم لي فيما بيني
وبينك، ولاذنب لنا فيما بيننا وبين الله تعالى، فقال له علي عليه السلام: إن أريتك
رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يخبرك بأني أولى بالامر الذي أنت فيه منك وأنك إن
لم تعزل (9) نفسك عنه فقد خالفت الله ورسوله صلى الله عليه وآله ؟ فقال: إن أريتنيه
حتى يخبرني ببعض هذا اكتفيت به، فقال عليه السلام: فتلقاني إذا صليت المغرب حتى
اريكه، قال: فرجع إليه بعد المغرب فأخذ بيده وأخرجه إلى مسجد قبا، فإذا هو برسول
الله صلى الله عليه وآله جالس في القبلة، فقال له: يا فلان وثبت على مولاك علي عليه
السلام وجلست مجلسه وهو مجلس النبوة
(1) في المصدر: احتفظ باسم الله العظيم.
(2) مهج الدعوات: 231 - 240. (3) في الاختصاص: عن عباد بن سليمان عن محمد بن سليمان
عن أبيه اه. (4) كذا في النسخ، والصحيح " عيثم بن اشيم " راجع جامع الرواة 1: 448.
وسائر التراجم. (5) في الاختصاص بعد ذلك: عن أبى عبد الله عليه السلام. (6) في
الاختصاص بعد ذلك: حدثا. (7) في المصدرين: بالغدير. (8) في المصدرين: مقر لك بذلك.
(9) في المصدرين: لم تعتزل.
[229]
لا يستحقه غيره، لانه وصيي وخليفتي، فنبذت
أمري وخالفت ما قلته لك، و تعرضت لسخط الله وسخطي، فانزع هذا السربال الذي تسربلته
بغير حق ولا أنت من أهله، وإلا فموعدك النار، قال: فخرج مذعورا (1) ليسلم الامر
إليه، وانطلق أمير المؤمنين صلوات الله عليه فحدث سلمان بما كان جرى (2)، فقال له
سلمان: ليبدين هذا الحديث لصاحبه وليخبرنه بالخبر، فضحك أمير المؤمنين عليه السلام
وقال: أما إنه سيخبره وليمنعنه إن هم بأن يفعل، ثم قال: لا والله لا يذكران ذلك
أبدا حتى يموتا، قال: فلقي صاحبه فحدثه بالحيث كله، فقال له: ما أضعف رأيك و أخور
قلبك (3) ! أما تعلم أن ذلك من بعض سحر ابن أبي كبشة (4) ؟ أنسيت سحر بني هاشم ؟
فأقم على ما أنت عليه ! (5) 39 - ختص: أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن
خالد بن ماد القلانسي ومحمد بن حماد، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن أبيه، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: لما استخلف أبو بكر أقبل عمر على علي عليه السلام فقال
له: أما علمت أن أبا بكر قد استخلف ؟ فقال له علي عليه السلام: فمن جعله كذلك (6) ؟
قال: المسلمون رضوا بذلك ! فقال له علي عليه السلام: والله لاسرع ما خالفوا رسول
الله صلى الله عليه واله ونقضوا عهده، ولقد
(1) أي خائفا. (2) في " خص ": بما كان وما
جرى. (3) في " خص ": واخور عقلك. أي أضعف. (4) قال في القاموس (2: (285): وكان
المشركون يقولون للنبى صلى الله عليه وآله: ابن أبى كبشة، شبهو بابى كبشة رجل من
خزاعة خالف قريشا في عبادة الاصنام، أو هي كنية وهب ابن عبد مناف جده صلى الله عليه
وآله من قبل امه لانه كان نزع إليه في الشبه، أو كنية زوج حليمة السعدية أو كنية عم
ولدها. (5) الاختصاص: 272 و 273. مختصر بصائر الدرجات: 109 - 110. وما نقله المصنف
مطابق له. وبينه وبين المروى في الاختصاص اختلافات كثيرة لم نذكرها لذلك ولعدم
الجدوى. والرواية موجودة في بصائر الدرجات: 78. (6) في المصدر: لذلك.
[230]
سموه بغير اسمه، والله ما استخلفه رسول
الله صلى الله عليه وآله فقال (1) عمر: ما تزال تكذب على رسول الله صلى الله عليه
وآله في حياته وبعد موته، فقال له: انطلق بنا يا عمر لتعلم أينا الكذاب على رسول
الله صلى الله عليه وآله في حياته وبعد موته، فانطلق معه حتى أتى القبر إذا كف فيها
مكتوب: " أكفرت يا عمر بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ؟ " فقال له علي
عليه السلام: أرضيت ؟ والله لقد فضحك الله في حياته وبعد موته. (2) أقول: قد مر
أمثالها بأسانيد جمة في كتاب الفتن (111) (باب) * (ما ظهر من معجزاته في استنطاق
الحيوانات وانقيادها) * * (له صلوات الله عليه) * 1 - ص: الصدوق، عن الحسن بن محمد
بن سعيد، عن فرات بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد، عن نصر بن مزاحم، عن قطرب بن عليف
(عطيف خ ل)، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الرحمن بن سابط، عن سلمان الفارسي رضي
الله عنه قال: كنت ذات يوم عند النبي صلى الله عليه وآله إذ أقبل أعرابي على ناقة
له، فسلم ثم قال: أيكم محمد ؟ فاومئ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا
محمد أخبرني عما في بطن ناقتي حتى أعلم أن الذي جئت به حق واؤمن بإلهك وأتبعك،
فالتفت النبي صلى الله عليه واله فقال: حبيبي علي يدلك، فأخذ علي بخطام الناقة ثم
مسح يده على نحرها ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم إني أسألك بحق محمد وأهل
بيته وبأسمائك الحسنى و بكلماتك التامات أنطقت هذه الناقة حتى تخبرنا بما في بطنها،
فإذا الناقة
(1) في بعض نسخ المصدر كذلك: فقال له عمر
[كذبت - فعل الله بك وفعل - فقال له: إن تشأ أن اريك برهان ذلك فعلت] فقال عمر اه.
(2) الاختصاص: 274.
[231]
قد التفت إلى علي عليه السلام وهي تقول:
يا أمير المؤمنين إنه ركبني يوما وهو يريد زيارة ابن عم له، وواقعني فأنا حامل منه
؟ فقال الاعرابي: ويحكم النبي هذا أم هذا ؟ فقيل: هذا النبي وهذا أخوه وابن عمه،
فقال الاعرابي: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وسأل النبي صلى الله عليه
واله أن يسأل الله تعالى عز وعلا أن يكفيه ما في بطن ناقته، فكفاه وحسن إسلامه. قال
الراوندي: ليس في العادة أن تحمل الناقة من الانسان، ولكن الله جل ثناؤه قلب العادة
في ذلك دلالة لنبيه صلى الله عليه واله على أنه يجوز أن يكون نطفة الرجل على هيئتها
في بطن الناقة حينئذ ولم تصر علقة بعد وإنما أنطقها الله تعالى عز وعلا ليعلم به
صدق رسول الله صلى الله عليه وآله (1). 2 - يج: روي عن الحارث الاعور قال: بينما
أمير المؤمنين عليه السلام يخطب بالكوفة على المنبر إذ نظر إلى زاوية المسجد فقال:
يا قنبر ائتني بما في ذلك الجحر فإذا هو بأرقط حية بأحسن ما يكون، فأقبل إلى أمير
المؤمنين عليه السلام فجعل يساره ثم انصرف إلى الجحر، فتعجب الناس قالوا: وما لنا
لا نعجب ؟ قال: ترون هذه الحية بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله على السمع
والطاعة فمنكم من يسمع ومنكم من لا يسمع ولا يطيع. قال الحارث: فكنا مع أمير
المؤمنين عليه السلام في كناسة إذ أقبل أسد تهوي من البر، فتقضقضنا من حوله، وجاء
الاسد حتى قام بين يديد ووضع يديه على (بين خ ل) اذنيه، فقال له علي عليه السلام:
ارجع بإذن الله ولا تدخل الهجرة بعد اليوم وأبلغ السباع عني (2). بيان: الرقطة:
سواد يشوبه نقط بيض. والكناسة بالضم: موضع بالكوفة والتقضقض: التفرق. والهحرة دار
الهجرة، فإن الكوفة كانت دار هجرته صلوات الله عليه. 3 - يج: روي عن أحمد بن أبي
عبد الله البرقي عن بعض الكوفيين قال: دخل
(1) مخطوط. (2) لم نجده في الخرائج
المطبوع.
[232]
أسد الكوفة فقال: دلوني على أمير المؤمنين
عليه السلام، فذهبوا معه فدلوه عليه، فلما نظر إليه الاسد مضى نحوه يلوذ به ويتبصبص
إليه، فمسح علي ظهره ثم قال له: اخرج، فنكس الاسد رأسه ونبذ ذنبه على الارض ولا
يلتفت يمينا و [لا] شمالا حتى خرج منها (1). 4 - ب: محمد بن عبد الحميد، عن أبي
جميلة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزع علي عليه السلام خفه بليل ليتوضأ،
فبعث الله طائرا فأخذ أحد الخفين، فجعل علي عليه السلام يتبع الطير وهو يطير حتى
أضاء له الصبح، ثم ألقى (2) الخف فإذا حيه سوداء تنساب من الخف (3). 5 - شف: من
كتاب الاربعين لمحمد بن مسلم بن أبي الفوارس، عن محمد بن عبد اللطيف بشيراز، عن
الكيادار بن يوسف الديلمي (4)، عن محمود بن محمد التبريزي عن دانيل بن إبراهيم، عن
أبي الرايات (5) بن أحمد البزاز، عن أبي عبد الله السيرافي عن أبي عبد الله
المهروفاني (6) المؤدب، عن سبيب (7) بن سليمان الغنوي، عن العامون بن محمد الصيني،
عن مسلم بن أحمد، عن أبن أبي مسلم السمان، عن حبة بنت زريق (8) من بعض حشم الحفية
(9) قالت: حدثني زوجي منقذ بن الابقع الاسدي أحد خواص علي عليه السلام قال: كنت مع
أمير المؤمنين عليه السلام في النصف من شعبان و
(1) لم نجده في الخرائج المطبوع. (2) في
المصدر: فألقى. (3) قرب الاسناد: 81 و 82. وانسابت الحية: جرت وتدافعت في مشيها.
وفي المصدر: تنسال خ ل. (4) في المصدر: عن الكيدار بن يوسف مراد الديلمي. (5) في
(ك): عن أبي الروايات. (6) في المصدر: المهروقاني. (7) في المصدر: عن شبيب. (8) في
المصدر و (ت): رزيق. (9) كذا في النسخ، وفي المصدر: عن بعض حشم الخليفة.
[233]
هو يريد موضعا له كان يأوي فيه بالليل،
وأنا معه حتى أتى الموضع، فنزل عن بغلته، ورفعت عن اذينها (1) وجذبتني، فحس بذلك
أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ما وراءك ؟ فقلت: فداك أبي وامي البغلة تنظر شيئا
وقد شخصت إليه وتحمحم ولا أدري ماذا دهاها (2)، فنظر أمير المؤمنين إلى سواد فقال:
سبع ورب الكعبة فقام من محرابه متقلدا سيفه فجعل يخطو، ثم قال: صاح (3) به " قف "
فخف السبع ووقف، فعندها استقرت البغلة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا ليث أما
علمت أني الليث وأني الضرغام والقسور والحيدر ؟ ثم قال: ما جاء بك أيها الليث ؟ ثم
قال: اللهم أنطق لسانه، فقال السبع: يا أمير المؤمنين ويا خير الوصيين ويا وارث علم
النبيين ويا مفرق ! بين الحق والباطل ما افترست منذ سبع شيئا، وقد أضر بي الجوع،
ورأيتكم من مسافة فرسخين فدنوت منكم وقلت: أذهب وأنظر ما هؤلاء القوم ومن هم، فإن
كان بهم لي مقدرة ويكون لي فيهم فريسة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام مجيبا له:
أيها الليث أما علمت أني علي أبو الأشبال الاحد العشر، براثني أمثل من مخالبك، وإن
أحببت أريتك، ثم امتد السبع بين يديه وجعل يمسح يده على هامته ويقول: ما جاء بك يا
ليث ؟ أنت كلب الله في أرضه، قال: يا أمير المؤمنين الجوع الجوع، قال: فقال: اللهم
إنه يرزق بقدر (4) محمد وأهل بيته، قال: فالتفت فإذا بالاسد (5) يأكل شيئا كهيئة
الجمل حتى أتى عليه، ثم قال: يا أمير المؤمنين والله ما نأكل نحن معاشر السباع رجلا
يحبك ويحب عترتك، فإن خالي أكل فلانا، ونحن أهل بيت ننتحل محبة الهاشمي وعترته، ثم
قال أمير المؤمنين عليه السلام أيها السبع أين تأوي وأين تكون ؟ فقال: يا أمير
المؤمنين إني مسلط على كلاب
(1) في المصدر: وحمحمت البغلة ورفعت
اذنيها. وحمحم الفرس: ردد صوته. (2) أي لا اعلم ماذا اصابه بداهية. وهي الامر
المنكر. (3) في المصدر: ثم قال صائحا به. (4) الباء للقسم أي بحق قدر محمد واهل
بيته، وفي المصدر: اللهم ارزقه برزق بقدر محمد وأهل بيته. (5) في المصدر: فإذا أنا
بالاسد.
[234]
أهل الشام وكذلك أهل بيتي، وهم فريستنا
ونحن نأوي النيل، قال: فما جاء بك إلى الكوفة ؟ قال: يا أمير المؤمنين أتيت الحجاز
فلم اصادف شيئا وأنا في هذه البرية والفيافي التي لا ماء فيها ولا خير موضعي هذا
وإني لمنصرف من ليلتي هذه إلى رجل يقال له: سنان بن وابل فيمن أفلت (1) من حرب صفين
ينزل القادسية وهو رزقي في ليلتي هذه، وإنه من أهل الشام وأنا إليه متوجه. ثم قام
من بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام، فقال لي: مم تعجبت ؟ هذا أعجب من الشمس أم
العين أم الكواكب أم سائر ذلك ؟ فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أحببت أن اري
الناس مما علمني رسول االله صلى الله عليه وآله من الايات والعجائب لكانوا (2)
يرجعون كفارا، ثم رجع أمير المؤمنين عليه السلام إلى مستقره ووجهني إلى القادسية
فركبت من ليلتي فوافيت القادسية قبل أن يقيم الموذن الاقامة، فسمعت الناس يقولون:
افترس سنانا السبع (3)، فأتيته فيمن أتاه ينظر إليه (4)، فما ترك الاسد إلا رأسه
وبعض أعضائه مثل أطراف الاصابع، وإني على بابه تحمل رأسه (5) إلى الكوفة إلى أمير
المؤمنين عليه السلام فبقيت (فبقي خ ل) متعجبا، فحدثت الناس ما كان من حديث أمير
المؤمنين عليه السلام والسبع، فجعل الناس يتبركون بتراب تحت قدمي أمير المؤمنين
ويستشفون به، فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: معاشر الناس ما أحبنا رجل
فدخل الناروما أبغضنا رجل فدخل الجنة، وأنا قسيم الجنة والنار: أقسم بين الجنة
والنار، هذه إلى الجنة يمينا وهذه إلى النار شمالا أقول لجهنم يوم القيامة: هذا لي
وهذا لك، حتى تجوز شيعتي على الصراط كالبرق
(1) أي تخلص. وفي المصدر: سنان بن وائل.
(2) في المصدر: لكاد. (3) في المصدر: افترس السبع سنانا. (4) في المصدر: فنظرت إليه
(5) في المصدر: واتى على ما به. فحمل رأسه اه.
[235]
الخاطف والرعد العاصف وكالطير المسرع (1)
وكالجواد السابق، فقام الناس إليه بأجمعهم عنقا واحدا وهم يقولون: الحمد لله الذي
فضلك على كثير من خلقه، قال: ثم تلا أمير المؤمنين عليه السلام هذه الآية " الذين
قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم
الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذوفضل
عظيم (2) ". فض، يل: عن منقذ بن الابقع مثله (3). 6 - شف: من كتاب الاربعين عن علي
بن أحمد البغدادي، عن أبي الفضل ابن محمد بن علي، عن أبي نصر بن إسفنديار، عن داود
بن سليمان العسقلاني، عن محمد بن الحسين الصفار، عن علي بن محمد بن جمهور، عن أبيه،
عن جعفر بن بشير عن أبيه، عن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام قال: إن امير
المؤمنين عليا عليه السلام كان يسعى على الصفا بمكة، فإذا هو بدراج يتدرج (4) على
وجه الارض، فوقع بإزاء أمير المؤمنين عليه السلام فقال: السلام عليك أيها الدراج،
فقال الدراج: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين، فقال له أمير
المؤمنين عليه السلام أيها الدراج ما تصنع في هذا المكان ؟ فقال: يا أمير المؤمنين
إني في هذا المكان مذ (5) كذا وكذا عام اسبح الله واقدسه وامجده وأعبده حق عبادته،
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الدراج إنه لصفا نقي لا مطعم فيه ولا مشرب،
فمن أين لك المطعم والمشرب ؟ فأجابه الدراج وهو يقول: وقرابنك من رسول الله يا أمير
المؤمنين إني كلما جعت دعوت الله لشيعتك ومحبيك فأشبع، وإذا عطشت دعوت الله على
مبغضيك ومنتقصيك فأروى (6).
(1) في المصدر: والطير المسرع. (2) اليقين
في امرة أمير المؤمنين: 65 - 67. والاية في سورة آل عمران: 173 و 174. (3) الروضة:
40 و 41 الفضائل: 179 - 181. (4) في المصدر: يندرج. (5) في المصدر و (ت): منذ. (6)
اليقين في امرة أمير المؤمنين: 72.
[236]
فض، يل: بالاسناد إلى الحسن العسكري عليه
السلام مثله (1). 7 - شف: من كتاب الاربعين عن إبراهيم بن علي العلوي (2)، عن أحمد
ابن طاهر السوري، عن الحسن بن عبد الوهاب، عن علي بن محمد بن إبراهيم، عن الا شعث
بن مرة، عن ا لليثي، عن سعيد، عن هلال بن كيسان، عن الطيب القواصري عن عبد الله بن
سلمة المنتجى، عن سفارة بن اصميد البغدادي، عن ابن حريز، عن أبي الفتح المغازلي، عن
عمار بن ياسر قال: كنت بين يدي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وإذا بصوت قد أخذ
جامع الكوفة فقال: يا عمار ائت بذي الفقار الباتر للاعمار فجئته بذي الفقار، فقال:
اخرج يا عمار وامنع الرجل عن ظلامة هذه المرأة، فإن انتهى وإلا منعته بذي الفقار،
قال: فخرجت وإذا أنا برجل وامرأة قد تعلقوا بزمام جمل والمرأة تقول: الجمل لي،
والرجل يقول: الجمل لي، فقلت: إن أمير - المؤمنين ينهاك عن ظلم هذه المرأة، فقال:
يشتغل علي بشغله ويغسل يده من دماء المسلمين الذين قتلهم بالبصرة ويريد أن يأخذ
جملي ويدفعه إلى هذه المرأة الكاذبة ؟ ! فقال عمار رضي الله عنه: فرجعت لا خبر
مولاي فإذا به قد خرج ولاح الغضب في وجهه وقال: ويلك خل جمل المرأة، فقال: هو لي،
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: كذبت يالعين، قال: فمن يشهد أنه للمرأة يا علي ؟
فقال: الشاهد الذي لا يكذبه أحد من الكوفة، فقال الرجل: إذا شهد شاهد وكان صادقا
سلمته إلى المرأة، فقال: علي عليه السلام: تكلم أيها الجمل لمن أنت ؟ فقال بلسان
فصيح: يا أمير المؤمنين وخير الوصيين أنا لهذه المرأة منذ بضع عشر سنة، فقال علي
عليه السلام: خذي جملك، و عارض الرجل بضربة قسمه نصفين (3). 8 - شف: من كتاب الشريف
أبي يعلى محمد بن شريف أبي القاسم حسن الاقساسي، عن محمد بن جعفر المحمدي، عن محمد
بن وهبان الهناني، عن أحمد بن
(1) الروضة: 36. الفضائل: 171. (2) في
المصدر بعد ذلك: عن شهريار بن تاج الفارسي اه. (3) اليقين في إمرة أمير المؤمنين:
72 و 73.
[237]
أبي دجانة، عن الحسن بن علي الزعفراني، عن
أحمد بن أبي عبد الله، عن أبي سمينة، عن علي بن عبد الله الخياط، عن الحسن بن علي
الاسدي، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مد الفرات عندكم على عهد علي
عليه السلام فأقبل إليه الناس فقالو: يا أمير المؤمنين نحن نخاف الغرق، لان في
الفرات قد جاء من الماء ما لم ير مثله، وقد امتلات جنبتاه، فالله الله، فركب أمير
المؤمنين عليه السلام والناس معه و حوله يمينا وشمالا، فمر بمسجد سقيف (1) فغمزه
بعض شبانهم، فالتفت إليه مغضبا فقال: صعار الخدود، لئام لجدود، بقية ثمود، من يشتري
مني هؤلاء الاعبد ؟ فقام إليه مشائخهم فقالوا له: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء شبان
لا يعقلون ماهم فيه، فلا تؤاخذنا بهم، فو الله إن كنا (2) لهذا لكارهين، وما منا
أحد يرضى هذا الكلام لك فاعف عنا عفا الله عنك، قال: فكأنه استحيا فقال: لست أعفو
عنكم إلا على أن لا ارجع حتى تهدموا مجلسكم وكل كوة وميزاب وبالوعة إلي طريق
المسلمين، فأن هذا اذى للمسلمين، فقالوا: نحن نفعل ذلك، فمضى وتركهم، فكسروا مجلسهم
وجميع ما أمر به حتى انتهى إلى الفرات وهو يزخر بأمواجه، فوقف و الناس ينظرون،
فتكلم بالعبرانية كلاما فنقص الفرات ذراعا، فقال: حسبكم ؟ (3) قالوا: زدنا، فضربه
بقضيب كان معه فإذا بالحيتان فاغرة (4) أفواهها، فقالت: يا أمير المؤمنين عرضت ولا
يتك علينا فقبلناها ما خلا الجري والمارماهي والزمار، فقال عليه السلام: إن بني
إسرائيل لما تفرقوا من المائدة فمن كان أخذ منهم برا كان منهم القردة والخنارير،
ومن أخذ منهم بحرا كان الجري والمارماهي والزمار، ثم أقبل الناس عليه فقالوا: هذه
رمانة ما رأينا مثلها قط، جاء بها الماء وقدأ حبست
(1) كذا في (ك)، وفي غيره من النسخ
والمصدر: ثقيف. (2) في المصدر و (ت) انا كنا (3) حتى انتهى إلي الفرات فضربه بقضيب
كان معه وزجره ونزل الفرات ذراعا: فقال: حسبكم اه. (4) فغرفاه: فتحه.
[238]
الجسر (1) من عظمها وكبرها فقال: هذه
رمانة من رمان الجنة، فدعا بالرجال بالحبال فأخرجوها، فما بقي بيت بالكوفة إلا دخله
منها شئ (2). بيان: الصعر: الميل في الخد خاصة، وقد صعر خده وصاعر أي أماله من
الكبر. وزجر الوادي إذا امتد جدا وارتفع. 9 - شف: من الكتاب المتقدم، عن محمد بن
جعفر، عن الحسن بن جعفر القرشي، عن علي بن محمد بن المغيرة، عن الحسن بن سنان (3)،
عن يوسف بن حمدان عن محمد بن حميد، عن حكام بن سلم، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن
(4)، عن عمار ابن ياسر قال: تبعت أمير المؤمنين عليه السلام في بعض طرقات المدينة،
فإذا أنا بذئب أدرع أزب قد أقبل يهرول حتى أتى المكان الذي فيه أمير المؤمنين وولده
الحسن و الحسين عليهم السلام، فجعل الذئب يعفر بخديه على الارض ويومئ بيده إلى أمير
- المؤمنين عليه السلام فقال علي عليه السلام: اللهم أطلق لسان الذئب فيكلمني،
فأطلق الله الله لسان الذئب فإذا الذئب يقول بلسان طلق ذلق: السلام عليك يا أمير
المؤمنين، قال: وعليك السلام من أين أقبلت ؟ قال: من بلد الفجار الكفرة، قال: وأين
تريد ؟ قال: بلد الانبياء البررة، قال: وفيما ذا ؟ قال: لادخل في بيعتك مرة اخرى،
قال: كأنكم قد بايعتمونا، قال: صاح بنا صائح من السماء أن اجتمعوا، فاجتمعنا إلى
ثنية من (5) بني إسرائيل، فنشر فيها أعلام بيض ورايات خضر، و نصب فيها منبر من ذهب
أحمر، وعلا عليه جبرئيل عليه السلام فخطب خطبة بليغة وجل منها القلوب وأبكى منها
العيون، ثم قال: يا معشر الوحوش إن الله عزوجل قد دعا محمدا فأجابه، واستخلف على
عباده من بعده علي بن أبي طالب عليه السلام وأمركم
(1) في (م) وقد احتبست الجسر. وفي (ت):
وقد احتبست علي الجسر. (2) اليقين في امرة أمير المؤمنين: 154 و 155. (3) عن الحسين
بن سنان خ ل. (4) في المصدر: عن الحسين. (5) الثنية: طريق العقبة. وفي المصدر: إلي
بيت من بني إسرائيل. (*)
[239]
أن تبايعوه، فقالوا: سمعنا وأطعنا، ما خلا
الذئب فإنه جحد حقك وأنكر معرفتك فقال علي عليه السلام: ويحك أيها الذئب كأنك من
الجن ؟ فقال: ما أنا من الجن ولا من الانس أنا ذئب شريف، قال: وكيف تكون شريفا وأنت
ذئب ؟ قال: شريف لاني من شيعتك، وأخبرني أبي أني من ولد ذلك الذئب الذي اصطاده
أولاد يعقوب فقالوا هذا أكل أخانا بالامس، وإنه متهم (1). بيان: قال الجوهري:
الادرع من الخيل والشاء ما اسود رأسه وابيض سائره (2). وقال: الزبب: طول الشعر
وكثرته، وبعير أزب، ولا يكاد يكون الازب إلا نفورا لانه ينبت علي حاجبيه شعيرات
فإذا ضربته الريح نفر (3). 10 - يج: ذكر الرضي في كتاب خصائص الائمة بإسناده عن ابن
عباس قال: كان رجل علي عهد عمر وله إبل بناحية آذربايجان قد استصعبت عليه، فشكا
إليه ما ناله، وإن معاشه كان منها، فقال له: اذهب فاستغث بالله تعالى، فقال الرجل:
مازلت أدعو الله وأتوسل إليه وكلما قربت منها حملت علي فكتب له عمر رقعة فيها " من
عمر أمير المؤمنين إلى مردة الجن والشياطين أن يذللوا (4) هذه المواشي له " فأخذ
الرجل الرقعة ومضى، فقال عبد الله بن عباس: فاغتممت شديدا (5)، فلقيت عليا عليه
السلام فأخبرته بما كان، فقال عليه السلام: والذي (6) فلق الحبة وبرأ النسمة ليعودن
بالخيبة، فهدأمابي (7) وطالت علي شقتي، وجعلت أرقب (8) كل من جاء من أهل الجبال،
فإذا أنا بالرجل قد وافى وفي جبهته شجة (9) تكاد اليد تدخل فيها
(1) اليقين في امرة أمير المؤمنين: 155 و
156. (2) الصحاح: 1207. (3) الصحاح: 141. (4) في المصدر: أن تذللوا. (5) في المصدر:
غما شديدا. (6) في المصدر: وبحق الذى. (7) أي سكن ما بى من الاضطراب. (8) في
المصدر: اترقب. (9) الشجة: الجراحة.
[240]
فلما رأيته بادرت إليه فقلت: ما وراك ؟
فقال: إني صرت إلي الموضع ورميت بالرقعة، فحمل علي عدد منها فهالني أمرها، ولم يكن
لي قوة، فجلست فرمحتني أحدها في وجهي، فقلت: اللهم اكفنيها، وكلها تشد علي وتريد
قتلي، فانصرفت عني، فسقطت فجاء أخي فحملني ولست أعقل، فلم أزل أتعالج حتى صلحت،
وهذا الاثر في وجهي، فقلت له: صر إلي عمر وأعلمه، فصار إليه وعنده نفر، فأخبره بما
كان فزبره (1)، فقال له: كذبت لم تذهب بكتابي، فحلف الرجل لقد فعل، فأخرجه عنه. قال
ابن عباس: فمضيت به إلي أمير المؤمنين عليه السلام فتبسم ثم قال: ألم أقل لك ؟ ثم
أقبل على الرجل فقال له: إذا انصرفت إلي الموضع الذي هي فيه فقل: " اللهم إني أتوجه
إليك بنبيك نبي الرحمة وأهل بيته الذين اخترتهم على علم على العالمين، اللهم ذلل لي
صعوبتها واكفني شرها، فإنك الكافي المعافي والغالب القاهر " قال: فانصرف الرجل
راجعا، فلما كان من قابل قدم الجل ومعه جملة من المال قد حملها من أثمانها إلى أمير
المؤمنين عليه السلام وصار إليه وأنا معه، فقال عليه السلام: تخبرني أو اخبرك ؟
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين بل تخبرني، قال: كأني بك وقد صرت إليها فجاءتك ولاذت
بك خاضعة ذليلة، فأخذت بنواصيها واحدة واحدة، فقال الرجل: صدقت يا أمير المؤمنين
كأنك كنت معي هكذا كان فتفضل بقبول ما جئتك به، فقال: امض راشدا بارك الله لك، وبلغ
الخبر عمر فغمه ذلك، وانصرف الرجل، وكان يحج كل سنة وقد أنمى الله ماله فقال أمير
المؤمنين عليه السلام: كل من استصعب عليه شئ من مال أو أهل أو ولد أو أمر فليبتهل
إلى الله بهذا الدعاء، فإنه يكفي مما يخاف الله إن شاء الله (2). قب: أبو العزيز
كادش العكبري بإسناده مثله، وفي آخره: فبورك الرجل في ماله حتى ضاق عليه رحاب بلده
(3).
(1) أي انتهره. (2) الخرائج والجرائح: 84
و 85 وفيه: ما يخاف. (3) مناقب آل أبى طالب 1: 455 والرحاب جمع الرحبة: الارض
الواسعة المنبات المحلال.
[241]
11 - يج: الصفار، عن أبي بصير، عن جذعان
بن أبي نصر البرقي، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان، عن أبي بصير، عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: بينما علي عليه السلام بالكوفة إذ أحاطت به اليهود، فقالوا:
أنت الذي تزعم أن الجري منا معشر اليهود ثم مسخ ؟ فقال لهم: نعم، ثم ضرب بيده إلى
الارض فتناول منها عودا فشقه باثنين، وتكلم عليه بكلام وتفل عليه، ثم رمى به في
الفرات، فإذا الجري يتراكب بعضه على بعض يقولون بصوت عال إلى أمير المؤمنين عليه
السلام (1): نحن طائفة من بني إسرائيل، عرضت علينا ولايتكم فأبينا أن نقبلها،
فمسخنا الله جريا (2). 12 - قب: عمر بن (3) حمزة العلوي في فضائل الكوفة أنه كان
أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم في محراب جامع الكوفة إذ قام بين يديه رجل
للوضوء فمضى نحو رحبة الكوفة يتوضأ فإذا بأفعى قد لقيه في طريقه ليلتقمه، فهرب من
بين يديه إلى أمير المؤمنين عليه السلام فحدثه بما لحقه في طريقه، فنهض أمير
المؤمنين عليه السلام حتى وقف على باب الثقب الذي فيه الافعى فأخذ سيفه وتركه في
باب الثقب وقال: إن كنت معجزة مثل عصا موسى فأخرج الافعى، فما كان إلا سعاعة حتى
خرج يساره، ثم رفع رأسه إلى الاعرابي وقال: إنك ظننت أني رابع أربعة لما قمت بين
يدي، فقال: هو صحيح، ثم لطم على رأسه وأسلم. في الامتحان: عمار بن ياسر وجابر
الانصاري: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام في البرية فرأيته قد عدل عن الطريق،
فتبعته فرأيته ينظر إلى السماء، ثم تبسم ضاحكا فقال: أحسنت أيها الطير إذ صفرت
بفضله، فقلت له: يا مولاي أي الطير ؟ (4) فقال: في الهواء أتحب أن تراه وتسمع كلامه
؟ فقلت: نعم يا مولاي، فنظر إلى
(1) في المصدر: يقولون بصوت عال: يا أمير
المؤمنين اه. (2) الخرائج والجرائح: 135. (3) في المصدر: عمرو. (4) في المصدر: اين
الطير.
[242]
السماء ودعا بدعاء خفي، فإذا الطير يهوي
إلى الارض، فسقط على يد أمير المؤمنين عليه السلام فمسح يده على ظهره فقال: انطق
بإذن الله وأنا علي بن أبي طالب، فأنطق الله الطير بلسان عربي مبين فقال: السلام
عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فرد عليه وقال له: من أين مطعمك ومشربك
في هذه الفلاة القفراء التي لا نبات فيها ولا ماء ؟ فقال: يا مولاي إذا جعت ذكرت
ولايتكم أهل البيت فأشبع، وإذا عطشت فأتبرأ من أعدائكم فأروى، فقال: بورك فيك،
فطارت، وهذا مثل قوله تعالى: " يا أيها الناس علمنا منطق الطير " (1). محمد بن
وهبان الازدي الدبيلي (2) في معجزات النبوة عن البراء بن عازب في خبر عن أمير
المؤمنين عليه السلام أنه عبر في السماء خيط من الاوز (3) طائرا على رأس أمير
المؤمنين عليه السلام فصرصرن وصرخن، فقال أمير المؤمنين عليه السلام للقنبر: قد
سلمن علي وعليكم، فتغامز أهل النفاق بينهم، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ناد
بأعلى صوتك: أيها الاوز أجيبوا أمير المؤمنين وأخا رسول رب العالمين، فنادى قنبر
بذلك فإذا الطير ترفرف على رأس أمير المؤمنين عليه السلام فقال: قل لها: انزلن،
فلما قال لها، رأيت الاوز وقد ضربت بصدورها إلى الارض حتى صارت في صحن المسجد على
أرض واحدة، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يخاطبها بلغة لا نعرفها، وهن يلززن (4)
بأعناقهن إليه ويصرصرن، ثم قال لهن: انطقن بإذن الله العزيز الجبار، قال: فإذاهن
ينطقن بلسان عربي مبين: السلام عليك يا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين الخبر،
وهذا كقوله تعالى: " يا جبال أوبي معه والطير (5) ". ابن وهبان والفتاك: فمضينا
بغابة فإذا بأسد بارك (6) في الطريق وأشباله خلفه
(1) سورة النمل: 16. (2) في المصدر "
الديبلى " والديبل - بفتح الدال وسكون الياء وضم الباء - مدينة مشهورة على ساحل بحر
الهند. (3) الاوز - بالكسر فالفتح وتشديد الزاى المعجمة -: البط. (4) لز الشئ
بالشئ: شده والصقه به. ألزمه به. (5) مناقب آل أبى طالب 1: 451 و 452. والاية في
سورة سبأ: 10. (6) برك البعير: استناخ وهو أن يلصق صدره بالارض. برك بالمكان: أقام
فيه.
[243]
فلويت بدابتي لارجع، فقال عليه السلام:
إلى أين ؟ أقدم يا جويرية بن مسهر (1) إنما هو كلب الله ؟ ثم قال: " ما من دابة إلا
هو آخذ بناصيتها (2) " الآية، فإذا بالاسد قد أقبل نحوه يبصبص (3) بذنبه وهو يقول:
السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله و بركاته يا ابن عم رسول الله، فقال:
وعليك السلام يا أبا الحارث ما تسبيحك ؟ فقال: أقول: سبحان من ألبسني المهابة وقذف
في قلوب عباده مني المخافة. ورأى أسدا أقبل نحوه يهمهم ويمسح برأسه الارض، فتكلم
معه بشئ، فسئل عنه عليه السلام فقال: إنه يشكو الحبل ودعا لي وقال: لا سلط الله
أحدا منا على أوليائك (4). وحكي عن محمد بن الحنفية انقضاض غراب على خفه وقد نزعه
ليتوضأ وضوء الصلاة فانساب فيه أسود، فحمله الغراب حتى صار به في الجو، ثم ألقاه
فوقع منه الاسود ووقاه الله من ذلك. وفي الاغاني أنه قال المدائني: إن السيد
الحميري وقف بالكناس (5) وقال من جاء بفضيلة لعلي بن أبي طالب عليه السلام لم أقل
فيها شعرا فله فرسي هذا وما علي، فجعلوا يحدثونه وينشدهم فيه حتى روى رجل عن أبى
الرعل المرادي أنه قدم أمير المؤمنين عليه السلام فتطهر للصلاة، فنزع خفه فانسابت
فيه أفعى فلما دعا ليلبسه انقضت غراب فحلقت ثم ألقاها، فخرجت الافعى منه، قال:
فأعطاه السيد ما وعده وأنشأ يقول: ألا يا قوم للعجب العجاب * لخف أبي الحسين
وللحباب عدو من عدات الجن عبد * بعيد في المرادة من صواب (6)
(1) قال في القاموس (2: 54): مسهر كمحسن
اسم. (2) سورة هود: 56. (3) في المصدر: فتبصبص. (4) مناقب آل أبى طالب 1: 450. (5)
محلة بالكوفة مشهورة. (6) في المصدر: في المرارة.
[244]
كريه اللون أسود ذو بصيص * حديد الناب
أزرق ذو لعاب - أتى خفا له فانساب فيه * لينهش رجله منها بناب - فقض من السماء له
عقاب * من العقبان أو شبه العقاب - فطار به فحلق ثم أهوى * به للارض من دون السحاب
- فصك بخفه فانساب منه * وولى هاربا حذر الحصاب - ودافع عن أبي حسن علي * نقيع
سمامه بعد انسياب (1) بيان: تحليق الطائر: ارتفاعه في طيرانه. والحباب بالضم: الحية
ومراد الابل: محل اختلافها في المرعي مقبلة ومدبرة (2). والبصيص: البريق. قوله: حذر
الحصاب أي أن يرمى بالحصباء. 13 - قب: حدثني أبو منصور بإسناده والاصفهاني بإسناده
إلى رجل قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب عليه السلام بصفين، فرأيت بعيرا من إبل
الشام جاء وعليه راكبه وثقله، فألقى ما عليه وجعل يتخلل الصفوف حتى انتهى إلى علي
عليه السلام فوضع مشفره ما بين رأس علي ومنكبه وجعل يحركها بجرانه (3)، فقال علي
عليه السلام والله إنها لعلامة بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فجد
الناس في ذلك اليوم واشتد قتالهم (4). تفسير أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام
لما ناظرت اليهود عليا عليه السلام في النبوة نادى جمال اليهود: أيتها الجمال اشهدي
لمحمد ووصيه، فنطقت جمالهم وثيابهم كلها: " صدقت يا علي إن محمدا رسول الله وإنك يا
علي حقا وصيه " فآمن بعضهم وخزي آخرون فنزل: " ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى
للمتقين (5) " الكتاب أمير المؤمنين
(1) مناقب آل أبى طالب 1: 452 و 453 وفيه:
فدوفع. (2) وهذا المعنى ليس في محله، بل المراد من " المرادة " العتو والعصيان،
وعلى ما قاله المصنف رحمه الله اسم مكان من " رود " لكنه لا يناسب المقام كما هو
ظاهر. (3) الجران من البعير: مقدم عنقه. (4) مناقب آل أبى طالب 1: 455. (5) سورة
البقرة: 1.
[245]
والمتقين (1) شيعته. أبو بكر الشيرازي في
نزول القرآن في شأن علي عليه السلام بالاسناد عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن أمير
المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى: " إنا عرضنا الامانة (2) " عرض الله أمانتي
على السماوات السبع بالثواب والعقاب فقلن: ربنا لا نحملها (3) بالثواب والعقاب ولكن
(4) نحملها بلا ثواب ولا عقاب، وإن الله عرض أمانتي وولايتي على الطيور فأول من آمن
بها البزاة البيض والقنابر (5) وأول من جحدها البوم والعنقاء، فلعنهما الله تعالى
من بين الطيور، فأما البوم فلا تقدر أن تظهر بالنهار لبغض الطير لها، وأما العنقاء،
فغابت في البحار لا نرى، وإن الله عرض أمانتي على الارضين فكل بقعة آمنت بولايتي
جعلها طيبة زكية، وجعل نباتها وثمرها حلوا عذبا، و جعل ماءها زلالا، وكل بقعة جحدت
أمانتي وأنكرت ولايتي جعلها سبخا وجعل نباتها مرا علقما، وجعل ثمرها العوسج
والحنظل، وجعل ماءها ملحا أجاجا، ثم قال: " وحملها الانسان " يعني امتك يا محمد
ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وإمامته بما فيها من الثواب والعقاب " إنه كان
ظلوما " لنفسه " جهولا " لامر دينه (6)، من لم يؤدها بحقها فهو ظلوم غشوم (7). 14 -
عم: معجزات أمير المؤمنين عليه السلام ما وراه عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر
الباقر عليه السلام من قوله عليه السلام لجويرية بن مسهر وقد عزم على الخروج أما
إنه سيعرض لك في طريقك الاسد، فقال: فما الحيلة له ؟ قال: تقرؤه مني السلام
(1) كذا في النسخ والمصدر. (2) سورة
الاحزاب: 72. (3) في المصدر: لا تحملنا. (4) في المصدر: ولكننا. (5) جمع الباز أو
البازى: طير من الجوارح يصاد به وهو انواع كثيرة. والقنبر: نوع من العصافير. (6) في
المصدر: لا مردبه. (7) مناقب آل أبى طالب 1: 457 و 458.
[246]
وتخبره أني أعطيتك منه الامان، فخرج
جويرية، فبينا هو يسير (1) على دابة إذ أقبل نحوه أسد لا يريد غيره، فقال له
جويرية: يا أبا الحارث إن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام يقرؤك السلام
وإنه قد آمنني منك، قال: فولى الليث عنه مطرقا برأسه يهمهم حتى غاب في الاجمة،
فهمهم خمسا ثم غاب، ومضى جويرية في حاجته، فلما انصرف إلى أمير المؤمنين عليه
السلام فسلم (2) عليه وقال: كان من الامر كذا وكذا فقال: ما قلت لليث وما قال لك ؟
فقال جويرية: قلت له ما أمرتني به وبذلك انصرف عني، فأما (3) ما قال الليث فالله
ورسوله ووصي رسول الله أعلم قال: إنه ولى عنك يهمهم فأحصيت له خمس همهمات ثم انصرف
عنك، قال جويرية: صدقت والله يا أمير المؤمنين هكذا هو، فقال عليه السلام: إنه قال
لك: فاقرأ وصي محمد مني السلام وعقد بيده خمسا (4). قب: عن الباقر عليه السلام
مثله، قال: وذكر أبو المفضل الشيباني نحو ذلك عن جويرية (5). 15 - يل، فض: بالاسناد
يرفعه إلى أبي هريرة أنه قال: صلينا الغداة مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم
أقبل علينا بوجهه الكريم وأخذ معنا في الحديث، فأتاه رجل من الانصار وقال: يا رسول
الله كلب فلان الذمي خرق ثوبي وخدش ساقي فمنعت من الصلاة معك، فلما كان في اليوم
الثاني أتاه رجل آخر من الصحابة وقال: يا رسول الله كلب فلان الذمي خرق ثوبي وخدش
ساقي فمنعني من الصلاة معك فقال صلى الله عليه وآله: إذا كان الكلب عقورا وجب قتله،
ثم قام صلى الله عليه وآله وقمنا معه حتى أتى منزل الرجل فبادر أنس فدق الباب،
فقال: من بالباب ؟ فقال أنس: النبي صلى الله عليه وآله ببابكم، قال:
(1) في المصدر: فبينا هو كذلك يسير. (2)
في المصدر: وسلم. (3) في المصدر: وأما. (4) اعلام الورى: 183 و 184. (5) مناقب آل
أبى طالب 1: 450.
[247]
فأقبل الرجل مبادرا ففتح بابه وخرج إلى
النبي صلى الله عليه وآله وقال: بأبي أنت وامي يا رسول الله ما الذي جاء بك إلي
ولست على دينك، ألا كنت وجهت إلي كنت اجيبك، قال النبي صلى الله عليه وآله: لحاجة
إلينا، أخرج كلبك فإنه عقور وقد وجب قتله فقد خرق ثياب فلان وخدش ساقه، وكذا فعل
اليوم بفلان، فبادر الرجل إلى كلبه وطرح في عنقه حبلا وجره إليه وأوقفه بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وآله فلما نظر الكلب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال
بلسان فصيح بإذن الله تعالى: السلام عليك يا رسول الله ما الذي جاء بك ولم تريد
قتلي ؟ قال: خرقت ثياب فلان وفلان وخدشت ساقيهما، قال: يا رسول الله إن القوم الذين
ذكرتهم منافقون نواصب، يبغضون ابن عمك علي بن أبي طالب، ولولا أنهم كذلك ما تعرضت
لهم، ولكنهم جازوا يرفضون عليا ويسبونه، فأخذتني الحمية الابية والنخوة العربية،
ففعلت بهم، قال: فلما سمع النبي صلى الله عليه وآله ذلك من الكلب أمر صاحبه
بالالتفات إليه وأوصاه به، ثم قام ليخرج وإذا صاحب الكلب الذمي قد قام على قدميه
وقال: أتخرج يا رسول الله وقد شهد كلبي بأنك رسول الله وأن ابن عمك عليا ولي الله،
ثم أسلم وأسلم جميع من كان في داره (1). أقول: رواه السيد المرتضى في كتاب عيون
المعجزات، عن محمد بن عثمان عن أبي زيد النميري، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن
شعبة، عن سليمان الاعمش عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مثله.
(1) الروضة: 37. ولم نجده في الفضائل.
[248]
112 (باب) * (ما ظهر من معجزاته عليه
الصلاة والسلام في) * * (الجمادات والنباتات) * 1 - ير: محمد بن أحمد، عن سهل بن
زياد، عن عبد الله، عن أبي الجارود، عن القاسم بن وليد النهدي، عن الحارث قال:
خرجنا مع أمير المؤمنين عليه السلام حتى انتهينا إلى العاقول: فإذا هو بأصل شجرة قد
وقع لحاؤها وبقي عمودها، فضربها بيده ثم قال: ارجعي بإذن الله خضراء مثمرة، فإذا هي
تهتز بأغصانها الكمثرى (1) فقطعنا وأكلنا وحملنا معنا، فلما كان من الغد غدونا فإذا
نحن بها خضراء فيها الكمثرى (2). يج: عن الحارث الاعور مثله (3). بيان: اللحاء
بالكسر والمد: قشر الشجر. 2 - يج: عن الثمالي عن رميلة - وكان ممن صحب عليا عليه
السلام - قال: صار إليه نفر من أصحابه فقالوا: إن وصي موسى كان يريهم الدلائل
والعلامات والبراهين والمعجزات، وكان وصي عيسى يريهم كذلك، فلو أريتنا شيئا تطمئن
إليه (4) قلوبنا، فقال: إنكم لا تحتملون علم العالم ولا تقولون على براهينه وآياته،
و ألحوا (5) عليه، فخرج بهم نحو أبيات الهجريين حتى أشرف بهم على السبخة (6)
(1) في المصدر: تهتز بأغصانها حملها
الكمثرى. (2) بصائر الدرجات: 69. (3) لم نجده في الخرائج المطبوع. (4) في المصدر:
تطمئن به. (5) في المصدر: فألحوا. (6) السبخة: أرض ذات نز وملح.
[249]
فدعا خفيا ثم قال: اكشفي غطاءك، فإذا
بجنات وأنهار في جانب، وإذا بسعير ونيران من جانب، فقال جماعة: سحر سحر ! وثبت
آخرون على التصديق ولم ينكروا مثله (1)، وقالوا: لقد قال النبي صلى الله عليه وآله:
القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران (2). 3 - يج: روي عن الباقر عليه
السلام قال: قد شكا أهل الكوفة إلى علي عليه السلام زيادة الفرات، فركب هو والحسن
والحسين عليهم السلام فوقف على الفرات وقد ارتفع الماء على جانبيه، فضربه بقضيب
رسول الله صلى الله عليه وآله فنقص ذراع، وضربه اخرى فنقص ذراعان، فقالوا: يا أمير
المؤمنين لو زدتنا، فقال: إني سألت الله فأعطاني ما رأيتم وأكره أن أكون عبدا ملحا.
4 - يج: روي عن أبي جعفر عن آبائه عليهم السلام أن الحسين بن علي عليهما السلام
قال: كنا قعودا ذات يوم عند أمير المؤمنين عليه السلام وهناك شجرة رمان يابسة، إذ
دخل عليه نفر من مبغضيه وعنده قوم من محبيه فسلموا، فأمرهم بالجلوس، فقال علي عليه
السلام: إني اريكم اليوم آية تكون فيكم كمثل المائدة في بني إسرائيل، إذ يقول الله:
" إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني اعذبه عذابا لا اعذبه أحدا من العالمين
(3) " ثم قال: انظروا إلى الشجرة وكانت يابسة، فإذا هي قد جرى الماء في عودها، ثم
اخضرت وأورقت وعقدت وتدلى حملها على رؤوسنا، ثم التفت إلينا فقال للذينهم محبوه:
مدوا أيدكم وتناولوا وكلوا، فقلنا: بسم الله الرحمن الرحيم وتناولنا وأكلنا رمانا
لم نأكل قط شيئا أعذب منه وأطيب. ثم قال للنفر الذينهم يبغضوه: مدوا أيديكم
وتناولوا فمدوا أيديهم فارتفعت، فكلما مد رجل منهم يده إلى رمانة ارتفعت، فلم
يتناولوا شيئا، فقالوا: يا أمير المؤمنين ما بال إخواننا مدوا أيديهم وتناولوا
وأكلوا ومددنا أيدينا فلم ننل ؟ فقال عليه السلام: وكذلك الجنة لا
(1) في المصدر: مثلهم. (2) الخرائج
والجرائح: 16. (3) سورة المائدة: 115.
[250]
ينالها إلا أولياؤنا ومحبونا، ولا يبعد
منها إلا أعداؤنا ومبغضونا، فلما خرجوا قالوا: هذا من سحر علي بن أبي طالب ! قال
سلمان: ماذا تقولون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون. 5 - يج: روي أنه عليه السلام اتي
بأسير في عهد عمر فعرض عليه الاسلام فأبى فأمر بقتله، قال: لا تقتلوني وأنا عطشان
(1)، فجاؤوا بقدح ملان، فقال: لي الامان إلى أن أشرب ؟ قال عمر: نعم، فأراق الماء
على الارض فنشفته (2)، قال عمر: اقتلوه فإنه احتال، فقال علي بن أبي طالب عليه
السلام: لا يجوز قتله فقد آمنته فقال: ما أفعل به ؟ قال: تجعله لرجل من المسلمين
بقيمة عبد، قال: ومن يرغب فيه ؟ قال: أنا، قال: هو لك، فأخذه أمير المؤمنين عليه
السلام والقدح بكفه، فدعا فإذا ذلك الماء اجتمع في القدح، فأسلم لذلك، فأعتقه أمير
المؤمنين عليه السلام فلزم المسجد والتعبد. 6 - يج: روي أن الفرات مدت على عند علي
عليه السلام فقال الناس: نخاف الغرق، فركب وصلى على الفرات، فمر بمجلس ثقيف فغمز
عليه بعض شبانهم فالتفت إليهم وقال: يا بقية ثمود يا صعار الخدود هل أنتم إلا طغام
لئام ؟ من لي بهؤلاء الاعبد ؟ فقال مشائخ منهم: إن هؤلاء شباب جهال فلا تأخذنا بهم
واعف عنا قال: لا أعفو عنكم إلا على أن أرجع وقد هدمتم هذه المجالس وسددتم كل كوة
وقلعتم كل ميزاب وطمستم (3) كل بالوعة على الطريق، فإن هذا كله في طريق المسلمين
وفيه أذى لهم فقالوا: نفعل، ومضى وتركهم، ففعلوا ذلك كله، فلما صار إلى الفرات دعا،
ثم قرع الفرات قرعة (4) فنقص ذراع، فقال: يا أمير المؤمنين هذه رمانة قد جاء بها
الماء، وقد احتبست على الجسر من كبرها وعظمها، فاحتملها
(1) في (م): لا تقتلوني عطشانا. (2) أي
شربته الارض. (3) طمس الشئ: محاه أو غطاه. (4) أي ضربه ضربة.
[251]
وقال: هذه رمانة من رمان الجنة ولا يأكل
ثمار الجنة إلا نبي أو وصي نبي، ولولا ذلك لقسمتها بينكم. 7 - يج: روي عن أبي هاشم
الجعفري عن أبيه عن الصادق عليه السلام قال: لما فرغ علي عليه السلام من وقعة صفين
وقف على شاطئ الفرات وقال: أيها الوادي من أنا ؟ فاضطرب وتشققت أمواجه، وقد حضر
الناس وقد سمعوا من الفرات أصواتا (1): أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا
رسول الله صلى الله عليه وآله وأن عليا ولي الله أمير المؤمنين حجة الله على خلقه.
8 - يج: روي عن عبيد، عن السكسكي عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام أن عليا
عليه السلام لما قدم من صفين وقف على شاطئ الفرات، ثم انتزع من كنانته (2) سهاما،
ثم أخرج منها قضيبا أصفر، فضرب به الفرات وقال عليه السلام: انفجري فانفجرت (3)
اثنتا عشرة عينا كل عين كالطود، والناس ينظرون إليه، ثم تكلم بكلام لم يفهموه،
فأقبلت الحيتان رافعة رؤوسها بالتهليل والتكبير وقالت: السلام عليك يا حجة الله في
أرضه ويا عين الله في عباده، خذلك قومك بصفين كما خذل هارون بن عمران قومه، فقال
لهم: أسمعتم ؟ قالوا: نعم، قال: فهذه آية لي عليكم وقد أشهدتكم عليه (4). 9 - ما:
الفحام، عن عمه عمر بن يحيى، عن محمد بن سليمان بن عاصم، عن أحمد بن محمد العبدي،
عن علي بن الحسن الاموي، عن العباس بن عبد الله، عن ابن طريف، عن ابن نباتة، عن أبي
مريم، عن سلمان قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وآله إذا أقبل علي بن أبي
طالب عليه السلام فناوله حصاة (5)، فما استقرت
(1) ليست هذه الكلمة في (م). (2) الكنانة
- بكسر الكاف -: جعبة من جلد أو خشب تجعل فيها السهام. (3) في (م): فانفجرت منه.
(4) لم نجد الروايات الستة الماضية في الخرائج المطبوع. (5) في المصدر: فناول النبي
حصاة.
[252]
الحصاة في كف علي عليه السلام حتى نطقت
وهي تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله رضيت بالله ربا
وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا وبعلي بن أبي طالب عليه السلام وليا، ثم قال النبي
صلى الله عليه وآله: من أصبح منكم راضيا بالله وبولاية علي بن أبي طالب فقد أمن خوف
الله وعقابه (1). 10 - يج: روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ كفا من
الحصى فسبحن في يده، ثم صبهن في يد علي عليه السلام فسبحن في يده حتى سمعنا التسبيح
في أيديهما ثم صبهن في أيدينا فما سبحت (2). 11 - خص: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم،
عن أبي حنيفة، عن عبد الرحمن السلماني، عن حبيش بن المعتمر، عن علي بن أبي طالب
عليه السلام قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فوجهني إلى اليمن لاصلح
بينهم، فقلت: يا رسول الله إنهم قوم كثير ولهم سن وأنا شاب حدث، فقال: يا علي إذا
صرت بأعلى عقبة أفيق (3) فناد بأعلى صوته: يا شجريا مدريا ثرى محمد رسول الله صلى
الله عليه وآله يقرؤكم السلام، قال: فذهبت فلما صرت بأعلى العقبة أشرفت على أهل
اليمن فإذا هم بأسرهم مقبلون نحوي، مشرعون رماحهم، مستوون أسنتهم، متنكبون قسيهم
(4)، شاهرون سلاحهم فناديت بأعلى صوتي: يا شجريا مدريا ثرى محمد رسول الله صلى الله
عليه وآله يقرؤكم السلام، قال: فلم تبق شجرة ولا مدرة ولا ثرى إلا ارتجت بصوت واحد:
وعلى محمد رسول الله صلى الله عليه وآله و عليك السلام، فاضطربت قوائم القوم
وارتعدت ركبهم ووقع السلاح من أيديهم (5)
(1) أمالى الشيخ الطوسى: 178. (2) لم نجده
في الخرائج المطبوع. (3) بالفتح فالكسر قرية من حوران في طريق الغور، ينزل في هذه
العقبة إلى الغور وهو الاردن، وهى عقبة طويلة نحو ميلين. (4) القسى - بكسر القاف
وضمها -: جمع القوس. وتنكب كنانته أو قوسه: القاها على منكبه. (5) في المصدر: من
بين أيديهم.
[253]
وأقبلوا إلي مسرعين فأصلحت بينهم وانصرفت
(1). 12 - ختص: ابن أبان، عن الحسين بن سعيد - وكتبه لي بخطه بحضرة أبي الحسن بن
أبان - عن محمد بن سنان، عن حماد البطيخي (2)، عن رميلة - وكان من أصحابه أمير
المؤمنين عليه السلام - قال: إن نفرا من أصحابه قالوا: يا أمير المؤمنين إن وصي
موسى عليه السلام كان يريهم العلامات بعد موسى، وإن وصي عيسى عليه السلام كان يريهم
العلامات بعد عيسى، فلو أريتنا، فقال: لا تقرون، فألحوا عليه، فأخذ بيد تسعة منهم
وخرج بهم قبل أبيات الهجريين حتى أشرف على السبخة، فتكلم بكلام خفي ثم قال: بيده:
اكشفي غطاءك، فإذا كل ما وصف الله في الجنة نصب أعينهم مع روحها وزهرتها، فرجع منهم
أربعة يقولون: سحرا سحرا، وثبت رجل منهم بذلك ما شاء الله، ثم جلس مجلسا فنقل منه
شيئا من الكلام في ذلك، فتعلقوا به فجاؤوا به إلى أمير المؤمنين عليه السلام
وقالوا: يا أمير المؤمنين اقتله ولا تداهن في دين الله، قال: وماله ؟ قالوا: سمعناه
يقول كذا وكذا، فقال له: ممن سمعت هذا الكلام ؟ قال: سمعته من فلان بن فلان، فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: رجل سمع من غيره شيئا فأداه لا سبيل على هذا، فقالوا:
داهنت في دين الله والله لنقتلنه ! فقال: والله لا يقتله منكم رجل إلا أبرت عترته
(3). 13 - ع، العطار، عن أبيه، عن الاشعري، عن يحيى بن محمد بن أيوب، عن علي بن
مهزيار، عن ابن سنان، عن يحيى الحلبي (4)، عن عمر بن أبان، عن جابر قال: حدثني تميم
بن جذيم (5) قال: كنا مع علي عليه السلام حيث توجهنا إلى البصرة، قال: فبينما نحن
نزول إذا اضطربت الارض، فضربها علي عليه السلام بيده ثم قال لها: مالك ؟ ثم أقبل
علينا بوجهه ثم قال لنا: أما إنها لو كانت الزلزلة
(1) مختصر البصائر: 13 و 14. (2) في
المصدر: البطحى. (3) الاختصاص: 325 و 326. وأبره: أهلكه. (4) الكلبى خ ل. (5) اختلف
في ضبطه راجع جامع الرواة 1: 132.
[254]
التي ذكرها الله عزوجل في كتابه لاجابتني،
ولكنها ليست بتلك (1). كنز: محمد بن العباس، عن الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه،
عن الحسين ابن سعيد، عن محمد بن سنان مثله (2). بيان: أي لو كانت هذه زلزلة القيامة
لاجابتني الارض حين سألتها عن أخبارها كما ذكره الله تعالى في سورة الزلزال، وسيأتي
توضيحه في الخبر الآتي. 14 - ع: العطار، عن أبيه، عن الاشعري عن أبي عبد الله
الرازي، عن البزنطي، عن روح بن صالح، عن هارون بن خارجة رفعه عن فاطمة عليها السلام
قالت: أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر، ففزع الناس إلى أبي بكر وعمر فوجدوهما قد
خرجا فزعين إلى علي عليه السلام فتبعهما الناس إلى أن انتهوا باب علي عليه السلام
فخرج إليهم علي عليه السلام غير مكترث (3) لما هم فيه، فمضى وأتبعه الناس حتى انتهى
إلى تلعة (4)، فقعد عليها وقعدوا حوله، وهم ينظرون إلى حيطان المدنية ترتج جائية
وذاهبة، فقال لهم علي عليه السلام كأنكم قد هالكم ما ترون ؟ قالوا كيف لا يهولنا
ولم نر مثلها قط، قالت: فحرك شفتيه ثم ضرب الارض بيده ثم قال: مالك اسكني فسكنت،
فعجبوا من ذلك أكثر من تعجبهم أولا حيث خرج إليهم، قال لهم: فإنكم قد عجبتم من
صنيعي ؟ قالو: نعم، فقال: أنا الرجل الذي قال الله: " إذا زلزلت الارض زلزالها
وأخرجت الارض أثقالها وقال الانسان مالها " فأنا الانسان الذي يقول لها: مالك ؟ "
يومئذ تحدث أخبارها " إياي تحدث (5). كنز: محمد بن هارون التلعكبري بإسناده إلى
هارون بن خارجة مثله (6). 15 - ير: علي بن يزيد، عن علي بن الثمالي، عن بعض من
حدثه، عن
(1) علل الشرائع: 186. (2) مخطوط.
وأوردهما في البرهان 4: 494. (3) اكترث للامر: بالى به، يقال " هو لا يكترث لهذا
الامر " أي لا يعبأ ولا يباليه. (4) التلعة: ما علا من الارض، ما سفل منها. (5) علل
الشرائع: 186. والايات في سورة الزلزال. (6) مخطوط. وأورده في البرهان 4: 494.
[255]
أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان مع
أصحابه في مسجد الكوفة فقال له رجل: بأبي [أنت] وامي إني لا تعجب من هذه الدنيا
التي في أيدي هؤلاء القوم وليست عندكم، فقال: يا فلان أترى (1) إنما نريد الدنيا
فلا نعطاها ؟ ثم قبض قبضة من الحصى فإذا هي جواهر، فقال: ماهذا ؟ فقلت: هذا من أجود
الجواهر، فقال: لو أردنا لكان ولكن لا نريده، ثم رمى بالحصى فعادت كما كانت (2).
يج: عمر بن يزيد عن الثمالي مثله (3). ختص: عمر بن علي بن عمر بن يزيد، عن علي بن
ميثم التمار، عمن حدثه مثله (4). 16 - ختص، ير: علي بن إبراهيم الجعفري، عن أبي
العباس، عن محمد ابن سليمان الحذاء البصري، عن رجل، عن الحسن بن أبي الحسن البصري
قال: لما فتح أمير المؤمنين عليه السلام البصرة قال: من يدلنا على دار ربيع بن حكيم
؟ فقال له الحسن بن أبي الحسن: أنا يا أمير المؤمنين، قال: وكنت يومئذ غلاما قد
أيفع، قال: فدخل منزله - والحديث طويل - ثم خرج وتبعه الناس، فلما جاز إلى الجبانة
واكتنفه الناس (5) فخط بسوطه خطة، فأخرج دينارا ثم خط خطة اخرى فأخرج دينارا، حتى
أخرج ثلاثين دينارا، فقبلها في يده حتى أبصره الناس، ثم ردها و غرسها بإبهامه، ثم
قال: ليأتيك بعدي محسن أو مسئ، ثم ركب بغلة رسول الله و انصرف إلى منزله، وأخذنا
العلامة في موضع فحفرنا حتى بلغنا الرسخ (6) فلم نصب شيئا، فقيل للحسن: يا باسعيد
ما ترى ذلك من أمير المؤمنين ؟ فقال: أما أنا فلا أدري
(1) أي أتحسب. (2) بصائر الدرجات: 109.
(3) الخرائج و الجرائح: 114. (4) الاختصاص: 270 و 271. (5) في الاختصاص، فلما صار
إلى الجبانة نزل واكتنفه الناس. (6) أي الصلب.
[256]
أن كنوز الارض تستر إلا بمثله (1). 17 -
يج: روي عن سلمان أن عليا عليه السلام بلغه عن عمر ذكر شيعته: فاستقبله في بعض
طرقات بساطين المدينة وفي يد علي عليه السلام قوس عربية، فقال: يا عمر بلغني عنك
ذكرك لشيعتي (2)، فقال: اربع على ظلعك (3) فقال عليه السلام: إنك لهيهنا ؟ ثم رمى
بالقوس على الارض فإذا هي ثعبان كالبعير فاغرفاه (4) وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه،
فصاح عمر: الله الله يا أبا الحسن لاعدت بعدها في شئ، وجعل يتضرع إليه فضرب يده إلى
الثعبان فعادت القوس كما كانت، فمر (5) عمر إلى بيته مرعوبا قال سلمان: فلما كان في
الليل دعاني علي عليه السلام فقال: صر إلى عمر فإنه حمل إليه مال من ناحية المشرق
ولم يعلم به أحد وقد عزم أن يحتبسه، فقل له: يقول لك علي اخرج إليك مال من ناحية
المشرق (6) ففرقه على من جعل لهم ولا تحبسه فأفضحك قال سلمان: فأديت (7) إليه
الرسالة ؟ فقال: حيرني أمر صاحبك من أين علم به ؟ فقلت: وهل يخفى عليه مثل هذا فقال
لسلمان (8): اقبل مني ما أقول لك: ما علي إلا ساحر وإني لمشفق عليك منه، والصواب أن
تفارقه وتصير في جملتنا، قلت: بئس ما قلت. لكن عليا ورث من أسرار النبوة ما قد رأيت
منه وما هو أكبر منه (9)، قال: ارجع إليه فقل له: السمع والطاعة لامرك، فرجعت إلى
علي عليه السلام فقال: احدثك بما جرى بينكما ؟ فقلت: أنت أعلم به مني، فتلكم بكل ما
جرى [به]
(1) الاختصاص: 271: بصائر الدرجات: 109.
(2) في المصدر: شيعتي. (3) الظلع: العيب. يقال " أربع - أو إرق - على ظلعك " أي لا
تجاوز حدك في وعيدك وابصر نقصك وعجزك عنه، واسكت على ما فيك من العيب. (4) في
المصدر: فاغرا فاه. (5) في المصدر: فمضى. (6) في المصدر: أخرج ما حمل إليك من ناحية
المشرق. (7) في المصدر: فمضيت إليه وأديت اه. (8) في المصدر: يا سلمان. (9) في
المصدر: وما عنده اكثر مما رأيته منه.
[257]
بيننا ثم قال: إن رعب الثعبان في قلبه إلى
أن يموت (1). بيان: قوله عليه السلام: " إنك لهيهنا " أي تحسبني عاجزا عن مقاومتك
فتقول لي مثل ذلك، أو أني في حضور الخلق اداريك ففي الخلوة أيضا هكذا، أتكلمني مع
معرفتك بمكاني وعلو شأني ؟. 18 - شف: من كتاب الاربعين لمحمد بن مسلم بن أبي
الفوارس، عن أحمد ابن محمد بن محمود، عن القاضي شرف الدين أبي بكر، عن الحسن بن أبي
الحسن العلوي، عن جبير بن الرضا، عن عبد [بن] مسهر، عن سلمة بن الاصهب، عن كيسان بن
أبي عاصم، عن مرة بن سعد، عن محمد (2) بن جعديان، عن القايد أبي نصر بن منصور
التستري، عن أبي عبد الله المهاطي (3)، عن أبي القاسم القواس، عن سليم النجار، عن
حامد بن سعيد، عن خالص بن ثعلبة، عن عبد الله بن خالد بن سعيد بن العاص قال: كنت مع
أمير المؤمنين عليه السلام وقد خرج من الكوفة إذ عبر بالصعيد التي يقال لها: النخلة
على فرسخين من الكوفة، فخرج منها خمسون رجلا من اليهود وقالوا: أنت علي بن أبي طالب
الامام ؟ فقال: أنا ذا، فقالوا: لنا صخرة مذكورة في كتبنا عليها اسم ستة من
الانبياء، وهو ذا نطلب الصخرة فلا نجدها، فإن كنت إماما أو جدنا الصخرة، فقال علي
عليه السلام: اتبعوني، قال عبد الله بن خالد فسار القوم خلف أمير المؤمنين عليه
السلام إلى أن استبطن فيهم البر، وإذا بجبل من رمل عظيم، فقال عليه السلام: أيتها
الريح انسفي الرمل عن الصخرة بحق اسم الله الاعظم، فما كان إلا ساعة (4) حتى نسفت
الرمل وظهرت الصخرة، فقال علي عليه السلام: هذه صخرتكم، فقالوا: عليها اسم ستة من
الانبياء على ما سمعنا وقرأنا في كتبنا، ولسنا نرى عليها (5)، فقال عليه السلام:
الاسماء التي عليها فهي في وجهها الذي على الارض
(1) الخرائج والجرائح: 20 و 21. (2) في
المصدر: عن أبى محمد. (3) في (م): المهاملى (4) في (ك): فما كان ساعة. (5) كذا في
(ك)، وفي غيره من النسخ والمصدر: ولسنا نرى عليها الاسماء.
[258]
فاقلبوها، فاعصوصب عليها ألف رجل حضروا في
هذا المكان فما قدروا على قلبها، فقال عليه السلام: ننحوا عنها، فمد يده إليها
فقلبها، فوجدوا عليها اسم ستة من الانبياء عليهم السلام أصحاب الشرائع: آدم ونوح
وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة و السلام، فقال (1) النفر اليهود ؟ نشهد
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله و أنك أمير المؤمنين
وسيد الوصيين وحجة الله في أرضه، من عرفك سعد نجا ومن خالفك ضل وغوى وإلى الحميم
هوى، جلت مناقبك عن التحديد وكثرت آثار نعتك عن التعديد (2). فض، يل: عن عمار بن
ياسر مثله (3). بيان: قال الفيروز آبادي اعصوصبت الابل: جدت في السير واجتمعت (4).
19 - شف: جعفر بن الحسين بن جعفر عن أبيه قال: حدثني الرياحي بالبصرة عن شيوخه قال:
إن أمير المؤمنين عليه السلام دخل يوما إلى منزله فالتمس شيئا من الطعام، فأجابته
الزهراء فاطمة عليها السلام فقالت: ما عندنا شئ وإنني منذ يومين اعلل (5) الحسن
والحسين، فقال: أعطونا مرطا (6) نضعه عند بعض الناس على شئ فاعطي فخرج به إلى يهودي
كان في جيرانه، فقال له: أخا تبع اليهود أعطنا على هذا المرط صاعا من شعير، فأخرج
إليه اليهودي الشعير فطرحه في كمه ومشى عليه السلام خطوات، فناداه اليهودي: أقسمت
عليك يا أمير المؤمنين إلا وقفت لاشافهك، فجلس ولحقه اليهودي فقال له: إن ابن عمك
يزعم أنه حبيب الله وخاصته وخالصته وأنه أشرف الرسل على الله تعالى، فألا سأل الله
تعالى أن يغنيكم (7) عن هذه الفاقة التي أنتم
(1) في المصدر: فقالوا. (2) اليقين في
امرة أمير المؤمنين: 64. (3) الروضة 36. الفضائل: 77. (4) القاموس 1: 105. (5) علله
بكذا: شغله ولهاء به. (6) المرط - بالكسر فالسكون - كساء من صوف ونحوه يؤتزر به.
(7) في المصدر: فقل له: فاسأل الله تعالى أن يغنيك. (*)
[259]
عليها فأمسك عليه السلام ساعة ونكت بإصبعه
الارض وقال له: يا أخا تبع اليهود والله إن لله عبادا لو أقسموا عليه أن يحول هذا
الجدار ذهبا لفعل، قال: فاتقد (1) الجدار ذهبا، فقال له عليه السلام: ما أعنيك إنما
ضربتك مثلا، فأسلم اليهودي (2). 20 - يج: عن أبي جعفر بن بابويه، عن أبيه عن سعد عن
ابن عيسى، عن الاهوازي عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن فضيل الرسان، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: قال أصحاب علي عليه السلام: يا أمير المؤمنين لو أريتنا ما
نطمئن إليه مما أنهى إليك رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لو رأيتم عجيبة من
عجائبي لكفرتم وقلتم: ساحر كذاب وكاهن ! وهو من أحسن قولكم، قالوا: ما منا أحد إلا
وهو يعلم أنك ورثت رسول الله صلى الله عليه وآله وصار إليك علمه، قال: علم العالم
شديد ولا يحتمله إلا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان وأيده بروح منه، ثم قال: أما إذا
أبيتم الآن اريكم بعض عجائبي وما آتاني الله من العلم، فاتبعه سبعون رجلا كانوا في
أنفسهم خيار الناس من شيعته فقال لهم علي عليه السلام: إني لست اريكم شيئا حتى آخذ
عليكم عهد الله وميثاقه ألا تكفر وابي ولا ترموني بمعضلة، فوالله ما اريكم إلا ما
علمني رسول الله صلى الله عليه وآله. فأخذ عليهم العهد والميثاق أشد ما أخذه الله
على رسله، ثم قال: حولوا وجوهكم عني حتى أدعو بما اريد، فسمعوه يدعو بدعوات لم
يسمعوا بمثلها، ثم قال: حولوا وجوهكم، فحولوها فإذا جنات وأنهار وقصور من جانب
والسعير تتلظى من جانب، حتى أنهم لم يشكوا في معاينة الجنة والنار، فقال أحسنهم
قولا: إن هذا لسحر عظيم ! ورجعوا كفارا إلا رجلين، فلما رجع مع الرجلين قال لهما:
قد سمعتم مقالتهم وأخذي عليهم العهود والمواثيق ورجوعهم يكفرون، أما والله إنها
لحجتي عليهم غدا عند الله، فإن الله ليعلم أني لست بكاهن ولا ساحر ولا يعرف ذلك لي
ولا لآبائي، ولكنه علم الله وعلم رسوله أنهاه الله إلى رسوله وأنهاه رسول الله صلى
الله عليه وآله إلي وأنهيته إليكم، فإذا رددتم علي رددتم على الله، حتى إذا صار إلى
مسجد
(1) أي تلالا. (2) اليقين في إمرة أمير
المؤمنين: 173 و 174.
[260]
الكوفة دعا بدعوات، فإذا حصى المسجد د
وياقوت، فقال لهما: ما الذي تريان ؟ قالا: هذا در وياقوت، فقال: لو أقسمت على ربي
فيما هو أعظم من هذا لابر قسمي، فرجع أحدهما كافرا، وأما الآخر فثبت، فقال عليه
السلام له: إن أخذت شيئا ندمت وإن تركت ندمت، فلم يدعه حرصه حتى أخذ درة فصيرها في
كمه، حتى إذا أصبح نظر إليها فإذا هي درة بيضاء لم ينظر الناس إلى مثلها، فقال: يا
أمير المؤمنين إني أخذت من ذلك الدر واحدة، قال: وما دعاك إلى ذلك ؟ قال: أحببت أن
أعلم أحق هو أم باطل، قال: إنك إن رددتها إلى الموضع الذي أخذتها منه عوضك الله
الجنة، وإن أنت لم تردها عوضك الله النار، فقام الرجل فردها إلى موضعها الذي أخذها
منه، فحولها الله حصاة كما كان، فبعضهم قال: كان هذا ميثم التمار وقال بعضهم: بل
كان عمرو بن الحمق الخزاعي (1). 21 - عم، شا: من معجزات أمير المؤمنين عليه السلام
ما رواه اهل السير واشتهر به الخبر في العامة والخاصة حتى نظمه الشعراء وخطب به
البلغاء ورواه الفهماء والعلماء من حديث الراهب بأرض كربلاء والصخرة، وشهرته تغني
عن تكلف إيراد الاسناد له، وذلك أن الجماعة روت أن أمير المؤمنين عليه السلام لما
توجه إلى صفين لحق أصحابه عطش شديد، ونفد ما كان عندهم من الماء، فأخذوا يمينا
وشمالا يلتمسون الماء فلم يجدوا له أثرا، فعدل بهم أمير المؤمنين عليه السلام عن
الجادة وسار قليلا، ولاح (2) لهم دير في وسط البرية فسار بهم نحوه حتى إذا صار في
فنائه أمر من نادى ساكنه بالاطلاع إليهم، فنادوه فأطلع، فقال له أمير المؤمنين عليه
السلام: هل قرب قائمك هذا من ماء يتغوث به هؤلاء القوم ؟ فقال: هيهات بيني وبين
الماء أكثر من فرسخين، وما بالقرب مني شئ من الماء، ولولا أنني اوتي بماء يكفيني كل
شهر على التقتير لتلفت عطشا، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أسمعتم ما قال الراهب
؟ قالوا: نعم، أفتأمرنا بالمسير إلى حيث أوما إليه لعلنا أن ندرك الماء (3) وبنا
قوة ؟
(1) لم نجده في الخرائج المطبوع. (2) في
المصدرين: فلاح. (3) في الارشاد: لعلنا ندرك الماء.
[261]
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا حاجة
لكم إلى ذلك، ولوى عنق بغلته نحو القبلة و أشار بهم إلى مكان يقرب من الدير فقال
(1): اكشفوا الارض في هذا المكان، فعدل منهم جماعة إلى الموضع فكشفوه بالمساحي،
فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع، فقالوا: يا أمير المؤمنين ههنا صخرة لاتعمل فيها
المساحي، فقال لهم: إن هذه الصخرة على الماء، فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء،
فاجتهدوا في قلعها فاجتمعوا القوم (2) و راموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا،
واستصعبت عليهم، فلما رآهم عليه السلام قد اجتمعوا وبذلوا الجهد في قلع الصخرة
واستصعبت عليهم، لوى رجله عن سرجه حتى صار على الارض، ثم حسر عن ذراعيه ووضع أصابعه
تحت جانب الصخرة فحركها، ثم قلعها بيده ودحا بها (3) أذرعا كثيرة، فلما زالت من
مكانها ظهر لهم بياض الماء، فبادروا إليه فشربوا منه، فكان أعذب ماء شربوا منه في
سفرهم وأبرده وأصفاه، فقال لهم: تزودوا وارتووا، ففعلوا ذلك. ثم جاء إلى الصخرة
فتناولها بيده ووضعها حيث كانت، فأمر أن يعفى أثرها بالتراب والراهب ينظر من فوق
ديره، فلما استوفى علم ما جرى نادى: أيها الناس أنزلوني أنزلوني، فاحتالوا في
إنزاله، فوقف بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: يا هذا أنت نبي مرسل ؟
قال: لا، قال: فملك مقرب ؟ قال: لا، قال: فمن أنت ؟ قال: أنا وصي رسول الله محمد
ابن عبد الله خاتم النبيين صلى الله عليه وآله قال: ابسط يدك اسلم لله تبارك وتعالى
على يديك، فبسط أمير المؤمنين عليه السلام يده وقال له: اشهد الشهادتين، فقال: أشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأشهد أنك وصي رسول
الله صلى الله عليه وآله وأحق الناس بالامر من بعده، فأخذ أمير المؤمنين عليه
السلام عليه شرائط الاسلام، ثم قال له: ما الذي دعاك الآن إلى الاسلام بعد طول
مقامك في هذا الدير (4) على
(1) في الارشاد: فقال لهم. (2) في
المصدرين: فاجتمع القوم. (3) دحا الحجر بيده: رمى به. (4) في (ك): في هذا الدين.
[262]
الخلاف ؟ قال: أخبرك يا أمير المؤمنين، إن
هذا الدير بني على طلب قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها، وقد مضى عالم قبلي
فلم يدركوا ذلك، وقد رزقنيه الله عزوجل، إنا نجد في كتاب من كتبنا ونأثر عن علمائنا
أن في هذا الصقع عينا عليها صخرة لا يعرف مكانها إلا نبي أو وصي نبي، وإنه لابد من
ولي لله يدعو إلى الحق آيته معرفة مكان هذه الصخرة وقدرته على قلعها، وإني لما
رأيتك قد فعلت ذلك تحققت ما كنا ننتظره وبلغت الامنية منه، فأنا اليوم مسلم على
يديك ومؤمن بحقك ومولاك. فلما سمع (1) أمير المؤمنين عليه السلام بكى حتى اخضلت
لحيته من الدموع، و قال: الحمد لله الذي كنت في كتبه مذكورا (2)، ثم دعا الناس فقال
(3): اسمعوا ما يقول أخوكم المسلم، فسمعوا مقاله وكثر حمدهم لله وشكرهم على النعمة
التي أنعم بها عليهم في معرفتهم بحق أمير المؤمنين عليه السلام، ثم ساروا والراهب
بين يديه في جملة أصحابه حتى لقي أهل الشام، وكان الراهب في جملة من استشهد معه،
فتولى - عليه الصلاة والسلام - الصلاة عليه ودفنه، وأكثر من الاستغفار له، وكان إذا
ذكره يقول: ذاك مولاي. وفي هذا الخبر ضروب من المعجز: أحدهم علم الغيب، والثاني
القوة التي خرق العادة بها وتميزه (4) بخصوصيتها من الانام، مع ما فيه من ثبوت
البشارة به في كتب الله الاولى، وذلك مصداق قوله تعالى: " ذلك مثلهم في التوراة
ومثلهم في الانجيل (5) " وفي مثل ذلك يقول السيد إسماعيل بن محمد الحميري رحمه الله
في قصيدته البائية المذهبة:
(1) في الارشاد: فلما سمع ذلك. (2) في
الارشاد: الحمد لله الذى لم أكن عنده منسيا الحمد لله الذى كنت في كتبه مذكورا وفي
اعلام الورى تقديم وتأخير بين الجملتين. (3) في الارشاد: فقال لهم. (4) في الارشاد:
وتميز. (5) سورة الفتح: 29.
[263]
- ولقد سرى فيما يسير بليلة * بعد العشاء
بكربلا في موكب - حتى أتى متبتلا في قائم * ألقى قواعده بقاع مجدب - يأتيه ليس بحيث
يلقى عامر * غير الوحوش وغير أصلع أشيب - فدنا فصاح به فأشرف ماثلا * كالنسر فوق
شظية من مرقب - هل قرب قائمك الذي بوأته * ماء يصاب ؟ فقال ما من مشرب - إلا بغاية
فرسخين ومن لنا * بالماء بين نقا وقي سبسب - فثنى الاعنة نحو وعث فاجتلى * ملساء
يلمع كاللجين المذهب (1) - قال اقلبوها إنكم إن تقلبوا * ترووا ولا تروون إن لم
تقلب - فاعصوصبوا في قلعها فتمنعت * منهم تمنع صعبة لم تركب - حتى إذا أعيتهم أهوى
لها * كفا متى ترد المغالب تغلب - فكأنها كرة بكف حزور * عبل الذراع دحا بها في
ملعب - فسقاهم من تحتها متسلسلا * عذبا يزيد على الالد الاعذب - حتى إذا شربوا
جميعا ردها * ومضا فخلت مكانها لم يقرب (2) وزاد فيها ابن ميمون قوله: وآيات راهبها
سريرة معجز * فيها وآمن بالوصي المنجب - ومضى شهيدا صادقا في نصره * أكرم به من
راهب مترهب - أعني ابن فاطمة الوصي ومن يقل * في فضله وفعاله لا يكذب - كلا كلا
طرفيه من سام وما (3) * حام له بأب ولا بأب أب -
(1) ثنى الشئ: عطفه وطواه والاعنة جمع
العنان. وفي اعلام الورى وكذا في شرح البائية للسيد المرتضى " ملساء تبرق كاللجين
المذهب " وهو المناسب لما ذكر في البيان حيث قال: ومعنى " تبرق " تلمع. (2) كذا في
(ك) واعلام الورى وفي سائر النسخ وكذا الارشاد: ومضى اه. وومض البرق ومضا: لمع
خفيفا. (3) كذا في النسخ. وفي الارشاد: رجلا كلا طرفيه اه وليس هذا البيت وتاليه
في اعلام الورى.
[264]
من لا يفر ولا يرى في معرك * إلا وصارمه
الخضيب المضرب (1) بيان: قال السيد المرتضى رضي الله عنه في شرح هذه القصيدة
البائية: السرى: سير الليل كله. والمتبتل: الراهب. والقائم: صومعته. والقاع: الارض
الحرة الطين التي لا حزونة فيها ولا انهباط. والقاعدة: أساس الجدار وكل ما يبنى.
والجدب: ضد الخصب. ثم قال: وهذه قصة مشهورة جاءت بها الرواية (2)، فإن أبا عبد الله
البرقي روى عن شيوخه عمن خبرهم قال: خرجنا مع أمير المؤمنين عليه السلام نريد صفين،
فمررنا بكربلاء فقال عليه السلام: أتدرون أين ههنا ؟ والله مصارع الحسين وأصحابه،
ثم سرنا يسيرا فانتهينا إلى راهب في صومعة وقد تقطع الناس من العطش، فشكوا ذلك إلى
أمير المؤمنين عليه السلام وذلك أنه أخذ طريق البر (3) وترك الفرات عيانا فدنا من
الراهب وهتف به، فأشرف من صومعته، فقال: يا راهب هل قرب قائمك ماء ؟ فقال: لا، فسار
قليلا، ثم نزل (4) بموضع فيه رمل، فأمر الناس فنزلوا، وأمرهم أن يبحثوا ذلك الرمل،
فأصابوا تحته صخرة بيضاء، فافتلعها أمير المؤمنين عليه السلام بيده ودحاها (5)،
وإذا تحتها ماء أرق من الزلال وأعذب من كل ماء فشربوا (6) وارتووا وحملوا منه، ورد
الصخرة والرمل كما كان، قال: فسرنا قليلا وقد علم كل واحد من الناس مكان العين،
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: بحقي عليكم إلا رجعتم إلى موضع العين فنظرتم هل
تقدرون عليها، فرجع الناس يقفون الاثر إلى موضع الرمل، فبحثوا ذلك الرمل فلم يصيبوا
العين، فقالوا: يا أمير المؤمنين
(1) اعلام الورى: 178 - 180. الارشاد: 157
- 160. (2) في المصدر: قد جاءت الرواية بها. (3) في المصدر: أخذ بنا على طريق البر.
(4) في المصدر: حتى نزل. (5) في المصدر: ونحاها. (6) في المصدر: فشرب الناس.
[265]
لا والله ما أصبناها ولا ندري أين هي،
قال: فأقبل الراهب فقال: أشهد يا أمير المؤمنين أن أبي أخبرني عن جدي - وكان من
حواري عيسى عليه السلام - أنه قال: إن تحت هذا الرمل عينا من ماء أبيض من الثلج
وأعذب من كل ماء عذب، لا يقع عليه إلا نبي أو وصي نبي، وأنا أشهد أن لا إله إلا
الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وخليفته والمؤدي
عنه، وقد رأيت أن أصحبك في سفرك هذا فيصيبني ما أصابك من خير وشر، فقال له خيرا
ودعا له بخير، وقال عليه السلام: يا راهب الزمني وكن قريبا مني، ففعل، فلما كان
ليلة الهرير والتقى الجمعان واضطرب الناس فيما بينهم قتل الراهب، فلما أصبح أمير
المؤمنين عليه السلام قال لاصحابه: انهضوا بنا فادفنوا قتلاكم، وأقبل أمير المؤمنين
عليه السلام يطلب الراهب حتى وجده فصلى عليه ودفنه بيده في لحده، ثم قال: والله
لكأني أنظر إليه وإلى منزله (1) وزوجته التي أكرمه الله بها. ثم قال: ومعنى " يأتيه
" أي يأتي هذا الموضع الذي فيه الراهب (2) ومعنى " عامر " أنه لا مقيم فيه سوى
الوحوش (3)، ويمكن أن يكون مأخودا من العمرة التي هي الزيادة. والاصلع الاشيب هو
الراهب،. وذكر بعد هذا البيت قوله: في مدمج زلق أشم كأنه * حلقوم أبيض ضيق مستصعب
والمدمج: الشئ المستور. والزلق: الذي لا يثبت عليه قدم (4). والاشم: الطويل المشرف.
والابيض: الطائر الكبير من طيور الماء. وإنما جر لفظة " ضيق مستصعب " لانه جعلهما
من وصف المدمج. والماثل: المنتصب. وشبه الراهب بالنسر لطول عمره. والشظية: قطعة من
الجبل مفردة. والمرقب: المكان العالي
(1) في المصدر: منزلته. (2) في المصدر: أي
يأتي إلى هذا الراهب. (3) وانت خيبر بأن هذا ليس معنى " عامر " وكأن في العبارة
سقطا، وأصله: ومعنى ليس بحيث يلقى عامر. (4) في المصدر: على قدم.
[266]
والنقا: قطعة من الرمل تنقاد محدودبة.
والقي: الصحراء الواسعة. والسبسب: والقفر. والوعث: الرمل الذي (1) لا يسلك فيه.
ومعنى " اجتلى ملساء " نظر إلى صخرة ملساء فتجلت (2) لعينه. ومعنى " تبرق " تلمع.
ووصف اللجين بالمذهب لانه أشد لبريقه ولمعانه. ومعنى " اعصوصبوا اجتمعوا على قلعها
وصاروا عصبة واحدة ومعنى " أهوى لها " مد إليها. والمغالب: الرجل المغالب. والحزور
(3): الغلام المترعرع. والعبل: الغليظ الممتلئ، والمتسلسل: الماء السلسل في الحلق،.
يقال: إنه البارد أيضا. وابن فاطمة هو أمير المؤمنين عليه السلام. انتهى كلامه رفع
الله في الجنان مقامه (4). 22 - قب: روي عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: عرض
لعلي بن أبي طالب خصومة، فجلس في أصل جدار، فقال رجل: يا أمير المؤمنين الجدار يقع،
فقال له علي عليه السلام: امض كفى الله حارسا، فقضى بين الرجلين وقام وسقط الجدار.
ووجد عليه السلام مؤمنا لازمه منافق بالدين، فقال: اللهم بحق محمد وآله الطاهرين
لما قضيت عن عبدك هذا الدين، ثم أمره بتناول حجر ومدر فانقلبت له ذهبا أحمر فقضى
دينه وكان الذي بقي أكثر من مائة ألف درهم. وروى جماعة عن خالد بن الوليد أنه قال:
رأيت عليا يسرد حلقات درعه بيده ويصلحها، فقلت: هذا كان لداود عليه السلام، فقال:
يا خالد بنا ألان الله الحديد لداود فيكف لنا ؟ جابر بن عبد الله وحذيفة بن اليمان
وعبد الله بن العباس وأبو هارون العبدي عن عبد الله بن عثمان وحمدان بن المعافا عن
الرضا عليه السلام ومحمد بن صدقة عن موسى بن
(1) في المصدر: المكان اللين الذى اه.
(2) في المصدر: وانجلت. (3) بفتح الحاء المهملة والزاى المعجمة والواو المفتوحة
المشددة. (4) قابلناه بنسخة مخطوطة نفيسة لمكتبة " ملى طهران ".
[267]
جعفر عليه السلام، ولقد أنبأني أيضا
شيرويه الديلمي (1) بإسناده إلى موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال أمير
المؤمنين عليه السلام: كنا (2) مع النبي صلى الله عليه وآله في طرقات المدينة إذا
جعل خمسه (3) في خمس أمير المؤمنين عليه السلام فوالله ما رأينا خمسين أحسن منهما،
إذ مررنا على نخل المدنية فصاحب نخلة أختها: هذا محمد المصطفى وهذا علي المرتضى،
فاحتزناهما، فصاحت ثانية بثالثة: هذا نوح النبي وهذا إبراهيم الخليل، فاجتزناهما
فصاحت ثالثة برابعة: هذا موسى وأخوه هارون، فاجتزناهما، فصاحب رابعة بخامسة هذا
محمد سيد النبيين وهذا علي سيد الوصين، فتبسم النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: يا
علي سم نخل المدينة صيحانيا فقد صاحت بفضلي وبفضلك: وأروي (4) كان البستان لعامر بن
سعد بعقيق السفلى. ورأى عليه السلام أنصاريا يأكل قشور الفاكهة وقد أخذها من
المزبلة، فأعرض عنه لئلا يخجل منه، فأتى منزله وأتى إليه بقرصي شعير من فطوره،
وقال: أصب من هذا كلما جعت، فإن الله يجعل فيه البركة، فامتحن ذلك فوجد فيه لحما
وشحما وحلوا (5) ورطبا وبطيخا وفواكه الشتاء وفواكه الصيف، فارتعدت فرائص الرجل
وسقط لوجهه، فأقامه علي عليه السلام وقال: ما شأنك ؟ قال: كنت منافقا
(1) هو العلامة الحافظ شيرويه بن شهرداد
(شهر دار خ ل) ابن شيرويه بن فنا خسرو الهمداني أبو شجاع، المشتهر بالحافظ الديلمى
تارة وبابن شيرويه اخرى. من اكابر محدثي القوم، وهو الذى أكثروا النقل عنه في كتبهم
واعتمدوا على مروياته، وله تآليف كثيرة اشهرها كتاب فردوس الاخبار أورد فيه عشرة
آلاف حديث: وفيه عدة روايات صحيحة الاسناد صريحة الدلالة في فضائل مولانا أمير
المؤمنين وعترته الميامين عليهم السلام، توفى سنة 509 كما في الريحانة 2: 37 طبعة
طهران. (2) الصحيح كما في المصدر: عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قالوا
كنا اهو. الضمير في " قالوا " يكون لجابر وحذيفة وابن عباس. (3) في المصدر: إذ جعل.
والظاهر أن المراد من الخمس اليد لكونها مشتملة على الاصابع الخمس. (4) في المصدر:
وروى انه كان. (5) كذا في النسخ والمصدر، والظاهر: وحلواءا.
[268]
شاكا فيما يقوله محمد صلى الله عليه وآله
وفيما تقوله أنت، فكشف الله لي عن السماوات والحجب (1) فأبصرت كل ما تعدان به
وتواعدان به، فزال عني الشك. وأخذ العدوي من بيت المال ألف دينار، فجاء سلمان على
لسان أمير المؤمنين عليه السلام فقال: رد المال إلى بيت المال فقد قال الله تعالى:
" ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة (2) " فقال العدوي: ما أكثر سحرا أولاد عبد
المطلب ! ما عرف هذا قط أحدا وأعجب من هذا أني رأيته يوما وفي يده قوس محمد فسخرت
منه، فرماها من يده وقال: خذ عدو الله، فإذا هي ثعبان مبين يقصد إلي، فحلفته حتى
أخذها وصارت قوسا. وأنفذ أمير المؤمنين عليه السلام ميثم التمار في أمر، فوقف على
باب دكانه، فأتى رجل يشتري التمر، فأمره بوضع الدرهم ورفع التمر، فلما انصرف ميثم
وجد الدرهم بهرجا، فقال في ذلك، فقال: فإذا يكون التمر مرا، فإذا هو بالمشتري رجع
وقال: هذا التمر مر. واستفاض بين الخاص والعام أن أهل الكوفة فزعوا إلى أمير
المؤمنين عليه السلام من الغرق لما زادت الفرات، فأسبغ الوضوء وصلى منفردا ثم دعا
الله، ثم تقدم إلى الفرات متوكئا على قضيب بيده حتى ضرب به صفحة الماء وقال: انقص
بإذن الله ومشيئته، فغاض الماء (4) حتى بدت الحيتان، فنطق كثير منها بالسلامة عليه
بإمرة المؤمنين، ولم ينطق منها أصناف من السمك، وهي الجري والمارماهي والزمار،
فتعجب الناس لذلك وسألوه عن علة ما نطق وصموت ما صمت، فقال: أنطلق الله لي ما طهر
من السموك وأصمت عني ما حرمه ونجسه وأبعده.
(1) في المصدر: عن السماوات والارض
والحجب. (2) سورة آل عمران: 161. (3) البهرج: الدرهم الزائف. (4) أي نقص.
[269]
وفي رواية أبي محمد قيس بن أحمد البغدادي
وأحمد بن الحسن القطيفي عن الحسن ابن ذكردان (1) الفارسي الكندي أنه ضرب بالقضيب
فقال: اسكن يا أبا خالد فنقص ذراعا، فقال: أحسبكم ؟ قالوا: زدنا، فبسط وطأه وصلى
ركعتين وضرب الماء ضربة ثانية، فنقص الماء ذراعا، فقالوا: حسبنا يا أمير المؤمنين،
فقال: والله لو شئت لاظهرت لكم الحصى، وذلك كحنين الجذع وكلام الذئب للنبي صلى الله
عليه وآله (2). 23 - يل، فض: عن عمار بن ياسر قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام
فقلت: يا أمير المؤمنين لي ثلاثة أيام أصوم وأطوي وما أملك ما أقتات (3) به، ويومي
هذا هو الرابع، فقال عليه السلام: اتبعني يا عمار، فطلع مولاي ألى الصحراء وأنا
خلفه أذ وقف بموضع واحتفر، فظهر حب مملوء دراهم، فأخذ من تلك الدراهم درهمين،
فناولني منه (4) درهما واحدا وأخذ هو الآخر، فقال له عمار: يا أمير المؤمنين (5) لو
أخذت من ذلك ما تستغني وتتصدق (6) منه ما كان ذلك من بأس (7) فقال: يا عمار هذا
يكفينا هذا اليوم ثم غطاه وردمه وانصرفا، ثم انفصل عنه عمار وغاب مليا، ثم عاد ألى
أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا عمار كأني بك وقد مضيت ألى الكنز تطلبه ؟ !
فقال: والله يا مولاي قصدت الموضع لاخذ من الكنز شيئا فلم أر له أثرا، فقال له: يا
عمار لما علم الله سبحانه وتعالى أن لا رغبة لنا في الدنيا أظهرها لنا، ولما علم جل
جلاله أن لكم إليها رغبة أبعدها عنكم (8).
(1) في المصدر: ذكران. ولم نظفر بترجمته.
(2) مناقب آل أبى طالب 1: 465 - 469. (3) طوى الرجل: تعمد الجوع وقصده. وقوله "
أقتات به " أي أتخذه قوتا لنفسي. (4) في المصدرين: فناولني منها. (5) في الفضائل:
قال فقلت يا أمير المؤمنين. (6) في الروضة: ما أستغنى وأتصدق به. (7) في المصدر: ما
ذلك بمأثمة. وفي الفضائل: لما كان في ذلك بأس. (8) الفضائل: 117. الروضة: 8.
[270]
24 - فض: بالاسناد إلى علي بن أبي طالب
عليه السلام أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله حبر من أحبار اليهود وقال:
يارسول الله قد أرسلوني إليك قومي أن عهد إلينا نبينا موسى أنه يبعث بعدي نبي اسمه
أحمد وهو عربي فامضوا إليه واسألوه أن يخرج لكم من جبل هناك سبع نوق حمر الوبر سود
الحدق، فإن أخرجها لكم فسلموا عليه وآمنوا به واتبعوا النور الذي انزل معه وصيا،
فهو سيد الانبياء و وصيه سيد الاوصياء، وهو بمنزلة هارون من موسى، فعند ذلك قال:
الله أكبر قم بنا يا أخا اليهود، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وآله والمسلمون
حوله إلى ظاهر المدينة، و جاء إلى جبل فبسط البردة وصلى ركعتين وتكلم بكلام خفي،
وإذا الجبل يصر صريرا عظيما، وانشق وسمع الناس حنين النوق، فقال اليهودي: فأنا أشهد
أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله وأن جميع ما جئت به صدق وعدل، يا رسول الله
أمهلني حتى أمضي إلى قومي وأجئ بهم ليقضوا عدتهم منك ويؤمنوا بك، فمضى الحبر إلى
قومه فأخبرهم بذلك، فتجهزوا بأجمعهم للمسير يطلبون المدينة، فلما دخلوها وجدوها
مظلمة لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد انقطع الوحي من السماء، وجلس مكانه
أبو بكر ! فدخلوا عليه وقالوا: أنت خليفة رسول الله ؟ قال: نعم، قالوا: أعطنا عدتنا
من رسول الله، قال: وما عدتكم ؟ قالوا: أنت أعلم بعدتنا إن كنت خليفته حقا وإن كنت
لم تعلم شيئا ما أنت خليفته، فكيف جلست مجلس نبيك بغير حق ولست له أهلا ؟ قال: فقام
وقعد وتحير في أمره ولم يعلم ماذا يصنع، وإذا برجل من المسلمين فقال: اتبعوني حتى
أدلكم على خليفة رسول الله، قال: فخرجوا من بين يدي أبي بكر وتبعوا الرجل حتى أتوا
منزل الزهراء عليها السلام وطرقوا الباب وإذا بالباب قد فتح، فإذا بعلي عليه السلام
قد خرج وهو شديد الحزن على رسول الله صلى الله عليه وآله فلما رآهم قال: أيها
اليهود تريدون عدتكم من رسول الله ؟ قالوا: نعم، فخرج معهم وساروا إلى ظاهر المدينة
إلى الجبل الذي صلى عنده رسول الله صلى الله عليه وآله فلما رأى مكانه تنفس الصعداء
وقال: بأبي وامي من كان بهذا الجبل هنيئة، ثم صلى ركعتين وإذا بالجبل قد انشق وخرجت
النوق منه، وهي سبع نوق، فلما رأوا ذلك قالوا بلسان واحد:
[271]
نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله صلى الله عليه وآله وأنك الخليفة من بعده، وأن ما جاء به من عند ربنا هو الحق،
وأنك خليفته حقا ووصيه ووارث علمه، فجزاك الله وجزاه عن الاسلام خيرا، ثم رجعوا إلى
بلادهم مسلمين موحدين (1). 25 - كنز: محمد بن العباس، عن أحمد بن هودة، عن إبراهيم
بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد، عن الصباح المزني، عن الاصبغ قال: خرجنا مع علي
عليه السلام وهو يطوف في السوق فيأمرهم بوفاء الكيل والوزن، حتى إذا انتهى إلى باب
القصر ركز (2) الارض برجله فتزلزلت، فقال: هي هي الآن مالك اسكني، أما والله إني
أنا الانسان الذي تنبئه الارض أخبارها أو رجل مني. وروي أيضا عن علي بن عبد الله بن
أسد، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن عبيد الله بن سليمان النخعي، عن محمد بن
الخراساني (3) عن فضيل بن الزبير قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا في
الرحبة، فتزلزلت الارض فضربها عليه السلام بيده، ثم قال لها: قري إنه ما هو قيام،
ولو كان ذلك لاخبرتني وإني أنا الذي تحدثه الارض أخبارها، ثم قرأ " إذا زلزلت الارض
زلزالها " أما ترون أنها تحدث عن ربها (4). 26 - يف: ذكر شيخ المحدثين ببغداد
بإسناده عن أسماء بنت واثلة قالت: سمعت أسماء بنت عميس تقول: سمعت سيدتي فاطمة
عليها السلام تقول: ليلة دخل بي علي عليه السلام أفزعني في فراشي، قلت: بماذا أفزعك
يا سيدة نساء العالمين ؟ قالت: سمعت الارض تحدثه ويحدثها، فأصبحت وأنا فزعة، فأخبرت
والدي صلى الله عليه وآله فسجد سجدة طويلة ثم رفع رأسه وقال: يا فاطمة ابشري بطيب
النسل، فإن الله فضل بعلك على سائر
(1) الروضة: 19. وتوجد الرواية في الفضائل
أيضا: 137 و 138. (2) في البرهان: " ركض " وكلاهما بمعنى. (3) في البرهان: عن محمد
الخراساني. (4) مخطوط. وأوردهما في البرهان 4: 494.
[272]
خلقه، وأمر به الارض أن تحدثه بأخبارها
وما يجري على وجهها من شرقها إلى غربها (1). أقول: أوردنا أخبارا كثيرة في ذلك في
باب تزويج فاطمة عليها السلام. 27 - كنز: الحسن بن محمد بن جمهور العمي، عن الحسن
بن عبد الرحيم التمار قال: انصرفت من مجلس بعض الفقهاء فمررت بسلمان الشاذكوني،
فقال لي: من أين جئت ؟ فقلت: جئت من مجلس فلان، فقال لي: ماذا جرى فيه ؟ قلت: شئ من
فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: والله احدثك بفضيلة حدثني
بها قريشي عن قريشي إلى أن بلغ ستة نفر منهم، ثم قال: رجفت قبور البقيع على عهد عمر
بن الخطاب فضج أهل المدينة من ذلك، فخرج عمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
يدعون لتسكن الرجفة، فما زالت تزيد إلى أن تعدى ذلك إلى حيطان المدينة، وعزم أهلها
على الخروج عنها، فعند ذلك قال عمر: علي بأبي الحسن علي بن أبي طالب، فحضر فقال: يا
أبا الحسن ألا ترى إلى قبور البقيع و رجفها حتى تعدى ذلك إلى حيطان المدينة وقد هم
أهلها بالرحلة عنها، فقال علي عليه السلام: علي بمائة رجل من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وآله البدريين، فاختار من المائة عشرة، فجعلهم خلفه، وجعل التسعين من
ورائهم، ولم يبق بالمدينة سوى هؤلاء إلا حضر، حتى لم يبق بالمدينة ثيب وعاتق (2)
إلا خرجت، ثم دعا بأبي ذر وسلمان ومقداد وعمار فقال لهم: كونوا بين يدي، حتى توسط
البقيع والناس محدقون به فضرب الارض برجله ثم قال: مالك ؟ - ثلاثا - فسكنت، فقال:
صدق الله وصدق رسوله لقد أنبأني بهذا الخبر وهذا اليوم وهذه الساعة وباجتماع الناس
له، إن الله عزوجل يقول في كتابه: " إذا زلزلت الارض زلزالها وأخرجت الارض أثقالها
وقال الانسان مالها " أما لو كانت هي هي لقالت مالها وأخرجت لي أثقالها، ثم انصرف
وانصرف الناس معه وقد سكنت الرجفة (3).
(1) لم نجده في الطرائف المطبوع. (2)
العاتق: الجارية اول ما ادركت. (3) مخطوط. وأورده في البرهان 4: 494 و 495.
[273]
28 - ختص: صفوان، عن أبي الصباح الكناني
زعم أن أبا سعيد (1) عقيصا حدثه أنه سار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام نحو كربلاء، وأنه أصابنا عطش شديد، وأن عليا صلوات الله عليه نزل في البرية،
فحسر عن يديه ثم أخذ يحثو التراب ويكشف عنه حتى برزله حجر أسود (2)، فحمله ووضعه
جانبا، و إذا تحته عين من ماء من أعذب ما طعمته وأشده بياضا، فشرب وشربنا، ثم سقينا
دوابنا، ثم سواه، ثم سار منه ساعة، ثم وقف ثم قال: عزمت عليكم لما رجعتم فطلبتموه،
فطلبه الناس حتى ملوا فلم يقدروا عليه، فرجعوا إليه فقالوا: ما قدرنا على شئ (3).
29 - البرسي في مشارق الانوار عن ابن عباس قال: إن رجلا قدم إلى أمير المؤمنين عليه
السلام فاستضافه، فاستدعا قرصة من شعير يابسة وقعبا فيه ماء، ثم كسر قطعة وألقاها
في الماء، ثم قال للرجل: تناولها، فأخرجها فإذا هي فخذ طائر مشوي، ثم رمى له اخرى
فقال: تناولها، فأخرجها فإذا هي قطعة من الحلواء فقال الرجل: يا مولاي تضع لي كسرا
يابسة فأجدها أنواع الطعام، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: نعم هذا الظاهر وذاك
الباطن، وإن أمرنا هكذا والله. وروي لما جاءت فضة إلى بيت الزهراء عليها السلام لم
تجد هناك إلا السيف و الدرع والرحى، وكانت بنت ملك الهند، وكانت عندها ذخيرة من
الاكسير، فأخذت قطعة من النحاس وألانتها وجعلتها على هيئة سبيكة، وألقت عليها
الدواء وصنعتها ذهبا، فلما جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام وضعتها بين يديه،
فلما رآها قال: أحسنت يا فضة، لكن لو أذبت الجسد لكان الصبغ أعلى والقيمة أغلى،
فقالت: يا سيدي تعرف هذا العلم ؟ قال: نعم وهذا الطفل يعرفه - وأشار إلى الحسين (4)
عليه السلام - فجاء
(1) في المصدر: أبا سعد. (2) في المصدر و
(م): ابيض. (3) الاختصاص: 219. (4) في المصدر: إلى الحسن عليه السلام.
[274]
وقال كما قال أمير المؤمنين عليه السلام،
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: نحن نعرف أعظم من هذا، ثم أومأ بيده فإذا عنق من
ذهب وكنوز الارض سائرة، ثم قال: ضعيها مع أخواتها، فوضعتها فسارت (1). أقول: قد
أوردنا كثيرا من الاخبار في ذلك المرام في باب غزوة تبوك، وأبواب قصص صفين، وباب
جوامع معجزاته صلوات الله عليه. (113) (باب) * (قوته وشوكته صلوات الله عليه في
صغره وكبره، وتحمله) * * (للمشاق، وما يتعلق من الاعجاز ببدنه الشريف) * 1 - قب:
شعبة، عن قتادة، عن أنس، عن العباس بن عبد المطلب، والحسن ابن محبوب، عن عبد الله
بن غالب، عن الصادق عليه السلام في خبر: قالت فاطمة بنت أسد فشددته وقمطته بقماط
فنتر القماط (2)، ثم جعلته قماطين فنترهما، ثم جعلته ثلاثة وأربعة وخمسة وستة منها
أديم وحرير فجعل ينترها، ثم قال: يا اماه لا تشدي يدي فإني أحتاج أن ابصبص لربي
بإصبعي. أنس، عن عمر الخطاب إن عليا عليه السلام رأى حية تقصده وهو في مهده، وقد
شدت (3) يداه في حال صغره، فحول نفسه فأخرج يده، وأخذ بيمينه عنقها وغمزها غمزة (4)
حتى أدخل أصابعه فيها وأمسكها حتى ماتت، فلما رأت ذلك امه نادت
(1) مشارق الانوار: 98 و 99. (2) القماط -
بالكسر - خرقة عريضة تلف على الصغير إذا شد في المهد، ونترها أي شقها بالاصابع أو
الاضراس. (3) في المصدر: وهو في المهد وشدت يداه. (4) غمزه: جسه وكبسه باليد. أي
شدها وضغطها.
[275]
واستغاثت، فاجتمع الحشم ثم قالت: كأنك
حيدرة. حيدرة: اللبوة إذا غضبت من قبل أذى أولادها. جابر الجعفي قال: كان ظئرة علي
عليه السلام التي أرضعته امرأة من بني هلال خلفته في خبائها مع أخ له من الرضاعة،
وكان أكبر منه سنا بسنة، وكان عند الخباء قليب، فمر الصبي نحو القليب ونكس رأسه
فيه، فتعلق بفرد قدميه وفرد يديه أما اليد ففي فمه وأما الرجل ففي يديه، فجاءت امه
فأدركته، فنادت في الحي: يا للحي من غلام ميمون أمسك علي ولدي، فمسكوا الطفل من رأس
القليب وهم يعجبون من قوته وفظنته، فسمته امه مباركا، وكان الغلام من بني هلال (1)
يعرف بمعلق ميمون، وولده إلى اليوم. وكان أبو طالب يجمع ولده وولد إخوته ثم يأمرهم
بالصراع - وذلك خلق في العرب - فكان علي عليه السلام يحسر عن ذراعيه وهو طفل ويصارع
كبار إخوته وصغارهم وكبار بني عمه وصغارهم فيصرعهم، فيقول أبوه: ظهر علي، فسماه
ظهيرا، فلما ترعرع عليه السلام كان يصارع الرجل الشديد فيصرعه، ويعلق بالجبار بيده
ويجذبه فيقتله، وربما قبض على مراق بطنه ورفعه إلى الهواء، وربما يلحق الحصان
الجاري فيصدمه فيرده على عقبيه (2). بيان: الجبار: العظيم القوي الطويل. والمراق
بتشديد القاف: مارق من أسفل البطن ولان، ولا واحد له، وميمه زائدة، والحصان ككتاب:
الفرس الذكر. 2 - قب: وكان عليه السلام يأخذ من رأس الجبل حجرا ويحمله بفرد يده، ثم
يضعه بين يدي الناس، فلا يقدر الرجل والرجلان والثلاثة على تحريكه، حتى قال أبو جهل
فيه: يا أهل مكة إن الذبح عندكم * هذا علي الذي قد جل في النظر -
(1) كذا في (ك). وفي غيره من النسخ وكذا
المصدر: وكان الغلام في بنى هلال اه. (2) مناقب آل ابى طالب 1: 439 و 440.
[276]
ما إن له مشبه في الناس قاطبة * كأنه
النار ترمي الخلق بالشرر - كونوا على حذر منه فإن له * يوما سيظهره في البدو والحضر
وإنه عليه السلام لم يمسك بذراع رجل قط إلا مسك بنفسه فلم يستطع يتنفس. ومنه ما ظهر
بعد النبي صلى الله عليه وآله، قطع الاميال وحملها إلى الطريق سبعة عشر ميلا (1)
تحتاج إلى أقوياء، حتى تحرك ميلا منها قطعها وحده، ونقلها ونصبها وكتب عليها: هذا
ميل علي، ويقال له: إنه (2) كان يتأبط باثنين ويدير واحدا برجله. وكان منه في ضرب
يده في الاسطوانة حتى دخل إبهامه في الحجر، وهو باق في الكوفة، وكذلك مشهد الكف في
تكريت والموصل وقطيعة الدقيق وغير ذلك. ومنه أثر سيفه في صخرة جبل ثور عند غار
النبي صلى الله عليه وآله، وأثر رمحه في جبل من جبال البادية وفي صخرة عند قلعة
جعبر (3). بيان: قال الفيروز آبادي: جعبر: رجل من بني نمير تنسب إليه قلعة جعبر
لاستيلائه عليها (4). 3 - قب: ومنه ختم الحصا قال ابن عباس: صاحب الحصاة ثلاثة: ام
سليم وارثة الكتب طبع في حصاتها النبي والوصي عليهما السلام، ثم ام الندى حبابة بنت
جعفر الوالبية الاسدية، ثم ام غانم الاعرابية اليمانية، وختم في حصاتهما أمير
المؤمنين عليه السلام. وذلك مثل ما رويتم أن سليمان عليه السلام كان يختم على
النحاس للشياطين وعلى الحديد للجن، فكان كل من رأى برقه أطاعه. أبو سعيد الخدري
وجابر الانصاري وعبد الله بن عباس في خبر طويل أنه قال خالد بن الوليد: آتي الاصلع
- يعني عليا عليه السلام - عند منصرفي من قتال أهل
(1) الميل: منار يبنى للمسافر في أنشاز
الارض يهتدى به ويدرك المسافة. (2) في المصدر: ويقال انه كان اه. (3) مناقب آل ابى
طالب 1: 440 و 441. (4) القاموس 1: 391.
[277]
الردة في عسكري وهو في أرض له، وقد ازدحم
الكلام في حلقه كهمهمة الاسد و قعقعة الرعد، فقال لي: ويلك أكنت فاعلا ؟ فقلت: أجل،
فاحمرت عيناه وقال: يا ابن اللخناء أمثلك يقدم على مثلي أو يجسر أن يدير اسمي في
لهواته ؟ - في كلام له - ثم قال: فنكسني والله عن فرسي (1) ولا يمكنني الامتناع
منه، فجعل يسوقني إلى رحى للحارث بن كلدة، ثم عمد إلى قطب الرحى - الحديد الغليظ
الذي عليه مدار الرحى - فمده بكلتي يديه ولواه في عنقي كما يتفتل الاديم، وأصحابي
كأنهم نظروا إلى ملك الموت، فأقسمت عليه بحق الله ورسوله، فاستحيا وخلى سبيلي.
قالوا: فدعا أبو بكر جماعة الحدادين فقالوا: إن فتح هذا القطب لا يمكننا إلا أن
نحميه بالنار، فبقي في ذلك أياما والناس يضحكون منه، فقيل: إن عليا عليه السلام جاء
من سفره، فأتى به أبو بكر إلى علي عليه السلام يشفع إليه في فكه، فقال علي عليه
السلام: إنه لما رأى تكاثف جنوده وكثرة جموعه أراد أن يضع مني في موضعي فوضعت منه
عند من خطر بباله وهمت به نفسه، ثم قال: وأما الحديد الذي في عنقه فلعله لا يمكنني
في هذا الوقت فكه، فنهضوا بأجمعهم فأقسموا عليه، فقبض على رأس الحديد من القطب فجعل
يفتل منه يمنة (2) شبرا شبرا فيرمي به، وهذا كقوله تعالى: " وألنا له الحديد أن
اعمل سابغات وقدر في السرد (3) ". ابن عباس وسفيان بن عيينة والحسن بن صالح ووكيع
بن الجراح وعبيدة ابن يعقوب الاسدي وفي حديث غيرهم: لا يفعل خالد ما أمرته (4). وفي
حديث أبي ذر: إن أمير المؤمنين عليه السلام أخذ بإصبعه السبابة والوسطى فعصره عصرة،
فصاح خالد صيحة منكرة وأحدث في ثيابه ! وجعل يضرب برجليه. وفي رواية عمار: فجعل
يقمص قماص البكر، فإذا له رغاء، وأساغ ببوله في المسجد ! وروي في كتاب
(1) في (ك): من فرسى. (2) في المصدر "
يمينه ". وفي هامش (خ) و (ت): بيمينه شيئا شيئا خ ل. (3) سورة سبا: 11. (4) كذا في
النسخ والمصدر.
[278]
البلاذري أن أمير المؤمنين عليه السلام
أخذه بإصبعه (1) السبابة والوسطي في حلقه وشاله بهما وهو كالبعير عظما، فضرب به
الارض، فدق عصعصه وأحدث مكانه (2) !. بيان: قماص البكر بالضم والكسر: هو أن يرفع
يديه ويطرحهما معا و يعجن برجليه. 4 - قب: أهل السير عن حبيب بن الجهم وأبي سعيد
التميمي، والنطنزي في الخصائص، والاعثم في الفتوح والطبري في كتاب الولاية بإسناد
له عن محمد بن القاسم الهمداني، وأبو عبد الله البرقي عن شيوخه عن جماعة من أصحاب
علي عليه السلام أنه نزل أمير المؤمنين عليه السلام بالعسكر عند وقعة صفين عند قرية
صندوديا (3)، فقال مالك الاشتر: ينزل الناس على غير ماء، فقال: يا مالك إن الله
سيسقينا في هذا المكان، احتفر أنت وأصحابك، فاحتفروا فإذا هم بصخرة سوداء عظيمة
فيها حلقة لجين (4)، فعجزوا عن قلعها وهم مائة رجل، فرفع أمير المؤمنين عليه السلام
يده إلى السماء وهو يقول: " طاب طاب يا عالم يا طيبو ثابوثة شميا كويا جانوثا
توديثا برجوثا آمين آمين يا رب العالمين يا رب موسى وهارون " ثم اجتذبها فرماها عن
العين أربعين ذراعا، فظهر ماء أعذب من الشهد وأبرد من الثلج وأصفى من الياقوت
فشربنا وسقينا. ثم رد الصخرة وأمرنا أن نحثو عليها التراب، فلما سرنا غير بعيد قال:
من منكم يعرف موضع العين ؟ قلنا: كلنا، فرجعنا فخفي مكانها علينا فإذا راهب مستقبل
من صومعته، فلما بصر به أمير المؤمنين عليه السلام قال: شمعون ؟ قال: نعم هذا اسم
(5) سمتي به امي، ما اطلع عليه إلا الله ثم أنت، قال: وما
(1) في المصدر: باصبعيه. (2) مناقب آل ابى
طالب 1: 441 و 442. والعصعص - بضم العينين وفتحهما -: عظم الذنب. (3) قال في
المراصد (2: 853): صند وداء قرية كانت في غربي الفرات فوق الانبار خربت، وبها مشهد
لعلى بن ابى طالب عليه السلام. (4) اللجين - مصغرا ولا مكبر له -: الفضة. (5) في
المصدر: هذا اسمى.
[279]
تشاء يا شمعون ؟ قال: هذا العين واسمه،
قال: هذا عين زاحوما " وفي نسخة: راجوه " وهو من الجنة، شرب (1) منها ثلاث مائة
وثلاثة عشر وصيا وأنا آخر الوصيين شربت منه، قال: هكذا وجدت في جميع كتب الانجيل،
وهذا الدير بني على [طلب] قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها، ولم يدركه عالم
قبلي غيري وقد رزقنيه الله وأسلم. وفي رواية: أنه جب شعيب، ثم رحل أمير المؤمنين
عليه السلام والراهب يقدمه حتى نزل صفين، فلما التقى الصفان كان أول من أصابته
الشهادة فنزل أمير المؤمنين عليه السلام وعيناه تهملان وهو يقول: المرء مع من أحب،
الراهب معنا يوم القيامة. وفي رواية عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا أبو محمد (2)،
حدثنا أبو عوانة عن الاعمش، عن أبي سعيد التيمي (3) قال: فسرنا فعطشنا، فقال بعض
القوم: لو رجعنا فشربنا قال: فرجع اناس وكنت فيمن رجع، قال: فالتمسنا فلم نقدر على
شئ، فأتينا الراهب قال: فقلنا أين العين التي ههنا ؟ قال: أية عين ؟ قلنا: التي
شربنا منها واستقينا وسقينا فالتمسناها، فلما قلنا (4) قال الراهب: لا يستخرجها إلا
نبي أو وصي. ومنه قلع باب خيبر، روى أحمد بن حنبل عن مشيخته عن جابر الانصاري أن
النبي صلى الله عليه وآله دفع الراية إلى علي عليه السلام في يوم خيبر بعد أن دعا
له، فجعل يسرع السير وأصحابه يقولون له: ارقع (5)، حتى انتهى إلى الحصن فاجتذب بابه
فألقاه على الارض، ثم اجتمع منا سبعون رجلا وكان جهدهم أن أعادوا الباب. أبو عبد
الله الحافظ بإسناده إلى أبي رافع: فلما دنا علي من القموص أقبلوا
(1) في (ك): اشرب. (2) كذا في (ك) وفي
غيره من النسخ " ابو محمد الشيبان " وفي المصدر: الشيباني. (3) في المصدر: التميمي.
(4) في المصدر: فلما قدرنا. (5) في المصدر: ارفق.
[280]
يرمونه بالنبل والحجارة، فحمل حتى دنا من
الباب، فاقتلعه ثم رمى خلف ظهره أربعين ذراعا، ولقد تكلف حمله أربعون رجلا فما
أطاقوه. أبو القاسم محفوظ البستي في كتاب الدرجات أن حمل بعد قتل مرحب عليهم
فانهزموا إلى الحصن، فتقدم إلى باب الحصن وضبط حلقته وكان وزنها أربعين منا وهز
الباب، فارتعد الحصن بأجمعه حتى ظنوا زلزلة، ثم هزه اخرى فقلعه، و دحا به في الهواء
أربعين ذراعا. أبو سعيد الخدري: وهز حصن خيبر حتى قالت صفية: قد كنت جلست على طاق
كما تجلس العروس، فوقعت على وجهي، فظننت الزلزلة، فقيل: هذا علي هز الحصن يريد أن
يقلع الباب. وفي حديث أبان عن زرارة عن الباقر عليه السلام: فاجتذ به اجتذابا وتترس
به، ثم حمله على ظهره واقتحم الحصن اقتحاما واقتحمت المسلمون والباب على ظهره. وفي
الارشاد: قال جابر: إن عليا عليه السلام حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه
ففتحوها، وإنهم جربوه بعد ذلك فلم يحملوه أربعون رجلا، رواه أبو الحسن الوراق
المعروف بغلام المصري عن ابن جرير الطبري التاريخي. وفي رواية جماعة: خمسون رجلا.
وفي رواية أحمد بن حنبل: سبعون رجلا. ابن جرير الطبري صاحب المسترشد أنه حمله
بشماله - وهو أربعة أذرع في خمسة أشبار في أربع أصابع عمقا حجرا أصلد - دون يمينه،
فأثرت فيه أصابعه، و حمله بغير مقبض، ثم تترس به، فضارب الاقران حتى هجم عليهم، ثم
زجه من ورائه أربعين ذراعا. وفي رامش أفزاي: (1) كان طول الباب ثمانية عشر ذراعا،
وعرض الخندق عشرون، فوضع جانبا على طرف الخندق وضبط جانبا بيده حتى عبر عليه العسكر
وكانوا ثمانية ألف وسبع مائة رجل وفيهم من كان يبرد (2) ويخف عليه.
(1) اسم كتاب. (2) كذا في النسخ وفي
المصدر: يتردد.
[281]
أبو عبد الله الجذلي (1) قال له عمر: لقد
حملت منه ثقلا، فقال ما كان إلا مثل جنتي التي في يدي. وفي رواية أبان: فوالله ما
لقي علي من البأس تحت الباب أشد ما لقي من قلع الباب. الارشاد: لما انصرفوا من
الحصون أخذه علي بيمناه، فدحا به أذرعا من الارض، وكان الباب يغلقه عشرون رجلا
منهم. علي بن الجعد، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن ابن عباس في خبر طويل وكان لا
يقدر على فتحه إلا أربعون رجلا. تاريخ الطبري قال أبو رافع: سقط من شماله ترسه،
فقلع بعض أبوابه وتترس بها، فلما فرغ عجز خلق كثير عن تحريكها. روض الجنان قال بعض
الصحابة: ما عجبنا يارسول الله من قوته في حمله و رميه وإتراسه، وإنما عجبنا من
إجساره وإحدى طرفيه على يده ! فقال النبي صلى الله عليه وآله كلاما معناه ؟ يا هذا
نظرت إلى يده فانظر إلى رجليه، قال: فنظرت إلى رجليه فوجدتهما معلقين ! فقلت: هذا
أعجب رجلاه على الهواء ! فقال صلى الله عليه وآله: ليستا على الهواء وإنما هما على
جناحي جبرئيل، فأنشأ بعض الانصار يقول: إن امرءا حمل الرتاج بخيبر * يوم اليهود
بقدرة لمؤيد - حمل الرتاج رتاج باب قموصها * والمسلمون وأهل خيبر شهد - فرمى به
ولقد تكلف رده * سبعون كلهم له متسدد - ردوه بعد تكلف ومشقة * ومقال بعضهم لبعض
ازدد (2) بيان: رقع كمنع أسرع. وقموص: جبل بخيبر عليه حصن أبي الحقيق اليهودي.
والزج: الرمي. 5 - عم: روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن الناس قالوا له: قد أنكرنا
(1) في (ك): أبو عبد الله الجدل. (2)
مناقب آل أبى طالب 1: 442 - 445.
[282]
من أمير المؤمنين أنه يخرج في البرد في
الثوبين الخفيفين (1) وفي الصيف في الثوب الثقيل والمحشو، فهل سمعت أباك يذكر أنه
سمع من أمير المؤمنين في ذلك شيئا ؟ قال: لا، قال: وكان أبي يسمر مع علي (2) بالليل
فسألته قال: فسأله عن ذلك فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس قد أنكروا، وأخبره بالذي
قالوا، قال: أو ما كنت معنا بخيبر ؟ قال: بلى، قال: فإن رسول الله صلى الله عليه
وآله بعث أبا بكر وعقد له لواء، فرجع وقد انهزم هو وأصحابه، ثم عقد لعمر فرجع
منهزما بالناس، (3) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده لاعطين
الراية رجلا يحب الله ورسوله (4)، ليس بفرار، يفتح الله على يديه، فأرسل إلي وأنا
أرمد، فتفل في عيني وقال: اللهم اكفه أذى الحر والبرد، فما وجدت حرا (5) بعده ولا
بردا. وفي رواية اخرى: فنفث في عيني فما اشتكيتها بعد، وهز لي الراية (6) فدفعها
إلي، فانطلقت ففتح لي، ودعا لي أن لا يضرني حر ولا قر، وروى حبيب بن أبي ثابت عن
أبي الجعد مولى سويد ابن غفلة عن سويد بن غفلة قال: لقينا عليا في ثوبين في شدة
الشتاء، فقلنا له: لا تغتر (7) بأرضنا هذه فإنها أرض مقرة ليست مثل أرضك، قال: أما
إني قد كنت مقرورا (8) فلما بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى خيبر قلت له:
إني أرمد، فتفل في عيني ودعا لي، فما وجدت بردا ولا حرا بعد، ولا رمدت عيناي (9).
(1) في المصدر: بالبرد في ثوبين خفيفين.
(2) في المصدر: مع أمير المؤمنين. (3) في المصدر: مع الناس. (4) في المصدر بعد ذلك:
ويحبه الله ورسوله. (5) في المصدر: بعده حرا. (6) في المصدر: فما أشتكيها بعد وهز
الراية. (7) في المصدر: لا تغر. (8) أي كنت سريع التأثر من القر. (9) اعلام الورى
187 و 188.
[283]
114 (باب) * (معجزات كلامه من اخباره
بالغائبات، وعلمه باللغات، وبلاغته) * * (وفصاحته صلوات الله عليه) * 1 - يج: روى
جابر الجعفي عن الباقر عليه السلام قال: خرج علي عليه السلام بأصحابه إلى ظهر
الكوفة، قال (1): أرأيتم إن قلت لكم: لا تذهب الايام حتى يحفر ههنا نهر يجري فيه
الماء أكنتم مصدقي فيما قلت ؟ قالوا: يا أمير المؤمنين ويكون هذا ؟ قال: إي والله،
لكأني أنظر إلى نهر في هذا الموضع وقد جرى فيه الماء والسفن (2) وانتفع به، فكان
كما قال (3). 2 - شا: قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو متوجه إلى قتل الخوارج
(4): لولا أني أخاف أن تتكلموا (5) وتتركوا العمل لاخبرتكم بما قضاه الله على لسان
نبيه - عليه وآله السلام - فيمن قاتل هؤلاء القوم مستبصرا بضلالتهم، وإن فيهم لرجلا
يقال له (6) ذو الثدية، له ثدي كثدي المرأة، وهم شر الخلق والخليقة، وقاتلهم أقرب
الخلق إلى الله (7) وسيلة، ولم يكن المخدج معروفا في القوم، فلما قتلوا جعل عليه
السلام يطلبه في القتلى ويقول: والله ما كذبت ولا كذبت، حتى وجد في القوم
(1) في المصدر: وقال. (2) في المصدر:
واستمر. (3) الخرائج والجرائح: 122. (4) في المصدر: إلى قتال الخوارج. (5) في
المصدر: أن تتكلوا. (6) في المصدر: لرجلا موذون اليد يقال له اه. (7) كذا في (ك).
وفي غيره من النسخ وكذا المصدر: أقرب خلق الله إلى الله اه.
[284]
وشق قميصه وكان على كتفه سلعة (1) كثدي
المرأة، عليها شعرات إذا جذبت انجذبت كتفه معها، وإذا تركت رجع كتفه إلى موضعه،
فلما وجده كبر وقال: إن في هذا عبرة لمن استبصر (2). 3 - شا: روى أصحاب السيرة في
حديثهم عن جندب بن عبد الله الازدي قال: شهدت مع علي عليه السلام الجمل وصفين، لا
أشك في قتال من قاتله، حتى نزلت النهروان، فداخلني شك في قتال القوم وقلت: قراؤنا
وخيارنا نقتلهم ! إن هذا الامر عظيم، فخرجت غدوة أمشي ومعي إداوة (3) ماء، حتى برزت
من الصفوف فركزت رمحي ووضعت ترسي إليه، واستترت من الشمس فإني لجالس حتى ورد علي
أمير المؤمنين عليه السلام فقال (4): يا أخا الازد أمعك طهور ؟ قلت: نعم، فناولته
الاداوة، فمضى حتى لم أره، ثم أقبل وقد تطهر، فجلس في ظل الترس، فإذا فارس يسأل
عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين هذا فارس يريدك، قال: فأشر إليه، فإشرت إليه فجاء
فقال: يا أمير المؤمنين قد عبر القوم [إليهم] وقد قطعوا النهر، فقال: كلاما عبروا،
فقال: بلى والله لقد فعلوا، قال: كلا ما فعلوا، قال: وإنه كذلك إذ جاء آخر فقال: يا
أمير المؤمنين عبروا (5) القوم، قال: كلا ما عبروا، قال: والله ما جئتك حتى رأيت
الرايات في ذلك الجانب والاثقال، قال: والله ما فعلوا وإنه لمصر عهم ومهراق دمائهم،
ثم نهض ونهضت معه، وقلت في نفسي: الحمد لله الذي بصرني هذا الرجل وعرفني أمره هذا
أحد الرجلين إما رجل كذاب جري، أو على بينة من ربه وعهد من نبيه، اللهم إني اعطيك
عهدا تسألني عنه يوم القيامة إن أنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أول من يقاتله
وأول من يطعن بالرمح في
(1) السلعة: خراج في البدن أو زيادة فيه
كالغدة بين الجلد واللحم. (2) الارشاد: 150. (3) الاداوة: اناء صغير من جلد. (4) في
المصدر: فقال لى. (5) في المصدر: قد عبروا.
[285]
عينه، وإن كان القوم لم يعبروا أن أئتم
(1) على المناجزة والقتال، فدفعنا إلى الصفوف فوجدنا الرايات والاثقال كما هو (2)،
قال: فأخذ بقفاي (3) ودفعني ثم قال: يا أخا الازد أتبين لك الامر ؟ قلت: أجل يا
أمير المؤمنين، فقال: شأنك بعدوك، فقتلت رجلا من القوم ثم قتلت آخر، ثم اختلفت أنا
ورجل آخر أضربه ويضربني فوقعنا جميعا، فاحتملني أصحابي وأفقت وقد فرغ من القوم (4).
4 - شا: قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا أيها الناس إني دعوتكم إلى الحق فتوليتم
عني، وضربتكم بالدرة فأعييتموني، أما إنه سيليكم من بعدي ولاة لا يرضون منكم بهذا
حتى يعذبوكم بالسياط والحديد، إنه من عذب الناس في الدنيا عذبه الله في الآخرة،
وآية ذلك أن يأتيكم صاحب اليمن حتى يحل بين أظهركم، فيأخذ العمال وعمال العمال رجل
يقال له يوسف بن عمر، وكان الامر في ذلك كما قال عليه السلام (5). 5 - شا: روى عبد
العزيز بن صهيب عن أبي العالية قال: حدثني مزرع بن عبد الله قال: سمعت أمير
المؤمنين عليه السلام يقول (6): ليقبلن جيش حتى إذا كان بالبيداء خسف بهم، فقلت له:
إنك لتحدثني بالغيب، قال: احفظ ما أقول لك والله ليكونن ما أخبرني به أمير
المؤمنين، وليؤخذن رجل فليقتلن (7) وليصلبن بين شرفتين من شرف هذا المسجد، قلت: إنك
لتحدثني بالغيب، قال: حدثني الثقة المأمون علي بن أبي طالب عليه السلام، قال أبو
العالية: فما أتت علينا
(1) في المصدر و (ت): أن اقيم. (2) في
المصدر: كما هي. (3) في المصدر: بقفائي. (4) الارشاد: 150 و 151. (5) الارشاد 152.
(6) في المصدر: يقول أم والله اه. (7) في (ك): فيقتلن.
[286]
جمعة حتى اخذ مزرع فقتل وصلب بين
الشرفتين، قال: وقد كان حدثني بثالثة فسيتها (1). 6 - شا: روى عثمان بن قيس (2)
العامري، عن جابر بن الحر، عن جويرية بن مسهر العبدي قال: لما توجهنا مع أمير
المؤمنين عليه السلام، إلى صفين فلبغنا طفوف (3) كربلاء وقف ناحية من المعسكر، ثم
نظر يمينا وشمالا واستعبر ثم قال: هذا والله مناخ ركابهم وموضع منيتهم، فقيل له: يا
أمير المؤمنين ماهذا الموضع ؟ فقال هذا كربلاء يقتل فيه قوم يدخلون الجنة بغير
حساب، ثم سار وكان الناس لا يعرفون تأويل ما قال حتى كان من أمر الحسين بن علي -
صلوات الله عليهما - وأصحابه بالطف ما كان (4). 7 - ل: ابن مسرور، عن ابن عامر، عن
المعلى، عن بسطام بن مرة، عن إسحاق بن حسان، عن الهيثم بن واقد، عن علي بن الحسن
العبدي، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة قال [قال]: أمرنا أمير المؤمنين عليه
السلام بالمسير إلى المدائن من الكوفة، فسرنا يوم الاحد وتخلف عمرو بن حريث في سبعة
نفر، فخرجوا إلى مكان بالحيرة يسمى الخورنق، فقالوا: نتنزه، فإذا كان يوم الاربعاء
خرجنا فلحقنا عليا عليه السلام قبل أن يجتمع (5) فبينماهم يتغدون إذ خرج عليهم ضب
فصادوه فأخذه عمرو بن حريث فنصب كفه وقال: بايعوا ! هذا أمير المؤمنين، فبايعه
السبعة وعمرو ثامنهم، فارتحلوا ليلة الاربعاء، فقدموا المدائن يوم الجمعة وأمير
المؤمنين عليه السلام يخطب، ولم يفارق بعضهم بعضا، فكانوا جميعا حتى نزلوا على باب
المسجد فلما دخلوا نظر إليهم أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أيها الناس إن
رسول الله إسر
(1) الارشاد: 154. (2) في المصدر: عثمان
بن عيسى. (3) جمع الطف: ما أشرف من الارض. الجانب. الشاطئ. فناء الدار. سفح الجبل.
(4) الارشاد: 156 و 157. (5) في المصدر و (خ): قبل أن يجمع.
[287]
إلي ألف حديث لكل (1) حديث ألف باب، لكل
باب ألف مفتاح، وإني سمعت الله جل جلاله يقول: " يوم ندعو كل اناس بإمامهم (2) "
وإني اقسم لكم بالله ليبعثن يوم القيامة ثمانية نفر يدعون بإمامهم وهو ضب، ولو شئت
أن اسميهم لفعلت، قال: فلقد رأيت عمرو بن حريث قد سقط كما يسقط السعفة حياء ولوما
(جبنا وفرقا خ ل) (3) ير: الحسين بن محمد عن المعلى مثله (4). يج: عن ابن نباتة
مثله (5). 8 - قب: إسحاق بن حسان بإسناده عن الاصبغ مثله، وفيه: فبايعه الثمانية ثم
أفلتوه وارتحلوا، وقالوا: إن علي بن أبي طالب عليه السلام يزعم أنه يعلم الغيب فقد
خلعناه وبايعنا مكانه ضبا، فقدموا المدائن (6). 9 - ن: بالاسانيد الثلاثة عن الرضا
عن آبائه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أنه قال: كأني بالقصور قد شيدت حول قبر
الحسين، كأني بالمحامل تخرج من الكوفة إلى قبر الحسين، ولا تذهب الليالي والايام
حتى يسار إليه من الآفاق، وذلك عند انقطاع ملك بني مروان (7). 10 - ير: إبراهيم بن
هاشم، عن عثمان بن عيسى، عن داود القطان، عن إبراهيم رفعه إلى أمير المؤمنين عليه
السلام قال: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه المال إلى المدائن إلى شيعة (8)، فقال رجل
من أصحابه في نفسه: لآتين أمير المؤمنين ولاقولن له: أنا أذهب به، فهو يثق بي، فإذا
أنا أخذته أخذت طريق الكرخة ! فقال: يا
(1) في المصدر و (خ) و (م): في كل. (2)
سورة بني اسرائيل: 71. (3) الخصال 2: 174 و 175. والسعفة - بالفتحات -. جريد النخل.
(4) بصائر الدرجات: 87. (5) الخرائج والجرائح: 120 و 121. (6) مناقب آل أبى طالب 1:
420 و 421. (7) عيون الاخبار: 212. (8) كذا في (ك). وفي غيره من النسخ " إلى الشيعة
". وفي المصدر: إلى شيعتي خ ل.
[288]
أمير المؤمنين أنا أذهب بهذا المال إلى
المدائن، قال: فرفع إلي رأسه ثم قال: إليك عني حتى تأخذ طريق الكرخة (1). قب:
إبراهيم بن عمر رفعه إليه مثله (2). 11 - ير: أحمد بن محمد، عن عمرو بن عبد العزيز،
عن بكار بن كردم، عن أبي عبد الله عليه السلام أن جويرية بن عمر العبدي خاصمه رجل
في فرس انثى فادعيا جميعا الفرس، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لو احد (3) منكما
البينة ؟ فقالا: لا، فقال لجويرية: أعطه الفرس، فقال له: يا أمير المؤمنين عليه
السلام بلا بينة ؟ فقال له: والله لانا أعلم بك منك بنفسك، أتنسى صنيعك بالجاهلية
الجهلاء ؟ فأخبره بذلك (4). 12 - ختص، ير: عبد الله بن محمد، عن ابن محبوب (5) عن
أبي حمزة، عن سويد ابن غفلة قال: أنا عند (6) أمير المؤمنين إذ أتاه رجل فقال: يا
أمير المؤمنين جئتك من وادي القرى وقد مات خالد بن عرفطة، فقال له أمير المؤمنين
عليه السلام: إنه لم يمت، فأعادها عليه، فقال له علي عليه السلام: لم يمت والذي
نفسي بيده لا يموت، فأعادها عليه الثالثة فقال: سبحان الله اخبرك أنه مات وتقول لم
يمت، فقال له علي عليه السلام: لم يمت والذي نفسي بيده، لا يموت حتى يقود جيش
ضلالة، يحمل رايته حبيب بن جماز، قال: فسمع بذلك حبيب فأتى أمير المؤمنين عليه
السلام فقال له: اناشدك في وإني لك شيعة، وقد ذكرتني بأمر لا والله ما أعرفه من
نفسي، فقال له
(1) بصائر الدرجات: 65. وفيه وفى غير (ك)
من النسخ " خذ طريق الكرخة ". وفي هوامش النسخ " المكرجة خ ل في الموضعين ". (2)
مناقب آل أبى طالب 1: 418. (3) في المصدر: الواحد. (4) بصائر الدرجات: 67. (5) في
الاختصاص: احمد وعبد الله ابنا محمد بن عيسى، ومحمد بن الحسين بن أبى الخطاب عن ابن
محبوب. (6) في الاختصاص: قال كنت عند اه.
[289]
علي عليه السلام: إن كنت حبيب بن جماز
لتحملنها (1)، فولى حبيب بن جماز وقال: إن كنت جبيب بن جماز لتحملنها، قال أبو
حمزة: فوالله ما مات حتى بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي عليهما السلام وجعل خالد
بن عرفطة على مقدمته وحبيب صاحب رايته (2). أقول: رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج
البلاغة من كتاب الغارات لابن هلال الثقفي عن ابن محبوب عن الثمالي عن ابن غفلة
(3). 13 - ى: عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن محمد بن إسحاق الكرخي، عن عمه محمد بن
عبد الله بن جابر الكرخي - وكان رجلا خيرا كاتبا كان لاسحاق بن عمار ثم تاب من ذلك
- عن إبراهيم الكرخي قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال: يا إبراهيم أين
تنزل من الكرخ ؟ قلت: من موضع (4) يقال له شادروان، قال: فقال لي: تعرف قطفتا (5)
قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام حين أتى أهل النهروان نزل قطفتا فاجتمع إليه أهل
بادرويا (6)، فشكوا إليه ثقل خراجهم وكلموه بالنبطية، وأن لهم جيرانا أوسع أرضا
وأقل خراجا، فأجابهم بالنبطية " رعرو رضا (7) من
(1) في البصائر و (خ) و (م): فتحملهنها
وفي الاختصاص: فلا يحملها غيرك - أو فتحملنها -. (2) الاختصاص: 280 بصائر الدرجات:
85. والمتن موافق له. وبين المصدرين اختلافات يسيرة. وتوجد الرواية في اعلام الورى:
177 والارشاد: 155 و 156 (3) شرح النهج 1: 253. (4) كذا في (ك) وفي غيره من النسخ
وكذا المصدر: في موضع (5) قال في المراصد (3: 1107): قطفتا - بالفتح ثم الضم والفاء
ساكنة وتاء مثناة من فوق والقصر - محلة كبيرة ذات اسواق بالجانب الغربي من بغداد،
مجاورة لمقبرة الدير التى بها قبر معروف الكرخي، بينها وبين دجلة اقل من ميل، وهى
مشرفة على نهر عيسى، وتتصل العمارة منها إلى دجلة. (6) وقال فيه أيضا (1: 149):
بادوريا - بالواو والراء وياء وألف - طسوج من كورة الاستان بالجانب الغربي من
بغداد، وهو اليوم محسوب من كورة نهر عيسى. (7) كذا في (ك). وفي غيره من النسخ وكذا
المصدر: ورظا.
[290]
عوديا " قال: فمعناه: رب رجز صغير خير من
رجز كبير (1). بيان: يمكن أن يكون المراد بالرجز النوع المعروف من الشعر وإنما ذكره
عليه السلام على سبيل المثل، ويحتمل أن يكون في الاصل الجرز بضمتين، وهي أرض لا
نبات بها، أو الجزر بالتحريك أي الشاة السمينة فيكون أيضا مثلا. 14 - ختص، ير:
إبراهيم بن هاشم، عن عمرو بن عثمان، عن إبراهيم بن أيوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر،
عن أبي جعفر عليه السلام قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة إذ
جاءت امرأة تستعدي على زوجها، فقضى لزوجها عليها فغضبت فقالت: والله ما الحق فيما
قضيت وما تقضي بالسوية، ولا تعدل في الرعية ولا قضيتك عند الله بالمرضية، فنظر
إليها مليا ثم قال لها: كذبت يا جريئة يا بذية أيا سلسع - إي التي لا تحبل من حيث
تحبل النساء - قال (2): فولت المرأة هاربة تولول وتقول: ويلي ويلي لقد هتكت يا ابن
أبى طالب سترا (3) كان مستورا، قال: فلحقها عمرو بن حريث فقال لها: يا أمة الله لقد
استقبلت عليا بكلام سررتني (4) ثم إنه نزغك بكلمة (5) فوليت عنه هاربة تولولين،
قالت: إن عليا عليه السلام والله أخبرني بالحق وبما أكتمه من زوجي مند ولي عصمتي
ومن أبوي، فرجع عمرو إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأخبره بما قالت له المرأة،
وقال له فيما يقول: ما نعرفك بالكهانة قال له يا عمرو: ويلك إنها ليست بالكهانة (6)
ولكن الله خلق الارواح قبل الابدان بألفي عام، فلما ركب الارواح في أبدانها كتب بين
أعينهم مؤمن أم كافر، وماهم به مبتلون، وماهم عليه من شر أعمالهم وحسنهم (7) في قدر
اذن الفأرة، ثم أنزل بذلك
(1) بصائر الدرجات: 96. (2) في الاختصاص:
يا سلفع يا سلقلقية يا التى لا تحمل من حيث تحمل النساء. (3) في البصائر: سرا (4)
في البصائر: سررتينى. (5) نزغه بكلمة أي نخسه وطعن فيه. (6) في البصائر: بالكهانة
شئ. وفي الاختصاص: بالكهانة منى. (7) في البصائر: من سيئ اعمالهم وحسنه. وفي
الاختصاص: من سيئ عملهم وحسنه.
[291]
قرآنا على نبيه فقال: " إن في ذلك لآيات
للمتوسمين (1) " وكان رسول الله هو المتوسم ثم أنا من بعده والائمة من ذريتي من
بعدي هم المتوسمون، فلما تأملتها عرفت ماهي عليها بسيماها (2). ير: عبد الله بن
سليمان، عن محمد بن سليمان، عن هارون بن الجهم، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه
السلام مثله (3). 15 - ختص، ير: الحسين بن علي الدينوري، عن محمد بن الحسين، عن
إبراهيم بن غياث، عن عمرو بن ثابت، عن ابن أبي حبيب، عن الحارث الاعور قال: كنت ذات
يوم مع أمير المؤمنين عليه السلام في مجلس القضاء إذ أقبلت امرأة مستعدية على
زوجها، فتكلمت بحجتها، فتلكم (4) الزوج بحجته، فوجب (5) القضاء عليها، فغضبت غضبا
شديدا ثم قالت: والله يا أمير المؤمنين لقد حكمت علي بالجور، وما بهذا أمرك الله
تعالى ! فقال لها: يا سلفع يا ميع يا قردع بل حكمت عليك بالحق الذي علمته، فلما
سمعت منه (6) هذا الكلام ولت هاربة ولم ترد عليه جوابا، فأتبعها عمرو بن حريث فقال
لها: والله يا أمة الله لقد سمعت منك اليوم عجبا، وسمعت أمير المؤمنين قال لك قولا
فقمت من عنده هاربة ما رددت عليه حرفا (7) فأخبرني عافاك الله ما الذي قال لك حتى
لم تقدري أن تردي عليه حرفا ؟ قالت: يا عبد الله لقد أخبرني بأمر ما يطلع (8) عليه
إلا الله تبارك وتعالى وأنا، وما قمت من عنده إلا مخافة
(1) سورة الحجر: 75. (2) الاختصاص: 302.
بصائر الدرجات: 102 و 103. والرواية منقولة منه. ويوجد مثلها في الخرائج: 121. (3)
بصائر الدرجات: 103. وفيه: عباد بن سليمان. (4) في الاختصاص: وتكلم. (5) في
الاختصاص: فوجه. (6) في البصائر: عنه. وفي الاختصاص: فلما سمعت منه الكلام. (7) في
الاختصاص: جوابا. (8) في الاختصاص: لم يطلع.
[292]
أن يخبرني بأعظم مما رماني به، فصبر (1)
على واحدة كان أجمل من أن أصبر على واحدة بعدها اخرى (2)، فقال لها عمرو: فأخبرني
عافاك الله ما الذي قال لك ؟ قالت: يا عبد الله إنه قال لي ما أكره (3)، وبعد فإنه
قبيح أن يعلم الرجال (4) ما في النساء من العيوب، فقال لها: والله ما تعرفيني ولا
أعرفك لعلك لا تراني ولا أراك بعد يومي هذا، فقال عمرو: فلما رأتني قد ألححت عليها
قالت: أما قوله لي: " يا سلفع " فوالله ما كذب علي إني لا أحيض من حيث تحيض النساء،
وأما قوله: " يا مهيع " فإني والله صاحبة النساء وما أنا بصاحبة الرجال، وأما قوله:
" يا قردع " فإني المخربة بيت زوجي وما ابقي عليه فقال لها: ويحك ما علمه بهذا ؟
أتراه ساحرا أو كاهنا أو مخدوما أخبرك بما فيك ؟ وهذا علم كبير (5)، فقالت له: بئس
ما قلت له يا عبد الله، ليس هو بساحر ولا كاهن ولا مخدوم، ولكنه من أهل بيت النبوة
وهو وصي رسول الله ووارثه، وهو يخبر الناس بما ألقى إليه رسول الله صلى الله عليه
وآله ولكنه (6) حجة الله على هذا الخلق بعد نبينا (7). قال: وأقبل عمرو بن حريث إلى
مجلسه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا عمرو بما استحللت أن ترميني بما
رميتني به ؟ قال (8): أما والله لقد كانت المرأة أحسن قولا في منك، ولاقفن أنا وأنت
من الله موقفا، فانظر كيف تخلص (9) من الله، فقال: يا أمير المؤمنين أنا تائب إلى
الله وإليك مما كان، فاغفر لي غفر الله لك، فقال: لا
(1) في (خ) و (م) وكذا البصائر " فصبرت ".
وفي الاختصاص: فصبري. (2) في الاختصاص: على واحدة بعد واحدة. (3) في الاختصاص: انى
لا اقول ذلك لانه قال ما في وما أكره. (4) في البصائر: الرجل. (5) في المصدرين: علم
كثير. (6) في الاختصاص: بما القى إليه رسول الله وعلمه، لانه، اه. (7) في
الاختصاص: بعد نبيه. (8) ليست كلمة " قال " في الاختصاص. (9) في الاختصاص: تتخلص.
[293]
والله لا أغفر لك هذا الذنب أبدا حتى أقف
أنا وأنت بين يدي من لا يظلمك شيئا (1) بيان: قد أوردنا مثله في باب أنهم
المتوسمون، وباب علمه عليه السلام، ولم أر السلفع والسلسع والمهيع والقردع بتلك
المعاني التي وردت في هذه الاخبار، بل بعضها لم يرد بمعنى اصلا، ولعلها كانت من
لغاتهم المولدة، ويحتمل تصحيف الرواة أيضا، وفي رواية الراوندي في الخرائج "
السلقلق " مكان " السلفع " وفي القاموس: السلقان: التي تحيض من دبرها (2). 16 -
ختص، ير: أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن غير واحد منهم بكار بن كردم (3)
وعيسى بن سليمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعناه وهو يقول: جاءت امرأة
شنيعة إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو على المنبر وقد قتل أباها وأخاها، فقالت:
هذا قاتل الاحبة فنظر إليها (4) فقال لها: يا سلفع يا جريئة يا بذية يا مذكرة (5)،
يا التي لا تحيض كما تحيض النساء، يا التي على هنها شئ بين مدلى قال: فمضت وتبعها
عمرو بن حريث لعنه الله - وكان عثمانيا - فقال لها: أيتها المرأة ما يزال يسمعنا
ابن أبي طالب العجائب فما ندري حقها من باطلها، وهذه داري فادخلي فإن لي امهات
أولاد حتى ينظرن حقا أم باطلا، وأهب لك شيئا، قال: فدخلت، فأمر امهات أولاده فنظرن،
فإذا شئ على ركبها مدلى، فقالت: يا ويلها اطلع منها علي بن أبي طالب عليه السلام
على شئ لم يطلع عليه إلا امي أو قابلتي، قال: فوهب لها عمرو بن حريث لعنه الله شيئا
(6).
(1) الاختصاص: 305 و 306. بصائر الدرجات:
104 و 105. (2) القاموس 3: 246. (3) في الاختصاص: عن رجل عن غير واحد من أصحابنا
منهم اه وفي البصائر: عن غير واحد منهم عن بكار بن كردم. (4) في الاختصاص: فنظر
إليها أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا سلفع اه. (5) ليست هذه الكلمة في
البصائر. وفي الاختصاص: يا منكرة. (6) الاختصاص: 303 و 304. بصائر الدرجات: 104.
[294]
يج: عنه عليه السلام مثله (1). أقول: رواه
ابن أبي الحديد من كتاب الغارات عن محمد بن جبلة الخياط عن عكرمة عن يزيد الاحمسي،
وفيه " يا سلقلق ويا جلعة " ثم قال ابن أبي الحديد: السلقلق: السليط، وأصله من
السلق، وهو الذئب. والجلعة: البذية اللسان. والركب: منبت العانة (2). 17 - ختص، ير:
عباد بن سليمان، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن سعد الخفاف، عن
أبي جعفر عليه السلام قال: بينا أمير المؤمنين يوما جالس في المسجد وأصحابه حوله
فأتاه رجل من شيعته، فقال: يا أمير المؤمنين إن الله يعلم أني أدينه بحبك في السر
كما أدينه بحبك في العلانية، وأتولاك في السر كما أتولاك في العلانية فقال أمير
المؤمنين عليه السلام: صدقت أما فاتخذ للفقر جلبابا فإن الفقر أسرع إلى شيعتنا من
السيل إلى قرار الوادي، قال: فولى الرجل وهو يبكي فرحا لقول أمير المؤمنين عليه
السلام " صدقت. قال رجل من الخوارج يحدث صاحبا (3) له قريبا من أمير المؤمنين عليه
السلام فقال أحدهما لصاحبه: تالله إن رأيت كاليوم قط، إنه أتاه رجل فقال له: صدقت،
فقال له الآخر: أنا ما أنكرت من ذلك، لم يحد بدا من أن إذا قيل له: " احبك " أن
يقول له: " صدقت " (4) تعلم أني أنا احبه (5) قال: لا، قال: فأنا أقوم فأقول له مثل
مقالة الرجل فيرد علي مثل مارد عليه، قال (6): فقام الرجل فقال له مثل مقالة الاول،
فنظر إلى مليا ثم قال له: كذبت لا والله ما تحبني ولا
(1) الخرائج والجرائح: 121. (2) شرح النهج
1: 254. (3) في الاختصاص: قال وكان هناك رجل من الخوارج وصاحبا له اه. (4) في
الاختصاص: ما انكرت ذلك، أتجد بدا من أن إذا قيل له " انى احبك " أن يقول: " صدقت "
؟. (5) كذا في النسخ. وفي البصائر: تعلم أنى لاحبه ؟ وفي الاختصاص: أتعلم أنى أحبه.
(6) في المصدرين: قال نعم فقام الرجل.
[295]
احبك، قال: فبكى الخارجي فقال: يا أمير
المؤمنين لتستقبلني بهذا ولقد (1) علم الله خلافه، ابسط يديك (2) ابايعك، قال: على
ماذا ؟ قال: على ما عمل أبو بكر وعمر (3) ! قال: فمد يده وقال له: اصفق لعن الله
الاثنين، والله لكأني بك قد قتلت على ضلال ووطئت وجهك دواب العراق، فلا تغرنك قوتك
(4)، قال: فلم يلبث أن خرج عليه أهل النهروان وخرج الرجل معهم فقتل (5). 18 - يج:
روي عن أبي جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: مر علي عليه السلام بكربلاء فقال لما
مر به أصحابه وقد اغرورقت عيناه يبكي ويقول: هذا مناخ ركابهم، وهذا ملقى رحالهم،
ههنا مراق دمائهم، طوبى لك من تربة عليها تراق دماء الاحبة. وقال الباقر عليه
السلام: خرج علي يسير بالناس حتى إذا كان بكربلاء على ميلين أو ميل تقدم بين أيديهم
حتى طاف بمكان يقال لها المقدفان (6)، فقال: قتل فيها مائتا نبي ومائتا سبط كلهم
شهداء، ومناخ ركاب ومصارع عشاق شهداء، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من بعدهم
(7). 19 - يج: روي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: جمع أمير المؤمنين
عليه السلام بنيه - وهم اثنا عشر ذكرا - فقال لهم: إن الله أحب أن يجعل في سنة من
يعقوب إذ جمع بنيه - وهم اثنا عشر ذكرا - فقال لهم: إني اوصي إلى يوسف فاسمعوا
(1) في المصدرين: تستقبلني بهذا وقد اه.
(2) في الاختصاص: يدك. (3) في المصدرين: قال على ما عمل زريق وحبتر. (4) في
الاختصاص: ولا يعرفك قومك. (5) الاختصاص: 312. بصائر الدرجات: 114. وفيه: وخرج
الرجيم. (6) في (خ): المقدفات. (7) هذه الرواية وما يليها إلى الرواية السادس
والثلاثين المنقولة من الخرائج لا توجد في المطبوع منه، وقد أشرنا سابقا إلى
الاختلافات الموجودة بين النسخ المطبوعة والمخطوطة من هذا الكتاب وأن الخطوطة منه
تزيد على المطبوعة بكثير.
[296]
له وأطيعوا، وأنا اوصي إلى الحسن والحسين
فاسمعوا لهما وأطيعوا، فقال له عبد الله ابنه، دون محمد بن علي ؟ - يعني محمد بن
الحنفية - فقال له: أجرأة علي في حياتي ؟ كأني بك قد وجدت مذبوحا في فسطاطك لا يدرى
من قتلك، فلما كان في زمان المختار أتاه فقال: لست هناك، فعضب فذهب إلى مصعب بن
الزبير وهو بالبصرة فقال: ولني قتال أهل الكوفة، فكان على مقدمة مصعب، فالتقوا
بحروراء، فلما حجر الليل بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحا في فسطاطه لا يدرى من قتله.
20 - يج: روي عن عبد الحميد الاودي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن جبير
الخابور كان صاحب بيت مال معاوية وكانت له ام عجوز بالكوفة كبيرة، فقال لمعاوية: إن
لي اما بالكوفة عجزوا اشتقت إليها، فائذن لي حتى آتيها فأقضي من حقها علي، فقال
معاوية: ما تصنع بالكوفة فإن فيها رجلا ساحرا كاهنا يقال له علي بن أبي طالب، وما
آمن أن يفتنك، فقال جبير: مالي ولعلي وإنما آتي امي وأزورها وأقضي من حقها ما يجب
علي، فقال معاوية: ما تصنع بالكوفة ؟ فأذن له فقدم جبير الخابور فقال عليه السلام
له: أما إنك كنز من كنوز الله زعم لك معاوية أني كاهن ساحر، قال: إي والله قال ذلك
معاوية، ثم قال: ومعك مال قد دفنت بعضه في عين التمر، قال: صدقت يا أمير المؤمنين
لقد كان كذلك ؟ قال علي: يا حسن ضمه إليك فأنزله وأحسن إليه، فلما كان من الغد دعاه
ثم قال لاصحابه: إن هذا يكون في جبل الاهواز (1) في أربعة آلاف مدججين في السلاح،
فيكونون معه حتى يقوم قائمنا أهل البيت فيقاتل معه. بيان: رجل مدجج ومدجج (2) أي
شاك في السلاح، وإنما أخبره عليه السلام بما يكون منه في الرجعة. 21 - يج: روي عن
أبي ظبية قال: جمع علي عليه السلام العرفاء ثم أشرف عليهم فقال: افعلوا كذلك،
قالوا: لا نفعل، قال عليه السلام: أما والله ليستعملن عليكم اليهود
(1) فءي (خ): في جبل لاهواز. (2) بالجيمين
المعجمتين.
[297]
والمجوس ثم لاتمتعون، فكان ذلك كذلك. 22 -
يج: روي عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال: أراد قوم بناء مسجد بساحل عدن،
فكلما بنوه سقط، فأتوا أبا بكر فقال: استأنفوا من البناء وافعلوا ففعلوا وأحكموا
فسقط، فعادوا، فخطب الناس وناشدهم: إن كان لواحد منكم به علم فليقل، فقال علي عليه
السلام: احفروا في ميمنة القبلة وميسرتها فإنه يظهر لكم قبران عليهما كوبة، مكتوب
عليها " أنا رضوى واختي حيا ابنتا تبع، لا نشرك بالله شيئا " فاغسلوهما وكفنوهما
وصلوا عليهما وادفنوهما، ثم ابنوا مسجدكم فإنه يقوم بناؤه، ففعلوا فكان كذا فقام
البناء. نجم: من كتاب الدلائل للحميري بإسناده إلى أبي بصير مثله (1). 13 - يج: روي
أن عليا عليه السلام قال يوما: لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه بمال إلى المدائن إلى
شيعتي، فقال رجل في نفسه: لآتينه ولاقولن: أنا أذهب بالمال فهو يثق بي، فإذا أنا
أخذته أخذت طريق الشام إلى معاوية، فجاء إلى علي عليه السلام فقال: أنا أذهب
بالمال، فرفع رأسه فقال: إليك عني تأخذ طريق الشام إلى معاوية ؟. 24 - يج: روى داود
العطار قال: قال رجل: سألني رجل عن خاصة أمير المؤمنين عليه السلام فقال لي: انطلق
حتى نسلم على أمير المؤمنين عليه السلام قال و: كنت لا احب ذلك، فلم يزل بي حتى
أتيت معه فسلمنا عليه، فرفع أمير المؤمنين عليه السلام الدرة فضرب بها ساقي، فنزوت
فقال: أترى أنك مكرة ؟ إنك ميسرة ثم ذهبت، فقيل لي: صنع بك أمير المؤمنين ما لم
يصنع إلى أحد، قال: إني كنت مملوكا لآل فلان وكان اسمي ميسرة، ففارقتهم وادعيت إلى
من لست أنا منه فسماني أمير المؤمنين باسمي. 25 - يج: روى معاوية بن جرير الحضرمي
قال: عرض الخيل (2) على علي
(1) فرج المهموم في تأريخ علماء النجوم:
223. (2) الخيل تستعمل على المجاز للفرسان وركاب الخيل.
[298]
عليه السلام، فجاء ابن ملجم إليه فسأله عن
اسمه ونسبه، فانتهى إلى غير أبيه، قال: كذبت، حتى انتهى إلى أبيه قال: صدقت. 26 -
يج: روي عن أبي الصيرفي عن رجل من مراد قال: كنت واقفا على رأس أمير المؤمنين عليه
السلام يوم البصرة إذ أتاه ابن عباس بعد القتال، فقال: إن لي حاجة، فقال عليه
السلام: ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها، تطلب الامان لابن الحكم ؟ قال: نعم اريد
أن تؤمنه، قال: آمنته ولكن اذهب وجئني به، ولا تجئني به إلا رديفا فإنه أدل له،
فجاء به ابن عباس ردفا خلفه كأنه قرد، قال أمير المؤمنين عليه السلام: أتبايع ؟
قال: نعم وفي النفس ما فيها، قال: الله أعلم بما في القلوب فلما بسط يده ليبايعه
أخذ كفه عن كف مروان فنترها فقال: لا حاجة لي فيها إنها كف يهودية، لو بايعني بيده
عشرين مرة لنكث باسته، ثم قال: هيه يا ابن الحكم خفت على رأسك أن تقع في هذه
المعمعة، كلا والله حتى يخرج من صلبك فلان وفلان يسومون هذه الامة خسفا ويسقونه
كأسا مصبرة. بيان: قال الجزري: النتر: جذب فيه قوة وجفوة (1). وقال: هيه بمعنى ايه،
فأبدل من الهمزة هاء، وايه اسم سمي به الفعل ومعناه الامر، تقول للرجل: " ايه "
بغير تنوين إذا استزدته من الحديث المعهود بينكما، فإن نونت استزدته من حديث ما غير
معهود (2). وقال: المعمعة: شدة الحرب والجد في القتال (3). 27 - يج: عن مينا قال:
سمع علي عليه السلام ضوضاء في عسكره، فقال: ما هذا ؟ قالوا: هلك معاوية، قال: كلا
والذي نفسي بيده لن يهلك حتى تجتمع عليه هذه الامة، قالوا: فبم تقاتله ؟ قال: ألتمس
العذر فيما بيني وبين الله تعالى. قب: عبد الرزاق عن أبيه عن مينا مثله (4).
(1) النهاية 4: 124. (2) النهاية 4: 262.
(3) النهاية 4: 100. (4) مناقب آل ابى طالب 1: 418 و 419.
[299]
28 - يج: من معجزاته صلوات الله عليه أن
الاشعث بن قيس استأذن على علي عليه السلام فرده قنبرا (1) فأدمى أنفه، فخرج علي
عليه السلام فقال: مالي ولك يا أشعث ؟ أما والله لو بعبد ثقيف تمرست (2) لا قشعرت
شعيرات استك، قال: ومن غلام ثقيف ؟ قال: غلام يليهم (3) لا يبقي من العرب إلا
أدخلهم الذل، قال: كم يلي ؟ قال: عشرين إن بلغها، قال الراوي: فولى الحجاج سنة خمس
وسبعين ومات سنة تسعين. بيان: قال الجزري: فيه " إن من اقتراب الساعة أن يتمرس
الرجل بدينه كما يتمرس البعير بالشجرة " أي يتلعب بدينه ويعبث به كما يعبث البعير
بالشجرة ويتحكك بها، والتمرس، شدة الالتواء (4). أقول: في سنة خمس وسبعين ولى عبد
الملك الحجاج على العراق، لكن في سنة ثلاث وسبعين ولاه الجيش لقتال عبد الله بن
الزبير، وكان واليا على العراق إلى سنة خمس وتسعين، فكانت ولايته تمام العشرين كما
ذكره عليه السلام فلعل الخمس سقط من النساخ، ولعل قوله عليه السلام: " إن بلغها "
للتبهيم لئلا يغتر الملعون بذلك أو لنقص أشهر عن العشرين. 29 - يج ومنها ما انتشرت
به الآثار عنه عليه السلام من قوله قبل قتاله الفرق الثلاثة بعد بيعته " امرت بقتال
الناكثين والقاسطين والمارقين " يعني الجمل و صفين والنهروان فقاتلهم، وكان الامر
فيما خبر به على ما قال: وقال عليه السلام لطلحة والزبير حين استأذناه في الخروج
إلى العمرة: لا والله ما تريدان العمرة ولكن تريدان البصرة، فكان كما قال. وقال
عليه السلام لابن عباس وهو يخبره به عن استيذانهما في العمرة: إني أذنت لهما مع
علمي بما انطويا عليه من الغدر، فاستظهرت بالله عليهما، وإن الله سيرد كيدهما
ويظفرني بهما، وكان كما قال.
(1) كذا في (ك): وفي غيره من النسخ "
فتبرأ " وكلاهما سهو والصحيح " فرده قنبر " (2) كذا في جميع النسخ. (3) كذا في (ك)
وفي غيره النسخ: بينهم. (4) النهاية 4: 89.
[300]
وقال بذي قار وهو جالس لاخذ البيعة:
يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلا، ولا ينقصون رجلا، يبايعوني على
الموت، قال ابن عباس: فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم من العدد أو يزيدوا عليه
فيفسدوا الامر علينا، وإني احصي القوم فاستوفيت عددهم تسع مائة رجل وتسعة وتسعين
رجلا، ثم انقطع مجئ القوم فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا حمله على ما قال ؟
فبينما أنا مفكر في ذلك إذا رأيت شخصا قد أقبل حتى دنا، وهو رجل عليه قباء صوف ومعه
سيف وترس و إداوة، فقرب من أمير المؤمنين عليه السلام فقال: امدد يديك لابايعك، قال
علي عليه السلام: وعلى ما تبايعني ؟ قال: على السمع والطاعة والقتال بين يديك أو
يفتح الله عليك فقال: ما اسمك ؟ قال: اويس القرني، قال: نعم الله أكبر فإنه أخبرني
حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله أني ادرك رجلا من امته يقال له اويس القرني،
يكون من حزب الله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، قال ابن عباس:
فسري عنا. 30 - يج: روي أن يهوديا قال لعلي عليه السلام: إن محمدا صلى الله عليه
وآله قال: إن في كل رمانة حبة من الجنة، وأنا كسرت واحدة وأكلتها كلها، فقال عليه
السلام: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وضرب يده على لحيته فوقعت حبة رمان
فتناولها عليه السلام وأكلها، وقال: لم يأكلها الكافر والحمد لله. 31 - يج: من
معجزاته صلوات الله عليه ما تواترت به الروايات من نعيه نفسه قبل موته، وأنه يخرج
من الدنيا شهيدا من قوله: والله ليخضبنها من فوقها - فأومأ إلى شيبته - ما يحبس
أشقاها أن يخضبها بدم. وقوله عليه السلام: أتاكم شهر رمضان وفيه تدور رحى السلطان
(1) ألا وإنكم حاجو العام صفا واحدا، وآية ذلك أني لست فيكم. وكان يفطر في هذا
الشهر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر زوج زينب بنته
لاجلها لا يزيد على ثلاث لقم، فقيل له في ذلك، فقال: يأتيني أمر الله وأنا خميص،
إنما هي ليلة أو ليلتان، فاصيب من الليل. وقد توجه إلى المسجد في الليلة التي ضربه
(1) الشيطان ظ كما يأتي في الحديث المتمم
للاربعين من المناقب.
[301]
الشقي في آخرها فصاح الاوز في وجهه وطردهن
الناس فقال: دعوهن فإنهن نوائح. ومنها أنه لما بلغه ما صنع بسر بن أرطاة باليمن قال
عليه السلام: اللهم إن بسرا باع دينه بالدنيا فاسلبه عقله. فبقي بسر حتى اختلط،
فاتخذ له سيف من خشب يلعب به حتى مات. ومنها ما استفاض عنه عليه السلام من قوله:
إنكم ستعرضون من بعدي على سبي فسبوني، فإن عرض عليكم البراءة مني فلا تتبر ؤوا مني،
وكان كما قال. ومنها قوله عليه السلام لجويرية بن مسهر: لتعتلن إلى العتل الزنيم
وليقطعن يدك ورجلك، ثم ليصلبنك، ثم مضى دهر حتى ولى زياد في أيام معاوية، فقطع يده
ورجله ثم صلبه. بيان: عتله يعتله ويعتله: جره عنيفا فحمله، والعتل بضمتين مشددة
اللام: الاكول المنيع (1) الجافي الغليظ. والزنيم: المستلحق في قوم ليس منهم،
والدعي واللئيم المعروف بلؤمه أو شره. 32 - يج: روي عن ابن مسعود قال: كنت قاعدا
عند أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد رسول اللهصلى الله عليه وآله إذ نادى رجل:
من يدلني على من آخذ منه علما ؟ ومر فقلت: يا هذا هل سمعت قول النبي صلى الله عليه
وآله: أنا مدينة العلم وعلي بابها ؟ فقال: نعم، قلت: وأين تذهب وهذا علي بن أبي
طالب ؟ فانصرف الرجل وجئنا بين يديه فقال عليه السلام: من أي البلاد أنت ؟ قال: من
إصفهان، قال له: اكتب: أملى علي ابن أبي طالب عليه السلام: إن أهل إصفهان لا يكون
فيهم خمس خصال: السخاوة والشجاعة والامانة والغيرة وحبنا أهل البيت، قال: زدني يا
أمير المؤمنين، قال بلسان الاصفهان: " اروت اين وس " أي اليوم حسبك هذا. بيان: كان
أهل إصفهان في ذلك الزمان إلى أول استيلاء الدولة القاهرة الصفوية أدام الله
بركاتهم من أشد النواصب، والحمد لله الذي جعلهم أشد الناس حبا لاهل البيت عليهم
السلام وأطوعهم لامرهم وأوعاهم لعلمهم وأشدهم انتظارا لفرجهم، حتى
(1) هكذا في القاموس والصحيح: الممنوع كما
في غيره من أمهات اللغة. ب.
[302]
أنه لا يكاد يوجد من يتهم بالخلاف في
البلد ولا في شئ من قرائه القريبة أو البعيدة وببركة ذلك تبدلت الخصال الاربع أيضا
فيهم، رزقنا الله وسائر أهل هذه البلاد نصر قائم آل محمد صلى الله عليه وآله
والشهادة تحت لوائه، وحشرنا معهم في الدنيا والآخرة. 33 - يج: روي أن عليا عليه
السلام أتى الحسن البصري يتوضأ في ساقية، فقال: أسبغ طهورك يالفتى، قال: لقد قتلت
بالامس رجالا كانوا سبغون الوضوء، قال: وإنك لحزين عليهم ؟ قال: نعم، قال: فأطال
الله حزنك، قال أيوب السجستاني: فما رأينا الحسن قط إلا حزينا كأنه يرجع عن دفن
حميم أو خربندج ضل حماره فقلت له في ذلك، فقال: عمل في دعوة الرجل الصالح. ولفتى
بالنبطية شيطان وكانت امه سمته بذلك ودعته في صغره، فلم يعرف ذلك أحد حتى دعاه به
علي عليه السلام. بيان: خربندج لعله معرب خربنده أي مكاري الحمار. 34 - يج: روى سعد
بن طريف عن الاصبغ بن نباتة قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا وقف الرجل بين
يديه قال له: يا فلان استعد وأعد لنفسك ما تريد فإنك تمرض في يوم كذا، في شهر كذا،
في ساعة كذا، فيكون كما قال. قال سعد: فقلت هذا الكلام لابي جعفر عليه السلام فقال:
قد كان كذلك، فقلت: لا تخبرنا (1) أنت أيضا فنستعد له ؟ قال: هذا باب أغلق فيه
الجواب علي بن الحسين عليه السلام حتى يقوم قائمنا. 35 - يج: روي أنه لما قعد أبو
بكر بالامر بعث خالد بن الوليد إلى بني حنيفة ليأخذ زكوات أموالهم، فقالوا لخالد:
إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يبعث كل سنة رجلا يأخذ صدقاتنا من الاغنياء من
جملتنا ويفرقها في فقرائنا، فافعل أنت كذلك، فانصرف خالد إلى المدينة فقال لابي
بكر: إنهم منعونا من الزكاة، فبعث معه عسكرا فرجع خالد وأتى بني حنيفة وقتل رئيسهم
وأخذ زوجته ووطئها في
(1) في (خ) و (م): لم لا تخبرنا.
[303]
الحال، وسبى نسوانهم ورجع بهن إلى
المدينة، وكان ذلك الرئيس صديقا لعمر في الجاهلية، فقال عمر لابي بكر: اقتل خالدا
به بعد أن تجلده الحد لما فعل بامرأته، فقال له أبو بكر: إن خالدا ناصرنا تغافل،
وأدخل السبايا في المسجد وفيهن خولة، فجاءت إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله
والتجأت به وبكت وقالت: يا رسول الله أشكو إليك أفعال هؤلاء القوم، سبونا من غير
ذنب ونحن مسلمون، ثم قالت: أيها الناس لم سبيتمونا ونحن نشهد أن لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال أبو بكر: منعتم الزكاة، فقالت:
الامر ليس على ما زعمت إنما كان كذا وكذا، وهب الرجال منعوكم فما بال النسوان
المسلمات يسبين ؟ واختار كل رجل منهم واحدة من السبايا، وجاء طلحة وخالد بن عنان
ورميا بثوبين إلى خولة فأراد كل واحد منهم أن يأخذها من السبي، قالت لا يكون هذا
أبدا، ولا يملكني إلا من خبرني بالكلام الذي قلته ساعة ولدت، قال أبو بكر: قد فزعت
(1) من القوم وكانت لم تر مثل ذلك قبله، فتلكم بمالا تحصيل له، فقالت: والله إني
صادقة: إذ جاء علي بن أبي طالب عليه السلام فوقف ونظر إليهم وإليها وقال عليه
السلام: اصبروا حتى أسألها عن حالها، ثم ناداها يا خولة اسمعي الكلام، ثم قال: لما
كانت امك حاملا بك وضربها الطلق واشتد بها الامر نادت: اللهم سلمني من هذا المولود،
فسبقت تلك الدعوة بالنجاة، فلما وضعتك ناديت من تحتها " لا إله إلا الله محمد رسول
الله صلى الله عليه وآله عما قليل سيملكني سيد سيكون له مني ولد " فكتبت امك ذلك
الكلام في لوح نحاس، فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه، فلما كانت في الليلة التي
قبضت امك فيها وصت إليك بذلك، فلما كان في وقت سبيكم لم يكن لك همة إلا أخذ ذلك
اللوح، فأخذتيه وشددتيه على عضدك الايمن، هاتي اللوح فأنا صاحب اللوح، وأنا أمير
المؤمنين، وأنا أبو ذلك الغلام الميمون، واسمه محمد، قال: فرأيناها وقد استقلبت
القبلة وقالت: اللهم أنت المتفضل المنان، أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي ولم
تعطها لاحد
(1) كذ في (ك). وفي غيره من النسخ: قد
فرغت.
[304]
إلا وأتممتها عليه، اللهم بصاحب هذه
التربة والناطق المنبئ بما هو كائن إلا أتممت فضلك علي، ثم أخرجت اللوح ورمت به
إليه، فأخذه أبو بكر وقرأه عثمان فإنه كان أجود القوم قراءة، وما ازداد ما في اللوح
على ما قال علي عليه السلام ولا نقص فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن، فبعث بها علي
عليه السلام إلى بيت أسماء بنت عميس فلما دخل أخوها تزوج بها وعلق بمحمد وولدته. 36
- يج: روي أن الصحابة قالوا يوما: ليس من حروف المعجم حرف أكثر دورانا في الكلام من
الالف، فنهض أمير المؤمنين عليه السلام وخطب خطبة على البديهة طويلة تشتمل على
الثناء على الله تعالى والصلاة على نبيه محمد وآله وفيها الوعد و الوعيد ووصف الجنة
والنار والمواعظ والزواجر والنصيحة للخلق وغير ذلك وليس فيها ألف، وهي معروفة. 37 -
قب: في حديث ثابت بن الافلج (1) قال: ضلت لي فرس نصف الليل فأتيت باب أمير المؤمنين
عليه السلام فلما وصلت الباب خرج إلي قنبر وقال لي: يا ابن الافلج الحق فرسك فخذه
من عوف بن طلحة السعدي. غريب الحديث والفائق: إن عليا عليه السلام قال: أكثروا
الطواف بهذا البيت فكأني برجل من الحبشة أصلح أصمع (2) جالس عليه وهو يهدم. صاحب
الحلية عن الحارث بن سويد قال: سمعت عليا يقول: حجوا قبل أن لا تحجوا، فكأني أنظر
إلى حبشي أصمع أقرع بيده معول يهدمها حجرا حجرا. النضر بن شميل عن عوف، عن مروان
الاصفر قال: قدم راكب من الشام وعلي عليه السلام بالكوفة، فنعى معاوية، فادخل على
علي عليه السلام فقال له علي عليه السلام: أنت شهدت موته ؟ قال: نعم وحثوت عليه،
قال: إنه كاذب، قيل: وما يدريك يا أمير المؤمنين إنه كاذب ؟ قال: إنه لا يموت حتى
يعمل كذا وكذا - أعمال (3)
(1) كذا في (ك). وفي غيره من النسخ وكذا
المصدر " الافلح " في الموضعين. (2) الاصمع: الذى صغرت اذنه ولزقت بالرأس. (3) في
المصدر: اعمالا. أي ذكر اعمالا عملها معاوية في سلطانه.
[305]
عملها في سلطانه - فقيل له: فلم تقاتله
وأنت تعلم هذا ؟ قال: للحجة (1). يج: عن عوف بن مروان مثله (2). 38 - قب: المحاضرات
عن الراغب أنه قال عليه السلام: لا يموت ابن هند حتى يعلق الصليب في عنقه، وقد رواه
الاحنف بن قيس وابن شهاب الزهري والاعثم الكوفي وأبو حيان التوحيدي وأبو الثلاج في
جماعة، فكان كما قال عليه السلام. عمار [و] ابن عباس إنه لما صعد علي عليه السلام
المنبر قال لنا: قوموا فتخللوا الصفوف ونادوا هل من مكاره (3) فتصارخ الناس من كل
جانب: اللهم قد رضينا وأسلمنا (4) وأطعنا رسولك وابن عمه، فقال: يا عمار قم إلى بيت
المال فأعط الناس ثلاثة دنانير لكل إنسان وادفع (5) لي ثلاثة دنانير، فمضى عمار
وأبو الهيثم مع جماعة من المسلمين إلى بيت المال، ومضى أمير المؤمنين عليه السلام
إلى مسجد قبا يصلي فيه، فوجدوا فيه ثلاثمائة ألف دينار ووجدوا الناس مائة ألف، فقال
عمار: جاء والله الحق من ربكم والله ما علم بالمال ولا بالناس، وإن هذه الآية (6)
وجبت عليكم بها طاعة هذا الرجل فأبى طلحة والزبير وعقيل أن يقبلوها، القصة. ونقلت
المرجئة والناصبة عن أبي الجهم العدوي - وكان معاديا لعلي عليه السلام - قال: خرجت
بكتاب عثمان - والمصريون قد نزلوا بذي خشر (خشب خ ل) - إلى معاوية، وقد طويته طيا
لطيفا وجعلته في قراب (7) سيفي، وقد تنكبت عن الطريق وتوخيت سواد الليل حتى كنت
بجانب الجرف إذا رجل على حمار مستقبلي ومعه
(1) مناقب آل ابى طالب 1: 418 و 419. (2)
لم نجده في المصدر المطبوع. (3) في المصدر: هل من كاره. (4) وسلمنا خ ل. (5) في
المصدر و (خ) و (ت): وارفع. (6) في المصدر: لاية. (7) بكسر القاف: الغمد.
[306]
رجلان يمشيان أمامه، فإذا هو علي بن أبي
طالب عليه السلام قد أتى من ناحية البدو فأثبتني ولم اثبته حتى سمعت كلامه، فقال:
أين تريد يا صخر ؟ قلت: البدو فأدفع (1) الصحابة، قال: فما هذا الذي في قراب سيفك ؟
قلت: لا تدع مزاحك أبدا، ثم جزته (2). الاصبغ قال: صلينا مع أمير المؤمنين عليه
السلام الغداة، فإذا رجل عليه ثياب السفر قد أقبل، فقال: من أين ؟ قال: من الشام،
قال ما اقدمك ؟ قال: لي حاجة، قال: أخبرني وإلا أخبرتك بقضيتك، قال: أخبرني بها يا
أمير المؤمنين، قال: نادى معاوية يوم كذا، وكذا من شهر كذا وكذا، من سنة كذا وكذا:
من يقتل عليا فله عشرة آلاف دينار، فوثب فلان وقال: أنا، قال: أنت، فلما انصرف إلى
منزله ندم وقال: أسير إلى ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي ولديه فأقتله ؟
! ثم نادى مناديه اليوم الثاني: من يقتل عليا فله عشرون ألف دينار، فوثب آخر فقال:
أنا فقال: أنت، ثم إنه ندم واستقال معاوية فأقاله، ثم نادى مناديه اليوم الثالث: من
يقتل عليا فله ثلاثون ألف دينار، فوثبت أنت - وأنت رجل من حمير - قال: صدقت قال:
فما رأيك ؟ تمضي إلى ما امرت به أو ماذا ؟ قال: لا ولكن أنصرف، قال: يا قنبر أصلح
له راحلته وهيئ له زاده وأعطه نفقته (3). وروي عن الحسن بن علي عليه السلام في خبر
أن الاشعث بن القيس الكندي بني في داره مئذنة، فكان يرقى إليها إذا سمع الاذان في
أوقات الصلاة في مسجد جامع الكوفة فيصيح من أعلى مئذنته: يا رجل إنك لكذاب (4)
ساحر، وكان أبي يسميه عنق النار - وفي رواية عرف النار - فيسأل (5) عن ذلك فقال: إن
الاشعث إذا حضرته
(1) كذا في (ك): وفي غيره من النسخ وكذا
المصدر: فأدع. (2) مناقب آل ابى طالب 1: 419. (3) مناقب آل ابى طالب 1: 420. (4) في
المصدر: لكاذب. (5) في هامش (خ): فسئل.
[307]
الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدوة ة من
السماء فتحرقه، فلا يدفن إلا وهو فحمة سوداء، فلما توفي نظر سائر من حضر إلى النار
وقد دخلت عليه كالعنق الممدود حتى أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور (1). بيان:
المئذنة بالكسر: موضع الاذان والمنارة والصومعة. 39 - قب: ابن بطة في الابانة وأبو
داود في السنن عن أبي مخلد في خبر أنه قال عليه السلام في الخوارج مخاطبا لاصحابه:
والله لا يقتل منكم عشرة ولا ينفلت منهم عشرة - وفي رواية: ولا ينفلت منهم عشرة ولا
يهلك منا عشرة - فقتل من أصحابه تسعة وانفلت منهم تسعة، اثنان إلى سجستان، واثنان
إلى عمان، واثنان إلى بلاد الجزيرة، واثنان إلى اليمن، وواحد إلى تل موزن، والخوارج
في هذه (2) المواضع منهم. وقال الاعثم: المقتولون من أصحاب أمير المؤمنين عليه
السلام رويبة بن وبر العجلي وسعد بن خالد السبيعي، وعبد الله بن حماد الارحبي،
والفياض بن خليل الازدي وكيسوم بن سلمة الجهني، وعبيد بن عبيد الخولاني، وجميع بن
حشم (3) الكندي وضب بن عاصم الاسدي. قال أبو الجوائز الكاتب: حدثنا علي بن عثمان
قال: حدثني المظفر بن الحسن الواسطي السلال قال: حدثني الحسن بن ذكردان - وكان ابن
ثلاثمائة و خمس وعشرين سنة - قال: رأيت عليا عليه السلام في النوم وأنا في بلدي،
فخرجت إليه إلى المدينة فأسلمت على يده وسماني الحسن، وسمعت منه أحاديث كثيرة وشهدت
معه مشاهده كلها، فقلت له يوما من الايام: يا أمير المؤمنين ادع الله لي، فقال: يا
فارسي إنك ستعمر وتحمل إلى مدينة يبنيها رجل من بني عمي العباس، تسمى في ذلك الزمان
بغداد، ولا تصل إليها، تموت بموضع يقال له المدائن، فكان كما قال
(1) مناقب آل ابى طالب 1: 422. (2) في
المصدر: من هذه المواضع. (3) في المصدر: جشم خ ل.
[308]
عليه السلام ليلة دخل المدائن مات. مسعدة
بن اليسع عن الصادق عليه السلام في خبر أن أمير المؤمنين عليه السلام مر بأرض بغداد
فقال: ما تدعى هذه الارض ؟ قالوا: بغداد، قال: نعم تبنى ههنا مدينة، و ذكر وصفها
ويقال: إنه وقع من يده سوط فسأل عن أرضها، فقالوا: بغداد، فأخبر أنه يبنى ثم مسجد
يقال له مسجد السوط (1). زاذان عن سلمان الفارسي في خبر طويل أن جاثليقا جاء في نفر
من النصارى إلى أبي بكر وسأله مسائل عجز عنها أبو بكر، فقال عمر: كف أيها النصراني
عن هذا العنت وإلا أبحنا دمك، فقال الجاثليق: يا هذا اعدل (2) على من جاء مسترشدا
طالبا، دلوني على من أسأله عما أحتاج إليه، فجاء علي عليه السلام واستسأله، فقال
النصراني: أسألك عما سألت عنه هذا الشيخ، خبرني أمؤمن أنت عند الله أم عند نفسك ؟
فقال عليه السلام: أنا مؤمن عند الله كما أنا مؤمن في عقيدتي، قال: خبرني عن منزلتك
في الجنة ما هي ؟ قال: منزلتي مع النبي الامي في الفردوس الاعلى، لا أرتاب بذلك ولا
أشك في الوعد به من ربي، قال: فبماذا عرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها ؟ قال:
بالكتاب المنزل وصدق النبي المرسل، قال: فبما عرفت صدق نبيك ؟ قال: بالآيات
الباهرات والمعجزات البينات، قال: فخبرني عن الله تعالى أين هو ؟ قال: إن الله
تعالى يجل عن الاين ويتعالى عن المكان، كان فيما لم يزل ولا مكان، وهو اليوم كذلك،
ولم يتغير من حال إلى حال، قال: فخبرني عنه تعالى أمدرك بالحواس فيسلك المسترشد في
طلبه الحواس أم كيف طريق المعرفة به إن لم يكن الامر كذلك ؟ قال: تعالى الملك
الجبار أن يوصف بمقدار أو تدركه الحواس أو يقاس بالناس، والطريق إلى معرفته صنائعه
الباهرة للعقول، الدالة لذوي الاعتبار بما هو منها مشهور (3) ومعقول، قال: فخبرني
عما قال نبيكم في المسيح:
(1) مناقب آل ابى طالب 1: 422. (2) في
المصدر: أهذا عدل لا. (3) في المصدر: مشهود.
[309]
إنه (1) مخلوق، فقال: أثبت له الخلق
بالتدبير الذي لزمه، والتصوير والتغيير من حال إلى حال، والزيادة التي لم ينفك (2)
منها والنقصان، ولم أنف عنه النبوة ولا أخرجته من العصمة والكمال والتأييد، قال:
فبما بنت أيها العالم من الرعية (3) الناقصة عنك ؟ قال: بما أخبرتك به من علمي (4)
بما كان وما يكون، قال: فهلم شيئا من ذلك أتحقق به دعواك، قال عليه السلام: خرجت
أيها النصارني من مستقرك مستنكرا لمن قصدت بسؤالك له، مضمرا خلاف ما أظهرت من الطلب
والاسترشاد فاريت في منامك مقامي، وحدثت فيه بكلامي، وحذرت فيه من خلافي، وامرت فيه
باتباعي، قال: صدقت والله وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى
الله عليه وآله وأنك وصي رسول الله وأحق الناس بمقامه، وأسلم الذين كانوا معه. فقال
عمر: الحمدلله الذي هداك أيها الرجل، غير أنه يجب أن تعلم أن علم النبوة في أهل بيت
صاحبها والامر من بعده لمن خاطبته أولا برضى الامة ! قال: قد عرفت ما قلت وأنا على
يقين من أمري (5). الاصبغ بن نباتة قال: أتى رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام
وقال: إني احبك في السر كما احبك في العلانية قال: فنكت أمير المؤمنين بعود كان في
يده في الارض ساعة ثم رفع رأسه فقال: كذبت والله، ثم أتاه رجل آخر فقال: إني احبك
فنكت بعود في الارض طويلا ثم رفع رأسه فقال: صدقت، إن طينتنا طينة مرحومة أخذ الله
ميثاقها يوم أخذ الميثاق، فلا يشذ منها شاذ ولا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة
(6).
(1) في المصدر و (خ): وانه. (2) في
المصدر: لا ينفك. (3) في المصدر: عن الرعية. (4) في المصدر: عن علمي. (5) مناقب آل
ابى طالب 1: 417 و 418. (6) مناقب آل أبي طالب: 1: 419.
[310]
عبد الله بن أبي رافع قال: حضرت أمير
المؤمنين عليه السلام وقد وجه أبا موسى الاشعري فقال له: احكم بكتاب الله ولا
تجاوزه، فلما أدبر قال: كأني به وقد خدع، قلت: يا أمير المؤمنين فلم توجهه وأنت
تعلم أنه مخدوع ؟ فقال يا بني: لو عمل الله في خلقه بعلمه ما احتج عليهم بالرسل.
مسند العشرة عن أحمد بن حنبل أنه قال أبوالوضى غياثا (1): كنا عامدين إلى الكوفة مع
علي بن أبي طالب عليه السلام فلما بلغنا مسيرة ليلتين أو ثلاث من حروراء شذ منا
اناس كثيرة، فذكرنا ذلك لامير المؤمنين عليه السلام فقال: لا يهولنكم أمرهم فإنهم
سيرجعون، فكان كما قال عليه السلام. وقال عليه السلام لطلحة والزبير وقد استأذناه
في الخروج إلى العمرة: والله ما تريدان العمرة وإنما تريدان البصرة، وفي رواية:
إنما تريدان الفتنة. وقال عليه السلام: لقد دخلا بوجه فاجر وخرحا بوجه غادر، ولا
ألقاهما إلا في كتيبة، وأخلق بهما أن يقتلا. وفي رواية أبي الهيثم بن التيهان وعبد
الله بن [أبي] رافع: ولقد انبئت بأمر كما واريت مصارعكما، فانطلقا، وهو يقول وهما
يسمعان: " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ". وقالت صفية بنت الحارث الثقفية زوجة عبد
الله بن خلف الخزاعي لعلي عليه السلام يوم الجمل بعد الوقعة: يا قاتل الاحبة يا
مفرق الجماعة، فقال عليه السلام: إني لا ألومك أن تبغضيني يا صفية، وقد قتلت جدك
يوم بدر وعمك يوم احد وزوجك الآن، ولو كنت قاتل الاحبة لقلت من في هذه البيوت، ففتش
فكان فيها مروان وعبد الله بن الزبير. الاعمش بروايته عن رجل من همدان قال: كنا مع
علي عليه السلام بصفين، فهزم أهل الشام ميمنة العراق، فهتف بهم الاشتر ليتراجعوا،
فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يقول لاهل الشام: يا أبا مسلم خذهم - ثلاث مرات -
فقال الاشتر: أو ليس أبو مسلم معهم ؟ قال: لست اريد الخولاني وإنما اريد رجلا يخرج
في آخر الزمان من
(1) كذا في النسخ والمصدر.
[311]
المشرق ويهلك الله به أهل الشام، ويسلب عن
بني امية ملكهم (1) وفي تاريخ بغداد أنه قال المفيد أبو بكر الجرجاني أنه قال: ولد
أبو الدنيا في أيام أبي بكر، وأنه قال: إني خرجت مع أبي إلى لقاء (2) أمير المؤمنين
عليه السلام فلما صرنا قريبا من الكوفة عطشنا عطشا شديدا، فقلت لوالدي: اجلس حتى
أرودلك (3) الصحراء فلعلي أقدر على ماء، فقصدت إليه فإذا أنا ببئر شبه الركية أو
الوادي، فاغتسلت منه وشربت منه حتى رويت، ثم جئت إلى أبي فقلت: قم فقد فرج الله عنا
وهذه عين ماء قريب منا، ومضينا فلم نر شيئا، فلم يزل يضطرب حتى مات، ودفنته وجئت
إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو خارج إلى صفين، وقد اخرج له البلغة، فجئت وأمسكت
به بالركاب، والتفت إلي فانكببت اقبل الركاب فشجت في وجهي شجة (4) - قال أبو بكر
المفيد: ورأيت الشجة في وجهه واضحة - ثم سألني عن خبري فأخبرته بقصتي (5)، فقال:
عين لم يشرب منها أحد إلا وعمر عمرا طويلا، فابشر فإنك ستعمر، وسماني بالمعمر، وهو
الذي يدعى بالاشج. وذكر الخطيب أنه قدم بغداد في سنة ثلاثمائة بها (6) وكان معه
شيوخ من بلده وسألوا عنه فقالوا: هو مشهور عندنا بطول العمر، وقد بلغني أنه مات في
سنة سبع وعشرين وثلاثمائة ونحو ذلك ذكر شيخنا في الامالي وفاته (7). وقال له عليه
السلام حذيفة بن اليمان في زمن عثمان: إني والله ما فهمت قولك ولا
(1) مناقب آل ابى طالب 1: 421. (2) في
المصدر: للقاء. (3) راد الارض: تفقد ما فيها من المرعى والمياه ليرى هل تصلح للنوزل
فيها. وفي المصدر: أدور. (4) تنبيها منه عليه السلام بأن هذا المقدار من الخضوع
والتذلل لا يجوز لغير الله تعالى وله يسجد من في السماوات والارض ". (5) في المصدر:
بقضيتي خ ل. (6) ليست كلمة " بها " في المصدر. (7) مناقب آل ابى طالب 1: 422 و 423.
[312]
عرفت تأويله حتى بلغت ليلتي أتذكر ما قلت
لي بالحرة وإني مقبل " كيف أنت يا حذيفة إذا ظلمت العيون العين " ؟ والنبي صلى الله
عليه وآله بين أظهرنا ولم أعرف تأويل كلامك إلا البارحة، رأيت عتيقا ثم عمر تقدما
عليك، وأول اسمهما عين فقال يا حذيفة: نسيت عبد الرحمن حيث مال بها إلى عثمان. وفي
رواية: وسيضم إليهم عمرو بن العاص مع معاوية بن آكلة الاكباد، فهؤلاء العيون
المجتمعة على ظلمي. وروى زيد وصعصعة ابنا صوحان والبراء بن سبرة والاصبغ بن نباتة
وجابر ابن شرجيل ومحمود بن الكواء أنه ذكر بدير الديلم من أرض فارس لاسقف قد أتت
عليه عشرون ومائة سنة أن رجلا قد فسر الناقوس - يعنون عليا عليه السلام - فقال:
سيروابي إليه فإني أجده أنزعا بطينا، فلما وافى أمير المؤمنين عليه السلام: قال: قد
عرفت صفته في الانجيل، وأنا أشهد أنه وصي ابن عمه، فقال له أمير المؤمنين عليه
السلام: جئت لتؤمن أزيدك رغبة في إيمانك ؟ قال: نعم، قال عليه السلام: انزع مدرعتك
فاري أصحابك الشامة التي بين كتفيك، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده
ورسوله، و شهق شهقة فمات، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: عاش في الاسلام قليلا
ونعم في جوار الله كثيرا. ابن عباس أنه قال عليه السلام يوم الجمل: لنظهرن على هذه
الفرقة، ولنقتلن هذين الرجلين - وفي رواية: لنفتحن البصرة - وليأتينكم اليوم من
الكوفة ثمانية آلاف رجل وبضع وثلاثون رجلا، فكان كما قال عليه السلام، وفي رواية:
ستة آلاف وخمسة وستون. أصحاب السير عن جندب بن عبد الله الازدي: لما نزل أمير
المؤمنين عليه السلام النهروان فانتهينا إلى عسكر القوم، فإذا لهم دوي كدوي النحل
من قراءة القرآن وفيهم أصحاب البرانس، فلما أن رأيتهم دخلني من ذلك، فتنحيت وقمت
اصلي وأنا أقول: اللهم إن كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فآذن فيه، وإن كان ذلك
معصية فأرني ذلك، فأنا في ذلك إذ أقبل علي عليه السلام فلما حاذاني قال: نعوذ بالله
يا جندب من الشك، ثم نزل يصلي إذ جاءه فارس فقال: يا أمير المؤمنين قد عبر القوم
وقطعوا
[313]
النهر، فقال عليه السلام: كلا ما عبروا،
فجاء آخر فقال: قد عبر القوم، فقال: كلا ما فعلوا، قال: والله ما جئت حتى رأيت
الرايات في ذلك الجانب والاثقال، فقال عليه السلام: والله ما فعلوا، وإنه لمصرعهم
ومهراق دمائهم - وفي رواية: لا يبلغون إلى قصر بورى بنت كسرى - فدفعنا إلى الصفوف
فوجدنا الرايات والاثقال كما هي، قال: فأخذ بقفاي ودفعني ثم قال: يا أخا الازد ما
تبين لك الامر ؟ فقلت: أجل يا أمير المؤمنين. الاصبغ بن نباتة قال: كان أمير
المؤمنين إذا وقف الرجل بين يديه قال: يا فلان استعد وأعد لنفسك ما تريد، فإنك تمرض
في يوم كذا وكذا في شهر كذا و كذا في ساعة كذا وكذا، فيكون كما قال. وكان عليه
السلام قد علم رشيد الهجري من ذلك، فكانوا يلقبونه رشيد البلايا. وأخبر عليه السلام
عن قتل الحسين عليه السلام. فضل بن الزبير عن أبي الحكم عن مشيخته أن أمير المؤمنين
عليه السلام قال: سلوني قبل أن تفقدوني، قال رجل: أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة
شعر، قال عليه السلام: إن على كل طاقة في رأسك ملك يلعنك، وعلى كل طاقة من لحيتك
شيطان يستفزك، وإن في بيتك لسخلا (1) يقتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، وآية
ذلك مصداق ما خبرتك به، ولولا أن الذي سألت يعسر برهانه لاخبرتك به، وكان ابنه عمر
يومئذ جابيا (2)، وكان قتل الحسين عليه السلام على يده. ومستفيض في أهل العلم عن
الاعمش وابن محبوب عن الثمالي والسبيعي كلهم عن سويد بن غفلة وقد ذكره أبو الفرج
الاصفهاني في أخبار الحسن أنه قيل لامير المؤمنين عليه السلام عن خالد بن عرفطة: قد
مات، فقال عليه السلام: إنه لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب
بن جماز (3)، فقام رجل من تحت
(1) السخل من القوم. رذيلهم. (2) هكذا في
(ك). وهو الذي يجمع الخراج. وفي غيره من النسخ " حابى ". وفي المصدر: " حابيا "
ولعله من حبا الولد يحبو أي زحف على يديه وبطنه. (3) في (خ) " حماد " في المواضع.
وفي (ت) " جماذ " وفي المصدر " جماد ".
[314]
المنبر فقال: يا أمير المؤمنين والله إني
لك شيعة، وإني لك لمحب، وأنا حبيب بن جماز، قال: إياك أن تحملها، ولتحملنها فتدخل
بها من هذا الباب - وأومأ بيده إلى باب الفيل - فلما كان من أمر الحسين عليه السلام
ما كان توجه عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى قتاله، وكان خالد بن عرفطة على مقدمته
وحبيب بن جماز صاحب رايته فسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل. أبو حفص عمر بن
محمد الزيات في خبر أن أمير المؤمنين عليه السلام قال للمسيب بن نجية: يأتيكم راكب
الدغيلة يشد حقوها بوضينها، لم يقض تفثا من حج ولا عمرة فيقتلوه، يريد بذلك الحسين
عليه السلام (1). بيان: الدغيلة: الدغل والمكر والفساد، أي يركب مكر القوم ويأتي
لما وعدوه خديعة، ويحتمل أن يكون تصحيف الرعيلة، وهي القطيعة من الخيل القليلة
والوضين: بطان منسوج بعضه على بعض، يشد به الرحل على البعير كالحزام للسرج. وشد
حقوها به كناية عن الاهتمام بالسير والاستعجال فيه، وعدم قضاء التفث إشارة إلى أنه
عليه السلام لم يتيسر له الحج بل أحل وخرج يوم التروية كما سيأتي، وسيأتي هذا الخبر
على وجه (2) آخر في باب علامات ظهور القائم عليه السلام، و فيه " وراكب الذعلبة
مختلط جوفها بوضينها، يخبرهم بخبر يقتلونه، ثم الغضب عند ذلك " والذعلبة بالكسر
(3): الناقة السريعة. 40 - قب: وقال عليه السلام يخاطب أهل الكوفة: كيف أنتم إذا
نزل بكم ذرية نبيكم (4) فعمدتم إليه فقتلتموه ؟ قالوا: معاذ الله لئن أتانا الله في
ذلك لنبلون عذرا فقال عليه السلام: هم أوردوه في الغرور وغررا * أرادوا نجاة لا
نجاة ولا عذر
(1) مناقب آل أبى طالب 1: 425 - 427. (2)
في (خ): عن وجه. (3) بكسر الذال المعجمة وسكون العين المهملة وكسر اللام. (4) في
المصدر: رسولكم.
[315]
إسماعيل بن صبيح عن يحيى بن مساور العابد
عن إسماعيل بن زياد قال: إن عليا عليه السلام قال للبراء بن عازب: يا براء يقتل
ابني الحسين عليه السلام وأنت حي لا تنصره فلما قتل الحسين عليه السلام كان البراء
يقول: صدق والله أمير المؤمنين عليه السلام وجعل يتلهف. مسند الموصلي روى عبد الله
بن يحيى عن أبيه أن أمير المؤمنين عليه السلام لما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين
نادى: اصبر أبا عبد الله بشط الفرات، فقلت: وماذا ؟ فذكر مصرع الحسين عليه السلام
بالطف. جويرية بن مسهر العبدي: لما دخل (1) علي عليه السلام إلى صفين وقف بطفوف
كربلاء ونظر يمينا وشمالا واستعبر، ثم قال: والله ينزلون ههنا، فلم يعرفوا تأويله
إلا وقت قتل الحسين عليه السلام. الشافي في الانساب: قال بعض أصحابه: فطلبت ما اعلم
به الموضع فما وجدت غير عظم جمل قال فرميته في الموضع، فلما قتل الحسين عليه السلام
وجدت العظم في مصارع أصحابه. وأخبر عليه السلام بقتل نفسه، روى الشاذكوني عن حماد،
عن يحيى، عن ابن عتيق، عن ابن سيرين قال: إن كان أحد عرف أجله فعلي بن أبي طالب
عليه السلام. الصادق عليه السلام: إن عليا عليه السلام أمر أن يكتب له من يدخل
الكوفة، فكتب له اناس ورفعت أسماؤهم في صحيفة، فقرأها فلما مر على اسم ابن ملجم وضع
إصبعه على اسمه ثم قال: قاتلك الله قاتلك الله، ولما قيل له، فإذا (2) علمت أنه
يقتلك فلم لا تقتله ؟ فيقول: إن الله تعالى لا يعذب العبد حتى يقع (3) منه المعصية،
وتارة يقول: فمن يقتلني ؟. الاصبغ بن نباتة أنه خطب عليه السلام في الشهر الذي قتل
فيه فقال: أتاكم شهر
(1) في المصدر: رحل. (2) في المصدر: إذا.
(3) في المصدر: تقع.
[316]
رمضان وهو سيد الشهور وأول السنة، وفيه
تدور رحى الشيطان، ألا وإنكم حاجو - العام صفا واحدا، وآية ذلك أني لست فيكم.
الصفواني في الاحن والمحن قال الاصبغ: سمعت عليا عليه السلام قبل أن يقتل بجمعة
يقول: ألا من كان ههنا من بني عبد المطلب فليدن مني، لا تقتلوا غير قاتلي ألا لا
ألفينكم غدا تحيطون الناس بأسيافكم تقولون: قتل أمير المؤمنين. عثمان بن المغيرة
أنه لما دخل شهر رمضان كان عليه السلام يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين
وليلة عند عبد الله بن عباس - والاصح عند عبد الله بن جعفر - فكان لا يزيد على ثلاث
لقم، فقيل له في ذلك فقال: يأتيني أمر ربي وأنا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان فاصيب
في تلك الليلة. وكذلك أخبر عليه السلام بقتل جماعة منهم حجر بن عدي ورشيد الهجري و
كميل بن زياد وميثم التمار ومحمد بن أكتم وخالد بن مسعود وحبيب بن المظاهر و جويرية
وعمرو بن الحمق وقنبر ومزرع وغيرهم، ووصف قاتليهم وكيفية قتلهم على ما يجئ بيانه إن
شاء الله. عبد العزيز وصهيب بن أبي العالية (1) قال: حدثني مزرع بن عبد الله قال:
سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أم (2) والله ليقبلن جيش حتى إذا كان
بالبيداء خسف بهم، فقلت: هذا غيب، قال: والله ليكونن ما خبرني به أمير المؤمنين
وليؤخذن رجل فليقتلن وليصلبن بين شرفتين من شرف هذا المسجد، فقلت: هذا ثاني، قال:
حدثني الثقة المأمون علي بن أبي طالب عليه السلام: قال أبو العالية: فما أنت علينا
جمعة حتى اخذ مزرع وصلب بين الشرفتين. المعرفة والتاريخ عن النسوي قال رزين الفافقي
(3): سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر
بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب
(1) في المصدر: وصهيب عن أبى العالية. (2)
=: أما. (3) في المصدر و (م) و (خ): الغافقي.
[317]
الاخدود، فقتل حجر وأصحابه (1). بيان:
عذراء: موضع على بريد من دمشق، أو قرية بالشام، ذكره الفيروز آبادي (2). 41 - قب:
وذكر عليه السلام من بعده الفتن، خطب عليه السلام بالكوفة لما رأى عجزهم فقال: مع
أي إمام بعدي تقاتلون ؟ وأي دار بعد داركم تمنعون ؟ أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا
وسيفا قاطعا وأثره قبيحة، يتخذها الظالمون عليكم سنة. وقال لاهل الكوفة: أما إنه
سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم مندحق البطن (3)، يأكل ما يجد ويطلب مالا يجيد،
فاقتلوه ولن تقتلوه، ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني، فأما السب فسبوني وأما
البراءة مني (4) فلا تتبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الاسلام والهجرة -
يعني معاوية -. وقال عليه السلام لاهل البصرة: إن كنت قد أديت لكم الامانة ونصحت
لكم بالغيب واتهمتموني فكذبتموني فسلط الله عليكم فتى ثقيف، قالوا: وما فتى ثقيف ؟
قال رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها - يعني الحجاج -. وأخبر عليه السلام بخروج
الترك والزنج، رواه الرضي في نهج البلاغة. وذكر محمود (5) في الفائق قوله عليه
السلام: إن من ورائكم امورا متماحلة ردحا وبلاء مبلحا (6).
(1) مناقب آل أبى طالب 1: 427 - 429. (2)
القاموس 2: 86. (3) أي واسع ابطن. (4) في المصدر: عنى. (5) يعنى محمود بن عمر
الزمخشري. (6) مناقب آل أبى طالب 1: 429. وقال الزمخشري في الفائق (3: 11):
المتماحل: البعيد الممتد والردح - بضم الاول والثانى - جمع رداح. وبفتحهما جمع
رادحة، وهى العظام الثقال التى لا تكاد تبرح. ومبلحا - من بلح - إذا انقطع من
الاعياء وأبلحه السير. انتهى. وفيه: بلاءا مكلحا مبلحا.
[318]
بيان: قال الجزري في النهاية: في حديث علي
عليه السلام: " إن من ورائكم فتنا وبلاء مكلحا مبلحا " أي معييا (1). قال: ومنه
حديث علي عليه السلام: " إن من ورائكم امورا متماحلة ردحا " المتماحلة: المتطاولة،
والردح: الثقيلة العظيمة واحدها راح يعني الفتن (2). 42 - قب: وذكر عليه السلام في
خطبته اللؤلوئية: ألا وإني ظاعن عن قريب، و منطلق للمغيب، فاراهبوا الفتن الاموية،
والمملكة الكسروية. ومنها: فكم من ملاحم وبلاء متراكم تقتل (3) مملكة بني العباس
بالروح واليأس، وتبنى لهم مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل، ثم وصفها ثم قال
فتوالت فيها ملوك بني شيصبان أربعة وعشرون ملكا على عدد سني الكديد، فأولهم السفاح
والمقلاص والجموح والمجروح - وفي رواية المخدوع - (4) والمظفر والمؤنث والنظار
والكبش و المتهور (5) والمستظلم والمستصعب - وفي رواية المستضعف - والعلام والمختطف
و الغلام الزوايدي والمترف والكديد (6) والاكدر - وفي رواية: والاكتب - و الاكلب
والمشرف والوشيم والصلام والعثون - وفي رواية: والركاز - والعينوق، ثم الفتنة
الحمراء والقلادة (7) الغبراء، في عقبها قائم الحق. وقوله عليه السلام في الخطبة
الغراء: ويل لاهل الارض إذا دعي على منابرهم باسم الملتجي والمستكفي، ولم يعرف
الملتجي في ألقابهم، ولكن لما بينا (8) صفتهم
(1) النهاية 1: 92. (2) النهاية 2: 75.
(3) في المصدر: تفتل. (4) في المصدر: المجذوع خ ل. (5) في المصدر: المطهور خ ل. (6)
في المصدر: والكدير خ ل. (7) في المصدر: والعلادة خ ل. (8) في المصدر: تبينا.
[319]
وجدنا الملقب بالمتقي الذي التجأ إلى بني
حمدان، ثم يذكر الرجل من ربيعة الذي قال: في أول اسمه سين وميم، ويعقب برجل في اسمه
دال وقاف. ثم يذكر صفته وصفة ملكه. وقوله عليه السلام: وإن منهم الغلام الاصفر
الساقين اسمه أحمد. وقوله عليه السلام: و ينادي منادي الجرحى على القتلى، ودفن
الرجال، وغلبة الهند على السند، وغلبة القفص على السعير، وغلبة القبط على أطراف
مصر، وغلبة اندلس على أطراف إفريقية، وغلبة الحبشة على اليمن، وغلبة الترك على
خراسان، وغلبة الروم على الشام، وغلبة أهل أرمينية على أرمينية، وصرخ الصارخ
بالعراق: هتك الحجاب وافتضت العذراء وظهر علم اللعين الدجال، ثم ذكر خروج القائم
عليه السلام (1). بيان: قال الفيروز آبادي: قفصة: بلد بطرف إفريقية، وموضع بديار
العرب، والقفص بالضم: جبل بكرمان وقرية بين بغداد وعكبراء (2) والسعير لعله اسم
موضع لم يذكر في اللغة، أو هو تصحيف السعد موضع قرب المدينة وجبل بالحجاز وبلد يعمل
فيه الدروع، وبالضم موضع قرب اليمامة وجبل. والسغد بالغين المعجمة موضع معروف
بسمرقند. 43 - قب: وذكر في خطبته الاقاليم فوصف ما يجري في كل إقليم، ثم وصف ما
يجري بعد كل عشر سنين من موت النبي صلى الله عليه وآله إلى تمام ثلاثمائة وعشر
سنين، من فتح قسطنطينية والصقالبة والاندلس والحبشة والنوبة والترك والكرك ومل وحسل
وتاويل وتاريس والصين وأقاصي مدن الدنيا (3). بيان: الكرك بالفتح: قرية بلحف جبل
لبنان. والمل: اسم موضع. و
(1) مناقب آل أبى طالب 1: 429 و 430. (2)
القاموس 2: 314. (3) مناقب آل أبى طالب 1: 430.
[320]
الحسلات محركة: هضبات بديار الضباب،
ويقال: حسلة وحسيلة. وتاويل وتاريس غير معروفين. 44 - قب: وقوله عليه السلام في
الخطبة القصية من قوله: العجب كل العجب بين الجمادى ورجب. وقوله: وأي عجب أعجب من
أموات يضربون هامات الاحياء. وقوله عليه السلام في خطبة الملاحم المعروفة بالزهراء:
وإن من السنين سنون جواذع، تجذع فيها ألف غطارفة وهراقلة، يقتل فيها رجال وتسبى
فيها نساء، ويسلب فيها قوم أموالهم وأديانهم، وتخرب وتحرق دورهم وقصورهم، وتملك
عليهم عبيدهم و أراذلهم وأبناء إمائهم، يذهب فيها ملك ملوك الظلمة والقضاة الخونة.
ثم قال بعد كلام: تلك سنون عشر كوامل. ثم قوله: إن ملك ولد العباس من خراسان يقبل
ومن خراسان يذهب. وقوله عليه السلام في المعتصم: يدعى له على المنابر (1) بالميم
والعين والصاد، فذلك رجل صاحب فتوح ونصر وظفر، وهو الذي تخفق (2) راياته بأرض
الروم، وسيفتح الحصينة من مدنها، يعلو العقاب الخشن من عقابها بعقب هارون وجعفر،
ويتخذ المؤتكفة بيتا ودارا، يبطل العرب وتتخذ العجم الترك أولياء ووزراء. وقوله
عليه السلام: ويبطل حدود ما أنزل الله في كتابه عليه نبيه محمد صلى الله عليه وآله
ويقال: رأى فلان وزعم فلان - يعني أبا حنيفة والشافعي وغيرهما - ويتخذ الآراء
والقياس، وينبذ الآثار والقرآن وراء الظهور، فعند ذلك تشرب الخمور وتسمى بغير اسمها
ويضرب عليها بالعرطبة والكوبة والقينات والمعارف (3)، وتتخذ آنية الذهب والفضة.
(1) في المصدر: في المنابر. (2) أي تضطرب.
(3) العرطبة: العود أو الطنبور أو الطبل. الكوبة: الطبل الصغير والنرد والشطرنج.
والقينات لعله مصحف " القنينات " جمع القنين - كسكين -: الطنبور. أو " قيثار أو
قيتار " وهو آلة للطرب ذات أو تار. والمعازف: آلات الطرب كالطنبور والعود
والقيثارة.
[321]
وقوله عليه السلام: يشيدون القصور والدور،
ويلبس الديباج والحرير، و تسفر (1) الغلمان فيشنفونهم ويقرطقونهم ويمنطقونهم (2).
بيان: تسفر الغلمان أي تكشف وجوههم، كناية عن إخدامهم وإبرازهم في المجالس، ولا
يبعد أن يكون في الاصل " نسفد " من السفاد وهو الجماع. قوله عليه السلام: "
فيشنفونهم " هو من الشنف، وهو ما يعلق في أعلى الاذن، وقال الجزري: في حديث منصور "
جاء الغلام وعليه قرطق أبيض " إي قباء، وهو تعريب " كرته " وقد تضم طاؤه (3). وقال
الفيروز آبادي: القرطق كجندب: معرب كرته، وقرطقته فتقرطق: ألبسته إياه فلبسه (4).
وفي بعض النسخ " يقرطونهم " من القرط، وهو حلي الاذن الذي يعلق في أسفله. 45 - قب:
وقوله عليه السلام: فيأخذ الروم ما اخذ منها وتزداد - يعني الساحل ونحوها - تأخذ
الترك ما اخذ منها - يعني كاشقر وما وراء النهر - ويأخذ القفص ما اخذ منها - يعني
تفليس ونحوها - ويأخذ القلقل ما اخذ منها، ثم يورد فيها من العجائب ويسمى مدينة،
ويلغز ببعض ويصرح ببعض حتى يقول: الويل لاهل البصرة إذا كان كذا وكذا، الويل لاهل
الجبال إذا كان كذا وكذا، و الويل لاهل الدينور، والويل لاهل إصفهان من جالوت عبد
الله الحجام، و الويل لاهل العراق، الويل لاهل الشام، الويل لاهل مصر، الويل لاهل
فلانة. ثم يقول: من فراعنة الجبال فلان، فإذا ألغز قال: في اسمه حرف كذا حتى ذكر
العساكر التي تقتل بين حلوان والدينور، والعساكر التي تقتل بين أبهر وزنجان ويذكر
الثائر من الديلم وطبرستان. وروى ابن الاحنف عن ملوك بني امية فسماهم خمسة عشر.
(1) في المصدر: يسفر. (2) مناقب آل ابى
طالب 1: 430. (3) النهاية 3: 243. (4) القاموس 3: 279.
[322]
ومن خطبة له عليه السلام: ويل هذه الامة
من رجالهم الشجرة الملعونة التي ذكرها ربكم تعالى، أولهم خضراء وآخرهم هزماء، ثم
يلي بعدهم أمر امة محمد رجال أولهم أرأفهم، وثانيهم أفتكهم، وخامسهم كبشهم. وسابعهم
أعلمهم، وعاشرهم أكفرهم يقتله أخصهم به، وخامس عشرهم كثير العناء قليل الغناء، سادس
عشرهم أقضاهم للذمم وأوصلهم للرحم، كأني أرى ثامن عشرهم تفحص رجلاه في دمه بعد أن
يأخذ جنده بكظمه، من ولده ثلاث رجلا، سيرتهم سيرة الضلال، الثاني والعشرون منهم
الشيخ الهرم، تطول أعوامه وتوافق الرعية أيامه، السادس والعشرون منهم يشرد الملك
منه شرود النقنق، ويعضده الهزرة المتفيهق، لكأني أراه على جسر الزوراء قتيلا " ذلك
بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ". ومنها: سيخرب العراق بين رجلين يكثر
بينهما الجريح والقتيل - يعني طرليك (1) والدويلم - لكأني اشاهد به دماء ذوات
الفروج بدماء أصحاب السروج ويل لاهل الزوراء من بني قنطورة. ومنها: لكأني أرى منبت
الشيح (2) على ظاهر الحضة (3)، قد وقعت به وقعتان يخسر فيها الفريقان - يعني وقعة
الموصل - حتى سمي باب الاذان، و ويل للطين من ملابسة الاشراك، وويل للعرب من مخالطة
الاتراك، ويل لامة محمد إذا لم تحمل أهلا البلدان، وعبر بنو قنطورة نهر جيحان،
وشربوا ماء دجلة، هموا بقصد البصرة والايلة، وأيم الله لتعرفن بلدتكم حتى كأني أنظر
إلى جامعها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة (4). بيان: قوله عليه السلام " أولهم خضراء
" لما شبهوا في القرآن الكريم بالشجرة الملعونة شبههم أمير المؤمنين عليه السلام في
بدو أمرهم لقوة ملكهم وطرواة عيشهم بالشجرة
(1) كذا. (2) الشيح: نبات انواعه كثيرة
كله طيب الرائحة. (3) الحصة خ ل ولم نفهم المراد. (4) مناقب آل أبى طالب 1: 430 و
431. وجثم الطائر: تلبد بالارض.
[323]
الخضراء، وفي أواخر دولتهم لكونهم بعكس
ذلك بالشجرة الهزماء من قولهم: " تهزمت العصا " أي تشققت، والقربة: يبست وتكسرت، أو
من الهزيمة. و أما بنو العباس فلا يخفى على من راجع التواريخ أن أولهم - وهو السفاح
- كان أرأفهم، وأن ثانيهم - وهو المنصور - كان أفتكهم أي أجرأهم وأشجعهم وأكثرهم
قتلا للناس خدعة وغدار وأن خامسهم - وهو الرشيد - كان كبشهم إذ لم يستقر ملك أحد
منهم كاستقرار ملكه، وأن سابعهم - وهو المأمون - كان أعلمهم، واشتهار وفور علمه من
بينهم يغني عن البيان، وأن عاشرهم - وهو المتوكل - أكفرهم بل أكفر الناس [كلهم]
اجمعين، لشدة نصبه وإيذائه لاهل البيت عليهم السلام وشيعتهم وسائر الخلق، وإن من
قتله كان من غلمانه الخاصة، وخامس عشرهم المعتمد على الله أحمد بن المتوكل، وهو وإن
كان زمان خلافته ثلاثا وعشرين سنة لكن كان في أكثر زمانه مشتغلا بحرب صاحب الزنج
وغيره، فذا وصفه عليه السلام بكثرة العناء وقلة الغناء. وسادس عشرهم المعتضد بالله،
رأى في النوم رجلا أتى دجلة فمد يده إليها فاجتمع جميع مائها فيها، ثم فتح كفه ففاض
الماء، فسأل المعتضد أتعرفني ؟ قال: لا، قال: أنا علي بن أبي طالب، فإذا جلست على
سرير الخلافة فأحسن إلى أولادي فلما وصلت إليه الخلافة أحب العلويين وأحسن إليهم،
فلذا وصفه عليه السلام بقضاء العهد وصلة الرحم، وثامن عشرهم هو جعفر الملقب
بالمقتدر بالله، وخرج مونس الخادم من جملة عسكره وأتى الموصل واستولى عليه، وجمع
عسكرا ورجع وحارب المقتدر في بغداد وانهزم عسكر المقتدر، وقتل هو في المعركة،
واستولى على الخلافة من بعده ثلاثة من أولاده: الراضي بالله محمد بن المقتدر،
والمتقي بالله إبراهيم بن المقتدر، والمطيع لله فضل بن المقتدر. وأما الثاني
والعشرون منهم فهو المكتفي بالله عبد الله، وادعى الخلافة بعد مضي إحدى وأربعين من
عمره في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، واستولى أحمد بن
[324]
بويه في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة على
بغداد، وأخذ المكتفي وسمل عينه (1)، و توفي في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، ويقال:
إنه كان أيام خلافته سنة وأربعة أشهر، ويحتمل أن يكون من خطاء المؤرخين أو رواة
الحديث، بأن يكون في الاصل الخامس والعشرون أو السادس والعشرون، فالاول هو القادر
بالله أحمد بن إسحاق وقد عمر ستا وثمانين سنة، وكانت مدة خلافته إحدى وأربعين سنة،
والثاني القائم بأمر الله كان عمره ستا وسبعين سنة وخلافته أربعا وأربعين سنة
وثمانية أشهر، ويحتمل أن يكون عليه السلام إنما عبر عن القائم بأمر الله بالثاني
والعشرين، لعدم اعتداده بخلافة القاهر بالله والراضي بالله والمقتدر بالله والمكتفي
بالله، لعدم استقلالهم وقلة أيام خلافتهم، فعلى هذا يكون السادس والعشرون الراشد
بالله، فإنه هرب في حماية عماد الدين الزنجي، ثم قتله بعض الفدائيين، لكن فيه أنه
قتل في إصفهان ويحتمل أن يكون المراد بالسادس والعشرين المستعصم، فإنه قتل كذلك وهو
آخرهم، وإنما عبر عنه كذلك مع كونه السابع والثلاثين منهم لكون السادس و العشرين من
عظمائهم، لعدم استقلال كثير منهم وكونهم مغلوبين للملوك والاتراك ويحتمل أيضا أن
يكون المراد السادس والعشرون من العباس وأولاده، فإنهم اختلفوا في أنه هل هو الرابع
والعشرون من أولاد العباس أو الخامس والعشرون منهم، وعلى الاخير يكون بانضمام
العباس السادس والعشرون، وعلى الاخيرين يكون مكان " يعضده " يقصده ". وقال الفيروز
آبادي: النقنق كزبرج: الظليم أو النافر أو الخفيف (2). و قال: هزره بالعصا يهزره:
ضربه بها على ظهره وجنبه شديدا، وغمز غمزا شديدا وطرد ونفى، فهو مهزور وهزير،
والهزرة ويحرك الارض الرقيقة (3). وقال: تفيهق في كلامه: تنطق وتوسع كأنه ملا به
فمه (4). وقال الجزري: في حديث
(1) أي فقأها. (2) القاموس 3: 286. (3)
القاموس 2: 160. (4) القاموس 3: 279.
[325]
حذيفة: " يوشك بنو قنطوراء أن يخرجوا أهل
العراق من عراقهم - ويروى أهل البصرة منها - كأني بهم خنس الانوف خزر العيون عراض
الوجوه " قيل: إن قنطوراء كانت جارية لابراهيم الخليل عليه السلام ولدت له أولادا
منهم الترك والصين، و منه حديث عمرو بن العاص " يوشك بنو قنطوراء أن يخرجوكم من أرض
البصرة " و حديث أبي بكرة " إذا كان آخر الزمان جاء بنو قنطوراء (1) ". 46 - قب:
وأخبر عليه السلام عن خراب البلدان، روى قتادة عن سعيد بن المسيب أنه سئل أمير
المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى: " وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم
القيامة أو معذبوها (2) " فقال عليه السلام في خبر طويل انتخبنا منه: تخرب سمرقند
وخاخ وخوارزم وإصفهان والكوفة من الترك، وهمدان والري والديلم والطبرية والمدينة
وفارس بالقحط والجوع، ومكة من الحبشة، والبصرة والبلخ بالغرق (3)، والسند من الهند
والهند من تبت، وتبت من الصين، ويذشجان (4) وصاغاني وكرمان وبعض الشام بسنابك الخيل
والقتل، واليمن من الجراد، و السلطان وسجستان وبعض الشام بالريح (5)، وشامان
بالطاعون، ومرو بالرمل وهرات بالحيات، ونيسابور من قبل انقطاع النيل، وآذربيجان
بسنابك الخيل والصواعق، وبخارا بالغرق والجوع، وحلم وبغداد يصير عاليها سافلها (6).
توضيح: قال الفيروز آبادي: نجد الجاح موضع باليمن (7). وقال: روضة خاخ بين مكة
والمدينة (8). وقال صغانيان: كورة عظيمة بما وراء النهر، وصاغاني
(1) النهاية 3: 279 و 280. (2) سورة بنى
اسرائيل: 58. (3) في المصدر: من الغرق. (4) في المصدر: بذشجان. ولعله مصحف " بذخشان
" راجع المراصد 1: 172. (5) في المصدر: بالزنج. (6) مناقب آل ابى طالب 1: 431. (7)
لم نجد هذه الجملة في القاموس. (8) القاموس 1: 258.
[326]
معرب جغانيان (1). والنيل بالفتح العطاء
والخير والنفع، وبعض ألفاظه لم يبين معناها. 47 - قب: وقيل للباقر عليه السلام: قد
رضي أبوك إمامهما لما استحل من سبيهما ؟ فأشار عليه السلام إلى جابر الانصاري، فقال
جابر: رأيت الحنفية عدلت إلى تربة رسول الله صلى الله عليه وآله فرنت وزفرت ثم
نادت: السلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك من بعدك، هذه امتك سبتناسبي الكفار
وما كان لنا ذنب إلا الميل إلى أهل بيتك، ثم قالت: أيها الناس لم سبيتمونا وقد
أقررنا بالشهادتين ؟ فقال الزبير: لحق الله في أيديكم منعتموناه، فقالت: هب الرجال
منعوكم فما بال النسوان ؟ فطرح طلحة عليها ثوبا وخالد ثوبا. فقالت: يا أيها الناس
لست بعريانة فتكسوني ولا سائلة فتصدقون علي، فقال الزبير: إنهما يريدانك، فقالت: لا
يكونان لي ببعل إلا من خبرني بالكلام الذي قلته ساعة خرجت من بطن امي، فجاء أمير
المؤمنين عليه السلام وناداها: يا خولة اسمعي الكلام وعي الخطاب، لما كانت امك
حاملة بك وضربها الطلق واشتد بها الامر نادت: اللهم سلمني من هذا المولود سالما،
فسبقت الدعوة لك بالنجاة فلما وضعتك ناديت من تحتها: " لا إله إلا الله محمد رسول
الله يا اماه لم تدعين علي وعما قليل سيملكني سيد يكون لي منه ولد " فكتبت ذلك
الكلام في لوح نحاس فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه، فلما كانت في الليلة التي قبضت
(2) امك فيها أوصت إليك بذلك، فلما كان وقت سبيك لم يكن لك همة إلا أخذ ذلك اللوح،
فأخذتيه وشددتيه على عضدك، هاتي اللوح فأنا صاحب ذلك اللوح (3) وأنا أمير المؤمنين،
وأنا أبو ذلك الغلام الميمون، واسمه محمد، فدفعت اللوح إلى أمير المؤمنين عليه
السلام فقرأه عثمان لابي بكر، فوالله ما زاد علي في اللوح (4) حرفا
(1) القاموس 4: 241 و 242. وفيه: والنسبة
صغانى. (2) كذا في (ك). وفي غيره من النسخ " قضيت ". وفي المصدر: قبضت: تغيبت خ ل.
(3) في المصدر: هذا اللوح. (4) في المصدر: على ما في اللوح.
[327]
واحدا ولا نقص، فقالوا بأجمعهم: صدق الله
ورسوله إذ قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن بارك
الله لك فيها، فأنفذها (1) علي عليه السلام إلى أسماء بنت عميس، فقال: خذي هذه
المرأة فأكرمي مثواها واحفظيها، فلم تزل عندها إلى أن قدم أخوها فتزوجها منه
وأمهرها أمير المؤمنين عليه السلام وتزوجها نكاحا (2). أمثال أبي عبد الله: أثنى
عليه رجل منهم (3)، فقال عليه السلام: أنا دون ما تقول وفوق ما تظن في نفسك (4).
وهذه كلها إخبار بالغيب، أفضى إليه النبي صلى الله عليه وآله بالسر مما أطلعه الله
عز وجل عليه، كما قال الله تعالى: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من
ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا * ليعلم أن قد أبلغوا رسالات
ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شئ عددا (5) " ولم يشح النبي صلى الله عليه وآله على
وصيه بذلك، كما قال تعالى: " وما هو على الغيب بضنين (6) " ولا ضن علي على الائمة
من ولده عليهم السلام. وأيضا لا يجوز أن يخبر بمثل هذا إلا من أقامه رسول الله صلى
الله عليه وآله مقامه من بعده (7). 48 - عم: من معجزاته ما اشتهرت به الرواية أنه
عليه السلام خطب فقال في خطبته: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما تسألوني عن فئة
تضل مائة أو تهدي (8) مائة إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها (9) إلى يوم القيامة، فقام
إليه رجل فقال: أخبرني
(1) في المصدر: فأنقذها. (2) مناقب آل ابى
طالب 1: 432 و 433. (3) في المصدر: رجل متهم. (4) مناقب آل ابى طالب 1: 426 و 427.
(5) سورة الجن: 26 - 28. (6) سورة التكوير: 24. (7) مناقب آل ابى طالب 1: 433. (8)
كذا في (ك). وفي غيره من النسخ وكذا المصدر: وتهدى. (9) في المصدر: بلاحقها
وسابقها.
[328]
كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ؟ ! فقال
عليه السلام: لقد حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله بما سألت عنه، وإن على
كل طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزك، وإن في
بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله (1) وآية ذلك مصداق ما خبرتك (2)
به، ولولا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لاخبرت به، ولكن آية ذلك ما نبأنه من سحلك
(3) الملعون، وكان ابنه في ذلك الوقت صغيرا يحبو، فلما كان من أمر الحسين عليه
السلام ما كان، تولى قتله وكان كما قال (4). أقول: روى نحو ذلك ابن أبي الحديد من
كتاب الغارات لابن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار، عن فضيل، عن محمد بن علي،
وقال: في آخره: وهو سنان بن أنس النخعي (5). 49 - يل: فض: عن ابن عباس قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام: علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم،
ففتح لي كل باب ألف مسألة، قال: فبينما أنا معه بذي قار وقد أرسل ولده الحسن عليه
السلام إلى الكوفة ليستفز (6) أهلها ويستعين بهم على حرب الناكثين من أهل البصرة،
قال لي: يا ابن عباس، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: سوف يأتي ولدي الحسن في هذا
اليوم ومعه عشرة آلاف فارس وراجل، لا ينقص واحدا ولا يزيد واحدا، قال ابن عباس:
فلما وصل الحسن عليه السلام بالجند لم يكن لي همة إلا مسألة الكاتب: كم كمية الجند،
قال لي: عشرة آلاف فارس وراجل لا ينقص واحدا ولا يزيد واحدا، فعلمت أن ذلك العلم من
تلك الابواب التي علمه بها رسول الله صلى الله عليه وآله (7).
(1) في المصدر: ابن بنت رسول الله صلى
الله عليه وآله. (2) في المصدر: أخبرتك. (3) في المصدر: عن سخلك. (4) اعلام الورى:
176 و 177. (5) شرح النهج 1: 253. (6) استفزه: استدعاه وأزعجه وأخرجه من داره. (7)
الفضائل: 106. الروضة: 5.
[329]
وقال أمير المؤمنين عليه السلام لما بايعه
الملعون عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله قال له: تالله إنك غير وفي ببيعتي، ولتخضبن
هذه من هذا - وأشار بيده إلى كريمته وكريمه - فلما أهل شهر رمضان جعل يفطر ليلة عند
الحسن وليلة عند الحسين عليهما السلام فلما كان بعض الليالي قال: كم مضى من رمضان ؟
قالا له: كذا وكذا، فقال لهما عليهما السلام: في العشر الاخير تفقدان أبيكما، فكان
كما قال (1) عليه السلام. ومن فضائله التي خصه الله بها أنه وفد إليه المغيرة بن
شعبة وهو قائم يصلي في محرابه، فسلم عليه فلم رد عليه السلام، فقال: يا أمير
المؤمنين اسلم عليك فلم ترد علي السلام كأنك لم تعرفني ؟ فقال: بلى والله أعرفك،
وكأني أشم منك ريح الغزل، فقام المغيرة يجر أذياله، فقال جماعة الحاضرين بعد قيامه:
يا أمير المؤمنين ما هذا القول ؟ فقال: نعم، ما قلت فيه إلا حقا، كأني والله أنظر
إليه وإلى أبيه وهما ينسجان مآزر الصوف باليمن، فتعجب الناس من كلامه، ولم يكن أحد
يعرفه بما خاطبه به أمير المؤمنين عليه السلام، وهذه معجزة لا يقدر عليها أحد غيره
ولا الهم بها سواه (2). 50 - فص: علي بن الحسن بن محمد بن مندة، عن محمد بن الحسين
الكوفي، عن إسماعيل بن موسى بن إبراهيم، عن سليمان بن حبيب، عن شريك عن حكيم بن
جبير عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس قال: خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام على منبر الكوفة خطبته اللؤلوءة، فقال فيما قال في آخرها: ألا وإني
ظاعن عن قريب ومنطلق إلى المغيب، فارتقبوا الفتنة الاموية والمملكة الكسروية،
وإماتة ما أحياه الله وإحياء ما أماته الله، واتخذوا صوامعكم بيوتكم، وعضوا على مثل
جمر الغضا (3)، واذكروا الله كثيرا فذكره أكبر لو كنتم تعلمون، ثم قال:
(1) الفصائل: 108 و 109. الروضة: 5. (2)
الروضة: 8. ولم نجده في الفضائل المطبوع. (3) عضه الزمان: اشتد عليه، عض الشئ: لزمه
واستمسك به. والغضا شجر من الاثل خشبه من أصلب الخشب وجمره يبقى زمنا طويلا لا
ينطفئ.
[330]
وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة
ودجيل والفرات، فلو رأيتموها مشيدة بالجص والآجر مزخرفة بالذهب والفضة والازورد
المستسقى والمرمر والرخام وأبواب العاج والآبنوس والخيم والقباب والستارات، وقد
عليت بالساج والعرعر والصنوبر والشب، وشيدت بالقصور وتوالت عليها ملك بني الشيصبان
أربعة وعشرون ملكا على عدد سني الملك (1)، فيهم السفاح والمقلاص والجموح والخدوع
والمظفر والمؤنث والنظار والكبش والمتهور والعشار والمضطلم والمستصعب والعلام
والرهباني والخليع والسيار والمترف والكديد والاكتب والمترف والاكلب والوثيم و (2)
الظلام والعينوق. وتعمل القبة الغبراء ذات الفلاة الحمراء، وفي عقبها قائم الحق
يسفر عن وجهه بين الاقاليم كالقمر المضيئ بين الكواكب الدرية، ألا وإن لخروجه
علامات عشرة، أولها طلوع الكوكب ذي الذنب. ويقارب من الحادي (3)، ويقع فيه هرج ومرج
شغب (4)، وتلك علامات الخصب، ومن العلامة إلى العلامة عجب، فإذا انقضت العلامات
العشرة إذ ذاك يظهر بنا القمر الازهر وتمت كلمة الاخلاص لله على التوحيد (5). بيان:
الشيصبان: اسم الشيطان، وبنو العباس هم أشراك الشيطان، وإنما عدهم أربعة وعشرين مع
كونهم سبعة وثلاثين لعدم الاعتناء بمن قل زمان ملكه وضعف سلطانه منهم، أو يكون
المراد بيان عدد البطون التي استولوا على الخلافة لا عدد آحادهم، فإن آخرهم كان
الخامس والعشرين أو الرابع والعشرين من أولاد العباس، والمراد بالكديد إما ثامن
عشرهم وهو المقتدر كما وقع فيما عده عليه السلام الثامن عشر، فإنه كان مدة خلافته
أربعا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا، أو الحادي
(1) في هامش النسخ والمصدر: الكديد ظ. (2)
كذا في (ك). وفي غيره من النسخ وكذا المصدر: الوسيم. (3) اسم كوكب. (4) في المصدر:
وشغب. (5) كفاية النصوص: 28 و 29.
[331]
والثلاثون منهم بناء على سقوط من سقط منهم
قبل ذلك، فإلى العينوق يتم سبعة وثلاثون تمام عددهم، والحادي والثلاثون هو المقتفي،
وكان زمان خلافته أربعا وعشرين، ويحتمل أن يكون المراد عدد لفظ الكديد، فإنه ثمانية
وثلاثون بانضمام بعض من خرج من قبل السفاح إليهم ولا يخفى بعده. 51 - كا: العدة، عن
سهل، عن موسى بن عمر الصيقل، عن أبي شعيب المحاملي، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ليأتين على الناس زمان
يطرف (1) فيه الفاجر، ويقرب فيه الماجن، ويضعف فيه المنصف، قال: فقيل له: متى ذاك
يا أمير المؤمنين ؟ فقال: إذا تسلطن النساء و سلطن الاماء وامر الصبيان (2). 52 -
نهج: فتن كقطع الليل المظلم، لا تقوم لها قائمة، ولا ترد لها راية (3) تأتيكم
مزمومة مرحولة، يحفزها قائدها ويجهدها (4) راكبها، أهلها قوم شديد كلبهم، قليل
سلبهم، يجاهدهم في الله (5) قوم أذلة عند المتكبرين، في الارض مجهولون وفي السماء
معروفون، فويل لك يا بصرة (6) من جيش من نقم الله، لارهج له ولا حس، وسيبتلى أهلك
بالموت الاحمر والجوع الاغبر (7).
(1) في المصدر " يظرف " وقال المصحح في
ذيله عن المرآت: " يظرف " في بعض النسخ بالمهملة وكذا في بعض نسخ النهج، والطريف ضد
التالد وهو الامر المستطرف الذي يعده الناس حسنا لانهم يرغبون إلى الامور المحدثة.
الظريف من الظرافة بمعنى الفطنة والكياسة والمجون أن لا يبالى الانسان ما صنع، وقد
مجن يمجن فهو ماجن. (2) الروضة من الكافي: 69. وفيه كذلك " فقيل له: متى ذاك يا
أمير المؤمنين ؟ فقال: إذا اتخذت الامانة مغنما والزكاة مغرما والعبادة استطالة
والصلة منا. قال: فقيل متى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ فقال: إذا تسلطن اه ". (3) في
المصدر: ولا ترد لها غاية. (4) في المصدر: ويحدها. (5) في المصدر: في سبيل الله.
(6) في المصدر: فويل لك يا بصرة عند ذلك اه. (7) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 1: 212
و 213.
[332]
بيان: " لا تقوم لها قائمة " أي لا تنهض
بحربها فئة ناهضة، أو قائمة من قوائم الخيل، أي لاسبيل إلى قتال أهلها، أو قلعة أو
بنية قائمة، بل تنهدم. " ولا ترد لها راية " أي لا تنهزم أصحاب راية من رايات تلك
الفئة (1). قوله عليه السلام: " مزمومة مرحولة " أي عليها زمام ورحل، أي تامة
الادوات " يحفزها " إي يدفعها قائدها. " قليل سلبهم " أي نقمتهم القتل لا السلب.
والرهج: الغبار والحس صوت المشي. والموت الاحمر كناية عن الوباء والجوع الاغبر عن
الموت. وأول الكلام إشارة إلى قصة صاحب الزنج أو إلى فتنة اخرى سيأتي في آخر
الزمان، وآخره أيضا يحتمل أن يكون إشارة إلى فتنة صاحب الزنج أو إلى طاعون يصيبهم
حتى يبيدهم. 53 - نهج: فاقسم بالله يا بني امية عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم
وفي دار عدوكم (2). 54 - نهج: أما والله ليسلطن عليكم غلام ثقيف، الذيال الميال
يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم إيه أبا وذحة. قال السيد: الوذحة الخنسفاء، وهذا القول
يومئ به إلى الحجاج، وله مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره (3). بيان: الذيال: الذي
يجر ذيله عليه الارض تبخترا. والميال: الظالم. وقال ابن أبي الحديد: ما ذكره السيد
لم أسمع من شيخ من أهل اللغة ولا وجدته في كتاب من كتب اللغة، - (4) والمشهور أن
الوذح ما يتعلق بأذناب الشاة من أبعارها فيجف، ثم إن المفسرين بعد الرضي رضي الله
عنه قالوا في قصة هذه الخنسفاء وجوها: منها أن الحجاج رأى خنفساء تدب إلى مصلاه
فطردها، فعادت فأخذها بيده
(1) في (خ) و (م): تلك الفتنة. (2) نهج
البلاغة (عبده ط مصر) 1: 218. (3) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 1: 248. (4) وقد قال في
أقرب الموارد: والوذحة: الخنفساء وبعضهم يقوله بالخاء ب.
[333]
فقرصه قرصا (1) فورمت يده منه، وكان فيه
حتفه، قتله الله تعالى بأهون خلقه كما قتل نمرود بن كنعان بالبقة. ومنها أن الحجاج
كان إذا رأى خنفساء أمر بإبعادها وقال: هذه وذحة من وذح الشيطان، تشبيها لها
بالبعرة المتعلقة بذنب الشاة. ومنها أنه رأى خنفساوات مجتمعات فقال: واعجبا لمن
يقول: إن الله خلقها ؟ قيل: فمن خلقها أيها الامير ؟ قال: الشيطان، إن ربكم لاعظم
شأنا من أن يخلق هذه الوذح ! فنقل قوله إلى الفقهاء فأكفروه. ومنها أن الحجاج كان
مثفارا أي ذا ابنة، وكان يمسك الخنفساء حية ليشفي بحركتها الموضع ! قالوا: ولا يكون
صاحب هذا الداء إلا مبغضا لاهل البيت عليهم السلام قالوا: ولسنا نقول كل مبغض فيه
هذا الداء، بل كل من فيه هذا الداء فهو مبغض. قالوا: وقد روى ابن عمر الزاهد - ولم
يكن من رجال الشيعة - في أماليه وأحاديثه عن السياري عن أبي خزيمة الكاتب قال: ما
فتشنا أحدا فيه هذا الداء إلا وجدناه ناصبا، قالوا: سئل جعفر بن محمد الصادق عن هذه
الصنف من الناس فقال: رحم منكوسة يؤتى ولا يأتي، وما كانت هذه الخصلة في ولي الله
تعالى أبدا قط، وإنما كان في الفساق والكفار والناصب للطاهرين، وكان أبو جهل بن
هشام المخزومي من القوم، وكان أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وآله،
قالوا: ولذلك قال له عتبة بن ربيعة يوم بدر: " يا مصفر استه " ويغلب على ظني أنه
معنى آخر وذلك أن عادة العرب أن يكني الانسان إذا أرادت تعظيمه بما هو مظنة
التعظيم، وإذا أرادت تحقيره بما يستحقر ويستهان به، كقولهم في كنية يزيد بن معاوية
" أبو زنة " يعنون القرد كقول ابن بسام، " أبو النتن أبو الدفر أبوالجعر أبوالبعر "
(2) فلنجاسته بالذنوب والمعاصي كناه أمير المؤمنين عليه السلام أبا وذحة، ويمكن أن
يكنيه بذلك
(1) قرص لحمه: اخذه ولوى عليه باصبعه
فألمه. (2) قاله ابن بسام لبعض الرؤساء يهجوه، وأوله " لئيم درن الثوب نظيف القعب
والقدر " والدفر: النتن، والجعر: نجو السبع.
[334]
لدمامته في نفسه وحقارة منظره وتشويه
خلقه، فإنه كان دميما قصيرا سخيفا أخفش العين معوج الساقين قصير الساعدين مجدور
الوجه، فكناه بأحقر الاشياء وهو البعرة وقد روى قوم " إيه أبا ودجة " قالوا: واحدة
الاوداج، كناه بذلك لانه كان قتالا يقطع الاوداج بالسيف. ورواه قوم " أبا وحرة "
وهو دويبة يشبه الحرباء قصير الظهر وهذا وما قبله ضعيف. (1). 55 - نهج: يا أحنف
كأني به وقدر سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب ولا قعقعة لجم ولا حمحمة
خيل، يثيرون الارض بأقدامهم كأنها أقدام النعام يومئ بذلك إلى صاحب الزنج، ثم قال
عليه السلام: ويل لسكككم العامرة والدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور،
وخراطيم كخراطيم الفيلة، من اولئك الذين لا يندب قتيلهم ولا يفقد (2) غائبهم، أنا
كاب الدنيا لوجهها وقادرها بقدرها و ناظرها بعينها (3). بيان: اللجب: الصوت.
والحمحمة: صوت الفرس دون الصهيل. قوله عليه السلام " يثيرون الارض " أي التراب، لان
أقدامهم في الخشونة كحوافر الخيل، وقيل كناية عن شدة وطئهم الارض ليلائم قوله: " لا
يكون له غبار " قوله عليه السلام: " كأنها أقدام النعام " لما كانت أقدام الزنج في
الاغلب قصارا عراضا منتشرة الصدر مفرجات الاصابع فأشبهت أقدام النعام في بعض تلك
الاوصاف وأجنحة الدور - التي شبهها عليه السلام بأجنحة النسور - رواشنها (4) وما
يعمل من الاخشاب والبواري بارزة عن السقوف لوقاية الحيطان وغيرها عن الامطار وشعاع
الشمس، وخراطيمها: مئازيبها التي تطلى
(1) شرح النهج 2: 384 - 386. وقد لخصه
المصنف وبعض العبارات منقول بالمعنى. (2) في المصدر: ولا يفتقد. (3) نهج البلاغة
(عبده ط مصر) 1: 262 و 263. (4) جمع الروشن: الكوة.
[335]
بالقار (1)، تكون نحوا من خمسة أذرع أو
أزيد، تدلى من السطوح حفظا للحيطان. وأما قوله عليه السلام: " لا يندب قتيلهم "
فقيل: إنه وصف لهم لشدة البأس و الحرص على القتال، وأنهم لا يبالون بالموت، وقيل:
لانهم كانوا عبيدا غرباء لم يكن لهم أهل وولد ممن عادتهم الندبة وافتقاد الغائب،
وقيل: " لا يفقد غائبهم " وصف لهم بالكثرة، وأنه إذا قتل منهم قتيل سد مسده غيره،
ويقال: كببت فلانا على وجهه أي تركته ولم ألتفت إليه. وقوله: " وقادرها بقدرها " أي
معامل لها بمقدارها وقوله: " ناظرها بعينها " أي ناظر إليها بعين العبرة أو أنظر
إليها نظرا يليق بها (2). 56 - نهج: ومنه يومئ إلى وصف الاتراك: كأني أراهم قوما
كأن وجوههم المجان المطرقة، يلبسون السرق والديباج، ويعتقبون الخيل العتاق، و يكون
هناك استحرار قتل حتى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقل من المأسور، فقال
له بعض أصحابه: لقد عطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك عليه السلام وقال للرجل
وكان كلبيا: يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب وإنما هو تعلم من ذي علم، وإنما علم الغيب
علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله: إن الله عنده علم الساعة " الآية (3) فيعلم
سبحانه ما في الارحام من ذكر وانثى وقبيح أو جميل وسخي أو بخيل وشقي أو سعيد، من
يكون في النار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا، فهذا علم الغيب الذي لا يعمله أحد
إلا الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله
(1) المئازيب جمع المئزاب: مجرى الماء.
والقار: مادة سوداء تطلى بها السفن. (2) أقول: ما ذكره عليه السلام في هذه الخطبة
من المغيبات يلائم زماننا هذا - وهو القرن الرابع عشر من الهجرة - فالجيش الموصوف
في كلامه عليه السلام بأن ليس له غبار ولا لجب ولا قعقعة ولا حمحمة لعله رمز إلى
السلاحات الموجودة في هذا العصر كالطيارات القاذفة للقنابل الذرية والقذائف
والصواريخ التى تدمر المدن العامرة في لحظات يسيرة وتجعلها قاعا صفصفا، بحيث لا
يبقى احد حتى يندب القتلى أو يفتقدهم. وكذلك المراد من الدور المزخرفة التى لها
اجنحة وخراطيم: الابنية والقصور المشيدة في عصرنا هذا. اعاذ الله البشرية ولا سيما
المسلمين من نائرة الحروب والتخاصم. (3) سورة لقمان: 34.
[336]
نبيه فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري
وتضطم عليه جوانجي (1). توضيح: المجان جمع مجن وهو الترس. والمطرقة بسكون الطاء:
التي قد أطرق بعضها إلى بعض أي ضمت طبقاتها، فجعل يتلو بعضها بعضا كطبقات النعل،
ويروي بتشديد الراء أي كالترسة المتخذة من حديد مطرقة بالمطرقة، والطرق: الدق،
ويحتمل أن يكون التشديد للتكثير. والسرق جمع سرقة (2) وهي جيد الحرير، وقيل: لا
يسمى سرقا إلا إذا كانت بيضاء، وهي فارسية أصلها سرة، وهو الجيد. قوله عليه السلام:
" ويعتقبون الخيل " أي يحبسونها لينتقلوا من غيرها إليها، واستحرار القتل شدته.
وضحكه عليه السلام إما من السرور بما آتاه الله من العلم أو للتعجب من قول القائل.
والاضطمام افتعال من الضم وهو الجمع، والجوانح الاضلاع مما يلي الصدر، وانطباقها
على قصص جنكيزخان وأولاده لا يحتاج إلى بيان. 57 - وقال البرسي في مشارق الانوار:
قال عليه السلام للدهقان الفارسي وقد حذره من الركوب والمسير إلى الخوارج فقال له:
اعلم أن طوالع النجوم قد انتحست، فسعد أصحاب النحوس ونحس أصحاب السعود، وقد بد
المريخ يقطع في برج الثور وقد اختلف في برجك كوكبان وليس الحرب لك بمكان، فقال له:
أنت الذي تسير الجاريات وتقضي علي (3) بالحادثات وتنقلها مع الدقائق والساعات، فما
السراري ؟ وما الزراري ؟ وما قدر شعار المدبرات (4) ؟ فقال: سأنظر في الاصطرلاب
واخبرك، فقال له: أعالم أنت بما تم البارحة في وجه الميزان ؟ وبأي نجم اختلف برج
السرطان ؟ وأية آفة دخلت على الزبرقان ؟ فقال: لا أعلم، فقال: أعالم أنت أن الملك
البارحة انتقل من بيت إلى بيت في الصين ؟ وانقلب برج ماجين ؟ وغارت (5) بحيرة ساوة
؟ وفاضت بحيرة
(1) نهج البلاغة 1: 263 و 264. (2)
بالفتحات. (3) في المصدر: وتقضى على علي. (4) في المصدر: شعاع المديرات. (5) في
المصدر: وقارب. (*)
[337]
حشرمة ؟ وقطعت باب الصخرة من سفينته (1) ؟
ونكس ملك الروم بالروم ؟ وولي أخوه مكانه ؟ وسقطت شرفات الذهب من قسطنطينية الكبرى
؟ وهبط سور سرانديل (2) ؟ و فقد ديان اليهود ؟ وهاج النمل بوادي النمل ؟ وسعد سبعون
ألف عالم ؟ وولد في كل عالم سبعون ألفا والليل (3) يموت مثلهم ؟ فقال: لا أعلم،
فقال: أنت عالم بالشهب الخرس الانجم ؟ والشمس ذات الذوائب التي تطلع مع الانوار
وتغيب مع الاسحار ؟ فقال: لا أعلم، فقال: أعالم أنت بطلوع النجمين اللذين ما طلعا
إلا عن مكيدة ولا غربا إلا عن مصيبة، وإنهما طلعا وغربا فقتل قابيل هابيل، ولا
يظهران إلا بخراب الدنيا (4) ؟ فقال: لا أعلم، فقال: إذا كان طرق السماء لا تعلمها
فإني أسألك عن قريب، أخبرني ما تحت حافر فرسي الايمن والايسر من النافع والضار (5)
؟ فقال: إني في علم الارض أقصر مني في علم السماء ! فأمر أن يحفر تحت الحافر الايمن
فخرج كنز من ذهب، ثم أمر أن يحفر تحت الحافر الايسر فخرج أفعى فتعلق بعنق الحكيم
فصاح: يا مولاي الامان، فقال: الامان بالايمان، فقال: لاطيلن لك الركوع والسجود،
فقال: سمعت خيرا فقل خيرا، اسجد لله واضرع بي إليه، ثم قال: يا سمر سقيل نحن نجوم
القطب وأعلام الفلك، وإن هذا العلم لا يعلمه إلا نحن وبيت في الهند (6). 58 - شرح
النهج: قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين: حدثنا منصور بن سلام التميمي قال: حدثنا
حيان التميمي، عن أبي عبيدة، عن هرثمة بن سليم قال: غزونا مع علي عليه السلام صفين،
فلما نزل بكربلاء صلى بنا، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال: واها لك يا
تربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير
(1) في المصدر: وقطعت باب البحر من سقلبة.
(2) في المصدر: سرانديب. (3) في المصدر: والليلة. (4) في المصدر: لخراب الدنيا. (5)
في المصدر: من المنافع والمضار. (6) مشارق الانوار: 102 و 103.
[338]
حساب، قال: فلما رجع هرثمة من غزاته إلى
امرأته جرداء بنت سمير - وكانت من شيعة علي عليه السلام - حدثها هرثمة فيما حدث
فقال لها: ألا أعجبك من صديقك أبي حسن ؟ قال: لما نزلنا كربلاء وقد أخذ جفنة (1) من
تربتها وشمها وقال: واها لك أيتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب،
وما علمه بالغيب ؟ فقالت المرأة له: دعنا منك أيها الرجل، فإن أمير المؤمنين لم يقل
إلا حقا، قال: فلما بعث عبيدالله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين عليه السلام
كنت في الخيل التي بعث إليهم، فلما انتهيت إلى الحسين عليه السلام وأصحابه عرفت
المنزل الذي نزلنا فيه مع علي عليه السلام والبقعة التي رفع إليه من تربتها والقول
الذي قاله فكرهت مسيري، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين عليه السلام فسلمت
عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل، فقال الحسين عليه السلام: أمعنا أم
علينا ؟ فقلت: يابن رسول الله لا معك ولا عليك ! تركت ولدي وعيالي أخاف عليهم من
ابن زياد، فقال الحسين: فتول هربا حتى لا ترى مقتلنا، فوالذي نفس حسين بيده لا يرى
اليوم مقتلنا أحد ثم لا يعيننا إلا دخل النار، قال: فأقبلت في الارض أشتد هربا حتى
خفى علي مقتلهم. قال نصر: وحدثنا مصعب قال: حدثنا الاجلح بن عبد الله الكندي عن أبي
جحيفة قال: جاء عروة البارقي إلى سعد بن وهب فسأله وقال: حديث حدثتناه عن علي بن
أبي طالب عليه السلام قال: نعم بعثني مخنف بن سليم إلى علي عليه السلام عند توجهه
إلى صفين، فأتيته بكربلاء فوجدته يشير بيده ويقول: ههنا ههنا، فقال له رجل: وما ذاك
يا أمير المؤمنين ؟ فقال: ثقل لآل محمد صلى الله عليه وآله ينزل ههنا، فويل لهم
منكم وويل لكم منهم، فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين ؟ قال:
ويل لهم منكم: تقتلونهم، وويل لكم منهم: يدخلكم الله بقتلهم إلى النار. قال نصر:
وقد روي هذا الكلام على وجه آخر أنه عليه السلام قال: فويل لكم منهم وويل لكم
عليهم، فقال الرجل: أما ويل لنا منهم فقد عرفناه فويل لنا عليهم
(1) الجفنة: القصعة الكبيرة. والاصح كما
في المصدر " حفنة " وهى ملء الكفين.
[339]
ما معناه ؟ فقال: ترونهم يقتلون لا
تستطيعون نصرتهم. قال نصر: وحدثنا سعيد بن حكيم العبسي، عن الحسن بن كثير، عن أبيه
أن عليا عليه السلام أتى كربلاء فوقف بها، فقيل له: يا أمير المؤمنين هذه كربلاء،
فقال: ذات كرب وبلاء، ثم أومأ بيده إلى مكان فقال: ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم
ثم أومأ بيده إلى مكان آخر فقال: ههنا مراق دمائهم، ثم مضى إلى ساباط (1). 59 -
أقول: روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ
أنه قال زرعة بن البرج الطائي لامير المؤمنين عليه السلام: أما والله لئن لم تتب من
تحكيمك الرجال فأقتلنك، أطلب بذلك وجه الله (2) * ورضوانه فقال له علي عليه السلام:
بؤسا لك ما أشقاك ! كأني بك قتيلا تسفي عليك الرياح، فكان كما قال (3). وذكر
المدائني في كتاب الخوارج قال: لما خرج علي عليه السلام إلى أهل النهر قبل رجل من
أصحابه ممن كان على مقدمته، فأخبره بأن القوم عبروا النهر فحلفه ثلاث مرات في كلها
يقول: نعم، فقال عليه السلام: والله ما عبروه ولن يعبروه وإن مصارعهم دون النطفة،
فجاء الفرسان كلها تركض وتقول، فلم يكترث عليه السلام بقولهم حتى ظهر خلاف ما
قالوا. وذكر محمد بن يزيد المبرد في كتاب الكامل أنه قال علي عليه السلام لاصحابه
يوم النهروان: احملوا عليهم فوالله لا يقتل منكم عشرة ولا يسلم منهم عشرة، فحمل
عليهم فطحنهم طحنا، قتل من أصحابه عليه السلام تسعة وأفلت من الخوارج ثمانية (4).
وروى جميع أهل السير كافة أن عليا عليه السلام لما طحن القوم طلب ذا الثدية طلبا
شديدا، وقلب القتلى ظهر البطن فلم يقدر عليه، فساءه ذلك وجعل يقول: والله
(1) شرج النهج 1: 350 و 351. (2) في
المصدر: رحمة الله. (3) شرح النهج 1: 245. (4) شرح النهج 1: 247. والعبارات منقولة
بالمعنى.
[340]
ما كذبت ولا كذبت، اطلبوا الرجل وإنه لفي
القوم، فلم يزل يتطلبه حتى وجده وهو رجل مخدج اليد (1) كأنها ثدي في صدره. وروى
إبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين عن الاعمش عن زيد بن وهب قال: لما شجرهم علي عليه
السلام بالرماح قال: اطلبوا ذا الثدية، فطلبوه طلبا شديدا حتى وجدوه في وهدة من
الارض تحت ناس من القتلى، فاتي به وإذا رجل على يديه (2) مثل سبلات السنور، فكبر
علي عليه السلام وكبر الناس معه سرورا بذلك. وروى أيضا عن مسلم الضبي عن حبة العرني
قال: كان رجل أسود منتن الريح، له يد (3) كثدي المرأة، إذا مدت كان بطول اليد
الاخرى وإذا تركت اجتمعت وتقلصت وصارت كثدي المرأة، عليها شعرات مثل شوراب الهرة،
فلما وجدوه قطعوا يده ونصبوها على رمح، ثم جعل علي عليه السلام ينادي: صدق الله
وبلغ رسوله، لم يزل يقول ذلك هو وأصحابه من العصر (4) إلى أن غربت الشمس أو كادت.
وروى ابن ديزيل أيضا قال: لما عيل صبر علي عليه السلام في طلب المخدج قال: آتوني
ببغلة رسول الله صلى الله عليه وآله، فركبها وأتبعه الناس، فرأى القتلى وجعل يقول:
اقلبوا، فيقلبون قتيلا عن قتيل حتى استخرجه (5)، فسجد علي عليه السلام. وروى كثير
من الناس أنه لما دعا بالبغلة (6) قال: ايتوني بها فإنها هادية، فوقفت به على
المخدج فأخرجه من تحت قتلى كثيرين. وروى العوام بن حوشب عن أبيه عن جده يزيد بن
رويم قال: قال علي عليه السلام: يقتل (7) اليوم أربعة آلاف من الخوارج أحدهم ذو
الثدية، فلما طحن القوم ورام
(1) أي ناقص اليد. (2) في المصدر: على
ثديه. (3) في المصدر: له ثدى. (4) في المصدر: بعد العصر. (5) في المصدر: حتى
استخرجوه. (6) في المصدر: بالبغلة ليركبها. (7) في المصدر: نقتل.
[341]
استخراج ذي الثدية فأتعبه أمرني أن أقطع
له أربعة آلاف قصبة (1)، فلم أزل كذلك وأنا بين يديه وهو راكب خلفي والناس يتبعونه
حتى بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه وإذا وجهه أربد (2) وإذا رجله في يدي، فجذبتها
وقلت: هذه رجل إنسان فنزل عن البغلة مسرعا فجذب الرجل الاخرى وجررناه حتى صار على
التراب فإذا هو المخدج، فكبر علي عليه السلام بأعلى صوته ثم سجد فكبر الناس كلهم
(3). وروى عثمان بن سعيد، عن يحيى التيمي، عن الاعمش، عن إسماعيل بن رجاء قال: قام
أعشى باهلة - وهو يومئذ غلام حدث - إلى حديث علي عليه السلام (4) وهو يخطب ويذكر
الملاحم، فقال: يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة ! فقال علي عليه
السلام: إن كنت آثما فيما قلت يا غلام فرماك الله بغلام ثقيف، ثم سكت، فقام رجال
فقال (5): ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين ؟ قال غلام يملك بلدتكم هذه، لا يترك لله
حرمة إلا انتهكها، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه، فقالوا: كم يملك يا أمير المؤمنين ؟
قال: عشرين إن بلغها، قالوا: فيقتل قتلا أم يموت موتا ؟ قال: بل يموت حتف أنفه بداء
البطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه ! قال إسماعيل ابن رجاء: فوالله لقد رأيت
بعيني أعشى باهلة وقد احضر في جملة الاسرى الذين اسروا من جيش عبد الرحمن بن محمد
بن الاشعث بين يدي الحجاج، فقرعه ووبخه و استنشده شعره الذي يحرض فيه عبد الرحمن
على الحرب، ثم ضرب عنقه في هذا المجلس (6). *.
(1) في المصدر بعد ذلك وركب بغلة رسول
الله وقال: اطرح على كل قتيل منهم قصبة اه. (2) تربد الرجل: تعبس وتغير لونه. فهو
أربد. وفي المصدر بعد ذلك: وإذا هو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت: فإذا خرير ماء
عند موضع دالية، فقال عليه السلام: فتش هذا، ففتشته فإذا قتيل قد صار في الماء اه.
(3) شرح النهج 1: 249. (4) في المصدر: إلى علي عليه السلام. (5) في المصدر: فقالوا.
(6) في المصدر: في ذلك المجلس.
[342]
وروى محمد بن علي الصواف، عن الحسين بن
سفيان، عن أبيه، عن شمير بن سدير الازدي قال: قال علي عليه السلام لعمرو بن الحمق
الخزاعي أين نزلت يا عمرو ؟ قال: في قومي، قال: لا تنزلن فيهم، قال: أفأنزل في بني
كنانة جيراننا ؟ قال: لا، قال: أفأنزل في ثقيف ؟ قال: فما تصنع بالمعرة والمجرة ؟
قال: وماهما ؟ قال: عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة، يأتي أحدهما على تميم وبكر
بن وائل، فقلما يفلت منه أحد ويأتي العنق الاخرى فتأخذ على الجانب الاخرى (1) من
الكوفة فقل من يصيب منهم، إنما هو يدخل الدار فتحرق (2) البيت والبيتين: قال: فأين
أنزل ؟ قال: انزل في بني عمرو بن عامر من الازد، قال: فقام قوم حضروا هذا الكلام و
قالوا: ما نراه (3) إلا كاهنا يتحدث بحديث الكهنة ؟ فقال: يا عمرو وإنك لمقتول
بعدي، وإن رأسك لمنقول، وهو أول رأس ينقل في الاسلام، والويل لقاتلك، أما إنك لا
تنزل بقوم إلا أسلموك (4) برمتك إلا هذا الحي من بني عمرو بن عامر من الازد فإنهم
لن يسلموك ولن يخذلوك، قال: فوالله ما مضت [من] الايام حتى تنقل عمرو بن الحمق في
خلافة معاوية في أحياء العرب خائفا مذعورا، حتى نزل في قومه من بني خزاعة، فأسلموه
فقتل وحمل رأسه من العراق إلى معاوية بالشام، وهو أول رأس حمل في الاسلام من بلد
إلى بلد. وروى إبراهيم بن ميمون الازدي عن حبة العرني قال: كان جويرية بن مسهر
العبدي صالحا، وكان لعلي عليه السلام صديقا، وكان علي عليه السلان يحبه، ونظر يوما
إليه وهو يسير فناداه: يا جويرية الحق بي، فإني إذا رأيتك هويتك. قال إسماعيل بن
أبان: فحدثني الصباح عن مسلم حبة العرني قال: سرنا مع علي عليه السلام يوما، فالتفت
فإذا جويرية خلفه بعيدا، فناداه: يا جويرية
(1) في المصدر: ويأتى العنق الاخر فيأخذ
على الجانب الاخر. (2) في المصدر: فيحرق. (3) في المصدر: قال فقال قوم حضروا هذا
الكلام: ما نراه اه. (4) في المصدر: سلموك. (*)
[343]
الحق بي لا أبا لك، ألا تعلم أني أهواك
واحبك ؟ قال: فركض نحوه، فقال له: إني محدثك بامور فاحفظها، ثم اشتركا في الحديث
سرا، فقال له جويرية: يا أمير المؤمنين إني رجل نس (1)، فقال: أنا اعيد عليك الحديث
لتحفظه، ثم قال له في آخر ما حدثه إياه: يا جويرية أحبب حبيبنا ما أحبنا فإذا
أبغضنا فأبغضه، وابغض بغيضنا ما أبغضنا فإذا أحبنا فأحبه، قال: فكان ناس ممن يشك في
أمر علي عليه السلام يقولون: أنراه جعل جويرية وصيه كما يدعي هو من وصية رسول الله
صلى الله عليه وآله ؟ قال: يقولون ذلك لشدة اختصاصه له حتى دخل على علي عليه السلام
يوما وهو مضطجع وعنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية: أيها النائم استيقظ فلتضربن
على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك، قال: فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال:
واحدثك يا جويرية بأمرك أما والذي نفسي بيده لتعتلن إلى العتل الزنيم، فليقطعن يدك
ورجلك، وليصلبنك تحت جذع كافر، قال: فوالله ما مضت الايام على ذلك حتى أخذ زياد
جويرية، فقطع يده ورجله وصلبه إلى جانبه ابن معكبر (2) وكان جذعا طويلا، فصلبه على
جذع قصير إلى جانبه. وروى إبراهيم في كتاب الغارات عن أحمد بن الحسن الميثمي قال:
كان ميثم التمار مولى علي عليه السلام عبدا لامرأة من بني أسد، فاشتراه علي عليه
السلام (3) وأعتقه و قال له: ما اسمك ؟ قال: سالم، فقال: إن رسول الله صلى الله
عليه وآله أخبرني أن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم، قال: صدق الله ورسوله
وصدقت، هو اسمي (4)، قال: فارجع إلى اسمك ودع سالما، ونحن نكنيك به، فكناه أبا
سالم. قال: وقد كان أطلعه علي عليه السلام على علم كثير وأسرار خفية من أسرار
الوصية فكان ميثم يحديث ببعض ذلك، فيشك فيه قوم من أهل الكوفة، وينسبون عليا
(1) في المصدر: نسى. (2) في المصدر: إلى
جانب جذع ابن معكبر. (3) في المصدر: فاشتراه على منها. (4) في المصدر: فهو والله
اسمى.
[344]
عليه السلام في ذلك إلى المخرفة والايهام
والتدليس، حتى قال له يوما بمحضر من خلق كثير من أصحابه وفيهم الشاك والمخلص: يا
ميثم إنك تؤخذ بعدي و تصلب، فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دما حتى تخضب
لحيتك، فإذا كان اليوم الثالث طعنت بحربة فيقضى عليك، فانتظر ذلك، والموضع الذي
تصلب فيه على دار (1) عمرو بن حريث، إنك لعاشر عشرة، أنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من
المطهرة - يعني الارض - ولارينك النخلة التي تصلب على جذعها، ثم أراه إياها بعد ذلك
بيومين، فكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول: بوركت من نخلة، لك خلقت ولي بنت، فلم
يزل يتعاهدها بعد قتل علي على السلام حتى قطعت، فكان يرصد جذعها ويتعاهده ويتردد
إليه ويبصره، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إني مجاورك فأحسن جواري، فلا يعلم
عمرو ما يريد، فيقول له: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أم دار ابن حكيم ؟ قال: وحج
في السنة التي قتل فيها، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها، فقالت له: من أنت ؟ قال:
عراقي، فاستنسبته فذكر لها أنه مولى علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت: أنت هيثم ؟
قال: بل أنا ميثم، فقالت: سبحان الله والله لربما سمعت رسول الله صلى الله عليه
وآله يوصي بك عليا في جوف الليل، فسألها عن الحسين بن علي عليهما السلام فقالت: هو
في حائط له، قال: أخبريه أني أحببت السلام عليه ونحن ملتقون عند رب العالمين إن شاء
الله، ولا أقدر اليوم على لقائه، واريد الرجوع، فدعت بطيب فطيبت لحيته، فقال لها:
أما إنها ستخضب بدم، قالت: من أنبأك هذا ؟ قال: أنبأني سيدي، فبكت ام سلمة وقالت:
إنه ليس بسيدك وحدك هو سيدي وسيد المسلمين أجمعين، ثم ودعته، فقدم الكوفة فاخذ
وادخل على عبيدالله بن زياد، وقيل له: هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب، قال:
ويحكم هذا الاعجمي ؟ قالوا: نعم، فقال له عبيدالله: أين ربك ؟ قال: بالمرصاد قال:
قد بلغني اختصاص أبي تراب لك، قال: قد كان بعض ذلك، فما تريد ؟ قال:
(1) في المصدر: على باب دار عمرو بن حريث.
[345]
وإنه ليقال: إنه قد أخبرك بما سيلقاك،
قال: نعم إنه أخبرني (1) أنك تصلبني عاشر - عشرة وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من
المطهرة، قال: لاخالفنه، قال: ويحك كيف تخالفه إنما أخبر عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل و أخبر جبرئيل عن الله ؟
فكيف تخالف هؤلاء ؟ أما والله لقد عرفت الموضع الذي اصلب فيه أين هو من الكوفة،
وإني لاول خلق الله الجم في الاسلام بلجام كما يلجم الخيل، فحبسه وحبس معه المختار
بن أبي عبيدة الثقفي، فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد: إنك تفلت وتخرج
ثائرا بدم الحسين عليه السلام، فتقتل هذا الجبار الذي نحن في سجنه، وتطأ بقدمك هذا
على جبهته وخديه، فلما دعا عبيدالله بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد
بن معاوية إلى عبيدالله يأمره بتخلية سبيله، وذلك أن اخته كانت تحت عبد الله بن عمر
بن الخطاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد، فشفع فأمضى شفاعته، فكتب بتخلية سبيل
المختار على البريد فوافى البريد وقد اخرج ليضرب عنقه فاطلق، وأما ميثم فاخرج بعده
ليصلب، و قال عبيدالله: لامضين حكم أبي تراب فيه، فلقيه رجل فقال له: ما كان أغناك
عن هذا يا ميثم ؟ ! فتبسم وقال: لها خلقت ولي غذيت، فلما رفع على الخشبة اجتمع
الناس حوله على باب عمرو بن حريث، فقال عمرو: لقد كان يقول: إني مجاورك وكان يأمر
جاريته كل عشية أن تكنس تحت خشبته وترشه وتجمر بمجمرة تحته فجعل ميثم يحدث بفضائل
بني هاشم ومخازي بني امية وهو مصلوب على الخشبة فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا
العبد، فقال: ألجموه، فالجم، فكان أؤل خلق الله الجم في الاسلام، فلما كان في اليوم
الثاني فاضت منخراه وفمه دما، فلما كان في اليوم الثالث طعن بحربة فمات، وكان قتل
ميثم قبل قدوم الحسين عليه السلام العراق بعشرة أيام. قال إبراهيم: وحدثني إبراهيم
بن العباس النهدي قال: حدثني مبارك البجلي (2) عن أبي بكر بن عياش قال: حدثني
المجالد عن الشعبي عن زياد بن
(1) في المصدر بعد ذلك: قال ما الذى أخبرك
انى صانع بك ؟ قال: أخبرني اه. (2) في (ك): العجلى خ ل.
[346]
النصر الحارثي قال: كنت عند زياد وقد اتي
برشيد الهجري - وكان من خواص أصحاب علي عليه السلام - فقال له زياد: ما قال لك
خليلك إنا فاعلون بك ؟ قال تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني، فقال زياد: أما والله
لاكذبن حديثه، خلوا سبيله، فلما أراد أن يخرج قال: ردوه لا نجد لك شيئا أصلح مما
قال صاحبك، إنك لا تزال تبغي لنا سوء إن بقيت، اقطعوا يديه ورجليه، فقطعوا يديه
ورجليه وهو يتكلم فقال: اصلبوه خنقا (1) في عنقه، فقال رشيد: وقد بقي لي عندكم شئ
ما أراكم فعلتموه، فقال زياد: اقطعوا لسانه، فلما أخرجوا لسانه (2) قال: نفسوا عني
أتكلم كلمة واحدة، فنفسوا عنه فقال: والله هذا تصديق خبر أمير المؤمنين، أخبرني
بقطع لساني، فقطعوا لسانه وصلبوه. وروى أبو داود الطيالسي، عن سليمان بن زريق، عن
عبد العزيز بن صهيب قال: حدثني أبو العالية قال: حدثني مزرع صاحب علي بن أبي طالب
عليه السلام أنه قال: ليقبلن جيش حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، قال أبو العالية:
فقلت: (3) لانك لتحدثني بالغيب ! فقال: احفظ ما أقوله لك، فإنما حدثني به الثقة علي
بن أبي طالب عليه السلام وحدثني أيضا شيئا آخر: ليؤخذن (4) فليقتلن وليصلبن بين
شرفتين من شرف المسجد، فقلت له: إنك لتحدثني بالغيب ! فقال: احفظ ما أقول لك، قال
أبو العالية: فوالله ما أتت علينا جمعة حتى اخذ مزرع فقتل، وصلب بين شرفتين من شرف
المسجد. قلت: حديث الخسف بالجيش قد خرجه البخاري ومسلم في الصحيحين عن ام سلمة رضي
الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يعوذ قوم بالبيت حتى إذا
كانوا بالبيداء خسف بهم، فقلت: يا رسول الله لعل فيهم المكره أو الكاره، فقال:
(1) خنقه خنقا: شد على حلقه حتى يموت. (2)
في المصدر: فلما اخرجوا لسانه ليقطع. (3) في المصدر: فقلت له. (4) في المصدر:
ليؤخذن رجل.
[347]
يخسف بهم، ولكن قال: يحشرون - أو قال:
يبعثون - على نياتهم يوم القيامة، قال: فسئل أبو جعفر محمد بن علي أهي بيداء من
الارض ؟ فقال: كلا والله إنها بيداء المدينة أخرج البخاري بعضه وأخرج مسلم الباقي.
وروى محمد بن موسى العنزي قال: كان مالك بن ضمرة الرواسي من أصحاب أمير المؤمنين
عليه السلام وممن استبطن من جهته علما كثيرا. وكان أيضا قد صحب أبا ذر فأخذ من
عمله، وكان يقول في أيام بني امية: اللهم لا تجعلني من الثلاثة، فيقال له: وما
الثلاثة ؟ فيقول: رجل يرمى به من فوق طمار، ورجل تقطع يداه ورجلاه ولسانه ويصلب،
ورجل يموت على فراشه، فكان من الناس من يهزأ به ويقول: هذا من أكاذيب أبي تراب،
قال: فكان الذي رمي به في طمار: هانئ بن عروة، والذي قطع وصلب رشيد الهجري، ومات
مالك على فراشه (1). قال: وقال نصر بن مزاحم: حدثنا عبد العزيز بن سباه، عن حبيب بن
أبي ثابت، عن سعيد التيمي المعروف بعقيصا قال: كنا مع علي عليه السلام في مسيره إلى
الشام، حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد عطش الناس واحتاجوا إلى الماء،
فانطلق بنا علي عليه السلام حتى أتى إلى صخرة مضرس في الارض كأنها ربضة عنز، فأمرنا
فاقتلعناها، فخرج لنا من تحتها ماء، فشرب الناس منه حتى ارتووا، ثم أمرنا فأكفاناها
عليه، وسار الناس حتى إذا مضى قليلا، قال عليه السلام: أمنكم أحد يعلم مكان هذا
الماء الذي شربتتم منه ؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فانطلقوا إليه فانطلق
منا رجال ركبانا ومشاة فاقتصصنا الطريق إليه حتى انتهينا إلى المكان الذي يرى (2)
أنه فيه، فطلبناه فلم نقدر على شئ، حتى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا،
فسألناهم أين هذا الماء الذي عندكم ؟ قالوا: ليس قربنا ماء، فقلنا: بلى إنا شربنا
منه، قالوا: أنتم شربتم منه ؟ قلنا: نعم، فقال صاحب
(1) شرح النهج 1: 254 - 257. (2) في
المصدر: نرى.
[348]
الدير: والله ما بني هذا الدير إلا بذلك
الماء، ما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي (1). 60 - نهج: وقال عليه السلام لما عزم على
حرب الخوراج - وقيل له: إن القوم قد عبروا جسر النهروان -: مصارعهم دون النطفة،
والله لا يفلت منهم عشرة ولا يهلك منكم عشرة. قال السيد الرضي رضي الله عنه: يعني
بالنطفة ماء النهر، وهي أفصح كناية عن الماء (2). وقال ابن أبي الحديد: هذا الخبر
من الاخبار التي تكاد تكون متواترة لاشتهاره ونقل الناس كافة له، وهو من معجزاته
وأخباره المفصلة عن الغيوب التي لا يحتمل التلبيس، لتقييده بالعدد المعين في أصحابه
وفي الخوارج، ووقع الامر بعد الحرب من غير زيادة ولا نقصان، ولقد كان له من هذا
الباب ما لم يكن لغيره ولمشاهدة الناس من معجزاته وأحواله المنافية لقوى البشر
غلافيه من غلا، حتى نسب إلى أن الجوهر الالهي حل في بدنه، كما قالت النصارى في عيسى
عليه السلام انتهى (3). 61 - نهج: من خطبة له عليه السلام: أما بعد أيها الناس فأنا
فقأت عين الفتنة، و لم يكن ليجترئ عليها أحد غيري، بعد أن ماج غيهبها واشتد كلبها،
فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا تسألونني عن شئ فيما بينكم وبين
الساعة ولاعن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ومناخ
ركابها ومحط رحالها ومن يقتل من أهلها قتلا ويموت منهم موتا، ولو قد فقد تموني و
نزلت (4) كرائه الامور وحوازب الخطوب لاطرق كثير من السائلين وفشل كثير من
المسؤولين، وذلك إذا قلصت حربكم وشمرت عن ساق، وضاقت الدنيا عليكم ضيقا
(1) شرح النهج 1: 366. (2) نهج البلاغة
(عبده ط مصر): 116. (3) شرح النهج 1: 560 وقد لخصه المصنف. (4) في المصدر: ونزلت
بكم.
[349]
تستطيلون (1) أيام البلاء عليكم، ثم يفتح
الله لبقية الابرار منكم إن الفتن إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت نبهت، ينكرن مقبلات
ويعرفن مدبرات يحمن حوم الرياح يصبن بلدا ويخطئن بلدا، ألا إن أخوف الفتن عندي
عليكم فتنة بني امية فإنها فتنة عميا. مظلمة، عمت خطتها وخصت بليتها، وأصاب البلاء
من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها، وايم الله لتجدن بني امية لكم أرباب سوء
بعدي، كالناب الضروس تعذم بفيها وتخبط بيدها وتزبن برجلها وتمنع درها، لا يزالون
بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعا لهم أو غير ضائر (2)، ولا يزال بلاؤهم حتى لا
يكون انتصار أحدكم منهم إلا مثل (3) انتصار العبد من ربه والصاحب من مستصحبه، ترد
عليكم فتنتهم شوهاء مخشية وقطعا جاهلية، ليس فيها منار هدى ولا علم يرى، نحن أهل
البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة، ثم يفرجها الله عنهم كتفريج الاديم بمن يسومهم
خسفا ويسوقهم عنفا ويسقيهم بكأس مصبرة، لا يعطيهم إلا السيف ولا يحلسهم إلا الخوف،
فعند ذلك تود قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاما واحدا ولو قدر جزر جزور لاقبل
منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونني (4). تبيين: فقأ العين: شقها وعدم اجترائهم
كان لاستعظامهم قتال أهل القبلة لجهالتهم. والغيهب: الظلمة وتموجه كناية عن عمومه
وشموله للاماكن. و اشتد كلبها أي شرها وأذاها، يقال للقحط الشديد: الكلب، وكذلك
للقر الشديد. قوله: " بناعقها " أي الداعي إليها، يقال: نعق ينعق - بالكسر - أي صاح
وزجر. والمناخ بضم الميم مصدر أو اسم مكان من أناخ البعير. الركاب: الابل التي تسار
عليها، الواحدة راحلة ولاواحد لها من لفظها. والكرائه جمع الكريهة وهي الشدة. وقال
الجزري: الحوازب جمع حازب وهو الامر الشديد (5). وقوله عليه السلام: " لاطرق
(1) في المصدر: تستطيلون معه. (2) في
المصدر: أو غير ضائر بهم. (3) في المصدر: الا كانتصار. (4) نهج البلاغة (عبده ط
مصر) 1: 199 - 201. (5) النهاية 1: 222.
[350]
كثير من السائلين " أي لشدة الامر
وصعوبته، حتى أن السائل ليبهت ويدهش فيطرق ولا يستطيع السؤال. الفشل: الجبن. وقال
ابن أبي الحديد: قلصت يروى بالتشديد أي انضمت واجتمعت فيكون أشد وأصعب من أن ينفرق
في مواطن متعددة، وبالتخفيف أي كثرت وتزايدت من قلصت البئر أي ارتفع ماؤها وروي "
إذا قلصت عن حربكم " أي إذا قلصت كرائه الامور وحوازب الخطوب عن حربكم أي انكشفت
عنها (1). قوله عليه السلام: وشمرت عن ساق " أي كشفت عن شدة ومشقة، كقوله تعالى: "
يوم يكشف عن ساق (2) " أو كناية عن قيام الحرب وتمام أسبابها، فإنه كناية عن
الاهتمام في الامر. قوله عليه السلام: " إذا أقبلت شبهت " إي في ابتدائها تلتبس
الامور ولا يعلم الحق من الباطل إلى أن تنقضي فيظهر بطلانها لظهور آثار الفساد
منها. وحام الطائر حول الماء يحوم حوما وحومانا أي دار، شبه عليه السلام الفتن في
دورانها ووقوعها من دعاة الضلال في بلد دون بلد بالرياح. الخطة: الحال والامر
وعمومها لانها كانت ولاية عامة وخصت بليتها بالصالحين والائمة من أهل البيت عليهم
السلام وشيعتهم، فالمبصر العارف للحق يصيبه البلاء لما يرى من الجور فيه وفي غيره،
وأما الجاهل المنقاد لهم فهو في راحة. والناب: الناقة المسنة. والضروس: السيئة
الخلق. والعذم: العض والاكل بجفاء. والزبن: الدفع. والدر في الاصل: اللبن ثم اطلق
على كل خير، وهو كناية عن منع حقوق المسلمين و الاستبداد بأموالهم. قوله: " أو غير
ضائر " يعني من لا ينكر أفعالهم. والانتصار: الانتقام، وقد جاء في كلامه عليه
السلام تفسير انتصار العبد من ربه في غير هذا الموضع حيث عقبه بقوله: " إذا شهد
أطاعه وإذا غاب اغتابه (3) " والمرد بالصاحب هنا التابع. والشوهاء:
(1) شرح النهج 2: 279 و 280. ونقله ملخصا.
(2) سورة القلم: 42. (3) راجع النهج (عبده ط مصر) 1: 207.
[351]
القبيحة، وفي بعض النسخ " شوها " بالضم
بغير مد جمع الشوهاء. قوله عليه السلام: " وقطعا جاهلية " شبهها بقطع السحاب
لتراكمها، أو قطع الحبل لورودها دفعات. قوله عليه السلام: بمنجاة " أي بمعزل لا
تلحقنا آثامها ولسنا من أنصار تلك الدعوة. قوله: " كتفريج الاديم " الاديم، الجلد،
ووجه الشبه انكشاف الجلد عما تحته من اللحم. قوله عليه السلام: " يسومهم خسفا " أي
يوليهم ذلا والخسف: النقصان والهوان. قوله عليه السلام: " مصبرة " أي ممزوجة بالصبر
المر أو مملوءة إلى أصبارها أي جوانبها قوله عليه السلام: " ولا يحلسهم " أي لا
يلبسهم، والحلس كساء رقيق يكون تحت البرذعة، والجزور من الابل يقع على الذكر
والانثى، و جزرها: ذبحها. قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح هذه الخطبة: هذه
الدعوى ليست منه عليه السلام إدعاء الربوبية ولا ادعاء النبوة، ولكنه كان يقول: إن
رسول الله صلى الله عليه وآله أخبره بذلك، ولقد امتحنا أخباره فوجدناه موافقا
فاستدللنا بذلك على صدق الدعرى المذكورة، كإخباره عن الضربة التي يضرب في رأسه
فتخضب لحيته، وإخباره عن قتل الحسين عليه السلام ابنه، وما قاله في كربلاء حيث
مربها، وإخباره بملك معاوية الامر من بعده، وإخباره عن الحجاج وعن يوسف بن عمر وما
أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان، وما قدمه إلى أصحابه من إخباره بقتل من يقتل
منهم وصلب من يصلب، وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وإخباره بعدة
الجيش الوارد إليه من الكوفة لما شخص عليه السلام إلى البصرة لحرب أهلها، وإخباره
عن عبد الله بن الزبير وقوله عليه السلام فيه: " خب صب يروم أمرا ولا يدركه ينصب
حبالة الدين لاصطياد الدنيا وهو بعد مصلوب قريش ". وكإخباره عن هلاك البصرة بالغرق
وهلاكها تارة اخرى بالزنج، وهو الذي صحفه قوم فقالوا: بالريح (1).
(1) في المصدر بعد ذلك: وكاخباره عن ظهور
الرايات السود من خراسان وتنصيصه على قوم من اهلها يعرفون ببنى رزيق - بتقديم
المهملة - وهم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين وولده واسحاق بن ابراهيم وكانوا
هم وسلفهم دعاة الدولة العباسية اه.
[352]
وكإخباره عن الائمة الذين ظهروا من ولده
بطبرستان كالناصر والداعي و غيرهما في قوله عليه السلام: " وإن لآل محمد بالطالقان
لكنزا سيظهره الله إذا شاء، دعاة حق تقوم بإذن الله فتدعو إلى دين الله " وكإخباره
عن مقتل النفس الزكية بالمدينة وقوله: " إنه يقتل عند أحجار الزيت " وكقوله عن أخيه
إبراهيم المقتول بباخمرا (1): " يقتل بعد أن يظهر ويقهر بعد أن يقهر " وقوله عليه
السلام فيه أيضا: " يأتيه سهم غرب يكون فيه منيته فيا بؤس الرامي (2) شلت يده ووهن
عضده " وكإخباره عن قتلى فخ وقوله عليه السلام (3): " هم خير أهل الارض أو من خير
أهل الارض " وكإخباره عن المملكة العلوية بالغرب وتصريحه بذكر كتامة وهم الذين
نصروا أبا عبد الله الداعي المعلم. كقوله وهو يشير إلى عبيدالله المهدي وهو أولهم:
ثم يظهر صاحب القيروان (4) الفض البض، ذو النسب المحض، المنتجب من سلالة ذي البداء،
المسجى بالرداء " وكان عبيدالله المهدي أبيض مترفا مشربا حمرة رخص البدن تار
الاطراف وذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد عليهما السلام وهو المسجى بالرداء، لان
أباه أبا عبد الله جعفر عليه السلام سجاه بردائه لما مات، وأدخل إليه وجوه الشيعة
يشاهدونه ليعلموا موته وتزول عنهم الشبهة في أمره. وكإخباره عن بني بويه وقوله
فيهم: " ويخرج من ديلمان بنو الصياد " إشارة إليهم، وكان أبوهم صياد السمك يصيد منه
بيده ما يتقوت هو وعياله بثمنه فأخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكا ثلاثة، ونشر
ذريتهم حتى ضربت الامثال بملكهم. وكقوله عليه السلام فيهم: " ثم يستقوي أمرهم حتى
يملكوا الزوراء ويخلعوا الخلفاء " فقال له قائل: فكم مدتهم يا أمير المؤمنين ؟
فقال: مائة أو تزيد قليلا. وكقوله
(1) موضع بين الكوفة وواسط وإلى الكوفة
اقرب، به قبر ابراهيم بن عبد الله بن الحسن قتله بها اصحاب المنصور (مراصد الاطلاع
1: 148). (2) في المصدر: فيا بؤسا للرامي. (3) في المصدر: وقوله فيهم. (4) كانت
مدينة عظيمة بافريقية.
[353]
فيهم: " والمترف ابن الاجذم يقتله ابن عمه
على دجلة " وهو إشارة إلى عز الدولة بختيار بن معز الدولة أبي الحسين، وكان معز
الدولة أقطع اليد قطعت يده التكوض (1) في الحرب، وكان ابنه عز الدولة بختيار مترفا
صاحب لهو وشرب (2) وقتله عضد الدولة فنا خسره (3) ابن عمه بقصر الجفن (4) على دجلة
في الحرب و سلبه ملكه، فأما خلعهم للخلفاء فإن معز الدولة خلع المستكفي ورتب عوضه
المطيع، وبهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة خلع الطائع ورتب عوضه القادر، و كانت
مدة ملكهم كما أخبر به عليه السلام. وكإخباره عليه السلام لعبد الله بن العباس -
رحمه الله - عن انتقال الامر إلى أولاده، فإن علي بن عبد الله لما ولد أخرجه أبوه
عبد الله إلى علي عليه السلام فأخذه وتفل في فيه وحنكه بتمرة قد لاكها ودفعه إليه
وقال: " خذ إليك أبا الاملاك " هكذا الرواية الصحيحة وهي التي ذكرها أبو العباس
المبرد في الكتاب الكامل (5)، وليست الرواية التي يذكر فيها العدد بصحيحة ولا
منقولة في كتاب (6) معتمد عليه. وكم له من الاخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى
مما لو أردنا استقصاءه لكرسنا كراريس (7) كثيرة، وكتب السير تشتمل عليها مشروحة
(8)، ثم قال: وهذا الكلام إخبار عن ظهور المسودة وانقراض ملك بني امية، ووقع الامر
بموجب إخباره صلوات الله عليه، حتى لقد صدق قوله عليه السلام: " تود قريش " إلى
(1) في المصدر: النكوص. (2) في المصدر:
وطرب. (3) في المصدر: فنا خسرو. (4) في المصدر: الجص. (5) في المصدر: في كتاب
الكامل. (6) كذا في (ك) وفي غيره من النسخ وكذا المصدر: من كتاب. (7) الكراس
والكراسة - بالضم والشد - الجزء من الكتاب. مجموعة صغيرة دون الكتاب وفي غير (ك) من
النسخ وكذا المصدر: لكسرنا له كراريس. (8) اسقط المصنف ههنا كثيرا من كلامه وقد نقل
بعضه فيما سبق.
[354]
آخره، فإن أرباب، لسيرة كلهم نقلوا أن
مروان بن محمد قال يوم الراب لما شاهد عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس
بإزائه في صف خراسان: " لوددت أن علي بن أبي طالب تحت هذه الراية بدلا من هذا الفتى
" والقصة طويلة مشهورة وهذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السيرة، وهي متداولة
منقولة مستفيضة خطب بها علي عليه السلام بعد انقضاء أمر النهروان، وفيها ألفاظ لم
يوردها الرضي رحمه الله من قوله عليه السلام (1): " ولم يكن ليجترئ عليها غيري ولو
لم أك فيكم ما قوتل أصحاب الجمل والنهروان، وايم الله لولا أن تنكلوا فتدعوا العمل
لحدثتكم بما قضى الله عزوجل على لسان نبيكم صلى الله عليه وآله لمن قاتلهم مبصرا
بضلالتهم عارفا للهدى الذي نحن عليه، سلوني قبل أن تفقدوني فإني ميت عن قريب أو
مقتول بل قتلا ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه بدم ؟ " وضرب بيده إلى لحيته. ومنها (2)
في ذكر بني امية " يظهر أهل باطلها على أهل حقها حتى تملا الارض عدوانا وظلما
وبدعا، إلى أن يضع الله عزوجل جبروتها ويكسر عمدها وينزع أوتادها، ألا وإنكم
مدركوها فانصروا قوما كانوا أصحاب رايات بدر وحنين توجروا، ولا تمالئوا عليهم عدوهم
فيصير عليهم (3) ويحل بكم النقمة " ومنها " إلا مثل انتصار العبد من مولاه إذا رآه
أطاعه، وإن توارى عنه شتمه، وايم الله لو فرقوكم تحت كل حجر لجمعكم الله لشر يوم
لهم " ومنها " فانظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم،
فليفرجن الله منا (4) أهل البيت بأبي ابن خيرة الاماء لا يعطيهم إلا السيف هرجا
هرجا، موضوعا على عاتقه ثمانية (5) حتى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا،
يغريه الله ببني امية حتى
(1) كذا في (ك). وفي غيره من النسخ وكذا
المصدر: من ذلك قوله اه. (2) أي ومما لم يوردها الرضى رحمه الله. (3) في المصدر:
فتصرعكم البلية. (4) في المصدر: فليفرجن الله الفتنة برجل منا اه. (5) في المصدر:
ثمانية أشهر.
[355]
يجعلهم حطاما ورفاتا، ملعونين أينما ثقفوا
اخذوا وقتلوا تقتيلا، سنة الله في الذين خلوا من قبل لن تجد لسنة الله تبديلا (1)
". بيان: الخب: الخداع. والصبابة: الشوق، وفي بعض النسخ بالهمز فيهما فالخبء: السر،
وهو أيضا كناية عن الغدر والحيلة، وصبأ - كمنع وكرم - صبأ خرج من دين إلى آخر،
وعليهم العدو: دلهم، قاله الفيروز آبادي (2). وقال: أصابه سهم غرب ويحرك وسهم غرب
نعتا أي لا يدرى راميه (3) والفض: الكسر بالتفرقة، والنفر المتفرقون. والبض: الرخص
الجسد الرقيق الجلد الممتلئ. والتار: المسترخي. أقول: أوردت تمام تلك الخطبة برواية
سليم بن قيس (4) في كتاب الفتن. 62 - نهج: قال عليه السلام لما قتل الخوارج فقيل:
يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم فقال عليه السلام: كلا والله إنهم نطف في أصلاب
الرجال وقرارات النساء، كلما نجم منهم قرن قطع حتى يكون آخرهم لصوصا سلابين (5).
بيان: نجم: طلع وظهر. والقرن كناية عن رؤسائهم. قطعه: قتله. 63 - - نهج: قالوا: اخذ
مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل، فاستشفع الحسن والحسين إلى أمير المؤمنين عليهم
السلام فكلماه فيه، فخلى سبيله، فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنين، فقال عليه
السلام: أو لم يبايعني بعد قتل عثمان (6) ؟ لا حاجة لي في بيعته إنها كف يهودية، لو
بايعني بيده لغدرني بسبته (7)، أما إن له إمرة كلعقة الكلب
(1) شرح النهج 2: 277 - 282. (2) القاموس
1: 20. (3) القاموس 1: 111. (4) راجع كتاب سليم: 85 - 90. (5) نهج البلاغة 1: 116 و
117. (6) في المصدر: قبل قتل عثمان. (7) ضبطه في القاموس بفتح السين وفي أقرب
الموارد بضمها.
[356]
أنفه، وهو أبو الأكبش الاربعة، وستلقى
الامة منه ومن ولده يوما أحمر (1). توضيح: كف يهودية أي من شأنها الغدر والمكر،
فإنه من شأنهم. و السبة: الاست. والامرة بالكسر: الولاية. وكبش القوم: رئيسهم،
والتشبيه لمدة ملكه بلعقة الكلب أنفه للتنبيه على قصر أمرها، وكانت مدة إمرته أربعة
أشهر وعشرا، وروي ستة أشهر، والاكبش الاربعة أربعة ذكور لصلبه، وهم عبد الملك وولي
الخلافة، وعبد العزيز وولي مصر، وبشر وولي العراق، ومحمد وولي الجزيرة، ويحتمل أن
يريد بالاربعة أولاد عبد الملك، وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام لعنهم الله، وكلهم
ولي الخلافة ولم يلها أربعة إخوة إلا هم. واليوم الاحمر كناية عن شدته، ومن لسان
العرب وصف الامر الشديد بالاحمر، ولعله لكون الحمرة وصف الدم كني به عن القتل،
ويروى: موتا أحمر. 64 - نهج: لكأني أنظر إلى ضليل قد نعق بالشام، وفحص براياته في
ضواحي كوفان، فإذا فغرت فاغرته واشتدت شكيمته وثقلت في الارض وطأته، عضت الفتنة
أبناءها بأنيابها، وماجت الارض (2) بأمواجها، وبدا من الايام كلوحها ومن الليالي
كدوحها، فإذا أينع زرعه وقام على ينعه وهدرت شقاشقه وبرقت بوارقه عقدت رايات الفتن
المعضلة، وأقبلن كالليل المظلم والبحر الملتطم، هذا وكم يخرق الكوفة من قاصف ويمر
عليها (3) وعن قليل تلتف القرون بالقرون، ويحصد القائم ويحطم المحصود (4). بيان:
قيل: المراد بالضليل معاوية، وقيل: السفياني. وقال ابن أبي الحديد: هذا كناية عن
عبد الملك بن مروان، لان هذه الصفات
(1) نهج البلاغة 1: 134. (2) في المصدر:
وماجت الحرب. (3) في المصدر: ويمر عليها من عاصف. (4) نهج البلاغة 1: 211.
[357]
كانت فيه أتم منها في غيره، لانه أقام
بالشام حين دعا إلى نفسه، وهو معنى نعيقه وفحصت راياته بالكوفة تارة حين شخص بنفسه
إلى العراق وقتل مصعبا، وتارة لما استخلف الامراء على الكوفة، فلما كمل أمر عبد
الملك وهو معنى " أينع زرعه " هلك، وعقدت رايات الفتن المعضلة بعده، كحروب أولاده
مع بني المهلب، ومع زيد بن علي عليه السلام وأيام يوسف بن عمر وغير ذلك (1).
والضواحي: النواحي البارزة القريبة. قوله: فغرت فاغرته " أي فتح فاه والشكيمة في
الاصل حديدة معترضة في اللجام في فم الدابة، وفلان شديد الشكيمة إذا كان عسر
الانقياد شديد النفس وثقلت في الارض وطأنه أي عظم جوره وظلمه. والكلوح بالضم تكشر
في العبوس (2). والكدوح: الخدوش وأينع الزرع: أدرك ونضج، والينع جمع يانع، ويجوز أن
يكون مصدرا. وهدرت أي صوتت والشقاشق جمع شقشقة، وهي بالكسر شئ كالراية يخرج من فم
البعير إذا هاج وبرقت بوارقه أي سيوفه ورماحه والمعضلة: العسرة العلاج. والقاصف:
الريح القوية تكسر كلما تمر عليه، القرون: الاجيال من الناس، واحدها قرن بالفتح،
وهذا كناية عن الدولة العباسية التي ظهرت على دولة بني امية في الحرب، ثم قتل
المأمورين منهم صبرا، فحصد القائم قبل المحاربة وحطم الحصيد بالقتل صبرا. المراد
بالتفاف بعضهم ببعض اجتماعهم في بطن الارض، وبحصدهم قتلهم أو موتهم، وبحطم محصودهم
تفرق أو صالهم في التراب، أو التفافهم كناية عن جمعهم في موقف الحساب أو طلب بعضهم
مظالمهم من بعض، وحصدهم عن إزالتهم عن موضع قيامهم أي الموقف، وسوقهم إلى النار
وحطمهم عن تعذيبهم في نار جهنم. أقول: سيأتي كثير من الاخبار في كتاب الفتن. 65 -
البرسي في المشارق عن ابن نباتة أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يوما جالسا
(1) شرح النهج 2: 303. وقد نقله ملخصا.
(2) والصحيح ان يقال: كلح كلوحا - بالضم - تكشر في عبوس. وتكشر أي كشف عن اسنانه.
[358]
في نجف الكوفة فقال لمن حوله: من يرى ما
أرى ؟ فقالوا: وما ترى يا عين الله الناظرة في عباده ؟ فقال: أرى بعيرا يحمل جنازة
ورجلا يسوقه ورجلا يقوده، وسيأتيكم بعد ثلاث فلما كان اليوم الثالث قدم البعير
والجنازة مشدودة عليه ورجلان معه، فسلما على الجماعة، فقال لهما أمير المؤمنين عليه
السلام بعد أن حياهم: من أنتم ومن أين أقبلتم و من هذه الجنازة ولماذا قدمتم ؟
فقالوا: نحن من اليمن، وأما الميت فأبونا وإنه عند الموت أوصى إلينا فقال: إذا
غسلتموني وكفنتموني وصليتم علي فاحملوني على بعيري هذا إلى العراق فادفنوني هناك
بنجف الكوفة، فقال لهما أمير المؤمنين عليه السلام: هل سألتماه لماذا ؟ فقالا: أجل
قد سألناه فقال: يدفن هناك رجل لو شفع يوم القيامة لاهل الموقف (1) لشفع، فقام أمير
المؤمنين عليه السلام وقال: صدق، أنا والله ذلك الرجل (2). 66 - قال ابن أبي الحديد
في موضع آخر: قال شيخنا أبو عثمان: حدثني ثمامة قال: سمعت جعفر بن يحيى - وكان من
أبلغ الناس وأفصحهم للقول والكتابة بضم اللفظة إلى اختها -: ألم تسمعوا قول شاعر
لشاعر وقد تفاخرا: أنا أشعر منك لاني أقول البيت وأخاه، وأنت تقول البيت وابن عمه !
ثم قال: وناهيك حسنا بقول علي بن أبي طالب عليه السلام: " هل من مناص أو خلاص ؟ أو
معاذ أو ملاذ ؟ أو قرار أو محار ؟ " قال أبو عثمان: وكان جعفر يتعجب أيضا بقول علي
عليه السلام: أين من جد واجتهد، وجمع واحتشد (3) وبني فشيد، وفرش فمهد، وزخرف فنجد
(4) ؟ " قال: ألا ترى أن كل لفظة منها آخذة بعنق قرينها جاذبة إياها إلى نفسها دالة
عليها بذاتها ؟ قال أبو عثمان: فكان جعفر يسميه فصيح قريش. واعلم أننا لا يتخالجنا
(1) في المصدر: لو شفع في يوم العرض في
أهل الموقف. (2) مشارق الانوار: 145. (3) الاحتشاد: الاجتهاد وبذل الوسع. (4) أي
زينه.
[359]
الشك في أنه أفصح من كل ناطق بلغة العرب
من الاولين والآخرين إلا ما كان من كلام الله سبحانه وكلام رسول الله صلى الله عليه
وآله وذلك لان فضيلة الخطيب أو الكاتب في خطابته وكتابته يعتمد (1) على أمرين هما
مفردات الالفاظ ومركباتها، أما المفردات فأن تكون سهلة سلسلة (2) غير وحشية ولا
معقدة، وألفاظه عليه السلام كلها كذلك، وأما المركبات فحسن المعنى وسرعة وصوله إلى
الافهام واشتماله على الصفات التي باعتبارها فضل بعض الكلام على بعض، وتلك الصفات
هي الصناعة التي سماها المتأخرون البديع، من المقابلة والمطابقة وحسن التقسيم، ورد
آخر الكلام على صدره، والترصيع والتسهيم والتوشيح والمماثله والاستعارة، ولطافة
استعمال المجاز والموازنة والتكافؤ والتسميط والمشاكلة، ولا شبهة أن هذه الصفات
كلها موجودة في خطبه وكتبه، مبثوثة متفرقة في فرش كلامه عليه السلام وليس يوجد هذان
الامران في كلام لاحد (3) غيره فان كان قد تعملها (4) وأفكر فيها وأعمل رويته في
وضعها (5) ونثرها فلقد أتى بالعجب العجائب (6)، ووجب أن يكون إمام الناس كلهم في
ذلك لانه ابتكره ولم يعرف من قبله. وإن كان اقتضبها (7) ابتداء، وفاضت عليها لسانه
مرتجلة وجاش بها طبعه بديهة من غير روية ولا اعتمال فأعجب، وأعجب على كلا الامرين،
فلقد جاء مجليا (8) والفصحاء ينقطع أنفاسهم على أثره، ويحق ما قال معاوية لمحقن
الضبي لما قال له: " جئتك من عند أعيى الناس ": يا ابن اللخناء (9)
(1) في المصدر: تعتمد. (2) في (ت): سلسة.
(3) في المصدر: احد. (4) أي تكلف واجتهد وفي غير (ك) من النسخ " قد يعملها " وفي
المصدر " قد تعلمها ". (5) في المصدر: في رصفها. (6) في المصدر: العجاب. (7) اقتضب
الكلام: ارتجله. (8) المجلى: السابق في الميدان. (9) لخن الرجل: تكلم بقبيح. كان
منتن المغابن وهى مطاوى الجسد.
[360]
لعلي تقول هذا ؟ وهل سن الفصاحة لقريش
غيره ؟ واعلم أن تكلف الاستدلال على أن الشمس مضيئة يتعب (1)، وصاحبه منسوب إلى
السفه، وليس جاحد الامور المعلومة علما ضروريا بأشد سفها ممن رام الاستدلال بالادلة
النظرية عليها (2). أقول: قد أثبتنا إخباره عليه السلام بالمغيبات في باب علمه،
وباب إخباره بسبه، وأبواب شهادته، وباب جوامع معجزاته وأبواب شهادة الحسين عليه
السلام وأبواب أحوال أصحابه.
(1) في (خ): عبث ظ. (2) شرح النهج 2: 160.
[361]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على سيدنا محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين. وبعد: فإن الله
المنان قد وفقنا لتصحيح هذا الجزء - وهو الجزء السابع من أجزاء المجلد التاسع من
الاصل، والجزء الحادي والاربعون حسب تجزءتنا - (2) شرح النهج 2: 160.
[361]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على سيدنا محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين. وبعد: فإن الله
المنان قد وفقنا لتصحيح هذا الجزء - وهو الجزء السابع من أجزاء المجلد التاسع من
الاصل، والجزء الحادي والاربعون حسب تجزءتنا - من كتاب بحار الانوار وتخريج أحاديثه
ومقابلتها على ما بأيدينا من المصادر، و بذلنا في ذلك غاية جهدنا على ما يراه
المطالع البصير، وقد راجعنا في تصحيح الكتاب وتحقيقه ومقابلته نسخا مطبوعة ومخطوطة
إليك تفصيلها. 1 - النسخة المطبوعة بطهران في سنة 1307 بأمر الواصل إلى رحمة الله
وغفرانه الحاج محمد حسين الشهير ب " كمباني " ورمزنا إلى هذه النسخة ب (ك) وهي
تزيد على جميع النسخ التي عندنا كما أشار إليه العلامة الفقيد الحاج الميرزا محمد
القمي المتصدي لتصحيحها في خاتمة الكتاب، فجعلنا الزيادات التي وقفنا عليها بين
معقوفين هكذا (....) وربما أشرنا إليها ذيل الصفحات. 2 - النسخة المطبوعة بتبريز في
سنة 1297 بأمر الفقيد السعيد الحاج ابراهيم التبريزي ورمزنا إليها ب (ت). 3 - نسخة
كاملة مخطوطة بخط النسخ الجيد على قطع كبير تاريخ كتابتها 1280 ورمزنا إليها ب
(م).
[362]
وهذه ا لنسخة لمكتبة العالم البارع
الاستاذ السيد جلال الدين الحسيني الارموي الشهير بالمحدث لا زال موفقا. 4 - نسخة
مخطوطة أخرى نعرفها في المجلد الآتي إنشاء الله تعالى.